نفي الإعجاز العلمي للقرآن في إخباره عن جعل النار من الشجر الأخضر (*)
مضمون الشبهة:
في إطار المحاولات اليائسة التي تستهدف تجريد القرآن الكريم من إعجازه العلمي، ينفي المغالطون الإعجاز العلمي عن قوله تعالى: )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80)( (يس)، ذاهبين إلى أن المقصود بالشجر الأخضر لا يعدو أن يكون- كما فهم العرب القدماء- شجر المرخ والعفار الذي تتولد النار من قدحهما كالزناد، وليس له أية علاقة بعملية التركيب الضوئي التي تتم في الورقة الخضراء، وينتج عنها الأكسجين الذي يجب توافره لإشعال النار.
ويتساءلون: لماذا يحاول علماء المسلمين إلصاق هذه العملية- أي عملية البناء الضوئي- بالآية على الرغم من أنه لم يتم الكشف عنها إلا في العقود المتأخرة.
وجه إبطال الشبهة:
ليس صحيحًا ما ادعاه الطاعنون من أن قوله تعالى: )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80)( (يس)، لا يعدو أن يكون إشارة إلى شجر المرخ والعفار الذي تتولد النار من قدحهما؛ لأن هذا وإن كان هو المعنى الظاهر من الآية، إلا أن للآية معنى آخر لم يصل إليه علم الإنسان إلا في العقود المتأخرة؛ فالآية نص علمي مباشر في أهم العمليات الحيوية في الأرض، وهي عملية البناء الضوئي، التي تتم في النباتات الخضراء المحتوية على الكلوروفيل، وبموجبها تتحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية مختزنة في شكل المركبات التي يتشكل منها جسم النبات ومادته العضوية، وهذه الطاقة هي التي تنطلق عائدة إلى صورتها الأولى الحرارية الضوئية في حالة الاحتراق أو التوقد، وتعرف أخشاب النبات لذلك كوقود، بل هي الأساس الذي تنشأ عنه أشكال الوقود الأخرى كالبترول والفحم، فكلاهما ناشئ من النباتات بعد دفنها في باطن الأرض أزمانًا طويلة.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
خُصَّت النباتات الخضراء بصبغ اليخضور (الكلوروفيل) الملوَّن لأوراق وأنسجة النباتات ذاتية التغذية باللون الأخضر، وأُعطي هذا الصبغ وغيره من الأصباغ النباتية القدرة على اصطياد وتخزين جزء من طاقة الشمس التي تصل إلى الأرض، وهي طاقة كهرومغناطيسية تتركب من موجات ذات البنفسجية، إلى الأطياف المرئية (أو أطياف النور الأبيض)، إلى الأشعة تحت الحمراء، إلى الموجات الراديوية بمختلف أطوالها.
وهناك ثمانية أنواع من هذه الأصباغ الخضراء التي تشبه في تركيبها الكيميائي جزيء الهيموجلوبين، الذي يعطي لدم الإنسان ولدماء كثير من الحيوانات لونها الأحمر القاني، والشبه تام في بناء كل من الجزيئين، فيما عدا استبدال ذرة الحديد المركزية في جزيء الهيموجلوبين بذرة ماغنسيوم في جزيء اليخضور، ويشير ذلك إلى وحدة البناء، كما يشير إلى وحدة الباني صلى الله عليه وسلم.
وتوجد الأصباغ الخضراء- مادة الكلوروفيل- في داخل جسيمات دقيقة للغاية بالخلية النباتية تُعرف باسم "البلاستيدات"، ويوجد منها ثلاثة أنواع مميزة هي: الخضراء، والملونة بألوان أخرى، والبيضاء، ويبدأ تكون كل منها من أجزاء أبسط وأدق كثيرًا في الحجم تُعرف باسم "البلاستيدات الأولية".
والبلاستيدات هي جسيمات متناهية الضآلة في الحجم، توجد في داخل الخلايا العمادية- الطولية العمودية على جدار الأوراق النباتية- ولها حرية التحرك داخل الخلية؛ لزيادة قدرتها على اصطياد أشعة الشمس من أية زاوية تسقط بها على ورقة الشجر.
والبلاستيدات جسيمات بييضية الشكل عادة، يحاط كل منها بغشاءين رقيقين؛ الخارجي منهما أملس، والداخلي متعرج على هيئة ثنيات داخلية تفصلها صفائح رقيقة جدًّا؛ وتحتوي الثنيات على الأصباغ الخضراء، بينما تفتقر إليها الصفائح الفاصلة بينها، وتحتوي البلاستيدات بالإضافة إلى الأصباغ النباتية على العديد من الأحماض الأمينية، والمركبات البروتينية الأخرى؛ كالدهون المفسفرة وغيرها، ويقوم الصبغ الأخضر (اليخضور) في هذه البلاستيدات بالتقاط الطاقة القادمة من الشمس واستخدامها في تأيين الماء الذي يُروى به النبات، أو الذي يمتصه من التربة إلى الأكسجين الذي ينطلق عبر ثغور ورقة النبات إلى الغلاف الغازي للأرض، والهيدروجين الذي يتفاعل مع ذرة الكربون المنتزعة من جزيء غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يأخذه النبات من الجو لتكوين السكريات والنشويات وغيرهما من الكربوهيدرات، وغاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الغازي للأرض لا تكاد نسبته تتعدى 03‚0%.
وتتم عملية البناء الضوئي التي تقوم بها النباتات الخضراء على مرحلتين؛ الأولى منهما تحدث في الضوء، والثانية تحدث في الظلام، والمرحلة الضوئية يتم فيها تأيين الماء إلى مكوناته من الأكسجين، والهيدروجين، وأعداد من الإلكترونات، وينطلق غاز الأكسجين فيها إلى الجو، وتُستخدم كل من نوى ذرات الهيدروجين والإلكترونات الطليقة في المرحلة الثانية التي تتم في الظلام، والتي من نتائجها تحويل ذرة الكربون المنتزعة من جزيء غاز ثاني أكسيد الكربون إلى السكريات والنشويات، وغير ذلك من المواد الكربوهيدراتية.
وعلى العكس من ذلك فإذا أُحرق السكر أو أية مواد كربوهيدراتية في وجود الأكسجين، فإنه يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، وتنطلق الطاقة، وكأن عملية التمثيل الضوئي هي عملية تكوين السكر بخلط ستة جزيئات من الماء مع ستة جزيئات من ثاني أكسيد الكربون في وجود الطاقة الشمسية ومادة اليخضور، فينتج عن ذلك جزيء واحد من السكر، وستة جزيئات من الأكسجين .
ويأخذ النبات من طاقة الشمس القدر اللازم لنموه، فيحول تلك الطاقة الضوئية الحرارية إلى عدد من الروابط الكيميائية بتفاعلها مع كل من الماء وثاني أكسيد الكربون، فيكون مختلف المواد الكربوهيدراتية- أي المكونة من الكربون والهيدروجين- التي يستخدمها النبات في بناء مختلف خلاياه وأنسجته، ويختزن الفائض عن حاجته على هيئة النشويات البسيطة والمركبة، والسكريات المتنوعة، كذلك فإن النبات يأخذ العديد من عناصر الأرض والماء الصاعدين مع العصارة الغذائية التي يمتصها النبات من التربة بواسطة جذوره، وتنتقل هذه العصارة الغذائية إلى كل من الساق والفروع والأوراق عبر أوعية خاصة تُعرف باسم "الأوعية الخشبية"، التي تمتد في جسم النبات كله حتى تصل إلى كل ورقة من أوراق النبات على هيئة عرق وسطي له تفرعاته العديدة التي تنقل تلك العصارة الغذائية إلى كل خلايا الورقة الخضراء؛ حيث يعاد تشكيلها على هيئة العديد من المركبات العضوية التي يحتاجها النبات، وتعود المركبات المصنعة في الأوراق الخضراء عبر أوعية خاصة تُعرف باسم "أوعية اللحاء"؛ لتقوم بتوزيعها على جميع خلايا النبات وأنسجته حسب احتياج كل واحد منها.
