الطعن في أحاديث فوائد التمر(*)
مضمون الشبهة:
في محاولة بائسة يطعن بعض المغرضين في الأحاديث التي جاءت في فوائد التمر، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضرَّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سِحْرٌ»، زاعمين أن هذا الحديث لا يتناسب وعصر العلم والتكنولوجيا الذي توجد فيه مضادات طبيَّة للسموم، أما التمر فلا يَقِي من السمِّ؛ لأنه مكوَّن من عناصر تمدُّ الجسم بالطاقة والنشاط فحسب.
ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات متأثرًا بالسم الذي وضعته له المرأة اليهودية في الشاة يوم خَيْبَر، فكيف ينصح بالتمر واقٍ من السمِّ ويموت هو به؟! كما يطعنون في حديث: «بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله»، متسائلين: أيكون الأغنياء جياعًا إن لم يكن عندهم تمر؟!
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضرَّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سِحْرٌ» حديثٌ مُتَّفَق على صحته سندًا ومتنًا، وهو بذلك يقرِّر بوضوح دور التصبُّح بسبع تمرات عجوة في مقاومة السموم؛ وهذا ما أثبته العلم حديثًا من خلال التحليل الكيميائي للتمر، والتجارب والأبحاث المعملية التي أُجرِيت على الفئران والإنسان، ولِـمَ العجب في هذا وهناك العديد من المضادات الطبيعية للسموم، وهي الأعشاب الطبية، والتي تُستخدَم في أوربا ودول الغرب في هذا الشأن، بل وتُستخدَم لمعالجة الكثير من الأمراض!
أما عن دعواهم وجود تعارضٍ بين ذلك الحديث وأكله صلى الله عليه وسلم من شاة خَيْبَر المسمومة، ومن ثم موته- فهي دعوى باطلة؛ وذلك لأنه لم يثبت عندنا أنه تصبَّح بسبع تمرات عجوة في يوم أكله من تلك الشاة، ولو ثبت هذا فلا تعارض أيضًا؛ لأنه قد مات بعد هذه الحادثة بثلاث سنوات بحُمًّى شديدة أصابته، وليس بسبب السم، في حين مات أحد الصحابة الذين أكلوا معه على الفور، علمًا بأن السمَّ كان مركَّزًا في الكتف التي أكل منها صلى الله عليه وسلم.
2) إن المراد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر» هو الشِّبَع المتحقِّق من أكل التمر، وقد أثبت العلم الحديث أن التمر يحتوي على تشكيلة واسعة من العناصر الغذائية تجعله غذاء مقاومًا للجوع، أما قوله صلى الله عليه وسلم: «بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله» فالمقصود من الجوع فيه سوء التغذية الناتجة عن ملء البطن طعامًا غير متوافرٍ فيه جميع العناصر الغذائية المطلوبة لإفادة الجسم، فربما أكل الإنسان طعامًا فامتلأت بطنه دون أن يحدث لجسمه إشباع حقيقي، ففَرْقٌ بين الامتلاء والشبع؛ إذ الامتلاء هو ما سبق، أما الشبع فيحدث عندما يستفيد الجسم بجميع العناصر الغذائية التي يحتاجها، وهذا متحقِّق في التمر الذي يحوذ قَصَب السَّبْق في ذلك كما أثبت التركيب الكيميائي له.
التفصيل:
أولا. دور التمر في مقاومة السموم:
1) الحقائق العلمية:
لقد أُجرِيت تجارب علمية على السم، فوُجد أن للسم الداخلي إنزيمًا في الكبد مسئولًا عن إبطال مفعوله، ومعلوم أن الكبد يقوم بعملية مضادة للسموم، وعندما تدخل السموم إلى الجسم فإن هذا الإنزيم يرتفع، وعند فحص نسبة هذا الإنزيم في الجسم تجده مرتفعًا، أما عند تناول سبع تمرات عجوة لمدة شهر يوميًّا نجد أن هذا الإنزيم بدأ يهبط، ويدخل في الوضع الطبيعي، ومن الغريب أننا لو تتبعنا الحالة لمدة سنة بعد هذا نجد الإنزيم لا يرتفع، بما يعني أنه أصبح هناك وقاية وشفاء.
وهناك جمعية بريطانية قائمة على دراسة ظاهرة "التليباثي" الاستجلاء البصري، أو الاستجلاء السمعي، أو التي يُسمُّونها "التخاطر عن بعد" ـ بحثت في هذا الأمر بحثًا مستفيضًا، ومن خلال تجاربها مع الناس المتطوِّعين لإجراء التجارب العلمية عليهم وجدت أنهم يتعرَّضون للتسمُّم بمادة الرصاص من دخان عوادم السيارات وصناعة البطاريات، ويعانون من مشكلة الكادميوم، وهو عنصر من العناصر الثقيلة (Heavymetal)، وهي تؤدِّي إلى الفشل الكلوي وتسمُّم بالجسم، ووجدت أن أولئك المتطوعين عندما تناول كل واحد منهم سبع تمرات كل يوم مع الإفطار تقلِّل لديهم كثيرًا من مستوى السموم في الجسم؛ لأنها تقاومها، فتأكدوا أن سبع تمرات تعمل عمل مضادات السموم في الكبد في عملية تسمَّى (Detoxication)([1]).
"وأكَّدت نتائج الدراسة التي أُجرِيت بإشراف مجموعة من الأساتذة المتخصصين في علوم الشريعة والأحياء والكيمياء في جامعة الزيتونة بالأردن- أن التصبُّح بأكل التمر يَقِي الإنسان من خطر السموم، بما في ذلك سموم الأفاعي ومثيلاتها من الحشرات السامة.
وقد أُجرِيت هذه الدراسة على أربعة عشر طالبًا من طلبة الجامعة المذكورة تطوَّعوا بالتبرع بالدم على مدار أربعة أسابيع؛ حيث تم تقسيم الطلبة إلى مجموعتين؛ الأولى جرى إعطاؤهم سبع تمرات يوميًّا على الريق، في حين أن أفراد المجموعة الثانية لم يتناولوا التمر طوال الشهر، وبعد أَخْذ عينات دم من المجموعة الأولى وسَكْب سم الأفاعي عليه لم يطرأ عليه أي تغيير إطلاقًا، في حين تم سَكْب سم الأفاعي على عينات دم المجموعة الثانية فتبين أن الدم فقد خواصه الطبيعية وتكسَّرت فيه- بصورة تامة- كُريَّات الدم الحمراء والبيضاء، وظلَّ لونه يقارب للاصفرار بعد أن فقد خواصه"([2]).
