مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الطعن في إخبار القرآن الكريم عن دورة

الماء في الطبيعة (*)

مضمون الشبهة:

يظن الطاعنون أن إخبار آيات القرآن الكريم عن دورة الماء في الطبيعة وذكر مراحلها من تبخر الماء وتكون السحب وسقوط المطر ـ ما هو إلا من قبيل الملاحظات العادية والتي يمكن لأي شخص إدراكها قبل نزول القرآن الكريم أو بعده في أي وقت وفي أي زمن، كما يزعمون أن القرآن الكريم قد عجز عن ذكر خطوة تبخير الشمس للماء، ثم استدلالهم في الوقت نفسه بسبق آيات العهد القديم في إخبارها عن دورة الماء في الكون، وذلك مثل: "كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن إلى المكان الذي جدّت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة".

وجوه إبطال الشبهة:

1)  ثبت علميًّا أن دورة الماء في الطبيعة دورة معقدة في طبيعتها، صعبة على الإدراك المباشر، وإذا نظرنا إلى القرآن؛ نجده قد ذكر تفصيلات بالغة الدقة عن مراحل تلك الدورة، من تبخر ونقل وتكاثف وهطول ونتح وجريان وترشيح، وذلك على الرغم من أن العلم قد قضى أجلًا من الدهر طويلًا في سبيل اكتشاف هذه الدورة، وبيان مراحلها، ومن ثم فإن ما ذكره الطاعن من أنها من قبيل الملاحظات العادية ـ قول مردود عليه؛ إذ هي ليست كذلك.

2)  ثبت علميًّا أن الشمس ليست هي المسئول الوحيد عن عملية تبخير الماء، وأن هناك عوامل أخرى تؤثر في عملية البخر، وهذا ما يتطابق مع القرآن الكريم؛ إذ لم يذكر الله عز وجل الشمس كسبب مباشر في عملية التبخير، وذلك تنويها منه بأن هناك عوامل أخرى، وهذا من إعجاز القرآن الكريم أيضًا؛ إذ يعطينا إشارات واضحة من شأنها حث العقل على التفكر والتدبر.

3)  أثبت العلم الحديث أن كمية المياه المتبخرة كل عام متساوية تمامًا مع كمية المياه المتساقطة، وذلك يتطابق مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء»، وهذا من رحمة الله وبديع خلقه وصنعته، فأين هذا إذًا الذي ذكره الحديث الشريف مما ورد في الكتاب المقدس من كلام مرسل مبهم. 

التفصيل:

أولا. دورة الماء في الطبيعة ليست من قبيل الملاحظات العادية:

1) الحقائق العلمية:

لقد ربط العلماء وجود الحياة بالماء([1])؛ فحيث يوجد الماء توجد الحياة، ومما يعضد ذلك أن هناك من بين الأحياء كائنات تحيا دون هواء، ولكن ليس بينها كائن واحد يستطيع الحياة دون ماء؛ فالكائنات الحية معظم أجسامها ماء، ولكنه يتفاوت في نسبة وجوده حسب طبيعة أنسجتها وخصائص بنيتها؛ "فالماء مثلا قليل في البذور وفي بعض حيوانات الصحراء، ولكنه يتجاوز 90% من أوزان بعض الثمار العصيرية الغضة، وكثير من الحيوانات البحرية، أما الإنسان فتتراوح نسبة الماء فيه بين 93% في الجنين (في أشهره الأربعة الأولى) إلى ما بين 54: 75% في الإنسان البالغ"([2])؛ فالماء إذا من أهم ضرورات الحياة، فبدونه لا تقوم، ولذلك كان خلق الماء قبل خلق الحياة؛ فقد ظلت الحياة في الماء منذ 3.8 بليون سنة، بينما لا يتعدى عمر الحياة الأرضية على اليابسة 400 مليون سنة([3]).

      ما ساد حول الماء من مفاهيم خاطئة وأسطورية:

من قديم الزمان سادت الخرافات والأساطير حول الماء، وانتشرت النظريات والآراء، ولنتأكد من ذلك يمكننا مطالعة دائرة معارف يونيڤرسال تحت مادة الهيدروجيولوجيا(Hydrogeology) التي كتبها ج. كاستاني (G.Castany) بالتعاون مع ب. بلافو (B.Blavoux)، وهما كاتبان متخصصان في هذه المسائل، ويقدمان عن موضوع المياه اللمحة الآتية:

"إنه في القرن السابع قبل الميلاد اعتبر "طاليس" الذي كان يعيش في جزيرة ميليتوس (Thales of Miletus) أن المياه تنشأ نتيجة اندفاع مياه المحيطات بتأثير الرياح إلى داخل القارات، ثم يسقط هذا الماء الذي قذفت به الرياح على الأرض داخل القارات ليتداخل في ثنايا التربة الأرضية. ولقد أدلى "أفلاطون" بدلوه في هذا الموضوع، فقدم افتراضًا خياليًّا آخر، مؤداه أن المياه تأتي من المحيط بفعل الرياح، وتعود إلى المحيط من خلال هوة معروفة في الأساطير باسم "هوةتاتار" (Tatare)، وكان لهذه النظرية أتباع عددهم كبير حتى نهاية القرن الثامن عشر، وقد اعتنق هذه النظرية أبو الفلسفة الحديثة "ديكارت" (decartes)، أما "أرسطو" فقد افترض أن الماء الموجود في التربة يتحول إلى بخار يتكاثف في التجاويف الباردة فوق قمم الجبال، تنحدر هذه التجاويف نحو البحر أو تتسرب إلى ينابيع الأرض، وقد تبع "سينكا" (seneque) في القرن الأول الميلادي هذا الرأي الأرسطي، وكان له أتباع أكثر من أتباع نظرية "أفلاطون" عن "هوةتاتار"، وظل "فولجر" حتى عام 1877م معتنقًا لرأي أرسطو"([4]).

      العلم الحديث وموقفه مما سادعن الماء من خرافات:

يأتي العلم الحديث ليدحض كل ما انتشر عن الماء من خرافات وأساطير، واضعا بذلك الأساس العلمي الصحيح آخذًا بأيدينا نحو طريق مزلل ممهد للسير فيه، ولعل أول مفهوم صحيح عن أصل المياه يعود إلى "برناردباليسي" (Bernard palissy)عام 1805م، وذلك عندما أكد وأثبت أن المياه الجوفية تأتي من تسرب ماء المطر في التربة، وقد برهن على صحة هذا الرأي أيضا "أ.ماريوت" (e.mariotte)بالتعاون مع "ب. بيرو" (p.perraut) في القرن السابع عشر الميلادي([5]).

وبتقدم العلم الحديث وبسطوع نجم علم الهيدروجيولوجيا([6]) الذي يرجع إليه الفضل في اكتشاف دورة المياه([7]) في الطبيعة، تلك الدورة الرائعة المعجزة، التي يقوم ببيان مراحلها من تبخر([8]) ونقل([9]) وتكاثف([10]) ثم الهطول([11]) والنتح([12]) والجريان([13]) والترشيح([14]). وعموما فإن هذه لمياه عندما تجد طريقها الطبيعي إلى سطح الأرض تكون قد اكتملت دورة المياه في الأرض([15]). والشكل الآتي يوضح ذلك:

 

مع العلم أن هذه الدورة المعجزة للماء حول الأرض هي الصورة الثانية من صور رجع السماء([16])، والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض، الذي يحيا ويموت فيه بلايين الكائنات في كل لحظة، ولتعرض كوكبنا لحرارة شديدة بالنهار ولبرودة شديدة بالليل. ولم يفكر الدارسون مطلقا لعدة مئات من السنين في ربط أصل الجداول والأنهار مباشرة بسقوط المطر، وتخيل الناس بدلا من ذلك وجود خزانات جوفية هائلة تقوم بتغذية جميع الحياة السطحية. وبالنسبة لكثير من الدارسين حتى القرن الخامس عشر ظل العديد من الأسئلة الأساسية دون جواب، مثل: أصل المياه العذبة من الأرض (حيث كان الافتراض السائد هو أن المياه الجوفية تأتي من البحر، ثم يأتي العلم الحديث ليثبت وبصورة قطعية أن مصدرها هو المطر)، وكيف تستمر الجداول الجارية والأنهار في التدفق دون إمدادات واضحة؟!

