نفي الإعجاز العلمي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم بشأن مرور البرق ورجوعه (*)
مضمون الشبهة:
زعم المشككون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد حينما قال: "ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟" قائلين: إن أي بدوي يعيش في الصحراء ويراقب ظواهر الطبيعة يمكن أن يرى مرور البرق ورجوعه.
وجه إبطال الشبهة:
· ينطوي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفةعين» على معجزة علمية بكل المقاييس؛ فمن خلال البحث في المعنى اللغوي الذي يحمله الحديث الشريف، ومقارنة ذلك بآخر ما وصل إليه العلم في مجال "هندسة البرق" ـ يتبين لنا التطابق الكامل بين الكلام النبوي الشريف، وبين ما اكتشفه العلماء مؤخرًا من عمليات معقدة تحدث في ومضة البرق، وهذه العمليات لايمكن لأي إنسان أن يلاحظها بالعين المجردة؛ لأن الزمن اللازم لكل طور من هذه الأطوار التي تحدث في ومضة البرق يقاس بأجزاء من الألف من الثانية، ولا تستطيع العين المجردة أن تحلل المعلومات القادمة إليها خلال زمن كهذا؛ ومن ثم فإن ما ادعاه المشككون غير صحيح.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
ظلت ظاهرة البرق حدثًا مخيفًا ومحيرًا للعلماء على مدى قرون طويلة، ونسجت الأساطير الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته، فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث مقدس يرتبط بالآلهة، وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير لهذا الحدث المرعب؛ ففي الميثولوجيا الإغريقية مثلا كان البرق هو سلاح الإله زيوس، الذي استخدمه لقتل أعدائه.
صورة تمثل المعتقدات القديمة السائدة قبل آلاف السنين، فقد كانوا ينسبون البرق للآلهة وليس كناموس كوني إلهي، ففي أساطير الإغريق كان البرق هو سلاح للإله زيوس
ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي وحتى يومنا هذا؛ أي على مدى أكثر من قرنين ونصف، قام خلالها العلماء بآلاف التجارب في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيرة، والتي لا تزال تفاصيلها الدقيقة مجهولة تماما بالنسبة لنا حتى الآن.
ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر قام "بنيامينفرانكلين"(BenjaminFranklin)([1]) بأول تجربة علمية منظمة أثبت من خلالها الطبيعة الكهربية للبرق، وأن البرق ما هو إلا شرارة كهربية ناتجة عن التقاء شحنتين كهربيتين متعاكستين؛ فقد قام هذا العالم بربط سلك من الحرير إلى طائرة ورقية وأرسله عاليًا أثناء وجود غيوم كثيفة وممطرة؛ أي أثناء وجود عاصفة رعدية، وربط نهاية السلك بقضيب معدني وغلفه بعازل من الشمع لكي لا تتسبب الشرارة القوية بقتله.
وقد نجحت التجربة، وعندما قرب القضيب من الأرض انطلقت شرارة قوية تشبه شرارة البرق، فأثبت بذلك هوية البرق الكهربية وآلية حدوثه، ولكن النتائج التي حصل عليها كانت متواضعة جدًّا، ولم يستطع إدراك العمليات الدقيقة التي تسبب هذه الشرارة القوية.
أما الفيزيائي السويدي "ريتشمان" G. W. Richmann)([2])) فقد قام بتجربة أثبت فيها أن الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربية. واستمرت التجارب، ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما أصبح التصوير الفوتوغرافي ممكنًا، وصار بإمكان العلماء التقاط صور لومضات البرق، ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض تفاصيلها التي لا تدركها عين الإنسان. ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة، وبقيت العمليات الدقيقة التي ترافق ظاهرة البرق مجهولة حتى الستينيات من القرن العشرين؛ حيث تطورت التجارب وازداد الاهتمام بها لتجنب صدمات البرق التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت الصناعية، وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب الفضائية والرادارات والحاسوب؛ لمعالجة البيانات التي قدمتها مختبرات مراقبة البرق ودراستها.