إضافة إلى ما سبق، فإن هناك أبحاثًا علمية تمَّت في جامعة الملك عبد العزيز؛ منها بحث بعنوان "العلاج النبوي بتمر العجوة في حالات التسمُّم والتليُّف الرئوي بالجازولين"([3])، وقد تم تطبيق هذا البحث على مجموعة معينة من الفئران، فكان من نتائجه ما يأتي:
عند دراسة التركيب النسيجي للرئة في العينات التي أُعطِيت منقوع تمر العجوة، ثم عُرِّضت لاستنشاق جازولين 91 كانت الآتي:
أظهر الفحص النسيجي لمعظم قطاعات الرئة في الفئران الـمُعطاة منقوع تمر العجوة بجرعة 0,02 م/ جم، ثم عُرِّضت لاستنشاق البنزين بجرعة 0,008 ملجم/ جم لمدة شهرين وأربعة أشهر- تحسُّن ظاهر للتغيرات المرضية، والتي سبق مشاهدتها في مجموعة الفئران المستنشقة للجازولين للفترة الزمنية نفسها؛ حيث أظهر الفحص لمعظم القطاعات التركيب شبه الطبيعي للبرنشيمة التنفسية؛ حيث بدت الحويصلات الرئوية جيِّدة التكوين، وتتكوَّن من طبقة منتظمة من الخلايا الحويصلية الهوائية، وخلايا الحاجز، والطلائية المبطِّنة للشُّعَيرات الدَّمويَّة، مع تجمُّع للخلايا الغبارية في الحاجز الحويصلي الرئوي، كما لُوحِظ احتفاظ الخلايا المكعَّبة المهدَّبة، وخلايا كلارا المكوِّنة للقصيبات النهائية، والحويصلات الهوائية بالتركيب شبه الطبيعي، مع زيادة في الخلايا الحويصلية الهوائية، وقد دعَّم الفحص الدقيق التغيرات السابقة، وأظهر الأثر الإيجابي لمنقوع تمر العجوة في تحسُّن ملحوظ للنسيج الرئوي؛ حيث ظهرت الخلايا المكعبة المهدَّبة وخلايا كلارا ذات أنوية طبيعية، وزيادة المحتوى السيتوبلازمي من الشبكة الإندوبلازمية الملساء، إضافة إلى احتفاظ الخلايا الحويصلية الهوائية وخلايا الحاجز بالمظهر الطبيعي، كذلك احتفظت الشعيرات الدموية والخلايا البطانية لها بطبيعة التركيب.
ومع استمرار المعاملة إلى 6 أشهر لُوحِظ اختفاء العديد من الآثار السلبية والتليُّف للمعاملة عند مقارنتها بالمجموعة المعرَّضة لاستنشاق الجازولين، واحتفاظ النسيج الرئوي لشكله الطبيعي تقريبًا([4]).
وهناك دراسة بحثية عن دور التمر في مقاومة السموم، قامت بتحليل القيمة الغذائية للتمور، فوُجدت بها مضادات طبيعية للسموم، وهي:
1. عنصر السيلينيوم (Selenium):
هذا العنصر من المعادن الثانوية، لا فلزي، وهو من أملاح المعادن التي يحتاجها الجسم بكميات ضئيلة جدًّا، حوالي 55 ميكروجرامًا في اليوم حسب المقاييس الطبية المعتمدة في الولايات المتحدة، أما الجرعات الزائدة فتؤدي إلى تسمُّم الجسم.
وقد أثبت التحليل السابق أن 100 جرام من التمر- تمرتين تقريبًا- يحتوي على عنصر السيلينيوم بمقدار 3 ميكروجرام؛ ومعنى ذلك أن عدد سبع تمرات من تمر العجوة تحتوي على 10,5 ميكروجرام تقريبًا؛ أي بنسبة 20% من احتياجات الجسم اليومية؛ ومن ثم فالسيلينيوم له دورٌ كبيرٌ جدًّا في تحفيز إنزيم (Gluthationesuperoxidase)، الذي يمكِّن الكبد من التخلُّص من المركَّبات السامَّة التي تُصيب الحمض النووي (DNA) وتحوِّل الخلايا إلى خلايا سرطانية.
ليس هذا فحسب، بل إن عنصر السيلينيوم يُؤخَذ كترياق([5]) في حالة تسمم الجسم بمثيل الزئبق([6]).
2. مركب النياسين (Folateacid):
هذا مركبٌ عضويٌّ، وهو اسم لحمض النيكوتينيك والنيكوتيناميد، وكلاهما مصدر لفيتامين (ب 3) في الغذاء، وقد أثبت التحليل السابق أن التمر يحتوي على 1,274 ملجم لكل 100 جرام؛ معنى ذلك أن عدد 7 تمرات تحتوي على 4,459 م؛ أي بنسبة 28 % تقريبًا من قيمة احتياجات الجسم يوميًّا بالنسبة للرجل.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك من العلماء من يقول بأن النياسين يُؤخَذ كترياق ضد التسمُّم الإشعاعي، فهو بمثابة حافز استثنائي لتفريغ الإشعاع من الجسم([7]).
3. حمض الفوليك (Folateacid):
هذا الحمض يُشار إليه أحيانًا بفيتامين (ب) المعقَّد الذي يُستخدَم من قِبَل الجسم في بناء خلايا الدم الحمراء، ويلعب حامض الفوليك دورًا مهمًّا في بناء الخلايا، والحد الأدنى من الاحتياجات هو 50 ميكروجرامًا، لكن في الحالات الحرجة- خصوصًا في فترة الحمل- من 100 الى 200 ميكروجرام؛ ومن ثم فقد أثبت التحليل السابق أن التمر يحتوي على 19 ميكروجرامًا لكل 100 جرام، معنى ذلك أن عدد سبع حبات تمر تحتوي على 66,5 ميكروجرامًا؛ أي إنها تغطي الحد الأدنى لاحتياجات الجسم بنسبة 133%، ويُستخدَم هذا الحمض كمضاد للتسمُّم لكل من سُمِّيَّة الميثانول والميثوتريكسيت وإدمان الكحول المزمن؛ لذلك قام علماء جامعة (NorthShoreUniversityHealthSystem) باستخلاص حمض الفوليك على هيئة حقن كترياق للتسمم، ويُستخدَم حمض الفوليك أيضًا ضد سُميَّة النباتات المخدرة([8]).
