دعوى تناقض القرآن الكريم في مادة خلق الإنسان(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن القرآن الكريم متناقض مع نفسه في مسألة مادة خلق الإنسان؛ فهو يعطي معلومات مختلفة عن ذلك:
قال تعالى: )ألم نخلقكم من ماء مهين (20)( (المرسلات)، قال تعالى:)وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا (54)( (الفرقان)، وقال تعالى: )خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4)((النحل)، وقال سبحانه: )الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7)( (السجدة)، وقال عز وجل: )خلق الإنسان من علق (2)( (العلق)، وقال تعالى:)ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون (26)( (الحجر)... إلخ، فكيف يكون ذلك كله صحيحًا في الوقت نفسه؛ علمًا بأن العلم الحديث يؤكد أن جسم الإنسان يتكون معظمه من مادة الكربون، ولم يثبت أنه يتكون من تراب أو طين.
ويزعمون أن قول القرآن بأن الإنسان خلق من طين خرافة أخذها الإسلام من الأساطير القديمة، هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في القرآن الكريم، ونفي الحقائق العلمية التي أشار إليها.
وجها إبطال الشبهة:
1) ليس هناك تعارض البتة بين الآيات التي تتحدث عن مادة خلق الإنسان؛ فإن بعضها يتحدث عن خلق آدم عليه السلام، وبعضها الآخر يتحدث عن خلق ذريته، فأما عن خلق آدم عليه السلام فإن آيات القرآن الكريم تتحدث عن مراحل خلقه، لكن في آيات متعددة، وترتيب هذه المراحل كالآتي: (تراب ـ ماء ـ طين ـ سلالة من طين ـ طين لازب ـ صلصال من حمأ مسنون، صلصال كالفخار)، وأما عن خلق ذرية آدم عليه السلام فإنها قد مرت بمراحل أيضًا، لكنها تختلف عن مراحل خلق آدم عليه السلام، وهي كالآتي: [النطفة ـ العلقة ـ المضغة ـ العظام ـ كسوة العظام باللحم ـ الإنشاء خلقًا آخر]، وهذه المراحل جاءت مجملة في مواضع ومفصلة في مواضع أخرى، حسب ما يقتضيه السياق، فأين التناقض المدَّعى إذًا؟!
2) لقد أثبت العلم حديثًا من خلال التحليل الكيميائي أن جسم الإنسان يشبه في تكوينه تراب الأرض؛ حيث يحتوي على عناصر كثيرة، منها: الأكسجين والكربون والهيدروجين... إلخ، وهذه العناصر وغيرها هي المكونة لتربة الأرض، وهذا يعني أن الإنسان مخلوق من تراب الأرض وطينها، يؤكد هذا أن شفرة كل إنسان مستمدة في الأصل من شفرة أبي البشرية آدم عليه السلام، كما يقول علماء الوراثة، وكذا تغذية الإنسان في جميع مراحل خلقه وحياته على نباتات الأرض أو الحيوانات التي تتغذى عليها، كما يؤكد ما سبق موت الإنسان؛ حيث يتحلل جسده بطريقة عكسية لعملية الخلق فيصير ترابًا كما بدأ.
كل هذه الحقائق العلمية قد أشار إليها القرآن الكريم صراحة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن، وذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: )ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون (20)( (الروم).
التفصيل:
أولا. نفي تناقض القرآن الكريم في مادة خلق الإنسان:
ليس هناك أدنى تناقض ـ بل حتى شبهة تناقض ـ بين ما جاء في القرآن الكريم من معلومات عن خلق الإنسان، وحتى يتضح ذلك يلزم أن يكون هناك منهج علمي في رؤية هذه المعلومات التي جاءت في عديد من آيات القرآن الكريم، وهذا المنهج العلمي يستلزم جمع هذه الآيات والنظر إليها في تكاملها، مع التمييز بين مرحلة خلق الله للإنسان الأول آدم عليه السلام، ومرحلة خلق ذريته التي توالت وتكاثرت بعد خلق حواء واقترانها بآدم، وحدوث التناسل عن طريق هذا الاقتران والزواج.
