إنكار إعجاز القرآن في تقديم السمع على البصر (*)
مضمون الشبهة:
ينكر المغالطون الإعجاز العلمي للقرآن في تقديمه السمع على البصر في كثير من الآيات؛ كقول الله تعالى: )ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة( (السجدة: ٩). ذاهبين إلى أن تقديم السمع على البصر ليس له أي معنى من الناحية الإعجازية؛ لأن خلقهما في الجنين يتم معًا بالتوازي، ومن ثم فليس هناك من مسوغ لهذا التقديم.
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد أثبت العلم الحديث أن الحاسة الوحيدة التي تنشط والجنين لا يزال في بطن أمه هي حاسة السمع، ويبقى ذلك محدودًا بحدود سماع نبضات قلب أمه أو حركات كل من رئتيها وأمعائها، وبعد الميلاد فإن بقايا الأنسجة الظهارية EPITHELIALTISSUESوالسوائل التي كانت تملأ كلا من الأذنين: الخارجية والوسطى ـ والجنين في بطن أمه ـ سرعان ما تمتص بالكامل خلال أيام قليلة، يبدأ الوليد بعدها في سماع كل ما يدور حوله. أما العين فلا تفتح ولا تتطور طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع، وحتى عند ذلك لن يكون العصب البصري مكتملًا لينقل الإشارات العصبية الضوئية بكفاءة، ولن تبصر العين لأنها غارقة في ظلمات ثلاث، ولا تبصر عين المولود حديث الولادة إلا بعد فترة طويلة من ولادته، فجاء القرآن الكريم بهذا الترتيب إشارة إلى تقديم السمع على البصر في الخلق.
2) وجد العلماء أن مركز السمع يقع في الفص الصدغي للمخ، بينما يقع مركز الإبصار في الفص المؤخر في آخر المخ؛ أي إن مراكز السمع تتقدم على مراكز الإبصار، ثم إن المولود الفاقد لحاسة البصر يتميز عادة بذاكرة واعية؛ وذلك لأن مراكز الإبصار في المخ ترتبط وظيفيًّا مع المناطق الارتباطية الأخرى؛ لذلك نبغ كثيرون ممن فقدوا حاسة البصر، ولم ينبغ أحد ممن فقد حاسة السمع إلا نادرًا؛ مما يدل على أهمية حاسة السمع وأهمية مراكزها في المخ؛ لذا فإن الذاكرة السمعية في الإنسان أرسخ من الذاكرة البصرية، فالمولود يتعلم بواسطة السمع أضعاف ما يتعلمه بواسطة البصر، والأصم منذ الولادة لا يستطيع أن يتعلم اللغة أبدا لأنه أبكم، كما أن السمع ـ إضافة إلى ما سبق ـ يتميز على البصر من عدة نواح ـ إذ إن الأذن لا تنام، والشيء الذي لا ينام أرقى في الخلق من الشيء الذي ينام، والعين تحتاج إلى نور حتى ترى، لكن الأذن تؤدي مهمتها في الليل والنهار والضوء والظلام، ويبقى جهاز السمع فعالًا إلى ما بعد الموت بقليل، بينما تموت العين، وبالأذن جهاز حساس يسمى الجهاز الدهليزي vestibularsystem، وظيفته تنظيم حركة الرأس، وتوازن الجسم في جميع الاتجاهات والأوضاع. هذه النقاط وغيرها تبين بوضوح دقة القرآن وإعجازه، وتجيب عن التساؤل الذي مؤداه: هل ثمة مسوغ في تقديم السمع على البصر في القرآن الكريم؟!
التفصيل:
أولا. حاسة السمع هي الحاسة الوحيدة التي تنشط والجنين لا يزال في بطن أمه:
1) الحقائق العلمية:
من الثابت في دراسات الجنين البشري أن كلًّا من قرص الأذن (the otic placode) والحويصلة البصرية، يتخلقان في مرحلة العلقة في اليومين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من عمر الجنين، وطول الجنين في هذه المرحلة يتراوح بين (5‚2) مم، (5‚4) مم فقط، بينما يمكن تمييز بروز القلب بعد ذلك بيومين اثنين؛ أي في اليوم السادس والعشرين والسابع والعشرين حين تظهر فتحتا الأذنين.
وبعد ذلك بيومين إلى ثلاثة أيام (أي في اليومين الثامن والعشرين إلى الثلاثين) تتخلق حويصلتا الأذنين، ويمكن تمييز قرصي عدستي العينين، وبعد ذلك بفترة مماثلة (أي في اليومين الحادي والثلاثين إلى الثاني والثلاثين من عمر الجنين) تظهر فتحتا عدستي العينين وينمو قرصاهما؛ وبعد يومين إلى أربعة أيام (أي بين يومي الثالث والثلاثين والسادس والثلاثين من عمر الجنين) تتخلق حويصلتا عدستي العينين، وبعد ذلك بيوم واحد إلى سبعة أيام (أي في اليوم السابع والثلاثين إلى الأربعين من عمر الجنين) تتخلق الصبغة في شبكتي العينين، وتنمو برزتا الأذنين.
وفي حوالي الأسبوع السادس من عمر الجنين (اليوم 40 إلى 43) ـ ويتراوح طول الجنين في هذا التوقيت بين 11مم: 14مم ـ يتم بروز الأذنين بشكل يحدد ملامح صوان الأذن، وتبرز الحويصلات المخية.
وبنهاية الشهر الخامس من عمر الجنين تكون أذناه الداخليتان قد تم تخلقهما بالكامل وأصبحتا قادرتين على القيام بكل وظائف السمع، ومنها تلقي المؤثرات الصوتية وإرسالها إلى مراكز السمع في المخ لإدراكها دون حاجة إلى كل من زوجي الأذنين الوسطى والخارجية، واللتان يتم تخلقهما في الأسابيع من العاشر إلى العشرين من عمر الجنين حين ترتبطان بالأذنين الداخليتين. أما صوان الأذن فيكتمل تخلقه في الأسبوع الثاني والثلاثين من عمر الجنين.
صورة توضيحية لأذن جنين في الشهر الخامس من عمره. هل تستطيع أن تميزها عن أذن أي إنسان تعرفه؟!
لقد تكامل نموها بدرجة يصعب تصديقها في هذه الفترة. إن الجنين يستطيع سماع الأصوات منذ الشهر الرابع، بل إنه يسمع صوت أمه وقرقرة أمعائها رغم أنه محاط بالأغشية وبكيس السلى، بل لقد أصبح من الثابت أن الجنين يسمع الأصوات والضوضاء الخارجية ويتعود عليها فينام ويصحو ويعيش حياته كاملة رغم الظلام المحيط به من كل جهة، لكنه ليس عالـمًا صامتًا على أية حال.
وعلى ذلك فإن الحاسة الوحيدة التي تنشط والجنين لا يزال في بطن أمه هي حاسة السمع، ويبقى ذلك محدودًا بحدود سماع نبضات قلب أمه أو حركات كل من رئتيها وأمعائها، دون أدنى وعي حقيقي بذلك، خاصة أن السوائل المحيطة بالجنين وهيكله العظمي ـ خاصة عظام الجمجمة ـ موصلة جيدة للموجات الصوتية، فلا يسمع الجنين منها إلا طنينا مضخمًا لتلك الأصوات.
وبعد الميلاد فإن بقايا الأنسجة الظهارية (Epithelial Tissues) والسوائل التي كانت تملأ كلًّا من الأذنين الخارجية والوسطى، والجنين في بطن أمه ـ سرعان ما تمتص بالكامل في خلال أيام قليلة، يبدأ الوليد بعدها في سماع كل ما يدور حوله([1]).
ويتضح مما تقدم أن الأذن الداخلية للجنين تنضج وتصبح قادرة على السمع في الشهر الخامس، بينما لا تفتح العين ولا تتطور طبقتها الحساسة للضوء إلا في الشهر السابع، وحتى عند ذاك لن يكون العصب البصري مكتملًا لينقل الإشارات العصبية الضوئية بكفاءة، ولن تبصر العين لأنها غارقة في ظلمات ثلاث([2]).
وعلى هذا ثبت اكتمال حاسة السمع بعد خروج الجنين؛ حيث يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته، بعد أن تمتص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطى والمحيطة بعظيماتها ثم يصبح السمع حادًّا بعد أيام قلائل من ولادة الطفل.
أما حاسة البصر فهي ضعيفة جدًّا عند الولادة؛ إذ تكاد تكون معدومة، ويصعب على الوليد تمييز الضوء من الظلام، ولا يرى إلا صورًا مشوشة للمرئيات، وتتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره وتثبيته على الجسم المنظور، ولكنه في الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص، إلا أن الوليد في هذه السن يكون بعيد البصر، ثم يستمر بصره في النمو والتطور حتى السنة العاشرة من عمره([3]).
والدليل على أن أذن الطفل تؤدي وظيفتها عقب ولادته أنه إذا سمع صوتًا شعر به وأحسه فورًا، وصدر عنه ما يدل على التأثر به، أما إذا مددت يدك قريبًا من عينه فإنها لا ترمش ولا تتحرك([4]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية والقرآن الكريم:
جاءت الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى مخبرة عن السمع والبصر في مواضع متعددة، إلا أن الغالب في هذه الآيات هو تقديم ذكر السمع على البصر. وإذا قمنا بعمل إحصاء لذلك التقديم وتلك الصور المتعددة، فإنه يكون على النحو الآتي:
· تقدم ذكر لفظ السمع على لفظ البصر في عشرين موضعًا تقريبًا، ومن تلك المواضع قوله تعالى: ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)((البقرة)، وقوله تعالى: )يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير (20)((البقرة)، وقوله تعالى: )قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون (46)( (الأنعام)، وقوله تعالى: )قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون (71) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون (72)( (القصص).
· وقد يأتي هذا التقديم في صورة تقديم لفظ السميع على البصير، وذلك في أحد عشر موضعًا، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى: )إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2)( (الإنسان).
ولقد ذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي عددًا من الحكم في تقديم السمع على البصر، ومنها أن السمع أول عضو يؤدي وظيفته في الدنيا؛ فالطفل ساعة الولادة يسمع، وذلك على عكس العين فإنها لا تؤدي مهمتها لحظة مجيء الطفل إلى الدنيا.
ويضيف الشيخ الشعراوي قائلا: ولذلك حينما أراد الله سبحانه وتعالى أن يقص علينا مراحل الإدراك في النفس الإنسانية ليربي الإنسان معلوماته، قال الحق عز وجل:)والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون (78)((النحل). لذلك يقال: «كما ولدته أمه»؛ أي: لم يعط القدرة على استخدام حواسه بعد، ثم يجعل له الحق سبحانه الحواس، ويجعله قادرا على استخدامها([5]).
وجاء الحق سبحانه وتعالى بالسمع أولًا؛ لأن الأذن هي أول وسيلة إدراك تؤدي مهمتها في الإنسان، أما العين فلا تبدأ في أداء مهمتها إلا بعد ثلاثة أيام إلى عشرة أيام غالبًا([6]).
وعليه فإن ما جاء به العلم الحديث يتطابق مع ما جاء به القرآن الكريم؛ إذ إن العلم قد أثبت أن آلة السمع (الأذن) تتكون قبل آلة البصر (العين)؛ إذ تظهر الصحيفة السمعية في آخر الأسبوع الثالث (Otic Placode)، وهي أول مكونات آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين.
كما أن الأذن تبدأ في العمل قبل العين؛ إذ تتحسس الأذن الأصوات في الشهر الخامس من عمر الجنين، ويسمع الجنين أصوات حركات أمعاء وقلب أمه، وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية في المخ، يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية، وهذا برهان علمي يثبت سماع الجنين للأصوات في هذه المرحلة المبكرة من عمره، ولم تسجل مثل هذه الإشارات العصبية في الجهاز البصري للجنين إلا بعد ولادته؛ لذا فإن اكتمال حاسة السمع يكون قبل اكتمال حاسة البصر بعد خروج الجنين، لهذا كله تقدم السمع على البصر في القرآن الكريم.
ثانيا. المنطقة السمعية في المخ تتكامل عضويًّا قبل المنطقة البصرية في مراحل الحميل، وحتى بعد الولادة، كما تتميز حاسة السمع على البصر في كثير من الجوانب:
1) الحقائق العلمية:
لقد ثبت حديثًا أن المنطقة السمعية المخية تتطور وتتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية، وقد أمكن تسجيل إشارات عصبية سمعية من المنطقة السمعية لقشرة المخ عند تنبيه الجنين بمنبه صوتي في بداية الشهر الجنيني الخامس، وتحفز الأصوات التي يسمعها الجنين خلال النصف الثاني من حياته الجنينية هذه المنطقة البصرية للمخ في هذه الفترة بأية منبهات، ولذلك فهي لا تتطور كثيرًا ولا تنضج ولا تتكامل، فمن المعلوم فيزيولوجيًّا أن المنبهات النوعية التي ترد أي طريق عصبي حسي تحفزه على النمو والنضوج، وبهذه الطريقة لا يحفز الجهاز العصبي البصري بمثل ذلك إلا بعد ولادة الوليد.
ولقد وجد العلماء أن مركز السمع يقع في الفص الصدغي للمخ، بينما يقع مركز الإبصار في الفص المؤخر في آخر المخ؛ أي إن مراكز السمع تتقدم على مراكز الإبصار([7]).
مراكز السمع والبصر في المخ
وبهذا يتبين أن هناك مراكز للسمع داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المسموعات وعقلها، وهناك مراكز للبصر داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المبصرات وعقلها،وأداة مركز السمع هي الأذن التي تجلب إليها الأصوات، وأداة مركز البصر هي العين التي تجلب إليها الصور.
ومع أن العين تتقدم الأذن في رأس الإنسان فإن مركز السمع يتقدم مركز الإبصار في مخ الإنسان تشريحيًّا([8]).
وذلك لأن منطقتي السمع في المخ موزعتان فوق الأذنين مباشرة بالتساوي تقريبًا، وهما بذلك يتقدمان منطقة الإبصار التي توجد في مؤخرة المخ، فإذا أصيب أحد جانبي المخ، فإن الإنسان لا يفقد السمع من أي من الأذنين، بينما يتوزع ارتباط نصف كل عين من العينين بالنصف المعاكس له من منطقة الإبصار في المخ، فإذا أصيب أي من جانبي المخ تأثرت العينان كلٌّ بنسبة النصف([9]).
ثم إن المولود الفاقد لحاسة البصر يتميز عادة بذاكرة واعية؛ وذلك لأن مراكز الإبصار في المخ ترتبط وظيفيًّا مع المناطق الارتباطية الأخرى، فتزيد من قابلية الدماغ على الحفظ والتحليل والاستنتاج والتذكر، ولأسباب غير معروفة لا تقوم مراكز السمع في المخ بعمل ذلك، ولذلك نبغ كثيرون ممن فقدوا حاسة البصر، ولم ينبغ أحد ممن فقدوا حاسة السمع إلا نادرا؛ مما يدل على أهمية حاسة السمع، وأهمية مراكزها في المخ.
ثم إن الأحاسيس الصوتية تصل مستوى الوعي عند الإنسان أفضل مما تصله عن طريق أية حاسة أخرى كالبصر؛ وذلك لأن الذاكرة السمعية في الإنسان أرسخ من الذاكرة البصرية، وتعطي من المدلولات والمفاهيم ما لا تعطيه الذاكرة البصرية ورموزها([10]).
فالمولود يتعلم بواسطة السمع أضعاف ما يتعلمه بواسطة البصر، والأصم منذ الولادة لا يستطيع أن يتعلم اللغة أبدًا لأنه أبكم، في حين أن المولود بدون حاسة البصر يستطيع أن يتعلم اللغة بل اللغات بكل يسر، والدليل على ذلك وجود مئات بل آلاف العباقرة من فاقدي حاسة البصر، ومن العسير أن نعد على الأصابع العباقرة من فاقدي حاسة السمع، وخاصة إذا كان فقد السمع منذ الولادة أو في مرحلة الطفولة([11]).
تميُّز السمع عن البصر:
·تتعدد الأبصار بتعدد الجهات والمشاهد والمبصرين، فأنا أرى هذا وأنت ترى هذا، وثالث يرى شيئًا آخر، وإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئًا، ولكن بالنسبة للسمع فنحن جميعًا ما دمنا جالسين في مكان واحد، فكلنا نسمع الشيء نفسه، ومن هنا جاءت كلمة الأبصار، بينما توحدت كلمة السمع، ولم تأت كلمة الأسماع.
·الأذن لا تنام والشيء الذي لا ينام أرقى في الخلق من الشيء الذي ينام، فالأذن لا تنام أبدًا منذ ساعة الخلق، إنها تعمل منذ الدقيقة الأولى للحياة، فأنت حينما تكون نائمًا تنام كل أعضاء جسمك، ولكن الأذن تبقى متيقظة، فإذا أحدث أحد صوتًا بجانبك وأنت نائم قمت من النوم على الفور.
·كما أن العين تحتاج إلى نور حتى ترى؛ إذ تنعكس الأشعة على الأشياء، ثم تدخل إلى العين فترى، فإذا كانت الدنيا ظلامًا فإن العين لا ترى، ولكن الأذن تؤدي مهمتها في الليل والنهار، في الضوء والظلام، والإنسان متيقظ، والإنسان نائم، فهي لا تنام أبدًا ولا تتوقف أبدًا([12]).
·يبقى جهاز السمع فعالًا إلى ما بعد الموت بقليل، بينما تموت العين، بل إن من علامات الموت توسع البؤبؤ الثابت FixedDilatedPupli، وقد تدل العين على قرب حدوث الموت وذلك بحدوث حركة دورانية (Roving Eye Movement)، وحركة جانبية (Doll Eye MOVEMENT) تشبه حركة عيون العرائس في لعب الأطفال، وكلاهما يشير إلى مرض خطير في الدماغ يتبعه الموت([13]).
الأذن والتوازن:
التوازن هو المحافظة على مركز ثقل الجسم داخل قاعدة الاستناد مما يتطلب تدخل أكثر من جهاز، ويمثل التوازن العنصر الثاني المهم في وظيفة الأذن؛ إذ يوجد بها جهاز حساس يسمى بالجهاز الدهليزي (Vestibular System)، وظيفته تنظيم حركة الرأس، وتوازن الجسم في جميع الاتجاهات والأوضاع.
يتكون هذا الجهاز من ثلاث قنوات شبه دائرية وكيسين، كلها مملوءة بسائل ليمفاوي، ومبطنة من الداخل بشعيرات خلوية حساسة، ويرتبط الجهاز الدهليزي في كل أذن بالقناة السمعية الحلزونية (Cochlear Duct).
وتتشكل القنوات الثلاث شبه الدائرية بحيث تكون متعامدة مع بعضها، وتقع في مستويات ثلاثة متعامدة أيضًا، مما يجعلها تتحسس لأدنى حركة في الرأس بجميع المستويات، فعندما يتحرك الرأس باتجاه فإن سائل القنوات يحافظ على وضعه في بداية الحركة، باتجاه معاكس لحركة الرأس، ولكن بعد فترة قصيرة يتحرك السائل باتجاه حركة الرأس؛ مما يدفع الشعيرات للعودة إلى وضعها الأصلي، ويتم إرسال تعليمات إلى الدماغ من جراء ذلك، ومن كلا الجانبين لحفظ التوازن في كافة الأحوال التي يكون فيها الجسم.
وبالنسبة للحركة الأمامية والخلفية للرأس فإن هناك نتوئين كأنهما بوصلة في داخل سائل، تستجيب إلى حركة الرأس والجاذبية، وترسل التعليمات إلى جذع الدماغ (BrainStem)، ويتم تبادل المعلومات مع مراكز أخرى مهمة في الدماغ بواسطة شبكة اتصالات لإعطاء توازن عجيب ودقيق مع كل حركة؛ حيث يتم تبادل المعلومات مع مراكز السيطرة على العيون والأطراف والحبل الشوكي والمخيخ (Cerebellum) وغيرها؛ ليبقى الجسم محافظًا على توازنه مع القيام بوظائفه الأخرى بفاعلية([14]).
فمستقبلات الدهليز تعطي معلومات دقيقة للدماغ عن وضعية الرأس في الفضاء، وما تواجد قنوات القوقعة الحلزونية على أشكال فضائية ثلاثة (مسطح أفقي، مسطح عمودي جباهي، مسطح عمودي أمامي خلفي) إلا دليل على إحساسنا بالتوازن في الأبعاد الثلاثة المتواجدة في الفضاء.
ومستقبلات الدهليز حساسة أيضًا للجاذبية الأرضية، فإذا ما وجد الإنسان في وضع غير طبيعي أو غير سليم، تصدر الأوامر فورًا لتصحيح الوضع، وهذا يفسر ما يحس به الإنسان من دوار عندما يدور حول نفسه، وكذلك الإحساس الغريب بفقدان التوازن الذي يشعر به الإنسان عندما يستقل مصعدًا كهربائيًّا يتحرك بسرعة، والإحساس نفسه بالدوار عندما يحرك الفرد رأسه بسرعة يمينًا ويسارًا. كل هذه الإحساسات ناتجة عن تدافع السائل المتواجد بالقنوات القوقعية الحلزونية بصفة تسارعية.
وفي حالة السرعة الثابتة (انعدام التسارع)، مثلًا عندما يكون الإنسان في طائرة تطير بسرعة ثابتة والسماء زرقاء صافية (أي لا وجود لسحاب ركامي كثيف يحدث هزات في مسار الطائرة)، والعلو شاهق يحس كأن الطائرة واقفة لا تتحرك.
أما رجل الفضاء فلا يحس بأن مركبته تتحرك، ولهذه الأسباب أيضًا لا نحس بحركة دوران الأرض حول نفسها، على الرغم من السرعة الكبيرة التي تدور بها([15]).
وجهاز التوازن جهاز معقد، وبواسطة قنوات هلالية متصلة ببعضها، وبداخلها شعيرات تستطيع أن تميز أية حركة أو اهتزاز أو تغيير في وضع الأجسام، فترسل بذلك إشارات إلى المخ؛ حيث يستقبل هذه المعلومات ويسجلها ويستفيد منها، ثم يرسل أوامره إلى الجسم والعضلات لتتمشى مع هذا التغيير([16]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية والقرآن الكريم:
في تفسير قوله تعالى: )ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة( (البقرة: ٧) يقول الإمام القرطبي: "قوله تعالى: )وعلى سمعهم( (البقرة: ٧): استدل بها من فضل السمع على البصر لتقدمه عليه، قال: والسمع يدرك به من الجهات الست، وفي النور والظلمة، ولا يدرك بالبصر إلا من الجهة المقابلة، وبواسطة من ضياء وشعاع"([17]).
ويقول ابن عجيبة في تفسيره: "وقدم في جميع القرآن نعمة السمع على البصر؛ لأنه أنفع للقلب من البصر، وأشد تأثيرًا فيه، وأعم نفعًا منه في الدين؛ إذ لو كانت الناس كلهم صمًّا، ثم بعثت الرسل، فمن أين يدخل عليهم الإيمان والعلم؟ وكيف يدركون آداب العبودية وأحكام الشرائع؟ إذ الإشارة تتعذر في كثير من الأحكام، وإنما أفرده وجمع الأبصار والأفئدة؛ لأن متعلق السمع جنس واحد وهو الأصوات، بخلاف متعلق البصر، فإنه يتعلق بالأجرام والألوان، والأنوار والظلمات وسائر المحسوسات، وكذلك متعلق القلوب، معاني ومحسوسات، فكانت دائرة متعلقهما أوسع مع متعلق السمع"([18]).
ويقول الإمام ابن عاشور: "وفي تقديم السمع على البصر في مواقعه من القرآن دليل على أنه أفضل فائدة لصاحبه من البصر، فإن التقديم مؤذن بأهمية المقدَّم؛ وذلك لأن السمع آلة لتلقي المعارف التي بها كمال العقل، وهو وسيلة بلوغ دعوة الأنبياء إلى أفهام الأمم على وجه أكمل من بلوغها بواسطة البصر لو فقد السمع، ولأن السمع ترد إليه الأصوات المسموعة من الجهات الست دون توجه، بخلاف البصر فإنه يحتاج إلى التوجه بالالتفات إلى الجهات غير المقابلة"([19]).
إن الطفل يتعلم المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية، ويتعلمها ويحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية، فهو مثلًا يفهم الكلام الذي يسمعه ويدركه ويعيه أكثر من فهمه للرسوم والصور والكتابات التي يراها، ويحفظ الآيات والأناشيد بسرعة، ويتمكن من تعلم النطق في وقت مبكر جدًّا بالنسبة لتعلمه القراءة والكتابة، وكل ذلك لأن مناطق دماغه السمعية نضجت قبل مناطقه البصرية، قال تعالى: )لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية (12)( (الحاقة)([20]).
إن العالم كله لم يكن يعرف شيئًا عن التركيب المتكامل والدقيق للمخ البشري، وبدأ حديثًا في التعرف على مناطق السمع والبصر والعواطف والاختيار بين البدائل في المخ البشري، وكان ذلك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من ألف عام.
والتساؤل الذي يثار: ماذا يقول العقل العالمي المفكر لو اكتشف خريطة متكاملة للتركيب التشريحي والوظيفي للمناطق التكليفية العقلية العليا في المخ البشري في القرآن الكريم؟
إن ذلك دليل علمي على صدق الرسالة وصدق الرسول، وسيكون دليلًا يقينيًّا على أن القرآن الكريم كتاب الله المعجز الوحيد الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع، وليكون دستورًا للعالمين([21]).
إن الآيات القرآنية دوما ترتب العين قبل الأذن؛ وذلك للسبق المكاني لكل من العينين للأذنين في موضعهما من وجه الإنسان، بينما تقدم الآيات ذكر حاسة السمع على حاسة البصر؛ وذلك لتقدم مركز السمع في فصين جانبيين من المخ، بينما يوجد مركز البصر خلف المخ؛ وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي ومراكز الحس في المخ ـ كالعين والأذن ـ هي نقل المؤثرات الحسية إلى مراكزها في المخ حيث تدرك.
وهذه حقائق لم تصل إليها العلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وورودها بهذه الدقة وهذا التفصيل مما يثبت لكل ذي بصيرة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية ـ ولم يقطعه لرسالة سابقة أبدًا ـ وحفظه في لغة وحيه نفسها ـ اللغة العربية ـ على مدى الأربعة عشر قرنًا الماضية بكل ما فيه من إشراقات نورانية، وعلوم ربانية، وحقائق كونية، حتى يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة والرسالة، وتعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظ القرآن الكريم تعهدًا مطلقًا؛ حتى يبقى شاهدًا على الخلق أجمعين إلى يوم الدين([22]).
3) وجه الإعجاز:
يقرر العلم الحديث أن حاسة السمع تبدأ مبكرًا في أداء عملها في الأسابيع القليلة الأولى بعد ولادة الطفل، أما البصر فيبدأ عمله في الشهر الثالث ولا يتم تركيز الإبصار إلا بعد مدة طويلة من ولادة الطفل، وهذه الحقائق العلمية الناصعة تبين بكل وضوح وجلاء الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي قدمت السمع على البصر.
(*) موقع: سورية الوعد www.syriapromise.com.
[1]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص530، 531.
[2]. الإعجاز العلمي في آيات السمع والبصر في القرآن الكريم، د. صادق الهلالي و د. حسين رضوان سليمان اللبيدي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص20.
[3]. الإعجاز العلمي في تقدُّم السمع على البصر، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[4]. القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ص108.
[5]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج1، ص5907، 5908.
[6]. المرجع السابق، ج1، ص5909.
[7]. الإعجاز العلمي في آيات السمع والبصر في القرآن الكريم، د. صادق الهلالي و د. حسين رضوان سليمان اللبيدي، مرجع سابق، ص24.
[8]. تركيب المخ البشري في ضوء القرآن، د. حسين رضوان اللبيدي، مقال منشور بمنتديات: مكتوب www.Maktoob.com.
[9]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص535.
[10]. خلق حاستي السمع والبصر، مقال منشور بمنتدى: الحوار الإسلامي المسيحيchristiandilogue.com..musilmwww.
[11]. معجزة السمع، د. محمد السقا عيد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[12]. معجزة السمع، د. محمد السقا عيد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[13]. من معجزات القرآن ما بين الطب والعلوم الحديثة، د. سامي نوح حسن الموسوي، دار السياب، لندن، ط1، 2007م، ص68، 69.
[14]. المرجع السابق، ص76، 77.
[15]. من آيات الله في الإنسان، د. مصطفى الأسود، مكتبة حسين العصرية، بيروت، ط1، 1431هـ/ 2010م، ص86، 87.
[16]. معجزة السمع، د. محمد السقا عيد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.
[17]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج1، ص189.
[18]. البحر المديد، ابن عجيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1423هـ/ 2002م، عند تفسيره لآية: )وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)((الاعراف).
[19]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج1، ج1، ص258.
[20]. الإعجاز العلمي في آيات السمع والبصر في القرآن الكريم، د. صادق الهلالي و د. حسين رضوان سليمان اللبيدي، مرجع سابق، ص24، 25.
[21]. تركيب المخ البشري في ضوء القرآن، د. حسين رضوان اللبيدي، مقال منشور بمنتديات: مكتوب www.maktoob.com.
[22]. خلق الإنسان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص544.
read
go want my wife to cheat
click here
online women cheat husband
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
read here
website why women cheat on men