نفي إعجاز القرآن العلمي في إخباره عن الأمواج
الداخلية للبحر اللجي وظلماته (*)
مضمون الشبهة:
ينفي بعض المغالطين إعجاز القرآن العلمي في قوله سبحانه وتعالى:)أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض( (النور: ٤٠)، زاعمين أن ما بداخل البحار ليست أمواجًا داخلية، وإنما هي تيارات مائية؛ ومن ثم فالآية بها خطأ علمي. كما أن إخبار الآية عن وجود ظلمات في قاع البحر ليس فيه إعجاز؛ إذ يمكن لأي إنسان أن يتوقع ذلك. هادفين من وراء هذا وذاك إلى القول بأن الآية إنما قصدت إلى وصف الأمواج السطحية التي تغطي سطح البحر؛ وعليه فلا إعجاز فيها.
وجها إبطال الشبهة:
1) بعد دراسة البحار وأعماقها دراسة مستفيضة، اتضح للعلماء أن البحر العميق، والذي وصفه القرآن بلفظ اللجي، ينقسم إلى قسمين كبيرين: البحر السطحي، والبحر العميق، وتغطي الأمواج الداخلية (Internal Waves) البحر العميق وتمثل حدًّا فاصلًا بينه وبين البحر السطحي، كما يغطي الموج السطحي البحر السطحي ويمثل حدًّا فاصلًا بين الماء والهواء. وقد ذكرت الآية الكريمة وجود موجين في وقت واحد أحدهما فوق الآخر؛ ومن ثم فالتسمية القرآنية "موج" دقيقة جدًّا من الناحية العلمية.
2) تلعب كل من: السحب والأمواج السطحية والأمواج الداخلية دورًا أساسيًّا في إحداث الظلمة التامة المركبة فوق قيعان البحار العميقة والمحيطات، وهي حقيقة لم يدركها الإنسان ـ في أبعادها الصحيحة ـ إلا في مطلع القرن العشرين، في حين أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذه الظاهرة منذ أربعة عشر قرنا في دقة متناهية، وتصوير رائع مثير، تتفاعل معه النفس وكأنها أمام واقع حي مشاهد "ظلمات بعضها فوق بعض".
التفصيل:
أولا. التسمية القرآنية لما بداخل البحار بالموج دقيقة جدًّا من الناحية العلمية:
1) الحقائق العلمية:
لقد كانت البحار عالمـًا مجهولًا إلى القرن الثامن عشر الميلادي، كما كانت الخرافات والأساطير المتعلقة بالبحار تسود الحضارات القديمة، وكان الرومان يعتقدون بأن قمم الأمواج جياد بيضاء تجر عربة الإله (نبتون)، وكانوا يعتقدون بوجود أسماك مصاصة، لها تأثيرات سحرية على إيقاف السفن، وكان لليونانيين مثل هذه الاعتقادات، كما كان بحارتهم يعزون سبب الدوامات البحرية إلى وجود وحش يسمونه (كاربيدس) يمتص الماء ثم يقذفه.
ولم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة، ناهيك عن معرفة البحار العميقة، والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكانه الغوص إلى أعماق هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين مترًا ولثوان معدودة؛ ليعاود التنفس من الهواء الجوي، وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين مترًا؛ لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص مع زيادة العمق، والذي يصل إلى أربعة أضعاف الضغط الجوي على سطح الأرض عند الغوص لثلاثين مترًا([1])، وعندئذٍ يذوب غاز النيتروجين في دم الغواص ويؤثر على عمل مخه فيفقده السيطرة على حركاته([2])، ويصاب الغواصون نتيجة لذلك بأمراض تعرف في الطب بأمراض الغواصين، أما إذا نزل الغواص إلى أعماق بعيدة فإن ضغط الماء يكفي لهرس جسمه.
· التسلسل الزمني لاكتشاف أعماق البحار:
ـ في عام 1300م استخدم صيادو اللؤلؤ أول نظارة واقية مصنوعة من صدف السلاحف([3]).
ـ في عام 1860م تم اكتشاف أحياء في قاع البحر المتوسط باستخدام حبل حديدي (كيبل).
ـ في عام 1865م تم ابتكار مجموعة غطس مستقلة بواسطة كل من روكايرول ودينايروز([4]).
ـ في عام 1893م تمكن بوتان من التقاط صور تحت الماء.
ـ في عام 1920م تم استخدام طريقة السبر بالصدى ـ صدى الموجات الصوتية ـ لمعرفة الأعماق.
ـ في عام 1930م تمكن كل من بارتون وبيبس من أن يغوصا بأول كرة أعماق حتى عمق 3028 قدمًا.
ـ في عام 1938م تم ابتكار قارورة التنفس سكوبا وابتكار صمام التنفس من قبل الكابتن كوستو ودوماس.
ـ في عام 1958م تم إجراء تجارب الاختبارات على غواصة الأعماق (الستينيات)، وابتكار إبرس غلاصم ـ تشبه الخياشيم ـ للتنفس تحت الماء، وتـجربتها لأول مرة.
ـ وتمكن الإنسان من الغوص إلى أعمق بقعة في المحيط الهادي([5])، كما تمكن من البقاء في أعماق البحر لعدة أيام([6])، واكتشف الإنسان وجود فوهات في أعماق البحر([7])، وصنع الإنسان الغواصة الصفراء([8])والغواصات النووية([9]).
· المعلومات الحديثة في علم البحار:
لم تبدأ الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها على وجه التحديد إلا في بداية القرن الثامن عشر، عندما توفرت الأجهزة الضرورية لمثل هذه الدراسات المفصلة، وعلى أيدي أجيال متعاقبة من علماء البحار توصل الإنسان إلى حقائق مدهشة، منها:
1. ينقسم البحر إلى قسمين كبيرين:
o البحر السطحي الذي تتخلله طاقة الشمس وأشعتها.
o البحر العميق الذي تتلاشي فيه طاقة الشمس وأشعتها.
2. يختلف البحر العميق عن البحر السطحي في الحرارة والكثافة والضغط ودرجة الإضاءة الشمسية، والكائنات التي تعيش في كل منهما، ويفصل بينهما موج داخلي.
· الأمواج البحرية الداخلية([10]):
الموج الداخلي اكتشفه (البحّارة الإسكندنافيون) في عام 1900م، وتغطي الأمواج الداخلية البحر العميق، وتمثل حدًّا فاصلًا بين البحر العميق والبحر السطحي، كما يغطي الموج السطحي سطح البحر ويمثل حدًّا فاصلًا بين الماء والهواء، ويتراوح طول الأمواج الداخلية ما بين عشرات إلى مئات الكيلو مترات، كما يتراوح ارتفاع معدل هذه الأمواج ما بين 10 إلى 100م تقريبًا([11]).