وحتى مع بداية ظهور النظرية الصحيحة لدورة المياه لم يستطع معظم العلماء أن يتخيلوا أن كمية المطر خلال السنة تكفي للإبقاء على التدفق المستمر للأنهار خلال العام؛ فحتى القرن السابع عشر كانت فكرة الكهوف الجوفية الكبيرة التي تغذي الأنهار قوية كما افترض "أناناسيوس كيرشر" أن البحر يرتبط بجبال جوفاء تتدفق منها الأنهار والجداول([17])، وتمر أوقات كثيرة إلى أن يظهر الفهم الدقيق لدورة المياه منذ حوالي أربعة قرون فقط؛ حيث قدم الخزاف الفرنسي "برنارد باليسي" ملاحظة شخصية بأن الأنهار والينابيع لا يمكن أن يكون لها مصدر غير مياه الأمطار، وذلك على الرغم من أن تلك الفكرة اصطدمت بأفكار معظم الفلاسفة البارزين في ذلك الوقت، ودحض النظريات القائلة بأن الأنهار والجداول مستمدة من البحر؛ حيث يقول المنطق بأن الماء لا يمكن أن ينساب أعلى التل، وأن مياه البحر مختلفة بصورة جلية عن مياه الأنهار والجداول.

فأية ملاحظة تلك التي تبدو للناس ـ كما يتوهم الطاعن ـ والماء نقي منقى من عند الله وهو في أغوار بعيدة عميقة تحت سطح الأرض، وليس للإنسان قدرة على خزنه؟! فقد أثبت العلم الحديث أن تحزين الماء تحت سطح الأرض على أعماق محددة في الطبقات الجوفية للأرض يعمل على تنقيته من خلال قتل ما يحويه من جراثيم وبكتيريا، ولنتأمل ما يقوله العلماء اليوم عن تخزين الماء في باطن الأرض؛ حيث حيرت هذه الظاهرة العلماء لوقت طويل؛ فكيف يتم تخزين الماء تحت سطح الأرض لسنوات طويلة دون أن يفسد، فهناك إذا نظام دقيق يعمل على تنقية الماء، وحفظه بطريقة رائعة؛ فالعلماء اليوم من أمثال الدكتور (simon toze) الذي يقول: إنالماءالسطحييكون ملوثًا عادة، بسبب وجودالعديد من الكائنات الدقيقة الممرضة، ويمكن تنقية هذاالماءبسهولة من خلال تخزينه تحت سطح الأرض لعدة شهور، كذلك يقول الدكتور (simon) ـ أيضا: إن الأبحاث تشير إلى أن المياه الملوثة بشدة يمكن أن تنقى بسهولة من خلال ضخها تحت الأرض وتركها لمدة كافية([18]).

 سلوك الماء تحتالأرض:

عندما يسقط الماء على الأرض من خلال المطر فإنه يتحرك باستمرار، فيتسرب قسم منه إلى داخل الأرض، ويتسرب خلال الفراغات في التربة أو الصخور ويهتز ويتأرجح حتى يصل إلى منطقة الإشباع (zone of saturation) التي لايمكنه أن ينفذ منها، وهي عبارة عن طبقة من الصخور الصلبة التي لا تسمح للماء بالمرور خلالها.

ويمكن أن يمكث الماء في طبقات الأرض عدة قرون، وتعتبر هذه العملية بمثابة إعادة شحن الأرض بالماء([19])، وقد اكتشف العلماء أن المدة التي يسكن فيها الماء في الأرض تختلف حسب عمق الماء ونوع الصخور المحيطة به، ويتراوح زمن بقاء الماء في الأرض من أربع سنوات إلى أكثر من خمسين سنة.

ثم أية ملاحظة تلك ـ كما جاء على لسان الطاعن ـ التي يعرفها الناس، ولو انخفض منسوب المياه الأرضية ـ عند قلة المطر الشديدة ـ لجفت الحياة وهلكت الكائنات؟ فقد ثبت علميا تساوي كمية المطر كل عام" فما من عام أمطر من عام"، وهذا ما سيتضمنه الوجه الثالث من الشبهة.

2)  التطابق بين الحقائق العلمية والقرآن الكريم:

لقد قضى العلم أجلًا من الدهر طويلًا في اكتشاف دورة المياه، وأصلها، ومراحلها؛ إذ هي ليست سهلة على الإدراك المباشر، كما توهم الطاعن ذلك مخبرًا أنها من الملاحظات العادية، والتي لا تحتاج إلى كبير عناء لإدراكها، وهو بذلك قد حاد عن الصواب، واتخذ من الخطأ سبيلًا له، فالطاعن لا يجد شيئًا ينتقده في هذه الدورة المعجزة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لمنفعة البشر وأتـمها بقدرته العظيمة ـ سوى أنه لا يجد آية تقول إن الشمس تبخر الماء! وأن باقي خطوات الدورة المائية في الطبيعة مفهومة ومعروفة للجميع! ومن كلام الطاعن يتضح لنا ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ أنه لم يطلع على شيء من الأبحاث المبكرة لعلم المياه (الهيدروجيولوجيا).

وعندما نقرأ الآيات القرآنية المتعلقة بدورة الماء في الطبيعة وبدورها في حياة الإنسان في عصرنا الراهن ـ تبدو وكأنها تعبر عن معارف ومعلومات معتادة مألوفة ولا توجد أية غرابة بشأنها، وذلك ما خدع الطاعن واستفزه ليقول إنها من قبيل الملاحظات العادية، والسبب في ذلك جد بسيط وواضح للغاية؛ إذ إننا في عصرنا الحالي نعرف ـ وبدقة ونسبة متفاوتة بيننا حسب مستويات تعليمنا ـ كثيرًا من الحقائق العلمية عن الماء وعن دورته وكيفية تكوينه.

ولكن من الأهمية بمكان أن نضع في اعتبارنا المفاهيم الخاطئة الكثيرة والآراء الخاطئة التي كانت سائدة بين خاصة الخاصة من قادة الفكر قبل ظهور الإسلام وبعد ظهوره وحتى العصر الوسيط ومطلع عصر النهضة الحديثة، فعندما نضع هذه الآراء الخاطئة عن الماء في اعتبارنا، ونجد أن آيات القرآن الكريم وهي تتحدث في مواضع كثيرة عن  الماء ولم تقع في أي خطأ من هذه الأخطاء التي كانت شائعة عن المياه ـ نستطيع أن ندرك إعجاز القرآن الكريم، وأنه كلام الله، أنزله إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.

