مقالات حواء
د.محمد داود
المرأة - والإسلام –
والحضارة
أ. د. محمد داود
• دعاوى التضليل والزيف تأتى متبجحة من أعداء الأمة
لتنال من أمتنا ومن ديننا ، ومن أخطر ما تركز عليه (المرأة) كأداة تتزلف عن طريقها
إلى مقصدها فى التدمير باسم التطوير والحرية .
• وتحت عناوين ودعاوى ينطبق عليها القول المأثور :
كلمة حق أريد بـها باطل ، يحاول الأعداء إثارة المرأة المسلمة لتتخلى عن دينها
وخصوصيتها باسم الحرية والتطوير ، والحق أنـهم يريدون تدمير الأسرة والمجتمع
الإسلامى والمرأة المؤمنة ، وشتان بين وضع المرأة فى الإسلام وبين ما يدعون إليه من
إفساد باسم الحرية والتطوير.
• لقد أطلق الإسلام المرأة من عقالها، ورفع عنها
إصرها، وأتاح لها دوراً فريداً لم تقم به من قبل فى المجتمعات العربية، وغير
العربية، حين وضعها على قدم المساواة مع الرجل، وحين خصها باستقلال شخصيتها، وحين
كرمها أماً، ورحماً، وعرِضاً، ورمزاً للمودة والرحمة، فلا مجال إذن للقول بأن
الإسلام فرض على المرأة قيوداً، أو انتقص من حقوقها، أو أخر مكانتها.
• إن أهم سمات المنهج الإسلامى إنه استخرج الأمة
المسلمة من أحشاء العصر الجاهلى، فصبغها بصبغة الله: "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ
صِبْغَةً" ، ومن ثم باعد بينها وبين ماضيها الجاهلى، كأنما قطعها عنه قطعاً، وأعطى
الإسلام الأمة – رجالاً ونساء – مجموعة من القيم الجديدة التى أنشأ بـها فى الناس
واقعاً جديداً هو الأمة المسلمة، صار الرجال فيها غير ما كانوا، وصارت النساء غير
ما كن، ومن المؤكد أنه لو لم يجئ الإسلام لمرت الحياة العربية رتيبة، خاملة بليدة،
كما مرت مئات القرون قبلها، ثم انطمرت فى الرمال، وغاصت فى قلب الزمن.
• هكذا كان الإسلام يصوغ بوحيه شخصيات الرجال والنساء
صياغة تخرجها من الماضى تـماماً، وتدخلها فى الجديد الجديد، وإذا كان عجيباً أن
تبرز شخصيات من الرجال على مسرح الدعوة والأمة المسلمة بـهذه الدرجة من التألق
والعبقرية فإن من الأعجب أن نجد نـماذج من النساء وهن يتسابقن إلى التبريز فى مجال
الدعوة والأمة، منافسات للرجال، بل ربـما تفوقت نماذجهن على كثير منهم ، بل إن بعض
النساء فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت حياتـهن ملحمة مثيرة بكل عناصرها،
ومن هؤلاء أسماء بنت أبى بكر، وفاطمة بنت رسول الله، ونسيبة بنت كعب.. وغيرهن، ولا
ريب أن الجانب المثير فى سيرهن قد ينطوى على كثير من المشاركات الرجالية، كما قد
يكون مجرد مواقف نابعة منهن.
• وهكذا الحال بالنسبة إلى صحابيات أخريات، كأم ذر،
وأم كلثوم بنت عقبة، وأم هانئ بنت أبى طالب، وأم سليم، وأم عمارة .. إلخ .. كلهن
تخرجن فى مدرسة واحدة، وكل منهن نسيج وحدها، وحدة فى تنوع، الصور مختلفات، ولكن
المضمون واحد، وهو آية على عظمة هذا المنهج الإسلامى.
• وإن المرء ليعجب لحال نسائنا المعاصرات، كيف لم
يلتفتن إلى هذه النماذج الإيمانية، يفدن من عطائها، وينتمين إلى مدرستها، بدلاً من
التماس القدوة فى نساء الغرب، والسير وراء دعوات التغريب الغربية !!.
• وإذا كان من العبث أن يحاول إنسان تغيير جلده ليصير
أكثر بياضاً، أو سواداً، فإن من أعبث العبث أن تحاول المرأة المنتسبة إلى الإسلام
تقليد غيرها من النساء خارج إطارها الحضارى، متمنية أن تنتمى إلى أعراف خارجية، لا
تمت بصلة إلى جنسها، أو حضارتـها، إنـها بذلك تفقد شخصيتها، ولا تدرك أمنيتها،
تماماً كما لم يدرك الغراب ما تمناه من الاختيال بتقليد الطاووس، فما زاد على أن
عرج فى مشيته، وغرق فى حماقته .. ثم من الذى قال : إن النموذج الغربى هو النموذج
الأمثل ؟ . وهو حافل بالنقائص والنقائض ، ملئ بالشذوذ والرذائل ، فارغ من أبسط
القيم التى هى قوام الأسرة .
• إن دستور القيم الأخلاقية المستمد من القرآن والسنة
، والذى ورثناه عن أسلافنا ، هو العاصم القوى ، والسد المنيع فى وجه موجات التغريب
، ودعوات الانحلال .
• وحسبنا أن نتأمل سيرة الشفاء بنت عبد الله وتكريم
الرسول صلى الله عليه وسلم لها ، ودورها فى تعليم كثير من الصحابيات الكتابة ،
ومنهن زوج النبى صلى الله عليه وسلم:
• أم المؤمنين حفصة بنت عمر .
• وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ، ذلكم النموذج
الرائع فى رواية الحديث والشعر وأيام العرب بل وعلم الطب !!
• والسيدة نفيسة رضى الله عنها ، نفيسة العلم وصاحبة
الدور البارز فى الجهد الاجتماعى المثمر فى رعاية المرضى والفقراء وأصحاب الحوائج.
• وأم ذر ، وهى نموذج للمرأة البطلة .
• وأم كلثوم بنت عقبة ، وشجعاتـها فى إسلامها
وهجرتـها .
• وأم هانئ بنت أبى طالب ومكانتها عند الرسول صلى
الله عليه وسلم .
• وأم سليم وما اشترطت لنفسها ألا تتزوج إلا مسلماً ،
فكان الإسلام مهرها فعلاً ، من خاطبها أبى طلحة ، وهو أمر عجيب ينبئ بتفتح الوعى
العقائدى قبل الهجرة .
• وأم عمارة وملحمتها وجهادها .
• ودور المرأة فى قتال البحر ، فى سيرة أم حرام بنت
ملحان .. إلخ ..
• ويبقى أن نقول : إن هؤلاء الصحابيات دليل على أن
المرأة فى الإسلام لا تختبىء فى البيت ، ولا تنسحب من الحياة ، بل هى دائماً فى
بؤرة الأحداث ، كانت مشاركة فى بناء الأمة وقت السلم ، ومقاتلة لأعدائها فى الحرب
عند اللزوم ، ودليل أيضاً على أن الرجل لم يكن عقبة فى طريق المرأة ، ولم ينظر
إليها باعتبارها عورة متحركة ، على طريقة فرويد ، ولم يتخذ من خروجها موضوعاً
لإثارة الشهوات ، بل كان متناغماً دائماً مع حركتها ، مصاحباً لها فى توجهها نحو
الهدف المقصود ، دون إسفاف ، أو حساسية ، أو سفسطة . كان ذلك والنبى صلى الله عليه
وسلم شاهد حى ، يتدفق الوحى على قلبه بالقول الكريم : "فَاسْتَجَابَ
لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ
وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ".
• وكان ذلك أيضاً بعد رسول الله ، حين انساح الإسلام
فى الأرض يجتاح الظلام وينشر النور.
• سلام على ذلكم الجيل الشاهق من المؤمنين ، رجالاً
ونساءً ، سلام عليهم فى الأولين ، وسلام عليهم فى الآخرين.
dr.mohameddawood@yahoo.com
|
|