نفي الإعجاز العلمي عن قوله تعالى:
)والأرض ذات الصدع (12)((*)
مضمون الشبهة:
في غمار حملة التشكيك الموجهة إلى إعجاز القرآن الكريم، نفى الطاعنون الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ) والأرض ذات الصدع(12)((الطارق)، ذاهبين إلى أن المعنى لا يتجاوز ما عرفه القدماء من أن الصدع هو النبات الذي يشق الأرض وتنصدع به، وعلى هذا إجماع المفسرين قدامى ومعاصرين.
ويتساءلون: إذا كان المقصود من الآية هذه الصدوع العملاقة المتعددة التي تحيط بالكرة الأرضية ـ كما يزعم دعاة الإعجاز العلمي ـ فلماذا جاءت الآية بصيغة المفرد (صدع)، ولم تأت بصيغة الجمع (صدوع)؛ فهي صدوع عدَّة وليست صدعًا واحدًا؟
وجها إبطال الشبهة:
1) من المعاني الصحيحة التي فهمها الأولون من القسم القرآني بالأرض ذات الصدع معنى انشقاقها عن النبات، وهو صحيح، وقد أخطأ الطاعن حينما أراد قَصْر مقصود الآية على هذا المعنى فقط؛ لأنه لما كانت لفظة الأرض قد جاءت في القرآن الكريم بمعنى: التربة التي تغطي صخور اليابسة، وكتل اليابسة التي نحيا عليها، وكوكب الأرض كوحدة فلكية محددة، فإن القسم القرآني بالأرض ذات الصدع لا بُدَّ وأن يكون له دلاله في كل معنى من معاني كلمة الأرض؛ ومن ثم فإن كلمة الصدع في الآية تعني: انصداع التربة عن النبات، وتصدع صخور اليابسة، وتصدع الغلاف الصخري للأرض.
2) ليس صحيحًا ما ادَّعاه الطاعن من أن الآية لو كانت تنطبق على ما اكتشفه العلماء حديثًا من وجود صدوع متعددة بالكرة الأرضية لجاءت بصيغة الجمع (صدوع)؛ ذاك أن العلماء اكتشفوا صدعًا ضخمًا يمتد إلى أكثر من 40 ألف كيلو متر، وأسموه حلقة النار(pacific Ring of fire)، هذا فضلًا عن أن الصدوع التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة تتصل ببعضها وكأنها صدع واحد؛ ومن ثم فإن المفرد (صدع) في الآية الكريمة قد يكون مقصودًا على حقيقته.
التفصيل:
أولا. الصدع في الآية لا يقتصر على انصداع التربة عن النبات:
1) الحقائق العلمية:
· انصداع التربة عن النبات:
تربة الأرض تتكون عادة من معادن الصلصال المختلطة أو غير المختلطة بالرمل، وهي معادن دقيقة الحبيبات([1])، وتتركب أساسًا من سيليكات الألومنيوم على هيئة راقات متبادلة من كل من ثاني أكسيد السيليكون وثالث أكسيد الألومنيوم مع عناصر أخرى كثيرة، ويحمل كل راق على سطحه شحنة كهربائية موجبة أو سالبة على حسب نوع الصلصال المركب منه.
والصلصال من المعادن الغروية التي لها قدرة على الانتشار في غيرها من المواد نظرًا لدقة حبيباتها، كما أن لها القدرة على تشرُّب الماء والالتصاق بأيونات العناصر؛ ولذلك فإنه عند نزول الماء على التربة أو عند ريِّها بكميات مناسبة من الماء، فإن ذلك يؤدي إلى انتفاشها وزيادة حجمها، فتهتز حبيباتها وتربو إلى أعلى حتى ترق رقة شديدة فتنشق لتفسح طريقًا سهلًا لكل من الجذير المندفع إلى أسفل، والسويقة المنبثقة من داخل البذرة النابتة إلى أعلى حتى تتمكن من اختراق التربة بسلام وتظهر على سطح الأرض مستمرة في النمو لتغطي باقي أجزاء النبات.
واهتزازية التربة بنزول الماء عليها له أسباب أخرى غير زيادة حجم حبيباتها بالتميؤ، ومن ذلك القطبية المزدوجة لجزيء الماء، ووجود الشحنات الكهربائية المتشابهة على أسطح الحبيبات، مما يؤدي إلى تنافرها، وتباعد الحبيبات عن بعضها البعض وعن جزيئات الماء المتسربة بينها، في حركة اهتزازية لا يمكن إيقافها إلا بتعادل تلك الشحنات بواسطة شحنات مخالفة ناتجة عن تأيُّن أملاح التربة في ماء الري، ومنها دفع جزيئات الماء لحبيبات التربة في كل الاتجاهات لتفسح مكانًا لخزن المياه بين تلك الحبيبات، ومنها دفع جزيئات الهواء المختزن بين حبيبات التربة بواسطة الماء الذي يحل محله باستمرار حتى يُطرد بالكامل.
وكلما زادت كمية المياه المختزنة في التربة حجمًا زاد انتفاشها، وأدَّى ذلك إلى زيادة حجمها، فكل حبة من حبات التربة لها القدرة على التشرب بالماء، وحمله على سطحها، واختزانه في المسافات بينها وبين ما حولها من حبيبات، وبذلك يتم التبادل بين الأيونات المختلفة على أسطح حبيبات التربة والأيونات المذابة في الماء المحفوظ بينها، ليستفيد النبات من أيونات العناصر المغذية له في التربة بعد تحللها بواسطة الإنزيمات الخاصة التي تفرزها الجذيرات المندفعة إلى أسفل من البذرة النابتة، ولولا خاصية انصداع التربة عند نزول الماء عليها أو ريِّها ما أنبتت الأرض على الإطلاق.
انصداع التربة بإنزال الماء عليها يفسح طريقًا سهلًا للنبتة المنبثقة من داخل البذرة النابتة كي تظهر سويقتها إلى ما فوق الأرض، ويندفع مجموعها الجذري إلى أعماق التربة.
· تصدُّع صخور اليابسة:
نتيجة لتعرض صخور القشرة الأرضية للإجهاد بالشدِّ أو بالتضاغط، فإنها تتكسر بواسطة مجموعات من الفواصل المتوازية والمتقاطعة على هيئة شقوق في قشرة الأرض، تمزق صخورها إلى كتل متجاورة دون حدوث قدر ملحوظ من الحركة على جوانب مستويات تلك الشقوق، كذلك تحدث الفواصل نتيجة لعمليات التعرية التي تقوم بإزاحة كميات كبيرة من الصخور الظاهرة على سطح الأرض، بما يعين على تخفيف الضغط عن الصخور الموجودة أسفل منها، وبالتالي تخفيف شدة الإجهاد الذي كانت تعاني منه تلك الصخور فتستجيب بالتمدُّد وتتشقق على هيئة كسور تفصل أجزاء الصخور إلى كتل متجاورة دون حدوث حركة ملحوظة عبر تلك الفواصل.
وغالبية فواصل الأرض تقع في مجموعات متوازية ومتقاطعة في اتجاهين أو أكثر وإن كان بعضها قد لا يكون له اتجاه محدد، وأغلبها قليل العمق.
وتحدث فواصل قشرة الأرض كذلك نتيجة لتبرد الصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض قريبًا من سطحها أو إلى سطحها على هيئة متداخلات نارية أو طفوح بركانية...
وصدوع الأرض هي كسور في قشرتها([2])، يتم عبرها تحرك صخورها على جانبي مستوى الصدع حركة أفقية أو رأسية ، أو مائلة بدرجة ملحوظة، وتتباين أبعاد تلك الصدوع تباينًا كبيرًا، فمنها ما لا يرى بالعين المجردة، ولا تكاد الحركة عبر مستواه أن تدرك، ومنها ما يمتد لعشرات الكيلو مترات، وتبلغ الحركة عبر مستواه إلى آلاف الأمتار...
بعض نماذج صدوع الأرض التي تقسم غلافها الصخري إلى عدد من الألواح أو الصفائح المتباعدة عن بعضها البعض أو المصطدمة مع بعضها البعض
ولصدوع الأرض أهمية بالغة لأنها تمثل ممرات طبيعية بين باطن الأرض وسطحها، تتحرك عبرها الأبخرة والغازات المحملة بالثروات المعدنية، كما تتحرك المتداخلات النارية والطفوح البركانية المحملة كذلك بمختلف الصخور والمعادن الاقتصادية المهمة وبالعناصر اللازمة لتجديد ثراء صخور الأرض وتربة سطحها.
