منهج التعريف بالإسلام
المبحث الرابع: أسلوب التعريف بالإسلام للنصارى الغربيـين، وكيفية التعامل معهم ثانياً: 1. حاول وابذل جهدك في إقامة علاقات اجتماعية مع من تدعوهم، وتعرف وتفهم بعمق على شخصياتهم ونفسياتهم، ومدى إدراكهم، واحتياجاتهم ورغباتهم، ومشاكلهم، وأعمالهم، وظروفهم الاجتماعية، وهمومهم، ومستوياتهم العلمية والثقافية، وتعرف على خلفياتهم الدينية، وما يحبون أو يقدرون في دينهم، ونظامهم الاجتماعي، وما لا يفهمونه أو لا يعتقدون بصحته في دينهم، وخاطبهم على قدر عقولهم. واعلم أن الاقتراب غير المباشر، مفيد وناجح جداً مع الكثيرين. 2. وجه خطابك إلى من تدعوهم، وليس إلى نفسك، وأزل الحواجز بينك وبينهم، بدلاً من إقامتها. فالخطاب المعزول، أو المنبت عن واقع المخاطبين، لا يصل إليهم، ناهيك عن التأثير فيهم. ويندرج تحت هذا، كثير جداً من الكتب المؤلفة للمسلمين (قديمها وحديثها)، فهي ليست بالضرورة تصلح أو تفيد أو تخدم غرض التعريف بالإسلام، أو الدفاع عنه عند غير المسلمين. لأنها ليست مؤلفة ولا مفصلة لهم، أو على قياس حالتهم، فهي تخاطب قوماً آخرين هم المسلمين لا غير. ونفس الشيء ينطبق على جميع المطبوعات التي تكتب وتؤلف لغير المسلمين، وليس عند الكاتب أو المؤلف معرفة أو خلفية جيدة، عن حالة المخاطبين، واحتياجاتهم. فأنت عندما تريد مراسلة شخص أو مؤسسةً ما، فإنك تراسلها على عنوانها الصحيح، وإلا لن تصل رسالتك، ولن تحظى بطبيعة الحال بجواب أو رد فعل على محتوياتها. وعندما تريد محادثة شخص معين بالهاتف، فإنك تتصل على رقم هاتفه، وليس على أي رقم آخر، وإلا فلن تحظى بمكالمته، وستذهب جهودك سدى، مهما كررت المحاولة. وإذا كان عندك مريض، فإنك لا تذهب إلى الصيدلية، وتأخذ له أي دواء تجده على رفوفها، فلا بد من أخذ المريض إلى الطبيب، الذي يكشف عليه، ويتعرف على مرضه وما يشكو منه، ثم يصف له الدواء المناسب لحالته، ثم تذهب بعد ذلك إلى الصيدلية لتأخذ الدواء وتعطيه إياه. 3. غير المسلمين يأخذون فكرتهم عن الإسلام، من تصرفات المسلمين، وواقعهم الذي لا يسر. وعليك بيان خطأ ذلك، بأسلوب غير مباشر، والبرهان عليه بتصرفاتك القولية والفعلية. 4. خاطب المدعوين بالحق، وبما يغذي الفطرة ويثيرها، وتجنب الحماس أو الانفعال. 5. لا تحاول أن تعلم، أو تخبر المستمع أو السائل، عن الإسلام كله في جلسة واحدة. حتى لو كنت تعلم أنك لن تلتقي مع هذا الشخص، أو لن تتواصل معه مرة ثانية. فقليل جداً من المعلومات تعلق في ذهنه، وتدفعه إلى التفكير والبحث عن الحقيقة، خير من كلام كثير ممل، يشوش ذهنه، وقد يرسب أفكاراً غير إيجابية تجاهك، أو تجاه دعوتك. 6. لا تضغط على مستمعيك بالتكرار الممل، أو الإطالة والاسترسال، أو محاولة التأكد من أنهم قد فهموا، أو اقتنعوا بما قلت . . . الخ، وعليك أن تكون لماحاً، فتعرف هل من تتحدث إليه، لا يزال منجذباً إلى حديثك، أم أنه اكتفى. وعندما تلاحظ وجه أو تصرفات من تحدثه (لغة الجسد)، أنه اكتفى، وبدأ يفقد الاهتمام والاصغاء إليك، توقف فوراً. (يجب ألا تصل به إلى هذه المرحلة، تحت أي ظرف من الظروف). 7. حاول بقدر الإمكان ألا تحتكر الحديث، أعط مستمعك أو مستمعيك فرصة لطرح الأسئلة أو التعليقات والتعبير عن آرائهم بكل حرية، واستفد من كل ذلك. 8. لا تركض وراء من تريد أن تدعوه، أو تعرفه بالإسلام، لكي لا يمل، أو يخاف منك، وفي نفس الوقت يجب عدم نسيانه. 9. اعرف متى تتقدم، ومتى تقف، ومتى تنسحب، ولا تخلط بين الأساليب المباشرة، مع غير المباشرة. 10. احذر من المبالغة والتعميم وتجنبهما في كل الأمور. 11. لا تتصرف بناءً على توقعات مسبقة، ولا تضع لنفسك شروطاً أو أهدافاً مسبقة. 12. تذكر أن الدعوة عملية طويلة، تحتاج إلى جهد ومثابرة واستمرار، وكثير جداً من الصبر. ولا يمكن أبداً أن تؤتي ثمارها في جلسة واحدة أو عدة جلسات. 