4. فيتامين (ب 6) (Vitamin b6 as antidote):
هذا الفيتامين فريدٌ من نوعه؛ لأنه يُسبِّب في كل من حالات النقص والزيادة اختلالًا في الأعصاب الطرفية، والنسبة الموصَى بها للذكور من 19: 50 عامًا هي 1,3 م؛ ومن ثم ذكر التحليل السابق أن 100 جرام تمر بها 0,165 م؛ معنى ذلك أن عدد 7 تمرات بها 0,578 م؛ أي بنسبة 33 % من إجمالي الحد الأدنى لاحتياجات الجسم، وهذا الفيتامين أيضًا له تأثيرٌ قويٌّ على سُمِّ القوارض والمبيدات الحشرية، هذا بالإضافة إلى تأثيره كترياق ضد بعض السموم([9]).
5. الألياف الغذائية (DietaryFiber):
هذه الألياف مصطلحٌ لأحد مكوِّنات الغذاء، ويُقصَد بها الكربوهيدرات المعقَّدة- وحدات سكرية معقدة- التي لا يستطيع جسمالإنسان هضمها أو امتصاصها؛ وبالتالي لا يمكن للإنسان الاستفادة منها لتوليدالطاقة، فيقوم بإخراجها في البراز؛ لذلك لا تُعدُّ عنصرًا غذائيًّا، فهي لا تُغذِّي الجسم، ومع ذلك فإن تناولها يعمل على تحسين صحة الجسم كمِكْنسة للقناة الهضمية أو ذبَّال للجهاز الهضمي، كما وصفها أحد المواقع الطبية اليابانية، فهذه الخاصية هي التيمنحت الألياف دورها المميَّز في المحافظة على الصحة، والحد الأدنى الموصَى به من هذه الألياف من 25: 30 جرامًا في اليوم؛ ومن ثم فقد أثبت التحليل السابق أن كل مئة جرام تحتوي على 8 جرامات؛ أي إن عدد 7 تمرات تحتوي على 28 جرامًا (93% تقريبًا)، وهذه الألياف لها دورٌ كبيرٌ في طرد السموم من جسم الإنسان، وذلك عن طريق تسريع خروجه في البراز([10]).
ولا تزالالدراسات العلمية تكتشف المزيد من فوائدها؛ فالأبحاث والدراسات العلمية الحديثةأثبتت قدرة الألياف على خفض خطر مرض السرطان والسكري وأمراض القلب.
وبعد كلهذه البيانات التي توضِّح- بما لا يدع مجالًا للشك- أن تناول سبع تمرات عجوة يوميًّا تجعل الجسم يقاوم السموم في ذلك اليوم؛ لذلك ليس غريبًا أن نقرأ تقريرًا صادرًا عن الجمعية الأمريكية للسرطان بأن التمر مفيد جدًّا فيحالة التسمُّم الكحوليعلى سبيل الإسعافات الأولية([11]) ([12]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:
إن مما يشهد بعظمة الإسلام وعظمة نبيه صلى الله عليه وسلم هو الإعجاز الطبي والدوائي فيما صح من السنة النبوية المطهرة، من ذلك التصبُّح بسبع تمرات عجوة؛ فقد روى سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضرَّه ذلك اليوم سُمٌّ ولا سِحْرٌ»([13]).
وهنا أثار المغالطون شبهتهم قائلين: إن هذا الحديث لا يتناسب وعصر العلم والتكنولوجيا الذي توجد فيه مضادات طبيَّة للسموم، أما تمر العجوة فهو مكوَّن من عناصر تمدُّ الجسم بالطاقة والنشاط، وليس له أي دور في التصدِّي للسموم.
ونجيب عن هذا من خلال ما يأتي:
بداية هذا الحديث متَّفَق عليه، وفي أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبروايات متعددة، ومن طرق كثيرة، بل رواه غيرهما من أصحاب السنن والمسانيد.
وأما عن مدلوله فإنه يقرِّر- بوضوحٍ وصراحةٍ- دورَ تمر العجوة في مقاومة السموم والسحر.
فأما عن لفظ "تمر العجوة" فقد أُطلِق في هذا الحديث وفي غيره، وقُيِّد في أحاديث أخرى؛ كحديث سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل سبع تمرات مما بين لابَتَيْها([14]) حين يصبح لم يضرَّه سمٌّ حتى يُمسِي»([15]).
وقد حمل العلماء قديمًا الـمُطلَق على المقيَّد، وقالوا: إن المراد بتمر العجوة هنا هو تمر المدينة، وبعضهم قد خصَّه بتمر في منطقة تُسمَّى "العالية"، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق أول البُكْرَة»([16]) ([17]).
ولا شك أن لتمر المدينة فضلًا على غيره من التمور من حيث الجودة، وهذا الفضل في كل شيء؛ وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها بالخير في الدنيا والآخرة، ولكن قد قال علماء آخرون: إن لم يجد المرء تمرًا من تمر المدينة فليستخدم أي تمر عنده- لا سيما وأن تمر المدينة غالي الثمن- حملًا للمقيَّد على المطلَق، وهي قاعدة أُصوليَّة رجَّح كثير من العلماء العمل بها([18]).
قال الشيخ ابن باز معلِّقًا على رواية: «مما بين لابتيها»: "... ويُرجَى أن ينفع الله بذلك التمر كله, لكن نصَّ على المدينة لفضل تمرها والخصوصية فيه, ويُرجَى أن الله ينفع ببقية التمر إذا تصبَّح بسبع تمرات, وقد يكون صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لفضلٍ خاصٍّ لتمر المدينة، ولا يمنع ذلك وجود تلك الفائدة من أنواع التمر الأخرى التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم, وأظنه جاء في بعض الروايات: «من تمر» من غير قَيْدٍ"([19]).
