دعوى خطأ القرآن في ذكر نشأة الجبال وتكوّنها (*)
مضمون الشبهة:
على عادة أعداء الإسلام والمشككين فيه أراد أحدهم تخطئة القرآن في حديثه عن تكوّن الجبال قائلًا: إن القرآن ذكر أن الجبال أتت من الفضاء الكوني الخارجي، مستدلًا على ذلك بقوله تعالى:)وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم( (النحل: ١٥).
وجه إبطال الشبهة:
لقد فسر الطاعن خطأ الفعل "ألقى" في الآية الكريمة؛ إذ فهم أن معنى الفعل هو إلقاء الجبال من خارج كوكب الأرض إلى باطنه، والصحيح أن الجبال تكونت على سطح الأرض عن طريق الإلقاء، ولكن هذا الإلقاء تم جيولوجيا عبر العصور المختلفة من أسفل إلى أعلى؛ حيث لفظت البحار والمحيطات ما بداخلها على مستوى القاع وذلك بفعل البراكين، أو من أعلى إلى أسفل بفعل مجاري الأنهار والترسبات الصخرية، وكذلك فإن حركات طبقات الأرض الكائنة تحت قشرتها تسبب ضغطًا هائلًا من الأسفل إلى الأعلى، ونتيجة هذا الضغط تتكون الجبال.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
توصف الجبال بأنها أشكال أرضية بارزة فوق سطح الأرض، تتسم بقممها العالية، وسفوحها المنحدرة، وبوجودها على هيئة أطواف، أو منظومات، أو سلاسل، أو أحزمة، أو مجموعات من تلك الأحزمة الجبلية التي تكون عادة متوازية أو قريبة من التوازي مع بعضها البعض، وإن كانت بعض الجبال توجد على هيئة مرتفعات فردية وحيدة بصورة جبل واحد، والمرتفعات الفردية تتكون عادة من الطفوح البركانية.
· تكوُّن الجبال البركانية بعمليات إلقاءمتتابعة للطفوح:
بواسطة عدد من الخسوف الأرضية ـ التي تتراوح أعماقها بين 65 كم في قيعان المحيطات وقيعان عدد من البحار، و150 كم على اليابسة ـ يقسم الغلاف الصخري للأرض إلى اثني عشر لوحًا كبيرًا، بالإضافة إلى عدد أقل من ألواح الغلاف الصخري الصغيرة (اللوحيات).
ولما كانت هذه الألواح تطفو فوق نطاق لَدِن شبه منصهر يعرف باسم "نطاق الضعف الأرضي" فإن البراكين تكثر عند الحدود الفاصلة بين تلك الألواح خاصة عند حدود التباعد بينها. ومعظم هذه البراكين تلقي بحممها من أسفل إلى أعلى، وتظل تلك الحمم تتراكم فوق بعضها البعض لتكوِّن كتلًا جبلية معزولة من الصخور البركانية تصل ارتفاعاتها إلى آلاف الأمتار فوق مستوى سطح البحر؛ لأن معظم هذه البراكين يستمر في نشاطه لفترات تتراوح بين 20: 30 مليون سنة، وإن كان بعضها قد يستمر نشاطه لأكثر من مئة مليون سنة.
ومن أمثلة الجبال البركانية جبل أرارت (5100م) في تركيا، وجبل أتنا (3300م) في صقلية، وجبل فيزوف (1300م) في إيطاليا، وجبل كيليمنجار (5900م) في تنزانيا، وجبل كينيا (5100م) في كينيا، وهذه الارتفاعات كلها فوق مستوى سطح البحر.
· تكوُّن الجبال المطوية بعمليات إلقاء الصخور المتجمعة فوق قيعان المحيطاتإلى حواف القارات:
تمثل سلاسل الجبال المطوية ذروة التطور في تكوُّن النطق الجبلية؛ ولذلك فهي تمثل بالمنظومات الجبلية الكبرى في العالم، وتتكون هذه النظم الجبلية من أنواع مختلفة من الصخور الرسوبية والنارية المتحولة (وكلها تنتج عن عملية إلقاء)، كما تعتريها أنماط بنيوية عديدة من الطي، والتصدع، والتصدع الراكب، والمتداخلات، والطفوح البركانية. ولعمليات الإلقاء من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل في كل نمط من هذه الأنماط البنيوية ـ دور أساسي لا يمكن إغفاله.
