شبهات حول القرآن الكريم
لماذا الهجوم على القرآن ؟
هناك دوافع كثيرة
للهجوم على القرآن، يمكن إجمالها فى دافعين:
• دافع نفسي: تزييف الحقائق وتحريفها تعبيرًا عن
الإخفاق والعجز عن مواجهتها؛ فالعجز عن مواجهة الخصم يتحول ـ في الأعم الأغلب ـ إلى
الافتراء عليه.
كما أن التلبس بالصفات السلبية دافع لوصف الآخرين بها درءًا للاتهام، وهو ما يعرف
عند علماء النفس بالإسقاط، حيث إن الإسقاط حيلة من الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها
الفرد للتخلص من تأثير التوتر الناشئ في داخله؛ذلك أن الغلبة إنَّما تكون للفكر
الأقوى، والإسلام ـ كما يشهد الواقع ـ عقيدة وأخلاقًا هو الأقوى؛ فقوته ليست من قوة
أتباعه كما في العقائد الأخرى، ولكن قوته ذاتية تتأتى من داخله؛ لأنه الحق، لأنه
الخير، لأنه السلام والأمن.. لأنه الصلة الحقيقية التي لم تتعرض لزيف أو تحريف أو
تشويه.
ومن هنا كان إخفاق الغرب على المستوى الفكري المعرفي ـ على الرغم من تفوقه سياسيًّا
واقتصاديًّا وعسكريًّا ـ دافعًا إلى الخروج عن العقلانية والحوار المنصف، واللجوء
إلى القوة وإلى التشويه والإفساد ظلمًا وعدوانًا.
• دافع معرفي: وهو إخفاق الغرب في مواجهة الإسلام
فكريًّا على الرغم من هزيمة المسلمين سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في الوقت
المعاصر؛ فالافتراء على القرآن والطعن فيه في القرون الوسطي جاء نتيجة لإخفاق
الكنيسة في مواجهة الإسلام عقائديًّا؛ حيث تتهاوى عقيدة التثليث أمام عقيدة
الوحدانية لله تعالى، يضاف إلى هذا انعزال الكنيسة عن الحياة، في مقابل أن الإسلام
دين ودنيا، فلم يكن أمام الكنيسة من سبيل لصدِّ النصارى عن الدخول في الإسلام سوى
تشويه رسالة الإسلام.
ولا يزال الغرب حتى الآن يمارس فكرة إقصاء ونبذ الآخر، بمواصلة الطعن في القرآن وفى
نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الوقت نفسه ينعت الإسلام بأنه هو الذي
يمارس إقصاء الآخر.
فالكنيسة لا تعترف بالإسلام دينًا، ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ولا
بالقرآن كتابًا مقدسًا؛ فالقرآن عندهم أكذوبة واختراع محمدي، أو هو إرث يهودي أو
نصراني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نفسه وَهْمٌ تاريخيٌّ، والصحابة متوحشون،
والمسلمون برابرة ومصاصو دماء وهمج... مع علمهم ـ بل يقينهم ـ بأن الإسلام احتوى
الآخر واعترف به، بل لا يتم الإيمان للمسلم إلا بالإيمان بجميع الرسل والأنبياء
والكتب السماوية التي أنزلها الله على أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
• وهناك مواقف لا تحصى لتأكيد أن علاقة الإسلام بالآخر تقوم على السماحة والعدالة
واحترام حقوقه.
من ذلك أن القرآن الكريم أكد أن اختلاف الدين لا يجوز أن يكون مدعاة للظلم أو
التغابن، وأنه إذا كانت هنالك أطراف معادية وبيننا وبينها خصام، فذلك كله يجب
إبعاده عن مقتضيات العدالة، قال تعالى:
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المائدة/8.
ولطالما احتكم مسلمون وغير مسلمين إلى القضاء الإسلامي؛ فكانت العدالة تفرض
نفسها دون تفرقة بين الأطراف المتنازعة، يشهد لذلك عشرات المواقف العملية في تاريخ
الحضارة الإسلامية، ومن ذلك ما سجَّله التاريخ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما
كان واليًا على مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واشتبك ابن
عمرو مع أحد المصريين، وأغراه سلطان أبيه فضرب الرجل، ومصر يومئذٍ حديثة عهد
بالفتح، وكان المنتظَر أن يستكين المضروب لابن القائد الفاتح الذي هزم أكبر دولة في
الأرض، لكن المجني عليه كان يأنس العدالة في الإسلام وحكمه، فأقسم ليبلغنَّ شكواه
إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، لكن الولد الذي ضربه وجد في هذا حماقة فقال
له: افعل، فلن تضيرني شكواك، أنا ابن الأكْرَمَيْن!
وبينما كان عمر بن الخطاب بين خاصَّته وعمرو بن العاص وابنه في مجلسه، والمدينة
غاصَّة بالوفود في موسم الحج، تقدَّم المصري المظلوم وقال لعمر: يا أمير المؤمنين،
إن هذا ـ وأشار إلى ابن عمرو ـ ضربني ظلمًا، ولما توعدته بالشكوى إليك قال: افعل،
فلن تضيرني شكواك، أنا ابن الأكرمين!
فنظر عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص نظرة استنكار وقال له هذه الكلمة العظيمة:
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!". ثم توجه إلى الشاكي وناوله
سوطه وقال له: اضرب ابن الأكرمين كما ضربك!
لقد أنصف سيدنا عمر رضي الله عنه الإسلام بهذا الحكم.
|
|