ويتبيَّن من هذا أن شُرَّاح الأحاديث جعلوا النفع واقعًا من التمر على إطلاقه، وإن كانت الأفضلية لتمر المدينة، أما عن العلم التجريبي، فقد أثبت العلم الحديث- من خلال أبحاثه وتجاربه على التمور- أن تمر العجوة عامَّة يُعدُّ أحد مضادات السموم الطبيعية، ولكن بصورة أقل من تمر عجوة المدينة؛ لأن هذا التمر هو أجود التمور في العالم.
وهناك حوالي 120 بحثًا منشورًا حول ذلك؛ منها بحث للعالم اليهودي "جولدمان" عن سبع تمرات عجوة، وهو بعنوان "سبع تمرات كافية"، وهو ضمن كتابه "الصحة المثلى"؛ ومن ثم، فسبع تمرات عجوة تكوِّن (Claition)؛ أي إن المعادن الثقيلة تدخل الجسم وتتكوَّن لها مركَّبات مخلبية تدخل تحت الجلد، بالإضافة إلى أن جزءًا منه يُذاب ويخرج في البراز، وجزءًا آخر يُذاب وينزل في البول، وهذه عملية تُسمَّى (detoxication) أو عملية مضادات السموم التي تتم من تمر العجوة.
وفي هذا المجال يقول الدكتور محمود ناظم النسيمي: السموم أنواع، والتسمم إما أن يكون خارجي المنشأ، يدخل الجسم عن طريق الجروح، أو لدغات الأفاعي، أو عن طريق طلاء الحروق الواسعة بمواد تُعدُّ سامة بمقدارها الكبير؛ كالمكروكروم، أو عن طريق الفم مع الطعام والشراب، أو عن طريق التنفس، وإما أن يكون التسمم داخلي المنشأ؛ كالانسمام بالبولة "أوريميا"، أو بانحباس الآزوت لقصور كلوي "آزوتيميا"، والانسمام نتيجة التفسُّخات المعوية وذيفانات الجراثيم والطفيليات.
هذا، ويتخلص الجسم من جميع المواد الضارة ومن ذيفانات الجراثيم ونتائج تعفُّن المواد الغذائية في الأمعاء عن طريق ربطها في الكبد ببعض المركبات، ومن أهمها الغلوكورونيك الذي يصنعه الكبد نتيجة أكسدة سكر العنب.
ونستطيع القول إن وظيفة الكبد في إبطال المركبات السامَّة من أهم وظائفه؛ ولذا كان سكر العنب داخلًا في معالجة الانسمامات المختلفة وحمايتها، والتمر والرطب من أغنى الفواكه بهذا السكر.
وللحِكَم الصِّحيَّة السابقة، ولحكم أخرى قد يكتشفها الطب في المستقبل- الله أعلم بها- أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناول الإنسان صباحًا سبع تمرات عجوة قبل الفطور؛ ليمتصَّ سكرها بسرعة ويدخرها في الكبد؛ مما يساعده على تخريب السموم وتعديلها، أضف إلى ذلك المعالجة الروحية وعُلُوَّ المعنويات الناجم عنها عندما يتصبَّح المسلم بسبع تمرات يقينًا وتصديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد في كتابه "الرطب والنخلة": حقًّا إنَّ التمر لا داء فيه؛ فالجراثيم لا تعيش فيه، وقد لُوِّثت تمور طرية من الأنواع التي تُصدَّر للأسواق الخارجية بجراثيم الهيضة "الكوليرا"، وبنسبة 100: 1000 مرة أكثر مما يشاهد في براز المصابين بالهيضة، واستُخدِم لذلك ثلاث سلالات مختلفة من الجراثيم الـمُمْرِضة للكوليرا، وقد ظهر أن الجراثيم لم تعش أكثر من ثلاثة أيام، وهذا يعني أن التمور إذا تعرَّضت إلى تلوثٍ شديدٍ تصبح خالية من العامل الممرض خلال ثلاثة أيام في الظروف الطبيعية، وقد قام بهذه الأبحاث المعهد البكتريولوجي المركزي العراقي بالتعاون مع الخبير الدولي لمنظمة الصحة العالمية أوسكار فيلزنفيلد الاختصاصي بالكوليرا([20]).
وعليه، فكيف يستنكر مثيرو الشبهة دور التمر في مقاومة السموم من خلال التصبُّح بسبع تمرات عجوة، وهناك العديد من الأعشاب والنباتات الطبية التي تُستخدَم كمضادات للسموم؛ مثل بذور البابونج والزعتر والثوم... إلخ، وليس أدل على هذا من وجود العديد من الأبحاث التي تثبت دور الأعشاب الطبية في معالجة الكثير من الأمراض؛ مما حدا بأوربا ودول الغرب إلى تدريسها في الجامعات تحت مسمَّى "الطب البديل"، بل وتطبيقها على أرض الواقع([21]).
وأما عن دعواهم: كيف يزعم نبي الإسلام أن في العجوة شفاء من السم، في حين أنه لم يُشفَ هو عندما أكل من الشاة المسمومة؟! فهي دعوى ساقطة؛ وذلك لما يأتي:
أولًا: ربما لم يتصبَّح النبي صلى الله عليه وسلم بسبع تمرات عجوة في اليوم الذي أكل فيه من شاة خَيْبَر المسمومة، فحديثه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن هو من قبيل السُّنن المستحبَّة، والمعروف أن هذه السنن كان يتركها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات؛ خشية أن تُفرَض على أُمَّته، أو يُظنُّ فرضيَّتها، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان الأمر كذلك- وهو عدم تصبُّحه بسبع تمرات عجوة في ذلك اليوم، وهو ما لم يثبت عندنا خلافه- فلا تعارض بين الحديث- موضوع الشبهة- وأكله من الشاة المسمومة.
ثانيًا: لو سلَّمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل سبع تمرات عجوة في ذلك اليوم فهذا لا يعارض أيضًا أكله من تلك الشاة؛ لأن السمَّ لم يؤثِّر فيه في ذلك اليوم.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث بجميع رواياته: «لم يضره سمُّ ذلك اليوم»؛ وهذا يعني- بكل وضوح- أن مفعول التمر في مقاومة السم يكون فقط في خلال اليوم الذي يكون فيه الإنسان متصبِّحًا بسبع تمرات عجوة، وهذا هو ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما أكل من الشاة، وقد عاش بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات أو أكثر، في حين مات أحد الصحابة الذين كانوا معه- وهو بِشْر بن البراء بن مَعْرور رضى الله عنه- بعدما أكل لُقمة من الشاة، علمًا بأن السمَّ كان مركَّزًا بكثرة في الشاة، لا سيما في الكتف التي أكل منها النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعيش إنسان كل هذه الفترة مع وجود السم؟!