· تصدع الغلاف الصخري للأرض:
على الرغم من التعرف على عدد من أودية الخسف والصدوع العملاقة على سطح الأرض منذ زمن بعيد، إلا أن العلماء قد اكتشفوا في العقود الثلاثة الماضية أن أرضنا محاطة بشبكة هائلة من تلك الأودية الخسيفة والصدوع العملاقة التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة، ويشبهها العلماء باللحام على كرة التنس، وتمتد هذه الصدوع العملاقة لآلاف الكيلو مترات في جميع الاتجاهات بأعماق تتراوح بين 65 و70 كم تحت قيعان كل محيطات الأرض وقيعان عدد من بحارها، وبين 100و 150 كم تحت القارات، مُمزقة الغلاف الصخري للأرض بالكامل إلى عدد من الألواح التي تعرف باسم (ألواح الغلاف الصخري للأرض).
وتطفو هذه الألواح الصخرية فوق نطاق الضعف للأرض، وهو نطاق لَدِِِن، شبه منصهر، عالي الكثافة واللزوجة وتنطلق فيه تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى حيث تتبرد وتعاود النزول إلى أسفل، فتدفع معها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعدة عن بعضها البعض في إحدى حوافها، ومصطدمة مع بعضها البعض عند الحواف المقابلة ومنزلقة عبر بعضها البعض عند بقية الحواف .
خريطة للعالم توضح صدوع الأرض
وينتج عن هذه الحركات لألواح الغلاف الصخري للأرض عدد من الظواهر الأرضية المهمة التي منها: اتساع قيعان البحار والمحيطات، وتجدد صخورها باستمرار عند حواف التباعد، وتكوُّن سلاسل من جبال أواسط المحيطات، ومنها تتكون السلاسل الجبلية عند حواف التصادم حيث يستهلك قاع المحيط تحت كتلتي القارتين المتصادمتين واللتين كانتا على حدود المحيط الذي كان يفصلها.
وتُصاحب العمليتان بالهزات الأرضية وبكم هائل من الطفوح البركانية، وبتكون أعلى السلاسل الجبلية مثل جبال الهيمالايا، وبها قمة إفرست أعلى قمم الأرض، ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من 64000كم، وهي تتكون أساسًا من الصخور البركانية المختلطة بقليل من الرواسب البحرية، وتحيط بالصدوع العملاقة.
ومع تجدد صعود الطفوح البركانية عبر هذه الصدوع العملاقة المكونة للوادي الخسيف في وسط سلسلة الجبال البحرية، يتجدد قاع المحيط بأحزمة حديثة من الصخور البازلتية المتوازية على جانبي الوادي الخسيف، ويهبط كل نصف من نصفي قاع المحيط تحت القارة المقابلة له بنصف معدل اتساع قاعه عند وسطه، وبذلك تكون أحدث صخور قاع المحيط حول محوره الوسطي، وأقدمها عند هبوط قاع المحيط تحت كتل القارتين المحيطتين به.
رسم يوضح تصدُّع قيعان المحيطات بشبكة متصلة من الصدوع وتكوُّن سلاسل جبال أواسط تلك المحيطات
وهذه الحركة لألواح الغلاف الصخري للأرض كانت سببًا في زحف القارات، وتجمعها، وتفتتها بصورة دورية، فيما يعرف باسم "دورة القارات والمحيطات"، وفيها قد تنقسم قارة ببحر طولي ـ مثل البحر الأحمر ـ إلى كتلتين أرضيتين تتباعدان عن بعضهما البعض باتساع قاع البحر الفاصل بينهما حتى يتحول إلى محيط، كما قد يستهلك قاع محيط بالكامل تحت إحدى القارات بدفع كتلة أرضية له تحت تلك القارة حتى يصطدما مكونين أعلى سلاسل جبلية على سطح الأرض، كما حدث في اصطدام الهند بالقارة الآسيوية، وتكون سلسلة جبال الهيمالايا.
صورة للبحر الأحمر الذي يقسم القارة إلى كتلتين أرضيتين تتباعدان بفعل اتساعه
وهذه الصدوع العملاقة ـ المكونة للأودية الخسيفة ـ التي تحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة بعمق يتراوح بين 65 و 150كم، وبطول يُقدَّر بعشرات الآلاف من الكيلو مترات في كل الاتجاهات، هي مراكز تتحرك عبرها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعدة أو مصطدمة أو منزلقة عبر بعضها البعض، وهذه الصدوع تعمل كممرات طبيعية للحرارة المختزنة في داخل الأرض، والناتجة عن تحلل العناصر المشعة فيها، ولولا هذه الشبكة من الصدوع لانفجرت الأرض.
وعبر هذه الشبكة المتصلة من الصدوع العملاقة تندفع ملايين الأطنان من الصهارة الصخرية على هيئة طفوح بركانية تثري سطح الأرض بالعديد من الصخور والمعادن النافعة، وتجدد شباب التربة الزراعية، وتكون مراكز مهمة لاستغلال الحرارة الأرضية([3]).
رسم تخطيطي يوضح تكوُّن جبال الهيمالايا بتصادم الهند بالقارة الآسيوية عبر ملايين السنين
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما جاءت به الآية الكريمة:
لم يجد المفسرون قديمًا تفسيرًا لقوله تعالى: ) والأرض ذات الصدع (12) ((الطارق) إلا النبات يشق الأرض ويخرج من باطنها؛ ومن هنا يلتقط المشككون طرف الخيط، قائلين: إن معنى: الأرض ذات الصدع لا يتجاوز انشقاق الأرض عن النبات، وليس ثمة علاقة بينه وبين الصدوع العميقة التي اكتشفت في الأرض.
وقبل أن نشرع في تفنيد هذا الزعم ـ وإن كنا قد آتينا على قواعده آنفًا عندما مهدنا لذلك بما أثبته العلم من حقائق في هذا الصدد ـ يجدر بنا أن نمر ولو سريعًا على ما قاله اللغويون والمفسرون بشأن هذه الآية.
· المعنى اللغوي للانصداع:
صدع النبات الأرض صدعًا: شقَّها وظهر منها، وتصدَّع: تشقق، ويقال: تصدعت الأرض بالنبات: تشققت. وانصدَع: انشق. والتَّصَدُّع في الجيولوجيا: تكسر الصخور بقوة. والصَّدْع: الشق في الشيء الصُّلب، وفي التنزيل)والأرض ذات الصدع (12)((الطارق) ([4]).
· أقوال المفسرين:
في تفسير قوله تعالى: )والأرض ذات الصدع (12)((الطارق) أشار ابن كثير إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما بأنه: هو انصداعها عن النبات، وذكر أن كلًّا من ابن جرير وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة والسدي ـ قالوا به، كما قال به غيرهم([5]).
وقال صاحب الظلال: "الصدع: النَّبت يشقُّ الأرض وينبثق"([6]).
· الدلالة الواسعة لمعنى الصدع في الآية:
ذكرنا سلفًا أن الطاعن يُقْصر معنى الصدع الوارد في الآية على انصداع التربة عن النبات، وهو يستند في ذلك إلى ما فهمه الأولون منها، والإشكالية التي يطرحها هي أنه إما أن يكون المعنى يقتصر على انصداع التربة عن النبات؛ ومن ثم ينتفي ما في الآية من إعجاز، وإما أن يكون المقصود بالصدع هو ما اكتشفه العلماء حديثًا من وجود صدوع في الأرض معظمها في قيعان البحار والمحيطات؛ وعليه يكون المفسرون قد أخطئوا في تفسير الآية.
وفي الواقع إن هذا الإشكال الذي يضعه الطاعن أمامنا، والذي يبدو ـ للوهلة الأولى ـ وكأنه معضلة ـ لا يثبت أمام التمحيص والنقد الدقيقين؛ فلا المفسرون أخطئوا ولا المعنى يقتصر على مجرد انصداع الأرض عن النبات.
فمن ناحية أولى: ـ وإن كُنَّا قد ذكرنا هذا الكلام مرارًا ونحن بصدد الرد على شبهات سابقة ـ إن المفسرين فسَّروا الآية على حسب معارف عصرهم وعلومه، ولو كانوا على علم بما اكتشفه العلماء حديثًا لما ترددوا لحظة في تفسير الآية به، وحتى على فرض خطئهم، فإنه لا مشكلة إذا أخطأ مفسرٌ في تفسير آية؛ لأنه بشر يخطئ ويصيب، والكل يؤخذ من كلامه ويرد، فلا قداسة لمفسر ولا عصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
ومن ناحية أخرى: فإن معنى الصدع في الآية لا يقتصر على مجرد انصداع الأرض عن النبات؛ بل يشمل كذلك ما اكتشفه العلماء حديثًا من أن بالقشرة الأرضية صدوعًا طولية وأخرى عرضية، ومعظمها في قيعان البحار والمحيطات، ويصل بعضها إلى وشاح الأرض بعمق 100كم، وهذا لا يعني خطأ ما فهمه المفسرون قديمًا من انشقاق الأرض عن النبات، فهذا تفسير علمي صحيح؛ "لأنك حين تزرع بذرة في الأرض وترويها جيدًا تبدأ البذرة في الإنبات، ويبدأ البرعم في اختراق التربة لينمو ويترعرع كي يصبح نباتًا كامل النضج، به أزهار جميلة، أو فاكهة لذيذة، أو خشب فاخر، ويحدث هذا الاختراق من خلال شقوق صغيرة تنشأ في التربة بسبب الانتفاخ الناتج عن تحللها بالماء واعوجاجها صعودًا حتى تصبح التربة رقيقة وتنشق"([7]).
ولكن لما كانت لفظة الأرض قد جاءت في القرآن بمعنى التربة التي تغطِّي صخور اليابسة، وبمعنى كتل اليابسة التي نحيا عليها، وبمعنى كوكب الأرض كوحدة فلكية محددة، فإن القسم القرآني بالأرض ذات الصدع لا بُدَّ وأن يكون له دلالة في كل معنى من معاني كلمة الأرض... ومن ثم فإننا نرى في صدوع الأرض أبعادًا ثلاثة: بعدًا لا يتعدَّى بضعة ملِّيمترات أو بضعة سنتيمترات في انصداع التربة عن النبات، وبعدًا آخر في صدوع اليابسة التي تمتد الحركات الأرضية عبر مستوياتها في عشرات السنتيمترات إلى مئات الأمتار، وبعدًا ثالثًا في الصدوع العملاقة التي تنتشر أساسًا في قيعان المحيطات، كما توجد في بعض أجزاء اليابسة على هيئة أغوار سحيقة تترواح أعماقها بين 100كم و150كم، وتقل هذه الأعماق تحت قيعان البحار والمحيطات إلى ما يتراوح بين 65كم و70 كم، ومن هنا كانت روعة الإشارة القرآنية إلى حقيقة: )والأرض ذات الصدع (12)((الطارق) ([8]).
· لولا الصدوع لاستحالت الحياة:
سبحان الذي أقسم بالأرض ذات الصدع من قبل ألف وأربع مئة سنة تفخيمًا لظاهرة من أروع ظواهر الأرض وأكثرها إبهارًا للعلماء، وأشدها لزومًا، وجعل الأرض كوكبًا صالحًا للعمران بالحياة، فعبر هذه الصدوع العملاقة خرج كل من الغلافين المائي والغازي للأرض، ولا يزالان يتجددان، وعبر النشاط الملازم لها تحركت ألواح الغلاف الصخري الأوَّلي للأرض فتكونت الجزر البركانية والقارات والسلاسل الجبلية، وتجددت قيعان المحيطات ولا تزال تتجدَّد، وتزحزحت القارات ولا تزال تتحرك، وتبادلت اليابسة والمحيطات، وثارت البراكين لتخرج قدرًا من الحرارة الأرضية الحبيسة في داخل الأرض، والتي كان من الممكن أن تفجرها لو لم تتواجد تلك الصدوع العملاقة، وخرجت كميات هائلة من المعادن والصخور ذات القيمة الاقتصادية مع هذه الثورات البركانية، ونشطت ديناميكية الأرض، وثبتت ألواح غلافها الصخري بالجبال، ولا تزال ديناميكية الأرض تحرك ذلك بأمر الله الخالق عز وجل([9]).
3) وجه الإعجاز:
يتبين من خلال ما سبق ذكره ومضة الإعجاز العلمي في القسم القرآني بالأرض ذات الصدع من قبل ألف وأربع مئة سنة، والعلم الكوني لم يصل إلى كشف تلك الحقيقة إلا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، ولم يكن لأحد في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده إلمام بتلك الحقيقة الأرضية، أو إدراك لشيء من جوانبها، ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرًا لها قبل ألف وأربع مئة من السنين غير الله الخالق عز وجل.
ثانيًا. المفرد في الآية (صدع) مقصود على حقيقته:
1) الحقائق العلمية:
منذ بداية القرن العشرين بدأ العلماء يلاحظون أن القشرة الأرضية مع الطبقة التي تليها، ليست قطعة واحدة، بل مقسَّمة إلى ألواح، وتفصل بين هذه الألواح شقوق تمتد لآلاف الكيلو مترات، وبدأوا يرسمون الخرائط الخاصة بشبكة الشقوق أو الصدوع التي توضح هذه الألواح، وهذا ما أوضحناه في الوجه الأول مجملًا.
ولكن الشيء المثير للعجب أن العلماء اكتشفوا صدعًا ضخمًا يمتد إلى أكثر من 40 ألف كيلو متر، وأسموه حلقة النار (pacific Ring of fire)،هذه الحلقة موجودة في قاع المحيط الهادي، وتمتد على طول الساحل الغربي لأمريكا مرورًا بألاسكا ثم اليابان والفلبين وأندونيسيا ثم جرز المحيط الهادي الجنوبية الغربية ثم نيوزيلندا([10]).
وهناك فرع من هذا الصدع العظيم يمر بطول البحر الأحمر ليشق خليج العقبة ثم وادي الأردن وحتى شمال سوريا لينتهي في جبال زاجروس.
وهذا الصدع وما يحدث عليه من نشاط هو السبب في العمليات الجيولوجية الداخلية التي تظهر لنا في صورة الزلازل والبراكين والصدوع وتزحزح القارات وبناء المحيطات([11])، ويؤكد العلماء أن 90% من زلازل وبراكين العالم تتركز في هذه الحلقة، وينتج النشاط الزلزالي في هذه الحلقة عن اصطدام الألواح الأرضية بعضها ببعض([12]).
هذه الحلقة تمثل أطول صدع في العالم، وهي من أكثر المناطق خطورة، ويعتبرها العلماء ظاهرة جيولوجية غريبة وفريدة من نوعها على سطح الأرض
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
لقد استعار الجيولوجيون كلمة صدع ليطلقونه على أحد التراكيب الجيولوجية الشائعة التي تشاهد في الصخور، وذلك بمفهوم أن الصدع هو شق يحدث للشيء فيشقه إلى جزأين يتحركان بالنسبة لبعضهما، وقد فُسر قوله تعالى: )والأرض ذات الصدع (12)((الطارق) بهذا المعنى، وارتاح الجيولوجيون لهذا التفسير، وظنوا أن المفرد في الآية الكريمة يشمل المفرد والجمع معًا، وهذا صحيح.
ولكن التقدم العلمي أظهر حقيقة مذهلة، وهي أن المفرد في الآية قد يكون المقصود به المفرد فعلًا؛ فهناك صدع واحد بالمفهوم الجيولوجي يَلُّف الأرض كلها ولكنه مغمور في وسط المحيط، وهذا يرد على ما زعمه الطاعن من أن القرآن أخطأ حينما استعمل المفرد "صدع" بدلًا من الجمع "صدوع"؛ بحجة أنها صدوع متعددة وليست صدعًا واحدًا.
وكلام الطاعن صحيح من ناحية، خطأ من أخرى؛ فهو صحيح من ناحية أن الصدوع في الكرة الأرضية متعددة، ولكنه أخطأ حينما خطَّأ القرآن في استعماله لفظة "الصدع" بالمفرد؛ ذاك أن هذه الصدوع مرتبطة ببعضها بعضًا ارتباطًا يجعلها وكأنها صدعٌ واحدٌ، يشبهه العلماء باللحام على كرة التنس؛ ومن ثم فإن الآية فيها إعجاز واضح، فالله يقسم بصدع واحد الذي هو عبارة عن اتصال مجموع الصدوع.
هذه صورة بيانية لامتداد الصدوع على سطح الأرض والتي تشكِّل باتصالها صدعًا واحدًا
إننا إذا تأملنا الصور الواردة من الأقمار الصناعية، وكذلك الصور التي رسمها العلماء نلاحظ أن هذه الأرض ليست كتلة واحدة، إنما مقسمة إلى مجموعة من الألواح وفيها صدع مشترك ومتعرج، يقسم القشرة الأرضية إلى مجموعة من الألواح؛ ولذلك قال تعالى: )والأرض ذات الصدع (12)((الطارق).
صورة للكرة الأرضية ويمثل الخط الأحمر جزءًا من شبكة الصدوع الأرضية، وهذا الأمر لم يُكتشف إلا حديثًا، ولكن القرآن قد تحدث عنه قبل أربعة عشر قرنًا
لقد رأى الإنسان أخيرًا هذا الصدع وصوَّر حركته وحركة هذه الألواح وهي تتحرك متباعدة عن بعضها؛ ففي عام 2005م قام بعض العلماء بمراقبة الصدع الذي يفصل اللوح العربي الذي يضم الجزيرة العربية والبحر الأحمر عن اللوح الأفريقي الذي يضم قارة أفريقيا، ووجدوا أن اللوح الأفريقي يبتعد عن اللوح العربي، وأن هنالك مجموعة من الحمم البركانية تتدفق أثناء تباعد هذين اللوحين، وهذه الحمم البركانية تتجمَّد وتشكِّل بعض أنواع الصخور([13]).
والسؤال الآن، ما الهدف من ذكر هذه الحقيقة الجيولوجية في القرآن؟ والجواب نجده في الآية الكريمة:)إنه لقول فصل (13)((الطارق)؛ أي: إنكم أيها الطاعنون المشككون في صدق هذا القرآن، عندما تكتشفون هذا الصدع وتعتبرونه من أهم الظواهر الجيولوجية على سطح الأرض، وتعترفون بأنه لم يكن لأحد علم بهذا الصدع من قبل، وأنه من أسرار الكون الخفية، ثم يأتي كتاب الحقائق ليذكر لكم هذا الصدع في آية عظيمة:) والأرض ذات الصدع (12)((الطارق) ـ عندما تدركون ذلك فلا بُدَّ أن تدركوا أن الكتاب الذي يذكر هذه الحقائق ليس كلامًا بشريًّا، بل هو قول فصل أنزله الذي يعلم أسرار السماوات والأرض([14]).
3) وجه الإعجاز:
لقد وصف القرآن الكريم الأرض من قبل ألف وأربع مئة سنة بأنها ذات صدع، وهذه حقيقة؛ لأن هذه الشبكة الهائلة من الصدوع العملاقة أو الأودية الخسيفة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض والتي تمتد لعشرات الآلاف من الكيلو مترات لتحيط بالأرض إحاطة كاملة في كل الاتجاهات تتصل ببعضها بعضًا وكأنها صدع واحد.
(*) نقض النظريات الكونية، أبو نصر عبد الله الإمام، مرجع سابق.
[1]. أقطارها أقل من 0.004 من الملِّيمتر.
[2]. من هذه الصدوع ما يتكون نتيجة الشد الصخري للأرض في اتجاهين متعاكسين، ومنها ما يتكون نتيجة للتضاغط فى اتجاهين متقابلين، كما أن منها ما يتكون نتيجة انزلاق كتل الصخور عبر بعضها البعض، وتحرك صدوع الأرض النشطة يحدث عددًا من الهزات الأرضية، أما الصدوع القديمة فقد أصبح أغلبها خاملًا بلا حراك.
[3]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق.
[4]. المعجم الوسيط، مادة: صدع.
[5]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/1980م، ج4، ص498.
[6]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، بيروت، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج6، ص3880.
[7].) والأرض ذات الصدع (12) ((الطارق)، د. زغلول النجار، مقال منشور بموقع: www.islamonline.net.
[8]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص170: 181.
[9]. المرجع سابق، ص180، 181.
[10]. ) والأرض ذات الصدع ((الطارق): رؤية جديدة، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[11]. صدع الأرض بين الإيجاز والإعجاز، د. ممدوح عبد الغفور حسن، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمى في القرآن والسنة www.55a.net.
[12]. )والأرض ذات الصدع( (الطارق): رؤية جديدة، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[13].)وفي الأرض آيات للموقنين(20)((الذ اريات): رؤية جديدة، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[14]. )والأرض ذات الصدع( (الطارق): رؤية جديدة، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
wives that cheat
link read here