ويعود أول تفسير علمي لظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور ف. و. إيكمان (V.W Ekman)في عام (1322هـ/ 1904م) الذي فسر ظاهرة المياه الراكدة في الخلجان النرويجية حين تفقد السفن التي تبحر قدرتها على التقدم فتقف ساكنة في هذه المياه الراكدة، كما لاحظ عالم المحيطات النرويجي فريتوف نانسن (Fridtjof Nansen) تعرض سفينته "فرام" (Fram) لهذه الظاهرة شمال جزيرة (تايمير) خلال عملية استكشاف القطب الشمالي ما بين (1311هـ/ 1893م) و (1314هـ/ 1896م) عند محاولة اجتياز منطقة القطب.
لذلك فقد قام نانسن بتشجيع إيكمان على البحث عن تفسير ظاهرة المياه الراكدة، فكان رأي إيكمان أنها تنجم عن الأمواج الداخلية التي تتولد في السطح الفاصل بين المياه السطحية والمياه العميقة للمحيط، وبعد زمن غير طويل وصف أوتو باترسون (OttoPetterson)تأثير الأمواج الداخلية الطويلة التي تحدث في أعماق البحار على هجرة الأسماك من نوع هيرنج (Herring) بالقرب من سواحل جوتلاند (Jutland) بالقرب من الساحل الغربي للسويد في فصل الصيف.
ويكون مرور الأمواج الداخلية محسوسًا من سفن التنقيب عن النفط عندما يتغير ثقل المعوم المربوط بين سفينة الحفر وفتحه البئر الكائنة في قاع البحر بصورة مفاجئة، وتم التعرف على هذه الأمواج الداخلية كذلك من خلال تأثيرها على حركة الغواصات([12]).
ويطلق على هذه الأمواج "الأمواج المجنونة" (Freak Waves)، أو "الوحش المخيف" (Monster)؛ لأنها تبتلع أضخم السفن في لحظات. أما عن أسباب هذه الأمواج، فقد يكون سببها ظاهرة المد والجذر، أو بسبب تدرجات في قاع المحيط، أو بعض الأسباب الأخرى غير المعروفة حتى الآن؛ إذ تتولد هذه الأمواج الرهيبة في دقائق معدودة.
وهذه الأمواج الداخلية عادة ما تصحبها أمواج سطحية مدمرة، وهذه الأمواج بخلاف أمواج تسونامي التي لا يمكن رصدها في عمق البحر، ولكن يظهر تأثيرها على الشاطئ مباشرة. أما الأمواج الداخلية فقد أمكن رصدها عن طريق الأقمار الصناعية في وسط المحيط الهادي وشمال المحيط الأطلنطي([13]).
صورة حقيقية التقطت عبر الأقمار الصناعية للأمواج الداخلية في المحيط
· كيفيةتكوُّن الأمواج الداخلية:
تلعب الكثافة دورًا مهمًّا في تكوين هذا النوع من الأمواج؛ إذ تختلف كثافة الماء في البحار العميقة والمحيطات باختلاف درجة حرارته، ونسبة الأملاح الذائبة فيه؛ إذ تلعب درجة الحرارة وكمية الأملاح الذائبة ـ معظمها من كلوريد الصوديوم ـ دورًا مهمًّا في وجود هذه الأمواج الداخلية، هذا فضلًا عن تأثير قوى المد والجزر، وتأثير الرياح وتقلبات الضغط، ويلعب المناخ دورًا مهمًّا في تمييز هذه الأمواج أفقيًّا، بينما تلعب الكثافة دورها في تمييزها رأسيًّا؛ فعندما تسافر الأمواج أو تتحرك في مساحات شاسعة بين خطوط عرض مختلفة، فإنها تكتسب صفات طبيعية جديدة نظرًا لتغير المناخ في تلك المساحة، فتكتسب درجات حرارة جديدة وملوحة نتيجة اختلاف معدلات ارتفاع درجات حرارتها أو انخفاضها، ومعدلات البخر، وكذلك معدلات سقوط الأمطار، وهذا يؤدي بها إلى التحرك رأسيًّا.
وتتكون الأمواج الداخلية عند الحدود الفاصلة بين كل كتلتين مائيتين مختلفتين في الكثافة، وهي أمواج ذات أطوال وارتفاعات تفوق أطوال وارتفاعات الأمواج السطحية بمعدلات كبيرة؛ إذ تتراوح أطوالها بين عشرات ومئات الكيلو مترات، ويصل ارتفاعها إلى 200م، وتتحرك بسرعات تتراوح بين 5 ـ 100سم في الثانية لمدد تتراوح بين أربع دقائق وخمس وعشرين ساعة، كذلك يبدأ تكوُّن الأمواج الداخلية على عمق 40 م تقريبًا من مستوى سطح الماء في المحيطات؛ حيث تبدأ صفات الماء فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها، وقد تتكرر على أعماق أخرى كلما تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة([14]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أخبرت به الآية الكريمة:
قال تعالى: )أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب( (النور: ٤٠)، ففي هذه الآية الكريمة يصف الله البحر اللجي وصفًا دقيقًا ينطبق تمام الانطباق مع الاكتشافات العلمية الحديثة التي ثبتت ونوقشت على جميع المستويات العلمية؛ فمن الفيوضات العلمية في الآية أن البحر اللجي يعلوه موج من فوقه موج، أي إن هناك موجين يعلو أحدهما الآخر، قال سبحانه وتعالى: ) يغشاه موج من فوقه موج((النور: ٤٠)، وهذه صفة للبحر العميق؛ إذ يوجِد موجين في وقت واحد، أحدهما فوق الآخر، وليست أمواجًا متتابعة على مكان واحد؛ بل هي موجودة في وقت واحد، والموج الثاني فوق الموج الأول.
وتشير الآية إلى أن فوقية الموج الثاني على الموج الأول كفوقية السحاب على الموج الثاني، قال سبحانه وتعالى:)يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب( (النور: ٤٠)؛ فقد ذكرت الآية وجود موج يغشى البحر العميق ويغطيه، كما ذكرت وجود موج ثانٍ فوق الموج الأول، وهذا يستلزم وجود بحر فوق الموج الأول والبحر العميق، وهو البحر السطحي الذي يغشاه الموج الثاني الذي فوقه السحاب.
يقول العلماء: إنه يوجد في كل بحر مكان عميق ولجي؛ أي إن مياهه تزيد في ارتفاعها عن القاع 1000م وقد تصل 2000م، وتوجد الأمواج الداخلية على عمق 200م إلى 500م. وفي الحقيقة لم يكن بالإمكان الغوص إلى تلك المناطق ـ حيث يصل الضغط في بعض الأماكن إلى 600 كيلو جرام على السنتيمتر الواحد ـ إلا باستخدام غواصات متقدمة ومتينة وعلى درجة عالية جدا من التكنولوجيا الراقية الحديثة، ومزودة بكاميرات التصوير التلفزيونية، علاوة على استخدام الروبرت أيضا في هذا المجال.
صورة لغواصة من غواصات الأعماق تبين مدى التقدم الذيأحرزه الإنسان في هذا المجال
هناك إذًا بحران منفصلان، فما يعيش من كائنات بحرية في البحر العلوي الذي له سطح نراه بأعيننا يختلف تماما عما يعيش في البحر العميق اللجي، فأي إنسان عادي أو حتى مجموعة من الناس لا يمكن أن يخطر ببالهم مجرد خاطر أن هناك بحرين منفصلين في بحر واحد، ولا يمكن أن نصدق أن هذا السطح من البحر الذي نراه تحته وعلى عمق 200 إلى 500م يوجد بحر ليس له علاقة ببحر السطح المرئي([15]).
· الكلمة القرآنية (موج) دقيقة جدًّا من الناحية العلمية:
يعود السبب لحدوث هذه الأمواج تحت السطحية إلى عدة عوامل ذكرناها سابقًا (اختلاف الكثافة، وتأثير قوى المد والجذر، والرياح، وتقلبات الضغط)، وما زال هناك غموض في أسباب تكوُّن هذه الأمواج العاتية بسبب تكونها المفاجئ، وكذلك اختفاؤها المفاجئ.
ومن ثم فالتسمية القرآنية دقيقة جدًّا من الناحية العلمية؛ لأن أي اضطراب يحدث في الماء سوف ينتشر عبر جزيئات الماء على شكل أمواج، سواء على سطح الماء أو في داخله، وهذا معلوم لمن درس هندسة ميكانيكا السوائل! وفي هذا رد على الطاعن القائل: إننا إذا قلنا: "أمواج" لهذه التيارات الداخلية نكون قد ارتكبنا خطأ علميًّا، وهذا ليس صحيحًا؛ إذ إن الآية تتحدث عن الأمواج الرهيبة التي تتكون تحت الماء، وينتج عنها تكون أمواج عملاقة فوق السطح في وقت قصير جدًّا تبتلع أي سفينة تقع في حزامها مهما كان حجمها في دقائق معدودة دون ترك أي أثر.
3) وجه الإعجاز:
لقد أثبت القرآن الكريم أن هناك أمواجًا داخلية غير الأمواج السطحية، وهذه الأمواج تتواجد في المحيطات العميقة اللجية، والتي تتلبد سماؤها بالغيوم، أما البحار التي قعرها قريب وسماؤها صافية، فلا يوجد فيها أمواج داخلية، وهذا ما أكده العلم وقرره؛ فالأمواج الداخلية تتواجد في المحيط الهادي والأطلنطي، فهل ملك محمد صلى الله عليه وسلم الأقمار الصناعية لتصوير هذه الأمواج أو أنه وحي السماء([16])؟!
ثانيا. لم يتمكن الإنسان من معرفة ظلمات البحر إلا بعد عام 1933م:
1) الحقائقالعلمية:
يشتد الظلام في البحر العميق مع ازدياد عمق البحر حتى يسيطر الظلام الدامس الذي يبدأ من عمق 200م تقريبا، ويبدأ عند هذا العمق المنحدر الحراري الذي يفصل بين المياه السطحية الدافئة ومياه الأعماق الباردة، كما توجد فيه الأمواج الداخلية التي تغطي المياه الباردة في أعماق البحر، وينعدم الضوء تمامًا على عمق 1000م تقريبًا.
أما فيما يتعلق بانتشار الظلمات في أعماق البحار؛ فقد أدرك صيادو الأسماك أن الضوء يمتص حتى في المياه الصافية، وأن قاع البحر المنحدر ذو الرمال البيضاء يتغير لونه بصورة تدريجية حتى يختفي تمامًا مع تزايد العمق، وأن نفاذ الضوء يتناسب عكسيًّا مع ازدياد العمق. وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو "قرص سيتشي" (The Secchi Disk)، وهو عبارة عن قرص أبيض ذي قطر معين يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية ولا يزال هذا القرص قيد الاستعمال؛ حيث يكفي لتحديد قياس تقريبي لشفافية الماء([17]).
شكل يشرح طريقة إنزال القرص
لكن على الرغم من كونه وسيلة سهلة لقياس اختراق الضوء للماء بدرجة تقريبية، وعلى الرغم من استعماله على نطاق واسع فإن قياس الظلمات في ماء البحر بصورة دقيقة لم يتحقق إلا بعد استخدام الوسائل التصويرية في نهاية القرن التاسع عشر، ثم بتطوير وسائل قياس شدة الضوء التي استخدمت الخلايا الكهروضوئية خلال الثلاثينيات من القرن العشرين([18])، وبعد اختراع الإنسان أجهزة مكنته من الغوص إلى هذه الأعماق البعيدة([19]).
· كيف تحدث الظلمات في البحر اللجي؟
لما كانت الشمس هي مصدر الحرارة والضوء على سطح الأرض، وعلى أسطح غيرها من أجرام المجموعة الشمسية، كان لزامًا علينا الرجوع إلى المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس للتعرف على الحواجز التي يمكن أن تعترض أشعة الشمس في طريق وصولها إلى الأرض، ومن أهمها الغلاف الغازي.
وضوء الشمس يجتاز ثلاثة موانع حتى ينعدم تمامًا في المنطقة التي تحت الموج اللجي، وسوف نتناول كل مرحلة على حدة:
الظلمة الأولى ـ أو العائق الأول لضوء الشمس ـ تسببها السحب:
إن الناظر إلى الكرة الأرضية من طائرة تطير فوق السحاب، سوف يرى أن السحاب يغطي الكرة الأرضية سواء في الشتاء أو الصيف، وهذا يعني أنك لو كنت تطير فوق السحاب فسوف ترى شمسًا ساطعة ونورًا واضحًا، ولنفرض أن هذه الطائرة أرادت الطيران من تحت السحاب، بين السحاب وسطح البحر، فماذا ترى؟ ترى نفسك فجأة وقد أصبحت في منطقة مظلمة ظلامًا خفيفًا، وقد ضاع النور الذي كنت تراه وأنت تطير فوق السحاب؛ ومن ثم فإن المنطقة التي تقع بين السحاب والموج السطحي للبحر تكون بها ظلمة قليلة؛ وذلك لعدم استطاعة الشمس الدخول بحرية إلى هذه المنطقة لوجود السحاب الذي يعتبر حاجزًا قويًّا لدخول أشعة الشمس كاملة.
· كيف يكون السحاب سببًا في الظلمة الأولى؟
ترسل الشمس أشعتها المكونة من موجات كهرومغناطيسية وأشعة الراديو والأشعة السينية، إلا أن الغالب عليها هو الضوء المرئي، وكل من الأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية بالإضافة إلى بعض الجسيمات الأولية المتسارعة مثل الإلكترونات، وأغلب الأشعة فوق البنفسجية يردها إلى الخارج نطاق الأوزون، وعند وصول بقية أشعة الشمس إلى الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فإن السحب تعكس وتشتت نحو 30% منها. وتمتص السحب وما بها من بخار الماء وجزيئات الهواء وهباءات الغبار وغيرها من نوى التكثيف الأخرى حوالي 19% من تلك الأشعة الشمسية المارة من خلالها؛ ومن ثم تحجب السحب بالانعكاس والتشتيت والامتصاص حوالي 49% من أشعة الشمس، فتُحدث قدرًا من الظلمة النسبية([20]).
يبين هذا الشكل السحب الكثيفة وقد أحدثت الظلمة الأولى
الظلمة الثانية تسببها الأمواج السطحية في البحار والمحيطات:
· ماذا يحدث للضوء عندما يقابل سطحالبحر والأمواج السطحية؟
عند وصول ما تبقى من أشعة الشمس إلى أسطح البحار والمحيطات فإن حوالي 35% من الأشعة تحت الحمراء فيها تستهلك في تبخير الماء، وتكوين السحب، وفي عمليات التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات البحرية، أما ما يصل إلى سطح البحار والمحيطات مما تبقى من الأشعة المرئية (أو الضوء الأبيض)، فإن الأمواج السطحية للبحار تعكس 5% أخرى منها، فتُحدث قدرًا آخر من الظلمة النسبية في البحار والمحيطات([21]).
إن الجزء المرئي من أشعة الشمس الذي ينفذ إلى كتل الماء في البحار والمحيطات يتعرض لعمليات كثيرة من الانكسار والتحلل إلى الأطياف المختلفة والامتصاص بواسطة كل من جزيئات الماء وجزيئات الأملاح المذابة فيه، وبواسطة المواد الصلبة العالقة به، وبما يحيا فيه من مختلف صور الأحياء، وبما تفرزه تلك الأحياء من مواد عضوية؛ ولذلك يضعف الضوء المار في الماء بالتدريج مع العمق.
شكل يوضح مكونات الطيف المرئي (قوس قزح)
· كيف تحدث عملية امتصاص الضوء؟
يتكون شعاع الشمس من سبعة ألوان (الأحمر ـ البرتقالي ـ الأصفر ـ الأخضر ـ النيلي ـ البنفسجي ـ الأزرق)، ولكل لون طول موجي خاص به([22]).
وتتوقف قدرة اختراق الشعاع الضوئي للماء على طول موجته؛ فكلما قصر طول الموجة زادت قدرة اختراق الشعاع للماء؛ لذلك فإن شعاع اللون الأحمر يُمتص على عمق 20م تقريبًا، ويختفي وجوده بعد ذلك، وينشأ عن ذلك ظلمة اللون الأحمر، فلو جرح غواص على عمق 25 م تقريبًا، وأراد أن يرى الدم النازف فسيراه بلون أسود؛ بسبب انعدام شعاع اللون الأحمر، ويُمتص الشعاع البرتقالي على عمق 30 م تقريبًا، فتنشأ ظلمة أخرى تحت ظلمة اللون الأحمر هي ظلمة اللون البرتقالي، وعلى عمق 50 م تقريبًا يُمتص اللون الأصفر، وعلى عمق 100م تقريبًا يُمتص اللون الأخضر، وعلى عمق 125م تقريبًا يُمتص اللون البنفسجي والنيلي، وآخر الألوان امتصاصًا هو اللون الأزرق على بعد 200م تقريبًا من سطح البحر.
وهكذا تتكون ظلمات الألوان لشعاع الشمس بعضها فوق بعض؛ بسبب عمق الماء الذي تُمتص فيه الألوان بأعماق مختلفة([23]).
هذه الصورة توضح امتصاص الألوان بحسب العمق
فلو أنك أتيت بكوب من الماء وسلطت عليه الأشعة فإنك ترى قاع الكوب منير، فإذا قمت بتحريك الكوب حتى يصير موجًا متحركًا فإنك ترى قاع الكوب أصبح أقل إنارة، ويفهم من هذا أن البحر السطحي عكست عنه أشعة الشمس المتبقية من أشعة الشمس النافذة من خلال السحب؛ لوجود الموج، فأصبح البحر السطحي العلوي مظلمًا على إثر انعكاس الأشعة ودخولها بكمية قليلة جدًّا.
في هذا الشكل نرى الضوء يحاول دخول الأمواج الداخلية وتحته البحر المظلم
وبذلك فإن معظم موجات الضوء المرئي تُمتص على عمق مئة متر تقريبًا من مستوى سطح الماء في البحار والمحيطات، ويستمر 1% منها إلى عمق 150م، و 0٫01% إلى عمق 200م في الماء الصافي الخالي من العوالق.
وعلى الرغم من السرعة الفائقة للضوء (حوالي 300٫000 كيلو متر في الثانية في الفراغ، وحوالي 225٫000 كيلو متر في الثانية في الأوساط المائية) فإنه لا يستطيع أن يستمر في ماء البحار والمحيطات لعمق يزيد على الألف متر، فبعد مئتي متر من أسطح تلك الأوساط المائية يبدأ الإظلام شبه الكامل؛ حيث لا ينفذ بعد هذا العمق سوى أقل من 0٫01% من ضوء الشمس، ويظل هذا القدر الضئيل من الضوء المرئي يتعرض للانكسار والتشتت والامتصاص حتى يتلاشى تمامًا على عمق لا يكاد يصل إلى كيلو متر واحد تحت مستوى سطح البحر؛ حيث لا يبقى من أشعة الشمس الساقطة على ذلك السطح سوى واحد من عشرة تريليون جزء منها، ولما كان متوسط أعماق المحيطات يقدر بنحو 3795 م، وأن أقصاها عمقًا يتجاوز الأحد عشر كيلو مترًا بقليل (11٫034مترًا)، وبين هذين الحدين تتراوح أعماق البحار والمحيطات بين أربعة وخمسة كيلو مترات في المتوسط، وبين ثمانية وعشرة كيلو مترات في أكثرها عمقًا، فإن معنى ذلك أن أعماق تلك المحيطات تغرق في ظلام دامس.
صورة توضح توهن ضوء الشمس المرئي بمروره في ماء البحار والمحيطات
إذًا فالبحر السطحي الذي يعلوه الموج ـ الذي هو على السطح ونراه بأعيننا والذي يصل عمقه من 200 إلى 500م ـ أصبح مظلمًا ولكن ليس بالظلام الحالك؛ وذلك لدخول بعض الأشعة النافذة من سطحه، وهذه الأشعة القليلة النافذة والموجودة في البحر السطحي لا بد لها من الانتشار ـ على قلتها ـ فتعمل على الدخول عبر الموج الذي يعلو سطح البحر اللجي، ولكنها تُصدم بحاجزين يمنعانها من الدخول تمامًا([24]).
الظلمة الثالثة تسببها الأمواج الداخلية؛ إذ يمتص القدر اليسير الذي تبقى من الضوء:
· كيف تعمل الأمواج الداخلية بوصفها حاجزًا أخيرًا للضوء؟
توجد أمواج داخلية تغشى البحر العميق وتغطيه، وتبدأ من عمق 70 إلى 240م، وتعلق ملايين الملايين من الكائنات الهائمة في البحار على أسطح الموجات الداخلية، وقد تمتد الموجة الداخلية إلى سطح البحر، فتبدو تلك الكائنات الهائمة كأوساخ متجمعة على سطح البحر؛ مما يجعلها تمثل مع ميل الموج الداخلي حائلًا لنفاذ الأشعة إلى البحر العميق، فتنشأ بذلك الظلمة الثالثة تحت ظلمتي السحب والموج السطحي؛ وبذلك فإن البحر اللجي تنعدم فيه أية أشعة أو ضوء ولو بمقدار 1%([25]).
غواصة مضيئة بالنهار في الظلام الحالك في أعماق البحار
يتبين لنا مما سبق أن الظلمات التي تراكمت في البحار العميقة ثلاث ظلمات: ظلمة السحب، وظلمة الموج السطحي، وظلمة الموج الداخلي.
· كيف ترى الأحياء البحرية في أعماق البحار والمحيطات؟
في الواقع أنه يصعب التصديق بوجود أي نوع من الحياة في هذه الظلمات والأعماق السحيقة، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإذا كان البحر يموج بالأمواج فإنه أيضًا يموج بالحياة؛ فقد أثبت العلم الحديث أن البحار والمحيطات العميقة تعج بالكائنات المضيئة؛ إذ لما كان ضوء الشمس منعدمًا في هذه الأعماق؛ فقد زوِّدت أسماك تلك الأعماق بمصابيح خاصة بها.
· كيف تولِّد الأسماك الضوء؟
الأسماك التي تعيش في الأعماق السحيقة من المحيطات المظلمة لديها القدرة على توليد الضوء، ويسمى هذا الضوء علميًّا بالضوء البارد؛ أي الضوء الذي لا يصاحبه توليد أي حرارة، وذلك بواسطة أعضاء خاصة تدعى (حاملات الضوء)([26])، وهذه الأعضاء عبارة عن مصابيح صغيرة بسيطة التركيب، لكنها على درجة عالية من الكفاءة؛ حيث تتركب من قرنية شفافة تتلوها عدسة، ثم عاكس مقعر عبارة عن نسيج خاص يقابل شبكية العين، وهو المسئول عن توليد الضوء، كما تقوم القرنية والعدسة بتجميع هذا الضوء قبل أن ينبثق خارج جسم السمكة.
وتختلف أعضاء الإضاءة في هذه الأسماك من حيث العدد والتوزيع والتعقيد، وغالبًا ما توجد على جانبي الحيوان أو على بطنه أو رأسه، ونادرًا على سطحه العلوي، وقد يكون هذا الضوء باهتًا يصدر بشكل متقطع من وقت لآخر، أو قد يكون مبهرًا مستمرًّا. وتعيش هذه الأسماك على أعماق تتفاوت من 1000م إلى 4000م تحت سطح البحر؛ ولذلك يطلق عليها أسماك الأعماق أو أسماك القاع([27]).
ويطلق العلماء على ظاهرة الإضاءة التي تستخدمها الأسماك "الإضاءة الحيوية" (Bioluminescence)، وهذه الظاهرة تحدث داخل أجسام بعض الكائنات الحية، مثل الأسماك التي تعيش داخل المياه المالحة، ولا تحدث في المياه العذبة، ونادرة الحدوث على الأرض؛ فهي تحدث فقط في نوع من الخنافس وبعض أنواع البكتيريا والفطريات، ولكن كيف تحدث هذه الظاهرة؟
تحدث هذه الظاهرة نتيجة بعض التفاعلات الكيميائية في جسم الكائن، حيث تتحول الطاقة الناتجة من التفاعل إلى نور، ولكي تتم هذه العملية فإن الخالق عز وجل قد أنعم على هذه الكائنات بـ:
1. نوع من الصبغيات يطلق عليه علميًّا (Luciferin).
2. إنزيم يسمى إنزيم (Luciferase) الذي يعمل كمادة محفزة تساعد على إتمام التفاعل داخل أجسام الأسماك، بالإضافة إلى وجود الأكسجين ومصدر للطاقة وهو مركب يسمى "ثالث فوسفات الأدينوسين"(ATB)؛ مما يؤدي إلى إنتاج مادة تسمى (Oxyluciferen)، وينبعث الضوء عند حدوث هذه التفاعلات، ويمكن تمثيل هذا التفاعل بالمعادلة الآتية:
(A) + (B) ( à) (Products) + ligh
وتتواجد هذه المواد الكيميائية بصورة دائمة داخل تراكيب تسمي الحوامل الضوئية(Photophores)، وتتوزع هذه الحوامل في أماكن معينة حسب إرادة الخالق لكل نوع من هذه الأسماك؛ حيث يحدث هذا النوع من التفاعل داخلها([28]).
صورة لسمكة مضيئة في أعماق البحار الحالكة الظلام
2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما جاءت به الآية الكريمة:
قال سبحانه وتعالى: ) أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور (40)((النور).
· من أقوالالمفسرين في الآية:
أثبت القرآن وجود ظلمات في البحر العميق، وقيد وصف البحر بلفظ "لجي"؛ ليعلم قارئ القرآن أن هذه الظلمات لا تكون إلا في بحر لجي، أي عميق، ويخرج بهذا القيد البحر السطحي الذي لا توجد فيه هذه الظلمات.
وقد بين أهل اللغة والتفسير معنى لفظ "لجي"، فقال قتادة وصاحبا تفسير الجلالين: لجي: هو العميق، وقال الزمخشري: اللجي العميق كثير الماء، وقال البشيري: هو الذي لا يدرك قعره، واللجة معظم الماء، والجمع لجج، والتجَّ البحر: إذا تلاطمت أمواجه.
قال تعالى) أو كظلمات في بحر لجي((النور:40)، قال الزمخشري: أي: ظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب. وقال الخازن: معناه أن البحر اللجي يكون قعره مظلمًا جدًّا؛ بسبب غمورة الماء. وقال المراغي: إن البحر يكون مظلم القعر جدًّا بسبب غمورة الماء.
وذكرت الآية أن للبحر العميق موجًا يغشاه من أعلاه، وأن هذا الموج فوقه موج آخر من فوقه سحاب، قال تعالى:) يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب((النور:40).
ومن ثم فقد أثبت القرآن دور الحوائل الثلاثة ـ السحب والموج السطحي والموج الداخلي ـ في تكوين الظلمات في البحار العميقة، وأن بعضها فوق بعض كما قال سبحانه وتعالى:
) يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ((النور:40)، وهو ما فهمه بعض المفسرين: قال الإمام البغوي في تفسيره لهذه الآية: ظلمة الموج الأول على ظلمة البحر، وظلمة الموج الثاني فوق الموج الأول، وظلمة السحاب على ظلمة الموج الثاني.
وقال الإمام ابن الجوزي في تفسيره: "ظلمات"؛ يعني ظلمة البحر وظلمة الموج الأول، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة السحاب.
واستعمل القرآن لفظ "ظلمات" الذي تستعمله العرب للدلالة على جمع القلة، من الثلاثة إلى العشرة، فقبلها تقول: ظلمة وظلمتان، وبعدها تقول: إحدى عشرة ظلمة، ومن ثلاث إلى عشر تقول: ظلمات كما في الآية، وهذا ما كشفه العلم كما سبق بيانه: سبع ظلمات للألوان متعلقة بالأعماق، وثلاث ظلمات متعلقة بالحوائل (الموج الداخلي، والموج السطحي، والسحاب).
وبينت الآية التدرج في اشتداد الظلام في البحار العميقة باستعمال فعل من أفعال المقاربة وهو (كاد) وجعلته منفيًّا، قال تعالى:)إذا أخرج يده لم يكد يراها(([29])(النور:40).
إن تتمة هذه الآية الكريمة تقول:)ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور ((النور:40)،فإذا كانت الآية تتحدث عن ظلمات البحر وخصوصًا ظلمات البحر اللجي، فإن ما سوف يفهمه الإنسان هو الظلام الدامس، إلا أن هناك ربطًا بين الآية وهذا الشطر بالذات، فطالما أن الآية تتحدث عن الظلمات فما العلاقة بين الظلمات ثم التحول إلى:)ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور((النور:40)؟
إن ما تعنيه الآية هو إشارة لطيفة إلى أسماك الأعماق السحيقة حيث ينعدم ضوء الشمس؛ فقد زود الله هذه المخلوقات بالنور، فلكل جعل الله له مصابيح خاصة به، وهذا إعجاز علمي آخر([30]).
· استحالة أن يتنبأ أي إنسان بما جاءت به الآية الكريمة:
على الرغم من أن الآية الكريمة جاءت في مقام التشبيه([31])، إلا أنها جاءت في صياغة علمية دقيقة غاية الدقة، ومحكمة غاية الإحكام، شأنها في ذلك شأن كل الآيات القرآنية، ونزلت هذه الآية الكريمة في زمن لم يكن لأحد من الناس إلمام بتلك الحقائق العلمية ولا بطرف منها، وظلت الأجيال جاهلة بها لقرون عدة بعد زمن الوحي حتى تم الإلمام بشيء منها في مطلع القرن العشرين.
وعلى افتراض أن أحدًا من الناس قد أدرك في القديم دور السحب في إحداث شيء من الظلمة على الأرض، ودور الأمواج السطحية في إحداث شيء من ذلك على قيعان البحار والمحيطات ـ وهو افتراض مستبعد جدًّا ـ فإن من أوضح جوانب الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة هو تلك الإشارة المبهرة إلى الأمواج الداخلية (InternalWaves)، وهي أمواج لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أبدًا، ولكن يمكن إدراكها بعدد من القياسات غير المباشرة.
ومن جوانب السبق العلمي في هذه الآية أيضًا الإشارة إلى الحقيقة المعنوية الكبرى التي تصفها الآية بقول الحق تعالى: )ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور((النور:40)؛ فقد فاجأتنا البحوث العلمية أخيرًا بواقع مادي ملموس لتلك الحقيقة؛ فقد كان العلماء إلى عهد قريب جدًّا لا يتصورون إمكانية وجود حياة في أغوار المحيطات العميقة، أولا: للظلمة التامة فيها، وثانيا: للبرودة الشديدة لمائها، وثالثا: للضغوط الهائلة الواقعة عليها، ورابعا: للملوحة المرتفعة أحيانا لذلك الماء، ولكن بعد تطوير غواصات خاصة لدراسة تلك الأعماق فوجئ دارسو الأحياء البحرية بوجود بلايين الكائنات الحية التي تنتشر في تلك الظلمة الحالكة، وقد زودها خالقها بوسائل إنارة ذاتية في صميم بنائها الجسدي([32]).
نعم، في هذا الخضم الهائل والخطورة المتناهية والاضطرابات الفائقة وانعدام الضوء الذي يعتبر أساس الحياة، لا يمكن أن يتصور إنسان أن يكون هناك حياة بأي معنى، ولكن قدرة الله وعظمة تدبيره تفوق الوصف.
إن ظلمات البحار هي مكان كان يستحيل لأي إنسان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه البتة؛ لأن الإنسان لا يحتمل جسمه أن يغوص في الماء أكثر من 30 م؛ لأنه عند تجاوز هذا العمق يكون مستوى الضغط أربعة أضعاف الضغط الجوي؛ مما يجعل النيتروجين يذوب في الدماء ويؤثر في الجسم ويفقد السيطرة عليه، ومن المستحيل أن يصل إنسان بجسمه إلى عمق 100م أو 200م، فهذه الآيات أخبرتنا عن ظاهرة يبدأ ظهورها بعد 200م، فضلًا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب بحرًا أصلا. ومجتمع النبي هو مجتمع صحراوي، ويخبرنا القرآن عن ظلمات توجد في أعماق البحار... في البحار العميقة وليست البحار السطحية، ويذكر لنا سبب تكون هذه الظلمات، ولم تكتشف هذه الظلمات ولم تكتشف أسبابها إلا برحلة طويلة جدًّا من البحث العلمي حتى تكاملت الاكتشافات فتقدمت الصورة، فوجد علماء البحار أن هناك ظلامًا شديدًا على بعد 300 : 500 م، ويشتد كلما نزلنا إلى أسفل لدرجة أن الغواصة إذا نزلت لا بد أن يكون معها آلات إنارة([33]).
وإذا كان الموج الداخلي قد اكتشفه البحارة الإسكندنافيون في عام 1900م، فإن الإنسان لم يتمكن من أن يعرف الظلمات إلا بعد عام 1933م بعد اكتشاف الغواصات كما ذكرنا. والغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بذلك رغم أن ما يحيط بالجزيرة العربية من الشرق هو الخليج العربي، وهو ليس بحرًا لـجيًّا، والبحر الأحمر من الغرب، وهو بحر داخلي قليل العمق، وبحر العرب من الجنوب وهو الآخر ليس بحرًا لجيًّا.
إنه لإعجاز حقًّا أن يخبرنا القرآن منذ ألف وأربع مئة عام بتلك الظاهرة؛ فالظلمات التي ذكرها القرآن لا توجد في البحار المحيطة بمهبط رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وموطنه، فمن كشف لمحمد صلى الله عليه وسلم هذه الأسرار؟ ومن كشف له عن ظلمات السحب في هذه المناطق التي يتميز مناخها بالاضطرابات والأعاصير وتراكم السحب السوداء في سمائها؟ إنه الله سبحانه وتعالى الذي أخبره عن طريق الوحي بكل ذلك، وجعله سهل الفهم على حسب مدارك ابن الصحراء، وابن عصر الفضاء على حد سواء([34]).
إن هذه الحقائق حين عرضت على البروفيسور (راو) وسئل عن تفسيره لظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكيف أخبر محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام أجاب: "من الصعب أن نفترض أن هذا النوع من المعرفة العلمية كان موجودًا في ذلك الوقت منذ ألف وأربع مئة عام، ولكن بعض الأشياء تتناول فكرة عامة، ولكن وصف هذه الأشياء بتفصيل كبير أمر صعب جدًّا؛ ولذلك فمن المؤكد أن هذا ليس علمًا بشريًّا بسيطًا، فلا يستطيع الإنسان العادي أن يشرح هذه الظواهر بذلك القدر من التفصيل؛ ولذلك فقد فكرت في قوة خارقة للطبيعة خارج الإنسان، لقد جاءت المعلومات من مصدر خارق للطبيعة"([35]).
3) وجه الإعجاز:
لقد ذكر القرآن الكريم معلومات دقيقة عن وجود ظلمات في البحار العميقة وأشار إلى سبب تكوينها، ووصفها بأن بعضها فوق بعض، ولم يتمكن الإنسان من معرفة هذه الظلمات إلا بعد عام 1930م.
وأخبر القرآن عن وجود موج داخلي في البحار لم يعرفه الإنسان إلا بعد عام 1900م، كما أخبر بأن هذا الموج الداخلي يغطي البحر العميق، الأمر الذي لم يعرف إلا بعد صناعة الغواصات بعد الثلاثينيات من القرن العشرين، كما أخبر القرآن عن دور الموج السطحي، والموج الداخلي في تكوين ظلمات البحار العميقة، وهو أمر لم يعرف إلا بعد تقدم العلم في القرون الأخيرة.
وما سبق من معلومات لم يكتشفه الإنسان إلا بعد أن ابتكر أجهزة للبحث العلمي تمكنه من الوصول إلى هذه الأعماق ودراسة هذه الظواهر، وبعد أن استغرق البحث مدة طويلة امتدت لثلاثة قرون من الزمن، واحتشد لها مئات الباحثين والدارسين حتى تمكنوا من معرفة تلك الحقائق. فمن أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الأسرار في أعماق البحار في وقت كانت وسائل البحث العلمي فيه معدومة، والخرافة والأسطورة هي الغالبة على سكان الأرض في ذلك الزمان، وبخاصة في مجال البحار؟! كيف جاءه هذا العلم الدقيق بهذه الأسرار، وهو الرجل الأمي في أمة أمية وبيئة صحراوية، ولم يتيسر له ركوب البحر طوال حياته؟
وأخيرا: نستطيع أن نجمل ما تدل عليه الآية الكريمة موطن الاشتباه فيما يأتي:
1. أن الظلام ينتشر في أعماق المحيطات.
2. أن مياه المحيطات تحوي الأمواج الداخلية.
3. أن هناك فوق الأمواج الداخلية طبقة مائية أخرى هي الطبقة السطحية التي تحوي الأمواج السطحية.
4. أن هذه الطبقات المائية تولِّد بالإضافة إلى الغيوم التي تعلوها طبقات من الظلام التدريجي.
5. أن ظاهرة الظلام تتزامن مع الأمواج الداخلية في المياه العميقة.
[1]. يزداد ضغط الماء على الغواص بمقدار ضغط جوي واحد كلما نزل إلى عمق عشرة أمتار.
[2]. عند نزول الغواص إلى هذه الأعماق فإن غاز النيتروجين يذوب في دمه تحت الضغط العالي، فإذا ما ارتفع الغواص نتيجة لفقدان السيطرة على حركته؛ فإن الضغط يخف، ويخرج غاز النيتروجين فائرًا كما تخرج الغازات الذائبة في قارورة المياه الغازية عند رجِّها.
[3]. في عام 1520م استطاع ماجلان أن يعبر المحيط الهادي بمساعدة ملك البرتغال، وفي عام 1522م تمكنت هذه السفن من أن تبحر حول العالم.
[4]. في عام 1872م تم إبحار السفينة تشالنجر في رحلة بحث علمية لدراسة البحار؛ مما ساعد على توفير معلومات علمية عن البحار.
[5]. في عام 1960م وفي الثالث والعشرين من يناير نزلت الغواصة (تريستا)، وهي عبارة عن كرة من الصلب جدارها يبلغ سمكه 9 سنتيمترات وبإمكانها الهبوط والصعود فقط، وعلى متنها كلٌّ من: دونالد والش وجاكوى بيكارد، وبعد أربع ساعات من الهبوط لمسافة 11 كم تم الوصول لأعمق منطقة في المحيط الهادي (خانق مريانا)، واكتشف الإنسان لأول مرة بواسطة هذه الغواصة وجود براكين تحت الماء وعيون ماء حارة وكثير من الأحياء المائية.
[6]. في عام 1962م تمكن غواصون من البقاء لمدة أسبوع في أول غرفة تشبع "كونشلف" (La)، وهي بيوت مائية للغواصين.
[7]. في عام 1977م تم اكتشاف وجود حياة في فوَّهات أعماق البحار، وعثرت مركبة (نوتايل) على فوهات في أعماق البحر قرب المكسيك يتدفق منها الماء وهو في درجة 350 °م، وحين يرتفع ماؤها فوق الصخور يتفاعل مع المعادن؛ ليتحول إلى اللون الأسود ويصبح شبيهًا بالمدخنة، كما تم صناعة غواصة الأبحاث الأمريكية (ألفين) القادرة على الغوص إلى عمق 3650م.
[8]. في عام 1995م صمَّم البريطاني روبرت ليدز غواصة صفراء تشبه الصحن الطائر، مُعدَّة للاستخدام التجاري، ويمكن بها مراقبة الأسماك على عمق يصل إلى خمسين مترًا.
[9]. لم يكن باستطاعة الغواصات الصغيرة التي تعمل بالبطاريات البقاء مغمورة في الماء أكثر من بضعة أيام؛ لذا قام الإنسان بصناعة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية والتي يمكنها البقاء لأكثر من سنتين، وهي كبيرة الحجم وتحمل طاقمًا كبيرًا، وتعتبر الغواصة الروسية (تايفون) من أكبر الغواصات؛ إذ تزن أكثر من 25 ألف طن، وطولها 172 مترًا، والغواصة الروسية كورست التي غرقت في أغسطس 2000م ـ وهي تزن 18 ألف طن ـ على متنها 118 فردًا في بحر بارنتس.
[10]. ذكر وليارد باسكوم (Willard Bascom) عن أمواج المحيط: "إنها على قدر كبير من التعقيد بحيث إن ملاحظات البحَّارة والمسافرين بحرًا لم تقدِّم أيَّ تعليل يزيد على القول بأن الرياح تؤدي إلى تكوُّن الأمواج بطريقة ما. أما حركات المحيطات فقد كانت أعقد من أن يفهمها التفكير الحدسي".
[11]. بيِّنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، دار الإيمان، مصر، 2006م، ص111: 117 بتصرف.
[12]. الأمواج الداخلية وظلمات البحر العميقة، عبد المجيد الزنداني و د. وليام هاي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، العدد (20)، محرم 1426هـ، ص57.
[13]. هناك بعض الحوادث المسجَّلة والتي نتجت عن هذه الأمواج الداخلية والأمواج السطحية التابعة لها؛ ففي 11 مارس 1861م، سجلت موجة ارتفاعًا قدره 40 مترًا على الشاطئ الغربي لأيرلندا، دمرت فنارًا ارتفاعه 26 مترًا. وفي يناير 1909م اختفت سفينة لأحد الخطوط الملاحية تُسمَّى واراتا (waratah) حمولتها 1600 طن. وغير ذلك من الحوادث التي كان فيها اختفاء غامض للعديد من عابرات المحيطات، وحتى طائرات الهليوكبتر التابعة لحرس الحدود الأمريكي التي كانت تطير على مستويات منخفضة قريبًا من سطح المحيط.
[14]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[15]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[16]. الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد شعبان التفتنازي، مرجع سابق، ص379.
[17]. الأمواج الداخلية وظلمات البحر العميقة، عبد المجيد الزنداني و د. وليام هاي، مرجع سابق، ص56 وما بعدها.
[18]. من المعروف الآن أن كمية الضوء التي تنفذ إلى أعماق البحار تتناقص تناقصًا رأسيًّا وفقًا لما يراه (جيرلوفJerlov ) فينخفض مستوى الإضاءة في مياه المحيطات المكشوفة إلى نسبة10% عند عمق 35م، من السطح وإلى 1% عند عمق 135م، وإلى 0.1% عند عمق 190م، وإن أفاد بعض الذين قاموا بالدراسة والمراقبة من الغواصات لمدد طويلة أنهم تمكنوا من رؤية الضوء في أعماق تزيد على ذلك، ويرى كلٌّ من (كلارك) و(دنتون) أن الإنسان يستطيع أن يرى الضوء المنتشر على عمق850 م، ومن الواضح أن الأسماك التي تعيش في أعماق البحار ترى أفضل من ذلك إلى حد ما، وهي قادرة على اكتشاف الضوء المنتشر حتى عمق 1000متر مع أن شدة الضوء عند هذا العمق تبلغ (1x 10 ـ 13 من شدته عند السطح).
[19]. بيِّنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص117.
[20]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[21]. )أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ((النور:40) ، د. زغلول النجار، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org .
[22]. الأطوال الموجية:
اللون |
|
التردد |
الطول الموجي |
بنفسجي |
Violet |
1014 ´ 7,69 - 6,59 |
10 - 7 ´ 3,90 - 4,55 |
أزرق |
Blue |
6,59 - 6,10 |
4,55 - 4,92 |
أخضر |
Green |
6,10 - 5,20 |
4,92 - 5,77 |
أصفر |
Yellow |
5,20 - 5,03 |
5,77 - 5,97 |
برتقالي |
Orange |
5,3 - 4,82 |
5,97 - 6,22 |
أحمر |
Red |
4,82 - 3,84 |
6,22 - 7,80 |
[23]. بينات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص119، 120.
[24]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[25]. بينات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص121.
[26]. هناك أنواع أخرى من هذه الكائنات لا تملك هذه الحوامل، فينعم الله عليها بأن يجعل نوعًا من البكتيريا المضيئة بذات الطريقة تتعايش معها على سطحها أو بين ثنايا الجلد؛ فينبعث منها الضوء فترى السمكة نتيجة الضوء المنبعث من البكتيريا والفطريات.
[27]. من أشهر أنواع هذه الأسماك:
سمكة المصباح Lantern:
تعيش في المحيطات على أعماق سحيقة (1200: 3000 قدم)، ولكنها تقترب من السطح أثناء الليل بحثًا عن الغذاء، وتحمل مجموعة من الحوامل الضوئية المركزة أسفل الرأس وعلى سطح البطن، والضوء المنبعث لونه أزرق مخضرٌّ، وتستخدمه السمكة لجذب فرائسها من السمك.
سمكة الفأس Hatchet Fish:
تعيش أيضًا على أعماق كبيرة وتحمل الحوامل الضوئية على سطحها البطني، وينبعث منها إضاءة شديدة تعمل ككشافات تشوِّش على باقي الأسماك، فتبتعد عنها ولا تفترسها، فهذا الضوء هو وسيلة الدفاع الوحيدة لهذه السمكة.
سمكة الثعبان Uiper Fish:
توجد على أعماق من 80: 1600م تحت سطح الماء، ويوجد على زعنفتها الظهرية حوامل ضوئية تنتج ضوءًا مبهرًا يعمل على جذب الأسماك الأخرى، ثم تقوم بالهجوم والتغذية عليها.
سمكة التنِّينDragon Fish:
هذه السمكة لا يوجد بها حوامل ضوئية، ولكن أجسامها تحمل مجموعة من البكتيريا.
[28]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[29]. بينات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص123: 125 بتصرف. وانظر: الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد شعبان التفتنازي، مرجع سابق، ص373، 374.
[30]. أمواج البحر اللجي، مجدي عبد الشافي عبد الجواد، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[31].)وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)( (النور).
ففي المشهد الأول يرسم أعمالهم كسراب في أرض مكشوفة مبسوطة، يلتمع التماعًا كاذبًا، فيتبعه صاحبه الظامئ، وهو يتوقع الري غافلًا عما ينتظره هناك... وفجأة يتحرك المشهد حركة عنيفة، فهذا السائر وراء السراب، الظامئ الذي يتوقع الشراب، الغافل عما ينتظره هناك... يصل، فلا يجد ماء يرويه، إنما يجد المفاجأة المذهلة التي لم تخطر له ببال، المرعبة التي تقطع الأوصال، وتورث الخبال: )وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ((النور:39)! الله الذي كفر به وجحده، وخاصمه وعاداه، وجده هنالك ينتظره! ولو وجد في هذه المفاجأة خصمًا له من بني البشر لروَّعه، وهو ذاهل غافل على غير استعداد، فكيف وهو يجد الله القوي المنتقم الجبار؟ )فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ(... هكذا في سرعة عاجلة تتناسق مع البغتة والفجاءة، )وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)((النور)... تعقيب يتناسق مع المشهد الخاطف المرتاع!
وفي المشهد الثاني تطبق الظلمة بعد الالتماع الكاذب؛ ويتمثَّل الهول في ظلمات البحر اللجي، موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، وتتراكم الظلمات بعضها فوق بعض، حتى ليخرج يده أمام بصره فلا يراها لشدة الرعب والظلام! إنه الكفر ظلمة منقطعة عن نور الله الفائض في الكون، وضلال لا يرى فيه القلب أقرب علامات الهدى، ومخافة لا أمن فيها ولا قرار )وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)((النور) ، ونور الله هدًى في القلب؛ وتفتُّح في البصيرة؛ واتصال في الفطرة بنواميس الله في السماوات والأرض؛ والتقاء بها على الله نور السماوات والأرض، فمن لم يتصل بهذا النور فهو في ظلمة لا انكشاف لها، وفي مخالفة لا أمن فيها، وفي ضلال لا رجعة منه، ونهاية العمل سراب ضائع يقود إلى الهلاك والعذاب؛ لأنه لا عمل بغير عقيدة، ولا صلاح بغير إيمان، إن هدى الله هو الهدى، وإن نور الله هو النور. (في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج4، ص2521).
[32]. )أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ( (النور:40) ، د. زغلول النجار، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.nooran.org.
[33]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2008م، ص94.
[34]. الماء والحياة بين العلم والقرآن، عبد العليم عبد الرحمن خضر، الدار السعودية، جدة، ط1، 1985م، ص196.
[35]. بيِّنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص126.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
click
website dating site for married people