فالمعلومات الموجودة في القرآن الكريم عن المياه وعن دورتها ليست نابعة من أية مفاهيم أسطورية من تلك المفاهيم الأسطورية التي كانت سائدة عن المياه قبل الإسلام، وظلت سائدة بطبيعة الحال، ولم تمض فترة طويلة من الزمن حتى بددت سحبها معارف العلم الحديث، وإذا كان الناس في عصرنا قد نجحوا في اكتساب معارف علمية وعملية مفيدة عن الماء لتحسين ري الأراضي؛ فلقد كانت المعارف عن الماء حتى مطلع العصر القديم خاطئة ذات طابع أسطوري وخيالي، والآراء التي أثبت العلم الحديث صوابها من بين كم هائل من الآراء الخاطئة عن المياه في التراث اليوناني  القديم مثلًا جد قليلة، ولعل أبرزها هو الرأي الذي أدلى به "فيترف" (Vitruve)([20]) من قدماء اليونان عندما قال في القرن الأول قبل الميلاد: إن المياه الجوفية قد وجدت في باطن الأرض من جراء تسرب مياه الأمطار داخل الأرض، وهو رأي أثبت العلم الحديث صحته، وفيما عدا مثل هذا الرأي القديم كانت المفاهيم والتصورات الخاطئة والأسطورية عن المياه سائدة بين الناس في عصر تنزيل القرآن الكريم([21]).

  النظام المائي المتوازن:

لقد اختار الله برحمته نظامًا متوازنًا لكل شيء على الأرض؛ لضمان استمرار الحياة على ظهرها، وفي ذلك يقول تعالى: )وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (21)((الحجر)؛ ففي هذه الآية أسرار إذا ما تأملناها بشيء من التدبر تتجلى لنا عظمة الخالق؛ فقد أنزل الله كل شيء بقدر وقانون ونظام، قال سبحانه وتعالى: )إنا كل شيء خلقناه بقدر (49)((القمر)، وقال تعالى أيضا: )وخلق كل شيء فقدره تقديرًا (2)( (الفرقان).

وفي اللغة (القدر) هو القضاء والحكم ومبلغ الشيء، و(قدر) الرزق: قسمه([22])، وكأن الله تبارك وتعالى يريد أن يعطينا إشارة لطيفة إلى أنه هو من خلق الماء ووزعه بنظام محكم. وقال عز وجل:)وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورًا (48) لنحيي به بلدة ميتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا (49) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورًا (50)((الفرقان)؛ ففي قوله: )ولقد صرفناه بينهم( (الفرقان:50) إشارة رائعة إلى النظام المتوازن للماء على سطح الأرض، فكل قطرة ماء لها طريق محددة تسلكها، فهذه القطرة قد تكون في البحر ثم تتبخر ثم تسوقها الرياح لتتكثف وتتساقط على أرض ميتة فيحيي بها الله هذه الأرض، أو تختزن على شكل مياه جوفية، أو تسقط كقطعة ثلج فوق القطب المتجمد؛ فقد قدر الله سبحانه وتعالى كل هذه الأشياء بنظام محكم، ولذلك قال سبحانه وتعالى:)وأنزلنا من السماء ماء بقدر((المؤمنون: 18).

 يقول ابن كثير: "يذكر الله تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تحصى، في إنزاله القطر من السماء بقدر؛ أي: بحسب الحاجة، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلًا فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به"([23]).

فمثلا لو تأملنا إنزال المطر من الغيوم نجده بقدر؛ أي بكميات محسوبة لا تختل أبدًا، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضًا ومساوية للكميات الهاطلة، ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضًا لا تتغير إلا بحدود ضيقة جدًّا ومحسوبة، فهناك إذًا نظام دقيق تتغير فيه ملوحة البحار كل ألف عام، وهكذا يتجلى النظام في كل شيء نراه من حولنا.

ولننظر كيف عالج القرآن الكريم دورة المياه في آيات معجزات، يقول ربنا سبحانه وتعالى:)الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون (48)( (الروم)، وذلك في تناسق فني رائع؛ إذ يصور القرآن الكريم هذا المشهد الحافل بالحركة في ذلك القسم من دورة المياه والخاص بوصول الماء إلى الأرض بفقراته ومراحله؛ فالرياح تثور حاملة الماء المتبخر من الأرض فتثير السحب في السماء ـ كما يشاء الله ـ فيتراكم هذا السحاب فيخرج منه المطر، فينزل المطر من السماء، فيستبشر به من ينزل عليهم بعد أن كانوا يائسين.

ولننظر كيف يعرض سبحانه وتعالى القسم الثاني بعد وصول الماء؛ إذ يقول:)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يجعله حطامًا إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21)( (الزمر) ([24])، وهنا في معرض بيان النعم الإلهية يوضح الله عز وجل مصدر المياه الجوفية، وأنها من ماء المطر بصورة مباشرة وصريحة في الوقت الذي كانت البشرية فيه تتخبط، ويظن العلماء وقتها أنها من ماء البحر، وذلك كما أوضحنا آنفا ما ساد حول الماء من أساطير وخرافات.

فنحن لو تأملنا كلمات القرآن لوجدناها غاية في الدقة من الناحية العلمية، فمثلًا هناك كلمة (فسلكه)، فإذا ما تأملنا وتدبرنا هذه الكلمة البسيطة لوجدناها تتفق وتؤكد ما أثبته العلم الحديث؛ فالماء الذي ينزل من السماء يسلك طرقًا معقدة داخل الأرض، حتى إن العلماء اليوم يحاولون تقليد العمليات التي يتعرض لها الماء خلال رحلته في الأرض، وهذا السلوك للماء هو الذي يعطيه طعمًا مستساغًا؛ فالماء عندما ينزل من السماء ويتسرب خلال تربة الأرض ويمر في مساحات التربة الأرضية وبين الصخور، تتحلل فيه بعض المعادن والأملاح ذات الأهمية الطبية والإفادة العضوية للمخلوقات ممن يشربون الماء أو يعتمدون عليه في عملياتهم الحيوية.

وفي ذلك يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: "وهكذا ذكر القرآن الكريم أن ماء المطر يتسرب إلى باطن الأرض ماء جوفيًّا تخرج منه آبار وعيون، وهذه الحقيقة لم يدركها العلماء في عصر نزول القرآن الكريم، وتختلف الصخور اختلافًا كبيرًا في تربة الأرض؛ فمنها الصخور التي يتخللها الماء وتسمى صخورًا غير صماء، ومنها الصخور المسامية، ومنها الصخور النفاذة مثل الرملي والجيري، ومنها الصخور غير النفاذة مثل الجرانيت، التي لا تسمح إلا بمرور قليل من الماء بين أجزائها المتباعدة، أما الصخور المنيعة فتمنع مرور الماء منها مثل الصخور النارية، وعندما يتسرب ماء المطر ـ بمشيئة الله وفضله ـ في باطن الأرض ويصل إلى طبقة مسامية مثل الحجر الرملي، فإنه ينفذ خلالها، حتى يصل إلى طبقة منيعة تحتها مثل: الفخار أو الطفلة، وهنا تتوقف حركة الماء إلى أسفل([25])، وتتشبع الطبقة المسامية بالماء حتى تتجمع مقادير كبيرة من الماء فيها، فيزداد سمك منطقة الشبع بالماء، وهذا الجزء المشبع بالماء يعرف علميا باسم: منطقة الحجز؛ وتسمى حدودها العليا بالحوض المائي الجوفي  Water Table، ويتغير مستوى حوض المياه الجوفية في أي مكان تبعا لكمية مياه الأمطار؛ فإن زادت ارتفع مستوى حوض المياه الجوفية، وإن قل انخفض مستوى حوض المياه الجوفية، ولا تبقى المياه الجوفية ساكنة بين الصخور الحاوية لها، بل تتحرك في اتجاهات جانبية حسب الشقوق الموجودة بالصخور"([26]). 

أي إن الماء الجوفي قائم على قوانين طبيعية قدرها الله سبحانه وتعالى؛ إذ هي من سنن الله في كونه، والأمر أولا وأخيرًا معلق بإرادة الله سبحانه وتعالى الذي قال:  )وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون)، وفي هذه الآية الكريمة يتحدث القرآن عن النظام المقدر للماء، وتأمل كيف ربط البيان الإلهي بين نزول الماء من السماء وبين كلمة (بقدر)؛ أي: بنظام محسوب ومقدر،  فقطرة الماء الواحدة تحوي حوالي خمسة آلاف مليون جزيء ماء.

وكذلك فإن كلمة "فأسكناه" تدل على المكوث لفترة طويلة، وهو ما نراه فيالمياه الجوفية ومياه الآبار التي تبقى فترة طويلة ساكنة في الأرض دون أن تفسد أو تذهب أو تتفاعل مع صخور الأرض. كما أن هناك آية ثانية تشيرإلى وجود خزانات ماء في الأرض، وهذه الخزانات لم يتم اكتشافها إلا حديثًا، يقول الله تعالى:  )وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22)((الحجر).

 فمن الذي أودع في الماء خصائص تجعله قابلا للتخزين في الأرض آلاف السنين؟ ومن الذي أعطى لقشرة الأرض ميزات تجعلها تحتضن هذه الكميات الضخمة من المياه وتحتفظ بها؟ أليس هو الله عز وجل؟

  

شكل يظهر خزانات المياه تحت الأرض كما اكتشفها العلم الحديث

فأية ملاحظة تلك إذًا التي يعرفها الناس وأغلب السوائل لا تتبخر إذا لم تصل إلى درجة الغليان؟ ويستثني الله لنا الماء؛ إذ يتبخر في أية درجة حرارة، ولولا هذه الميزة لما تبخرت قطرة واحدة من ماء البحار ولما تكونت الغيوم، ولما نزل المطر، ولاحترقت اليابسة من الجفاف.

وأية ملاحظة تلك التي يعرفها الناس، ولو شاء الله تعالى لزادت أملاح النيتريت والنيترات في ماء المطر فيصير أجاجًا غير صالح للسقيا؟! وأية ملاحظة هذه التي يعرفها الناس، ولو شاء الله تعالى لبخر الأملاح مع الماء الصافي، ولما حدثت التنقية الطبيعية لينال البشر ماء صافيا صالحا للشرب والإعاشة؟

وأية ملاحظة تلك التي يعرفها الناس والله سبحانه وتعالى قد جعل الجبال سببًا في تنقية الماء؛ إذ يراها الباحثون والعلماء كأهم مصدر للماء العذب في القرن الحادي والعشرين، والله تعالى هو القائل:)وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتًا (27)((المرسلات)؛ إذ تكون قمم الجبال الشامخات باردة فتصطدم بها السحب وتتكون الشلالات. 

  

شكل يبين ربط القرآن بين الماء العذب والجبال العالية وفقا لما أثبته العلماء من دور الجبال في نزول المطر وفي تنقية الماء بعد ذلك لنشربه عذبا فراتا

ثانيا. الشمس ليست هي المسئول الوحيد عن تبخر الماء:

1) الحقائق العلمية:

إن المحيط المائي هو تلك المنطقة التي توجد فوق الأرض وتحتها، والتي يوجد بداخلها كل الماء بصوره المختلفة، وهكذا فإن دورة المياه تربط بين أجزاء المحيط المائي، وتمتد إلى أعلى في الجو حوالي 15 كم، وإلى أسفل حوالي 1كم.

وإذا كانت أشعة الشمس تصطدم بسطح الأرض وتؤدي إلى حدوث عملية التبخر من المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات والجداول والتربة الرطبة ، فإن العلم الحديث قد اكتشف أن الشمس ليست هي المسئول الوحيد عن تلك العملية ـ عملية التبخر ـ وأن هناك عوامل أخرى تؤثر على البخر، وهي ثلاثة عوامل أساسية: الطاقة، والمياه، والضغط الجوي، هذا بالإضافة إلى مجموعة من العوامل الثانوية التي تؤثر بدورها في كل عامل من تلك العوامل الرئيسية، والتي نوجزها فيما يلي:

 عوامل تؤثر في الطاقة اللازمة للبخر:

خط العرض. 

ارتفاع سطح الأرض.

 وقتاليوم.

وقت السنة.

درجة غطاء السحب.     

 درجة حرارة المياه.

 درجةحرارة الهواء. 

  عوامل متعلقة بخصائص المياه وتؤثر على الطاقة اللازمة للبخر:

عمق المياه.

لون المياه.

عكارة المياه.

لون قعر وعاء الماء.

عوامل تتعلق بخصائص الأسطح المبللة:

اللون.   

الوعورة.

درجة الحرارة.

التعرض للهواء الساخن.

التوجيه بالنسبة لأشعة الشمس.

 عوامل تتعلق بكمية المياهالموجودة:

خصائص حجم الماء (ساكن أو متحرك)، وعمق حوض المياه وحجمه.

تكرار إمداد المياه للأسطح المبللة (بواسطة العواصف المطرية).

الإمداد المستمر لماء التربة بالخاصية الشعرية.

 عوامل تؤثر على منحنى الضغط الجوي:

الارتفاع.

الضغط الجوي.         

امتداد المنحنى واستمراريته.      

 الرطوبةالنسبية:

إن معدلات التبخر تتناسب تناسبًا عكسيًّا مع الرطوبة النسبية للهواء؛ وذلك لأن الجزء من الهواء الملامس لسطوح التبخر يكون في حالة توازن ثرموديناميكي مع هذه السطوح (ضغط بخار الماء الفعلي بالنسبة إلى ضغط بخار الماء الإشباعي)؛ ولأن حركة جزيئات الماء من هذا الجزء المشبع إلى بقية الهواء من طريق الانتشار تعتمد على الفارق في ضغط بخار الماء (التركيز) بين هذين الجزأين؛ ولأن ضغط بخار الماء الإشباعي يعتمد على درجة حرارة الهواء فإن الرطوبة النسبية للهواء تتغير تبعًا لدرجة حرارته حتى لو لم تتغير كتلة بخار الماء الموجود فيه.

درجة حرارة الهواء:

تزيد درجة حرارة الهواء من معدلات التبخر؛ وذلك من طريق زيادة كمية الطاقة المنقولة بالتوصيل من الهواء إلى سطح التبخر، وزيادة سرعة عملية انتشار (diffusion) جزيئات الماء في الهواء بعيدًا عن سطح التبخر، وبما أن الهواء في المناطق المدارية حار؛ فإن ذلك يزيد من معدلات التبخر في تلك المناطق.

سرعة الرياح:

تؤثر سرعة الرياح في معدلات التبخر عن طريق تحريك الهواء الملامس لسطوح التبخر، الذي ارتفع فيه ضغط بخار الماء، بعيدًا عن هذه السطوح، وإحلال هواء أجف محله؛ مما يسرع من عملية الانتشار لجزيئات الماء، ولذلك تزداد معدلات التبخر بازدياد سرعة الرياح([27]). 

2)  التطابق بين الحقائق العلمية والقرآن الكريم:     

إن ما أثاره الطاعن من عجز القرآن ـ وحاشاه ـ عن ذكر خطوة تبخير الشمس للماء! ونقده لعلماء المسلمين الذين اجتهدوا فربطوا بين آيتي:) وجعلنا سراجًا وهاجًا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجًا (14)((النبأ) ربطًا سببيًّا؛ فيذكرون أن وهج الشمس سبب في تبخير الماء، وبالتالي نزوله من المعصرات([28])، ومقارنة الطاعن بين هذا الاجتهاد الطيب بآية قرآنية أخرى:) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها (7)( (الشمس)؛ إذ التبس على ذهنه أن الواو في الآيتين الأوليين من نوع واحد،  كما توهم أنها تفيد التتابع في الوقوع، ونرد قائلين:

 إن الواو في قول الله تعالى:  )والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها (7)( (الشمس) هي واو القسم؛ إذ يقسم الله سبحانه وتعالى بأشياء عظيمة، فانظروا كيف خلق
الله الأرض وكيف بسطها ومهدها، وجعلها صالحة للإعاشة، ثم انظروا كيف خلق النفس البشرية ـ وهي لغز الألغاز ـ والتي حار فيها العلماء من قديم الأزل إلى الآن، ولن يدركوا ماهيتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 أما الواو في قوله سبحانه وتعالى: )وجعلنا سراجًا وهاجًا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجًا (14)((النبأ) فهي واو العطف، والعطف بالواو له وظائف عديدة ومختلفة في الاستخدام اللغوي، والسياق هو الذي يحدد وجه استخدامها؛ فالواو هنا لا تقتضي التتابع في الوقوع، وإنما تقتضي الإخبار المطلق، وهذا لا ينفي أن تكون الآية الأولى سببًا في حدوث الثانية.

 ومن المعلوم يقينا أن القرآن الكريم كتاب هداية ورشاد، وقد حثنا على إعمال العقل والتفكر والتدبر، قال تعالى: )ليدبروا آياته( (ص: 29)؛ فالقرآن الكريم قد أعطانا إشارات واضحة ودقيقة من شأنها حث العقل على التفكر فيها؛ وصولًا للحقيقة المرجوة؛ فقد ذكر الله سبحانه وتعالى ـ والشمس من آياته العظيمة ـ خلقه للسراج الوهاج، وأردف هذا بإخباره عن نزول المطر من المعصرات.

وبالتوفيق بين ناحيتين لا غنى عنهما:

1. الناحية اللغوية؛ فالقرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين.

2. التفكر والتدبر والاجتهاد؛ لحث القرآن الكريم على ذلك، يتبين لنا ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ أنه لا وجه لطعن ولا مسوغ لاعتراض.

وإذا كان العلماء المسلمون قد اجتهدوا في رأيهم واستنبطوا هذا المعنى (سببية إنزال الماء الثجاج من المعصرات بتأثير وهج الشمس)، فإن الطاعن ذاته قد ذكر آيات من الإنجيل لم تذكر عملية التبخر تصريحًا، ثم أتى بالبخر أو التبخر من كلامه هو، استنتاجا واستنباطا!

فمثلا نجده يقول: "الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض" (عموس 5: 8)، ونجده أيضًا يقول: "كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن إلى المكان الذي جدّت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة"(الجامعة 1: 7)، ثم يشرح قائلا: هنا نلاحظ المرحلة الأولى من الدورة المائية واضحة جلية؛ فالله يدعو المياه من البحار بالتبخر، وهو قد ذكر ـ هنا ـ التبخر استنباطا واستنتاجا! ثم نجده يكرر في موضع آخر: "لأنه يجذب قطار الماء"،ثم يتساءل: من أين يجذب الله قطار الماء؟ ويرد على التساؤل: إنه يجذبها من الأرض "بتبخرها"!

فالإضافة والشرح والسؤال والجواب من عنده هو! فهو لا يقبل أن يجتهد علماء المسلمين في شرح آيات القرآن واستنباط معان واضحة، ويبيح لنفسه هو أن يستنبط من النص ما يريد نفيه عن القرآن وإثباته للكتاب المقدس، وهذا أسلوب غير سوي لا يقيم حجة ولا يثبت رأيا! ثم يختتم اعتراضه بقول مردود قائلا: إذًا فالكتاب ـ يعني الكتاب المقدس ـ يذكر بوضوح جلي أن المياه تدور وتعود من حيث أتت، وتطرق للمرحلة الأولى من الدورة المائية، وتحدث عن الشيء الذي عجز القرآن عن الإشارة إليه.

 والرد على ذلك فيما يأتي:

تطلق الشمس من مختلف صور الطاقة ما يقدر بحوالي 500 ألف مليون مليون مليون حصان في كل ثانية من ثواني عمرها، ويصل إلى الأرض من هذا الكم الهائل من الطاقة حوالي الواحد في الألف‏,‏والمخلوقات ـ بحول الله وقوته وإرادته ومشيئته ـ تعتمد في وجودها على قدر الطاقة الواصلة من أشعة الشمس، كذلك فإن كل الظواهر الفطرية التي تحدث على الأرض ومن حولها تعتمد على الطاقة القادمة إلينا من الشمس‏:‏ فتصريف الرياح‏,‏ وإرسال السحاب‏,‏ وإنزال المطر، وبقية دورة الماء حول الأرض‏,‏ وما يصاحب ذلكمن تسوية وتمهيد لسطح الأرض‏,‏ وشق للفجاج والسبل فيها‏,‏ وتفجير للأنهار والجداول من حجارتها‏,‏ وخزن للماء تحت سطح الأرض‏,‏ وتكوين للتربة والصخور الرسوبية‏,‏ وتركيز للعديد من الركائز المعدنية‏,‏ وحركات الأمواج في البحار والمحيطات، وعمليات المد والجزر وغير ذلك من عمليات وظواهر ــ تحركها إرادة الله تعالى بواسطة طاقةالشمس‏([29]).

ولنتدبر سويا آيات تسخير الشمس في القرآن، يقول رب العزة سبحانه وتعالى: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54)((الأعراف)، ويقول: )الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (2)( (الرعد)، ويقول: )وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار (33)( (إبراهيم)، ويقول: ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29)( (لقمان)، ويقول: )وجعلنا سراجًا وهاجًا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجًا (14)( (النبأ)، ويقول: )يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13)((فاطر).

فلم يرد في الآيات الذكر الكامل لوظائف الشمس (ومنها تبخير الماء لتحمله الرياح إلى السحاب) ذكرًا مباشرًا؛ بل إن المولى عز وجل قد وضح لنا أنه قد سخر الشمس في آيات عديدة وذلك سمت القرآن، الذي لم يأت بكل تفاصيل وظائف ما خلق الخالق عز وجل بقدرته، ولكنه في كثير من الآيات يشير إليها ضمنا، والقرآن الكريم هنا لم يذكر الوظائف بالتفصيل واستعاض عنها بذكر التسخير مجملًا كل الوظائف التي أشرنا إليها؛ لأن القرآن الكريم به إشارات علمية لتحريك القلوب نحو ذكر خالق هذا الكون وتوحيده وتسبيحه وشكره على نعمه، ولتجلية الأفهام وتبصيرها بعظمة الله في خلقه وتصريفه لشئونهم)، وليس تفصيلات علمية دقيقة، تاركًا تلك التفصيلات لاستنباط العلماء الذين ينهلون منه في كل عصر على قدر المتاح من العلوم والمعارف التي يأذن الله سبحانه وتعالى لهم بها؛ مصداقًا لقوله:) ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء( (البقرة: 255). كما أن هناك أمورًا تذكر بصورة مباشرة وأخرى بصورة غير مباشرة، وتلك الأخيرة تتضمن أمورًا معلومة أو مشاهدة لا تغيب عن العقلاء، والتصريح بما هو واضح عيب في عرف العلماء.

وقد يطوي القرآن الكريم ذكر الضد، وهذا من أساليب اللغة العربية المعروفة لعلماء اللغة والتفسير؛ لأن أحد الضدين يشير إلى الآخر ويذكر به، ومثال ذلك قوله سبحانه وتعالى:) وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم (13)((الأنعام) مذكرًا بما هو واضح في النهار دون أن يذكره؛ لأنه ذكر ضده وهو ماسكن في الليل.