أما عن الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخَيْبَر، فهذا أوان وجدت انقطاع أَبْهَري([22]) من ذلك السم»([23])- فيقول الشيخ محمد صالح المنجد معلِّقًا عليه: "وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته، بل فيه أنه يشعر به، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله"([24]).
وبهذا فلا تعارض بين حديث التصبُّح بسبع تمرات وأكله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة.
3) وجه الإعجاز:
أثبت العلم الحديث من خلال أبحاث وتجارب عديدة أن تناول سبع تمرات عجوة على الرِّيق صباحًا يَقِي من ضرر السم طوال اليوم؛ وذلك بسبب ما تحويه العجوة من عناصر غذائية مفيدة في هذا الشأن؛ كعنصر السيلينيوم ومركب النياسين وحمض الفوليك... إلخ، وقد شهد بهذا العالم اليهودي جولدمان في بحث له عن التمر.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك الحقيقة العلمية من خلال الحديث الشريف: «من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌ»، فأيُّ إعجازٍ طبيٍّ هذا؟!
ثانيًا. القيمة الغذائية للتمر:
1) الحقائق العلمية:
إن فسيولوجية الجوع والشبع تستند إلى قدرة الجسم على تحسُّس الحاجة إلى تناول الطعام والشراب، وكذا تحسُّس الاكتفاء منه، وتعتمد آلية الجوع والشبع على التكامل والتنسيق بين ثلاثة أنواع من الوظائف الحيوية والفسيولوجية الجسمية وهي: الجهاز العصبي، والجهاز الغُدِّي الهرموني، والتحسس الموضعي للطعام والشراب في الجهاز الهضمي؛ إذ يحتوي الدماغ- وتحديدًا الغدة المسمَّاة "تحت المهاد"- على مِـجسَّات قادرة على تحسُّس مستوى سكر الدم- الجلوكوز- في الجسم وقياسه، كما يتحسس الدماغ الجوع من خلال سيالات عصبية تصل إليه.
ولعل العنصر الأهم في تحديد الشعور بالجوع هو سكر الجلوكوز، ويمثل عامل الطاقة في الجسم، وهو الشكل الوحيد من الكربوهيدرات القابل للتصريف داخل خلايا الجسم وأنسجته، ويحصل الجسم على سكر الجلوكوز من خلال طريقين اثنين:
الأول: الطعام والشراب، ويمثل سكر الجلوكوز المصَبَّ الذي تنتهي إليه جميع أشكال الكربوهيدرات الغذائية المتناولة؛ إذ يقوم الجسم بتحويل ما يأخذه من النشا الغذائي المعقَّد بعد عمليات الهضم والامتصاص إلى سكر الجلوكوز، ويقوم بتحويل غيره من السكريات الأحادية والثنائية إلى سكر الجلوكوز بطريقة أيسر وأسهل؛ فتكون محصِّلة تناول أي نوع من الكربوهيدرات هو إنتاج سكر الجلوكوز وتخزينه في الجسم.
وتتمثل أشكال سكر الجلوكوز الموجودة في الجسم إما على شكل السكر الحر في الدم، أو على شكل النشا الحيواني- الجلايكوجين- الذي يقوم الجسم بتخزينه في الكبد والعضلات باستخدام الفائض من جلوكوز الدم، وفي حال امتلاء مخازن الجلايكوجين يقوم الجسم بتحويل الفائض من السكر في الدم إلى مركبات دهنية، ويقوم بتخزينها في الأنسجة الدهنية، ويتم ذلك بواسطة مركب الأسيتيل كوأي (Acetyl Co-A) الوسيط.
الثاني: عمليات تصنيع سكر الجلوكوز من غير مصادره السكرية؛ مثل مركَّب الجليسيرول المشتَق من المركبات الدهنية ثلاثية الجليسيريد (Triglycerides)، ومركَّب اللاكتيت (Lactate) الناتج عن تخمُّر سكر الجلوكوز في العضلات، وبعض مركبات الأحماض الأمينية المشتقة من بروتينات العضلات، والتي تُعرف بـ (Glucogenicaminoacids)؛ أي إن الجسم بمقدوره إنتاج هذا السكر من المصادر الثلاثة للطاقة، وهي البروتينات والكربوهيدرات والدهون، ويتم إنتاج سكر الجلوكوز من هذه المركبات غير السكرية عبر عملية حيوية معقَّدة تُعرف بـ (Gluconeogenesis)، وتعني: تصنيع سكر الجلوكوز من مصادر غير سكرية.
فقد خلق الله عز وجل الإنسان وجعل له في جسمه مصادر للطاقة يستعملها خلال حياته ليتزوَّد منها بالطاقة الحيوية الضرورية للقيام بالوظائف الفسيولوجية المختلفة، وتتنوع مصادر الطاقة في جسم الإنسان على النحو الآتي- بناء على وزن جسم الإنسان البالغ 70 كجم- :
· سكر الدم 20 جم.
· الجلايكوجين المتمركز في الكبد والعضلات 225 جم.
· الأحماض الدهنية (Fattyacids) المتواجدة في الأنسجة الدهنية "النسيج الدهني الأبيض" 15 كجم.
· الجزء البروتيني من العضلات (Muscleproteins) 6 كجم.
· الأحماض الدهنية الحرة والجليسيريدات الثلاثية في الدم 3,3 جم.
ويتنوع استخدام الجسم لمصادر الطاقة تلك، وينتقل بين استخدام هذه المصادر حسب الحاجة الفسيولوجية التي تقتضيها طبيعة النشاط، والجهد البدني المبذول، وحسب درجة الجوع والإطعام للجسم.
وقد قسَّم العلماء مراحل استخدام الطاقة- أي توليدها واستعمالها- في الجسم إلى ثلاث مراحل تعتمد على درجة الجوع والإطعام ومستواه، وأطلقوا عليها مجتمعة اسم "دورة الجوع والإطعام".
