حقائق الإسلام
الإسلام والجمال
الإسلام يتعامل
مع الحياة بكل جوانبها، ومع
الإنسان بكل ملكاته، يتعامل مع قلبه كما يتعامل مع عقله،
يتعامل مع جسمه وروحه
ووجدانه وأحاسيسه ومشاعره، وكما أن للجسد جَوْعَةً
يسدُّها الطعام والشراب، فللعقل جوعة يسدها العلم والفكر، وللقلب جوعة تسدها
المشاعر والأحاسيس والوجدان .. وهكذا.
وإذا كان الإحساس بالجمال وتذوقه فطرةً أودعها الله فى النفس الإنسانية، فللقرآن
كلمة فى هذا المعنى، فقد لفت القرآن الكريم انتباه الإنسان إلى الجمال الذى أودعه
الله فى كل ما خلق، ليستمتع به الإنسان.
من ذلك الإشارة إلى ما فى الكون من مظاهر الجمال والزينة، فحين يُعَدِّدُ الله نعمه
على الإنسان يذكر الجانب النفعى العملى ويتبعه بذكر الجانب الجمالى، نحو قولـه
تعالى: ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ
وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) الأنعام/5،
فهنا ذكر الجانب النفعى للأنعام، ثم يقول الله تعالى: (
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ )
النحل/6، فهذا هو الجانب الجمالى. وفى سياق تعداد نعم
الله على الإنسان - فى السورة نفسها - يقول الله تعالى: (
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً )
النحل/8، وفى آية تالية يذكر الله عز وجل نعمة تسخير
البحر للإنسان، وذكر من جوانب التسخير الحلية التى تستخدم للزينة نتجمل بها، قال
تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ
مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا
) النحل/14.
وتقرن العبادة بالجمال والزينة فى القرآن الكريم، من ذلك قول الله تعالى: (
يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
) الأعراف/31.
وحين تلفتنا آيات القرآن إلى النظر فى الكون تشير إلى ما فى هذا الكون من
مظاهر الجمال والروعة، من ذلك قولـه تعالى: ( أَفَلَمْ
يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا
لَهَا مِن فُرُوجٍ ) ق/6. وكذا ما أخرج الله
من الأرض: ( وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء
فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ )
النمل/60.
وآيات القرآن نفسها قمة فى الروعة والجمال: جمال على مستوى الصوت المفرد،
وعلى مستوى الكلمة، والآية، والسورة، وهذا باب واسع.
ولقد كان لهذا الجمال الرفيع فى القرآن الكريم أثر كبير فى نفوس المسلمين، مما
ارتقى بمستوى الحس الجمالى فى فن الخط العربى، وفنون العمارة، والجمال فى العمارة
الإسلامية يمكن أن نراه فى المسجد بقبابه ومآذنه ومحرابه وقبلته، ونرى فى العمارة
الإسلامية جماليات تشكيلية فى النقوش والزخارف التى ارتقت إلى مستوى التجريد بعد أن
كان السائد هو التجسيد. أيضًا هنالك جماليات تشكيلية فى الخط العربى بين الكوفى
والفارسى والديوانى ... إلخ، وأصبح الخط العربى فضلاً عن وظيفته اللغوية كتسجيل
لأصوات اللغة، أصبح قيمة جمالية.
لقد وضعت المعجزة القرآنية الرائعة المسلمين أمام وعى جمالى جديد، نجد تجلياته فى
الفكر واللغة والسلوك والعمارة والفن، ينطلق هذا الوعى من خالق الجمال: البديع،
الذى كل جمال فى الوجود هو من آثار جماله، فالله سبحانه وتعالى له جمال الذات وجمال
الأوصاف وجمال الأسماء وجمال الأفعال، والله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، وهو
سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
الشورى/11، فى كل شىء: فى القدرة، فى الرحمة، فى
اللطف، فى الجمال... وعن النبى صلى الله عليه وسلم : «إن
الله جميل يحب الجمال»، فمن كمال محبة الله وتوحيده: محبة الجمال والسعى إلى
إدراكه، بل إن منتهى نعيم الآخرة عند المؤمن: رؤية وجه الله عز وجل الذى يفيض على
وجوه الناظرين إليه نضرة وجمالاً، قال تعالى: ( وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )
القيامة/ 22-23.
كما يلفت القرآن الكريم انتباهنا إلى تمام الجمال فى مخلوقات الله، قال تعالى: (
مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ )
الملك/3. وقـال تعـالى: (
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) السجدة/7.
فالكون كله منظومة جمالية بكل معانى الجمال، ولطالما عبثت يد الإنسان بـهذا
الجمال فأفسدته، ويلفت القرآن الكريم انتباهنا إلى هذا المعنى فى قولـه تعالى:
( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ ) الروم/41.
والجمال الحقيقى هو الذى يتصل ويتفق مع الجمال الأعلى لله عز وجل فى حين أن
الجمال الخـادع هو الذى ينفصل عن الجمـال الأعلى ويصبح قيمة سـلبية، ندرك ذلك من
قــول النبى صلى الله عليه وسلم : «إياكم وخضراء الدمن».
وهذا يؤكد حقيقة الرؤية الإسلامية للجمال بوصفه تكاملاً بين الظاهر والباطن، وليس
المظهر الخارجى الخالى من الروح.
ولتوضيح هذه الفكرة يمكن أن نضرب مثلاً من واقع حياتنا: فالأزهار البلاستيكية لا
يمكن أن تثير فى نفوسنا ما تثيره الأزهار الحقيقية التى تمتلك الرائحة وتتنفس معنا،
وتثير فينا معنى الحياة، لا يمكن أن يستويا.
فالرؤية الإسلامية للجمال تمزج بين الجانبين، كما يشكل الإيمان بأن أهل الجنة
يُبْعَثون فى صور وأحوال جميلة، ويعيشون فى نعيم مقيم، فوصف الكؤوس والسرر ومنابر
النور والجنات الواسعة ذات الأنـهار والأشجار والرياحين والحور العين، كل هذا يشكل
صورًا جمالية إبداعية تنتظر أهل الإيمان يوم القيامة، وفيها - أيضًا - تنمية لإحساس
المؤمن بالجمال.
ويزداد الوعى بالجمال كلما ازدادت الصلة الإيمانية بالحق المبدع لكل جمال، حيث يرى
تجليات الخالق فى جمال خلقه، فإذا ارتفعت النفس وسمت إلى مستوى النفس الجميلة
استطاع الإنسان أن يدرك الجمال فى الأشياء، واستطاع أن يفعل الفعل الجميل، ويمكن أن
نلمح هذه المعانى فى الآيات:
( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ )
الحجر/85.
( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ
هَجْرًا جَمِيلاً ) المزمل/10.
( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً )
المعارج/5.
ولنا أسوة فى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التطبيق العملى لمعانى
الجمال، حين يأمر أصحابـه بأن يهتموا بمظهرهم، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم : «من
كان له شعر فليكرمه».
• أين واقعنا من الجمال؟
فإذا كان الإسلام يحث على الجمال والتجمل فى كل شىء، فلماذا لا نطبق ذلك فى حياتنا
العملية؟ ونحرص على جمال اللفظ والمظهر، وجمال النفس القلب، وتربية الأطفال على هذه
القيم الجمالية؛ حيث إن لها أعظم الأثر فى إدخال السرور والسعادة والبهجة على
النفوس.
وحسبنا أن نرى المفارقة العجيبة بين جمال صنع الخالق فى زرقة السماء وخضرة الأشجار
وألوان الأزهار، وبين تلال القمامة فى شوارعنا!! وتكدس السيارات بلا نظام على جانبى
الشارع، وخنق حركة المرور فيه، وشغل الأرصفة بأشياء شتى.
وكل هذه الصور عدوانٌ على الجمال، ولكن إذا لاحظنا جمال خلق الله ودقة النظام فيه،
وتأسَّينا به فلن نجد شوارعنا تملؤها القاذورات، ولن نجد إشغالات مرور، ولن نجد من
يخالف إشارات المرور ليتعدى حدود الطريق، ولن يؤذى الآخرين، كل هذه صور تطبيقية
للجمال والبهجة فى النفوس.
إن الفرق بين الجمال والعشوائية فرق هائل يستحق منَّا أن نراجع أنفسنا وأن نتوجه
نحو الجمال.
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
|
|