مقالات العدد الثالث
د./ مينا بديع عبد الملك
المسيحية والإسلام على أرض مصر
بقلم: د./ مينا بديع عبد الملك
كلية الهندسة ـ جامعه الإسكندرية
الأهرام ـ 24 نوفمبر 2011
(موضوع الاندماج الوطنى كما يقول د. مصطفى الفقى فى مطلع كتابه عن "الأقباط فى
السياسة المصرية" يحتل أهمية متزايدة على خريطة البحث فى العلوم الاجتماعية لأسباب
تتصل بالاستقرار السياسى لعدد كبير من دول العالم الثالث ويذكر المؤرخ المصرى
الجليل د. وليم سليمان قلادة 1924ـ 1999 فى كتابه "المسيحية والإسلام على أرض مصر"
والذى اقتبست منه عنوان مقالى هذا، يقول: أحسب أن الدين "المسيحية والإسلام" قد
رسخا فى ضمير المصرى وفى نظراته إلى الكون مفهوما للإنسان هو جزء بالغ الأهمية
والقيمة فى تراث كل فريق وفكرة.وقد أفرز هذا هذا المفهوم آثاره فى الحياة على هذه
الأرض سواء وعى المؤمنون ذلك أم عاشوه كما لو أنه أحد القوانين الحيوية التى لا
يملكون التحكم فيها . ويبدو لى أن هذا المفهوم ظل عنصرا مهما وكامنا فى بناء
الشخصية الفردية والاجتماعية بمختلف جوانبها وعاملا محركا لتطورها وان ظل متواريا).
لذلك فمن المهم جدافى تلك الآونة أن نقدم فكر الآخر للجميع فى محاولة صادقة لجذب
جميع المصريين إلى دائرة الفهم والتقاء الفكر المستنير وهذا ما بدأه الفاضلان
الاستاذ عبد العظيم حماد. رئيس تحرير الأهرام. والاستاذ أشرف عبد المنعم. بعدد 14
أكتوبر 2011.
فما يزيد ويدعم الترابط بين أشقاء الوطن الواحد. بعيدا عن الأفكار المستوردة من دول
البترول. هو اطلاع كل فريق على تراث الآخر، وفكره بروح التعاطف والرغبة فى الفهم
دون استعلاء أو نبذ. فحين يقترب المطلع لتراث الآخر، وفى ذهنه حقيقة مهمة أن ذلك
التراث والفكر هو مقصود به. بلا شك. تأكيد ورفع من كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه
وتمكنه من ممارسة تلك الحقوق بلا عائق، فإن هذا ـ فى حد ذاته كفيل برفع العديد من
الحواجز وازاله العديد من الموانع ليس هذا فحسب بل ان الواحد منها. فى تلك الحالة
يسعى باجتهاد لزيادة التعرف على رفيقه. فى درب الجهاد. والرغبة الصادقة والحقيقية
لفهم هذا الذى يشترك معى فى معركة الحياة اليومية سواء معركة الإنتاج فى المصنع، أو
معركة التحصيل العلمى الجاد فى المدرسة والجامعة ومعركة البحث العلمى المثمر فى
المختبر العلمى، معركة زيادة المحصول الزراعى فى الحقل، ومعركة مواجهة العدو الرابض
على الحدود فى ميدان القتال.
فإذا تحدثنا ـ مثلا ـ عن الصلوات اليومية التى يمارسها الطرفان المتحابان نجد أن
المسلم يمارس خمس صلوات يومية والمسيحى يمارس سبع صلوات يومية وكلها دعاء لله
الخالق أن يبارك فى حياة الانسان اليومية ويحفظه من الشرور والمعاصى والزلات وهذه
الصلوات كلها مكملة لبعضها البعض، مثلا آخر فى الاصوام التى يمارسها الطرفان
المتحابان نجد المسلم يصوم شهر رمضان المبارك، وما يعقبه من صوم الستة أيام
بالاضافة إلى صومى الاثنين والخميس وبلا شك أن الإنسان فى فترة الصوم يكون فى حالة
عالية من النقاء الفكرى والمسيحى يصوم فترة صوم الميلاد (34
يوما) وفترة صوم أهل نينوى (3 أيام)، فترة
الصوم المقدس الذى يسبق عيد القيامة المجيد (55 يوما)
فترة صوم الآباء الرسل (15 ـ 50 يوما)، فترة صوم
السيدة العذراء مريم (15 يوما) وهذا الصوم بالتحديد
يصومة العديد من الاخوة المسلمين من شدة محبتهم للسيدة العذراء. هذا بالاضافة إلى
صوم يومى الأربعاء والجمعة. ليس هذا فحسب، بل يشترك العديد من المصرين فى العديد من
موالد القديسين وأولياء الله الصالحين وبالأخص فى أعياد السيدة العذراء بالأديرة
المقامة بصعيد مصر كدير السيدة العذراء المحرق، ودير السيدة العذراء بدرنكة. كذلك
أعياد مارجرجس بمنطقة الرزيقات، وعيد القديس أنبا شنودة (الذى
يلقبونه بلقب أبو شنوده) بسوهاج. وفى غرب الإسكندرية يوجد دير يعود تاريخه
إلى القرن الر ابع الميلادى يحمل اسم القديس مينا الملقب بالعجايبى، هذا يهرع إليه
المصريون من كل انحاء مصر، ليس هذا فقط بل يأتى إليه العديد من الزوار الأجانب من
مختلف أنحاء الأرض بسبب شهرة القديس الواسعة حتى إن كثيرا من الدول الأوربية كقبرص
واليونان وألمانيا وفرنسا وغيرهم بها كنائس تحمل اسم القديس مينا ويقول عنه (القديس
مينا المصرى).
هذه الأيقونة الرائعة من الحياة المشتركة لو تعرفنا عليها بحب سوف نكسب كثيرا
وتستقر الأمور فى وطننا، ونكون حائط صد لمن يحاول أن يفكك ترابطنا ووحدتنا ومحبتنا.
إننا فى أشد الاحتياج. فى هذه الأيام لنزع فتيل التوتر ونسعى نحو المحبة، لأن الله
محبة ومن يحب الله فعلا يحب جاره وصديقه فلنترك التفاصيل الدينية كأمر شخصى بحت
وينبغى ألا يقيم كل إنسان نفسه حارسا على الدين وملتزما بتطبيق شرائعه على غيره.
من
هذا نجد أن لنا تراثا مشتركا له طبيعة دينية مستقرة فى أعماق المصريين، هذا التراث
قادر على إعادة مسار المسيرة المقدسة متى حدثت ردة او نكسة وإذا طالعنا بصدق
تاريخنا المصرى العظيم لابد أن نتوصل إلى حقيقة مهمة أننا خير مما نظن فى أنفسنا
وأكثر تدينا من حكمنا على مماراساتنا.
وكما يقول مؤرخنا المحبوب د. سليم سليمان قلادة (الصديق
الودود للدكتور طارق البشرى، د. سليم العوا، د. محمد عمارة)، يقول: هذه شيمة
البشر الساعين إلى الكمال، وان قسوا على أنفسهم، وحملوها ما لا تطيق وهذا ليس
بالشيء الجديد على شعب كان هو رائد الحضارة والقيم فى العالم كله.
|