مقالات العدد الثانى
د. أحمد عمر هاشم
أخوة في الإنسانية
هذا الحديث الممتع
والنبيل للمفكر الإسلامي د./ أحمد عمر هاشم فى برنامج " فى
دائرة الضوء" لإبراهيم حجازى بقناة النهار اشتمل على الكثير من المبادئ
والقيم الإسلامية في العلاقة السمحة التي يجب أن تكون بين عنصرى الأمة: المسلمون
والمسيحيون... ونظراً لأهمية الحديث فى الأحداث الراهنة نسجل أهم ما جاء فيه فى
السطور التالية..
- ما حدث فى ماسبيرو يوم الأحد 9 أكتوبر إنتابنى
وإنتاب كل مصرى وكل إنسان يحمل خصائص الإنسانية بشعور قاس بالمرارة، وشعرت بالخوف
على هذا الوطن وعلى بني جنسه وعلى مستقبله.
- ما حدث كان صورة سيئة للغاية لا تليق بوطن اختصه
الله سبحانه وتعالى – عن سائر الأوطان – بالأمن والأمان، يقول الله عز وجل على لسان
سيدنا يوسف عليه السلام فى سورة يوسف: "وَقَالَ ادْخُلُوا
مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ"، والقرآن من أهم سماته الخلود.
- ما حدث في ماسبيرو فتنة طائفية وفتنة وطنية وهو أمر
بشع، يستوجب علينا جميعا علماء ودعاة وكتاب وسياسيين، مسلمين وأقباط أن يؤدى كل منا
دوره ونبحث جميعا عن الأسباب التي أدت إلي هذه الفرقة.
- لقد عاش الوطن سنوات عديدة بمسلميه وأقباطه ، اخوة
متحابين اختلطت دماؤهم فى الحروب خاصة فى حرب أكتوبر 73 دفاعاً عن هذا الوطن الغالى،
ولم يكونوا على هذا النحو الذى رايناه أخيراً وأسفنا عليه!.
- علينا جميعا الحكومة والعسكر والأمن والشعب بكل
أطيافه أن نتعاون فيما بيننا من أجل وئد هذه الفتنة، ليس بالتصالح والعناق والكلمات
المعسولة التي تشبه المسكنات!.
- دعونا نتساءل: لماذا أصبحت هذه الفتن ظاهرة؟! ومن
وراء هذه الحرب الضروس التي أودت بحياة الأبرياء ؟!
- صحيح الدين الإسلامي يقول : إننا جميعا أبناء آدم
وحواء، وهذا الإنتماء يعني أننا – مسلمين وأقباط- أخوة فى الإنسانية قال تعالى فى
سورة الحجرات: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
- وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من
أبرم وثيقة لحكومة الإسلام جمع فيها بين المسلمين وغير المسلمين، وعندما أسس أول
دولة فى المدينة كانت أول خطوة اتخذها هى بناء المسجد ليكون صلة بين الجميع، كما
آخى بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين غير المسلمين، كما أبرم أول اتفاقية لحقوق
الإنسان، على قلب رجل واحد ليدافعوا عن وطنهم ضد الأعداء. والرسول صلي الله عليه
وسلم يحاجج ويدافع عن غير المسلمين قال" ألا من ظلم معاهداً
أو انتقص أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس أنا حجيجه يوم القيامة".
- وقال صلي الله عليه وسلم: "
من آذى ذميا فأنا خصمه".
- هكذا كان موقفه صلى الله عليه وسلم مع من يحاول أن
يظلم غير المسلمين من أهل الكتاب.
- لذلك كان المجتمع على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم على قلب رجل واحد مسلميه وأقباطه، كانوا كالجسد الواحد إذا أشتكي منه عضو
تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.
- وبالتأكيد " الخلافات المذهبية والعقائدية وما يجرى
على الساحة الآن كان له أبلغ الأثر فى محاولة هز الثقة بين أفراد المجتمع، والرسول
صلي الله عليه وسلم أراد أن يسد نافذة الشر هذه فقال: " تركت
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي".
- إذن فنحتكم الي الكتاب والسنة المطهرة وليس فيها
هذا التشرذم والتفرد والمذاهب المتعددة وكلها أمور نهي عنها النبي صلى الله عليه
وسلم، لأن ديننا السمح أمرنا بالمودة والتراحم، وينبغي أن نتعلم ثقافة التسامح
والتآخى مع الآخر ونقتدي في ذلك بالرسول الأسوة صلي الله عليه وسلم وصحابته رضى
الله عنهم.
- أنظروا إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما
رأي رجلاً من أهل الكتاب كفيف قال: " ما أنصفناك!!"،
وأمر له براتب من بيت المال للمسلمين.
- والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يضرب المثل
والقدوة فى معاملة غير المسلمين، فعندما رأي جنازه ليهودي وقف لها احتراما لحرمة
الميت، فقال له أحد الصحابة: هذه جنازة يهودي يا رسول الله، فقال صلي الله عليه
وسلم : " او ليست نفسا"؟!.
- وإنظر إلي هذا الحديث الرائع والممتع لحذيفة مع
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول حذيفة:
- " كان الناس يسألون رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر".
- قال بلال : هذا الخير من سر؟!.
- أجاب النبي صلي الله عليه وسلم: نعم...قوم يهدون
بغير هدى. والحديث القدسي يقول فيه رب العرش العظيم: "إنما
أتقبل الصلاة ممن يتواضع بها لعظمتي ورحم الفقير والأرملة".
- وإذا كان الدين المعاملة وحسن الخلق، فإن الله
سبحانه وتعالى لم يثن على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشيء إلا بحسن الخلق
قال تعالى في سورة القلم: " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ"
- علينا أن نقتدي بهدي المصطفي صلى الله عليه وسلم
ونعمل على غرس كل القيم الجميلة والنبيلة من رحمة وتسامح وإخاء وعدل.
- وينبغي أيضا أن تتسع رقعة الثقافة الدينية فى كل
وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة لتصحيح المفاهيم الخاطئة.، كما ينبغي
أن نعيد تدريس مادة الدين الإسلامي والمسيحي فى مدارسنا بمنهج المودة والتسامح
والحب ونبذ الفرقة والتعصب.
- وبالنسبة للعالم الديني سواء
كان مسلماً أم مسيحياً أم يهودياً ينبغي أن يتسم بهذه الصفات:
• أن تنعكس الدعوة أولا على سلوكه قبل أقواله.
• الا تتناقض أقواله مع أفعاله.
• ألا يكون عصبياً ليحكم على فلان إنه من أهل الجنة
أو النار، وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه حين قال رب العزة فى الحديث
القدسي: " من ذا الذى يتعالى علىَّ ألا أغفر لفلان، أشهدك
يابني أني قد غفرت له بحسن ظنه بى".
- وحين سئل الغلام: بماذا أقبلت على ربك؟! قال بذنوب
كثيرة محاها حسن الظن بالله.
- علينا أن نتقرب الي الله بحسن العبادات والبعد عن
التعصب ودرء الفتن قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من
خرج عن الطاعة وفرق الجماعة فمات ميتة الجاهلية".
- وقال صلى الله عليه وسلم:"من
خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتماس من مؤمن ولا يفى لذى عهد فليس مني ولست
منه".
- وينبغي أن يشتمل الخطاب الدينى على الوفاق بين
عنصرى الأمة- المسلمين والأقباط-، والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة
الكافرون:" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" .
- أدعوا اخوتي من العلماء والدعاة والوعاظ من
المسلمين والمسيحيين أن يجلسوا على مائدة الحوار، بهدف تصحيح الخطاً لكل منا،
ولدينا من رصيد ديننا ما يسمح لنا بتوجيه الأمة لما فيه خير العباد، وللمسجد
والكنيسة دور عظيم ومهم فى لم شمل المسلمين والأقباط، ويجب الإهتمام بالمدرسة فلها
النصيب الأكبر من التعليم الديني للمسلم والقبطي حتي نستطيع فهم صحيح الدين فى
الإسلام والمسيحية.
- وقد كفل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حرية
التدين لغير المسلمين، ودليلي فى ذلك الحديث الصحيح عندما جاء وفد نصارى نجران إلي
المدينة طلبوا أن يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوى، فسمح لهم
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك ثم طلبوا أن يؤدوا شعائرهم فى المسجد النبوى
فوافق لهم النبى صلى الله عليه وسلم، بل قام بنفسه على خدمتهم وأخذ يقدم لهم كل
عون.. هذه هي سماحة الإسلام وسماحة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وكانت من بين
الأسباب الرئيسية لدخول الناس كافة فى دين الله أفواجا.
والقرآن الكريم قال فى سورة البقرة: "لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ"، وفى سورة المائدة يقول
المولى عز وجل: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم
مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ".
- نحن ندعو أبناء الوطن من المسلمين والمسيحيين أن
يكونوا على قلب رجل واحد، وأن يقدموا النموذج الطيب والقدرة الجميلة فى التسامح
وكفانا ما حدث لنا من جراء هذه الفتن!.
المفكر الإسلامي: د./ أحمد عمر
هاشم
|
|