الزعم أن إخبار القرآن بمدِّ الأرض يتعارض مع كرويتها (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتوهمين أن قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض( (الرعد: ٣) يتعارض مع ما أثبته العلم الحديث من كروية الأرض؛ إذ إن المدَّ هو البسط والسعة؛ ومن ثم فالآية تنفي كروية الأرض. ويتساءلون: ألا يُعدُّ ذلك تصادمًا بين العلم الحديث وبين القرآن الكريم؟
وجها إبطال الشبهة:
1) من الثابت علميًّا أن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة منها هو الشكل الكروي، فكون الأرض ممدودة دليل على كرويتها؛ لأن الكرة هي الشكل الهندسي الذي لا حافة له.
2) إن مد الأرض بالمفهوم الجيولوجي الشامل يشمل عمليات تتم باستمرار منذ قديم الأزل وحتى قيام الساعة؛ وعليه فلا تعارض بين الحقائق العلمية وبين الإشارة القرآنية بمد الأرض.
التفصيل:
أولا. مدُّ الأرض دليلٌ على كرويَّتها:
1) الحقائق العلمية:
هل الأرض ممدودة؟ وكيف تكون ممدودة وهي كروية؟!
إن معنى قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض((الرعد: ٣) ؛ أي: بسطها، ومعنى هذا أنك إذا وصلت إلى أي مكان يسمَّى أرضًا تراها أمامك ممدودة؛ أي: منبسطة، فإذا كنت في القطب الجنوبي أو الشمالي أو أمريكا أو أوربا أو أفريقيا أو آسيا، أو في أية بقعة من الأرض فإنك تراها منبسطة، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية، فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة أو على أي شكل هندسي آخر، فإنك تصل فيها إلى حافة لا ترى الأرض أمامك منبسطة، ولكنك ترى حافة الأرض ثم الفضاء، ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون الأرض فيه ممدودة في كل بقعة تصل إليها هو الشكل الكروي، فإنك إن بدأت من أي نقطة على سطح الكرة الأرضية، ثم ظللت تسير حتى عُدْت إلى نقطة البداية، فإنك طوال سيرك حول الأرض ستراها أمامك دائمًا منبسطة، فقوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض((الرعد: ٣) دليل على كروية الأرض، الأمر الذي لم يتوصَّل إليه العلم إلا حديثًا[1].
لقد أصبحت كروية الأرض من الحقائق العلمية القطعية، والتي لا يمكن أن يستريب بها أحدٌ من الناس، ذلك أنها قد صُوِّرت عبر الأقمار الصناعية وشاهدها الناس ورأوها رأْي عين، ولكن لا حرج إن أوردنا بعضًا من أبحاث العلماء التي تحتوي على طائفة من الأدلة العلمية التي تثبت كروية الأرض.
فقد اعتقد الأقدمون أن الأرض مسطحة، رغم أن كثيرًا من الشعوب القديمة عرفت كرويتها، وحاولت إثباتها بأدلة علمية، مثل شعوب بلاد ما بين النهرين، ثم اليونان وبعدهم العرب، لكن كروية الأرض لم تثبت بالشكل العلمي القاطع إلا بعد القرن الخامس عشر الميلادي...
والأدلة على كروية الأرض متعددة، منها:
·إننا عندما نكون في مرفأ، فإننا أول ما نشاهده من السفن القادمة من عباب البحر نحو ذلك المرفأ أعلاها، ومع تزايد اقترابها منَّا نرى القسم الأوسط منها، ثم نراها بكاملها، وعند إقلاع البواخر من ذلك المرفأ فإن أول ما يغيب عن عيوننا بعد ابتعادها القسم السفلي منها، ثم وسطها، وعند ابتعادها كثيرًا يختفي أعلاها.
·رؤية ظل الأرض على شكل دائرة على صفحة البدر صيف الكسوف[2].
·اختفاء بعض كوكبات السماء كلما اتجهنا جنوبًا أو شمالًا على سطح الأرض، وظهور كوكبات جديدة لم نكن نراها بسبب تحدُّب سطح الأرض.
·استدارة الأفق من حولنا عندما نكون في عرض البحر، أو في صحراء أو في بادية مترامية الأطراف.
·اختلاف التوقيت الزمني بين بلدان العالم الذي يكشفه لنا المذياع أو الاتصال الهاتفي، وكيف أنه عندما يكون الوقت لدينا نهارًا، يكون في اللحظة نفسها في دولة أخرى ليلًا، ولو كانت الأرض منبسطة لغمرت كلها بالظلمة دفعة واحدة بعد غياب الشمس فعمَّها الليل.
·إذا قُدِّر لنا أن نرتفع في الجو حتى عُلُوِّ (30000 كم)، لاستطعنا أن نرى الأرض عندها دفعة واحدة بشكلها الكروي، علمًا بأن بلوغ هذا الارتفاع لا تحققه لنا إلا المركبات الفضائية التي يمتطيها رواد الفضاء اليوم.
ومن ثم فقد أصبحت كروية الأرض أكيدة ولا مجال للشك فيها؛ إذ يكفي أن رواد الفضاء رأوها بأُمِّ أعينهم، وزودونا بالصور والمعلومات الثابتة عن هذه الناحية[3]
يقول د. زغلول النجار: كان أول من قال بكروية الأرض فلاسفة الحضارة العراقية القديمة المعروفة باسم: حضارة ما بين النهرين في حدود سنة 2000 ق. م، وأخذ فلاسفة اليونان، ومنهم "فيثاغورس" الذي نادى بها في منتصف القرن السادس ق.م، مؤكدًا أن الشكل الكروي هو أكثر الأشكال الهندسية انتظامًا لكمال انتظام جميع أجزاء الكرة بالنسبة إلى مركزها.
وعلى ذلك فإن الأرض وجميع أجرام السماء لا بُدَّ أن تكون كروية الشكل، وبقي هذا الرأي شائعًا في الحضارة اليونانية القديمة حتى القرن الرابع ق.م، إلى أن عارضه "أرسطو" فشاع بين الناس الاعتقاد باستواء الأرض بلا أدنى انحناء.
·وفي عهد الخليفتين العباسيين الرشيد والمأمون (في القرن الهجري الثاني وأوائل الثالث) نادى عدد من علماء المسلمين ومنهم: البيروني وابن سينا والكندي والرازي وغيرهم بكروية الأرض.
وقد قام علماء المسلمين في هذا العصر الذهبي بقياس محيط الأرض بدقة فائقة، وبتقدير مسافة درجة الطول في صحراء العراق وعلى طول ساحل البحر الأحمر، وكانوا في ذلك سابقين للحضارة الغربية بتسعة قرون على الأقل، فقد أعلن الخليفة المأمون لأول مرة في تاريخ العلم بمنهجيَّة استقرائية دقيقة أن الأرض كروية، ولكنها ليست كاملة الاستدارة.
ثم جاء "نيوتن" في القرن السابع عشر الميلادي ليتحدث عن نقص تكور الأرض من منطلق آخر؛ إذ ذكر أن مادة الأرض خاضعة لقوتين متعارضتين: قوة الجاذبية التي تشدُّ مادة الأرض إلى مركزها، والقوة الطاردة المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها والتي تدفعها إلى الخارج، والقوة الأخيرة تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض فتؤدي إلى انبعاجها قليلًا، بينما تنقص إلى أقل قدر لها عند القطبين فيتفلطحان قليلًا، ثم جاء تصوير الأرض من الفضاء في أواخر القرن العشرين ليؤكد كلًّا من كروية الأرض وانبعاجها قليلًا عند خط استوائها[4].
نخلص من كل ما سبق إلى أن قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض((الرعد: ٣)، يؤكد كروية الأرض ولا يتعارض معها كما توهم المشككون.
ثانيًا. مدُّ الأرض ـ بالمفهوم الجيولوجي الشامل ـ حقيقةٌ واقعيةٌ ثابتةٌ مستمرةٌ:
المدُّ بالمفهوم الجيولوجي الشامل يشمل عمليات تتم باستمرار منذ قديم الأزل وحتى قيام الساعة، فالقشرة عالم ديناميكي متغير تعرضت ولا زالت تتعرض للضغط الداخلي من باطن الأرض، فحدث ولا زال يحدث في أماكن الضعف براكين وزلازل وتشققات، بل وتيارات حرارية ساخنة من باطن الأرض إلى خارجها، وأخرى باردة من الخارج إلى الداخل؛ فيؤدي ذلك إلى حدوث تمدُّد وانكماش، فتتكون طيَّات والتواءات أرضية لتصنع ارتفاعات وانخفاضات سطحية جديدة، وتكرار ذلك يؤدي إلى حدوث فوالق وتصدعات وإلى بناء جبال جديدة دائمًا.
ويذكر القرآن الكريم ارتباطًا جيولوجيًّا بين عملية مد الأرض وإلقاء أو جعل الرواسي فيها، وذلك في ثلاث آيات تعبر في مضمونها عن ثلاث مراحل زمنية مختلفة، تشير إلى حدوث ثلاث ثورات جيولوجية هائلة كانت مصحوبة في الزمن القديم بنشأة الجبال والتشكيل الجيولوجي للأرض.
وتشير هذه الآيات إلى ثلاثة التواءات أرضية متباعدة زمنيًّا، هي من الأقدم إلى الأحدث كالآتي:
o الالتواءات القديمة:
قال تعالى: )ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16) وحفظناها من كل شيطان رجيم (17) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين (18) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون (19)((الحجر).
فقد عطف الله عز وجل مدَّ الأرض على حوادث إتمام بناء السماء والبروج وتزيينها للناظرين، وتكوين الغلاف الجوي بالقبة السماوية الزرقاء، والتي تظهر الشهب فيها ليلًا عند احتراقها نتيجة لاحتكاكها بالهواء.
وبهذا فإن مدَّ الأرض هنا مبكر زمنيًّا عن بدء برودة القشرة الأرضية، حتى يمكن مدها وبسطها وإلقاء الرواسي فوقها، سواء كانت نيزكية أو بركانية أو رسوبية في أقدم العصور لنشأة الجبال وإحداث التوازن للأرض حتى لا تميد أثناء حركتها، بدليل قوله تعالى: )والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون (19)( (الحجر).
وهذه الحوادث الجيولوجية كانت مصاحبة لإتمام بناء السماء، وقد تُشير إلى فترة التواءات ما قبل العصر الكمبري منذ أكثر من 3400 مليون سنة.
o الالتواءات الكاليدونية والهرسينية:
قال الله تعالى:)أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج (7) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب (8)((ق).
وهنا ورد مد الأرض وإلقاء الرواسي معطوفًا على تمام بناء السماء، وفي عصر جيولوجي مزدهر بالنبات والحيوان (من كل زوج بهيج)، مما يُشير إلى فترة الالتواءات الكاليدونية والهرسينية منذ 250،450 مليون سنة على الترتيب، واللتين تم فيها إلقاء جبال رسوبية وبركانية كثيرة.
o الالتواءات الألبية الحديثة:
قال تعالى: )الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (2) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (3)( (الرعد).
فقد ورد مدُّ الأرض معطوفًا على تسخير الأجرام السماوية بحركة الجري، بعد مُضيِّ فترة طويلة على تدبيرها وإتمام خلقها، بدليل ختام الآيات بقوله عز وجل: ) يغشي الليل النهار((الرعد: ٣)، دون ذكر عبارة "يطلبه حثيثًا" المذكورة في سورة أخرى لوصف سرعة دوران الأرض حول نفسها، لكي يتابع الليل النهار حثيثًا، أيام كان زمن اليوم الأرضى أربع ساعات فقط في تاريخ الأرض المبكر المشار إليه في قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54)((الأعراف).
وبهذا فإن سرعة إغشاء الليل للنهار في (الأعراف) أعلى منه في (الرعد)، مما يدل على أن أحداث آية الرعد تـمَّت في العصر الحديث؛ لأن سرعة الدوران المغزلي للأرض تتباطأ مع مُضيِّ الزمن، لدرجة أن اليوم الأرضي وصل الآن إلى زمن 24 ساعة، كما يدل على ذلك حذف عبارة "يطلبه حثيثًا"، وذكر الأنهار وكل الثمرات في آية الرعد، وهذا يشير إلى الالتواءات الألبية في العصر الجوراسي منذ 150 مليون سنة، وتم فيها بناء جبال الألب والهيملايا منذ 40 مليون سنة وهي من أحدث الجبال، ولا زال المدُّ وإلقاء الرواسي مستمرًّا إلى الآن.
ويشمل المد أيضًا عملية تم اكتشافها في القرن العشرين، وتُدعَى انتشار قاع البحر(Sea Floor Spreading)، مما يؤدي إلى إزاحة القارات، وإذا حدث وتصادمت الكتل القارية يمكن أن تتكون الجبال باعتصار وإنتاج تكتل مادي.
ويفسر العلماء نشأة جبال الهمالايا بتحرك الألواح القارية المدفوعة بتمدد قشرة المحيط، فالتصق القالب أو اللوح الهندي باللوح الرئيسي لقارة آسيا.
وانتشار أو مدُّ قاع البحر المؤدي إلى إزاحة القارات ينشأ في الأصل من استمرار تدفق الصهير (الماجما) من التصدعات (الفوالق والشقوق) المنتشرة في قيعان البحار والتي تشعل البحر نارًا[5].
شكل يوضح القارة الأم والتي تكونت منها القارات السبع عبر ملايين السنين
2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أشارت إليه الآية:
إن عدم فهم المراد الحقيقي للآية القرآنية موطن الاشتباه أدَّى بالطاعن إلى توهم تصادمهما مع الحقائق العلمية المتعلقة بدوران الأرض، ولو تأنَّى المتوهم قليلًا لعلم أن قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهار( (الرعد: 3) جاء متناسبًا مع ظاهر الأرض، وهو في الوقت نفسه دليل على كرويتها.
ولمزيد من التوضح نذكر فيما يأتي ما قاله المفسرون بشأن هذه الآية:
·أقوال المفسرين:
في تفسير قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي((الرعد:3)، أشار أبو جعفر إلى أن معناه: والله الذي مدَّ الأرض، فبسطها طولًا وعرضًا، وقوله:
)وجعل فيها رواسي((الرعد: ٣)؛ أي: وجعل في الأرض جبالًا ثابتة[6].
وذكر الإمام الألوسي أن معنى قوله تعالى:
)وهو الذي مد الأرض( (الرعد: 3)؛ أي: بسطها طولًا وعرضًا، قال الأصم: البسط: المد إلى ما لا يرى منتهاه، ففيه دلالة على بعد مداها وسعة أقطارها...
نعم إنها لعِظَم جرمها الظاهر يُشاهد كل قطعة وقطر منها كأنه مسطَّح، وهكذا كل دائرة عظيمة؛ وبذلك يُعلم أنه لا تنافي بين المد وكونها كروية[7].
وقال فخر الدين الرازي : اعلم أنه تعالى لما قرر الدلائل السماوية أردفها بتقرير الدلائل الأرضية، فقال: )وهو الذي مد الأرض( (الرعد:3)، واعلم أن الاستدلال بخلقه الأرض وأحوالها من وجوه، هي:
· أن الشيء إذا تزايد حجمه ومقداره صار كأن هذا الحجم وذلك المقدار يمتد، فقوله:
)وهو الذي مد الأرض( (الرعد: 3) إشارة إلى أن الله عز وجل هو الذي جعل الأرض مختصة بذلك المقدار المعين الحاصل له، لا أزيد ولا أنقص، والدليل عليه أن كون الأرض أزيد مقدارًا مما هو الآن وأنقص منه أمر جائز ممكن في نفسه، فاختصاصها بذلك المقدار المعين لا بُدَّ أن يكون بتخصيص وتقدير.
·قال أبو بكر الأصم: المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله تعالى:
)وهو الذي مد الأرض( (الرعد: 3) يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجمًا عظيمًا لا يقع البصر على منتهاه؛ لأن الأرض لو كانت أصغر حجمًا مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع بها.
· وقد ذهب البعض إلى أن الأرض كانت مُدوَّرة، فمدَّها الله عز وجل ودحاها من مكة من تحت البيت، فذهبت كذا وكذا. وقال آخرون: كانت مجتمعة عند البيت المقدَّس فقال لها: اذهبي كذا وكذا.
وهذا القول إنما يتمُّ إذا قلنا إن الأرض مسطحة لا كرة، وأصحاب هذا القول احتجوا عليه بقوله:
)والأرض بعد ذلك دحاها (30)( (النازعات) ، وهذا القول مشكل من وجهين:
· أنه ثبت بالدلائل أن الأرض كرة، فكيف يمكن المكابرة فيه؟ فإن قالوا: وقوله:
) مد الأرض((الرعد: 3) ينافي كونها كرة، فكيف يمكن مدها؟ قلنا: لا، نسلم أن الأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح، والتفاوت الحاصل بينه وبين السطح لا يحصل إلا في علم الله، ألا ترى أنه قال: )والجبال أوتادا (7)((النبأ)، فجعلها أوتادًا مع أن العالم من الناس يستقرون عليها، فكذلك ههنا.
· أن هذه الآية إنما ذُكرت ليستدلَّ بها على وجود الصانع، والشرط فيه أن يكون ذلك أمرًا مشاهدًا معلومًا حتى يصح الاستدلال به على وجود الصانع، وكونها مجتمعة تحت البيت أمر غير مشاهد ولا محسوس، فلا يمكن الاستدلال به على وجود الصانع[8].
ويقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض( (الرعد: 3): "والمد: البسط والسعة، ومنه: ظل مديد، ومنه مد البحر وجزره، ومد يده إذا بسطها، والمعنى: خلق الأرض ممدودة متسعة للسير والزرع؛ لأنه لو خلقها أسنمة من حجر أو جبالًا شاهقة متلاصقة، لما تيسَّر للأحياء التي عليها الانتفاع بها والسير من مكان إلى آخر في طلب الرزق وغيره"[9].
ويذكر الشيخ الشعراوي أن قوله تعالى: )وهو الذي مد الأرض( (الرعد: 3)، يعنى أنك إن وقفت في مكان وتقدمت منه تجد الأرض ممدودة أمامك، ولا توجد حافة تنتهي إليها، ولو أن إنسانًا سار على خط الاستواء مثلًا، فسيظل ماشيًا على اليابسة أو راكبًا المركب تقطع به البحر أو المحيط، ليصل إلى نفس النقطة التي بدأ منها سيره.
وهكذا نجد الأرض ممدوة غير محدودة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الأرض مكوَّرة؛ بحيث إذا مشيت متتبِّعًا أي خط من خطوط العرض أو الطول لانتهيت إلى النقطة التي بدأت منها سَيْرك.
وكان هذا هو الدليل الذي يقدمه العلماء على كروية الأرض، قبل أن يخترعوا فكرة التصوير من خارج الغلاف الجوي[10].
وبهذا يتضح أنه لا تصادم بين القرآن والعلم، وأن توهُّم التصادم بينهما، إنما ينشأ إما عن عدم فهم الحقيقة القرآنية، أو عدم صحة الحقيقة العلمية، فإذا لم نفهم القرآن جيدًا وفسرناه بغير ما فيه حدث التصادم، وكذلك إذا كانت الحقيقة العلمية كاذبة.
3) وجه الإعجاز:
ثبت علميًّا أن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل إليها، هو أن تكون الأرض كروية؛ فبسط الأرض أو مدُّها دليلٌ على كرويتها، كما ثبت علميًّا زيادة مساحة اليابسة وانتشار قاع البحر ومدُّه المؤدي إلى إزاحة القارات، وقد ذكر القرآن الكريم ارتباطًا جيولوجيًّا بين عملية مد الأرض وإلقاء أو جعل الرواسي فيها، مشيرًا بذلك إلى ثلاثة التواءات أرضية متباعدة زمنيًّا، ولا يزال المد وإلقاء الرواسي مستمرًّا في عمليات تتم باستمرار منذ قديم الأزل وحتى قيام الساعة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقائق مستخدمًا في ذلك ألفاظًا تناسب ظاهر الأشياء وتدل على حقيقتها الكونية في الوقت نفسه، فقال تعالى: ) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (3)((الرعد).
(*) نقض النظريات الكونية، أبو نصر عبد الله الإمام، دار الآثار، صنعاء، ط1، 1429هـ/ 2008م.
[1] الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، دار ابن الجوزي، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص222، 223 بتصرف.
[2]نعني كسوف الشمس الذي يقع في فصل الصيف.
[3] الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان شعبان التفتنازي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص253، 254 بتصرف.
[4]من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص237، 238.
[5] المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص316: 319.
[6] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج16، ص328.
[7] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، عند تفسيره لهذه الآية.
[8] مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ/ 2000م، عند تفسير هذه الآية بتصرف.
[9] التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، مج7، ج13، ص82.
[10] تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج12، ص7187 بتصرف.
click
website dating site for married people
click
website dating site for married people
go
online how long for viagra to work
why do wife cheat on husband
website reasons why married men cheat
My girlfriend cheated on me
read here signs of unfaithful husband