ظاهرة البرق ظلت لغزًا محيرًا للعلماء حتى النصف الأخير من القرن العشرين، عندما تطورت أجهزة التصوير والمراقبة والقياس، وقد أنتج العلماء آلاف الأبحاث العلمية
حول كهرباء البرق والعمليات الفيزيائية فيه
وقد استطاع العلماء أخيرًا بفضل التصوير فائق السرعة والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا أن ومضة البرق الواحدة قد تتألف من عدة ضربات، وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو أطوار، وقد تم قياس الأزمنة لكل مرحلة بدقة كبيرة، ورؤية هذه المراحل، ولم يتحقق هذا إلا في نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين.
· أنواعالبرق:
يحدث البرق على عدة أنواع حسب مكان وجود الشحنتين الموجبة والسالبة، وقد دلت الإحصائيات الحديثة أنه في كل ثانية هنالك مئة ضربة برق على سطح الكرة الأرضية، وجميع هذه الضربات متشابهة من حيث آلية الحدوث وزمنه.
صورة لومضات البرق ملتقطة بواسطة قمر صناعي، ونلاحظ ضربات البرق المتعددة بشكل دائم وعلى مدار الساعة، والومضات المتدرجة على يسار الصورة هي ضربات برق تحدث في اللحظة نفسها
وأكثر أنواع البرق شيوعًا وأهمية هو البرق الناتج من التقاء شحنتين متعاكستين بين الغيمة والأرض، فغالبًا ما تكون الغيمة ذات شحنة سالبة عند الجهة القريبة من الأرض، أما سطح الأرض فيكون ذا شحنة موجبة، ويسمي العلماء هذا النوع "غيمة ـ أرض" (Cloud ـ Ground)، واختصارًا يرمز لهذا النوع بالحرفين (CG).
ومضة برق بين الغيمة والأرض (CG)، وهذا النوع يحدث نتيجة تلامس الشحنة الموجودة في الغيمة مع الشحنة الموجودة على سطح الأرض، ويتولد شعاع البرق
أما النوع الثاني فهو ما يحدث بين الغيمة وغيمة أخرى، وبما أن الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالحقول الكهربية فإن احتمال تلامس الشحنات المتعاكسة والتقائها كبير جدًّا، ولذلك فإن هذا النوع يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، والتي تقدر كما قلنا بمئة ضربة في كل ثانية، وذلك في مختلف أنحاء العالم، ويعرف هذا النوع ببرق "غيمة ـ غيمة" (Cloud ـCloud )، ويرمز له بالحرفين (CC).
نرى فيه ومضات برق بين غيمة وأخرى (CC)؛ حيث تكون إحدى الغيمتين محملة بشحنات موجبة والأخرى محملة بشحنات سالبة، وعند اقتراب إحدى الغيمتين من الأخرى تصطدم هذه الشحنات المتعاكسة مولدة ومضات هائلة نراها على شكل برق
أما النوع الثالث فهو ما يحدث بين الغيمة والهواء؛ حيث تكون الغيمة محملة بشحنة كهربية، والهواء المحيط بها من أحد جوانبها يحمل شحنة معاكسة، ويعرف هذا النوع بـ "غيمة ـ هواء"(Cloud ـAir)، ويرمز له بالرمز (CA).
البرق الناتج بين غيمة وبين الهواء المحيط بها (CA)، تكون الغيمة عادة مشحونة في أعلاها بشحنات موجبة، ويكون الهواء المحيط بها مشحونًا بشكل سلبي، وبالعملية نفسها يحدث التلامس وينطلق شعاع البرق ليكمل الدائرة الكهربية بين الغيمة والهواء
وهنالك أنواع أخرى كثيرة نذكر منها ما يحدث داخل الغيمة ذاتها، ويجب أن نعلم أن أية غيمة تحمل شحنة موجبة في أحد طرفيها، فلا بد أن تحمل شحنة سالبة في طرفها المقابل، وهكذا وفي ظروف العواصف الرعدية يحدث التلامس ويتحقق البرق الذي يضيء الأرض ولكنه لا يصل إليها.