1. خلق آدم عليه السلام:
لقد تحدث القرآن الكريم عن خلق آدم عليه السلام في آيات متعددة؛ مبينًا المراحل التي مر بها؛ كل مرحلة على حدة، من هذه الآيات ما يأتي:
· قال الله سبحانه وتعالى: )إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59)((آل عمران).
· وقال سبحانه وتعالى: )والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (45)( (النور).
·وقال سبحانه وتعالى:( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7)( (السجدة).
·وقال عز وجل:(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)((المؤمنون).
·وقال عز وجل: (فاستفتهم أهم أشد خلقًا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب (11)((الصافات).
·وقال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون (26)((الحجر).
·وقال سبحانه وتعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14)( (الرحمن).
وبنظرة تأملية في هذه الآيات الكريمات نجد أن خلق آدم عليه السلام قد مر بمراحل متعددة؛ مرحلة تلو مرحلة، بدأت بــ(التراب) الذي أضيف إليه (الماء) فصار (طينا).
صورة لطين الأرض الذي خلق منه الإنسان
ثم أخذ من هذا الطين (سلالة)([1]) وهي الزبد، الذي يعد أجود عناصر الطين وأنواعه؛ فلو أخذت قبضة من الطين وضغطت عليها بين أصابعك يتفلت منها الزبد، ويبقى في قبضتك بقايا رمال وأشياء خشنة([2]).
خلق الإنسان من سلالة من طين الأرض
ثم جف هذا الطين جفافًا نسبيًّا؛ حتى صار (لازبًا)؛ أي: متماسكًا، ملتصقًا بعضه ببعض؛ فهو وسط بين السيولة والصلابة([3]).
الطين اللازب
ثم تحول هذا الطين بعد فترة إلى (حمأ مسنون)، والحمأ: هو الطين الأسود([4])، والمسنون: هو المتغير المنتن بسبب التفاعل الكيميائي([5]).
فلما يبس هذا الطين من غير أن تمسه النار سمي (صلصالًا)؛ لأن الصلصال هو الطين اليابس الذي تمسه نار، وسمي صلصالًا؛ لأنه يصل؛ أي: يصوت من يبسه، أي: له صوت ورنين([6]). وقد شبهت طينة آدم في يبسها وصلصلتها بـ (الفخار)؛ لأن الفخار ـ كما يقول الدكتور محمد وصفي ـ لا يصنع ولا يتكون إلا من طين غني بالعناصر التي يتركب منها الإنسان، وينشأ منها النبات([7]).
صورة لطين الأرض الذي خلق منه الإنسان تشكل منه الأواني الفخارية
تلك هي مراحل خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام، توالت فيها وتتابعت وتكاملت معاني المصطلحات: التراب، والماء، والطين بمراحله، والحمأ المسنون، والصلصال، دونما أية شبهة للتعارض أو التناقض المدَّعى([8]).
قال الزمخشري: "فإن قلت: قد اختلف التنزيل في هذا... قلت: هو متفق المعنى، ومفيد أنه خلقه من تراب: جعله طينًا، ثم حمأ مسنونًا، ثم صلصالًا"([9]).
وهذا ما أكده القرطبي في تفسيره حيث قال: "ذلك متفق المعنى؛ وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طينًا، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالًا كالفخار"([10]).
ويقول الشيخ الشعراوي: "لا تعارض بين هذه الأقوال (يعني: الآيات التي تتحدث عن خلق آدم عليه السلام)؛ لأنها أطوار للمادة الواحدة ـ وهي التراب ـ كالثوب الذي تلبسه تقول: هذا الثوب من القطن، أو من الغزل، أو من النسيج؛ فهي مراحل تمر بها المادة الواحدة، فليس في هذا تناقض في المراحل، إنما التناقض في أن يكون الشيء مرتبة واحدة، ثم تجعله مراتب، إنما هذه المسألة مراحل للمرتبة الواحدة، كالطفل يصير غلامًا، ثم شابًا، ثم رجلًا، ثم كهلًا... إلخ، كلها مراحل لإنسان واحد"([11]).
وقد ذكر هذا أيضًا كثير من المفسرين([12])، ولم يذكر أحد منهم خلافه.
وعليه، فلما كان تنقل خلق آدم عليه السلام من تراب إلى طين ـ بمراحله ـ إلى حمأ مسنون إلى صلصال كالفخار ـ ناسب ذلك أن ينسب خلقه إلى كل واحد من هذه المراحل([13])، التي يقول عنها ابن القيم: "هذه كلها أطوار للتراب الذي هو مبدؤه الأول"([14]).
هكذا شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يخلق جسم آدم طورًا بعد طور، ولم يخلقه في لمح البصر، مع أنه سبحانه وتعالى قادر على كل شيء؛ فهو القائل سبحانه وتعالى:)إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40)( (النحل)، وهو تعالى القائل: )وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر (50) ( (القمر)، كل ذلك لحكمة أو لحكم لا يعلمها إلا الخالق سبحانه وتعالى([15]).
2. خلق ذرية آدم عليه السلام:
كما تحدث القرآن عن مراحل خلق أبي البشرية ـ آدم عليه السلام ـ تحدث أيضًا عن مراحل خلق ذريته، مفصلًا في مواضع، ومجملًا في مواضع أخرى؛ بذكر مرحلة أو أكثر حسب ما يقتضيه السياق.
فمن الآيات المفصلة في ذلك قوله سبحانه وتعالى:)ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون).
وأما عن الآيات التي تتحدث بصورة مجملة عن هذا الخلق فهي كثيرة ومتنوعة في ألفاظها، منها ما يأتي:
قال سبحانه وتعالى: )خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4)( (النحل)، وقال تعالى: )إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2)((الإنسان)، وقال سبحانه وتعالى: )ألم نخلقكم من ماء مهين (20) ( (المرسلات)، وقال سبحانه وتعالى: )ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8)((السجدة)، وقال سبحانه وتعالى: )وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا (54)( (الفرقان)، وقال سبحانه وتعالى:)فلينظر الإنسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق (6)( (الطارق)، وقال عز وجل:)خلق الإنسان من علق (2)( (العلق).
والمتأمل في هذه الآيات المجملة يدرك أنه لا تعارض بينها البتة؛ "فالنطفة" في الآية الأولى هي ماء الرجل وماء المرأة التناسلي([16])، أما "النطفة الأمشاج" نفسها في الآية الثانية، فهي النطفة المختلطة من ماء الرجل وماء المرأة([17])، وأما "الماء المهين" في الآية الثالثة، فهو وصف لكل من نطفة الرجل ونطفة المرأة، وذلك لقلته وضعفه([18])، الذي لا يعبأ به؛ فهو ماء يراق ويسفح، ويهان ولا يكرم، حتى يشاء الله تعالى لجزء منه القيام بالدور الذي خلق من أجله وهو التكاثر([19]).
وأما قوله تعالى: )من سلالة من ماء مهين (8)((السجدة) في الآية الرابعة، فيعني أن الإنسان خلق من خلاصة كل من ماء الرجل والمرأة؛ فقد أثبت العلم حديثًا أن من بين مئتي مليون إلى ثلاث مئة مليون نطفة (حيوان منوي) تنطلق في دفقة المنيّ الواحدة من الزوج، ولا يصل إلى البويضة المنتظرة في الثلث الأخير من الرحم إلا نطفة واحدة (حيوان منوي واحد)، قدرت له الإرادة الإلهية النجاح في اختراق جدار البويضة السميك، فتلتقي نواتا النطفتين لتكوين النطفة الأمشاج (المختلطة) التي يكمل فيها عدد الصبغيات المحدد للنوع([20]).
ومن ثم، فهذه الآية الكريمة تعد توضيحًا وبيانًا شافيًا للآية السابقة: )من ماء مهين (8)( (السجدة) ؛ فالقرآن الكريم يوضح بعضه بعضًا.
وأما المقصود بكلمة (الماء) في الآية الخامسة، فهو ماء الرجل وماء المرأة التناسلي، على أحد قولي التفسير المحتملين في هذه الآية([21])؛ لذا فلا يصح لأحد أن يخطِّئ القرآن في إطلاقه لفظ (الماء) هنا؛ لأنه قد جاء موضحًا ومفسرًا في أيات أخرى.
وأما (الماء الدافق) في الآية السادسة، فهو ـ أيضا ـ ماء الرجل وماء المرأة التناسلي([22])، وسمي دافقا؛ لأن كلا منهما يخرج من مصدره متدفقًا: فماء الرجل يخرج من غدتيه التناسليتين (أي من خصيتيه) عند حدوث تقلصات لكل من جدار الحويصلة المنوية والقناة القاذفة للمنيّ، مع تقلصات عدد من عضلات الجهاز التناسلي بأمر من الجهازين العصبيين (الودي واللاودي)، فيندفع السائل المنوي بقوة عبر الإحليل.
أما ماء المرأة فهو الماء المحيط بالبويضة في داخل حويصلتها المعروفة باسم (حويصلة جراف)، فإذا انفجرت الحويصلة تدفق هذا الماء ليدفع بالبويضة إلى بوق قناة الرحم (قناة فالوب)؛ حيث تلتقي بالحيمن (الحيوان المنوي) المقسوم لإخصابها، وتكوين النطفة الأمشاج([23]).
ونلحظ في الآيات السابقة أن الله تعالى قد أفرد كلمة (ماء) ولم يثنها، مع أن المراد بها هو كلا الماءين ـ ماء الرجل وماء المرأة ـ وذلك لامتزاجهما أثناء عملية التخصيب([24])، كما هو معروف طبيًّا.
وأما عن الآية السابعة فإنه عز وجل قد ذكر فيها أن الإنسان خلق من (علق) وهو جمع علقة، وهي المرحلة التي تلي مرحلة النطفة الأمشاج، وسميت بذلك لأن النطفة المخصبة تنزل إلى الرحم فتأخذ في الانغراس والتثبت به وسط أوعية وبرك دموية كثيرة؛ فيبدو الجنين في هذه المرحلة وكأنه قطعة دم جامدة متعلقة بجدار رحم المرأة، يشبه دودة العلق.
وقد ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة العلقة ولم يذكر النطفة كما في الآيات الأخرى؛ وذلك لأن العلقة أولى مراحل التكوين الحقيقي للجنين في بطن أمه، فإن النطفة تكون في البداية ماء مهينًا أو منيًّا، ولكن حين يخصب هذا الماء أو المنيّ نطفة المرأة أو بويضتها، تتحول إلى نطفة أمشاج وتتعلق بجدار الرحم([25]).
وبناء على ماسبق، فإنه لا تعارض البتة بين الآيات التي تتحدث عن مراحل خلق ذرية آدمعليه السلام ؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد أجمل في مواضع وفصل في مواضع أخرى، فأجمل في مواضع بذكر مرحلة النطفة؛ وذلك لأنها أولى المراحل، فهي الأساس؛ إذ لولاها لما كانت المراحل الأخرى التي تتبعها، وأيضًا ليلفت سبحانه وتعالى نظر الإنسان إلى هذا الخلق العجيب، الذي مبدؤه من (ماء مهين) للعظة والعبرة، وذكر في موضع واحد فقط مرحلة العلقة؛ لكونها أولى مراحل التكوين الحقيقي للإنسان؛ وقد فسر سبحانه وتعالى في مواضع أخرى بذكر هذه المراحل ـ التي تحوي حقائق علمية ـ في تسلسل دقيق محكم؛ ومن ثم "اقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات، فجاء في كل سورة بما اقتضاه الحال"([26]).
فهل يحق لأحد بعد ذلك أن يدعي وجود تناقضات بين آيات خلق الإنسان أو غيرها من آيات القرآن، قال الله تعالى في كتابه: )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا (82)((النساء).
ثانيا. خلق الإنسان من تراب الأرض:
1) الحقائق العلمية:
أثبت التحليل الكيميائي حديثًا أن جسم الإنسان يتكون أكثره من الماء (54% إلى أكثر من 70%)، بالإضافة إلى نسبة من الدهون (من 14% إلى 26%)، والبروتينات (من 11% إلى 17 %)، والكربوهيدرات (في حدود 1%)، وعدد من العناصر والمركبات غير العضوية (تتراوح بين 5% إلى 6%). وبِرد كل ذلك إلى عناصره الأولية يتضح أن جسم الإنسان يتكون من العناصر الآتية:
الأكسجين 65% |
الكربون 18 % |
الهيدروجين 10 % |
النيتروجين 3% |
الكالسيوم 1,4 % |
الفوسفور 0,7 % |
الكبريت 0,2 % |
البوتاسيوم 0,18 % |
الصوديوم 0,10 % |
الكلور 0,10 % |
الماغنسيوم0,045% |
عناصر نادرة 0,014 % |
وتشمل العناصر النادرة كلا من:
اليود |
الكروم |
المنجنيز |
الفلور |
الكوبالت |
الزنك |
البروم |
النيكل |
السيليكون |
الحديد |
الموليبدينوم |
الفاناديوم |
النحاس |
القصدير |
الألومنيوم |
وهذه الشوارد وإن كانت نادرة إلا أن أقل خلل في نسبها بالزيادة أو النقصان قد يؤدي إلى اعتلال جسم الإنسان.
وهذا التركيب يشبه في مجموعه التركيب الكيميائي لتراب الأرض المختلط بالماء (الطين)، وإن تكوُّن تراب الأرض أصلًا في غالبيته من المعادن الصلصالية التي تتركب أساسًا من سيليكات الألومنيوم المميأة، وتشمل عددًا من المعادن التي تزيد على العشرة، والتي تختلف عن بعضها البعض باختلاف نسبة التميؤ، ونسب كل من السيليكون والألومنيوم، ونسب بعض الشوارد من مثل الماغنسيوم والبوتاسيوم، وغيرها.
كذلك يختلط مع المعادن الصلصالية نسب متفاوتة من حبات الرمل (ثاني أكسيد السيليكون أو المرو) ومعادن الفلسبار، والميكا، وأكاسيد النحاس، وبعض دقائق المعادن الثقيلة، بالإضافة إلى شيء من الرماد البركاني، ودقائق الأملاح المندفعة من مياه البحر، والجير (الكلس)، ودقائق الكربون والرماد الناتجة عن مختلف عمليات الاحتراق، وحبوب اللقاح والبكتيريا، وغيرهما من البقايا الدقيقة للأحياء، وبعض آثار الغبار الكوني، وغبار الشهب، وغيرها.
وتراب الأرض من الرواسب الفتاتية الناعمة جدًّا؛ حيث تقل أطوال أقطار حبيباتها عن (1/256 من المليمتر) وإن اختلط بها بعض حبيبات الغرين (1/16 من المليمتر إلى 1/256 من المليمتر)، وبعض حبيبات الرمل (1/4 من المليمتر إلى ا/16 من المليمتر). ونظرا للمسامية العالية للتراب، وللطبيعة الصفائحية لمعادنه؛ فإن أسطح الصفائح الترابية والمسام الفاصلة بينها تمتلئ بأيونات العناصر المختلفة وبالبقايا الدقيقة للأحياء، بالإضافة إلى الماء والهواء، فتجعل من هذا الخليط في تركيبه الكيميائي ما يشبه التركيب الكيميائي لجسم الإنسان([27]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآيات الكريمات:
لقد ذكرنا في الوجه الأول أن آدم عليه السلام قد خلق من تراب الأرض، الذي مر بمراحل متتالية حتى صار آدم إنسانًا؛ كما قال سبحانه وتعالى: )إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59)( (آل عمران).
ولما كان بنو آدم في ظهر أبيهم عليه السلام لحظة خلقه دل هذا على أنهم خلقوا أيضًا من تراب الأرض؛ قال سبحانه وتعالى:)ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (11)( (الأعراف).
"والخطاب هنا للبشرية جمعاء، مما يؤكد أنهم كانوا جميعًا في صلب أبيهم آدم عليه السلام لحظة خلقه"([28]).
وفي ذلك المعنى يقول الدكتور السيد طنطاوي: "أي نحن الذين خلقناكم في ظهر آدم، ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق..."([29]).
ويؤكد هذا الشيخ الشعراوي فيقول: إن الحق سبحانه وتعالى طمر الخلق جميعًا في خلق آدم، والعلم الحديث يعطينا مؤشرات على ذلك، حين يأتون ببذرة ويكتشفون فيها كل مقومات الثمرة، وكذلك الحيوان المنوي ـ وماء المرأة ـ الذي توجد فيه كل صفات الإنسان؛ ولذلك نجدهم حين يدرسون قانون الوراثة يقولون: إن حياة كل منا تتسلسل عن آخر، فأنت من ميكروب أبيك، وقد نزل من والدك وهو حي، ولو أنه نزل ميتًا لما اتصل الوجود، ووالدك جاء من ميكروب جدك وهو حي، وعلى ذلك فكل كائن الآن فيه جزيء حي من لدن آدم، لم يطرأ عليه موت في أي حلقة من الحلقات؛ إذًا فكلنا كنا مطمورين في جزيئات آدم، بدليل الآية التي معنا، وكذا قوله تعالى: )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172)( (الأعراف)([30]).
وقد جاء في تفسير هذه الآية الأخيرة الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني: عرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قِبَلًا، قال:)ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172)((الأعراف)»([31]).
ويقول الدكتور زغلول النجار: "علم الوراثة يرد بلايين البشر الذين يملئون جنبات الأرض اليوم، وكذلك البلايين الذين عاشوا من قبل وماتوا، والذين سوف يأتون من بعدنا إلى اليوم الآخر ـ يرد هؤلاء جميعًا إلى شفرة وراثية واحدة كانت في صلب أبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه، وقد ظلت هذه الشفرة ولا تزال، مما يعين على ردها في الأصل إلى شفرة واحدة جمع فيها ربنا عز وجل الخلق كله"([32]).
إذًا فكل إنسان خلق في الأساس من تراب الأرض لا محالة.
يقول صاحب الظلال: "الإنسان ابن هذه الأرض، من ترابها نشأ، ومن ترابها تكون، ومن ترابها عاش، وما في جسمه من عنصر إلا له نظيره في عناصر أمه (الأرض)، اللهم إلا ذلك السر اللطيف الذي أودعه الله إياه، ونفخه فيه من روحه، وبه افترق عن عناصر ذلك التراب، ولكنه أصلًا من التراب عنصرًا وهيكلًا وغذاء، وكل عناصره المحسوسة من ذلك التراب، ولكن أين التراب وأين الإنسان؟ أين تلك الذرات الأولية الساذجة من ذلك الخلق السوي المركب، الفاعل المستجيب، المؤثر المتأثر، الذي يضع قدميه على الأرض ويرف بقلبه إلى السماء، ويحلق بفكره فيما وراء المادة كلها، ومنها ذلك التراب.
إنها نقلة ضخمة بعيدة الأغوار والآماد، تشهد بالقدرة التي لا يعجزها البعث، وهي أنشأت ذلك الخلق من تراب"([33])!
وتأكيدًا على ما سبق يسوق الدكتور زغلول النجار الأدلة العلمية على خلق الإنسان من تراب الأرض، وهي ما يأتي:
· أن الشفرة الوراثية لكل إنسان مستمدة من شفرة أبيه آدم عليه السلام، وهو مخلوق أصلًا من تراب الأرض.
· أن خليتي النطفة الأمشاج مستمدتان من جسدي والديه، وهما مستمدتان أصلًا من سلالة آدم المخلوق من تراب الأرض، وقد تغذيتا من غذاء مستمد أصلًا من عناصر الأرض.
· أنه بمجرد انغراس الخلية الأرومية (النطفة الأمشاج) المنقسمة أقسامًا متعددة في جدار الرحم، فإنها تبدأ في الاعتماد على دم الأم في تغذيتها، وهو مستمد أصلًا من غذاء الأم المستمد من عناصر الأرض، ويستمر الحال كذلك في جميع المراحل الجنينية (العلقة، والمضغة، والعظام، وكسوة العظام لحمًا، ومرحلة النشأة خلقًا آخر، إلى طور المخاض)، والجنين ينمو جسده على حساب دم أمه المستمد من غذائها، وغذاؤها مستمد أصلًا من عناصر الأرض.
· طوال مرحلة الرضاعة والوليد يحيا على لبن أمه، أو لبن مرضعة أخرى أرضعته، أو على ألبان الحيوانات، وكل ذلك مستمد أصلًا من عناصر الأرض عن طريق طعام الأم أو المرضعة، أو ألبان البهائم المتغذية على نبات الأرض.
· بعد الفطام يبدأ الطفل في التغذية المباشرة على نبات الأرض وثمارها، وعلى ألبان الأنعام ومنتجاتها، وهي تتغذى بنبات الأرض، وكل ذلك مستمد من عناصر الأرض الموجودة في تربتها ومائها وهوائها، وكل ذلك من مكونات الأرض([34]).
صورة توضح تكون جسم الإنسان من عناصر الأرض
·وفاة الإنسان؛ إذ بموته يتحلل جسده، ويتحول إلى تراب الأرض بعملية عكسية لعملية الخلق، التي بدأت من تراب الأرض الذي ارتوى بالماء فأصبح طينًا، وأذاب الماء من هذا الطين قبل الذوبان فيه عناصر ومركبات الأرض، فتمايزت من بين حبات هذا الطين سلالة خاصة تعرف باسم "سلالة من طين"، وبتبخير المحاليل المكونة لتلك السلالة ترسبت مكوناتها بين حبات المعادن الصلصالية (الترابية)، فأصبح الطين لاصقًا بعضه ببعض (طين لازب)، ثم ترك هذا الطين اللازب ليجف بالتدريج؛ فاسود وأنتن (وأصبح صلصالًا من حمأ مسنون)، ثم زاد جفافه فأصبح صلصالًا كالفخار، ثم نفخ الله تعالى فيه الروح فأصبح إنسانًا، وهو آدم عليه السلام.
ويحدث هذا تمامًا لكن بطريقة عكسية عند مغادرة الروح لجسد أي إنسان، فإنه ييبس حتى يصير كالتمثال الحجري (الصلصال)، ثم بعد دفنه يبدأ في التحلل التدريجي الذي تقوم به البكتيريا والفطريات والطحالب والفيروسات التي تعايشت معه في حياته، والتي توجد في التربة التي يدفن فيها، فيتغير لونه وتنتن رائحته؛ فيصير صلصالًا من حمأ مسنون، ثم يهترئ الجسد تمامًا، ويصبح كالطين اللازب، ويتبخر ما به من ماء؛ فيتحول إلى تراب الأرض، ويغيب فيه إلا عجب ذنبه الذي يحفظ بقدرة الله تعالى حتى يُبعث منه يوم القيامة([35]).
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبت التحليل الكيميائي حديثًا أن جسم الإنسان يشبه في تكوينه تراب الأرض؛ إذ يحتوي على عناصر كثيرة، هي جملة العناصر المكونة لتراب الأرض وطينها، مما يعني ارتباطه بها ارتباط الأم بوليدها؛ لأنه قد خلق منها، وإليها يعود بعد موته، كل هذه الحقائق العلمية قد أشار إليها القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن، وذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:)ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون (20)( (الروم).
[1]. السُّلالة: هي خلاصة الشيء تُسلُّ منه كما يُسلُّ السيف من غِمْده (الجراب).
[2]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج16، ص9978 بتصرف.
[3]. انظر: لسان العرب، مادة: لزب. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج20، ص12749.
[4]. انظر: لسان العرب، مادة: حمأ. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ص133.
[5]. انظر: لسان العرب، مادة: سنن. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص245.
[6]. انظر: لسان العرب مادة: صلل. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص284.
[7]. انظر: قصة آدم عليه وعلى نبينا السلام، مقال منشور بموقع: www.garam.sy.com. مراحل خلق آدم عليه السلام، مقال منشور بموقع: كنوز الحروف www.knooz.com.
[8]. انظر: حقائق الإسلام في مواجهة حملات المشككين، د. عبد الصبور مرزوق وآخرون، مرجع سابق، ص156، 157.
[9]. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407هـ، ج4، ص445.
[10]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج17، ص161.
[11]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج20، ص12444، 12445.
[12]. انظر: مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، مرجع سابق، ج19، ص142. لباب التأويل في معاني التنزيل، الخازن، تحقيق: محمد علي شاهين، 1415هـ، ج2، ص226. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ، ج14، ص104. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د. محمد السيد طنطاوي، مرجع سابق، ج14، ص44.
[13].)خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ( (الحجر:26) ، مقال منشور بموقع: شبكة المنهاج الإسلامية www.almenhaj.net.
[14]. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص29.
[15]. موسوعة ما فرطنا في الكتاب من شيء: أطوار الخلق وحواس الإنسان، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص30 بتصرف.
[16]. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، دار الفكر، بيروت، 1415هـ/ 1995م، ج2، ص330. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط2، 1431هـ/ 2010م، ج2، ص158.
[17]. انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج24، ص90. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج2، ص159.
[18]. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، مرجع سابق، ج8، ص304.
[19]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج4، ص263 بتصرف.
[20]. المرجع السابق، ج3، ص58 بتصرف.
[21]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج13، ص59. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د. محمد السيد طنطاوي، مرجع سابق، ج10، ص63.
[22]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج20، ص4.
[23]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج4، ص412، 413 بتصرف.
[24]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج20، ص4.
[25]. انظر: الحلقة الثالثة من تفسير القرآن للشيخ محمد حسان، مقال منشور بموقع: فرسان الحق www.forsanelhag.com.
[26]. أسرار التكرار في القرآن، الكرماني، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، ط2، ص125.
[27]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص289، 290 بتصرف. انظر: تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج2، ص200، 201.
[28]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج3، ص480.
[29]. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د. محمد السيد طنطاوي، مرجع سابق، ج5، ص22.
[30]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج7، ص4060 بتصرف.
[31]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، (4/ 151)، رقم (2455). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[32]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج3، ص479.
[33]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج4، 2409.
[34]. تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ج3، ص480، 481 بتصرف.
[35]. المرجع السابق، ج2، ص202، 203. انظر: من معجزات القرآن ما بين الطب والعلوم الحديثة، د. سامي نوح حسن الموسوي، مرجع سابق، ص568، 569.
wives that cheat
link read here
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy