شبهات حول القرآن الكريم
توهُّم عدم المطابقة
بين الاسم الموصول وما يعود إليه
زعموا
أن القرآن قد أخطأ في استعمال الاسم الموصول؛ حيث جاء باسم موصول مفرد عائد على
جمع؛ وذلك في قول الله تعالى:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُو}
التوبة/69. والصواب ـ في زعمهم ـ أن يقال: وخضتم كالذين خاضوا!
ولو بذل صاحب هذه الشبهة جهدًا يسيرًا، بل لو قرأ الآية من أولها لما أورد هذه
الشبهة، والآية بتمامها:{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ}، أي دخلتم في الباطل "وهو المعبَّر
عنه بالخوض" كالباطل الذي دخلوا فيه. ومعنى العبارة بيِّنٌ لا يحتاج إلى
مزيد بيان، والاسم الموصول جاء مفردًا؛ لأنه يعود على الخوض لا على الخائضين[1].
وحتى على تقدير ما فهمه صاحب هذه الشبهة من إعادة الاسم الموصول
"الذي" على الخائضين، فليس في الآية خطأ، وقد ورد
في كلام العرب استعمال "الذي"
للجمع، مثل قول الشاعر:
وإِنَّ
الذي حانتْ بفلجٍ دماؤهُمْ ***
هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
ونظم
الآية يقطع بصحة التفسير الأول؛ حيث إن هذا يناسب تركيب العبارة، وبناءها على
التشبيه:
• فهناك تشبيه استمتاع هؤلاء باستمتاع أولئك:{فَاسْتَمْتَعُوا
بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ}.
• وهناك تشبيه آخر معطوف على السابق هو تشبيه خوض هؤلاء بخوض أولئك:{وَخُضْتُمْ
كَالَّذِي خَاضُوا}.
هذا بالإضافة إلى وحدة زمن الأفعال في الآية كلها، وترابط هذه الأفعال بحرف العطف:
"فاستمتعوا ـ فاستمتعتم ـ كما
استمتع ـ وخضتم ـ خاضوا".
وأمَّا قوله تعالى:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ
يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} فزعموا أن فيه خطأ؛ لأنه وصف الطفل
ـ وهو مفرد في ظنهم ـ باسم موصول جمع هو "الذين"،
وقد مضى الكلام عليه في المطابقة بين الحال وصاحبها في قوله تعالى:{ثُمَّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} الحج/5.
****************************
[1]
معاني القرآن للفراء 1 / 441، الكشاف
2 / 201، البحر المحيط 5 / 68 ـ 69.
|
|