كنوز الفكر
ابن الجوزي
شقاء أصحاب العقول إني رجل حُبب إلىّ العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يُحبب إلى فن واحد منه، بل فنونه، ثم لا تقصر همتي في فن على بعضه، بل أروم – أرغب في – استقصاءه، والزمان لا يسع ، والعمر يضيق، والشوق يقوى، والعجز يقعد، ...فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات، ثم إن العلم دلني على معرفة المعبود، وحثني على خدمته، ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه، فوقفت بين يديه، فرأيته في نعته وعرفته بصفاته ، وعاينت بصيرتي من ألطافه ما دعاني إلى الهيمان في محبته، وحركني إلى التخلي لخدمته، وصار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته، فعادت خلوتي في خدمتي له أحلى عندي من كل حلاوة، فكلما ملت إلى الانقطاع عن الشواغل وإلى الخلوة، صاح بي العلم: أين تمضي؟ أتعرض عني وأن سبب معرفتك؟ فأقول له: إنما كنت دليلاً وبعد الوصول يُستغنى عن الدليل، قال: هيهات! كلما زدت زادت معرفتك بمحبوبك، وفهمت كيف القرب منه، ودليل هذا أنك تعلم غداً أنك اليوم في نقصان، أو ما سمعته يقول لنبيه:{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه :114]. ابن الجوزي - صيد الخاطر
|
|