دعوى أن وقوع الشيب لأسباب نفسية ضرب من الخرافات (*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في قول الله سبحانه وتعالى: )فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شِيبًا (17)( (المزمل)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له أبو بكر رضى الله عنه: «قد شِبْتَ، قال: شيَّبتني هود والواقعة والمرسلات...». مستدلين على طعنهم هذا بأن القول: إن الشيب يقع بسبب العوامل النفسية؛ كالخوف والفزع ما هو إلا ضرب من الخرافات التي كانت منتشرة في الجاهلية، وأنه يخالف الحقائق العلمية الحديثة التي أثبتت أن الشيب يكون نتيجة نقص في كمية الصباغ بطبقة الكراتين.
وجه إبطال الشبهة:
إن ما ذكره القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف من كون الشيب يحدث لأسباب نفسية كالخوف والفزع ـ قد أثبته الطب الحديث؛ حيث إن هذه الحالات النفسية يصاحبها إفراز مادة الأدرينالين، وهي من المواد القاتلة لخلايا التلوين، وقد أوضح فريق من علماء اليابان أن التعرض لهذه الظروف يصيب الخلايا المسئولة عن تزويد جريبات الشعر باللون الطبيعي بالتلف، وكذلك يؤدي إلى موت الأوعية الدموية والخيوط العصبية المغذِّية للبصيلات المسئولة عن إنتاج هذا الصبغ، الأمر الذي يسبِّب الشيب المبكر.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
الشيب هو ابيضاض الشعر بفقدانه مادته الملوِّنة الموجودة بخلايا التلوين (Melanocytes) في عمق البصيلة الشعرية، ويتناقص عدد خلايا التلوين بمعدل 1% في كل سنة تقريبًا، ويخضع نشاطها إلى مفعول هرمون خاص، وبنقص إفرازه تدريجيًّا مع تقدُّم العمر يضعف نشاط خلايا تلوين الشعر؛ فيَبْيَضّ لونه بالتدريج.
وثبت أن من أسباب التعجيل بظهور الشيب تكرُّر حالات الفزع، والأزمات النفسية، والشدائد التي يمرُّ بها الإنسان؛ وذلك لما يصاحب تلك الحالات من إفراز مادة الأدرينالين، وهي من المواد القاتلة لخلايا التلوين، وقد يُصاحب ابيضاض الشعر بقلة كثافته أو تساقطه، نظرًا لموت الأوعية الدموية والخيوط العصبية المغذية للبصيلات المسئولة عن إنتاجه([1]).
وقد كشف علماء في اليابان عن ارتباط ظهور الشيب بمرور الإنسان بظروف عصيبة، والشعور بالضغط النفسي. وأوضح العلماء أنه عند التعرُّض لهذه الظروف تتعرض الخلايا الجذعية المسئولة عن تزويد جريبات الشعر باللون الطبيعي للتلف وهو ما يسبِّب الشيب.
وقد نقلت صحيفة ديلي تلغراف ([2]) عن الباحثة "إيمي نيشيمورا" من جامعة كانازاوا في اليابان ـ والتي قادت فريق البحث ـ قولها: إن جريبات الشعر يمكن أن تتعرض للضغط الجيني الذي يتلف بدوره الحمض النووي الريبي في الجسم، إن خلايا الحمض النووي الريبي تتعرض لهجوم دائم من جانب عوامل ضارة مثل الأشعة فوق البنفسجية والإشعاع النووي؛ حيث إن خلية واحدة عند الثدييات يمكن أن تواجه نحو مئة ألف حالة مدمِّرة يتعرض لها الحمض النووي الريبي يوميًّا.
وعَزَت "نيشيمورا" فقدان الشعر لونه الطبيعي إلى الموت التدريجي للخلايا الجذعية المسئولة عن الخلايا الصبغية التي تكسب الشعر لونه الطبيعي، أظهرت دراسات سابقة أُجريت على الفئران أن التلف الذي يصيب الحمض النووي الريبي لا يمكن إصلاحه بسبب تعرضه للإشعاعات النووية التي تسبب الشيب([3]).
