نفي الإعجاز العلمي عن القرآن في إخباره عن إمكانية
(*) جعل الليل أو النهار سرمدًا
مضمون الشبهة:
ينفي بعض المغالطين الإعجاز العلمي عن القرآن الكريم في إخباره عن إمكانية جعل الليل أو النهار سرمدا، وذلك في قوله تعالى: )قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون (71) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون (72) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (73)((القصص)، زاعمين أن الآيات تدل على رحمة الله بأهل الأرض، وليس فيها أي إخبار عن حقيقة علمية كما يظن علماء المسلمين.
وجه إبطال الشبهة:
إن تعاقب الليل والنهار على نصفي الأرض ضرورة لاستمرار الحياة عليها، وقد أكد العلم الحديث إمكان حدوث ما افترضه القرآن الكريم من إمكان جعل الليل أو النهار سرمدًا، وذلك عن طريق توقف الأرض عن الدوران، خاصة وأنه قد ثبت أنها تبطئ بالفعل من سرعة دورانها ثانية واحدة في كل مئة وعشرين ألف سنة، وفي هذا دليل على أنها لا بد أن تتوقف يومًا ما.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
الليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان تشهدان بدقة بناء الكون، وانتظام حركة كل جرم فيه، وإحكام السنن الضابطة له، ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس، والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية، ولكل من الشهور والسنين، وتعاقب الليل والنهار، والتبادل الرتيب بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة على الأرض، ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة.
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة على سطح الأرض وفي غلافها الغازي القريب من ذلك السطح، ويتم التحكم كذلك في كميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف البيئات الأرضية، كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس، والنتح، والتمثيل الضوئي، والأيض وغيرها، ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالأرض، وضبط صفاته الطبيعية، وتتم دورة الماء بين الأرض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض، وغير ذلك الكثير من الظواهر والعمليات التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة للعمران.
وتعاقب الليل والنهار على نصفي الأرض هو كذلك ضروري للحياة؛ لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت، فالإنسان والحيوان والنبات، وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة تحتاج إلى الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار، أو عكس ذلك بالنسبة لأنماط الحياة الليلية.
إن هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير يعين الإنسان على إدراك حركة الزمن، وتأريخ الأحداث، وتحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال، فلو كان الزمن كله على نسق واحد من ليل أو نهار ما استقامت الحياة وما استطاع الإنسان أن يميز ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلًا؛ ومن ثم توقفت حركة الحياة([1]).
وعن إمكانية سرمدية الليل والنهار فقد قرر التاريخ الجيولوجي الفلكي أن الأرض بعد انفصالها عن الشمس كانت تدور حول نفسها بسرعة أكبر مما هي عليها الآن؛ إذ كانت تتم دورتها حول نفسها مرة كل أربع ساعات، فالليل والنهار كانا في مجموعهما أربع ساعات فقط.
وبتوالي النقص في سرعة دورانها حول نفسها، زادت المدة التي تتم فيها دورتها هذه، فزادت مدة الليل والنهار إلى خمس ساعات ثم ست حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة التي هي عليها الآن.
وقد تمكن العلماء من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض فوجدوا أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مئة وعشرين ألف سنة، وعليه فبعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة، وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار25 ساعة، وهكذا يتوالى النقص ويطرد طول النهار والليل، وعلى هذا الأساس لا بد أن تقف الأرض يومًا ما، وعندما تقف يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائمًا والوجه البعيد عنها ليلًا دائمًا([2]).
وأيضا يكشف لنا القرآن عن ظاهرة كونية لم يتم اكتشافها إلا بالساعات الذرية وهي ظاهرة تباطؤ سرعة دوران الأرض حول نفسها، كما يؤكد علماء الفلك أن ظاهرة التباطؤ التدريجي في سرعة هذا الدوران اليومي بتأثير جذب القمر لمياه البحر ستؤدي حتما إلى انشقاق القمر في المستقبل.
وقد يؤدي هذا التباطؤ أيضًا إلى توقف الدوران المغزلي للأرض كمقدمة لبداية انعكاس اتجاهه في المستقبل، لتبدأ الأرض في الدوران حول نفسها في اتجاه مضاد للاتجاه الحالي، فتبدو لنا الشمس وهي تطلع من مغربها الحالي، ويصبح المغرب مشرقًا والمشرق مغربًا([3]).
ومن ثم فتعاقب الليل والنهار ضرورة أساسية لنمو الحياة على الأرض، وبدهي أنه من المحال أن تستمر الحياة إذا كان النهار سرمدًا أو كان الليل سرمدًا.
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآيات الكريمة:
لقد نبه القرآن الكريم إلى إمكان جعل الليل سرمدا أو النهار سرمدا ـ وهذه فرضية علمية ممكنة الوقوع ـ في سورة القصص: )قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون (71) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون (72) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (73)( (القصص).
ففي هذه الآيات الكريمات يلفت المولى عز وجل نظر البشر إلى هذه الحقيقة العلمية الضرورية للحياة فيقول: انظروا واسمعوا إذا وقفت الأرض عن دورانها، فأصبح نصفها المواجه للشمس نهارًا دائمًا، والبعيد عنها ليلًا دائمًا، من غير الله يهبكم تعاقب الليل والنهار مرة أخرى؛ ومن هنا فإن الآيات بها إعجاز علمي واضح، وإن حاول الطاعنون إنكاره، وقولهم بأن الآيات لا تعدو أن تكون دليلًا على رحمة الله عز وجل بأهل الأرض، إنما هو كلمة حق أريد بها باطل؛ ذاك أن كونها كذلك لا ينفي إشارتها إلى حقيقة علمية كونية، خاصة وأنها تطابقت مع ما توصل إليه العلم، وهذا هو القرآن من أي وجه نظرت إليه وجدت إعجازًا مبهرًا.
· من أقوال المفسرين:
قال ابن كثير: يقول الله تعالى ممتنًا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار اللذين لا قوام لهم بدونهما، وبيَّن أنه لو جعل الليل دائمًا عليهم سرمدًا إلى يوم القيامة لأضر ذلك بهم ولسئمته النفوس؛ ولهذا قال تعالى: )من إله غير الله يأتيكم بضياء((القصص: ٧١)؛ أي: تبصرون به وتستأنسون بسببه "أفلا تسمعون"، ثم أخبر تعالى أنه لو جعل النهار سرمدًا؛ أي: دائمًا مستمرًّا إلى يوم القيامة لأضر ذلك بهم ولتعبت الأبدان وكلّت من كثرة الحركات والأشغال؛ ولهذا قال تعالى:)من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه( (القصص: ٧٢)؛ أي: تستريحون من حركاتكم وأشغالكم "أفلا تبصرون"([4]).
وعند تفسيره لهذه الآيات يقول الطاهر ابن عاشور: "ومن أبدع الاستدلال أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين، والذي يستوي في إدراكه كل مميَّز، والذي هو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم، فهو دليل الحدوث، وهو مما يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام، فهي تظلم وتسود أجسامها بظلام الليل وتشرق وتضيء بضياء النهار، وكان الاستدلال بتعاقب الضياء والظلمة على الناس أقوى وأوضح من الاستدلال بتكوين أحدهما لو كان دائمًا؛ لأن قدرة خالق الضدين وجاعل أحدهما ينسخ الآخر كل يوم أظهر منها لو لم يخلق إلا أقواهما وأنفعهما، ولأن النعمة بتعاقبهما دومًا أشد من الإنعام بأفضلهما وأنفعهما؛ لأنه لو كان دائمًا لكان مسئومًا ولحصلت منه طائفة المنافع، وفقدت منافع ضده، فالتنقل في النعم مرغوب فيه ولو كان تنقلًا إلى ما هو دون.
وجيء في الشرطين بحرف "إن"؛ لأن الشرط مفروض فرضًا مخالفًا للواقع... وناسب السمع دليل فرض سرمدة الليل؛ لأن الليل لو كان دائمًا لم تكن للناس رؤية فإن رؤية الأشياء مشروطة بانتشار شيء من النور على سطح الجسم المرئي، فالظلمة الخالصة لا ترى فيها المرئيات؛ ولذلك جيء في جانب فرض دوام الليل بالإنكار على عدم سماعهم، وجيء في جانب فرض دوام النهار بالإنكار على عدم إبصارهم"([5]).
3) وجه الإعجاز:
نبه الله عز وجل عباده في الآيات إلى نعمة من نعمه عليهم ألا وهي نعمة تعاقب الليل والنهار، والتي هي ضرورية للحياة، وبدونها لا تستمر الحياة على وجه الأرض، وذلك عن طريق افتراضه زوال تلك النعمة بجعل الليل أو النهار سرمدًا، وقد أكدت الحقائق العلمية إمكان حدوث هذا عن طريق توقف الأرض عن الدوران، خاصة وأنه ثبت علميًّا أن الأرض تبطئ في سرعة دورانها حوالي ثانية واحدة كل مئة وعشرين ألف سنة، وأنها لا بد أن تقف يومًا ما.
(*) نقض النظريات الكونية، أبو نصر عبد الله الإمام، مرجع سابق.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1428هـ/ 2007م، ص422، 423 بتصرف.
[2]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص91.
[3]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص274 بتصرف.
[4]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص24 بتصرف.
[5]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج10، ج20، ص168: 171 بتصرف.
read here
website why women cheat on men