الطعن في إخبار القرآن عن مسئولية الجلد عن الشعور (*)
مضمون الشبهة:
في غمار حملة التشكيك الموجَّهة إلى القرآن الكريم ينفي المغالطون سبق إعجاز القرآن الكريم في إخباره عن مسئولية الجلد عن الشعور, في قوله عز وجل: )إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا (56)( (النساء). زاعمين أن القرآن لم يأت بجديد عند حديثه عنها؛ فهي من الملاحظات العادية, والتي يمكن لأي شخص كان ـ في أي وقت ـ أن يعيها ويدركها.
وجه إبطال الشبهة:
ثبت علميًّا أن الجلد هو مركز الإحساس في جسم الإنسان, كما ثبت أن عملية الإحساس هذه عملية معقدة في طبيعتها, وصعبة على الإدراك المباشر, فهي ليست كالملاحظات العادية التي يدركها الناس؛ فقد كان الاعتقاد السائد ـ قديمًا ـ أن الجسم كله حساس للآلام, ولم يكن واضحًا لأحد آنذاك أن هناك أعصابًا متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم، حتى كشف لنا علم التشريح اليوم عن دور النهايات العصبية المتخصصة المتواجدة في الجلد وحده في نقل أنواع الآلام المختلفة، وهذا ما يتطابق مع ما أشارت إليه الآية الكريمة، فأي إعجاز علمي هذا؟!
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
أثبت العلم الحديث أن الجلد عضو إحساس من الطراز الأول, كما أن به خريطة مدهشة من الأعصاب، ولم يكتشف العلماء أعضاء استقبال أحاسيس اللمس والألم والضغط والحرارة في الجلد إلا في عصر العلم الحالي، وذلك لأن أكثر الحقائق العلمية الدالة على ذلك لا تعرف إلا بواسطة الميكروسكوب العلمي، الذي لم يخترعه الإنسان إلا مؤخرًا.
ولقد كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون أن الجسم كله حساس للآلام، ولم يكن واضحًا لأحد يومذاك أن هناك أعصابًا متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم، حتى كشف علم التشريح اليوم النهايات العصبية المتخصصة في نقل أنواع الآلام المختلفة.
لقد بدأ العلماء يكتشفون أن جلد الإنسان أكثر من مجرد غطاء خارجي للجسم؛ إذ يؤكدون أن الجلد ينتج مواد تجعل الجسم سليمًا من الداخل؛ فخلايا الجلد ـ على سبيل المثال ـ تساعد الكبد في صنع مواد كيميائية تؤثر في الكوليسترول([1]).
وحاسة اللمس تتواجد في أماكن عديدة من الجسم؛ فهي منتشرة على كل سطح الجلد وداخل الأجهزة الباطنة، وسطح الجلد حساس لثلاثة أنواع من الحس اللمسي؛ فحاسة اللمس تهتم بكل ما يتعلق بالحجم والوزن والكثافة والألم, وكذلك الإحساسات الحرارية, فهي تمكننا من أن نفرق بين سخونة وبرودة المادة التي نلمسها وليونتها وصلابتها, هل هي رطبة أم خشنة, لزجة أم جافة؟
وحاسة اللمس المتمركزة على سطح الجلد تعمل بصفة أحوط كجهاز استعلامي, وجهاز إنذار وحماية للبدن, فأي حس ألمي يترجمه الدماغ على أن الجسم في حالة خطر فيحدث ردة فعل حامية عاجلة أتوماتيكية (آلية) ولا إرادية.
هذا الانعكاس الحامي يجعل الفرد يبعد يده بكل سرعة إذا لمست نارًا مثلًا أو شيئًا
آخر يجهله أو لم يقع التعرف عليه, فيحدث إحساسًا بالخوف, والخوف لايكون إلا من الشيء المجهول مطلقًا أو من الشيء المخيف عن دراية وتجربة, والسؤال الذي يجب أن ندرك إجابته هو: كيف نحس؟
لقد حاول الباحثون أن يفهموا كيف يحس الإنسان فوجدوا أن الإحساسات اللمسية عند الإنسان مرتبطة بمعلومات ترسلها في شكل إشارات ملتقطة عن طريق عديد من النهايات العصبية([2]), وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أنه لا يوجد نوع واحد من الخلايا([3]) بل هناك أنواع عدة, فللضغط والألم خلايا خاصة, وكذلك للبرودة والحرارة خلايا خاصة في التحسس والتقاط الإشارات وإرسالها إلى الدماغ؛ فالحرارة يقع إدراكها عن طريق كريات أو جسيمات (Ruffinie)، وكذلك البرودة يقع إدراكها عن طريق جسيمات (Krause)، وكذلك جسيمات (Meissna) الحساسة للضغط الخفيف, وجسيمات (Pacini) الحساسة للضغط العميق, ولكن كيف تصل هذه الإحساسات إلى الدماغ؟
· كيفية انتقال الإشارات:
للألياف العصبية في الجسم ردة فعل دائمة لكل أنواع المنبهات؛ فدرجة حساسية الجلد تختلف حسب كثافة النهايات العصبية والجسيمات اللمسية وتواجدها في المكان اللمسي, فالإدراك اللمسي أقوى ما يكون في راحة اليد وبالأخص في أطراف الأصابع, وفي أطراف الشفاه (بالأخص تحسس الحرارة مما يقي الفرد الإصابة بالحروق جراء لمس مواد شديدة السخونة), ويبدو عكس ذلك في أدنى درجاتها الحسية في الظهر, وفي الوجه الخلفي للأعضاء, ومن المعلوم أن نوعية الجلد تدخل أيضًا في تقييم رهافة الإدراج الحسي, فعندما تكون الجلدة رقيقة يكون الحس اللمسي أقوى, وبعد ذلك يتم إيصال المعلومة إلى الدماغ في شكل دفعات كهربائية([4]), إلا أنه مهما كان نوع الإحساس اللمسي فإنه يوجد فارق زمني بين اللحظة التي يقع فيها الإدراك الحسي, وبين اللحظة التي يتقبل فيها الدماغ المعلومة.
شكل يبين كيفية انتقال الإشارات المختلفة إلى الدماغ, إذ نجد أن العصبونات الحسية([5])تملك نهايات
عصبية حساسة تسمى المستقبلات, تستجيب للمنبهات مثل الضوء أو الحرارة أو المواد الكيميائية داخل
الجسم وخارجه, ثم تقوم العصبونات الحسية بنقل المعلومات المتعلقة بالمنبهات من المستقبلات إلى
الجهاز العصبي المركزي
· اللاقطات الحسية الجلدية:
تنقسم إلى نوعين:
1. نوع يتكون من التشجير (أو التغصن أو التجزؤ) العصبي, وهذا داخل البشرة.
2. نوع آخر يتكون من جسيمات أو كريات حسية تسكن داخل الأدمة([6]), وهذا الجسيم الحسي عبارة عن جسم صغير جدًّا بيضاوي الشكل، يتكون من ثلاثة أجزاء:
أ- جزء عصبي.
ب- نسيج صامد, لين.
ج- نسيج صامد مقاوم يحمي العصب.
ومن بعض هذه الجسيمات الحسية:
o جسيمات باسيني pacini ، وهي أكبر الجسيمات حجمًا, قياسها من مليمتر واحد إلى خمسة مليمترات, وهي تتواجد في قاعدة الأدمة؛ أي في أبعد مكان بالنسبة لكل الجسيمات, وهي تتمركز بكثرة في راحة اليد وأسفل القدمين, وتختص بالإعلام من الإحساس بالضغط العميق واللمس والاهتزازات, وتقوم بإبلاغ الدماغ عن تحركات الجسم بصفة فورية, وهي توجد كذلك أيضًا في بعض الأجهزة الأخرى من بينهما المفاصل والأعقاب.
o جسيمات روفينيRuffiniتشبه الأولى إلا أنها مستطيلة أكثر وأصغر حجمًا: (من مليمتر واحد إلى مليمترين), يحيط بها نسيج كثيف ومتعدد التجهيز العصبي, وهي تختص بتحسس البرودة والحرارة والضغط وتمدد الجلد.
o جسيمات ميسنير Meissnerتوجد في الأدمة, وهي جزيئات صغيرة جدًّا, لا يفوق حجمها جزء من عشر للمليمتر, وهي لاقطات سطحية تتحسس سرعة اندفاع المؤثر عند ارتطامه بالجلد، مما يفسر عدم الإحساس بالملابس بعد زمن قصير من لبسها.
o جسيمات كروسKrause وهي الأصغر؛ فحجمها يتراوح من 0,030مم إلى 0,10مم ، وهي متواجدة داخل اللسان والأغشية المخاطية والملتحمة.
o جسيمات أو أقراص ميركل Merkelوهي لاقطات سطحية تُقدِّر ثُلمة الجلدة؛ فهي مختصة إذًا في الضغط الموضعي، وتحدد كذلك موقع الإثارة وسرعتها([7]).