وتدل الملاحظات الميدانية على أن تكوُّن الجبال المطوية يسبقه تكوُّن أحواض أرضية عملاقة تقدر أطوالها بمئات الكيلو مترات، ويقدر اتساعها بعشرات الكيلو مترات، وأعماقها بعدة مئات من الأمتار، ولكن قيعانها تهبط باستمرار تحت أوزان ما يجتمع فيها من رسوبيات وطفوح؛ فيؤدي ذلك إلى تراكمات من الصخور الرسوبية المتبادلة مع الطفوح البركانية يزيد سمكها على 1500م. وكل من الفتات الصخري والرسوبيات التي تتكون بطريقة كيميائية أو بطريقة عضوية لتكون هذا السمك الهائل من الصخور الرسوبية ـ تلقى كلها من أعلى ماء البحار إلى قيعانها بعملية إلقاء حقيقية، والطفوح البركانية المتداخلة فيها والمتبادلة معها تلقى أثناء الثورات البركانية من أسفل إلى أعلى، كذلك فإن تلك الأحواض الأرضية تكونت بفعل أعداد من الصدوع الخسيفة العميقة التي تظل في حركة دائبة للهبوط بتلك الأحواض ببطء؛ فيساعد ذلك على تجمع تلك التراكمات السميكة من الصخور الرسوبية والبركانية، وكلتاهما تتكون بعملية إلقاء من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى أو بهما معًا.
وتشير الدراسات الميدانية إلى أن حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض تلعب دورًا مهمًّا في عملية بناء هذه السلاسل والمنظومات الجبلية الشديدة الطي والتكسر؛ فعند اصطدام لوحين من ألواح الغلاف الصخري المكون لقاع المحيط تتكون سلسلة من الجزر البركانية على هيئة أقواس فوق قاع المحيط.
وعندما يصطدم قاع المحيط بإحدى القارتين المحيطتين به ويبدأ في الهبوط تحتها، تتكون أعمق أغوار هذا المحيط، ويتجمع في هذا الغور بالإلقاء من أعلى إلى أسفل كم هائل من الرسوبيات التي تضاف بالتدريج في الصخور الرسوبية، كما يتبادل مع هذه الصخور الرسوبية كم هائل من الطفوح البركانية التي يلقى بها من أسفل إلى أعلى.
رسم يوضح اصطدام طبقة قاع المحيط بالقارة
وفي بعض الأحيان قد تتحرك إحدى القارات في اتجاه قارة مقابلة لها دافعة أمامها قاع المحيط الفاصل بين القارتين، فيهبط تحت القارة المقابلة بالتدريج حتى يتم استهلاكه بالكامل، فتصطدم القارتان ببعضهما اصطدامًا عنيفًا يكون من نتائجه هبوط القارة الدافعة هبوطًا جزئيًّا تحت القارة الراكبة، وينتج عن هذا الاصطدام تكوُّن أعلى السلاسل الجبلية على حافة القارة الراكبة، وذلك بكشط كل من الصخور الرسوبية والبركانية من فوق قاع المحيط الهابط وإلقائها من أسفل إلى أعلى على حافة القارة الراكبة، مع إلقاء كم هائل من المتداخلات والطفوح البركانية والصخور المتحولة في قلب السلسلة الجبلية المتكونة بالعديد من الطي والتكسر.
رسم تخطيطي لتحرك قارة الهند عبر السنين لتصطدم بالقارة الآسيوية الأوربية
وتكون جبال الهيمالايا الشاهقة في موضع التصادم
وتكثر الصدوع بصفة خاصة على امتداد حواف سلاسل ونظم الجبال المطوية، وبعض هذه الصدوع من النوع العادي، ولكن معظمها من الصدوع التجاوزية (الدسرية) ذات الميول المنخفضة التي تمتد إلى مئات الكيلو مترات دافعة أمامها كتلًا هائلة من الصخور المتباينة كتلة فوق الأخرى لعدة كيلو مترات، وهي صورة من أروع صور الإلقاء([1]).
وقد أسهب العلماء في ذكر أنواع الجبال وطرق تكوينها، ولكن هناك ثلاثة أنواع أساسية من الجبال، وهي:
· جبال جيوسنكلينية: ويطلق عليها أحيانا اسم أحزمة الطيات؛ لكثرة وجود الطيات في داخلها، وهي تتكون نتيجة لرفع وطي الرسوبيات المتراكمة في الأحواض البحرية، وتعرف الحركات الأرضية التي تتحكم في تكوين مثل هذه الجبال باسم: الحركة الأرضية البانية للجبال.
· جبال بركانية: وهي التي تكون سلاسل جبلية مغمورة في قيعان المحيطات، على طول الحدود البناءة، وتتكون هذه الجبال من الانبثاقات البازلتية، والتي تكون قيعان المحيطات أثناء عملية انتشار قاع البحار.
· جبال تصدعية: وتوجد في وسط ألواح قارية ثابتة، وأحيانًا تتكون الرسوبيات التي تؤدي إلى تكوين مثل هذه الجبال في أحواض ترسيبية.
وبهذا يتضح أن الجبال (رسوبية أو بركانية) تتكون مما تلقيه الأنهار والرياح بعد عملية الحت والتعرية في اليابسة وثوران البراكين في قيعان البحار والمحيطات، لتكون بعد ذلك الجبال([2]).
إلقاء الجبال تم جيولوجيا ـ عبر العصور المختلفة ـ من أسفل إلى أعلى
2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أشارت إليه الآية الكريمة:
لقد سارع الطاعن إلى تخطئة القرآن الكريم لاستخدامه الفعل "ألقى" مع الجبال، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم( (النحل: ١٥) جازمًا ـ بناء على فهمه ـ بأن القرآن قال بإلقاء الجبال من الفضاء الكوني الخارجي على سطح الأرض.
والحق أن هذا فهم خاطئ، يدل على التسرع والعجلة ومحاولة تخطئة القرآن الكريم بأي شكل من الأشكال دون فهم لمعاني اللغة العربية وتراكيبها.
· الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة:
قال ابن منظور: "ألقى الشيء: طرحه، يقال: ألقه من يدك، وألق به من يدك"([3]).
وجاء في المعجم الوسيط: "ألقى الله الشيء في القلوب: قذفه، وألقى فلان السمع، وإلى فلان السمع: استمع وأصغى"([4]).
إن الإلقاء لا يكون من أعلى إلى أسفل فقط، وإنما يكون من أسفل إلى أعلى كما سنبين بعد قليل.
· من أقوال المفسرين:
يقول الإمام الطاهر ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: "... وهذه المخلوقات ـ يقصد الجبال ـ لـما كانت مجعولة كالتكملة للأرض وموضوعة على ظاهر سطحها عبر عن خلقها ووضعها بالإلقاء الذي هو رمي الشيء على الأرض. ولعل خلقها كان متأخرًا عن خلق الأرض؛ إذ لعل الجبال انبثقت باضطرابات أرضية كالزلزال العظيم ثم حدثت الأنهار بتهاطل الأمطار"([5]).
· الفعل "ألقى" وحقائق العلم الحديث:
منذ أكثر من ثلاثة آلاف مليون سنة كان سطح الأرض يلتهب بحركة شديدة لأجزائه، البراكين والهزات الأرضية، وما تطلقه الأرض من باطنها من حمم منصهرة وغير ذلك.
وخلال ملايين السنين تبردت هذه القشرة الخارجية لسطح الأرض وشكلت ألواحًا تغطي الكرة الأرضية، هذه الألواح تسمى القشرة الأرضية، وتتحرك بشكل مستمر بحركة بطيئة جدًّا، وعند اصطدامها مع بعضها البعض فإنها تشكل ضغطًا رهيبًا يتجه للخارج بشكل عمودي على سطح الأرض، يؤدي هذا الضغط إلى إلقاء أطراف هذه الألواح للأعلى وبروزها، وبمرور الملايين من السنوات تشكلت الجبال التي نراها اليوم.
