شبهات حول القرآن الكريم
توهُّم عدم المطابقة بين
المبتدأ والخبر
زعموا
أن هناك مخالفة لقاعدة المطابقة ـ في النوع ـ بين المبتدأ والخبر في قول الله عز
وجل:{السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ}
المزمل/18؛ حيث جاء المبتدأ مؤنثًا "السماء"،
والخبر مذكرًا "منفطر"،
والصواب ـ في زعمهم ـ أن يقال: السماء منفطرة به.
لتذكير
الخبر هنا عدة أوجه، نذكر منها:
• أنه على تأويل السماء بالسقف.
• أنه على الحذف، والتقدير: السماءُ شيءٌ منفطر به، فكلمة "منفطر"
صفة للخبر المحذوف.
• أنَّ السَّماء اسم جنس، مثل الشجر والجراد، ومثل هذه الأسماء يجوز فيها التذكير
والتأنيث.
• أن لفظ السماء ممَّا يُذَكر ويؤنث، ومن تذكيره قول الشاعر:
فلو
رَفَعَ السَّماءُ إليه قومًا ***
لَحِقْنَا بالنجوم مع السحاب[1]
وعلى
أيٍّ من هذه الأوجه فلا مخالفة في الآية.
ويلحق بما سبق تذكير خبر كان مع اسمها المؤنث في قوله تعالى:{وَمَا
كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} مريم/28؛ حيث جاء
اسم كان مؤنثًا "أمُّك"،
وخبرها مذكرًا في زعمهم "بغيًّا".
وظنوا الصواب أن يقال: بغيَّة.
وهذا جهل فاحش من قائله؛ لأن كلمة "بَغِيّ"
صيغة مبالغة من البغَاء ـ أي الفاحشة ـ على وزن "فعول"،
والقاعدة اللغوية المعروفة تقول: إن صيغة "فعول"
إذا كانت بمعنى "فاعل"
يستوي فيها المذكر والمؤنث، فنقول: رجل صبور، وامرأة صبور، ورجل رءوف، وامرأة رءوف.
كما أن كلمة "بَغِيّ"
من الألفاظ الخاصة بالمؤنث، ولذلك لا تلحقها التاء، مثل: حائض، ومرضع وحَصَان.
وعلى ذلك فلا مخالفة في الآية الكريمة.
ويلحق بما سبق أيضًا تذكير خبر الحرف الناسخ مع اسمه المؤنث، كما فى قول الله
تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
الأعراف/56، وقوله تعالى:{وَمَا
يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} الشورى/17.
في تذكير الخبر "قريب"
هنا عدة وجوه، نذكر منها:
1) أن كلمة "قريب"
لا تؤنث إلا إذا كانت بمعنى قرابة النًَّسَب، فيقال: هذه المرأة قريبة فلانٍ، لا
يختلف العرب في هذا.
أمَّا إذا كانت بمعنى قرب الزمان، أو المكان؛ فيجوز فيها التذكير والتأنيث، فيقال:
دارُك منَّا قريبٌ، والدار مؤنثة، وتذكير قريب على تأويل: هي من مكان قريب. وقد
جَمَع الشاعر بين الوجهين في قوله:
عَشِيَّةَ لا عفراءُ منكَ قريبةٌ ***
فتدنو ولا عَفْراءُ مِنْكَ بَعيدُ
[2]
2) أنها ذكرت مع الرحمة في آية الأعراف؛ لأن الرحمة
بدل عن مذكر تأويله: العفو والغفران، أو المطر، أو الثواب[3]،
وذكرت مع الساعة على معنى البعث، أو على حذف مضاف والتقدير: لعلَّ مجيءَ الساعة
قريب[4].
3) أن كلمة "قريب"
جاءت مذكرة على طريق النسب، والمعنى: ذات قرب.
4) أن كلمة "قريب"
نعت لمذكر محذوف، والتقدير: شيءٌ قريب.
5) أو ذُكرت على تشبيه "قريب"
ـ وهو فعيل بمعنى فاعل ـ بفعيل الذي بمعنى مفعول، وهذا الأخير يستوي فيه المذكر
والمؤنث فيقال: رجل جريح، وامرأة جريح.
6) أن كلمة "قريب"
مصدر على وزن فعيل، مثل الضغيب "صوت
الأرنب"، والنقيق "صوت
الضفدع"، والمصدر يستعمل بلفظ واحد للمذكر
والمؤنث، فيقال: رجلٌ عدل وامرأة عدل، وكذا يقال: رجل قريب وامرأة قريب[5].
وغير ذلك من الوجوه التي تُجيز تذكير كلمة "قريب"،
ولعلَّ أرجح هذه الأوجه ما قدَّمنا في أوَّلها، وكلها تصلح جوابًا عن شبهة هذا
الواهم.
***************************
[1]
انظر: معاني القرآن للفراء 1/380، القرطبي
19 / 51، الكشاف 4 / 178، البحر المحيط
8 / 365.
[2]معاني
القرآن للفراء 1 / 380: 381، والبيت لعروة بن حزام
العذري، وله رواية أخرى في اللآلى وفي الأغاني على النحو التالي:
عَشِيَّةَ لا عفراء منك بعيدٌةٌ ***
فَتَسْلُو ولا عفراء منك قَرِيب
وبعده قوله:
وإنًّي
لَتَعْشاني لِذِكرَاك هزةٌ ***
لها بين جلدى والعظام دبيبُ
مما
يرجح هذه الرواية؛ لأن الباء هي الروى.
[انظر حاشية المحققين في الموضع السابق من معاني القرآن].
وعلى كلتا الروايتين، فقد جمع الشاعر بين التأنيث والتذكير لكلمتي (قريب،
بعيد). مع إسناد كلٍّ منها لمؤنث (عفراء.).
[3]
البحر المحيط 4 / 313.
[4]
الكشاف 3 / 465، البحر المحيط
7 / 513.
[5]
أورد هذه الأقوال أبو حيان
في: البحرالمحيط 4 / 313، وأورد بعضها الزمخشري في:
الكشاف 2 / 83.
|