تقارير كتاب محمد المثل الأعلى
نبذة عن المؤرخ الأسكتلنديّ
" توماس كارلايل
"
فيلسوف غربي ليس
على ملة الإسلام .. ولكنه على ملة النزاهة والإنصاف والنظرة الثاقبة والرأي المحايد
الذي يقول الحق للتاريخ .. إنه الفيلسوف والمؤرخ الأسكتلنديّ الأشهر "توماس
كارلايل" .. فهو من أشهر الكتّاب الذين تمّيزوا بنظريات خاصة، إذ يؤكد أن
تقدّم الأمم انعكاس وتطور للهمّة العالية لدى بطل يظهر في تلك الأمة.
إبنهر كارلايل أشد الانبهار بشخصية نبي الإسلام واعتبره مثالا متكاملا لعلوّ
الهِمَّة والطبع الإنسانيّ الرؤوف وتجسيدًا لكل الفضائل الأخلاقية. ودافع عنه دفاع
عارِف بدقائق التاريخ مُنتقدًا بشدة المفترين الغربيين الذين لم يألوا جهدًا في
الإساءة إليه ووصمه بما يعاكس الواقع تمامًا، وذلك في أكثر أعماله شهرةً وانتشارًا
"الأبطال" الذي خصَّص فيه فصلا كاملا للنبيّ محمد
(صلى الله عليه وسلم) كَيْمَا ينقل لأبناء جيله وللأجيال من بعده رسالة أراد بها أن
يُحقَّ حقًّا ويُبطل باطلا. كان عنوان هذه الرسالة: "الرسول
محمد بطل الأبطال".
ومما قاله "كارلايل" في كتابه "الأبطال" مُدافعًا
غيورًا على الاسلام :
"من العار أن يصغي أي إنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين بأن دين
الإسلام كذب، وأن محمدًا لم يكن على حق. لقد آن لنا أن نحارب هذه الإدعاءات
السخيفة المُخْجِلَة، فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجًا منيرًا أربعة
عشر قرنًا من الزمان لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة
التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذبة، أو خديعة مخادع؟!
هل رأيتم رجلاً كاذبًا يستطيع أن يؤسِّس دينًا ويتعهده بالنشر بهذه الصورة؟!
إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتًا من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء، وإذا
بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد، فما بالك بالذي يبني بيتًا
دعائمه هذه القرون العديدة، وتسكنه هذه الملايين الكثيرة من الناس؟! "
ثم يخلص إلى نتيجة لا تقبل جدالاً يُقرّها في حزمٍ حين يقول :
" وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمدًا رجلاً كاذبًا مُتصنعًا، متذرعًا بالحَِيل
والوسائل لغايةٍ أو مَطْمَع، وما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق، وما كلمته
إلا صوت حق صادق، وشهاب أضاء العالم أجمع .. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
ويَرُدّ "كارلايل" على مزاعم أعدائه بأن محمدًا لم
يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والسلطان وأن الطمع وحب الدنيا هو الذي دعا
محمدًا الى دعوته، فيقول مُفنِّداً مزاعمهم تلك :
" لقد أنطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس، المملوء رحمة وبرًّا وحنانًا ونورًا
وحكمة أفكار غير الطمع الدنيوي، وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان. لقد كان
منفردًا بنفسه العظيمة، يسطع أمام عينيه سر الوجود، لهذا جاء صوت هذا الرجل
مُنبعثاً من قلب الطبيعة السامية، ولهذا كانت الأذان إليه مُصْغِيَة والقلوب لِمَا
يقول واعية.
لقد كان زاهدًا متقشفًا في مسكنه، ومأكله، وملبسه، وسائر أموره وأحواله، فكان طعامه
عادة الخبز والماء، وكثيرًا ما تتابعت الشهور ولم تُوقَد بداره نار. فهل بعد ذلك
مكرمة ومفخرة ؟"
ثم يستطرد قائلاً عن عظمة النبيّ القائد:
" لقد كان في قلوب العرب جفاء وغلظة، وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم، واستطاع
محمد أن يقودهم. ثلاثًا وعشرين حجة وهم ملتفون حوله، يقاتلون بين يديه ويجاهدون
معه. وفي ظني أنه لو وضع "قيصر" بتاجه وصولجانه وسط
هؤلاء القوم بدل هذا النبي، لما أستطاع "قيصر" أن
يجبرهم على طاعته كما أستطاع هذاالنبي في ثوبه المرقع. هكذا تكون العظمة، وهكذا
تكون البطولة، وهكذا تكون العبقرية ".
ويعبِّر "كارلايل" عن حُبّه للنبيّ محمد (صلى الله
عليه وسلم) وإعجابه بشخصه قائلا:
"إني لأحب محمدًا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، لقد كان رجلاً مستقل الرأي لا
يعوّل إلاّ على نفسه ولا يَدَّعي ما ليس فيه، ولم يكن مُتكبِّرًا ولكنه لم يكن
ذليلاً. فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراد. يخاطب بقوله الحُرّ
المُبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة
الآخرة".
ويعبرّ عن صادق رأيه في جانب من جوانب الدين الإسلامي فيقول: "وفي الإسلام خلّة
أراها من أشرف الخلال وأجلّها وهي التسوية بين الناس. وهذا يدل على صدق النظر وأصوب
الرأي. فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض والناس في الإسلام سواء".
ويختتم "كارلايل" فصله هذا بنظرة إجمالية للنهضة
الإسلامية العالمية التي انطلقت من شبه الجزيرة العربية ونقلت العرب نقلة حضارية
هائلة يعزوها حسب نظريته إلى بطل اسمه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لو كان قد
ظهر في أي مجتمع آخر لحقق من النجاح ما حققه المجتمع العربي.
وفي هذا ما يَدُل على أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان بحق "بطل
أبطال" كارلايل، وهو في هذا مُحِقّ كل الحق .. مُنْصِف كل الانصاف.
|
|