وهنا نجد أن كلمة "ألقى" هي الكلمة المثالية للتعبير عن آلية تشكل الجبال؛ لذلك نجد البيان القرآني يؤكد هذه الحقيقة العلمية بقوله تعالى: )وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارًا وسبلًا لعلكم تهتدون (15)((النحل).
ثم تأمل هذه الآية الكريمة التي تحدثت عن مد الأرض وحركتها وكيف ألقيت الجبال نتيجة حركة الألواح، يقول تعالى:)والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون (19)((الحجر).
فالآية تتحدث عن مد الأرض ـ أي حركتها ـ وهذا ما حدث فعلًا، والرجل عندما يمد يده يعني أنه يحركها لتمتد، إذا معنى قوله تعالى: )والأرض مددناها(؛ أي: حركناها حركة بطيئة، وكان من نتائج هذه الحركة لقشرة أو لقشور الأرض هو اصطدام هذه القشور وإلقاء ما بداخل الأرض للأعلى لتتشكل الجبال.
لقد كشفت البحوث الجيولوجية الحديثة أن الجبال كالوتد المغروس في الأرض، والذي قاد هذا الكشف هو وجود جذر للجبل داخل الأرض، فعند رسم مخطط لهذا الجبل نراه كالوتد، منه جزء بارز على الأرض هو الجبل، والجزء الأكبر في عمق الأرض.
وقد درس الباحثون سر تكون الجبال والهدف منها وما هي فائدتها، فتبين أن الجبال تمثل مثبتات للأرض خلال رحلة دورانها؛ فالأرض تدور بسرعة كبيرة تتجاوز الـ 1600 كم/س، وعند هذه السرعة يختل توازن الأرض لولا هذه الجبال التي بمثابة الميزان لهذه الكرة الدوارة([6])!
إذًا "الفعل "ألقى" أكثر خصوصية؛ لأنه ينطبق على نشأة الجبال الرسوبية التي تلقيها الأنهار إلقاء في البحار على مراحل زمنية حتى إذا تراكمت رفعها الله جبالا"([7]).
على أن القرآن الكريم "عبر عن نشأة الجبال أيضًا باستخدام الفعل "جعل" بدلا من "ألقى" كما في قوله تعالى: )وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم( (الأنبياء: ٣١)، وهنا نلاحظ أن الفعل "جعل" يشمل جميع أنواع الجبال الرسوبية والنارية"([8]).
3) وجه الإعجاز:
تتكون الجبال الرسوبية مما تلقيه الأنهار والرياح بعد عملية الحت والتعرية في اليابسة، وثوران البراكين في قيعان البحار والمحيطات، لتكوّن بعد ذلك الجبال، أليس هذا إلقاء؟! أليس هذا دليلًا على عظمة القرآن الكريم، وهو يثبت هذه الحقيقة الجيولوجية الرائعة: )وألقى في الأرض رواسي((النحل:15)، وما الجبال البركانية إلا أجسام ضخمة مؤلفة من صخور، وفتات بركاني قذفتها فوهات البراكين بشدة ثم تساقطت على أطرافها وتراكمت فكانت الجبال، أليس هذا إلقاء ألقاه الله من البحار والبراكين لتتكون الجبال؟!فسبحان من أشار إلى هذه الحقيقة الرائعة وسجلها في كتابه لتكون سابقة في مضمار إثبات الحقائق العلمية([9]).
(*) موقع: الكلمة www.alkalema.us.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص252: 255.
[2]. الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد شعبان التفتنازي، مرجع سابق، ص348، 349.
[3]. لسان العرب، مادة: لقي.
[4]. المعجم الوسيط، مادة: لقي.
[5]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص120.
[6]. آيات الله في الجبال، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيلwww.kaheel7.com.
[7]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص314.
[8]. القرآن الكريم والعلم الحديث، د. منصور محمد حسب النبي، دار المعارف، القاهرة، ص46، 47.
[9]. الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد شعبان التفتنازي، مرجع سابق، ص349.
go
link how long for viagra to work
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband