دعوى مقدرة العلم الحديث على تغيير إرادة الله في خلقه (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين أن العلم الحديث قادر على تغيير إرادة الله في خلقه؛ حيث إن الله سبحانه وتعالى يصور آلاف الناس في الأرحام بتشوهات خلقية متعددة، والعلم الحديث يقوم بمعالجتها. ويتساءلون: كيف يقول الله سبحانه وتعالى:)لا تبديل لخلق الله( (الروم: ٣٠) والعلماء في العصر الحديث قد استطاعوا أن يغيروا هذا الخلق؟!
وجه إبطال الشبهة:
إن تصوير الله عز وجل للتشوهات الخلقية في الأرحام يسير وفق سنن كونية؛ إظهارًا لطلاقة قدرته سبحانه وتعالى، أما عن معالجة العلم الحديث لهذه التشوهات فإنه ضمن إرادة الله سبحانه وتعالى الكلية، وليس تغييرًا البتة لإرادته سبحانه وتعالى كما يدّعون؛ خاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له، وأما عن قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله( (الروم: ٣٠) فإن المراد به عند أكثر المفسرين هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه، دل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله( (النساء: ١١٩)، إضافة إلى أن تغيير خلق الله الذي قام به العلماء ـ ولا يزالون يقومون به ـ ليس تغييرًا كليًّا، بل هو تغيير جزئي ظاهري، أما العاطفة والفطرة فلا يمكن تغييرهما بأية حال.
التفصيل:
لا شك أن الخالق سبحانه وتعالى هو الذي يصور الخلق في الأرحام كيف يشاء؛ من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أبيض، أو طويل أو قصير، تام الخلق وغير تام، قال سبحانه وتعالى:)هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (6)( (آل عمران)([1]).
وهذه حقيقة لم تدركها العلوم المكتسبة إلا بعد تطور كل من علوم الأجنة والوراثة، وقراءة الشفرة الوراثية للإنسان، وإدراك الضوابط العديدة التي تتحكم في تخلق الأجنة في أرحام الأمهات؛ الأمر الذي يشير إلى أنها لا يمكن أن تتخلق بعفوية أو صدفة، بل لا بد لها من خالق عليم حكيم، له من صفات الألوهية والربوبية والوحدانية، ومن طلاقة القدرة، وشمول العلم وكمال الحكمة ـ ما يمكنه من تحقيق ذلك([2]).
وانطلاقًا من ذلك نقرر أن الله تعالى لما خلق الكون جعله يجري وفق سنن كونية تحفظ ثباته وتصون نظامه، وقد يدفع هذا الانتظام الثابت المستقر بعض الناس إلى توهم حتمية هذا النظام وقهريته، بل إن بعض الناس قد يغفل عن وجود الصانع المتصرف في خلقه نتيجة الثبات الذي لا يكاد يختل البتة، فكان من تمام حكمة الله سبحانه وتعالى أن تحدث الحوادث الكونية الخارقة لسنن الكون المعتادة؛ لتدل على أن حوادث الكون المعتادة مخلوقة مصنوعة لبارئها المتصرف في مملكته تمام التصرف، بدليل حدوث غير المعتاد وغير المألوف.
وكان من طلاقة قدرة الله عز وجل في هذا الكون أنه يخلق بعض البشر بتشوهات خلقية متعددة، كأجزاء زائدة أو ناقصة في الجسم، وتوائم ملتصقة، وخنثى مشكل... إلخ، وما ذلك إلا تنبيهًا للغافلين وتثبيتًا للموقنين بأنه: )هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24)( (الحشر: ٢٤)([3]).
وهنا أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن العلم الحديث يقوم بإصلاح التشوهات الخلقية ومعالجتها، وهذا تغيير لإرادة الله، علمًا بأنه سبحانه وتعالى يقول: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30).
والجواب عن هذا يتمثل فيما يأتي:
لقد حث الإسلام على التداوي ومنع أسباب المرض، والتوقي منه ما أمكن ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله»([4]).
ولا شك أن التشوهات الخلقية مرض من الأمراض التي قدرها الله سبحانه وتعالى لبعض عباده، يؤكد هذا أن حوالي ثلث هذه التشوهات لها أسباب وراثية وبيئية، وذلك كما أثبت الطب الحديث.
إذًا فمعالجة هذه التشوهات أمر مندوب إليه في الشريعة الإسلامية، فكيف يدّعون أنه تغيير لإرادة الله عز وجل؟!
إن إرادة الله عز وجل تعني: "صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، من شأنها تحقيق الممكنات ببعض ما يجوز عليها من وجود وعدم، بقطع النظر عن أي مؤثر خارجي"([5]).
وهذه الصفة مطلقة كاملة، صالحة للتعلق بكل الممكنات، وشاء الله أن يكون للإنسان اختيار وإرادة؛ فقد تعلقت إرادة الله عز وجل بأن يغرس في كيان الإنسان هذا السر الذي هو محور التكليف فيه، وأن يجعله يصدر في كثير من تصرفاته عن هذا السر الذي يسمى به حرًّا أو مختارًا.
ومعنى ذلك أن إرادة الله سبحانه وتعالى تعلقت بأن تكون مريدًا، فسَرَت إرادة الله عز وجل بذلك إلى كل ما تريده وتختاره من أعمال. إذًا فلا يمكن أن يقع أي تعارض بين إرادة الله سبحانه وتعالى وما تختاره عن طريق إرادتك الخاصة؛ إذ لو فرضنا أن الله غير مريد لعمل قد اخترته بإرادتك، فمعنى ذلك أنه سبحانه وتعالى غير مريد لإرادتك التي وجهتك إلى ذلك الفعل، وهو مناقض لما ثبت من أن الله عز وجل قد شاء لك أن تكون مريدًا، وشاء أن يخلق فيك هذا السر، فثبت بطلان فرض أن الله قد لا يريد العمل الذي تختاره.
ولنضرب على ذلك مثلًا يقرب لنا هذه الحقيقة: خادم عندك في الدار، تريد أن تعلم مدى صدقه وأمانته في الخدمة والمعاملة، ولكي تصل إلى بغيتك هذه تعطيه مبلغًا من المال وتبعثه إلى السوق لشراء الحوائج وتفسح له المجال أن يتصرف كما يشاء دون أن تضع عليه رقيبًا أو تضيق عليه السبيل.
فأنت بترتيبك هذا أردت أن يكون حرًّا فيما يفعل ويذر، لا يستجيب إلا لنداء ضميره وتفكيره الداخلي؛ بحيث يتمتع بإرادة لا يشوبها قسر، حتى تعلم بذلك طويته، فإن عاد وقد خان الأمانة فيما أعطيته من المال وما عاد به من المتاع، فأنت في الواقع مريد لهذه النتيجة، وإن عاد وقد حقق منتهى الأمانة في عمله، فأنت مريد أيضًا لهذه النتيجة؛ إذ أنت لم ترد إطلاق يده بالتصرف كما يشاء إلا وأنت مريد لظهور نتيجة لذلك أيًّا كانت النتيجة، تحبها وترضاها أم لا.
إذا تبين لنا هذا، علمنا أن مصير الإرادة الإنسانية في جنب إرادة الله، ليس إلا كمصير إرادة الخادم في جنب إرادة سيده، ولله المثل الأعلى، فإرادتك المتعلقة بتصرفاتك الاختيارية منطوية تحت إرادة الله سبحانه وتعالى، ولكن لا عن طريق القسر والإكراه (كما هو شأن إرادته المتعلقة بالنوع الأول من حركات ووظائف آلية)، وإنما عن طريق بث سر الإرادة والاختيار في كيانك، وكانت حكمته من ذلك أن تكسب بموجبها ما تحب، دون قسر أو إكراه، لتتجلى طويتك في سلوكك، فتستأهل بذلك مثوبة الله أو عقابه، وواضح أن سلوكك هذا يصبح بسبب ذلك من مرادات الله عز وجل.
وهكذا تعلم أن الله تعالى لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ويريد، ولا يناقض ذلك أنه أعطاك أيضًا إرادة ومشيئة، كما لا يناقض علمه بالأشياء كلها أنه أعطاك أنت أيضًا علمًا بشىءٍ يسيرٍ منها([6]).
ومن خلال هذه المقدمة التأصيلية المهمة يتبين لكل مدّعٍ أن توصل الطب الحديث إلى علاج للتشوهات الخلقية هو ضمن إرادة الله سبحانه وتعالى الكلية، وليس تغييرًا البتة لإرادة الله عز وجل كما يدّعون؛ خاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له.
وأما عن قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله( (الروم:30) ، والذي هو جزء من قوله سبحانه وتعالى: )فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)((الروم) ـ فإنه لا يقوم دليلًا البتة على ما ادعاه الطاعنون وذلك لما يأتي:
لقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بقوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30) هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه.
قال ابن الجوزي: "قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لخلق الله((الروم:30) لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي، والتقدير: لا تبدلوا خلق الله"([7]).
ونظير هذه الآية قوله سبحانه وتعالى في آية أخرى: )فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج( (البقرة: ١٩٧)؛ أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج([8]).
وليس أدل على المعنى السابق من قوله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله((النساء:119)، فلو لم يكن المراد من الآية التي معنا النهي، لما استطاع الشيطان أن يقول هذا الكلام هنا عصيانًا منه لأمر الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل إذا نفى شيئًا لا يستطيع أهل الأرض ـ وإن اجتمعوا ـ أن يثبتوه.
وبالفعل تمكن الشيطان من إضلال الناس؛ حتى قاموا بتغيير خلق الله ظاهريًّا فقط، ولكن يبقى الخلق الأصلي، وتبقى الفطرة والعاطفة لا يمكن تغييرها:)فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)((الروم).
الخلاصة:
· إن الله سبحانه وتعالى يصور التشوهات الخلقية في الأرحام؛ تنبيها للغافلين وتثبيتًا للموقنين بطلاقة قدرته سبحانه وتعالى.
· إن معالجة العلم الحديث للتشوهات الخلقية يسير ضمن إرادته سبحانه وتعالى الكلية؛ فإنه عز وجل قد أباح العلاج وحث عليه، وأوجد طرقًا له.
· المراد بقوله سبحانه وتعالى: (لا تبديل لخلق الله( (الروم:30)،عند أكثر المفسرين هو النهي عن تغيير خلق الله وليس نفيه، دل على هذا قول الله سبحانه وتعالى على لسان إبليس: )ولآمرنهم فليغيرن خلق الله((النساء:119).
· إن محاولات تغيير خلق الله سبحانه وتعالى لا تعدو أن تكون تغييرًا جزئيًّا ظاهريًّا فحسب، أما الفطرة والعاطفة فلا يمكن تغييرهما البتة.
(*) ماذا ترك العلم لإله السماء؟! كامل النجار، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدنwww.ahewar.org.
[1]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج6، ص168 بتصرف.
[2]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص393.
[3]. رسالة في آلام الأطفال وتشوهاتهم الخلقية: نظرة إسلامية، د. وسيم فتح الله، مقال منشور بموقع: صيد الفوائدwww.saaid.net.
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، (6/ 121)، رقم (4236). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[5]. كبرى اليقينيات الكونية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط25، 1426هـ/ 2005م، ص120.
[6]. المرجع السابق، ص155، 156 بتصرف.
[7]. زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، مرجع سابق، ج5، ص96.
[8]. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي، مرجع سابق، ج1، ص309.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic
husband cheat
online online affair