ومن المركبات العضوية التي تنتجها النباتات الخضراء: البروتينات من مثل الأحماض الأمينية والإنزيمات والهرمونات والدهون، مثل الزيوت، والفيتامينات التي تسهم في بناء مختلف الخلايا والأنسجة المتخصصة من مثل الألياف والأخشاب والزهور والثمار والبذور، والإفرازات النباتية المتعددة؛ كالمواد الصمغية والراتنجية وغيرها.
وباستمرار عملية التمثيل الضوئي تركز بلايين البلايين من ذرات الكربون المكونة لثاني أكسيد الكربون الجوي في داخل خلايا النباتات الخضراء، خاصة في الأوراق، وبذلك نجد أن وزن المادة الحية النباتية في تزايد مستمر مع الزمن؛ لأن كلًّا من الإنسان وأعداد كبيرة من الأنواع في مملكة الحيوان يتغذى على المواد النباتية ومنتجاتها، ويستخدم الطاقة الكيميائية المختزنة في تلك المواد النباتية لتكوين مركبات كيميائية أخرى تختزن أجزاء من تلك الطاقة، وتحول أجزاء منها إلى طاقة حرارية وحركية وكهربائية، ولما كان الإنسان وبعض أنواع الحيوان يأكلون كلًّا من النبات وبعض الحيوان، فإن جزءًا من طاقة الشمس ينتقل إلى هؤلاء الآكلين؛ وبذلك يزداد كَمُّ المادة الحية بتكرار تلك العمليات الحياتية، والتي يؤدي النبات الأخضر فيها دورًا أساسيًّا، ويصل معدل الإنتاج السنوي من المواد العضوية النباتية إلى أكثر من أربعة آلاف تريليون طن.
وتقوم النباتات الخضراء بتثبيت أربع مئة مليار طن سنويًّا في المتوسط من الكربون المستخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون الجوي، وقد أدت هذه العملية دورًا مهمًّا في تكوين بلايين الأطنان من الفحم الحجري عبر تاريخ الأرض الطويل، خاصة في صخور العصر الفحمي (أو الكربوني).
والمنتجات النباتية هي مصدر الطاقة الحيوية في أجساد بني الإنسان وفي أجساد الحيوانات من آكلات الأعشاب، والتي تمثل مصدرًا أساسيًّا لطعام الحيوانات آكلة اللحوم، ومن فضلات كل من النبات والحيوان والإنسان تتكون جميع أنواع المحروقات، وذلك بعد تجفيفها أو دفنها وتحللها بمعزل عن الهواء.
فالمادة العضوية في كل من النبات والحيوان والإنسان تتكون أصلاً من عناصر الأرض الأساسية، والماء- الهيدروجين والأكسجين- والنيتروجين وثاني أكسـيد الكربون.
وبعملية التمثيل الضوئي يبث النبات الأخضر الأكسجين في جو الأرض ليجعله في متناول كل من الإنسان والحيوان اللذين يبثان ثاني أكسيد الكربون إلى جو الأرض، وكل من النبات والحيوان يعطي الإنسان الغذاء والطاقة.
والأرض تعطي كل الكائنات الحية مختلف العناصر التي تحتاجها، والماء الذي يعين على إتمام كل العمليات الحيوية بأمر الله وقدرته وتقديره.
والشمس تعطي جميع الصور الحياتية- من نباتية وحيوانية وبشرية- كل الطاقة التي تحتاجها، والله يهب ذلك كله من فضله وكرمه وجوده ومَنِّه وعطائه، وبديع صنعه، وعظيم حكمته.
فمركبات اليخضور تختزن الطاقة في خلايا الشجر الأخضر، ويقابلها في الخلايا الحيوانية جسيمات المتقدرات "الميتوكوندريا" (Mitochondria) التي تستهلك الطاقة المأخوذة من أي من النبات أو الحيوان، أو منهما معًا.
وعند جفاف الشجر الأخضر وغيره من النباتات الخضراء فإنها تتحول إلى أغلب مصادر الطاقة الطبيعية تقريبًا، ما عدا الطاقة النووية، وطاقة الرياح، وطاقة المد والجزر، والحرارة الأرضية، والطاقة الشمسية المباشرة.
والطاقة في الشجر الأخضر أصلها من طاقة الشمس؛ فعند جفاف النباتات الخضراء تتحول بقاياها إلى الحطب أو القش أو التبن أو الخشب أو الفحم النباتي- إذا أُحرق ذلك بواسطة الإنسان في معزل عن الهواء.
وإذا دُفنت البقايا النباتية في البحيرات الداخلية، أو في دلتاوات الأنهار، أو في الشواطئ الضحلة للبحار دفنًا طبيعيًّا، فإنها تتفحم بمعزل عن الهواء متحولة إلى الفحم الحجري، وإذا زاد الضغط والحرارة على الفحم الحجري في باطن قشرة الأرض فإنه يتحول إلى غاز الفحم الطبيعي.
وعندما تتغذى الحيوانات البحرية- خاصة الدقيقة منها- على النباتات الدقيقة أو على فتات النباتات الكبيرة ومنتجاتها الدقيقة، فإن طاقة الشمس المختزنة في تلك النباتات وفتاتها تتحول في أجساد الحيوانات إلى مواد بروتينية من الزيوت والدهون الحيوانية التي تتحلل بمعزل عن الهواء إلى النفط والغاز الطبيعي المصاحب له، وكلما زادت الحرارة والضغط على النفط المخزون في قلب قشرة الأرض تحول بالكامل إلى الغاز الطبيعي.
وعندما يُحرق أي من مصادر الوقود هذه طلبًا للطاقة الحرارية الكامنة فيه فإن أكسجين الجو يتحد مع كل من الهيدروجين والكربون المتجمعين في تلك المصادر محولاً إياها إلى بخار الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون الذين ينطلقان عائدين إلى الغلاف الغازي للأرض.
وبذلك فإن الطاقة التي استمدها الشجر الأخضر من أشعة الشمس الواصلة إلى كوكب الأرض، فانتزع بها ذرة الكربون من جزيئات ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الغازي للأرض- هي الطاقة نفسها التي تنطلق على هيئة اللهب الحار الناتج عن احتراق أي من مصادر الطاقة تلك في أكسجين الغلاف الغازي للأرض؛ من مثل الخشب أو الحطب أو القش أو التبن أو الفحم النباتي أو الفحم الحجري أو الغاز الفحمي أو النفط أو الغاز الطبيعي أو غاز الميثان الناتج عن تحلل الفضلات بصفة عامة، وبذلك تتحد ذرات الكربون المختزنة في تلك المصادر المتعددة للطاقة بذرات الأكسجين الموجودة في الغلاف الغازي للأرض، كما تتحد ذرات الهيدروجين مع أكسجين الجو لتعود إليه على هيئة جزيئات كل من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وتنطلق الطاقة.
وعلى ذلك فإن عمليات الاحتراق على سطح الأرض هي عمليات أكسدة لكل من ذرات الكربون وذرات الهيدروجين المختزنة في المواد العضوية لمختلف أشكال الوقود، لتعود مرة أخرى على هيئة ثاني أكسيد الكربون الجوي وبخار الماء، وهي تشبه عملية التنفس في كل من الإنسان والحيوان؛ حيث يُستفاد بالأكسجين الموجود في الغلاف الغازي للأرض في أكسدة ذرات الكربون والهيدروجين الموجودة في المواد الغذائية لتتحول إلى ثاني أكسيد الكربون الذي انتُزع أصلًا من الغلاف الغازي للأرض بواسطة النباتات الخضراء، وبخار الماء الذي انتُزع من الأرض([1]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
حث الله عز وجل الإنسان في كتابه الكريم على التفكر والتدبر في السماوات والأرض، وفي الخلائق بأشكالها وأنواعها؛ وذلك لترسيخ الإيمان وتعميقه في نفوس البشر، وأن يحرصوا على زيادة الإيمان بالخالق سبحانه، ثم بكتابه؛ ليتخذوه دستورًا لحياتهم.
ويزخر القرآن الكريم بالآيات التي لها دلالات علمية واضحة- وإن شكك المشككون وطعن الطاعنون- والتي لم تتجلَّ إلا في العصر الحديث، عصر التجربة، والآية التي نحن بصددها مثل على هذا الإعجاز، يقول تعالى:)الذيجعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80)( (يس).
ولكن هيهات أن يهدأ للطاعنين بال أو تسكن لهم جارحة، فأرادوا أن يطمسوا الحقيقة العلمية الباهرة التي تتجلى في هذه الآية، فقالوا: "إن القرآن لم يأتِ بجديد، فظاهر الآية كان واضحًا للعرب القدماء، فهم فهموا أن المقصود بالشجر الأخضر هو شجر المرخ والعفار الذي تتولد منهما النار".
وفي الحقيقة نحن نسلم بما ذهبوا إليه ولا نختلف معهم فيه؛ فصحيح أن ظاهر الآية واضح لكل إنسان، وخاصة في عصر نزول القرآن الكريم، فإن المصدر الوحيد للوقود في جميع أنحاء العالم كان الشجر الأخضر ومشتقاته الذي يجف ويتحول إلى خشب، والناس كانوا يستعملون هذا الخشب للتدفئة والطهي، علمًا بأن الله تعالى يمكنه أن يذكر لنا الخشب أو الشجر اليابس بطريقة بلاغية مشابهة مع الإشارة إلى الموضوع نفسه([2]).
وإن كان هذا هو المعنى الظاهر من الآية، فإن لها معنى آخر لم يكن معلومًا للعرب أثناء نزول القرآن؛ إذ لم يتضح باطن الآية ويتجلَّ ما فيها من إعجاز إلا في عصر العلم والتجربة، فالآية نص علمي مباشر في أهم العمليات الحيوية في الأرض على الإطلاق، وهي العملية المعروفة بـ "البناء الضوئي"، والتي سبق لنا وأن بينا فحواها في الحقائق العلمية.
ومن المهم هنا أن نستعرض ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة، وهذه التفسيرات قد تتفق مع الحقائق العلمية وقد تختلف معها، وهذا ليس بعيب؛ فهذه التفسيرات كانت ملائمة لحينها ومكانها، كما أنه يُؤخذ منها ويُرد عليها.
· من أقوال المفسرين في الآية:
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80) ( (يس): "أي: الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرًا نضرًا ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلى أن صار حطبًا يابسًا، تُوقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء... قال قتادة: ... الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه. وقيل: المراد بذلك شجر المرخ والعفار، ينبت في أرض الحجاز، فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد فيأخذ منه عودين أخضرين ويقدح أحدهما بالآخر، فتتولد النار من بينهما، كالزناد سواء. رُوي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما"([3]).
ويقول القرطبي: "قوله تعالى:)الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا((يس:80) نبَّه تعالى على وحدانيته، ودلَّ على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرق اليابس من العود الندي الرطب، وذلك أن الكافر قال: النطفة حارة رطبة بطبع الحياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت، فكيف تخرج منه الحياة! فأنزل الله تعالى: )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا((يس:80)؛ أي: إن الشجر الأخضر من الماء، والماء بارد رطب ضد النار، وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار، فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وهو على كل شيء قدير، ويعني بالآية ما في المرخ والعفار، وهي زنادة العرب، ومنه قولهم: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار، فالعفار الزند وهو الأعلى، والمرخ الزندة وهي الأسفل، يُؤخذ منهما غصنان مثل المسواكين يقطران ماء فيحك بعضهما إلى بعض فتخرج منهما النار"([4]).
ويقول صاحب الظلال: "والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة! العجيبة التي يمرون عليها غافلين، عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء يحتك بعضه ببعض فيولد نارًا، ثم يصير هو وقود النار بعد اللدونة والاخضرار، والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها، ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة، والتي تولد النار عند الاحتكاك كما تولد النار عند الاحتراق، هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزًا في الحس ووضوحًا.
والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه، والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي، فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة، ولا تدلنا على مبدع الوجود، ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها، ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح"([5]).
إن الآية الكريمة جاءت في معرض التحدي بين الكفر والإيمان؛ إذ يأتي الكافر بقطعة عَظْم بالية مستنكرًا أن تحيا بعد موتها، قال تعالى:)وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم (78)( (يس)، ولقد "تدرجت الإجابة من المجرد إلى المحسوس، ومن الغائب إلى الحاضر، فالذي خلقها أول مرة على غير مثال سابق من خاماتها الأولية قادر على إنشائها من جديد، وقد خلقها سبحانه وتعالى بقدرة وعلم: )وهو بكل خلق عليم (79)((يس)، ثم يأتي الله تعالى بالمحسوس والمشاهد والمعجز الدال دلالة قطعية على المقدرة والعلم والإتقان والإعجاز فقال:)الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80)( (يس)، فالذي خلق النبات الأخضر وأنشأ به النار قادر على كل شيء؛ فالربط بين الشجر الأخضر والنار معجزة علمية، والربط بين الشجر والاخضرار معجزة كبرى، فإن غاب الشجر غابت النار والطاقة من على الأرض، وإن غاب الاخضرار من النبات هلك النبات واختفى المصدر الرئيس للطاقة الحيوية على الأرض.
فالطاقة الحيوية مصدرها الأصلي الشمس، والمنبت الرئيس للطاقة على الأرض هو النبات (الشجر)؛ حيث تسقط أشعة الشمس بضوئها وحرارتها على الأرض فترتفع درجة حرارة اليابسة والماء، ثم بعد غياب الشمس تفقد اليابسة ويفقد الماء حرارتهم، ولكن عندما تسقط أشعة الشمس على النبات فإنه يقوم بأهم وأعجز عملية حيوية على الأرض؛ حيث يحول طاقة الشمس من طاقة ضوئية إلى طاقة كيميائية مخزنة في الروابط الكيميائية لبعض المركبات الحيوية التي أنتجها النبات بما أودع الله فيه من خصائص حيوية"([6]).
لقد جمعت الآية الكريمة بين عمليتين مهمتين هما:
· عملية بناء الطاقة من عناصرها الأولية، ثم خزنها في شكل مركبات كيميائية، وهو ما يُعرف بـ "البناء الضوئي" (Photosynthesis)، وهو المستفاد من قوله تعالى: )الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا((يس:80).
· عملية استخراج الطاقة من مركباتها الكيميائية في شكل طاقة حركة وطاقة حرارية وغير ذلك مما يحتاجه الكائن الحي، وهو ما يُعرف بـ "الهدم الحيوي" (Catabolism)، وهو المستفاد من قوله تعالى: )فإذا أنتم منه توقدون(80)( (يس).
وكلتا العمليتين- البناء والهدم- تجتمعان في كلمة واحدة هي الأيض (metabolism).
إن الله سبحانه وتعالى هيَّأ النبات الأخضر ليكون مصنعًا ربانيًّا خاصًّا تعمل وحداته الإنتاجية على تثبيت النار المنبعثة من ذلك الأتون المشتعل بها في كبد السماء، وهو الشمس، وخزنت هذه النار على هيئة مركبات كيميائية يمكن لكافة الكائنات الحية أن تلجأ إليها طالبة للطاقة أو الوقود، فإذا بالمركبات تلبي حاجة الطالبين)فإذا أنتم منه توقدون(80)((يس)؛ أي: تأخذون حاجتكم من الطاقة الحرارية، وكذلك كل طاقة أخرى تحتاجها حياة الكائنات الحية على اختلاف أشكالها وأنواعها([7]).
"مما سبق يتضح المضمون العلمي للآية الكريمة التي فهمها أهل البادية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخشب أو الحطب، أو بكل من المرخ والعفار، ونفهمها اليوم في إطار كل صور الطاقة ذات الأصل العضوي من النفط والغاز المصاحب له، إلى الفحم الحجري والغازات المصاحبة له، إلى الفحم النباتي، إلى كل من الخشب والحطب والقش والتبن، وغير ذلك من الفضلات النباتية والحيوانية التي يؤدي الدور الرئيس في تكوينها الشجر الأخضر، وما وهبه الله تعالى من قدرة فائقة على احتباس جزء من طاقة الشمس يعينه على إتمام عملية تأين الماء إلى أيوني هيدروجين يحمل كل منهما شحنة موجبة، وأيون أكسجين يحمل شحنة سالبة، ثم اقتناص ذرات الكربون من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود بنسب ضئيلة جدًّا في الغلاف الغازي للأرض لا تتعدى 0,03%، وذلك بواسطة أيون الهيدروجين الناتج عن تحلل الماء، وإطلاق الأكسجين إلى الغلاف الغازي للأرض، وكأن حركة الطاقة على الأرض- أو بالأحرى حركة الحياة- تتلخص في تبادل ذرة الكربون بين النبات والحيوان والإنسان، يأخذها النبات من الغلاف الغازي للأرض بعملية التمثيل الضوئي، ويهبها لكل من الإنسان والحيوان، ثم يطلقها كل من الإنسان والحيوان إلى الغلاف الغازي للأرض بعملية التنفس، وبين العمليتين يختزن لنا ربنا عز وجل كمًّا هائلًا من مختلف مصادر الطاقة تختزن فيه ذرات الكربون التي أخذها الشجر الأخضر من الجو وأعطاها للأرض، إما مباشرة، وإما عن طريق تخزينها على هيئة راقات هائلة من الفحم، أو مخزون ضخم من النفط والغاز يحرقه الإنسان فيرده مرة أخرى إلى الغلاف الغازي للأرض، فسبحان القائل:)الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون (80)( (يس)" ([8]).
3) وجه الإعجاز:
لقد اكتشف العلماء أن مصادر الوقود جميعًا تلك النطفة الخضراء الموجودة في النبات، فالنطفة تلك تخزن من وقود الشمس في أجزاء النبات وتحوله إلى مادة نباتية يسهل أكلها أو حرقها وإخراج الوقود الكامن في تلك الأجزاء، كما اكتشف العلماء في طبقات الأرض أن أصل البترول ومشتقاته- بنزين، كيروسين، وغيرهما- جميعًا متحولة من نبات مطحون بالتراب والصخور، أو حيوانات تغذت على نباتات وأخذت من النباتات الوقود، وبهذا العرف فإن جميع أنواع الوقود المستخدمة أصلها من الشجر الأخضر، ويقرر القرآن هذه الحقيقة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، قال تعالى:)الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون(80)((يس).
(*) موقع: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: النبات في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص566: 571 بتصرف.
[2]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، شركة حرف، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص103.
[3]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص582.
[4]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج15، ص59، 60.
[5]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج5، ص2977.
[6]. )مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا((يس:80)، معجزة قرآنية، د. نظمي خليل أبو العطا موسى، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[7]. علم النبات في القرآن الكريم، د. السيد عبد الستار المليجي، مرجع سابق، ص305، 306 بتصرف.
[8]. من آيات الإعجاز العلمي: النبات في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص572.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic
husband cheat
online online affair