وهناك أبحاث عديدة تشير إلى أن الجينات المتبدلة تلعب دورًا أساسيًّا في عملية الشيخوخة عامة، وأن فقدان الخلايا الجذعية يمكن أن يؤدي إلى التراجع في عملية تجدُّد الأنسجة، ويسرِّع بذلك الشيخوخة، وقال الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة الخلايا: اكتشفنا في هذه الدراسة أن الشيب هو أحد أكثر الإشارات وضوحًا على الشيخوخة وعلى تلف الخلايا الجذعية المسئولة عن تزويد جريبات الشعر بلونه الطبيعي.
وفي بحث نشرته مجلة (ASEB) الأمريكية ( Federation of the American Societies for Experimental Biology) صرَّح البروفيسور "هاينز ديكر" ـ من معهد الفيزياء الحيوية التابع لجامعة يوهانس جوتنبيرغ ـ أنالبحث الذي شارك فيه باحثون من جامعة برادفورد في بريطانيا تعرَّف ولأول مرة على آلية شيب الشعر، أو تحوُّله إلى اللون الأبيض، وكان سائل بيروكسيد الهيدروجين المعروفبوصفه مادة مبيِّضة للشعر نقطة بداية البحث؛ حيث اكتشف فريق البحث أن هذه المادةتزداد وتتضاعف مع تقدم الإنسان في العمر، وتراجع كفاءة جسمه بشكل يؤدي إلى صعوبة تحويلها إلى ماء وأكسجين، وهو ما يؤدي بدوره إلى منع تكوُّن مادة الميلانين التي تنتجها الخلايا الصبغية، والجدير ذكره أن هذه المادة تشكِّل مصدر ألوان الشعر والعين والجلد.
ويخضع الشعر لتأثير العديد من الهرمونات؛ فيزداد نموه بزيادة إفراز هرمون الثيروكسين من الغدة الدرقية لدى النساءوالرجال، بينما يقلِّل هرمون الإستروجين ـ الذي يفرزه المبيض عند النساء ـ من نمو الشعر.
وتستمر عملية نمو الشعر نحو أربع سنوات عند الرجال وست سنوات عند النساء، ليبلغ طول نمو الشعر نحو 80 سم، وبعد النشاط الحادِّ تبدأ البُصيلة بمرحلة الراحة التي تستمر من ثلاثة إلى ستة أشهر قبل أن تبدأ بالعمل ثانية، فتكوِّن شعرة جديدة تدفع القديمة خارجًا لتسقط.
ويعتمد لون الشعر على مدى نشاط الخلاياالملونة التي تفرز مادة الميلانين البُنِّية اللون، فسواء أكان الشعر أشقرًا أم داكنًا يرجع إلى كمية الميلانين المنتجة وطريقة توزيعها، أما الشعر الأحمر فيحتوي على صبغةإضافية غنية بالحديد.
صورة حقيقية لخليةmelanocyteوهي ترسل مادة الميلانين إلى الخلايا
ويتكوَّن الشعر من ألياف رقيقة مُركَّبة من البروتينات، ويظهر في جسم الجنين خلال الشهرين الأولين من عمره، ويتركَّز في الحواجب والشفة العليا والذقن، أما شعر باقي مناطق الجسمفيظهر في الشهر الرابع، ويتكون من لُبٍّ وقشرة والطبقة الكيراتينية والغلاف الجدري الداخلي، ويبلغ العدد الإجمالي للشعر في الإنسان زهاء الخمسة ملايين شعرة منها: 100,000ـ 150,000 في فروة الرأس، ويفقد الإنسان نحو مئة شعرة يوميًّا، يتم تعويض 90 %منها من خلال النمو الجديد.
ولا يعني ظهور الشيب مطلقًا التقدُّم في السن؛ فقد يظهر الشيب قبل البلوغ أو بعد ذلك نتيجة ظروف معينة، كما أن الاستعداد الشخصي والعوامل النفسية والوراثية لها أثر مهم في ظهور الشيب المبكِّر، كما تجدر الإشارة إلى أن بعض حالات الشيب المبكر تكون مؤقتة؛ إذ قد تعاود الخلاياالملونة نشاطها مرة أخرى بعد زوال المؤثِّر، ومن ثم يعود لون الشعر إلى وضعه العادي، أما إذا كان المؤثر على الخلايا الأم (الكيراتينوسايتس) التي تنتج الخلايا الملونة، فإن فرصة إعادة تلوُّن الشعر تكاد تكون معدومة، وتستمر الشعرة فاقدةً لونها.
وتؤكِّد العديد من الدراسات أن العامل النفسي يمكن أن يؤثر على الشيب؛ فالخوف الشديد يمكن أن يؤدي إلى تعطيل تشكُّل مادة الميلانين بسبب انخفاض كفاءة الخلايا في القيام بالتفاعلات الحيوية اللازمة، ومن ثم نرى أطفالًا أو شبابًا في سن صغيرة وقد شاب شعر رأسهم.
ومُلخَّص الحقيقة العلمية المكتشفةحديثًا أن هذه المادة تنتج في جميع أنحاء الجسم نتيجة العمليات الحيوية داخل الخلايا، وتنتج أيضًا في بصيلات الشعر، ولكن كميتها قليلة وتزداد تدريجيًّا مع تقدُّم العمر؛ حيث يعجز الجسم عن تفكيك هذه المادة إلى ماء وأكسجين، وذلك بواسطة الإنزيمcatalyse؛ حيث يقلِّل الجسم من إنتاج هذا الإنزيم مع تقدم السن؛ ولذلكفإن المادةH2O2 تهاجم إنزيم tyrosinaseالمسئول عن إنتاج المادة الصبغية، ومن ثم تتعطَّل عملية إنتاج صبغة الشعر (الميلانين)، ويبدأ الشيب بالظهور([4]).
ويفسِّر الدكتور محسن سليمان ـ أستاذالأمراض الجلدية والتجميل بطب القصر العيني ـ ظاهرة شيب الشعر نتيجة الضغوط والتوترات العصبية والنفسية قائلًا: وتفسير هذه الظاهرة بأن تلك المؤثِّرات تؤدي فعلًا إلى ظهور الشعر الأبيض؛ نتيجة توقف نشاط الخلايا الملونة، فإذا نقصت إفرازات تلك الغدة فإن الشعر يفقداللون، كما أن النقص في إفرازات الغدة الدرقية يؤدي إلى ظهور الشعر الأبيض كذلك.
وأوضحت الأبحاث الطبية أن هناك أكثر من حوالي 26 حالة من هذا النوع، وأشهر هذه الحالات التي يذكرها التاريخ حالة (ماري أنطوانيت)([5]) في أثناء الثورة الفرنسية، التي قرَّرت إعدامها بالمقصلة، وفي يوم التنفيذ 1793م لم يعرفها الناس؛ حيث إن شعرها تحوَّل خلال ساعات إلى اللون الأبيض نتيجة الفزع والشدِّ العصبي العنيف([6]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه القرآن والحديث:
زعم المغرضون أن حديث القرآن والسنة عن شيب الرأس بسبب الأهوال والخوف ما هو إلا ضرب من الخرافات، وأنه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ وحيه من الدجالين والمشعوذين، بل والجهَّال أيضًا، وأن الحقيقة أن الشيب لا يكون إلا بسبب كبر السن أو لعوامل وراثية.
ومن ثم راحوا يردِّدون قول الله سبحانه وتعالى في وصف يوم القيامة وشدَّته: )فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شِيبًا (17)( (المزمل)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له أبو بكر رضى الله عنه: «قد شِبْتَ، قال: شيَّبتني هود والواقعة والمرسلات...». ومن هنا نبين في هذه السطور أن الحقائق العلمية الصحيحة والتي توصَّل إليها العلم الحديث ـ تثبت ما ذكره القرآن والحديث، ويتضح ذلك من خلال ما يأتي:
من الدلالات اللغوية في الآية والحديث:
الشيب: هو بياض الشعر، والمشيب مثله، وربما سُمِّي الشعر نفسه شيبًا، ويقال: شيَّبه الحزن، وشيَّب الحزن رأسه وبرأسه، وأشاب رأسه وبرأسه([7]).
من أقوال المفسرين وشُرَّاح الأحاديث:
يقول القرطبي في قول الله سبحانه وتعالى: )فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شِيبًا (17)( (المزمل)؛ "أي يشيب فيه الصغير من غير كِبَر، وذلك حين يقال: يا آدم قم فابعث بعث النار، وقيل: هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز؛ لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان، ولكن معناه: أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة"([8]).
وقال صاحب فتح البيان: ")يجعل الولدان شِيبًا(17)((المزمل)، لشدة هوله؛ أي: يصير الولدان شيوخًا شمطًا، والشيب جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة وأنهم يصيرون كذلك، أو تمثيلًا؛ لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه، وضعفت أعضاؤه، وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة"([9]).
ويقول الشيخ الطاهر ابن عاشور: "ووصف اليوم بأنه )يجعل الولدان شِيبًا(17)((المزمل)،وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان؛ لأنه شاع أن الهمَّ مما يسرع به الشيب، فلما أُريد وصف هَمِّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أُسند إليه: يشيب الولدان الذين شَعْرُهم في أول سواده، وهذه مبالغة عجيبة، وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب"([10]).
وأما الحديث الذي معنا فقد رواه عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «قال أبو بكر: يا رسول الله قد شِبْتَ، قال: شيَّبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كُوِّرت»([11]).
وشِبْت: من الشَّيب، وهو بياض الشعر، وشيَّبتني: من التشيُّب؛ وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة.
إن الآية والحديث يشيران إلى تأثير العامل النفسي على شيب الشعر؛ حيث إن الخوف يؤدي إلى هذا الشيب، وتخبرنا الدراسات العلمية التي أجراها الباحثون لمعرفة أسرار الشيب ـ أن العوامل النفسية مهمة جدًّا في تسريع ظهور الشيب؛ حيث يؤدي الخوف والاضطرابات النفسية إلى سلسلة من الاضطرابات في نظام عمل الإنزيمات، ونظام عمل الخلايا مما يؤدي إلى ظهور الشيب.
وذلك بسبب ما يسبِّبه هذا الخوف من إفراز مادة الأدرينالين، وهي من المواد القاتلة لخلايا التلوين، والمسبِّبة لموت الأوعية الدموية والخيوط العصبية المغذِّية للبُصيلات المسئولة عن إنتاجه.
3) وجه الإعجاز:
من الحقائق العلمية التي ذكرها القرآن والسنة أن الشعر يشيب من شدة الأهوال والخوف؛ فقال سبحانه وتعالى: )فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شِيبًا (17)( (المزمل)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «شيَّبتني هود والواقعة... »، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الشيب بسبب الضغط النفسي واقع بالفعل وليس خرافة؛ حيث تتعرَّض الخلايا المسئولة عن تزويد جريبات الشعر باللون للتَّلف أثناء هذه الظروف مما يسبِّب الشيب.
(*) موقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org. قراءة علمية وإعجازية في وهن العظام عند الرجال، د. محمد الدين، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.
[1]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج2، ص474، 475.
[2]. صحيفة ديلي تلغراف: صحيفة يومية محافظة تصدر في بريطانيا، صدر العدد الأول منها في 29 يونيو 1855م، ومقرها في لندن.
[3]. انظر: تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج1، ص50، 51، ج2، ص403، 404.
[4]. القرآن الكريم واكتشاف أسرار الشيب، عبد الدائم الكحيل، شبكة الدفاع عن السنة www.dd_sunnah.net.
[5]. ماري أنطوانيت: ملكة فرنسا، وزوجة الملك لويس السادس عشر، ولما قامت الثورة الفرنسية، قُدِّمت الملكة وزوجها للمحاكمة، فحكم على لويس السادس بقطع الرأس ونُفِّذ الحكم في ساحة الكونكورد، بينما أُعدمت أنطوانيت في 16 أكتوبر1793م، بعد أن اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس، وقصُّوا شعرها الطويل، ثم وضعوا رأسها الصغير في المكان المخصص في المقصلة التي أطاحت برأسها.
[6]. الشيب المبكر ظاهرة تغزو رءوس الشباب، شبكة: الملتزم الإسلامي www.mltzm.com.
[7]. لسان العرب، مادة: شيب.
[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج19، ص50.
[9]. فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق بن حسن القهوجي، مرجع سابق، ج7، ص252.
[10]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص275.
[11]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: تفسير القرآن، باب: سورة الواقعة، (9/ 130)، رقم (3515).
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
click
website dating site for married people
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband