حقائق الإسلام
القرآن وفقه الإصلاح
الإصلاح والتغيير لا يحدث فى
الأمم بين عشية
وضحاها، وإنما يحتاج إلى وقت لإنجازه، وتعجل النتائج قد يفسد المشروع
الإصلاحى.
فالحديث عن الطفرات والتحولات الفجائية لون من هياج
المشاعر بانفعالات مندفعة متهورة لا يحقق تقدمًا، وإنما
هو ضرب من الأحلام
والأوهام.
وهذا درس قرآني علمه سيدنا عمر بن عبد العزيز لولده لما
طلب من أبيه أن يتعجل الإصلاح والتغير فقال له: يا أبت
ما لك لا تنفذ الأمور،
فوالله لا أبالي إن غلت بى وبك القدور
!!
فكانت حكمة سيدنا عمر بن عبد العزيز حيث
لفت انتباه ولده إلى سنة التدرج فقال له: لا تعجل يا
بنى؛ فإن الله تعالى ذم الخمر
فى القرآن مرتين وحرمها فى الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل
الناس على الحق جملة، فيردوه جملة وتكون فتنة.
كيف لا والقرآن يؤكد لنا سنة كونية مطردة فى خلق الله للعالم وللإنسان، قال تعالى:
( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ
طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا
النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [المؤمنين:
12-14].
بل إن التدرج كان سنة مَرْعِيَّة وسارية فى العبادات والشعائر، فالصلاة اكتملت
فرضيتها فى السنة الثانية قبل الهجرة فى ليلة الإسراء والمعراج، والصوم فرض فى
المدينة، وكذلك الزكاة والحج. وتدرجت أحكام الخمر: من الذم لها إلى التحذير منها
إلى تحريمها. وكان تحريم الربا فى السنة التاسعة من الهجرة بعد أن تأهل الواقع
وتأهلت الأمة لهذا المنهج الربانى.
إننا لن نبلغ المقدمة والنصر والتمكين بالأماني والأحلام، وإنما بالعمل، ولن يكون
بلوغ الهدف فجأة، وإنما يحتاج إلى وقت وتدرج دون تعجل للنتائج ودون اندفاع أو
تـهور.
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الْأَلْبَابِ
|