ثالثا. تساوي كمية المياه المتبخرة كل عام مع كمية المياه المتساقطة:

1) الحقائق العلمية:

لقد اكتشف العلم الحديث أن مجموع ما يتبخر من ماء الأرض إلى غلافها الغازي ثابت في كل عام، ومجموع ما يحمل هذا الغلاف الغازي من بخار الماء ثابت كذلك على مدار السنة، وإن تباينت كميات سقوطه من مكان إلى آخر، ويتضح هذا حال وقوفنا أمام ظاهرة الدورة الرطوبية على سطح الأرض، وتتكون الدورة الرطوبية من مجموعتين من العناصر الرطوبية:

المجموعة الأولى: وهي مجموعة عناصر الكسب الرطوبي.

المجموعة الثانية: وهي مجموعة عناصر الخسارة الرطوبية.

نرى في المحيطات أن عناصر الكسب الرطوبي تتجلى في كمية الهطول السنوية فوق المحيطات (xo)، وهي تقدر بحوالي 458000 كم3، وبما يرد إليها من مياه نهرية عذبة من اليابسة (y)، وهي تقدر بحوالي 49000 كم3، وأما الخسارة فإنها عبارة عن كمية المياه المتبخرة سنويا من المحيطات (eo)، وهكذا نجد أن الموازنة المائية الرطوبية المحيطة تتخذ الشكل الآتي: (eo=xo+y).

وإذا ما ترجمنا ما سبق إلى أرقام مقدرة بآلاف الكيلو مترات المكعبة من الماء نجد: (eo=458+49=505). وهذا يعني أن كمية ما يتبخر سنويًّا من المحيطات يعادل (505) ألف كم3، مضافًا إليها مياه الأنهار الصابة فيها (47) ألف كم3.

أما بالنسبة للقارات فإن عنصر الكسب يتمثل بكمية الهطول السنوية التي يتم فوقها (xc) والبالغة (119)ألف كم3، إلا أن الخسارةالرطوبية تتجلى في كمية مياه الأنهار الصابة في المحيط العالمي، وتعادل (47) ألف كم3 كما رأينا، وهكذا نجد أن مجموع ما يتبخر سنويًّا فوق القارات (ec) يعادل (72) ألف كم3: Xc=ec (119)-y (47) = 72.

وبعد أن تعرفنا على عناصر التوازن المائي الرطوبي فوق كل من المحيطات واليابسة يمكننا أن نوحدها في معادلة واحدة:( xc + xo= ec + eo)، ونجد أنها تعادل رقميا: (505+ 72 = 458+119).

وإذا ما رمزنا للتبخر على الأرض عامة بـ (E) وللتهاطل بـ (X)، نجد أن المعادلة تبدو كالآتي: (E=X).

ومما سبق نجد تساوي كميتي الرطوبة في طرفي المعادلة التوازنية: E (577) = X(577)؛ أي إن مجموع ما يتبخر على سطح الأرض يعادل كمية الهطول السنوية فوقها.

والسؤال الآن: ما سر وجود هذا الكم المحدد (وسطيًّا) من المياه المتبخرة والمتكاثفة سنويًّا؟

إن الإجابة تكمن في مظهر آخر من مظاهر التوازن الطبيعي على سطح الأرض، إنه التوازن الإشعاعي الحراري الأرضي الجوي.

تقدر الطاقة الحرارية الشمسية الواصلة إلى سقف الغلاف الجوي الأرضي بحوالي (1٫36٫10)24 حريرة/سعرة/سم2/سنة، وهو ما يعادل (2 مليار) من مجموع الطاقة الحرارية الشمسية، وإذا ما سلطت هذه الطاقة ـ أي الطاقة الكاملة للشمس ـ على محيطات الأرض وبحارها ستتبخر كاملة خلال (1٫5) ثانية وستختفي تماما.

عندما تصل أشعة الشمس (R)إلى الأرض وجوها تتعرض لتبدلاتعديدة تمثل الموازنة الإشعاعية الجوية المكونة من العناصر الآتية:(R = D + E + C).

إذ إن(R)تمثل مجموع الأشعة الواصلة إلى جو الأرض وسطحها، و(D) تمثل مجموع الأشعة الإجمالية التي تمتص من قبل اليابسة وماء المحيطات، و(E)تمثل مجموعة الأشعة الممتصة من قبل الجو، و(C)تمثل مجموع الأشعة المنعكسة من على سقف الجو وسطح الأرض.

 فعندما تبلغ أشعة الشمس (R)إلى سقف الجو ينعكس منها ما نسبته (31%) مباشرة إلى الفضاء الخارجي (C)، وما تبقى من الأشعة (69%) يدخلالغلاف الجوي (E) فيمتص منه قرابة (17%) والباقي (52%)؛ أي (D) فإنهيمثل مجموع الأشعة المباشرة والمنتثرة الواصلة إلى سطح الأرض، والتي ينعكس منها إلى الجو قرابة (4%)، وهكذا يتبقى من الأشعة ما يعادل (48%)، ونجد أن (18%) يصرف إشعاعًا أرضيًّا فعالًا ذاتيًّا إلى الجو، وما تبقى أي (30%) فإنه يعتبر المخزون الأرضي الإشعاعي الفعلي الذي يتحول جزء منه إلى طاقة حرارية تعمل على تبخير المياه على اليابسة والمحيطات بنسبة (22%) من مجموع الأشعة الممتصة من قبل سطح الأرض، أماما تبقى وهو (8%)، فإنه يصرف على عمليات التبادل الحراري الطاقي بين الأرض والجو.

وهكذا فإن الموازنة الإشعاعية الطاقية لسطح الأرض فإنها تبدو كالآتي:

[30% - (22% + 8%) = 0].

وتتوزع الطاقة المصروفة على التبخر الأرضي نطاقيًّا (حسب درجات العرض) بالشكل الآتي مقدرة بالحريرة [كيلو كالوري([30])] /سم2/سنة:

درجات الحرارة

0 ـ 10

20 ـ 30

40 ـ 50

60 ـ  70

80 ـ 90

الطاقة ك . ك

74

78

45

25

7

وسطي سطح الأرض (59)

هذه الطاقة التي تعادل بالنسبة لسطح الأرض ماء ويابسة (59) ك . كالوري وسطيًّا تكفي على مدار السنة تبخير ما مقداره (577) ألف كم3 من المياه السائلة من على سطح الأرض، وحسب قوانين التوازن الرطوبي آنفة الذكر ستتحول المياه المتبخرة كاملة
إلى مياه سائلة ثانية (هطول)؛ أي بمقدار (577) ألف كم3 ([31]).

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أخبرت به السنة النبوية:

روي عن ابن عباس رضى الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه حيثيشاء»([32]). وهذا الحديث يمثل سبقًا علميًّا؛ فقد تبين أن مجموع ما يتبخر من ماء الأرض إلى غلافها الغازي من بخار الماء ثابت كذلك على مدار السنة، وهذا ما عبر عنه الحديث الشريف؛ فعند قراءتنا لهذا الحديث يمكننا أن نستخلص حقيقتين:

       الكم المحدود من الهطول السنوي (ما من عام بأكثر مطرًا من عام).

     قوله صلى الله عليه وسلم: «يصرفه بين خلقه حيث يشاء»؛ يعني توزيع الهطول على سطح الأرض توزيعا حدده رب العزة بشكل يحقق التوازن النطاقي والإقليمي على سطح الأرض، والتوازن الرطوبي المنطلق لتحقيق مختلف أشكال التوازن الماديوالطاقي والأرضي([33])، وصدق الله العظيم إذ قال:) وكل شيء عنده بمقدار (8)((الرعد).

ومما يثبت صحة الحديث أن معدل البخر من أسطح البحار والمحيطات يقدر بحوالي 320٫000 كم3 من الماء في كل عام، بينما يقدر معدل البخر من اليابسة بحوالي 60٫000 كم3، وبجمع هذين الرقمين يتضح أن دورة الماء بين الأرض وغلافها الغازي تبلغ 380٫000 كم3 في السنة، وأغلب هذه الكمية يتبخر من المناطق الاستوائية؛ حيث يصل متوسط درجة الحرارة السنوي إلى 25 درجة مئوية.

وعندما يتبخر الماء من أسطح كل من البحار والمحيطات واليابسة الأرضية، فإنه يرتفع بفعل قلة كثافته، وبدفع التيارات الهوائية له إلى النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض (نطاق التغيرات المناخية)، وهو يتميز بالبرد مع الارتفاع حتى تصل درجة حرارته إلى ناقص 80 درجة مئوية فوق خط الاستواء، وفي هذا النطاق البارد يتكثف بخار الماء الصاعد من الأرض ويعود إليها ـ بإذن الله سبحانه وتعالى  ـ مطرًا أو ثلجًا أو بردًا أو طلًا (على هيئة الشابورة أو الندى).

والماء في عودته إلى الأرض يصرفه الله بحكمة بالغة؛ حيث ينزل على اليابسة قدر أعلى مما يتبخر من أسطحها (96٫000 كم3 مقابل 60٫000 كم3 مجموع المتبخر منها)، بينما ينزل على البحار والمحيطات قدر أقل مما يتبخر من أسطحها 284٫000 كم3 في مقابل 320٫000 كم3 يتبخر منها، والفارق بين هذين الرقمين هو الفارق نفسه بين كميتي المطر والبخر على اليابسة، ويقدر بـ 36٫000 كم3 من الماء يفيض من اليابسة إلى البحار والمحيطات في كل عام.

ومن ثم فإن دورة الماء حول الأرض دورة معجزة تشهد لله الخالق بطلاقة القدرة، وعظيم الصنعة، وإحكام الخلق، فكميتها في مجموعها ثابتة، ومحسوبة بما يكفي متطلبات الحياة على الأرض، والدورة ذاتها بين البخر والمطر تعمل على تنقية مياه الأرض التي يحيا ويموت فيها بلايين الأفراد من صور الحياة المختلفة، وهي تعمل على حفظ التوازن الحراري على سطح الأرض، وعلى التقليل من شدة حرارة الشمس في الصيف، فيعمل على تقليل الفرق بين درجتي الحرارة صيفا وشتاء؛ وذلك لصون الحياة الأرضية بمختلف أشكالها.

ولما كان مجموع ما يتبخر من ماء الأرض إلى غلافها الغازي ثابتًا في كل عام، ومجموع ما يحمل هذا الغلاف الغازي من بخار الماء ثابت كذلك على مدار السنة، كان مجموع ما ينزل من مطر إلى الأرض ثابتًا في كل سنة، وإن تباينت كميات سقوطه من مكان إلى آخر ـ حسب مشيئة الله ـ ويبلغ متوسط سقوط المطر على سطح الأرض اليوم 85٫7 سم3 /سنة، وتتراوح كمياته بين الصفر في المناطق الصحراوية الجافة والقاحلة و11٫45 م3 /سنة  في جزر هاواي.

وهذه الملاحظات الدقيقة التي لم يستطع الإنسان الوصول إليها إلا في القرن العشرين سبقها بأكثر من أربعة عشر قرنًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «ما من عام بأكثر مطرًا من عام»، وهذه الحقيقة العلمية التي نطق بها خاتم الأنبياء والمرسلين لا يمكن أن يكون لها مصدر إلا وحي السماء، فصلى الله وسلم وبارك على هذا النبي الخاتم([34]).

وأخيرا، فإن ما استدل به الطاعن من وجود آيات في العهد القديم تكلمت عن دورة الماء في الكون، ذاكرة تلك الملاحظات الواردة في القرآن الكريم ـ بلا زيادة أو نقصان ـ ومنها على سبيل المثال: ما ورد على لسان سيدنا سليمان عليه السلام: "كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن، إلى المكان الذي جدّت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة".

فهذه الأمثلة التي ساقها الطاعن من العهد القديم موضحًا إخبارها عن دورة الماء في الطبيعة ما هي إلا من قبيل الكلام المرسل المبهم القائم على ملاحظات إدراكية عادية؛ فكل إنسان يمكن أن يلاحظ أن الأنهار تجري ولكنها في نهاية المطاف تصب في البحر، كما يمكن أن يلاحظ أنه مهما صبت الأنهار في البحر فإنه ليس بممتلئ؛  لأنه لو امتلأ لكان بالضرورة ملاحظة ذلك، ثم تراه يسوق كلامًا عامًّا مبهمًا عن رجوع المياه إلى المكان الذي أتت منه، وهو كلام لا يقيم حجة ولا يثبت رأيًا، فما هو هذا المكان؟ وقد تخبط ـ قديمًا ـ كثيرون في ذلك، فمنهم من قال: إنها تعود إلى البحر من خلال هوة أسطورية اسمها "تاتار"، ومنهم من قال: إنها تخزن في كهوف جوفية تغذي الأنهار، هذا بالإضافة إلى أن النص لا يشير بوضوح ما هو ذلك المكان، ولكنهم يقومون في تفسيرهم على لي عنق النص وتحميله ما لا يحتمل، فتجدهم يدخلون فيه دلالات غامضة تكتنفها الكنايات والرموز المتكلفة.

في حين أننا إذا نظرنا في القرآن وجدناه قد فصل القول في إخباره عن دورة الماء في الطبيعة؛ إذ جاء بتفصيلات دقيقة شهد العلم الحديث بصحتها ودقتها البالغة، فأين إذًا تلك الدقة فيما ذكره الطاعن؟! وهل تكون هذه الدقة إلا من خالق الكون العظيم؟!

                                                                                                                                  لقد ذكر القرآن الكريم تفصيلات دورة المياه في الطبيعة ومراحلها بدقة بالغة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وهو مالم يتوصل العلم إليه إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين.

    أثبت العلم الحديث وبعد جهود مضنية أن الشمس ليست المسئول الوحيد عن عملية تبخير الماء في حين نجد القرآن لم يذكرها كسبب مباشر في عملية البخر لمعرفته بأن هناك عوامل أخرى تكاتفها؛ مما يبين دقة القرآن العظيم ومطابقته لحقائق لم يستطع العلم الحديث إدراكها إلا مؤخرًا.

      تحدث القرآن الكريم عن الخزانات المائية الضخمة المختزنة تحت سطح الأرض التي تزيد كميتها عن المياه العذبة في الأنهار، وذلك من خلال قوله تعالى: ) وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22)((الحجر).

    تحدث القرآن الكريم عن المدة الزمنية الكبيرة التي يمكث فيها الماء في الأرض دون أن يفسد أو يختلط أو يتفاعل مع صخور الأرض، وذلك في قوله تعالى: )وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)((المؤمنون)؛ ففي هذه الآية إشارة إلى أن الماء يسكن في الأرض ويقيم فترة طويلة من الزمن، وعلى الرغم من وجود الأحياء الدقيقة والفطريات والأملاح والمعادن والمواد الملوثة تحت سطح الأرض إلا أن الماء يبقى نقيًّا وماكثًا لا يذهب، أليس الله تبارك وتعالى هو من أودع القوانين اللازمة لبقاء الماء بهذا الشكل الصالح للحياة؟!

تحدث القرآن الكريم عن العمليات المنظمة والمقدرة التي تحكم نزول الماء ودورته في قوله تعالى:) والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون (11)((الزخرف)، وهذا الأمر لم يكن معروفا زمن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الناس يجهلون مصدر هذه المياه ويجهلون دورتها ويجهلون وجود أية قوانين تحكمها

      أثبت العلم الحديث أن كمية المياه المتبخرة كل عام متساوية مع كمية المياه المتساقطة، وهذا يتطابق مع ما أخبرت به السنة النبوية المطهرة.

