مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

                       دعوى خطأ القرآن في إخباره بأسبقية خلق العظم على خلق اللحم (*)


مضمون الشبهة:

يزعم الطاعنون خطأ القرآن في إخباره بأسبقية خلق العظم على اللحم في قوله تعالى:)فكسونا العظام لحمًا ((المؤمنون: ١٤)؛ قائلين: إن العلم الحديث قد أثبت أن العظم واللحم قد تكونا معًا بالتوازي وليس عظم قبل لحم، كما أن ما ذكره القرآن الكريم يتعارض مع ما جاءت به السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مر ثنتان وأربعون ليلة على نطفة بعث الله إليها ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها...».

هذا بالإضافة إلى أن الحديث لم يأت بجديد في هذا الصدد؛ فالتوراة قد ذكرت تلك المراحل ـ التي ذكرها الحديث ـ في سفر أيوب الذي كتب منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد.

وجها إبطال الشبهة:

1)   أثبت العلم الحديث صحة ما ورد بالقرآن الكريم بخصوص أسبقية خلق العظم على اللحم، وقد شهد بذلك أشهر علماء الأجنة أمثال الدكتور "كيث مور"، صاحب أشهر كتاب في علم الأجنة: (The Developing human)؛ إذ يقول في كتابه ما يؤكد صحة القرآن:

During the seventh week‚ the skeleton begins to spread throughout the body and the bones take their familiar shapes. At the end of the seventh week and during the eighth week the muscles take their positions around the bone forms.

وترجمة هذا: أثناء الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار خلال الجسم، وتأخذ العظام أشكالها المألوفة، وفي نهاية الأسبوع السابع وأثناء الأسبوع الثامن، تأخذ العضلات موقعها حول تكوينات العظام.

2) لا تعارض بين الحديث الشريف: «إذا مر ثنتان وأربعون ليلة على النطفة...» والقرآن الكريم فيما يخص مسألة ترتيب مراحل الخلق؛ إذ إن الحديث لم يلتزم الترتيب في ذكره لمراحل الخلق؛ ذلك لأن الواو العاطفة الموجودة في الحديث، إنما هي لمطلق الجمع والمشاركة، ولا تفيد الترتيب، وعلى هذا تنتفي فكرة التعارض.

كما أن الترتيب الوارد في النص التوراتي: "يداك كونتاني وصنعتاني كلّي جميعًا..." ترتيب خطأ، وإن كان ظاهره يوحي بالتشابه مع ما أورده الحديث الشريف من ترتيب؛ ذلك لأن الفاء الواردة في النص التوراتي قد أفادت الترتيب والتعقيب، الأمر الذي حسم الموضوع، وأكد لنا خطأ هذا الترتيب وتعارضه مع ما أقره العلم الحديث.

أولا. إثبات العلم الحديث لأسبقية خلق العظم على خلق اللحم:

1)  الحقائق العلمية:

أثبت العلم الحديث أن للجنين أطوارًا يمر بها([1])، ومن بين تلك الأطوار طورا العظام وكسوتها باللحم؛ فنجد العلم الحديث عند دراسته لتطور الجهاز الهيكلي([2]) يقرر أن هذا الجهاز الهيكلي يتخلق في جنين الإنسان في الشهر الثاني من العمر الجنيني، وينشأ هذا الجهاز من الأديم المتوسط (Mesoderm) وحصرًا من الكتل البدنية (جسيدات) (Somites) التي يبدأ ظهورها في الأسبوع الثالث من العمر الجنيني، والتي يتراوح عددها بين 40: 60 كتلة بدنية؛ إذ يكتمل تخلقها عند الإنسان في اليوم الأربعين من العمر الجنيني؛ أي بمعدل وسطي ثلاث كتل بدنية يوميًّا، وتنشأ الكتل البدنية من الخلايا الإنسية المنفصلة عن كتلة الخلايا الجانبية التي تنشأ أساسًا من الخيط الأوّلي (البدائي) (Primotive streak)؛ إذ تتشكل هذه الكتل الخلوية فتكون شريطين يمتدان على جانبي الأنبوب العصبي (Neuraltub)، ثم يبدأ هذان الشريطان بالانقسام؛ حيث يشكل كل شريط سلسلة متتالية من الكتل التي تسمى الكتل البدنية (جسيدات)، والتي تتوزع على النحو الآتي: 4 كتل بدنية قفوية، 8 كتل رقبية، 12: 18 كتلة صدرية، 5: 7 كتل قطنية، 3: 5 كتل عجزية، وتبدأ هذه الكتل بالانقسام في نهاية الشهر الأول من العمر الجنيني؛ حيث تنقسم كل كتلة بدنية إلى جزأين:

‌أ.           جزء ظهري (وحشي) يشكل الكتل (القسيمات) العضلية (Myotomes) التي تتطور عن بعضها الكتل العضلية المتموضعة وحشيًّا، والعضلات فوق المحورية، وأدمة الجلد (Dermis)، بينما تتطور عن الكتل العضلية الأخرى الأرومات العضلية (Myoblasts).

 

‌ب.    جزء بطني (أنسي) يشكل الكتل الصلبة (بضع الصلبة) (Sclerotomes) التي تتطور لتعطي أجزاء من الهيكل المحوري، وتساهم في تشكيل العمود الفقري، والغضاريف، والأرومات العظمية، وخلايا النسيج الضام([3])كما يتبين في الشكل الآتي:

رسم تخطيطي يوضح توزيع الكتل البدنية في جنين الإنسان

 

1.     الكتل البدنية.

2.     قسيمات عضلية.

3.     قسيمات أدمية.

4.     كتل صلبة.

5.     أوعية دموية.

6.     حبل ظهري.

7.     الأنبوب العصبي.

8.     نهاية رأسية.

9.     تكون الجهاز العصبي.

10 .   صفيحة عصبية.

11.  طيات عصبية.

12.      ميزاب عصبي.

13.  كتل بدنية.

14.     نهاية ذيلية.

 

 

والجدير بالذكر أن الكتل البدنية تبدأ بالاختفاء عند الإنسان في نهاية الأسبوع السادس من العمر الجنيني بسبب تمايز هذه الكتل إلى أنسجة أخرى أو هجرتها إلى أماكن أخرى.

·تطور خلايا الكتل الصلبةSclerotomes:

تتكاثر خلايا الكتل الصلبة، وتشكل جزءًا من النسيج المتوسطي الجنيني Mesenchyme الذي تتحور خلاياه إلى عديد من الأشكال:

1.  بعض الخلايا تتحور إلى خلايا أصلية ليفية تسمى أرومات ليفية Fibroblasts، وتساهم في تشكيل خلايا النسيج الضام.

2.  بعض الخلايا تتحور إلى خلايا أصلية غضروفية([4]) تسمى أرومات غضروفيةChondroblasts، وتساهم كذلك في تشكيل غضاريف الجسم.

3.  بعض الخلايا تتحور إلى خلايا أصلية عظمية([5]) تسمى أرومات عظمية Osteoblosts، وهي تشكل الكتل العظمية.

·تطور النسيج الضامConnectiveTissue:

تنشأ كل أنواع النسيج الضام من النسيج المتوسطي (Mesenchyme) الذي يسمى بالنسيج الضام الجنيني (Embryonic Connective Tissue)، والذي ينشأ بشكل مبكر في الجنين؛ إذ ينشأ بعد تخلق الأدمات الجنينية الثلاث مباشرة، ويملأ الفراغات بينها، ويتكون هذا النسيج من مجموعة خلايا مغزلية ذات استطالات طويلة تسمى خلايا جنينية([6])، أو خلايا متوسطية  (Mesonchymal Cells)، وتتشابك استطالات هذه الخلايا فيما بينها مشكلة شبكة تتموضع فيها المادة بين الخلوية (Inter CellularSubstance) التي تنشأ في المرحلة الجنينية من ارتشاح البلازما الدموية إلى المسافات بين الخلوية، ويساهم في تكوينها إفرازات خلايا النسيج الضام التي تنشأ من تمايز الخلايا المتوسطية التي تتميز بقدرتها الفائقة على التحول إلى أشكال خلوية أخرى؛ لذلك تسمى هذه الخلايا المشكلة للبداءة النسيجية؛ حيث تنشأ جميع خلايا النسيج الضام نتيجة تحور هذه الخلايا وتمايزها الذي يبدأ بين الشهر الأول والثاني من العمر الجنيني عند الإنسان.

·تطور الغضاريف Cartilages:

يبدأ تشكل الغضاريف عند الإنسان في الأسبوع الخامس من العمر الجنيني، وينشأ النسيج الغضروفي ـ أسوة بكل الأنسجة الضامة الأخرى ـ من النسيج المتوسطي mesonchyme؛ حيث تتجمع الخلايا المتوسطية بعد أن تفقد استطالاتها في أماكن تشكل الغضاريف، مشكلة المراكز المولدة للغضروف (Centers Of Chondrification)، وتتحور الخلايا المتوسطية في هذه المراكز إلى أرومات غضروفية (Chondro Blasts) تقوم بإفراز بعض المواد التي تؤدي إلى تشكيل المادة الأساسية "المطرق" (Matrix)، والألياف المرنة والكولاجينية، ثم تتحور الأرومات الغضروفية إلى خلايا غضروفية (Chondro Cytes) تتكثف حولها المادة الأساسية على شكل محفظة خلوية.

أما سمحاق الغضروف([7]) (Perichondrium) فينشأ في المراحل الأخيرة من تشكل الغضروف؛ نتيجة تكثف الخلايا المتوسطية حول المراكز المولدة للغضروف. وحسب نوع الألياف الموجودة في المادة الأساسية "المطرق" (Matrix) وكميتها يتميز في الجنين ثلاثة أنواع من الغضاريف، وهي:

· الغضروف الزجاجي  (Hyaline cartilage)

· الغضروف المرن      (Elastic cartilage)

· الغضروف الليفي      (fibro cartilage)

والجدير بالذكر أن هيكل الجنين في بداية تخلقه يكون ذا طبيعة غضروفية، وتشكل الغضاريف الزجاجية معظم هيكله، كما هو موضح بالشكل الآتي:

 

 

·   تطور النسيج العظمي (Bonetissue):

تتخلق العظام في المرحلة الجنينية من خلايا الأديم المتوسط (Mesoderm) وحصرًا من الكتل البدنية "جسيدات" (Somites) التي تنشأ في الأسبوع الثالث من العمر الجنيني من خلايا الأديم المتوسط في منطقة جار المحوري (Bara Axial)، ونتيجة لانقسام الجسيدات تعطي أقسامها البطنية الكتل الصلبة "بضع الصلبة" (Sclerotomes) فتتحور خلايا الكتل الصلبة لتعطي الأرومات العظمية (Osteo Blasts)، والتي تبدأ بالانقسام والهجرة إلى أماكن تشكل الكتل العظمية؛ حيث تقوم بإفراز إنزيم الفوسفاتيز الذي يؤدي إلى ترسيب أملاح الكالسيوم من الدم المحيط مما يؤدي إلى تعظم هذه الخلايا وتحولها إلى خلايا عظمية (Osteocytes) التي تحيط نفسها بالجويفات العظمية (Bone Lacunae)، وبذلك تتشكل كتل عظمية متكلسة.

والنسيج العظمي يتكون عمومًا من خلايا عظمية ومواد بين خلوية، وينشأ هذا النسيج من مصدرين هما:

1.  نسيج متوسطي جنيني (MesenChyme):

يبدأ التعظم في هذا النسيج من المركز، وينتقل باتجاه المحيط، وهذا ما يسمى بـ "التعظم الغشائي" (OssificationIntraMembranous)؛ حيث تتمايز الخلايا المتوسطية (Mesenchymalcells) في المركز إلى أرومات عظمية تسمى "أرومات العظم" (Osteoblasts)، وتتموضع بين هذه الخلايا المادة الأساسية التي تدمج بمادة العظمين، ومن ثم تتحول الأرومات العظمية إلى خلايا عظمية، ونتيجة ترسب أملاح الكالسيوم من الدم المحيط تتشكل في المادة الأساسية الألياف العظمية كما تترسب على سطوح الخلايا العظمية مشكلة الجويفات العظمية (Bone Lacunae)، وتتعظم بهذه الطريقة عظام الجمجمة والوجه.

2.نسيج غضروفي (Cartilaginons Tissu):

يعتبر النسيج الغضروفي المصدر الثاني للنسيج العظمي، حيث يحدث التعظم في هذه الحالة داخل النسيج الغضروفي، الذي يتخلق في الجنين قبل النسيج العظمي، ويسمى هذا التعظم بالتعظم الغضروفي ((Cartilaginous Ossification، ويحدث هذا التعظم نتيجة تحور الخلايا الغضروفية إلى أرومات عظمية ((Osteoblasts تحيط بها المادة الأساسية للغضروف (مطرق) (Matrix)، ثم ترشح إلى هذه المادة أملاح الكالسيوم، وبالتالي تتحول المادة الأساسية للغضروف إلى مادة أساسية عظمية، وتتشكل الصفائح العظمية (BoneIaminae)، ومن ثم تتحول الأرومات العظمية إلى خلايا عظمية ((Osteocytes.

إن العظم المتشكل بهذه الطريقة يكون في بداية الأمر غير كامل التعظم؛ لأنه يحتوي في مركزه على بعض الأجزاء الغضروفية المتبقية، كما أنها تقوم بتحطيم بعض الصفائح العظمية، مما يساهم في تشكيل القناة النقوية التي تملأ بنقي العظام (Bone Marrow).

ومن الجدير بالذكر أن معظم عظام الجسم تتعظم بطريقة التعظم الغضروفي؛ لأن هيكل الجنين يتكون أساسًا من الغضاريف([8]).

وقد صرح علماء الأجنة أن في الأسبوعين الخامس والسادس تبدأ المرحلة الغشائية، ويظهر النسيج السابق للعظام، وفي أواخر الأسبوع السادس تأتي المرحلة الغضروفية، ثم تظهر في الأسبوع السابع أماكن تمعظم في أقواس الفقرات، وتبدأ الأضلاع ـ عندئذٍ ـ تظهر، وتتكون العضلات حول العظام وتكسوها باللحم.

وبالتوفيق بين ما اكتشفه العلم الحديث وعلم الأجنة فإن العظام تنقسم إلى قسمين هما:

1.  العظام الغضروفية: وهي التي تتكون من الغضاريف أولًا، ثم تمتلئ بالعظام تدريجيًّا.

2.  عظام غشائية:وهي التي كانت نسيجًا من الغشاء ثم بني عليها العظم دون أن تسبقه مرحلة نشوء الغضاريف، وبين مرحلة اللحم؛ إذ وجد علم الأجنة أن في الأسابيع الخامس والسادس والسابع تحدث أحداث جسام في الجنين، وقد اكتشف أن أهم ما يميز هذه المرحلة هو تحويل الكتل البدنية إلى عظام، فتظهر براعم الأطراف في بداية الأسبوع الخامس، ويسبق الطرف العلوي الطرف السفلي ببضعة أيام، ويحتوي البرعم الطرفي في أول الأمر على خلايا غير مميزة، ثم تتكشف في الأسبوع السادس وتتحول إلى خلايا غضروفية، وتبدأ هذه الخلايا بإفراز النسيج الغضروفي مكونة بذلك عظام الأطراف، وهي العضد والزند والكعبرة في الطرف العلوي، وعظمة الفخذ وقصبة الساق والشظية في الطرف السفلي، كما يتكون بذلك رسغا اليد والقدم، وسلاميات أصابع اليدين والقدمين([9]).

 

جنين في الأسبوع السابع وبداية ظهور الفقرات الغضروفية

 

 

جنين في الأسبوع الخامس (35 يوما منذ بدء التلقيح)، الرأس والعين واضحتا المعالم، والأطراف العلوية والسفلية تبدو وكأنها مجاديف أو زعانف، ومع هذا فإن البداية الأولى لليد والأصابع تبدو من خلال الصورة باهتة، ولكنها عما قريب ستكون واضحة

وهذا ما نجد الدكتور "كيث مور" يؤكده؛ إذ يقول:

During the seventh week‚ the skeleton begins to spread throughout the body and the bones take their familiar shapes. At the end of the seventh week and during the eighth week the muscles take their positions around the bone forms.

وترجمة هذا: أثناء الأسبوع السابع، يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار خلال الجسم، وتأخذ العظام أشكالها المألوفة، وفي نهاية الأسبوع السابع وأثناء الأسبوع الثامن تأخذ العضلات موقعها حول تكوينات العظام([10]).

وكذلك أثبت علم الأجنة أن خلايا العظام هي التي تتكون أولًا في الجنين، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وهذا ما نجد صاحب كتاب: "علم الأجنة الطبي" (Medical Embryology)يصرح به؛ إذ يقول: وتظهر هذه العضلات لتكسو العظم في الأسبوع السادس والسابع ـ منذ بدء التلقيح ـ بينما تظهر العظام ذاتها في الأسبوع الخامس والسادس، ويقول أيضًا: وهكذا نرى الأسبوع الرابع (21: 30) مخصصًا لظهور الكتل البدنية، والأسبوع الخامس والسادس لتحول الكتل البدنية إلى قطاع عظمي وعضلي، والأسبوع السادس والسابع لتكسى العظام بالعضلات([11]).

 

 

صورة رائعة للأرجل والأقدام... الدماء تغذي العظام التي تبدو قانية... تزحف العظام على الغضاريف فتترسب في مكانها بعد أن تقوم بامتصاص الغضروف. هذا الجنين يبلغ من العمر أربعة أشهر، وأرجله لا تكف عن الحركة، ومع ذلك فإن الأم لا تحس بها إلا في نهاية الشهر الرابع من الحمل، وإذا كانت خروسًا (بكرية) فإنها تحتاج إلى عشرة أيام أخرى قبل أن تتأكد من حركات الجنين

وبهذا يتضح لنا مما سبق أن تكوين العظام يسبق تكوين العضلات، ثم كسوة هذه العظام بالعضلات.

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه القرآن الكريم:

حتى وقت قريب كان يعتقد أن العظام والعضلات يظهران معًا وينموان معًا، إلا أن بعض الناس قد زاد فقال: إن العضلات تتكون قبل تكون العظام، غير أن البحوث الأخيرة لعلم الأجنة قد أظهرت حقيقة مختلفة تمامًا لم ينتبه إليها أحد، وهي أن نسيج الغضاريف في الجنين يتحول إلى عظام أولًا، ثم يتم اختيار خلايا العضلات من الأنسجة الموجودة حول العظام لتتجمع هذه الخلايا وتلف العظام، وهذه الحقيقة العلمية التي كشفها العلم حديثًا قد أخبرنا بها ربنا عز وجل في القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام؛ إذ يقول في كتابه الكريم: )وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحمًا( (البقرة: 259)، وقال: )فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)((المؤمنون).

وهذه الحقيقة العلمية التي وردت في هذه الآيات منذ قرون يتم شرحها في كتاب علمي حديث بعنوان: "نشوء الإنسان" (Developing Human) للعالم الشهير "كيث مور"، ويتضح مدى تطابقها مع ما وصل إليه العلم الحديث من اكتشافات تخص الجنين وتكونه.

ولكن مع ما أثاره الطاعنون بخصوص هذا الموضوع ـ أيهما خلق قبل الآخر: العظم أم اللحم؟ ـ وجب علينا أن نفند ما ظنوه دليلًا على ما ذهبوا إليه من: خلق اللحم قبل العظم؛ وذلك إيضاحًا للحق ودرءًا لأي شكوك قد تنتاب فؤاد المرء، من أجل ذلك كان لزامًا علينا معرفة ما اتخذه المدلسون مدخلًا لإضلال الناس.

فيقولون: إن النساء منذ العصر الحجري ترى الجنين الساقط في فترات مبكرة من الحمل على هيئة خثرات دموية ـ قطعة لحم ـ خالية من أي عظام، ومن هنا كان اعتقادهم بأسبقية خلق اللحم على العظم، وما ذكروه هو حق أريد به باطل؛ إذ تناسوا سؤالًا مهمًّا كان من الواجب أن يطرحوه على أنفسهم، وهو: ما هو حجم الجنين في مراحل الحمل الأولى؟ فلو كلفوا أنفسهم البحث عن الإجابة؛ لاتضح لهم خطأ ما ذهبوا إليه؛ فمن اليوم الأول للحمل وحتى نهاية الأسبوع الثالث لو حدث إجهاض فلا يمكنك أن ترى جنينًا، ولا حجمًا يمكنك أن تقول عليه لحمًا سوى المشيمة التي تتكون في الأسبوع الثاني، أما في الأسبوع الرابع فيكون حجم الجنين فيه 4 مليمتر؛ أي أقل من نصف سنتيمتر، وهذا معناه أنه لو حدث إجهاض في نهاية الشهر الأول، فإن السيدة التي أجهضت ونزل حملها لن تستطيع أن ترى جنينًا كاملًا أيضًا، وما تراه ـ عندئذٍ ـ من قطعة لحم ما هو إلا المشيمة وشيء ضئيل من الحبل السري، وفي الأسبوع الخامس يكون حجم الجنين 8 ملييمترات؛ أي أقل من سنتيمتر واحد، ويكون حجم الجنين في الأسبوع السادس 13 ملييمتر، ويكون في الأسبوع السابع 18 ملييمتر؛ أي أقل من 2سنتيمتر، أما الأسبوع الثامن فيكون حجم الجنين فيه 30 ملييمتر؛ أي 3 سنتيمترات([12])، وهذا مع العلم أن الجنين في الأسبوع الثامن يكون قد تكون بالفعل وأصبح مميز الشكل، ولكن عين المرأة الناظرة إلى الجنين الساقط تقول: إنه قطعة لحم ـ على الجنين كله ـ رغم اكتمال تكوينه في المرحلة الجنينية (Embryonic Stage)؛ وذلك لصغر حجمه إذ يبلغ 3 سنتيمتر، والسؤال الآن: هل الحكم يكون لعين المرأة الناظرة له ـ العين المجردة ـ أو يكون للواقع والحقيقة التي لا تدركها العين المجردة، وإنما بواسطة المجهر الضوئي وعلم التشريح وعلم الأنسجة؟ فما تحدث عنه القرآن لم تثبته العين المجردة ـ الملاحظة العادية ـ ولكن تم إدراكه كما أخبرنا آنفًا على المستوى البحثي من علم التشريح وعلم الأنسجة والموجات الصوتية التي تتتبع نمو الجنين في المراحل المختلفة، وهذا قمة الإعجاز؛ إذ لم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدوات تشريح، ولا أتيح له عدد من الأجنة التي تنزل في مراحل مختلفة عند إجهاض النساء، ليقوم بعمل تشريح للأنسجة ودراستها، وعمل شرائح ووضعها تحت ميكروسكوب، ولا كان لديه ـ أيضًا ـ موجات صوتية، فسبحان الله العظيم؛ فلو كان الأمر مبنيًا على رؤية العين المجردة لما كان هناك جديد، فضلًا عن أن يكون هناك إعجاز.

نأتي لقضية أخرى قد أثارها الطاعنون وهي الترتيب الوارد في قوله تعالى:)فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)((المؤمنون)؛ إذ يقولون: إن الترتيب فيها ترتيب عكسي للأحداث، لا يتفق مع علم الأجنة في شيء.

ومن المعلوم أن رأيهم هذا مبني على زعمهم الخطأ بأسبقية خلق اللحم على خلق العظم؛ إذ إن علم الأجنة الحديث قد توصل مؤخرًا إلى الترتيب الذي ذكره القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام في مسألة خلق العظم قبل اللحم؛ فقد قال بهذا الترتيب كبار علماء الأجنة أمثال: "تاجاتات تاجاسون"([13])، والبروفيسور "مارشال جونسون"([14])، وكذلك عالم الأجنة الشهير "كيث مو".

وإذا ذهبنا وتأملنا ما ورد في تفسير آيات القرآن الكريم، نجد مثلًا ما قاله ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى:)فخلقنا المضغة عظامًا((المؤمنون:14) "يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها"([15])، وقال الشوكاني: "أي جعلها الله سبحانه وتعالى متصلبة؛ لتكون عمودًا للبدن على أشكال مخصوصة"([16])، وقال الألوسي: "وذلك التصيير بالتصليب لما يراد جعله عظامًا من المضغة، وهذا تصيير بحسب الوصف، وحقيقته إزالة الصورة الأولى عن المادة وإفاضة صورة أخرى عليها"([17])، ثم يبدأ الجنين الطور الأخير من التخليق، وهو طور كساء العظم باللحم، وفي هذا الطور يزداد تشكل الجنين على هيئة أخص؛ فنجد ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: )فكسونا العظام لحمًا( (المؤمنون:14)،يقول: "أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه"([18])، وقال الشوكاني: "أي أنبت الله سبحانه وتعالى على كل عظم لحمًا على المقدار الذي يليق به ويناسبه"([19]).

وهذا يتوافق مع ما ثبت في علم الأجنة ـ كما ذكرنا ـ من أن العظام تخلق أولًا ثم تكسى بالعضلات في نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن من تلقيح البويضة؛ حيث تكون جميع الأجهزة الخارجية والداخلية قد تشكلت، ولكن في صورة مصغرة ودقيقة، وبنهاية الأسبوع الثامن تنتهي مرحلة التخليق، والتي يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الجنينية، هذا وقد أكد علم الفحص بأجهزة الموجات فوق الصوتية أن جميع التركيبات الخارجية والداخلية في الشخص البالغ تتخلق من الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع الثامن من عمر الجنين.

وبالرجوع إلى جميع كتب التشريح في العالم لا تجد خلافًا حول حقيقة أن لكل عضلة في جسم الإنسان منبتًا تنبت منه، ومكانًا تغرس فيه، ولا خلاف في جميع المراجع العلمية على أن هذا المنبت هو منبت عظمي، وكذلك المغرس يكون في العظام، فكيف تنبت العضلة قبل خلق المنبت؟!

وتفريعًا على الطعن السابق يضيف الطاعن طعنًا آخر مؤداه أن القرآن عندما تحدث عن طور المضغة ثم تحولها إلى عظام نجده قد عبر بمصطلح العظام، في حين أن العلم الحديث أثبت أن العظام لم تكن قد اكتملت في ذلك الوقت، وإنما تكون على هيئة غضاريف، فالعمود الفقري يكون كله غضروفيًّا، ثم تتحول هذه الغضاريف إلى عظام ناضجة، كما أن هذه الغضاريف لا تتحول كلها إلى عظام، ولكن منها ما يتحول إلى عضلات؛ ومن ثم فإن التعبير القرآني تعبير غير صحيح.

وردًا على ذلك نقول: إن المسألة برمتها تدور حول اللغة، فالطاعن ليس على إدراك كامل بلغة القرآن، وهي لغة العرب، كما أن المسألة في طرف منها تخص قضية المصطلح في حد ذاته، فلماذا لا يكون الغضروف عظمًا في قوله تعالى: )فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا((المؤمنون:14) ، وذلك على اعتبار ما سيكون؛ كقول الساقي: )إني أراني أعصر خمرًا( (يوسف: 36)؛ إذ يمكن في لغة العرب، وهي لغة القرآن إطلاق اسم العضو في مراحل نموه قبل النضج التام، وكذلك إطلاق الثمرة للدلالة على الشجرة؛ ونقول كذلك: روينا الزيتون سواء كان الري في وقت طرح للزيتون، أو في وقت خلو الشجرة منه، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى فإن الغضروف مرحلة من مراحل نمو العظام؛ فهي تكون غضروفًا أولًا، ثم تتحول إلى عظام، فالتركيب النسيجي للغضاريف التي تتحول إلى عظام هو نفسه للغضاريف التي تتوقف عند مرحلة الغضروف مع زيادة في نسبة الكولاجين فيها، أما في باقي التكوين فهو نفسه دون زيادة.

ولو أن الطاعن كلف نفسه مطالعة لسان العرب أو أي معجم لغوي، لوجد أن الغضروف هو كل عظم رخص لين في أي موضع كان.

فببساطة شديدة الغضاريف في لغة العرب هي عظام، ولكنها لينة، وعندما يقول سبحانه وتعالى: )فخلقنا المضغة عظامًا( (المؤمنون:14)، فهذا صحيح لما بيناه، وقد يكون السبب في كون الله عز وجل لم يحددها بأنها غضاريف أن الجسم لا يكون كله عظمًا لينًا قبل نشوء اللحم؛ فعظام الترقوة تبكر في النضج قبل بناء العضلات فتكون عظمًا وليس غضروفًا، فاللفظ القرآني إذًا لفظ عام؛ إذ ليس مهمة القرآن أن يحدد درجة لين تلك العظام خاصة وأن بعضها لا يتصلب ويظل عند مرحلة الغضروف، وبعضها ينضج ويكون عظمًا قبل بناء اللحم، وكذلك فإن مصطلح الغضروف لا يعبر عن العظم، ولكن مصطلح العظام يعبر عن الغضاريف([20]).

وعلى هذا يكون إطلاق القرآن الكريم واستخدامه لمصطلح العظام هو الذي يعبر عن هذه المرحلة من حياة الجنين تعبيرًا دقيقًا؛ فكلمة عظم تشير في اللغة العربية إلى ما هو قوي وشديد، قال ابن فارس: "العين والظاء والميم أصل واحد يدل على كبر وقوة، فالعظم مصدر الشيء العظيم، وعظمة الذراع مستغلظها... ومن الباب: العظم معروف وسمي بذلك لقوته وشدته"([21]).

وشدة العظم شدة نسبية، فإذا قارنّا نسيج المضغة الميزانكيمي مع الغضروف، استنتجنا أن الغضروف أشد من النسيج الميزانكيمي؛ وذلك لأنه في نهاية المطاف نسيج متكثف، والتكثف أشد وأغلظ وأثقل من النسيج الميزانكيمي اللين، وهو أصلب منه، وبالتالي فالغضروف من الناحية اللغوية نوع من العظام.

وهكذا فإن الحقائق العلمية تتفق مع معاني ودلالات النص القرآني: )فخلقنا المضغة عظامًا( (المؤمنون:14)، بأن هيكلًا صلبًا يتولد في المرحلة التي تقع بعد مرحلة المضغة داخل النسيج اللين الذي يتألف منه الجنين.

وقد يتساءل البعض قائلا: إن العظام ـ في هذه المرحلة ـ لم يكتمل تطورها بعد، ولم تظهر في صورتها النهائية، فهل لنا أن نقول: إن العظام ظهرت قبل اللحم كما تشير إليه الآية: )فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا((المؤمنون:14)، والحال أن تمامها يتأخر إلى ما بعد طور العظام؟ وذلك أن نموذجًا غضروفيًّا يتكون، ومن ثم يتخلق اللحم، وأثناء كسو اللحم يتعظّم النموذج الغضروفي تدريجيًّا، نقول:

إن ذكر خلق المضغة عظامًا جاء مقرونًا بفاء الترتيب والتعقيب، وهذه الفاء توجه الأنظار إلى ابتداء الخلق وليس إلى صيرورته؛ فهي تقارن بين الطور الذي نتكلم عنه بالنسبة للطور الذي قبله، ومن ثم فإن خلق الغضروف هو بمثابة خلق عظام بالنسبة لطور المضغة، لا بالنسبة إلى الأطوار المتأخرة؛ حيث يكتمل تخلق العظام([22]).

وخلاصة القول: إن استعمال حرف الفاء في هذا الموضع للدلالة على (الترتيب والتعقيب)، الذي يسوقنا إلى أن ننظر إلى تخلق العظام بالنسبة للطور الذي سبقه، وتغيير الفعل من العام (خلق) إلى الخاص (كسا) للدلالة على التفصيل بعد الإجمال، واستعمال الترتيب والتعقيب مع التفصيل بعد الإجمال لعدم نفي تطور العظام، والإشارة إلى أن طورًا ثانيًا للعظام له مميزات خاصة يعقب طور تخلق العظام البدائي، وعدم ذكر نهاية خلق العظام على خلاف الأطوار التي سبقته، ووضع كلمة (عظام) في الآية في مكان يؤكد ابتداء تخلقها ولا ينفي مآلها من خلال المجاز باعتبار ما سيكون ـ نقول: إن ذلك كله يدل على براعة مطلقة تبلغ الغاية في البلاغة؛ إذ جاء الكلام مطابقًا للحقائق العلمية الغيبية في الخلق، والتكلم عنها بهذا الشكل يحتاج إلى مشاهدة، وفطنة عالية، وحضور ثاقب، وتمكن في اللغة العربية إلى أقصى درجاته([23]).

وهكذا تكون مطابقة الحقائق العلمية والدراسات الجنينية الحديثة مع ما ورد بالقرآن الكريم خير دليل على إعجازه، والسؤال الآن: من أخبر محمد بن عبد الله العربي الأمي بكل هذه الحقائق؟! ثم من كان يجرؤ من البشر في زمانه صلى الله عليه وسلم ،بل بعد زمنه بعشرة قرون ـ أن يحدد تاريخًا باليوم من عمر الجنين يفصل به  مثلًا بين مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف، بل يذكر فيه تفاصيل لم تعرف إلا بعد أبحاث مضنية شاقة، وبعد تقدم وسائل المعرفة واختراع المجاهر الدقيقة؟!

3)  وجه الإعجاز:

 لقد أثبت العلم الحديث أن العظام في تخلقها تسبق اللحم، وهذا ما أخبر به القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحماً((المؤمنون:14).          

وبهذا يتضح لنا مدى مطابقة العلم الحديث وما اكتشفه من حقائق ـ استغرقت عشرات السنين للوصول إليها ـ مع ما ورد بالقرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام، في زمن لم يعرف المجاهر والميكروسكوبات الدقيقة.

ثانيا. نفي التعارض بين السنة والقرآن في خلق العظم واللحم:

إن ما أثاره بعض الواهمين حول وجود تعارض بين آيات الذكر الحكيم والسنة النبوية فيما يخص مراحل تكوين الجنين ـ لهو زعم باطل، كما أن هناك أمرًا لافتًا للنظر، ومستفزًّا لقرائح الآخرين، وهو أن يدعي هؤلاء كذلك على العلم التجريبي، وهو علم قوامه الملاحظة والتجربة والبرهان، وليس مجرد حدس وتخمين، فلم نعد ندري؛ أهم أعلى من العلم الذي لا يطمئن إلى نتيجة إلا بعد جهود مضنية وأبحاث شاقة قد تأخذ عشرات السنين؟! أم ماذا يكونون؟! وفي نظرنا أن المسألة تنحصر في أحد احتمالين لا ثالث لهما، أولهما: أنهم عالمون يفقهون ويدركون ما لا يفقهه العلم ويدركه، والثاني: أنهم لا يعلمون عن ذلك العلم شيئًا.

إن الطاعن عند قراءته للأحاديث النبوية، وبخاصة حديث: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك...»([24])ـ نقول: إن الطاعن عند قراءته لهذا الحديث لاحظ من ظاهره تعارضه مع القرآن؛ إذ وجد القرآن يقول: )فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا((المؤمنون:14)، فمراحل تكون الجنين في الحديث تختلف عما في الآية الكريمة، وبخاصة طور العظم وكسوته باللحم، كما لاحظ الطاعن من ظاهر الحديث كذلك أن اللحم يخلق قبل العظم، بينما يحدث العكس في الآية الكريمة؛ إذ يخلق العظم قبل اللحم.

والرد على ما أثاره الطاعن سهل ميسور؛ فالمسألة برمتها تخص قضية مهمة من قضايا اللغة العربية، وتتمثل في دلالات الحروف ومعانيها، فقد كانت مقاصد كلام العرب ـ على اختلاف صنوفه ـ مبنيًّا أكثرها على اختلاف معاني حروفه، ولهذا فعند تأملنا للحديث الشريف، واستخراج مثل هذه الحروف، نجد أن بغيتنا موزعة بين حرفين هما: الفاء في (فصورها)، والواو العاطفة، فماذا إذًا أفادت هذه الحروف؟

لقد ذهب العلماء ـ ومنهم ابن مالك ـ إلى أن الفاء تكون في بعض دلالاتها ـ وهي المقصودة هنا ـ للمهلة، وتكون بمعنى (ثم)، ومثال ذلك قوله تعالى: )ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير (63)((الحج)، وقد فسرت الآية على أن كلمة "فتصبح" معطوفة على محذوف تقديره: أنبتنا به، فطال النبت، فتصبح ـ آنذاك ـ مخضرة([25]).

فإذا ما قسنا هذه القاعدة على كلمة "فصورها" يتضح لنا أن هذه الكلمة؛ أولا بها إجمال ثم فصل بعدها، كما يتضح أن الفاء فيها للمهلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: «بعث الله إليها ملكًا»؛ أي: بعثه بأمر ما، وهذا الأمر يتضح في كلمة "فصورها"، والتصوير هو الخلق المكتمل؛ مصداقًا لقوله تعالى: )في أي صورة ما شاء ركبك (8)((الانفطار). والخلق المكتمل لا يأتي دفعة واحدة، وإنما يمر بأطوار ومراحل شتى، وهذه الأطوار هي ما ذكرت بعد ذلك مفصلة بالحديث الشريف من خلق السمع والبصر والجلد واللحم والعظام، وبهذا يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجمل مراحل الخلق بهذه الكلمة لإبانة قدرة الله عز وجل، ثم ما لبث أن فصلها، تأكيدًا لقدرته عز وجل واعترافًا بها.

ونأتي لقضية أخرى هي ترتيب مراحل الخلق؛ فمراحل الخلق في القرآن كالآتي: النطفة، العلقة، المضغة، العظام، كسوة العظام باللحم، الإنشاء خلقًا آخر. وهذا ما أيده العلم الحديث وأثبت مدى مطابقته له، بينما نجد الحديث يذكر لنا مراحل الخلق كالآتي: السمع، البصر، الجلد، اللحم، العظام، ومن ظاهر الحديث قد يظن أن الترتيب قد اختلف عما في القرآن، إلا أن ذلك لم يكن اختلافًا، وتوجيه ذلك أمران:

1.  أن الواو في الحديث الشريف هي الواو العاطفة، وقد ذهب جمهور النحويين إلى أنها للجمع المطلق، فإذا قلت قام زيد وعمرو، احتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن يكونا قاما معًا في وقت واحد، والثاني: أن يكون المتقدم قام أولا، والثالث: أن يكون المتأخر قام أولا، وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا بشيء بعد شيء. كما أن الواو تنفرد في العطف بأمور منها: باب المفاعلة والافتعال، نحو: تخاصم زيد وعمرو، واختصم زيد وعمرو، وهذا أحد الأدلة على أنها لا ترتب([26]).

نخلص من هذا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه لم يلتزم الترتيب؛ فإذا ما سألنا ـ مثلا ـ شخصًا ما عمن حضر اليوم إلى الاجتماع، فسيقول: أحمد ومحمد ومحمود، فهل ذلك يعني أن أحمد هو من حضر أولًا؟ وهل يلزم أن يكون محمود هو آخر من حضر؟! إلا أن الموضوع في نهاية المطاف يفيد أنهم جميعًا قد حضروا.

2.  استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم لخصيصة من خصائص اللغة العربية، وهي التقديم والتأخير، الأمر الذي يدفعنا لرد ما أثاره الطاعن حول خطأ الترتيب في الحديث؛ ليكون السؤال الصحيح هو: لماذا قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه السمع والبصر والجلد واللحم وهي مراحل تالية على خلق العظام؟

فهذه إذًا هي الصياغة الصحيحة للسؤال، فنقول وبالله التوفيق: إن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تقديم وتأخير؛ فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمراحل السمع والبصر والجلد واللحم مع كونها متأخرة في المجيء؛ ذلك لأن هذه المراحل هي المنظورة أولًا لأعين الناس، ومثال ذلك قوله تعالى: )فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (17)((الرعد)؛ إذ نجد الله تعالى قد بدأ بالزبد في البيان، مع أنه متأخر في الكلام السابق؛ لأن الزبد هو المنظور أولا لأعين الناس([27]).

وبهذا تتبين حكمة تقديم الجلد واللحم على العظم في الحديث الشريف؛ ومن ثم فلا تعارض بينه وبين ما ورد في القرآن الكريم.

نأتي لقضية أخرى، وهي القول بأن مراحل تكون الجنين قد تم ذكرها في سفر أيوب الذي كتب منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد.

نقول وبالله التوفيق: إن النص التوراتي يفتقد الدقة؛ فنجده يقول: "يداك كونتاني وصنعتاني كلّي جميعًا. أذكر أنك جبلتني كالطين. أفتعيدني إلى التراب. ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن، كسوتني جلدًا ولحمًا فنسجتني بعظام وعصب. منحتني حياة ورحمة وحفظت عنايتك روحي..." (أيوب 10: 8 ـ 12)، وبنظرة فاحصة لهذا النص نجد الآتي:

· "ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن"، فهذه عبارة تعرض فكرة أثبت العلم خطأها، وهي نظرية الجنين القزم([28])؛ حيث كان يعتقد أن الجنين يكون على شكل إنسان مصغر في نطفة الرجل، ثم ينمو داخل رحم المرأة، ووصولهم إلى أمرين أحدهما: أن الإنسان يكون كامل الأعضاء قزمًا في الحيوان المنوي، ولا ينمو إلا في تربة خاصة كالرحم، وثانيهما: أن يكون الإنسان كامل الأعضاء قزمًا في دم الحيض، لكنه في انتظار المني؛ ليقوم بمهمة عقد الجنين ويغلظ قوامه، وهذا ما يتضح من العبارة السابقة؛ إذ تقوم الأنفحة بعقد الحليب وتحويله إلى جبن، وعلى هذا فلا يكون هناك دور للمنيّ سوى عمله كمساعد كما تعمل الأنفحة كمساعد للحليب في صنع الجبن (عملية تخثير اللبن)، وهذا غير صحيح وبالأخص عندما يتبين أن العلم الحديث قد توصل إلى أن الجنين يتخلق من نطفتي المرأة والرجل، وهذا ما ذكره القرآن؛ إذ يقول:( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا (2)((الإنسان).

·نأتي لعبارة أخرى وهي: "جبلتني كالطين"؛ فكاف التشبيه هنا من شأنها إثارة
الشك في مسألة خلق الإنسان، هل هو مخلوق من الطين أو كالطين؟! في الوقت نفسه نجد القرآن الكريم قد جاء حاسمًا لمسألة خلق الإنسان؛ فيقول:
( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)((المؤمنون).

·ونأتي ـ كذلك ـ لعبارة ثالثة تقول: "كسوتني جلدًا ولحمًا فنسجتني بعظام وعصب"؛ إذ نلاحظ من العبارة تعارضها الواضح مع ما أثبته العلم الحديث بخصوص مراحل نمو الجنين وترتيبها؛ فنجد المراحل كما قررها العلم الحديث كالآتي: مرحلة النطفة، العلقة، المضغة، العظام، كسوة العظام باللحم، التسوية والتعديل، وهذا ما نجد القرآن الكريم قد أخبر به منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام، فنجده يقول:( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)((المؤمنون).

فإن قال قائل: كيف ننكر على النص التوراتي ما أتى به من ترتيب، ولا ننكر ذلك على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها...».

فنقول: إن الحديث الشريف لم يلتزم الترتيب في بيان مراحل نمو الجنين؛ فالواو المستعملة هي الواو العاطفة التي تفيد مطلق الجمع، ولا تفيد الترتيب، وذلك ما أثبتناه آنفًا، أما النص التوراتي فقد التزم الترتيب. إلا أن قائلا قد يقول: إن ما أخبرنا به ـ كدليل على عدم التزام الترتيب في الحديث الشريف ـ هو موجود كذلك في النص التوراتي، وعلى هذا يكون الترتيب في النص التوراتي صحيحًا.

وعلى فرض صحة ما ذهب إليه القائل من أن الواو تفيد في النص التوراتي ما أفادته الواو في الحديث الشريف وهو مطلق الجمع، وبالتالي فلا يكون هناك التزام بترتيب:

فنقول: إن كلامه كان يمكن القول بصحته لولا وجود الفاء الواردة بعبارة: "فنسجتني بعظام وعصب"؛ إذ أفادت الفاء الترتيب والتعقيب، وعلى هذا فإنها تكون فارقة بين مرحلتين، وهما: مرحلة الكسوة بالجلد واللحم، ومرحلة النسيج بالعظام والعصب، وبهذا يتضح خطأ الترتيب في النص التوراتي.

  


[1]. أطوار خلق الجنين هي: (1) طور النطفة، (2) طور العلقة، (3) طور المضغة، (4) طور العظام، (5) طور كساء العظام باللحم، (6) طور النشأة والقابلية.

[2]. الجهاز الهيكلي: هو الهيكل العظمي المكوِّن لجسم الإنسان والمحدِّد له، بعد تحوُّله من مرحلة الغضروف إلى مرحلة العظام.

[3]. الخلايا الضَّامة: هي الخلايا التي تتكوَّن من ألياف مجعَّدة، تتوالد من خلايا ثابتة ومتفرقة تُسمَّى الجذعات الليفية (Fibroblastes)، وتعتبر بمثابة مصانع حقيقية لهياكل الحماية وأنسجتها، والخلايا الضامة تمثِّل نوعًا مميزًا من خلايا الجسم؛ لأنها تعمل بلا كلل، وتنتج ما يتعدَّى حجمها المتواضع، ويمكن أن نعتبرها الأبسط بناءً بين الخلايا الأخرى؛ إذ يمكن زرعها خارج جسم الإنسان لتعيش وسط بيئة غذائية تناسب وظيفتها في إعادة لحم الجروح، وسدِّ الثغرات في أي مكان من الجسم، وهي موجودة بين الدَّم.

[4]. الخلايا الغضروفية: هي التي تشكِّل مادة تدعيم ممتازة للفقرات؛ فهي تعمل بمثابة مخمر لها؛ بحيث يؤلِّف الغضروف مساحة احتكاكية بين المفاصل وفي الأذن الخارجية والأنف، وهي تشكل نسيجًا مرنًا ومتماسكًا.

[5]. الخلايا العظمية: وهي التي تعمل على تنظيم النسيج العظمي، وتمدُّه بأسباب الحياة؛ فهو يحتوي على خلايات تنظِّم أنوياته في عملية تكليس العظام، وتتحاشى هذه الخلايا التصادم مع الأوعية الدموية والأعصاب في الهيكل العظمي، مع ما لهذه الأوعية والأعصاب من دقة متناهية في الصِّغر.

[6]. الخلايا الجنينية: وتُسمَّى أيضًا بالخلايا الجذعية وبالخلايا المتعددة القدرات (Pluripotent stem Cells) وهي التي يتم الحصول عليها من أجنَّة يقاس عمرها بالأيام (فهي خلايا بدائية تظهر بعد 6: 12 يومًا من الإخصاب)، وهي تملك القدرة أو القابلية في هذه المرحلة على التطور والنمو والانقسام بلا حدود، وإعطاء الخلايا المتخصصة كلها، كما يمكنها أن تتحول إلى أي نوع من أنواع أعضاء أو أنسجة الجسم البشري تقريبًا، وهذا يجعلها شيئًا ثمينًا بالنسبة للعلماء والباحثين في العلوم الحيوية والبيولوجية.

[7]. السِّمحاق: هو قشرة رقيقة فوق عظم الرأس وبين الجلد واللحم، وتُسمَّى "الشجة" إذا بلغ إليها الضرب على الرأس.

[8]. علم الجنين، د. موفق شريف جنيد، مرجع سابق، ص211: 216.

[9]. خلق الإنسان بين العلم الحديث والقرآن، محمد محمود عبد الله، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، 2009م، ص61.

[10]. الرد على شبهات حول طور العظام، مقال منشور بموقع: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com

[11]. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار، مرجع سابق، ص256.

[12]. أيهما خلق أولًا: العظام أم اللحم؟ بحث منشور بموقع: حراس العقيدة www.horras.net .   

[13]. تاجاتات تاجاسون: رئيس قسم التشريح والأجنة في جامعة شاينج ماي بتايلاند، ثم عميد كلية الطب بها.

[14]. مارشال جونسون: رئيس قسم التشريح ومدير معهد دانيال بجامعة توماس جيفرسون بفيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

[15]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص240.    

[16]. فتح القدير، الشوكاني، دار ابن كثير، دمشق، ط1، 1414هـ، ج3، ص683.      

[17]. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، مرجع سابق، عند تفسير هذه الآية.    

[18]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص240.    

[19]. فتح القدير، الشوكاني، مرجع سابق، ج3، ص683.

[20]. أيهما خلق أولًا: العظام أم اللحم؟ بحث منشور بموقع: حراس العقيدة www.hurras.net.     

[21]. مقاييس اللغة، مادة: عظم.      

[22]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص325.     

[23]. المرجع السابق، هامش ص329.

[24]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (9/ 3760)، رقم (6602).      

[25]. الجنى الداني في حروف المعاني، الحسن بن قاسم المرادي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية، بيروت، ص62 بتصرف.      

[26]. المرجع السابق، ص158: 160.      

[27]. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د. محمد سيد طنطاوي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1406هـ/ 1985م، ج7، ص50، 51.

[28]. الجنين ونشأة الإنسان بين العلم والقرآن، د. شريف كف الغزال، مقال منشور بموقع: www.islamicmedicine.org.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
open read here black women white men
signs of a cheater why married men cheat on their wives website
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
my husband cheated click here open
online redirect read here
go link how long for viagra to work
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
viagra vison loss buy viagra online read
why do wife cheat on husband website reasons why married men cheat
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  6593
إجمالي عدد الزوار
  38397445

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع