مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

                                        دعوى أن القرآن يرفض القول بدوران الأرض 

مضمون الشبهة:

هناك مَن يدعي أن القرآن الكريم يؤيد القول بثبات الأرض ويرفض القول بدورانها، في حين أن دوران الأرض حول الشمس ودورانها حول نفسها من الثوابت العلمية المعاصرة، وبخاصة بعد أن تقدَّمت علوم الفضاء وتمكَّن الإنسان من الخروج بمعداته من الغلاف الجوي وتصوير الأرض من الفضاء الخارجي. وهم كذلك يرفضون أن يكون في قوله تعالى:)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء((النمل: ٨٨) ما يشير إلى دوران الأرض؛ بحجة أن الآية ـ كمـا قال المفسرون ـ أتت في معرض الحديث عن مشهد غيبي سيحدث يوم القيامة، وليس لها علاقة بدوران الأرض.

  وجها إبطال الشبهة:

1)    لما كانت أجرام السماء كلها في حركة دائبة، فإن للأرض ـ كذلك ـ عدة حركات منتظمة، منها: دورتها حول محورها أمام الشمس التي يتبادل بواسطتها الليل والنهار، وجريها في مدارها حول الشمس بمحور مائل فتحدث الفصول والأعوام، وإذا كان هذا ما أثبته العلم حديثًا، فإن القرآن ليس فيه ما يخالفه؛ ففي الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها، تنزَّل القرآن الكريم بالتأكيد على حركتها، ولكن لما كانت تلك الحركات خفية على الإنسان بصفة عامة وعلى إنسان القرون الماضية بصفة خاصة ـ جاءت الإشارات القرآنية إليها غير مباشرة؛ حتى لا تصْدِم أهل الجزيرة العربية.

2)    ليس صحيحًا أن قوله تعالى: ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء((النمل: ٨٨) يتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة؛ فمن ناحية أولى: الجبال تُنسف في الدنيا وتتناثر قبل يوم القيامة، ومن ناحية ثانية: فإن الآخرة ليس فيها ظنٌّ ولا حسبانٌ، إنما تظهر فيها الحقائق على أتمِّ الصور وأكمل الوجوه، ومن ناحية أخيرة: فعند قيام الساعة تتزلزل الجبال وتتطاير، ومثل هذا لا يقال له صنع ولا يوصف بالإتقان.


التفصيل:

أولا. إشارة القرآن الكريم في مواضع عدة إلى حقيقة دوران الأرض:

1)   الحقائق العلمية:

الأرض هي أحد كواكب المجموعة الشمسية، وتمثل الكوكب الثالث بعدًا عن الشمس، وتبعد بمسافة تُقدَّر بحوالي 150 كم، ولما كانت أجرام السماء جميعها في حركة دائبة فإن للأرض عدة حركات منتظمة، منها: دورتها حول محورها أمام الشمس التي يتبادل بواسطتها الليل والنهار، وجريها في مدارها حول الشمس بمحور مائل فيتبادل كل من الفصول والأعوام، وحركتها مع الشمس حول مركز المجرة، وقد عرف من حركات الأرض ما يأتي:

حركات الأرض حول محور دورانها:

· الحركة المحورية (الدورانية أو المغزلية) للأرض:

وفيها تدور الأرض حول محورها الوهمي من الغرب إلى الشرق أمام الشمس بسرعة 1674كم لتتم دورة كاملة في يوم مقداره حاليًّا حوالي (23ساعة، 56 دقيقة، 4 ثوان) يتقاسمه ليل ونهار، بتفاوت في طول كل منهما؛ نظرًا لميل محور دوران الأرض بمقدار 23.5 درجة عن العمود النازل على مستوى مدارها، ويعرف هذا اليوم باسم: اليوم النجمي ، أما اليوم الشمسي فيبلغ مدى زمنه 24 ساعة.

·   الحركة الترنحية للأرض (precession):

هي حركة بطيئة تتمايل فيها الأرض من اليمين إلى اليسار بالنسبة إلى محورها العمودي، وتؤدي هذه الحركة إلى تأرجح؛ أي: زحزحة محور دوران الأرض حول نفسها تدريجيًّا، الأمر الذى يؤدي إلى تغير موقع كل من قطبي الأرض الشمالي والجنوبي، وهما يمثلان نقطتي تقاطع المحور الوهمي لدوران الأرض مع السطح الخارجي لذلك الكوكب، ويتأرجح محور الأرض المائل بقدر يكفي لرسم دائرة كاملة مرة كل حوالي 26000 سنة، وبذلك يرسم المحور مخروطين متعاكسين تلتقي قمتاهما في مركز الأرض

·  حركة الميسان (النودان أو التذبذب) للأرض (nutation):

هي حركة تجعل من ترنُّح الأرض حول محورها مسارًا متعرجًا بسبب جذب كل من القمر والشمس للأرض، ويؤدي ذلك إلى ابتعاد الدائرة الوهمية التي يرسمها محور الأرض في أثناء ترنحها ـ كنهاية للمخروطين المتقابلين برأسيهما في مركز الأرض ـ عن كونها دائرة بسيطة إلى دائرة مؤلفة من أقواس متساوية، ويُقدّر عدد الذبذبات التي ترسمها الأرض في مدارها بهذه الحركة بدءًا من مغادرة محورها لنقطة القطب السماوي وحتى عودته إليها بـ 1400ذبذبة (قوس) نصفها إلى يمين الدائرة الوهمية، والنصف الآخر إلى يسارها، ويستغرق رسم القوس الواحد مدة 18.6 سنة؛ أي: إن هذه الحركة تتم دورة كاملة في 26.040 سنة تقريبًا.


 

·       حركة التباطؤ في سرعة دوران الأرض حول محورها:

ويتم هذا التباطؤ بمقدار جزء من الثانية في كل قرن من الزمان، بينما يُسرع القمر في دورته المحورية بنفس المعدل، ويؤدي ذلك إلى تغيُّر تدريجي في حالة التوازن بين الأرض والقمر؛ الأمر الذى يؤدي في النهاية إلى انفلات القمر من عقال جاذبية الأرض وارتمائه في أحضان الشمس.

الحركات الانتقالية المدارية للأرض (سبح الأرض)

·       جرْي الأرض في مدارها حول الشمس:

وفيها تجري الأرض في مدار بيضاني (إهليلجي) حول الشمس بسرعة تقدر بحوالي 30كم/ث لتتم دورة كاملة في مدة سنة شمسية مقدارها 365.24 يوم شمسي يتقاسمها اثنا عشر شهرًا وأربعة فصول.
 

 

رسم يوضح حركة الأرض حول الشمس بين النجوم

·      حركة استدارة فلك الأرض:

وبها يتم تقريب مدار الأرض الإهليلجي حول الشمس إلى مدار أقرب ما يكون إلى شكل الدائرة، وتستغرق هذه الحركة 92.000 سنة لكي تقترب بؤرتا مدار الأرض من بعضها البعض حتى تتطابقا، ثم تعاودان التباعد من جديد.

·  حركة جري الأرض مع بقية المجموعة الشمسية حول مركز المجرة التي تتبعها:

وذلك في مدار لولبي بسرعة تقدر بحوالي 206كم/ث لتتم دورة كاملة في مدة تقدر بحوالي 250مليون سنة.

· حركة جري كل من الأرض والمجموعة الشمسية والمجرة:

وذلك بسرعة تقدر بحوالي 980 كم/ث لتؤدي إلى ظاهرة اتساع السماء بتباعد مجرتنا عن بقية المجرات في السماء الدنيا([1]).

2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أشار إليه القرآن الكريم:

يذهب الطاعن إلى أن القرآن الكريم يؤيد القول بثبات الأرض، في الوقت الذي يعتبر فيه دوران الأرض حول الشمس ودورانها حول محورها من الثوابت العلمية، وليس من شك في أن هذا القول يعوزه الدليل، فليس في القرآن ما يدل على ثبات الأرض كما يُدَّعى؛ ففي الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها، تنزل القرآن الكريم بالتأكيد على حركتها، وعلى حركة سائر أجرام السماء، ولكن لما كانت تلك الحركة خفية على الإنسان بصفة عامة، وعلى إنسان القرون الماضية بصفة خاصة، جاءت الإشارات القرآنية إليها لطيفة، رقيقة، غير مباشرة؛ حتى لا تصدم أهل الجزيرة العربية وقت نزول القرآن فيرفضوه؛ لأنهم لم يكونوا أهل معرفة علمية، أو اهتمام بتحصيلها، فلو أن الإشارات القرآنية المتعددة إلى حركات الأرض جاءت صريحة صادعة بالحقيقة الكونية في زمن ساد فيه الاعتقاد بسكون الأرض وثباتها واستقرارها ـ لكذَّب أهل الجزيرة العربية القرآن والرسول والوحي، ولحيل بينهم وبين الهداية الربانية.

ومن ثم فإن جميع الإشارات القرآنية إلى حقائق الكون التي كانت غائبة عن علم الناس كافة في عصر تنزُّل الوحي المحمدي ـ ومنها الإشارات المتعددة إلى حركات الأرض ـ جاءت كلها بأسلوب غير مباشر، ولكن بما أنها بيان من الله الخالق فقد صيغت صياغة محكمة بالغة الدقة في التعبير، والشمول والإحاطة في الدلالة، حتى تبقى مهيمنة على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها، وتبقى شاهدة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن تلك الإشارات القرآنية ما يتحدث عن جري الأرض في مدارها حول الشمس، ومنها ما يتحدث عن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، وقد استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلى تلك الحركات الأرضية بالوصف الدقيق لسبح كل من الليل والنهار واختلافهما وتقلبهما، وإغشاء كل منهما الآخر، وإيلاج كل منهما في الآخر، وسلخ النهار من الليل، ومرور الجبال مر السحاب، كما يتضح من الآيات القرآنية الآتية([2]):

·  سبح كل من الليل والنهار:

يقول الله سبحانه وتعالى في وصف حركات كل من الأرض والشمس والقمر:)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون (33)( (الأنبياء)، وقال:)لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)( (يس).

فالليل والنهار ظرفا زمان لا بُدَّ لهما من مكان، والمكان الذي يظهران فيه هو الأرض، ولولا كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس، لما ظهر ليل ولا نهار، ولا تبادل كل منهما نصف سطح الأرض، والدليل على ذلك أن الآيات في هذا المعنى تأتي دومًا في صيغة الجمع (كل في فلك يسبحون)، ولو كان المقصود سبح كل من الشمس والقمر فحسب؛ لجاء التعبير بالتثنية (يسبحان).

كما أن السبح لا يكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها، والسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم بحركة ذاتية فيه، من مثل: حركات كل من الأرض والشمس والقمر في جرى كل منهما في مداره المحدد له، فسبْح كل من الليل والنهار في هاتين الآيتين الكريمتين إشارة ضمنية رقيقة إلى جري الأرض في مدارها حول الشمس، وإلى تكوُّرها ودورانها حول محورها أمام الشمس.


 

· مرور الجبال مَرَّ السحاب:

وفي ذلك يقول الحق عز وجل:  )وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون (88 ( ((النمل)، ومرور الجبال مر السحاب كناية واضحة عن دوران الأرض حول محورها، وعن جريها حول الشمس ومع الشمس؛ وذلك لأن الجبال جزء من الأرض، ولأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض بواسطة الجاذبية، وحركته منضبطة مع حركة الأرض، وكذلك حركة السحاب فيه، فإذا مرَّت الجبال مر السحاب كان في ذلك إشارة ضمنية إلى حركات الأرض المختلفة التي تمر كما يمر السحاب([3]).

· إغشاء كل من الليل والنهار بالآخر:

يقول الحق عز وجل في محكم كتابه: )يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (3) ((الرعد)، والمعنى ـ على اعتبار أن فيها حذفًا تقديره: يغشى الليل والنهار ويغشى النهار والليل ـ : أنه تعالى يغطي بالليل النهار ويغطي بالنهار الليل على سطح الأرض؛ وحيث إنه لا معنى لتغطية زمن بزمن، فيكون المعنى بالمجاز المرسل: يغطي الله بظلمة الليل مكان النهار على الأرض فيصير ليلًا، ويغطي الله بنور النهار مكان الليل فيصير نهارًا، والقرينة على هذا المعنى المقصود قوله سبحانه وتعالى: (يغشى)؛ أي: يغطى؛ لأن الإغشاء يقتضي تغطية شيء بشيء، والأول: المراد تغطيته، وهو مكان النهار ثم مكان الليل، والثاني: الغطاء، وهو ظلمة الليل ثم نور النهار.

ويقول تعالى:)يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا((الأعراف: ٥٤)، وهذه الآية جاءت لتصف تعاقب الليل والنهار عقب تمام خلق السماوات والأرض؛ حيث جعل الله ظلمة الليل تطلب مكان النهار، وضياء النهار يطلب مكان الليل على الأرض، وهذا لا يحدث إلا بدورانها سريعًا حول محورها، بحيث يتعاقب الليل والنهار، بدليل العبارة القرآنية(يطلبه حثيثًا)، وبذلك لا يبقى مكان على الأرض دائم الليل أو دائم النهار([4]).

· إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل:

يقول ربنا عز وجل في محكم كتابه: )تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل( (آل عمران: ٢٧)، وقال عز وجل: )يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور (6) ((الحديد)، والولوج لغة هو: الدخول، ولما كان من غير المعقول دخول زمن على زمن اتَّضح أن المقصود بكل من الليل والنهار ليس الزمن ولكن المكان الذي يتغشاه زمن كل من الليل والنهار، وهو الأرض؛ وعلى ذلك فمعنى قوله تعالى: )يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل(أن الله تعالى يُدخل الجزء من الأرض الذي يُخيِّم عليه الليل بالتدريج في مكان الجزء الذي يعمُّه نور النهار، ويُدخل الجزء من الأرض الذي يعمه نور النهار بالتدريج في مكان الجزء الذي يُخيِّم عليه الليل، وذلك باستمرار، وبطريقة متدرجة، إلى أن يغيِّر الله هذا النظام بأمرٍ منه([5]).  

 

                                                صورة حقيقية للأرض توضح طبقة نور النهار المحيطة بنصف الأرض المواجه للشمس، والجزء الذي يخيم عليه الليل يدخل عليه نور النهار بالتدريج

· سلخ النهار من الليل:

يقول تعالى: )وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (37)((يس)، والسلخ: أصل معناه: فصل الجلد من اللحم، وحيث إنه لا معنى لسلخ زمن النهار من زمن الليل، وأن الآية أو الدليل المقصود على قدرة الصانع عز وجل ليس هو زمن الليل بل مكانه الذي ينسلخ منه النهار بدوران الأرض مغزليًّا، فيكون تعالى قد ذكر الليل وقصد مكانه الذي يحدث فيه، وقرينته قوله تعالى: ) وآية لهم (،ثم قوله تعالى: ) نسلخ منه النهار (؛ أي: نسلخ من الليل، والمقصود: نسلخ من مكان الليل نور النهار، وقرينته قوله: ) نسلخ(؛ لأن السلخ يقتضي فصل شيء من شيء، وهو فصل النور من مكانه الذي سيصير مكان الليل.

وبناء على ذلك يكون معنى الآية: ودليل لهم (الناس) على قدرتنا: مكان الليل؛ حيث نسلخ أو نزيل منه نور النهار من مكانه على الأرض تمامًا، كما نسلخ الجلد من اللحم فيدخل الناس في الظلام([6]).

·  اختلاف الليل والنهار:

وفي إشارة أخرى إلى حركات الأرض وكرويتها يستخدم القرآن الكريم تعبير (اختلاف الليل والنهار) في آيات كثيرة، منها قول ربنا سبحانه وتعالى: )إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون (6)((يونس)، وقوله عز وجل:)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190)((آل عمران)، وقوله تعالى: )وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون (80)((المؤمنون).

وفي تلك الآيات يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض، ودورانها حول محورها أمام الشمس بالوصف الدقيق لتعاقب الليل والنهار.

· تقليب الليل والنهار:

كذلك يشير القرآن الكريم إلى كل من كروية الأرض وحركتها بتقلُّب الليل والنهار، وفي ذلك يقول تعالى: )يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (44) ((النور) ([7]).

مما تقدم يتضح أن النتائج المستنبطة من آيات توليد الليل والنهار بالإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ نتائج علمية مهمة، ولكنها صعبة الفهم على ذهن من لم يكن ملمًّا بعلم الطبيعة والفلك إلمامًا كافيًا، كما أنها نتائج لم يصل إليها علماء التفسير من قبل لتمسكهم بالمعنى الزمني لليل والنهار، وكان لهم في ذلك عذر واضح، وهو أن يجعلوا من تفسيرهم معنى يسهل فهمه ويتفق مع ما يعتقدونه ومع ما يشاهده الناس من سكون ظاهري للأرض، جزاهم الله خيرًا على مجهودهم، ولو أن تفسيرهم للآيات الكونية لا يتفق تمامًا مع بلاغة القرآن في الإيجاز الجامع ولا يُظهر إعجازه العلمي؛ لأنه يجعل للآيتين المختلفتين معنى واحدًا، كما فعلوا في آيات التكوير والإغشاء والإيلاج بدلًا من تلك المعاني المختلفة التي توصلنا إليها كما تقضي بلاغة القرآن وإعجازه العلمي.

والقرآن الكريم لا ينكر صعوبة القضية، بل يصرح بها في آيات مختلفة بقوله عز وجل: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) ( (آل عمران)، وأولو الألباب؛ أي: أصحاب العقول المتعلمة المتخصصة، وقوله تعالى مشيرًا إلى دوران الأرض حول نفسها: )والليل إذا يسر (4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5) ((الفجر)، والحجر معناه: العقل المفكر([8]).

من هذا الاستعراض يتضح أن حركات الأرض حول محورها، وجريها في مدارها حول الشمس ومع الشمس في مدارات متعددة ـ هي من حقائق الكون الثابتة، وهذا ما أشار إليه القرآن في أكثر من عشرين آية من آياته في زمن سيادة الاعتقاد بثبات الأرض وسكونها.

·   قانون التجاذب الكوني:

وفي الحقيقة إن الذين يطرحون فكرة ثبات الأرض لم يطلعوا جيدًا على مبادئ علم الفلك، ومن أهمها قانون التجاذب الكوني، وهو القانون الذي نفسر به تماسك الكون وعدم انهياره وعدم حدوث تصادمات تؤدي إلى زواله، وهذا ما أشار إليه القرآن في آية عظيمة:)إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا (41)((فاطر)، فالله تعالى بقدرته يمسك هذا الكون، وسخر من أجل ذلك قانونًا لا يختل أبدًا وهو قانون التجاذب الكوني، فما هذا القانون العجيب؟

ينص قانون التجاذب الكوني على أن كل جسم في الكون له كتلة فلا بُدَّ أن تكون له جاذبية، وتتناسب قوة الجاذبية مع كتلة هذا الجسم، فكلما كان الجسم أثقل كانت الجاذبية أكبر، فالأرض تجذب إليها الناس؛ لأن وزن الإنسان أصغر كثيرًا من وزن الأرض، والأرض تجذب إليها القمر لأنها أكبر منه وزنًا، فنجده يدور حولها بنظام فائق الدقة، ولكن هل لدى الأرض القدرة على جذب الشمس والنجوم والمجرات لتجعلها جميعًا تدور حولها؟ بالطبع لا، فمن غير المعقول أن تكون الأرض ثابتة وتجذب إليها كل هذا النجوم ـ التي هي أكبر منها كتلة ـ وتجعلها تدور حولها، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: إن الله أخبرنا بأن السماوات قائمة بقدرته، دون عمد: )خلق السماوات بغير عمد ترونها( (لقمان: 10)؛ أي: تشاهدونها دون أعمدة ولا دعائم، وأخبرنا أنه قد أمسك السماوات والأرض عن السقوط أو الزوال: )إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا( (فاطر: ٤١)،فلو كانت الأرض مرتكزة أو واقفة على شيء لما احتاجت إلى الحفظ والإمساك، فكما أمسك الله تعالى السماء بقدرته أن تقع على الأرض، كذلك أمسك الأرض أن تتيه وتسرح في هذا الفضاء، وأن تقترب من الشمس فتحترق أو تبتعد عنها فتتجمد بمَنْ عليها، وتنعدم الحياة فوق سطحها؛ ومن ثم فإن في الآية إشارة غير مباشرة إلى حركة الأرض([9]).

فأيُّهما أعظم وأظهر في الدلالة والإعجاز، أن تكون الأرض واقفة مرتكزة ثابتة على شيء يحملها، أم تكون سابحة دائرة في هذا الفضاء الواسع كبقية النجوم والكواكب دون أن تنقلب بمن عليها وبما فيها من بحار وجبال وأنهار؟ ودون أن ينهدم ما عليها من بيوت ومساكن ومصانع وقصور؟ أيهما أعظم في الدلالة على عظمة الخالق ؟ وأيهما أحوج إلى الإمساك: الثابت أم المتحرك؟

إن سير الأرض بمَنْ عليها وحركتها ودورانها في هذا الفضاء بما عليها من الأثقال والجبال لا شك أنه أبلغ في الدلالة على القدرة، وأظهر في الحاجة إلى الحفظ والإمساك، حتى يأتي اليوم الموعود فتنكفئ بمن عليها، فتختلط البحار وتتزلزل الجبال وتتناثر الكواكب وتنهدم الدور والقصور، وحينئذ يدرك الإنسان سرَّ قول الله تعالى: )ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم (65) (([10]) (الحج).

كل هذا وغيره من الآيات التي أوردناها آنفًا تدحض القول بأن القرآن يؤيد ثبات الأرض، ويثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن بالقرآن أدلة مؤيدة لما اكتشفه العلم حديثًا بشأن دوران الأرض وسباحتها في الفضاء.

· موقف الكنيسة من القائلين بدوران الأرض:

وإذا كان الطاعن يقول: إن القرآن الكريم يؤيد نظرية ثبات الأرض ـ وهذا غير صحيح كما أثبتنا سلفًا ـ فلنا أن نسأل: ماذا كان موقف الكنيسة من القائلين بدوران الأرض؟

لقد جاء "كوبرنيكوس" عام 1543م ونشر نظريتة الجديدة التي وضعت الشمس لأول مرة في مركز المجموعة الشمسية، وتدور الكواكب بما فيها الأرض حول الشمس؛ وبهذا أعلن "كوبرنيكوس" أن الأرض تدور حول محورها مرة كل 24ساعة، فيحدث تبادل الليل والنهار، وتدور حول الشمس مرة كل عام فيحدث تغير الفصول، وبهذا عرف الناس ـ لأول مرة ـ أن الأرض متحركة وليست ساكنة، وكان هذا الإعلان كارثة في أوربا في القرن السادس عشر الميلادي، وتعجبت الكنيسة لهذا الخبر الذي يتناقض ـ مع الأسف ـ مع معتقداتهم، ومع الإحساس الظاهري للبشر، ومع الجبال الساكنة في نظر كُتَّاب النصوص المقدسة! ولهذا قررت الكنيسة محاكمة هؤلاء العلماء في ذلك الوقت، واتهمت "كوبرنيكوس" بالكفر، وقامت بمصادرة أبحاثه عن حركات الأرض وإحراقها، فهرب من روما حتى لا يتم القبض عليه، بينما أمر البابا بإحضار "جاليليو" بالقوة ـ رغم شيخوخته وسوء صحته ـ للتحقيق معه لتأييده فكرة تحرك الأرض، وحكمت الكنيسة عليه بالسجن مدى الحياة، وتوفِّي وهو مؤمن بدوران الأرض، كما أعدمت الكنيسة "برونو" حرقًا في ميدان عام لدفاعه عن تحرك الأرض وتوقع وجود أراضين أخرى.

وهكذا كان اضطهاد الكنيسة للعلماء قاسيًا، بل ومهزلة كبرى، الأمر الذى أدَّى إلى الانفصام والعداء بين العلم والدين في أوربا، وبدأت الثورة العلمية الكبرى في أوربا في القرن السابع عشر، وتحدى العلماء الكنيسة ـ كرد فعل ـ استردادًا لكرامتهم، وأعلنوا صراحة معارضتهم للكتب المقدسة ـ التوراة والإنجيل ـ لاحتوائها على عبارات تتعارض مع الحقائق العلمية؛ لأن نصوصها جميعًا توحي بسكون الأرض وعدم تحركها، وانتصر العلم وتراجع رجال الكنيسة وتقلص نفوذهم ودفعوا ثمن تحريفهم للكتب المقدسة، وصدق الله العظيم حينما قال: )فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله((البقرة: ٧٩)([11]).

ثانيًا. ليس صحيحا أن قوله تعالى: )وترى الجبال تحسبها جامدة( (النمل: ٨٨) يتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة:

من الآيات التي تشير إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس قوله تعالى: )وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون (88)( (النمل)؛ إذ إن الجبال جزء من الأرض، فإذا مرت مر السحاب، كان ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلى دوران الأرض حول محورها، ومن عادة القرآن الكريم أنه يشير إلى الحقائق الكونية بصياغة ضمنية يفهم منها أهل كل عصر معنى محددًا تحكمه كمية المعارف المتاحة لأهل هذا العصر، وتظل هذه المعاني للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد، وهذا من أبلغ آيات الإعجاز العلمي في كتاب الله، وقد رأى بعض المفسرين السابقين في هذه الآية إشارة إلى ما يحدث للجبال في الآخرة، ولكننا نعلم من القرآن الكريم أن الجبال في الآخرة سوف تُنسف نسفًا، وهذه الإشارة القرآنية في (الآية 88) من سورة النمل تسبق كل المعارف الإنسانية في الإشارة إلى دوران الأرض.

