منهج التعريف بالإسلام
رابعاً: طبيعة النصارى
الغربيـين، وثقافتهم الدينية، وعوامل تكون الصورة المشوهة للإسلام والعرب والمسلمين
عندهم
1. لا بد من تفهم العوامل الدينية والتاريخية، التي
حكمت العلاقة ما بين اليهود والنصارى من جهة، والمسلمين (منذ بدأ الدعوة وإلى اليوم)
من جهة أخرى. مروراً بالأحداث الكبار، التي تمخضت عن طرد الروم (النصارى الأوربيـين)
من بلاد الشام ومصر والشمال الأفريقي، وفتح بلاد الأندلس. وما تلا ذلك من أحداث بين
الخلافة الأموية ثم العباسية من جهة، والروم من جهة أخرى، ثم الحروب الصليبية، التي
شنـتها الكنيسة الكاثوليكية على بلاد الشام ومصر، والتي استمرت حوالي قرنين من
الزمان، وماتلاها من تحرير المسلمين لبيت المقدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي.
وقيام العثمانيـين الأتراك بفتح القسطنطينية (اسطنبول)، ثم دخولهم إلى البلقان، حيث
أصبحت روما على مرمى حجر منهم، ثم محاصرتهم فيـينا عاصمة الإمبراطورية النمساوية.
وما صاحب كل ذلك من حملات دعائية مسعورة ومغرضة وكاذبة ومستمرة، من قبل الكنيسة
الكاثوليكية على وجه الخصوص، والنصارى بشكل عام، يساندهم المستشرقون اليهود
والنصارى، ضد الإسلام كدين وعقيدة وشرائع، وضد القرآن الكريم، وسيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم، وسنته المطهرة، وضد العرب والمسلمين، باثين سمومهم في أوروبا والغرب
خاصة، والعالم أجمع، على مر القرون. مستخدمين المدارس والجامعات والكنائس ووسائل
الإعلام المختلفة، مصورين العرب والمسلمين بأقذر الصور، وأنهم أعداء المسيح
والمسيحيـين، لتشوية صورة الإسلام وتخويف النصارى الغربيـين منه، لئلا يقتربوا منه
ويتعرفوا على حقيقته.
وبعد انكسار العثمانيـين الأتراك في الحرب العالمية الأولى، وفقدانهم ممتلكاتهم في
البلاد العربية، وحلول الإنجليز والفرنسيـين والإيطاليـين محلهم، وقيام المحتلين
البريطانيـين، بتحضير المسرح الفلسطيني، لإقامة دولة لليهود، وذلك بالتضييق على
الفلسطينيـين، وجلب اليهود بالآلاف إلى فلسطين، وتمكينهم منها، مما أدى إلى قتل
وتشريد الفلسطينيـين خارج بلدهم، وقيام دولة إسرائيل. فتجدد الصراع غير المتكافئ ما
بين الغرب الصلـيـبـي والعالم العربي والإسلامي، واستمرت آلة الحملات الدعائية
الرهيبة، من قبل النصارى الغربيـين واليهود، ضد كل ما هو عربي ومسلم، وإلى يومنا
هذا، وإن أخذ وجوهاً أو أشكالاً مختلفة.
من كل ما تقدم، فليس من المستغرب أن تتشوه صورة العربي والمسلم في مخيلة النصارى
الغربيـين (من المتدينين أو من الذين كفروا بدينهم). وهذا ما يفسر الحملات الصحفية،
من مقالات وصور كاريكاتيرية وأفلام، وتصريحات مستفزة، ضد الإسلام والعرب والمسلمين).
وهذا بخلاف ما هو حاصل عند المسلمين، إذ إن المسلمين لا يعلمون أولادهم كره النصارى،
أضف إلى ذلك حب المسلمين لسيدنا عيسى وأمه. ونظراً لعدم تدريس أبناء المسلمين، بما
يفكر به النصارى عنهم وعن دينهم وحضارتهم، ترى بعض المسلمين السذج، يظنون أن
النصارى الغربيـين يبادلونهم نفس النظرة من التقدير والاحترام، وهذا مخالف للواقع،
ولو تظاهروا بعكس ذلك، لأجل مصالحهم ومنافعهم معنا.
2. النصراني على وجه العموم، والغربي على وجه الخصوص،
لا يباشر عبادته بصورة منتظمة. وليس للدين في الغرب (بصفة عامة) تأثير في حياة نصف
الناس تقريباً. وهم يختلفون اختلافاً بيناً عن غيرهم من النصارى الآسيويـين
والإفريقيـين بما فيهم النصارى العرب، بحكم اختلاف التاريخ والحضارة والثقافة، ولو
كانوا يشتركون معهم بنفس الديانة، أو المعتقد.
3. الغربيون بصفة عامة، لديهم حساسية من الكلام في
الدين، وينفرون منه، وقد تربوا على ذلك، لأسباب تاريخية، تعود لتحريف دينهم،
وعلاقتهم غير الطبيعية مع الكنيسة، المرتبطة بالعنف، والمصبوغة بشلالات من الدماء
والآلام، مع أجدادهم (ومع غير النصارى أيضاً). وكلها ذكريات غير سارة عن الدين. (وقد
يعتقدون أن كل دين مثل ذلك) ولذلك ترك معظمهم الدين وراء ظهورهم، لذا يجب وضع ذلك
في الاعتبار، عند التحدث معهم في هذا الشأن.
4. إن كلمة دين عند النصارى الغربيـين، تختلف عن
معناها عند المسلمين. فالنصارى الغربيون عندما تذكر لهم كلمة دين، يتصورون (وهم على
حق في ذلك) دينهم الذي حصروه في الكنائس، وهو بغض النظر عن تحريفه، محدود جداً،
وليس به شريعة. ويعتقد معظمهم أن الإيمان بمعتقداتهم فقط، ينجيهم. وقد تربوا على
ألا يسألوا عن دينهم، ومعظمهم لا يقرأون كتابهم المقدس، ومن يقرأه منهم، لا يتفكر
فيه، وكيف كتب وجمع، ومتى تم ذلك، وكيف وصل إليه ؟ وكثير جداً منهم، يعتقدون أن
الدين لغز لا يفهم (بسبب غموض وصعوبة فهم وهضم دينهم المحرف).
ولهذه الأسباب، بالإضافة إلى تسلط الكنيسة الكاثوليكية على الأوروبيـين في العصور
الوسطى، وحجرها على الفكر، والبطش بمن يخالف رأيها، وقمعه بالقتل حرقاً أو السجن أو
التشريد. فقد رأى الغربيون أن الحل الأمثل يكمن في فصل الكنيسة (الدين) عن الدولة،
ففصلوه عن الحياة، فتقدموا في شتى المجالات، بعدما قطعوا القيود التي كانت تكبلهم
بها الكنيسة باسم الدين.
بينما كلمة دين عند المسلم تعني الإسلام، والإسلام شامل لجميع مناحي الحياة، وهو
الذي نهض بالعرب والمسلمين وبحضارتهم. لذا يجب إفهام النصارى هذه النقطة الهامة عن
الإسلام، عندما تتحدث إليهم عن الدين الإسلامي.
هذا وإن أقرب كلمة لتفسير ذلك هي قولك : إن الإسلام هو الحياة بكل شمولها.
5. يعتقد النصارى الغربيون أن المسلمين مثل اليهود،
لا يحبون ولا يؤمنون بالمسيح (عيسى ابن مريم عليه السلام)، ويظنونه نبياً كاذباً،
وأنهم أعداؤه، أو لا يعترفون به.
6. اعلم أن الصهيونية قد غررت بكثير من النصارى،
وأفهمتهم أن هناك أموراً كثيرة مشتركة بينهم وبين اليهود، لأن العهد القديم مشترك
بينهم، وأن المسيح جاء من بني إسرائيل، وهذا لا خلاف عليه.
ولكن الحقيقة أن جوهر المسيحية الحالية وأساسها، هو المسيح (ولذلك سموا مسيحيـين)،
واليهود لا يؤمنون بالسيد المسيح، ويتهمونه بالكذب، وقد طعنوا بنسبة، وعفة وطهارة
أمه مريم، وتآمروا على صلبه وقتله، ولكن الله سبحانه وتعالى أنجاه منهم.
|
|