ويعدُّ هرمون الإنسولين الذي تفرزه خلايا بيتا في جزر لانجرهانز في البنكرياس العامل الحيوي المباشر المسئول عن مُجمَل عمليات الأيض والتمثيل للسكر في الجسم؛ حيث يقوم هذا السكر بتنظيم مستوى سكر الدم ضمن حدوده الطبيعية 60: 110 م/ديسيلتر؛ وذلك من خلال آليتين اثنتين هما:
الأولى: المساهمة في إدخال سكر الجلوكوز من الدم إلى الخلايا؛ لتستفيد منه في عمليات التنفس الخلوي اللازمة لإنتاج الطاقة التي تستخدمها الخلايا في القيام بالعمليات الحيوية المختلفة.
الثانية: عملية تحويل الفائض من سكر الدم إلى الجلايكوجين وتخزينه في مستودعاته في الكبد والعضلات.
وتتمحور عمليات إنتاج الطاقة وتوليدها في الجسم حول مدى قدرة الجسم على المحافظة على مستوى سكر الجلوكوز ضمن حدوده ومستوياته الطبيعية في الجسم، وتتم لأجل ذلك العديد من التفاعلات الحيوية التي تنشد تحقيق ذلك الهدف؛ ففي حالة الصيام أو الجوع، وعندما يُحرَم الجسم من تناول مصادر الطاقة يقوم الجسم بتغيير مسارات الأيض وإنتاج الطاقة، ويلجأ إلى وسائل جديدة تضمن المحافظة على تزويد الجسم بالطاقة، وتحديدًا الجلوكوز، وتدرأ عنه خطر انخفاض مستواه في الدم.
فمن خلال استعراض العمليات الحيوية الأيضية في الجسم نجدها ترتكز كلها على حقيقة واحدة، وهي ضرورة توفير سكر الجلوكوز، والمحافظة على مستوياته الطبيعية في الدم، ودَرْء انخفاضه عن حدوده الدنيا، وعمل ما أمكن من تحليل للبروتينات والدهون في الجسم وتوظيفها في إنتاج الجلوكوز، والبحث عن بدائل للطاقة لتوفيره؛ كلها تدل دلالة بينة على أهمية هذا السكر ودوره المحوري في صحة الجسم وحيويته.
إن هذا الفهم لدور سكر الجلوكوز في الجسم وأهميته الحيوية يساعدنا في فهم المغزى من وراء كون التمر يسدُّ الجوع؛ فالتمر يُعدُّ غذاءً مركَّزًا بالسكريَّات البسيطة، وأهمها الفركتوز، والذي يتحول سريعًا إلى سكر الجلوكوز، طالما تم هضمه وامتصاصه.
وبالنظر إلى التحليل الكيماوي والتركيب الغذائي للتمر يتبيَّن لنا دوره في دَرْء حالة الجوع وعَوَز السكر؛ حيث تمثِّل الكربوهيدرات الكلية حوالي 75% من وزن التمر، وتمثل السكريات البسيطة غير المعقَّدة وسريعة الهضم والامتصاص قرابة 66% منها، ويمثل سكر الجلوكوز أكثر من نصف تلك السكريات (34%)، في حين يمثل سكر الفركتوز البسيط الجزء الآخر (32%)، وهو سرعان ما يتحوَّل إلى سكر الجلوكوز في الجسم.
جدول يوضِّح التحليل الكيماوي والمحتوى الغذائي لتمر المدجول (لكل 100 جرام مأكول)
نوع من أنواع التمورالشائعة (مدجول)
وعند النظر إلى مؤشر منسوب سكر الدم للتمر، أو ما يُعرَف بـ (GlycemicIndexGI)، وهو مؤشر يُظهِر مدى قدرة المادة الغذائية على رفع مستوى سكر الدم بعد ساعتين من تناولها، ويُستخدَم من قِبل مرضى داء السكر لمساعدتهم في اختيار الأطعمة المناسبة لهم- يتبيَّن لنا- بشكل أوضح- قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم بشكل سريع، وهو ما ينبني عليه حماية الجسم من أضرار انخفاض سكر الدم لدى الأشخاص الطبيعيين.
وتشير جداول منسوب السكر إلى أن التمر هو الغذاء الأكثر قدرة على رفع سكر الدم على الإطلاق من بين جميع أنواع الفواكه والأطعمة الحلوة الطبيعية غير المصنَّعة، وبقيمة 103، كما هو موضَّح في الجدول الآتي؛ وفي هذا دلالة على قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم، ومن ثم التخلص من كافة الأعراض السلبية الناجمة عن انخفاضه والمرافقة لحالة الجوع والعوز.
جدول يوضِّح مؤشر سكر الدملمجموعة من الأطعمة الطبيعية والمصنَّعة
كما تجدر الإشارة إلى أنه يحتمل وجود مركَّبات أو عناصر أخرى في التمر- عدا السكر- تسهم في التأثير على عملية الجوع والحد من مسارات الأيض الخاصة بها؛ إذ يُعدُّ التمر مصدرًا غنيًّا جدًّا بالبوتاسيوم، إضافة إلى احتوائه كميات جيِّدة من الفيتامينات الذائبة في الماء، وخاصة النياسين (ب3).
وما زال العلم الحديث يكشف عن دور المركبات النباتية العضوية وخصائصها ووظائفها الفسيولوجية والحيوية المختلفة، والتي قد تكون ذات تأثير وفعل في عملية الجوع وعلى مسارات الأيض وإنتاج الطاقة في الجسم، وهو ما يحتاج إلى البحث العلمي لتأكيده والتحقُّق منه([25]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما دلَّت عليه السنة النبوية:
يُعدُّ التمر موسوعة غذائية متكاملة سخَّرها الله عز وجل لنا؛ لنتأمل في هذه الثمرة الرائعة ونستفيد منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنها : «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر»([26])، وعن عائشة أيضًا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله، يا عائشة، بيت لا تمر فيه جياع أهله- أو: جاع أهله- قالها مرتين أو ثلاثًا»([27]).
وتعليقًا على هذين الحديثين أثار المغرضون شبهتهم بتهكُّمٍ شديدٍ قائلين: ما هذا يا مسلمون، أيكون الأغنياء جِياعًا إن لم يكن عندهم تمر؟! إن هذا لمضحك حقًّا!
وللإجابة عن ذلك لا بد أن نعرف أن الجوع المقصود هنا ليس معناه الإحساس بالجوع مع إمكان ملء البطن، وإنما المقصود به هنا هو عدم اكتفاء الجسم بالعناصر الغذائية المطلوبة له؛ فإن الإنسان مهما امتلأت بطنه طعامًا فهذا لا يعني الإشباع الحقيقي.
وهناك فرقٌ بين الإشباع والامتلاء؛ حيث إن امتلاء البطن بأغلى الأطعمة لا يعني حدوث الإشباع للجسم، فالإشباع هو إشباع الجسم بكافة العناصر اللازمة لنموه، وهذا الإشباع لا يتحقَّق حدوثه إلَّا من خلال التمر، فهو يجمع العناصر اللازمة لتغذية الجسم؛ ولذلك فالمقصود من هذا الحديث أنه مَن لا يمتلك التمر لا يمتلك جميع العناصر التي يحتاجها الجسم، وذلك مهما توافر له من الأطعمة الأخرى.
ويؤكد الدكتور أحمد شوقي إبراهيم هذا المعنى عند حديثه عن الجوع المذكور في هذا الحديث، فيقول: "الجوع هو سوء التغذية، وينتج سوء التغذية من تناول أغذية- قلَّت أم كثرت- لا تحتوي على عناصر الغذاء الرئيسية بكميَّات كافية للجسم، فليس معنى الجوع هو أن البطن خاوٍ من الطعام، فقد يتناول الإنسان كميات كبيرة من الطعام يملأ بها بطنه، إلا أنها لا تغني ولا تُسمِن من جوع، وهذا يحدث في بعض البلاد الأفريقية التي يشكو معظم أهلها من سوء التغذية، بالرغم من تناولهم كميات كبيرة من الطعام الفقير إلى العناصر الغذائية، فليس المفيد للجسم من الغذاء الكمُّ، ولكن الكيف، وتناول عدد من التمر، أو قدر قليل من العجوة يعطي الجسم حاجته من عناصر الغذاء؛ وبالتالي لا يجوع قوم يأكلون التمر"([28]).
ويقول الدكتور النابلسي تعليقًا على حديث أنس بن مالك رضى الله عنه الذي يقول فيه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات حَسَا حَسَوَات من ماء»([29])-: "فالتمر الذي يتناوله الصَّائم مع الماء فيه 75% من جزئه المأكول موادُّ سكريةٌ أحاديةٌ، سهلة الهضم، سريعة التمثُّل، إلى درجة أنَّ السُّكر ينتقل من الفم إلى الدم في أقلَّ من عشر دقائق، وفي الحال يتنبَّه مركز الإحساس بالشِّبَع في الجملة العصبيَّة، فيشعر الصائم بالاكتفاء، فإذا أقبل على الطعام أقبل عليه باعتدالٍ، وكأنه في أيام الإفطار، أمَّا الموادُّ الدَّسمة فيستغرق هضمها أكثر من ثلاث ساعاتٍ.
فمهما أكثر الصائم من الطعام الدَّسم فلن يشعر بالشِّبَع، ولكنه يشعر بالامتلاء، والفرق كبيرٌ بين الشِّبَع والامتلاء، والشِّبَع تنبُّه مركز الجوع في الجملة العصبية، وإذا تنبَّه هذا المركز شعر الإنسان بالشِّبَع، ولو لم يكن في معدته طعامٌ كثيرٌ، أما الإحساس بامتلاء المعدة فشيءٌ آخر"([30]).
ويقول الدكتور زغلول النجار: "التمر- وهو من ثمرات النخيل- يُعدُّ غذاءً شبه كاملٍ للإنسان؛ وذلك لاحتوائه على أغلب العناصر التي يحتاجها جسم الإنسان؛ ولذا يصفه الحق سبحانه وتعالى بقوله العزيز: )ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا((النحل: ٦٧)، فالتمر يحتوي على مواد سكرية وكربوهيدراتية وبروتينية ودهنية، وعلى عدد من العناصر المهمة والفيتامينات الضرورية لحياة الإنسان"([31]).
وإضافة إلى ما سبق، يقول المهندس عبد الدائم الكحيل: إن احتواء التمر على تشكيلة واسعة من العناصر الغذائية يجعله غذاءً مقاومًا للجوع، وإذا علمنا أن السبب الرئيسي للسمنة- غالبًا- هو الإحساس بشكل دائم بالجوع والشهية للطعام؛ وبالتالي استهلاك كميات أكبر من الشحوم والسكريات أثناء الأكل، فإن العلاج بتناول بضع تمرات عند الإحساس بالجوع سيساعد على الإحساس بالامتلاء والشِّبَع، هذه التمرات سوف تمدُّ الجسم بالسكر الضروري، وتقوم بتنظيم حركة الأمعاء؛ وبالتالي التخفيف بنسبة كبيرة من الإحساس بالجوع، ويترتَّب عليه التخفيف من استهلاك الطعام.
وهنا يتجلَّى الهدي النبوي الشريف عندما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر»([32]).
وقد أشار الإمام ابن القيم قديمًا إلى القيمة الغذائية للتمر، فقال: "هو من أكثر الثمار تغذية للبدن؛ بما فيه من الجوهر الحار الرطب... وهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحَلْوى"([33]).
وهذا الكلام ليس بمستغرَب؛ فقد استطاع المسلمون الأوائل فتح معظم أرض المعمورة من قارتي آسيا وأفريقيا، ولم يكن يُقدَّم لهم سوى التمر والماء في كثير من الأحيان([34]).
لذا يقول الدكتور عبد الباسط محمد السيد: "يستطيع الإنسان أن يعيش على التمر مدة طويلة من الزمن؛ حيث إنه غنيٌّ بالمادة السكرية، وهي في صورة سهلة الهضم والامتصاص والتمثيل بالجسم، غير أن التمر فقير في مادته الدهنية والبروتينية، والاقتصار عليه في التغذية يؤدي إلى النحافة، أما إذا تناوله المرء مع قدح من اللبن فإنهما يكونان معًا غذاءً كاملًا من جميع الوجوه؛ حيث إن اللبن به مقدار حسن من كل من المادتين البروتينية والدهنية.
وكثير من البدو يعيشون على التمر المجفَّف ولبن الماعز، وصحتهم أجود ما يكون، ونادرًا ما يصابون بالأمراض الخبيثة أو المزمنة، وقليلًا ما تُشاهَد البدانة عليهم"([35]).