 

[1]. الماء: سائل شفاف لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وهو يغطي ثلثي مساحة سطح الكرة الأرضية، ويتركب من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة، ويرمز له بالرمز (H2O)؛ حيث (H2) تعني ذرتي هيدروجين (O) تعني ذرة أكسجين، وتتكوَّن قطرة الماء من ارتباط خمسة آلاف مليون جزيئة ماء. 

[2]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص456.

[3]. من عجائب الماء، د. هالة عبد العزيز الجوهري، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.

[4]. التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، د. موريس بوكاي، ترجمة: علي الجوهري، مكتبة القرآن، القاهرة، 1999م، ص222.

[5]. المرجع السابق، ص222.

[6]. علم الهيدروجيولوجيا: هو العلم الذي يبحث في الماء وتكوينه وخصائصه الكيميائية.

[7]. دورة المياه: هي الدورة التي تصف حركة المياه على الأرض وداخلها، فتتحرك مياه الأرض دائمًا، وتتغير أشكالها باستمرار؛ من سائل إلى بخار، ثم إلى جليد، ومرة أخرى إلى سائل.

[8]. التبخر: عملية تحوُّل الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، وهي العملية التي ترطب الغلاف الغازي، كما أن عملية التبخر عملية أساسية في نقل الماء من المسطحاتالمائية إلى مناطق أخرى على شكل أمطار، كما تقوم بتوزيع الطاقة بين أركان الأرض الثلاثة: اليابسة والماء والهواء.

[9]. النقل: تحوُّل بخار الماء في الغلاف الجوي مؤثرًا على رطوبة الكتل الهوائية، ويكون في خلال ذلك محكومًا بحركة الرياح، مثل التيارات النفاثة في أعلى الغلاف الجوي أو نسيم البحر والبر.

[10]. التكاثف: عملية تحول بخار الماء إلى سائل؛ إذ إن حركة الهواء لأعلى تعمل على تبريد الهواء ذاتيًّا مما يجعله يفقد قوته تدريجيًّا على حمل البخار؛ فيتكثَّف متحوِّلًا إلى غيوم، ومن ثم إلى مطر.  

[11]. الهطول: عملية انتقال الماء الناتج عن التكاثف في الغيوم من الهواء إلى أسفل (الماء واليابسة)، ويعتمد على حجم قطرة الماء الساقطة على تيارات الهواء الصاعدة، وتعمل قوى التصادم بين القطرات المائية في الغيوم على زيادة حجم القطرة حتى تصل إلى الحجم القادر على التغلب على التيارات الصاعدة، ومن ثم تسقط بالاتجاه لأسفل.  

[12]. النتح: عملية الإفراج عن بخار الماء من النباتات والهواء.  

[13]. الجريان: عملية تجمع مياه الأمطار والينابيع والثلوج لتشكِّل الجداول والأنهار والبحيرات، وعادة ما يكون الجريان على أَوْجِه بعد الأمطار الغزيرة، وفوق المناطق الرملية التي تصل إلى حالة الإشباع بسرعة؛ مما يؤدي إلى حدوث الفيضانات بمختلف أشكالها.

[14]. الترشيح: عملية تصدير الماء إلى باطن الأرض؛ حيث تنتقل مياه الأمطار إلى باطن الأرض، ويعتمد معدل الترشيح على العوامل الآتية:

معدل هطول الأمطار.

كيفية الهطول.

الغطاء النباتي.

كيمياء التربة وتركيبها ورطوبتها؛ حيث إن التربة لا تمنع تسرُّب الماء إلا بعد أن تصل إلى حالة الإشباع، وهي كمية الماء التي لا تستطيع أن تحملها بين جزيئاتها، وتُسمَّى هذه الكمية بالسعة الحقلية، والتي تزوِّد النبات بحاجته من الماء، ومنطقة الإشباع، وهي المنطقة التي تخزن المياه الجوفية، والتي يمكن استخراجها عن طريق الحفر إلى ما يُسمَّى مستوى المائدة المائية (water table).

[15]. دورة المياه في الطبيعة، مقالات مُـجمَّعة، مكتبة القصيمي، بموقع: www.rissani.org. 

[16]. رجع السماء: من الصفات البارزة في سمائنا أنها ذات رجع؛ أي: ارتداد؛ بمعنى أن كثيرًا مما يرتفع إليها من الأرض تردُّه إلى الأرض ثانية، وأن كثيرًا مما يهبط عليها من أجزائها العليا يرتدُّ ثانية إلى المصدر الذي هبط عليها منه، ولرجع السماء صور عديدة منها:

الرجع الاهتزازي للهواء (الأصوات وصداها).

الرجع المائي (دورة الماء في الطبيعة).

الرجع الحراري إلى الأرض وعنها إلى الفضاء بواسطة السحب.

رجع الغازات والأبخرة والغبار المرتفع من سطح الأرض.

الرجع الخارجي للأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون.

رجع الموجات الراديوية بواسطة النطاق المتأين.

رجع الأشعة الكونية بواسطة كلٍّ من: أحزمة الإشعاع، والنطاق المغناطيسي للأرض.

[17]. للمزيد انظر: إعجاز القرآن الكريم في وصف أنواع الرياح والسحاب والمطر، الكتاب رقم (10)، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مكة المكرمة، ط2، 1421هـ، ص99: 113.

[18]. دورة المياه بين العلم والإيمان، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[19]. دورة المياه بين العلم والإيمان، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[20]. هو فيتروفيوس يوليو ماركس (Marcus Vitruvius Pollio) من القرن الأول قبل الميلاد: وهو مهندس معماري روماني، اشتهر بكتابه "في فن العمارة" وهو يقع في عشرة أجزاء.

[21]. التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، د. موريس بوكاي، مرجع سابق، ص221، 222.

[22]. القاموس المحيط، مادة: قدر.

[23]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص242.

[24]. انظر: التصوير الفني في القرآن الكريم، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط14، 1413هـ/ 1993م، ص133، 134.

[25]. وفقًا لما اكتشفه العلماء حول قانون الجاذبية، والذي يعني أن الأثقل ينزل إلى أسفل، والأخف يصعد إلى أعلى، وهذا القانون هو الذي يحافظ على وجود الماء تحت سطح الأرض ويضمن تدفقه على شكل ينابيع، ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه الآن لغار الماء في الأرض، ولم يتمكن من التدفق خلال الينابيع والأنهار.

[26]. فتح العليم في تفسير القرآن الكريم، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار غريب، القاهرة، ط1، 2006م، ص248، 249.

[27]. انظر: الموسوعة الجغرافية المصغرة، موقع: www.moqatel.com.

[28]. المعصرات: السحب التي آن لها أن تمطر.

[29]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص583.

[30]. الكالوري: وحدة لقياس كمية الحرارة.

[31]. الإعجاز العلمي في الحديث النبوي: «ما من عام أمطر من عام»، د. شاهر جمال آغا، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (22)، رمضان 1426هـ، ص8.

[32]. صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة الفرقان، رقم (3520). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2461).

[33]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، شركة حرف، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص98.

[34]. انظر: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. زغلول النجار، نهضة مصر، القاهرة، ط5، 2004م، ج1، ص117: 120.

redirect redirect unfaithful wives
why do men have affairs why do husband cheat why men cheat on beautiful women
my husband cheated married looking to cheat open
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
where to order viagra online buy viagra free shipping viagra sipari verme
dating a married woman cheat on my wife i cheated on my husband
read here website why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  5163
إجمالي عدد الزوار
  38497638

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع