حقائق الإسلام
القيم الحضارية فى الإسلام ( د )
وأما بشأن بناء الجانب النفسى للإنسان بناءً قيميًّا على
يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تم من خلال هديه صلى الله عليه وسلم فى تـربية
الإنسان على التصالح والعلاقات الودودة مع الآخرين، فالتعامل يتم على أساس حسن الظن
بدلاً من الوساوس والشكوك والأوهام التى تعذب الإنسان وتدفعه إلى القطيعة أو
الانعزال أو الإساءة للغير.
وخلَّص الهَدْىُ المحمدىُّ الإنسانَ من كل ألوان العقد النفسية الناتجة عن ألوان
الحرمان المختلفة، ففى الله عوض عن كل مفقود.
أيضًا ربى النبى صلى الله عليه وسلم الإنسان المؤمن على الاعتدال بعيدًا عن الإفراط
أو التفريط، بعيدًا عن المغالاة والعصبية.
وبذلك حول النبى صلى الله عليه وسلم الشخصية الهائجة القلقة المضطربة إلى شخصية
تتسم بالاستقرار والهدوء النفسى، وذلك على نحو ما يظهر فى هديه صلى الله عليه وسلم
فى علاج حالات الغضب والانفعال حيث جعل النبى صلى الله عليه وسلم موازين القوة
مرتبطة بالقدرة على السيطرة على المشاعر والرغبات والنـزوات، قال صلى الله عليه
وسلم : «ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد الذى يملك نفسه
عند الغضب».
كذلك تحول الإنسان بـهديه صلى الله عليه وسلم من التشاؤم إلى التفاؤل حيث نـهاهم
صلى الله عليه وسلم عن التطير وكل ما فى حكم التطير وأبدلهم مكان التطير الاستخارة
والاستشارة، قال صلى الله عليه وسلم : «لا طيرة»،
وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن. وفى هذا تأسيس لمنهج علمى إيمانى فى
التعامل مع المستقبل باستطلاع الحقائق من أهلها والاستعانة بالله تعالى.
أيضًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التفاؤل، ونـهى عن التشاؤم، ليعلم كل
المصلحين كيف يتغلبون على الآثار النفسية التى تـرتبت على المواقف الحرجة والأزمات
القاسية وتأمل قولـه صلى الله عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا
ونحبه» ليزيل ما تبقى من مشاعر وآثار نفسية عند البعض بسبب الهزيمة عند جبل
أحد.
وفى هذا السياق ينهانا صلى الله عليه وسلم عن سب الأيام والأزمان لينتزع من نفس
الإنسان التشاؤم من يوم محدد أو مكان معين، فلا تأثير للزمان بذاته ولا للمكان
بنفسه، وإنما يؤثر فيهما قضاء الله وقدره، قال صلى الله عليه وسلم : «لا
تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» أى إن الله تعالى هو المؤثر بقدرته فى
الزمان والمكان.
وبكل الإجلال يقف الإنسان مندهشًا أمام عظمة الهدى المحمدى فى البناء النفسى
للإنسان حين يدعم قوته النفسية لتكون قادرة على مواجهة الأزمات فلا تنهار أمام
خسارة فادحة أو فقد محبوب أو نحو ذلك، أو تجلس حبيسة عند مرارة الحدث بأسى وحزن
يفقد الإنسان عقله وصوابه، فمن هديه صلى الله عليه وسلم فى الأزمات والمحن التحلى
بالصبر والرجوع إلى الله فعنده العوض عن كل مفقود، وعدم الوقوع فى حبائل الشيطان
فلا تقل: لو كان كذا لكان كذا، ولكن توجه إلى الله تعالى، وقل: قدر الله وما شاء
فعل.
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُولُو الْأَلْبَابِ
|
|