وعليه، فإن المقصود من الجوع في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله» هو سوء التغذية، فليست العبرة أن تكون المعدة مليئة بالطعام والشراب، وإنما العبرة بكمِّ العناصر الغذائية التي يستفيد منها الجسم دون ضرر، وهذا ما يقوم به التمر خير قيام، وهو ما يندر وجوده في الأطعمة الأخرى مقارنة بالتمر؛ لذا يقول أمير الشعراء أحمد شوقي واصفًا التمر:
طَعَامُ الفَقِيرِ وحَلْوَى الغَنِي
|
|
وزادُ الـمُسافِـرِ والـمُـغْـتَـرِبْ([36])
|
وختامًا، فإن الربط المباشر الوارد في الحديث الشريف بين تناول التمر وحصول الشِّبَع- وهو نقيض الجوع وخلافه- يمثِّل دلالة علمية واضحة وإشارة بيِّنة على سَبْقٍ نبويٍّ معجزٍ في تقرير حقيقة علمية مفادها: أن التمر وما يحويه من مكونات ممثَّلة في السكر يمثِّل غذاءً موائمًا لدَرْء خطر الجوع، وما ينبني عليه من نقصٍ لسكر الدم، وما يتبعه من تغيرات سلبية ضارة على صحة الجسم، وهو إن دلَّ فإنما يدلُّ على حكمة العليم الخبير، الذي علَّم نبيَّه صلى الله عليه وسلم وأطلعه على سر من أسرار هذا الكون وما فيه من مخلوقات وآيات: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)((النجم)([37]).
3) وجه الإعجاز:
أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن التمر يحتوي على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، من ذلك السكريات العالية التي تمثِّل غذاءً موائمًا لدَرْء خطر الجوع، وما ينبني عليه من نقصٍ لسكر الدم، وما يتبعه من تغيرات سلبية ضارة على صحة الإنسان، وهذا ما أشارت إليه السنة النبوية من خلال حديثَيْ: «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر»، و«بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله»؛ وهذا يعدُّ سَبْقًا نبويًّا معجزًا.
(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق. نبي الإسلام أوصى بتناول التمر للشفاء من السم، فهل هذا صحيح؟! مقال منشور بموقع: الحق والضلال www.christian.dogma.com. انظر: منتديات المحبة للحوار الإسلامي المسيحي www.elmahaba.com.
[1]. انظر: إعجاز التمر في الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والـمُمْرِضة، د. أروى عبد الرحمن أحمد، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ص197. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج5، ص122.
[2]. إعجاز التمر في الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والممرضة، د. أروى عبد الرحمن أحمد، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج1، ص199، 200.
[3]. الجازولين: نوع من وقود السيارات، ذو سُمِّيَّة عالية، تتسبب مكوناته في سمية الدم والجينات.
[4]. انظر: العلاج النبوي بتمر العجوة في حالات التسمم والتليف الرئوي بالجازولين، د. ليلى أحمد الحمدي ودينا إبراهيم موصلي، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج2، ص126: 145.
[5]. الترياق: هو ما يُستعمل لدفع السم.
[6]. انظر: www.ncbi.nlm.nih.gov. www.mfaid.com.
[7]. انظر: www.darezbaware.com. www.en.wikipedia.org.
[8]. انظر: www.books.google.com. www.northshore.org.
[9]. انظر: www.onlinelibrary.wiley.com. www.nature.com.
[10]. انظر:www.een.ytyaoye.com.
[11]. انظر:www.organicfacts.net.
[12]. انظر: ردًّا على شبهات الملحدين: التمر ودوره في مقاومة السموم، بحث منشور بموقع: منتديات أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com.
[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الدواء بالعجوة للسحر، (10/ 249)، رقم (5769). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، (7/ 3153، 3154)، رقم (5241).
[14]. لابتيها: هما لابتا المدينة المنورة؛ أي الحرتان، والحرة: الأرض الـمُلبِسة حجارة سوداء، فما بين لابتيها؛ أي ما بين الحجارة السوداء على أطراف المدينة.
[15]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، (7/ 3153)، رقم (5240).
[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، (7/ 3154)، رقم (5243).
[18]. انظر: العجوة ومدى تأثيرها في دفع السحر، فتوى منشورة بموقع الشبكة الإسلامية: إسلام ويب www.islamweb.net.
[19]. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، عبد العزيز بن باز، جمع: محمد بن سعد الشويعر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1409هـ/ 1989م، ج8، ص109. انظر: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاءwww.alifta.com.
[20]. إعجاز التمر في الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والممرضة، د. أروى عبد الرحمن أحمد، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مرجع سابق، ج1، ص197: 199 بتصرف.
[21]. انظر: التسمم ولدغة الحشرات، بحث منشور بموقع: علاج الأعشاب www.elajy.com.
[22]. الأبهر: عِرْق متصل بالقلب إذا انقطع مات الإنسان.
[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، (7/ 737)، رقم (4428).
[24]. الجمع بين آية: )والله يعصمك من الناس((المائدة:67)، وموته صلى الله عليه وسلم بالسم، فتوى منشورة بموقع: الإسلام سؤال وجواب www.islamqa.info.
[25]. انظر: الإعجاز العلمي في حديث: «بيت لا تمر فيه»، د. معز الإسلام عزت فارس، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[26]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال، (7/ 3153)، رقم (5238).
[27]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال، (7/ 3153)، رقم (5239).
[28]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج5، ص120.
[29]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الصوم، باب: ما يُستحب عليه الإفطار، (3/ 311)، رقم (692). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (696).
[30]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الآفاق، د. محمد راتب النابلسي، مرجع سابق، ص252، 253.
[31]. الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج1، ص61.
[32]. عالج نفسك بالقرآن، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[33]. الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ص190.
[34]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج5، ص118 بتصرف.
[35]. التغذية النبوية في ثمانية أسابيع، د. عبد الباسط محمد السيد، دار ألفا، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص148.
[36]. الموسوعة الشوقية، أحمد شوقي، جمع وترتيب: إبراهيم الإبياري، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ج2، ص241.
[37]. الإعجاز العلمي في حديث: «بيت لا تمر فيه»، د. معز الإسلام عزت فارس، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
read
go want my wife to cheat