وجدير بالذكر أن هناك تداخلًا في مهام كل هذه الجسيمات, أما النوع الثاني من نوعي اللاقطات الحسية الجلدية فهو المسمى بنهايات الأعصاب الطرفية، وهذا النوع هو عبارة عن شبكة عصبية كثيفة في الطبقة الخارجية من الجلد في جميع أجزاء الجسم, وهي المسئولة عن الشعور بدرجات الحرارة, كما أن هذه النهايات العصبية مسئولة عن تمدد أوعية الجلد الدموية أو انكماشها استجابة لدرجة الحرارة المحيطة؛ فإذا كان الجو حارًّا تمددت الأوعية فيفقد الجسم جزءًا من حرارته, أما إذا كان الجو باردًا انقبضت الأوعية الدموية فيحتفظ الدم بحرارته, ويصاحب ذلك الشعور قشعريرة طفيفة([8]).
وفيما يلي شكل توضيحي للجسيمات السابقة ونهايات الأعصاب الطرفية:
طبقات الجلد:
أ. طبقة البشرة (Epidermis).
هي الطبقة الخارجية السطحية للجلد, وهي أصغر الطبقات سمكًا, ويبلغ سمكها 0,2مم في المتوسط, كما أن هذه الطبقة لا تحتوي على أية أوعية دموية, وهي تستمد غذاءها من الأدمة، إلا أنها تحتوي على خلايا أخرى مهمة كانت في الأصل خلايا عصبية في الجنين, ولكنها هاجرت إلى الجلد واحتفظت بشكل الخلايا العصبية ذات الأذرعة المتعددة.
وتتألف البشرة من عدة طبقات من الخلايا مرصوصة بعضها فوق بعض, أعلاها الطبقة القرنية, وأسفلها طبقة الخلايا القاعدية, وفيما بينهما ثلاث طبقات أخرى من الخلايا تسمى: الطبقة الشائكة، والطبقة الحبيبية، والطبقة الرائقة.
شكل يوضح طبقات البشرة
ب. طبقة الأدمة:
تقع طبقة الأدمة تحت البشرة مباشرة, ويبلغ سمكها حوالي 2مم؛ أي عشرة أضعاف سمك طبقة البشرة، وهذه الطبقة تشكل الدعامة الرئيسية للجلد وتعطي الشكل الخارجي الجميل للجلد؛ لوجود أنسجة مطاطة وأنسجة الكولاجين بها, فإذا فقدت هذه الطبقة بمرور الزمن أو بتأثير أشعة الشمس بعضًا من مكوناتها الرئيسية, تبدأ مظاهر الشيخوخة في الظهور, كذلك فإن جروح هذه الطبقة لا تندمل كاملة, بل تترك ندبات مكونة من أنسجة ضامة([9]).
كذلك تتكون الأدمة من طبقة ألياف كثيفة أسفل البشرة؛ فهي تتكون من أنسجة ليفية راسخة، وأنسجة ليفية مرنة، وأنسجة ليفية عضلية, كما أن الطبقة العلوية من الأدمة
تتكون من الطبقة الحلمية (Papillary layer), وتبرز الطبقة السطحية من الأدمة كالأصابع في طبقة البشرة, وتحتوي هذه على نهايات الشعيرات الدموية والأعصاب, كما
أن اتصال البشرة بالأدمة تكون طبقة تتداخل مع الأدمة, وتكون هذه دعامة قوية لطبقة البشرة وتحميها من معظم المؤثرات, وكذلك من الأمراض الجلدية التي تؤثر على منطقة الحلمة.
إن الطبقة السفلية من الأدمة هي طبقة من الشبكية (Reticular layer)؛ إذ إن الإصابات أو الالتهابات الجلدية التي تؤثر على هذه الطبقة قد ينتج عنها ندبات.
وتحتوي طبقة الأدمة على الأوعية الدموية والليمفاوية كما تحوي شبكة من الألياف العصبية, وكذلك نهايات عصبية وكرات عصبية متخصصة تؤدي وظائف عصبية مختلفة, وهذه النهايات العصبية للجلد مختلفة الأنواع؛ فمنها: ماهو حر, والبعض ينتهي في جراب الشعر، والآخر له نهايات منتفخة, كما أن هناك نهايات عصبية متخصصة في الأدمة, منها: كريات فاتر ـ ميسينر، كذلك كريات ميركل العصبية الموجودة في اللسان, وهناك كريات في ملتحمة العين, أما كريات رفنز فهي موجودة في بطن الأقدام.
جلد فاتح جلد قاتم
جـ. طبقة تحت الأدمة (The subcutaneous Tissue hypode rmis):
هي الطبقة التي تتألف من نسيج ضام دهني, وهذه الطبقة تشكل امتدادًا لطبقة الأدمة, وتحتوي هذه الطبقة على خلايا دهنية, تقوم بتخزين الدهون الزائدة عن حاجة الجسم, كما أن توزيع الدهن بها يعطي جسم الإنسان الشكل المميز للجنس؛ إذ يختلف التوزيع بين الذكر والأنثى([10]).
الحرق الجلدي:
وبعدما تحدثنا عن طبقات الجلد، نتحدث الآن عن الحرق الجلدي، الذي يتألف من ثلاثة مستويات:
o حرق من الدرجة الأولى "يختص بطبقة البشرة".
o حرق من الدرجة الثانية "يختص بطبقة الأدمة".
o حرق من الدرجة الثالثة "يختص بطبقة ما تحت الأدمة".
وهذه فقرة طبية تتحدث عن الإحساس بالحرارة ذكرتها الدكتورة مها محمد فريد عقل ـ أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب، جامعة الأزهر ـ في بحث لها بعنوان "آيات سبقت العلم" تبين مراحل حرق الجلد:
Temperature senses: The temperature senses employ two Kinds of Skin receptors, they seem to include two types of free nerve endings, called heat receptors and cold receptors. The heat receptors are most sensitive to temperatures above 25º C and become unresponsive at temperatures above 45º C . As 45º C is approached, the pain receptors are also triggered, producing a burning sensation (Johan W.Hole, Jr.,1992).
Seymour et al., 1983 reported that burns are classified as first, second, or third degree. First degree burns are characterized by simple erythema of the skin, with only microscopic destruction of superficial layers of the epidermis. Second degree burns extend through the epidermis into the dermis, by definition viable epithelial elements from which epithelial regeneration can occur are retained in second – degree burn injury. Third degree burns are characterized by total irreversible destruction of all the skin, dermal appendages, and epithelial elements. Spontaneous regeneration of epithelium is not possible, and the burns are described as full – thickness.
One of the most frequent therapeutic errors in the treatment of patients with major burns is the overuse of sedation. An insignificant burn of a minute area incurred during a common household mishap may be quite painful.
If there is full thickness skin destruction, the intrinsic sensory nerve endings have also been destroyed and the wound itself is painless. In contrast, the second – degree burn can be quite painful initially. Therefore the requirement for sedation is inversely proportional to the depth of the initial thermal injury.
John W.Hole,Jr.,1992 reported that visceral pain: As a rule, the pain receptors are the only receptors in the visceral organs.The pain receptors in these organs seem to respond differently to stimulation than those associated with the surface tissue. For example, localized damage to the intestinal tissue, as may occur during surgical procedures, may not elicit any pain sensations even in a conscious person. When the visceral tissues are subjected to a more widespread stimulation, however, as when the intestinal tissue are stretched or when the smooth muscles in the intestinal walls undergo spasms, a strong pain sensation may follow. Once again, the resulting pain seems to be related to the stimulation of mechanical sensitive receptors and to a decreased blood flow, accompanied by a lower tissue oxygen concentration and an accumulation of pain-stimulating chemicals.
وترجمة ملخصة لما سبق تشتمل على المعلومات الآتية:
يعتبر الجلد العضو الذي يمتلك خاصية الإحساس بدرجة الحرارة، وذلك بسبب وجود مستقبلات لدرجة الحرارة بالجلد، وجهاز الاستقبال الخاص بالحرارة الموجود بالجلد يكون أكثر حساسية للحرارة فوق درجة 25º، ثم عندما تقترب درجة الحرارة من 45ºم فإنه يحدث إثارة لجهاز الاستقبال الخاص بالآلام، مما ينتج عنه الإحساس بآلام الاحتراق (Burning sensation)،ويمكن تقسيم الاحتراق الذي يصيب الجلد إلى ثلاث درجات: أولى ثم ثانية ثم ثالثة، وتعتبر الدرجة الثالثة أشد الدرجات إحراقًا لطبقات الجلد (تحرق جزءًا أكثر سمكًا)
- وتتميز درجة الاحتراق الأولى بوجود مجرد احمرار بسيط مع وجود تحطم قليل (ميكروسكوبي ) للطبقة السطحية في طبقة البشرة.
- أما الدرجة الثانية من الاحتراق فتمتد من طبقة البشرة إلى الطبقة التي تحتها (الأدمة) ويمكن الإعادة للطبقات المحترقة.
وتتميز الدرجة الثالثة من الاحتراق بوجود تكسير أو تحطيم لطبقات الجلد غير قابل للإعادة؛ فالتجدد التلقائي لطبقات الجلد في هذه الدرجة (الدرجة الثالثة) غير ممكن، ويوصف الحريق بأنه كامل السماكة (أي: احتراق كامل للجلد).
وفي هذه الحالة يعتبر فرط العلاج بالمسكنات للمرضى أصحاب الاحتراق الكامل لطبقات الجلد واحدة من أكبر الأخطاء العلاجية؛ وذلك لأن احتراق طبقات الجلد بصورة كاملة يؤدي إلى احتراق الأعصاب الموجودة به، وعلى هذا الأساس يكون الجرح (موضع الحرق) غير مؤلم Painless ، وذلك على عكس حريق ضئيل غير مهم لمنطقة صغيرة قد تحدث نتيجة حادث عارض بسيط أثناء الأعمال المنزلية المعتادة قد يؤدي إلى إحساس بالآلام، وعلى هذا الأساس فاحتياج المريض إلى المسكنات يكون في علاقة عكسية مع شدة الاحتراق (مدى سماكة احتراق الجلد)، فكلما كان الاحتراق عميقًا يشمل طبقات الجلد المختلفة (أي: الجلد ذو سماكة كبيرة) كاملًا كان الاحتراق غير مؤلم؛ ومن ثم فلا حاجة إلى فرط استخدام المسكنات، أما الأعضاء الداخلية بالجسم فإن الإحساس بالآلام بها يكون مختلفًا عن النسيج السطحي (الجلد)؛ فقد لوحظ أن الإصابة المباشرة لأي جزء من الأمعاء قد لا تكون مصاحبة بأي آلام تذكر، ولكن مجرد زيادة في الغازات بالأمعاء أو تقلص العضلات بها يصاحبه الإحساس بآلام شديدة.
وعلى هذا فالإحساس بالآلام في معظم الأعضاء الداخلية، إنما يكون نتيجة للحركة الميكانيكية، ونقص في معدل تدفق الدم المصاحب بانخفاض في تركيز الأكسجين في الأنسجة وتراكم منبهات الآلام الكيميائية([11]).
2) التطابق بين حقائق العلم الحديث وما أشارت إليه الآية الكريمة:
ورد في كتاب الله عز وجل صور من نعيم أهل الجنة، وصور أخرى من عذاب أهل النار، ومن الصور التي ذكرت في كيفية عذاب أهل النار يوم القيامة: أن النار تحرق جلودهم، قال تعالى: )إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيما (56)((النساء), فأخبر الله تعالى أنهم سيصلون نارًا تشويهم وتحرق جلودهم، فإذا احترقت تلك الجلود وانتهت فإنه عز وجل يبدلهم جلودًا غيرها، وهذا التبديل للجلود ليدوم وليستمر شعورهم وإحساسهم بالألم والعذاب, وفي هذه الآية الكريمة سبق علمي؛ فقد أخبرت هذه الآية القرآنية أن الإحساس بالألم في الجلد؛ فقال عز وجل:)كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب((النساء:56) ؛ إذ علل المولى تبديل الجلود، فقال:)ليذوقوا العذاب((النساء:56)، وكان هذا ما توصل إليه علم التشريح الحديث.
· من الدلالات اللغوية في الآية الكريمة:
نصليهم: الإصلاء، مصدر أصلاه، ويقال: صلاه صليًا, ومعناه: شيُّ اللحم على النار. نضجت: بلغت نهاية الشي، يقال: نضج الشواء: إذا بلغ حد الشي، ومعنى "نضجت جلودهم"؛ أي: كلما احترقت فلم يبق فيها حياة "بدلناهم": عوضناهم جلودًا غيرها، "ليذوقوا العذاب": تعليلًا لقوله: "بدلناهم"؛ ليدوم ذوقهم للعذاب.
· من أقوال المفسرين في الآية الكريمة:
يخبرنا الطبري في تفسيره عن معنى قوله عز وجل: )سوف نصليهم نارًا((النساء:56), فيقول: "سوف ننضجهم في نار يصلون فيها؛ أي: يشوون فيها، وقوله:)كلما نضجت جلودهم((النساء:56)؛ أي: كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت ولم يعد بعدها حياة، وقوله:)بدلناهم جلودًا غيرها( (النساء:56)؛ أي: غير الجلود التي نضجت فانشوت"([12]).
وقد دارت معاني الآية الكريمة حول كيفية من كيفيات عذاب أهل النار؛ إذ في احتراق الجلد ألم شديد، وحول هذا المعنى دارت التفاسير المختلفة، مثل: تفسير ابن كثير، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير النسفي، وتفسير أبي السعود، والشوكاني، وغيرهم من كبار المفسرين.
لقد ورد ذكر كلمة (جلود) في القرآن الكريم بلفظ الجمع في ستة مواضع، قال عز وجل:)إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا (56)( (النساء)، وقال عز وجل: )يصهر به ما في بطونهم والجلود (20)( (الحج)، وقوله عز وجل: )الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد (23)( (الزمر)، وقد تكرر ثلاث مرات على التوالي؛ فقد قال عز وجل:)حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون (22)((فصلت).
هذا، ولم يأت الجلد أبدا في القرآن الكريم بلفظ مفرد، وفي هذا إشارة علمية عظيمة كشف العلم الحديث عنها وخلاصتها:
1. خلايا الجلد أسرع انقسامًا من غيرها من الخلايا.
2. خلايا الجلد أسرع تغيرًا وتبدلا من غيرها من الخلايا.
3. يتغير تركيب الجلد من مكان لآخر على سطح الجسم الواحد؛ فجلد جفون العين يختلف عن جلد قناة الأذن الخارجية, ويختلف عن جلد باطن القدم.
وهكذا تكسو الإنسان مجموعة من الجلود وليس جلدًا واحدًا، سواء من حيث المكان (على سطح الجسم) أم الزمان (التبدل والتغير)، وهكذا تظهر الإشارة العلمية بجلاء([13]).
ويقول الدكتور كارم غنيم في مقال له: وفي تبديل الجلود أثناء العذاب أسئلة يعرضها صاحب (مفاتيح الغيب)، ويجيب عنها، ونوجز كلامه فيما يلي:
السؤال الأول: لما كان الله عز وجل قادرًا على إبقائهم (أي: الكفار) أحياء في النار أبد الآباد، فلم لم يبق أبدانهم في النار مصونة عن النضج والاحتراق مع أنه يوصل إليها الآلام الشديدة، حتى لا يحتاج إلى تبديل جلودهم بجلود أخرى؟
والجواب: أنه عز وجل لا يسأل عما يفعل، بل نقول: إنه عز وجل قادر على أن يوصل إلى أبدانهم آلاما عظيمة من غير إدخال النار مع أنه عز وجل أدخلهم النار.
السؤال الثاني: الجلود العاصية إذا احترقت، فلو خلق الله مكانها جلودًا أخرى وعذبها كان هذا تعذيبًا لمن لم يعص وهو غير جائز؟
والجواب: هنا وجوه، منها: أن يجعل النضج غير النضيج، فالذات واحدة، والمتبدل هو الصفة، فإذا كانت الذات واحدة كان العذاب لم يصل إلا إلى العاصي، وعلى هذا التقدير المراد بالغيرية التغاير في الصفة.. المعذب هو الإنسان؛ وذلك لأن الجلد ما كان جزءًا من ماهية الإنسان، فإذا جدد الله الجلد وصار ذلك الجلد الجديد سببًا لوصول العذاب إليه لم يكن ذلك تعذيبًا إلا للعاصي، وكلما ظنوا أنهم احترقوا ونضجوا وانتهوا إلى الهلاك أعطاهم الله قوة جديدة من الحياة بحيث ظنوا أنهم يحدثوا ويجددوا، فيكون المقصود من)بدلناهم جلودًا غيرها((النساء:56): بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه. وبنحو هذا كان فهم النيسابوري في تفسيره المسمى "غرائب القرآن ورغائب الفرقان".
ونعود إلى شهاب الدين الآلوسي في تفسيره "روح المعاني", لنجده يشرح )ليذوقوا العذاب((النساء:56) فيقول: "... والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق من حيث إنه لا يدخله نقصان بدوام الملابسة، أو للإشعار بمرارة العذاب مع إيلامه، أو للتنبيه على شدة تأثيره من حيث إن القوة الذائقة أشد الحواس تأثيرًا، أو على سرايته للباطن.
ولعل السر في تبديل الجلود مع قدرته عز وجل على إبقاء إدراك العذاب وذوقه بحال مع الاحتراق، أو مع بقاء أبدانهم على حالها مصونة عنه أن النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق ولا تستبعد كل الاستبعاد أن تكون مصونة عن التألم والعذاب صيانة بدنها عن الاحتراق.
وقيل: السر في ذلك أن النضج والتبديل نوع إياس لهم وتجديد حزن على حزن"([14]).
والمتأمل في الآية الكريمة يجد أن القرآن قد عبر عن فقدان الجلد لتوصيل المؤثرات الواقعة عليه بلفطة "النضج", والنضج علميًّا هو "تجلط" أو "تخثر" بروتينات الألياف العصبية (في حالة حروق الدرجة الثالثة)؛ نتيجة تعمق المؤثر وتغلغله إلى الطبقة تحت الجلدية، وذلك لشدته العنيفة، ولما كان المقصود هو إذاقة العذاب للكافرين في جهنم، استلزم هذا تجديد طبقات الجلد مرة أخرى؛ ليشعر الإنسان بالألم، فإذا ازداد الإحراق، وتعمق أثره وتجلطت بروتينات الألياف العصبية السفلية، وفقد الإنسان القدرة على الإحساس بالألم ـ تكرر تجديد الجلد بكافة طبقاته؛ ليتكرر شعور الإنسان بالألم... وهكذا، وكما عبرت عنه الآية: )إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا (56)( (النساء)، وهكذا نجد القرآن يشير إلى حقيقة علمية لم يتوصل العلماء إلى معرفتها إلا حديثًا، بعدما تقدمت علوم التشريح، والأنسجة، واخترعت أجهزة التكبير والقياس؛ فالآية تشير إلى مركز الإحساس في الجلد، وتشير ـ كذلك ـ إلى وجود البروتينات التي تتجلط بحرارة النار الشديدة.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئًا ولا كاتبًا، فكيف جاء بهذه الحقيقة العلمية؟ كيف به يتحدث عن خصائص الأعصاب الحسية ووظائف مراكز الحس بالألم الموجود في الجلد, إنه بلا شك رسول يتلقى الوحي من الله الخالق العظيم، وما تلقاه بلا شك وحي الله الذي ختم به حلقات اتصال السماء بالأرض؛ ولذلك أودع فيه أسرارًا لن تنتهي إلى يوم القيامة.
3) وجه الإعجاز:
كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون أن الجسم كله حساس للآلام, ولم يكن واضحًا لأحد في ذلك الوقت أن هناك أعصابًا متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم, حتى كشف علم التشريح اليوم عن دور النهايات العصبية المتخصصة في الجلد في نقل أنواع الآلام المختلفة.
وقد أثبت العلم الحديث أن الإحساس بحر النار, إنما يكون في الجلود الحية؛ حيث خلق الله نهايات عصبية في الجلد حساسة, فإذا نضج الجلد ماتت هذه النهايات العصبية, فينعدم الإحساس بحر النار, وعندئذٍ لا يمثل الاستمرار في النار أي نوع من الألم للكافر؛ لأن مراكز الإحساس بالألم قد حطمت, لكن العليم الخبير بأسرار خلق الإنسان، يعلم هذا السر فأشار إليه في كتابه قبل ألف وأربع مئة عام, وبيّن عز وجل الطريقة التي سيستمر بها العذاب للكافرين في النار، فقال عز وجل: )إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا (56)((النساء)
(*) منتدى: الملحدين العرب www.el7ad.com.
[1]. تقارير علمية، يحيى أحمد كوسا، دار البشير، ط1، 1411هـ/ 1991م، ص209 بتصرف.
[2]. النهايات العصبية: هي التي من وظيفتها بعث الدَّفعات العصبية إلى الجهاز العصبي، والذي يقوم بالتوجيه والسيطرة على أعضاء الجسم, وهذه النهايات العصبية تكون موزَّعة في مختلف أعضاء الجسم بما فيه أعضاء الحواس الخمس.
[3] . الخلية: هي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية, وهناك نوعان من الخلايا: خلايا حقيقية النوى وهي كائنات حية تحتوي على مادة وراثية متواجدة ضمن نواة الخلية يحيط بها غلاف نووي يفصلها عن الهيولى, وخلايا غير حقيقية النوى، وهي كائنات حية تتواجد مادتها الوراثية في الهيولى وليست محددة بغلاف نووي.
[4]. الدَّفعات الكهربية: وتُسمَّى أيضًا الدَّفعات العصبية، وهي عبارة عن تحوير فوري وموضعي لنفوذية غشاوة العصبون, وهذا من شأنه أن يمكٍّن شوارد الصوديوم من دخول الخلية عبر أنفاق شاردية انتقائية ممَّا يُحدث زوالًا للاستقطاب، فيصبح كامن الراحة بالغشاوة إيجابيًّا, وبسرعة تخرج شوارد البوتاسيوم من الخلية عبر أنفاق شاردية خاصة بها وعندئذٍ يصبح كامن الغشاوة سالبًا, ولكن في قيمة أدنى من كامن الراحة، وتلك هي عملية الاستقطاب, ثم تكون العودة للوضع الطبيعي, وهي حالة الفرط في الاستقطاب, وهكذا دواليك من مشبك إلى آخر إلى أن تصل الدَّفعة العصبية إلي الدِّماغ.
[5]. العصبونات: هي الخلايا العصبية الموجودة في الجهاز العصبي، وهي ثلاثة أنواع: الحسيَّة والترابطية والحركية.
[6]. الأدمة: هي الطبقة الثانية من طبقات الجلد, والتي يبلغ سمكها حوالي 2مم, وهي تتألَّف من نسيج ضام يحمل الأوعية الدموية والليمفاوية التي تغذِّي الجلد، وهي التي تشكِّل السُّمك الرئيسي للجلد.
[7]. انظر: من آيات الله في الإنسان, د. مصطفى الأسود, مرجع سابق، ص110، 111. وانظر: الموسوعة العلمية الميسرة, أكاديميا إنترناشيونال, 2006م/ 2009م.
[8]. الجلد، بحث منشور بموقع: www.moqatel.com.
[9]. النسيج الضَّام: هو أحد الأنسجة الأربعة الرئيسية في جسم الإنسان, وهذه الأنسجة هي: النسيج الطلائي والعضلي والعصبي، والنسيج الضام يشتمل على عديد من الأنسجة، منها النسيج الضام الأصيل (connective tissues), والنسيج الضام الهيكلي (skeletal Tissues)، وكذلك النسيج الوعائي (skeletal tissues).
.[10] حول هذا الموضوع انظر: من آيات الله في خلق الإنسان , د. مصطفى الأسود، مرجع سابق. محمد، رواية حوارية, نور الدين أبو لحية, دار الكتاب الحديث,1430هـ/2009م. الموسوعة العلمية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية, د. هاني مرعي القليني ومجدي فتحي السيد, مرجع سابق. الموسوعة الكونية الكبرى: آيات الله في خلق الإنسان وبعثه وحسابه, د. ماهر أحمد الصوفي, مرجع سابق. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية, د. أحمد مصطفى متولي, مرجع سابق. موسوعة ما فرطنا في الكتاب من شيء: المعارف الطيبة في ضوء القرآن والسنة, د. أحمد شوقي إبراهيم, دار الفكر العربي, القاهرة، ط1, 1423هـ/2002م. موسوعة جسم الإنسان: اللمس, الذوق، الرائحة, بريان فارد, المركز العالمي للموسوعات، دار إلياس العصرية, القاهرة، ط1, 1986م. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم, د. زغلول النجار, مرجع سابق.
[11]. آيات سبقت العلم، د. مها محمد فريد عقل، مكتبة الطاهر، القاهرة، ص10: 14 بتصرف.
[12]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، دار هجر، القاهرة، ط1، ج7، ص162.
[13]. الإعجاز العلمي في قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا(56)((النساء)، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[14]. إعجازات قرآنية في وظائف جلدية، د. كارم غنيم، مقال منشور بموقع: www.mazameer.com.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
click
read dating site for married people
read here
website why women cheat on men