· الغيوم الرعدية:
إن البرق لا يحدث في أية غيوم، بل هنالك غيوم محددة يسميها العلماء بالغيوم الرعدية، وهي البيئة المناسبة لحدوث البرق، وقد تكون هنالك غيمة واحدة أو عدة غيوم وهو الأغلب. وهذه الغيوم تكون عادة ممتلئة بالحقول الكهربية؛ بسبب الرياح التي تسوق جزيئات بخار الماء وتدفعه إلى أعلى وتسبب احتكاك هذه الجزيئات بعضها ببعض مما يولد هذه الحقول الكهربية، فنجد أن الغيمة تتجمع فيها في الوقت نفسه شحنات سالبة وأخرى موجبة، وغالبًا ما ترتفع الشحنات الموجبة إلى أعلى وتبقى السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من الأرض.
غيمة رعدية مفردة، هذه الغيمة النموذجية ترتفع عن سطح الأرض 3 كم، ويبلغ طولها عدة كيلو مترات، وسمكها عدة كيلو مترات أيضًا، ونلاحظ الشحنة السالبة في قاعدة الغيمة والشحنة الموجبة في أعلاها، والقياسات التي تعتمدها مخابر الأرصاد هي من أجل غيمة كهذه؛ لأنها تمثل الحالة المتوسطة والغالبة التي يتم فيها البرق .
· العملياتالدقيقة داخل البرق:
نعلم من قوانين الكهرباء أنه عندما تلتقي الشحنات المتعاكسة ينتج عنها ومضة أو شرارة كهربية، وهذا ما يحدث في البرق؛ فالغيوم تتكون نتيجة تجمع جزيئات البخار المرتفع من الأرض، هذه الجزيئات تكون محملة بشحنات كهربية موجبة وسالبة نتيجة تفاعلها واحتكاكها واصطدامها، وكما قلنا غالبًا ما تكون الشحنات السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من الأرض، وذلك بسبب تأثير الجاذبية التي تقوم بدورها في توزيع الشحنات، وتكون الشحنة الموجبة في أعلى الغيمة، وهذا يحدث في ما يسمى بالغيوم الرعدية التي تسبب البرق دائمًا.
إن الشحنة الكهربية أو ما يسمى بالكهرباء الساكنة هي تمامًا ما نحس به عندما نلمس قبضة الباب بعد احتكاك أقدامنا بالسجادة، أو عندما نلمس شاشة الكمبيوتر أحيانا فنحس بلدغة كهرباء خفيفة، وما هي إلا عبارة عن شرارة برق مصغرة! وعندما نجري تلامسًا بين سلكين كهربيين أحدهما موجب والآخر سالب فإننا نرى شرارة تتولد بينهما.
عندما يكون هنالك زيادة في عدد الإلكترونات ذات الشحنة السالبة، فهذا يعني وجود حقل كهربي سالب، أما عند زيادة عدد البروتونات الموجبة، فهذا يعني وجود شحنة أو حقل كهربي موجب.
وعندما تتجمع كميات مناسبة من الإلكترونات في أسفل الغيمة تنتقل هذه الشحنات السالبة بواسطة الهواء الرطب الموجود بين الغيمة وسطح الأرض، وتقترب من سطح الأرض ذي الشحنة الموجبة، ينطلق شعاع البرق القادم من الغيمة وتتشكل قناة دقيقة جدًّا في قاعدة الغيمة، وبسبب وجود حقل كهربي بين الغيمة والأرض ينطلق ما يسميه العلماء "الشعاع القائد" (Leader) باتجاه الأرض، وهذا الشعاع الذي يمر ويخطو بخطوات متتالية هو أول مرحلة من مراحل البرق، وعندما يصل هذا القائد إلى الأرض وبفعل الحقل السالب الذي يحيط به فإنه يجذب إليه الشحنات الموجبة الموجودة بالقرب من سطح الأرض، وتتحرك هذه الشحنات الموجبة باتجاه الشعاع القائد وتصطدم به على ارتفاع عشرات الأمتار عن سطح الأرض، وتتشكل قناة اتصال بين الغيمة والأرض.
يتم التقاء الشحنة السالبة القادمة من الغيمة مع الشحنة الأرضية الموجبة فوق سطح الأرض بعشرات الأمتار، وينشأ شعاع البرق الذي نراه وهو يرجع باتجاه الغيمة
وعندها تنهار عازلية الهواء ويصبح ناقلًا للكهرباء ويتولد تيار كهربي قوي ينير على شكل ومضة باتجاه الأعلى، ويدعى طور الرجوعReturn Stroke ، وهذه الضربة الراجعة هي ما نراه فعلا؛ لأن معظم الضوء يتولد عنها، و تستغرق هذه الضربة أقل من 100 مايكرو ثانية، وتنتج التيار الراجع والذي يقدر بـ 30 ألف أمبير.
وبعد ذلك تمر فترة توقف مدتها من 20: 50 ملي ثانية، ثم تتكرر العملية من جديد باستخدام القناة نفسها التي تم تأسيسها من قبل، وهكذا عدة ضربات. وقد تكون ومضة البرق مفردة أو متعددة حسب كمية الشحنات المتوفرة بين الغيمة والأرض، وحسب الظروف الجوية السائدة، وقد يصل عددها إلى عشر ضربات متتالية وسريعة، ولكننا نراها ومضة برق واحدة ولا ندرك مرور البرق ورجوعه بأعيننا.
وقد يحدث العكس أحيانًا، فتأتي الشحنة الموجبة من الغيمة باتجاه الشحنة السالبة للأرض، وتتولد الومضة الموجبة، وهذه تكون وحيدة وعنيفة ولا يتبعها ضربات أخرى.
في أقل من نصف ثانية تحدث 3: 4 ضربات برق كلها نراها في ومضة برق واحدة، ويمكن أن يصل التيار الناتج من الضربة الراجعة إلى 200 ألف أمبير، وتسير الضربة الراجعة بسرعة تصل إلى نصف سرعة الضوء.
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث النبوي الشريف:
والآن وبعدما رأينا نتائج وأبحاث وتجارب استمرت قرنين ونصف من الزمن، وبعدما رأينا علماء أفنوا حياتهم، ومنهم من مات في سبيل معرفة هوية البرق وأطواره ومراحله، وكم من الأموال قد صرفت في سبيل التعرف على ضربة برق لا يتجاوز زمنها طرفة العين! نأتي بعد هذه الحقائق العلمية لنرى الحقائق النبوية، ونعيش رحلة ممتعة مع كلام النبي الأمي الذي علم العلماء، ونقارن ونتدبر، ونتساءل: أليس هذا الحديث الشريف يطابق ويوافق مئة بالمئة ما توصل إليه العلماء اليوم؟!
لقد تحدث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة ومرور الناس على الصراط، وعن سرعة مرور كل منهم حسب عمله في الدنيا، فأحسنهم عملًا هو أسرعهم مرورًا على الصراط، وهذا هو سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه عنه يقول على لسان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم: «فيمر أولكم كالبرق! فيقول أبو هريرة: بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين»([3])؟
وهذا الحديث يحوي إشارات عديدة، وهي:
الإشارة الأولى: الواضح من خلال هذا الحديث أن الصحابي راوي الحديث رضى الله عنه استغرب من تعبير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حول مرور البرق وحركته وسرعته؛ فقد كانوا يظنون أن البرق لا يحتاج إلى زمن ليمر! بل لم يكن أحد يتخيل أن للضوء سرعة! فقد كانوا يعتقدون أن الضوء يسير بلمح البصر، ولذلك قال هذا الصحابي الجليل: «بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق»؟! فقد تعجب من قوله صلى الله عليه وسلم: «كمر البرق»؛ إذ لم يكن يتصور أن البرق يمر ويتحرك ويسير.
وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف، فالبرق يسير بسرعة محددة؛ ففي قوله صلى الله عليه وسلم : «فيمر أولكم كالبرق»، إشارة واضحة إلى وجود زمن لمرور وتحرك البرق. وكما قلنا كان الاعتقاد السائد وحتى زمن قريب هو أن البرق والضوء لا يحتاجان لزمن ليمرا، ولكن الحقائق العلمية التي رأيناها آنفا تثبت أن البرق يمر ويخطو ويتحرك، وكما رأينا تسير الضربة الراجعة بسرعة أكثر من مئة ألف كيلو متر في الثانية، ومع أننا لا ندرك هذه السرعة بأبصارنا، إلا أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حدثنا عنها وأشار إليها في قوله: « فيمر أولكم كالبرق ».
الإشارة الثانية: وتتضمن آلية مرور البرق ورجوعه في قوله صلى الله عليه وسلم: «ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين»؟ وهذا ما كشفه العلم مؤخرًا؛ فقد انتهى العلماء كما شاهدنا من خلال الحقائق الواردة إلى أن البرق ما هو إلا شرارة كهربية ضخمة، هذه الشرارة تحدث نتيجة تلامس الشحنة الكهربية السالبة الموجودة في الغيمة مع الشحنة الكهربية الموجبة الموجودة في الأرض، وأن هنالك طورين رئيسيين لا يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبدًا، وهما "طور المرور" و "طور الرجوع".
وانظروا إلى هذه المصطلحات العلمية، فكلمة (Step) التي يستخدمها العلماء للتعبير عن المرحلة الأولى تعني يخطو أو يمر، وكذلك كلمة (Return) والتي يستخدمها العلماء للتعبير عن طور الرجوع تعني يرجع، بما يتطابق مع التعابير النبوية الشريفة! وهذا يدل على دقة الكلام النبوي الشريف ومطابقته للحقائق العلمية بشكل كامل، ولكن ماذا يعني أن يستخدم العلماء اليوم التعابير النبوية ذاتها؟
إنه يعني شيئًا واحدًا ألا وهو أن الرسول الكريم حدثنا عن حقائق يقينية وكأننا نراها، وذلك قبل أن يراها علماء عصرنا هذا، ويدل أيضًا على إعجاز غيبي في كلام هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، فمن الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرنًا سيستخدمون هذه الكلمات؟! ولو كان الرسول الأعظم تعلم هذه العلوم من علماء عصره كما يدعون، لجاءنا بالأساطير والخرافات السائدة والتي كان يعتقد بها علماء ذلك الزمان!
الإشارة الثالثة: هنالك إشارة رائعة في الحديث النبوي إلى الزمن اللازم لحدوث البرق، فقد حدده الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بطرفة عين، وقد بحثنا في اكتشافات العلماء وقياساتهم الحديثة للزمن الذي تستغرقه موجة البرق ذهابًا وإيابًا؛ أي: كم يستغرق البرق ليمر ويرجع؟ فوجدنا بأن الزمن هو أجزاء قليلة من الثانية، ويختلف هذا الزمن من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر، ومتوسط زمن البرق هو عشرات الأجزاء من الألف من الثانية.
ومن ثم فإننا نتساءل: هل هنالك علاقة بين الزمن اللازم لضربة البرق، وبين الزمن اللازم لطرفة العين؟ وإذا كانت الأزمنة متساوية إذًا يكون الحديث الشريف قد حدد زمن ضربة البرق قبل العلماء بأربعة عشر قرنًا، عندما بحث العلماء عن زمن طرفة العين والمدة التي تبقى فيها العين مغلقة خلال هذه الطرفة، وجدوا أن الزمن هو أيضًا عشرات الأجزاء من الألف من الثانية! وهو الزمن نفسه اللازم لضربة البرق.
ووجدوا أن زمن ضربة البرق يختلف من غيمة إلى أخرى حسب بعدها عن الأرض وحسب الظروف الجوية المحيطة، ولكن هذا الزمن يبقى مقدرا بعدة عشرات من الملي ثانية، وكذلك الزمن اللازم لطرفة العين يختلف من إنسان إلى آخر حسب الحالة النفسية والفيزيولوجية، ولكنه أيضًا يبقى مقدرًا بعدة عشرات من الملي ثانية.
وسبحان الله! ما هذه الدقة في تحديد الأزمنة؟ أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزمن والمجال الذي يتراوح ضمنه هذا الزمن، فهل بعد هذا الإعجاز كلام لأحد بأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معجزة من الناحية العلمية والكونية؟!
الإشارة الرابعة: في قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:«ألم تروا» معجزة علمية أيضًا؛ فالصحابة في عصرهم ـ وهم المعنيون بالحديث ـ لم يدركوا هذا المعنى العلمي لمرور البرق ورجوعه، بسبب عدم وجود وسائل لقياس زمن البرق في عصرهم، ولكنهم صدقوا كل كلمة يقولها نبيهم وقدوتهم وأسوتهم محمدصلى الله عليه وسلم، وبما أننا استطعنا اليوم رؤية مرور البرق ورجوعه؛ أي تحقق قوله محمد صلى الله عليه وسلم: «ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع؟» فإننا نعتقد أن هذا الحديث النبوي الشريف يخاطب علماء هذا العصر!
كذلك في تشبيه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للبرق بطرفة العين كل الدقة العلمية، وليس غريبًا أن نجد العلماء اليوم يستخدمون التعبير النبوي ذاته! وهذه إحدى الدراسات عن البرق والرعد يصف مؤلفها ضربة البرق وما تحدثه من تسخين وتمدد وتقلص للهواء:
A lightning strike can heat the air in a fraction of a second. When air is heated that quickly, it expands violently and then contracts, like an explosion that happens in the blink of an eye.
وترجمة هذا: "ضربة البرق تسخن الهواء في جزء من الثانية، عندما يسخن الهواء بسرعة، يتمدد بعنف ثم يتقلص، مثل انفجار يحدث في طرفة عين".
إذًا علماء عصر الفضاء والذرة والكمبيوتر يستخدمون التشبيه النبوي ذاته، ألا يعني ذلك أن العلم النبوي أعظم وأكبر من علوم البشر؟ ألا يعني هذا أن الكلام الذي جاء به رسول الله لا يمكن أن يكون من عنده، بل هو من عند الله تعالى؟ أكرمه بالمعجزات في كلامه أثناء حياته وبعد مماته وإلى يوم القيامة؛ لتكون أحاديثه محمد صلى الله عليه وسلم شاهدة على صدق رسالته للناس جميعًا.
ومن ثم فإننا نتوجه للطاعن بالسؤال الآتي: هل يمكن لأي إنسان أن يلاحظ عمليات البرق هذه بالعين البشرية؟
نجد الجواب بالنفي؛ فالعين لا يمكن أبدًا أن تلاحظ الأحداث التي تتم في أجزاء من الألف من الثانية، فعلى الرغم من أننا نرى وميض البرق يبدو وكأنه مستمر، إلا أن الدراسة الدقيقة أظهرت وجود عمليات ومراحل متتالية تتم خلال زمن قصير جدًّا لا يمكن إدراكه بالعين.
وهذه دراسة حول البرق يقول صاحبها بالحرف الواحد:
A single flash is usually composed of many distinct luminous events (strokes) that often occur in such rapid succession that the human eye cannot resolve them.
وترجمة هذا الكلام: "الومضة الواحدة تتألف عادة من أطوار متعددة الإنارة، ولكنها تحدث بتعاقب سريع لا يمكن للعين البشرية أن تحلله".
· المعنى اللغوي للكلمتين:
جاء في لسان العرب: "مرر: مر علـيه وبه يمر مرًّا؛ أي اجتاز. ومر يمر مرًّا ومرورًا: ذهب، واستمر مثله. قال ابن سيده: مر يمر مرًّا ومرورًا: جاء وذهب"([4]). وجاء في القاموس المحيط معنى مر: "مر مرًّا ومرورًا: جاز وذهب. مره، ومر به: جاز عليه. واستمر: مضى على طريقة واحدة"([5]).
أما كلمة "رجع" فنجد معناها في القاموس المحيط: "رجع يرجع رجوعًا ومرجعًا، ورجع الشيء: صرفه ورده، الرجيع من الكلام: المردود إلى صاحبه، وراجعه الكلام: عاوده"([6]).
ونلاحظ المعنى الواضح لمرور البرق؛ أي ذهابه ثم رجوعه، أي رده ومعاودته وسلوكه للطريق ذاتها، أي استخدام القناة نفسها التي تم تأسيسها من قبل، وفي كلتا الكلمتين نلحظ إشارة للتكرار والمعاودة، وهذا ما يحدث تمامًا في ومضة البرق من تعدد لضربات البرق وتكرارها ورجوعها ومعاودتها المراحل ذاتها.
3) وجه الإعجاز:
· تضمن الحديث الشريف إشارة واضحة لتحرك البرق ومروره وأنه يسير بسرعة محددة، وليس كما كان يظن ويعتقد بأن البرق يسير بلمح البصر ولا وجود لأي زمن.
· تضمن الحديث إشارة إلى أطوار البرق التي اكتشفها العلماء حديثًا، وأن البرق يحدث على مراحل وليس كما كان يعتقد أنه يحدث دفعة واحدة؛ أي إن الرسول الكريم محمدصلى الله عليه وسلم حدد المراحل الأساسية التي يحدث خلالها البرق، ومن دونها لا يمكن لضربة البرق أن تحدث أبدًا.
· حدد الحديث الشريف اسم كل مرحلة (يمر ويرجع)، باسمها الحقيقي والفعلي، وبما يتناسب مع الاسم العلمي لها. أيضًا الرسول الكريم هو أول من تحدث عن رجوع البرق وصحح ما نتوهمه من أننا نرى ومضة واحدة، والحقيقة أن هنالك عدة ضربات راجعة.
· حدد الحديث النبوي زمن ضربة البرق الواحدة بطرفة العين، وقد رأينا كيف تساوى هذان الزمانان؛ أي إن التشبيه النبوي للبرق بطرفة العين هو تشبيه دقيق جدًّا من الناحية العلمية.
(*) أُخذت الشبهة والرد عليها من بحث للمهندس عبد الدائم الكحيل، بعنوان: البرق بين العلم الحديث والكلام النبوي الشريف، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[1]. بنيامين فرانكلين: عالم وسياسي، وواحد من أبرز مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية ومجددِّي الماسونية، كان شخصية رئيسية في التنوير وتاريخ الفيزياء، ولد في 17 يناير 1706م، وتوفي في 17إبريل 1790م.
[2]. قتل ريتشمان بسبب صدمة البرق التي تعرَّض لها أثناء قيامه بإحدى التجارب.
[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، (2/678، 679)، رقم (474).
[4]. لسان العرب، مادة: مرر.
[5]. القاموس المحيط، مادة: مرر.
[6]. القاموس المحيط، مادة: رجع.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
husband cheat
online online affair