13. ليكن هدفك من التعريف بالإسلام لغير المسلمين، هو مساعدتهم على اكتشاف حقيقة الإسلام المغيبة عنهم، وبناء جسور من الثقة والاحترام بيننا وبينهم. ولهم مطلق الحرية بعد ذلك، في قبول أو رفض الدعوة، بدون أي ضغط على الإطلاق، لأن لذلك (الضغط) نتائج سلبية وعكسية مدمرة لجهودك. وبالطبع سيكون من دواعي سرورنا جميعاً إذا ما اهتدوا. 14. على الداعية أن يتحلى بالأدب الجم، عندما يوازن بين الإسلام وغيره من الأديان، وليكن ذكره لدين ومعتقدات غيره باحترام، من غير سب ولا طعن، ولا إهانة أو تقريع لهيئات أو رجال ذلك الدين، وألا يرد على كلمات الكفر، أو العبارات الخشنة أو النابية بمثلها، ولا يصفهم بالكفار، ولا يشجب عاداتهم وتقاليدهم، حتى لا يؤذي أو يجرح مشاعر مستمعية، فيصموا آذانهم عنه، وينفضوا من حوله، أو يندفعوا بالطعن بالإسلام، فينتقل الموضوع من مناقشة عقلية، إلى مجادلة سفهاء. (1) 15. من الطبيعي أنك ستـتطرق لذكر العرب في الجاهلية، وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، وردود أفعالهم إزاء الدعوة الإسلامية. فاحذر من الأخطاء الشائعة بين الكتاب المسلمين، والخطباء والوعاظ في المساجد، ووسائل الإعلام، من الحط والتحقير للعرب في تلك الفترة، وإظهارهم بصـورة بدائية ساذجة، كما تظهرهم الأفلام الأمريكية والأوروبية والعربية. قاصدين (الكتاب والخطباء والوعاظ المسلمين) من ذلك (بعلم أو بجهل) بيان جمال ورقي وقوة وأهمية الإسلام وتعاليمه. وهذا ما تلقفه أعداء الإسلام على اختلاف مسمياتهم، في هجومهم على الإسلام، والحط من قدره بين الشعوب، حينما قالو : إن الإسلام وتعاليمه تناسب البدو الرحَّل (البدائيـين المتخلفين السذج، إلى آخر أوصاف التحقير) في الجزيرة العربية. لا شك أنه كانت لدى عرب الجاهلية سلبيات، ككل شعوب الأرض في عصرهم. وقد ورد شيء من ذلك في القرآن الكريم. ولكنهم كانوا يتميزون بقيم اجتماعية وإنسانية راقية وممتازة، يندر بل يتعذر وجودها كلها في شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم، حتى بمقاييس الإسلام، أو العالم المتحضر اليوم، ومنها على سبيل المثال : النبل والسخاء والكرم، والشجاعة والفروسية والنخوة، والشعور بالعزة، وإباء الضيم، والأنفة، وإغاثة الملهوف، وحرية إبداء الرأي، وحفظ الجميل، والقدرة العجيبة على تحمل شظف العيش، في بيئة قاسية في الصيف والشتاء، وطلاقة اللسان والبلاغة، يستوي في ذلك رجالهم ونساؤهم. وقد كانوا يعقدون المؤتمرات الأدبية لعرض إنتاجهم من الشعر والبيان، في أسواق عكاظ ومجنه وذي المجاز، قرب مكة في مواسم الحج من كل عام. وهذه قصائدهم وأشعارهم التي تملأ المكتبات، خير شاهد على ذلك. وعندما سمعوا القرآن يتلوه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، انبهروا به، واعترف كثيرون منهم مع كونهم مشركين، بسموه وجمال الفاظه ومعانيه. ومن أولئك النفر، الوليد بين المغيرة، الذي قال فيه : (إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وأن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ما يقول هذا بشر). ولهذا تحداهم القرآن الكريم بأن يأتوا بمثله، ثم تدرج معهم بأقل من ذلك، عندما زعموا أنه من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ومن الواضح لكل ذي لب، أن هذا التحدي لا يكون له أي معنى، لو كان العرب في ذلك الوقت غير فصحاء أو بلغاء، أو بدائيـين سذج.(2) 16. شجع من تدعوهم على قراءة ترجمة معاني القرآن الكريم، بلغتهم أو باللغة التي يجيدونها. ــــــــــــــــــ (1) مستقاة بتصرف، من أحد كتب الشيخ محمد أبو زهرة رحمة الله. (2) انظر القرآن المعجزة الكبرى، للإمام محمد أبو زهرة. صفحة 55، دار الفكر العربي. وكتاب الشفاء، للقاضي عياض الأندلسي، وجواهر الأدب، لأحمد الهاشمي، ج 1، صفحة 221، ط 16، مطبعة حجازي بالقاهرة.
|
|