تحرير المصطلحات
د. محمد عمارة
فقه الاختلاف غير وارد ... ولا مقبول ... ولا معقول أن يطلب صاحب " مذهب " إلغاء المذاهب الأخرى، ولا أن يحلم مذهب من المذاهب بالتفرد والحلول محل مذاهب الآخرين. وإذا كان القرآن الكريم قد قال لأهل الشرك والوثنية – على لسان رسول الله (ص):{لَكُم دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} [الكافرون:6].. وتحدث عن تعدد الشرائع في دين الله الواحد.. وعن اخِتلاف الإنسانية الواحدة إلى مناهج وثقافات وحضارات وألسنة ولغات وقوميات:{لِكُلَ جَعَلْنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنْهَاجًا ولَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً واحدةً} [المائدة: 48]،{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[ الروم: 22].. فإن هذا القرآن الكريم – ومن ثم الإسلام – قد جعل الاختلاف الديني.. والثقافي .. والقومي ... والحضاري،في إطار وحدة الإنسانية التي خلقها الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة.. ثم جعلها شعوبًا وقبائل لتتعارف على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان .. قد جعل هذا الاختلاف سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل.. وليس مجرد حق من حقوق الإنسان. وبالنسبة للإسلام – في كماله واكتماله – كما جاءنا به رسولنا محمد (ص)، فلقد جمع المسلمين على خمسة جوامع: 1. وحدة العقيدة. 2. ووحدة الشريعة. 3. ووحدة الأمة. 4. ووحدة الحضارة. 5. ووحدة دار الإسلام. وفي إطار كل جامع من هذه الجوامع الخمسة – الثوابت .. الممثلة لهوية الأمة – أتاح الإسلام فرص التمايز والتعدد والاختلاف فى الفروع والجزئيات والتفاصيل.. - ففي إطار العقيدة الواحدة: عرفت حضارتنا الإسلامية المذاهب الكلامية والتصورات الفلسفية التى تنوعت بتنوع عقول المخاطبين... والتي فتحت آفاق الاجتهادات أمام العقل المسلم في سبل المعرفة لثوابت العقيدة الواحدة، وفي تفاصيل علوم التوحيد وأصول الدين.. وذلك دونما تكفير أو نفي أو إقصاء.. - وفي إطار الشريعة الواحدة: عرفت حضارتنا الإسلامية المذاهب الفقهية التي تمايزت واختلفت في الفقْه – علم الفروع دونما خروج عن ثوابت الشريعة – التي هي وضع إلهي ثابت – ودنما تكفير أو نفي أو إقصاء.. فشعار كل إمام من أئمة هذه المذاهب الفقهية : " رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب ".. " وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا المعصوم – عليه الصلاة والسلام ". حتى لقد رأينا أئمة بعض المذاهب يتتلمذون على أئمة المذاهب المخالفة.. وعرف تاريخنا الفقهي من الأئمة الكبار من كان يحتضن كل تراث الأمة الفقهي.. حتى كان بعضهم يدرّس بمذهب.. ويقضى يثانٍ .. ويفتي بمذهب ثالث!.. وذلك دونما حرج أو خروج عن المألوف! .. فالفِقْه هو علم الفروع، تتعدد اجتهاداته في إطار وحدة شريعة الإسلام. المصدر: إزالة الشبهات عن معانى المصطلحات أ. د/ محمد عمارة
|
|