شبهات حول القرآن الكريم
شبهات صرفية
زعم بعضهم أن
القرآن الكريم قد استعمل جمع القلة مكان جمع الكثرة، وذلك في الآيتين التاليتين:
1) قوله تعالى: {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَموُن}
البقرة/ 183 ـ 184؛ حيث
جاء جمع المؤنث السالم "معدودات"
ـ وهو من جموع القلة ـ وَصْفًا لعدد من أعداد الكثرة "30
يومًا أو نحوها". والصواب ـ في زعمهم ـ أن يقال:
أيامًا معدودة.
أولاً: لم يتفق النحاة على أن جمعي التصحيح "جمع
المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم" من جموع
القلة، بل الراجح عند أكثر النحاة أنهما لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة أو
الكثرة؛ فيصلحان لكل منهما(1).
ثانيًا: قد يستعار جمع القلة ليعبر به عن الكثرة، والعكس، ومن ذلك قوله تعالى:
{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}
مع وجود جمع القلة "أقراء"(2).
ثالثًا: بافتراض أن جمع المؤنث السالم من صيغ جموع القلة، فإن للوصف به في الآية
فائدة بلاغية، هي التسهيل على المكلف بأن أيام الصوم قليلة يسيرة، هذا على تفسير
الصيام المراد هنا بصيام رمضان، وهو مذهب جمهور المفسرين.
ومن المفسرين من ذهب إلى أن المراد بالصيام في هذه الآية، صيام ثلاثة أيام من كل
شهر(3)، وعلى هذا القول
فلا مشكلة في استخدام كلمة "معدودات"
إن قلنا إنها من صيغ جموع القلة.
رابعًا: أن البديل لوصف الأيام "ثلاثين
أو ثلاثة" هو كلمة "معدودة"،
وهي مفردة، وجَلِيُّ لمن يعقل أن المفرد أدل على القلة من جمع القلة!
خامسًا: أن الوصف بمعدودات أو معدودة ـ هو في حد ذاته ـ تقليل وحصر للعدد، كما
يقال: دراهم معدودة، أي قليلة منحصرة.
2) قوله تعالى: {وَسَبْعَ
سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ} يوسف/
43 . زعموا أن الصواب أن يقال: سبع سنابل خضر، ولم يعلِّلوا ما ذكروه.
أولاً: كلمة "سنبلة"
لها ثلاث صيغ للجمع: سنبل: وهو اسم جنس جمعي. وسنابل: وهو جمع كثرة. وسنبلات: وهو
جمع مؤنث سالم، وهو لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة أو الكثرة، كما ذكرنا، وقد
يعبِّر عن القلة عند بعض النحاة.
وقد اختار القرآن الكريم أدق الصيغ الثلاثة في وصف العدد "سبع"
فلو قيل: "سنابل"
ـ كما زعمتم ـ لكان خطأ؛ لأنه استخدام لجمع الكثرة في عدد أقل من عشرة، ولا يصح
استعمال جمع الكثرة إلا فيما زاد على عشرة.
ثانيًا: لو كان مرادهم أن كلمة "سنبلة"
لا تجمع جمعًا مؤنثًا سالمًا، فهذا خطأ صريح؛ لأن كل اسم آخره تاء
"سواء أكان مؤنثًا أم مذكرًا،
عاقلاً أو غير عاقل" ـ يصح جمعه بألف وتاء(4).
كذلك ادعوا أن القرآن الكريم استعمل جمع الكثرة في موضع يناسبه جمع القلة، وذلك في
قول الله تعالى:
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا
النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}
البقرة/ 80.
والصواب ـ في زعمهم ـ أن يقال: أيامًا معدودات، وقد بنوا زعمهم هذا على افتراضين:
الافتراض الأول: أن "معدودة"
يوصَف بها العدد الكثير، و"معدودات"
يوصَف بها العدد القليل. وهذا غير صحيح كما تقدم؛ لأن "معدودات"
لمطلق الجمع قليلاً كان المعدود أم كثيرًا، وأمَّا "معدودة"
فهي وصف للأيام، والأيام جمع تكسير يصح وصفه بالمفرد كما يصح وصفه بجمع المؤنث
السالم، وفي كلتا الحالتين يفيد الوصف قلة عدد الأيام؛ لأنها منحصرة في العدِّ.
الافتراض الثاني: أن مدة عذاب اليهود في النار سبعة
أيام، وحينئذٍ يناسبها الوصف بجمع المؤنث السالم الدال على القلة في رأي بعض
النحاة.
لكن هذا التأويل للأيام المعدودة فاسدٌ؛ لأنه مَبْنَيٌّ على أن اليهود سيعذبون في
النار يومًا مقابل كل ألف عام، وعدد أيام الدنيا سبعة آلاف عام، فتكون مدة عذابهم
سبعة أيام.
وهذا جهل وترديد للخرافات القديمة؛ لأن الدنيا عمرها ـ حسب آخر تقديرات أهل العلم ـ
خمسة عشر مليارًا من الأعوام، هذا ما انتهت إليه علوم الفلك والكونيات الحديثة(5)،
وعلى زعمهم هذا فإنهم سيعذَّبون خمسة عشر مليار يوم، ولعلَّ هذا قليل على مااقترفوه
من جرائم!
وعلى كلا القولين اللذين ادَّعاهما اليهود في مدة العذاب المقدَّر عليهم(6)،
فإنه يصح وصف كليهما بـ "معدودة"
ـ كما في آية البقرة ـ كما يصح وصفهما بـ (معدودات) كما في قوله تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ
إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}آل
عمران/ 24.
وعلى هذين القولين لليهود، وجه ابن جماعة الآيتين فقال: قوله تعالى في سورة البقرة:
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا
النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً} وفي آل
عمران: {مَعْدُودَاتٍ}،
و"معدودة" جمع كثرة، و "معدودات"
جمع قلة. جوابه أن قائلي ذلك من اليهود فرقتان: إحداهما قالت: إنما نعذَّب بالنار
سبعة أيام، وهي عدد أيام الدنيا، وقالت فرقة: إنما نعذَّب أربعين يومًا، وهى أيام
عبادتهم العجل، فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية، وآية آل عمران الفرقة
الأولى(7).
وكلام ابن جماعة هنا يسلِّم بأن "معدودة"
جمع كثرة، و"معدودات"
جمع قلة. وقد بينَّا أن الراجح عند النحاة التسوية بينهما في وصف جمع التكسير، وأن
كليهما دالٌّ على الجمع من غير نظر إلى القلة أو الكثرة، كما أن المراد بهذين
القولين تقليل مدة العذاب بقرينة العدد؛ فإن الوصف بأي من اللفظين مؤذن بالقلة؛ لأن
المراد بالمعدود: الذي يَعُدُّه الناس إذا رأوه أو تحدثوا عنه، وقد شاع في العرف
والعوائد أن الناس لا يعمدون إلى عدِّ الأشياء الكثيرة، دفعًا للملل أو لأجل الشغل
سواء عرفوا الحساب أم لم يعرفوه؛ لأن المراد العد بالعين واللسان لا العد بجمع
الحسابات(8).
****************
(1)
شرح الرضى على الكافية 2/ 191.
(2)
السابق.
(3)
الكشاف 1 / 334، البحر المحيط 2 / 30.
(4)
شرح الرضى على الكافية 2/ 188.
(5)
انظر: المفهوم الحديث للزمان والمكان، ب. س. ديفيز، ترجمة: د. السيد عطا، الهيئة
المصرية العامة للكتاب،1998، ص239، تاريخ موجز للزمان
"من الانفجار
الكبير حتى الثقوب السوداء"،ستيفن
هوكنج، ترجمة/ د. مصطفى إبراهيم فهمى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة
ـ 2001، ص 52، فكرة الزمان عبر التاريخ، مجموعة من العلماء، تحرير: كولن ويلسون،
جون جرانت، ترجمة: فؤاد كامل، سلسلة عالم المعرفة: الكويت، رقم 159، شعبـان ـ
رمضـان 1412هـ، مارس 1992، ص249، مـولد الزمـان
"كيف
قاس علماء الفلك عمر الكون
"،
جون جريبن، ترجمة/ د. مصطفى إبراهيم فهمى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة
الأسرة ـ 2001، ص 345.
(6)
وردت هذه الأقوال لليهود في: الكشاف 1/ 292، البحر المحيط 1/ 288.
(7)
كشف المعاني،ابن جماعة، تحقيق د. محمد محمد داود، ص 61.
(8)
التحرير والتنوير 1/ 579 ـ 580.
|