ويرفض الطاعن أن يكون في الآية إشارة إلى دوران الأرض حول الشمس، مستندًا إلى ما قاله المفسرون من أن الآية تتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة وليس عن مشهد من مشاهد الحياة اليومية، وهذا القول مردود من وجوه:

·     اختلاف الصيغة عن سابقاتها في التعبير، فهناك قال سبحانه وتعالى: (ويوم ينفخ في الصور((النمل: ٨٧) بالبناء للمجهول، وهنا وردت العبارة بلفظ الخطاب: )وترى الجبال( (النمل: ٨8) بالبناء للمعلوم؛ أي: وترى أيها المخاطب، الناظر المشاهد للكون، الذي يرى بعينيه الجبال، تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، ولو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير (وَتُرى الجبالُ) بالبناء للمجهول على النسق السابق؛ أي: تُرى في ذلك اليوم الجبال، برفع الجبال لا بنصبها؛ لأنه يصبح خبرًا لا خطابًا، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا .

·     الجبال تُنسف في الدنيا وتتناثر قبل يوم القيامة، كما قال سبحانه وتعالى: ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14)((الحاقة: ١٤)، وقوله عز وجل: )ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا (105) فيذرها قاعا صفصفا (106) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (107)((طه)، وقوله سبحانه وتعالى: )إذا رجت الأرض رجا (4) وبست الجبال بسا (5) فكانت هباء منبثا (6) ((الواقعة)؛ أي: تفتت الجبال وتناثرت، حتى أصبحت كالهباء والغبار المتطاير في الهواء، لاشيء يُرى منها. وقوله عز وجل:)وسيرت الجبال فكانت سرابا (20)((النبأ)؛ أي: نسفت حتى صارت كالسراب.

إذًا ليس في الآخرة جبال ولا وديان ولا هضاب، فكيف ينظر الإنسان إلى الجبال وهي تمر مر السحاب وقد تناثرت عند النفخ في الصور؟

·     الآية الكريمة تقول:  )وترى الجبال تحسبها جامدة( (النمل: ٨٨)، والآخرة ليس فيها حسبان ولا ظن، وإنما تظهر فيها الحقائق على أتم الصور وأكمل الوجوه، كما قال تعالى: )ثم لترونها عين اليقين (7)((التكاثر)، وقال تعالى:  )لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22) ((ق)، وهذا مما يؤيد ويرجح أن الآية:) وترى الجبال تحسبها جامدة((النمل: ٨8)، في الدنيا لا في الآخرة؛ لأن الظن والحسبان لا يكون في الآخرة .

·     لفت القرآن أنظار المتأملين في آيات الله البينات لفتة بديعة رائعة في قوله سبحانه وتعالى: ) صنع الله الذي أتقن كل شيء((النمل: ٨٨)، فبيَّن أن هذه الغرائب المدهشة في الدنيا هي أثر صنع الله وتدبيره لهذا الكون، والخراب والدمار لا يُسمَّى صنعًا، ولا يدخل في حيز الإتقان، فعند قيام الساعة تتزلزل الجبال وتتطاير، ومثل هذا لا يقال له: صنع، ولا يوصف بالإتقان، بإمكاننا أن ننسف عمارة من خمسين طابق بشيء من المتفجرات، فهل يقال: إن هذا إتقان وإبداع؟ الصنع والإبداع إنما يكون في البناء لا في التدمير.

·     ختم الله الآية بقوله:)  إنه خبير بما تفعلون(88)( (النمل)؛ أي: عالم بما تفعلونه الآن في الدنيا، والآخرة ليس فيها فعل ولا فيها عمل، إنما هي دار الجزاء، فالدنيا دار التكليف، والآخرة دار التشريف، فكيف يخاطبهم وهم في أرض المحشر بقوله:)إنه خبير بما تفعلون(88)( (النمل)، وهم لا يستطيعون أن يأتوا بحركة أو ينبسوا ببنت شفة؟

·     أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ أن الناس يحشرون يوم القيامة على أرض بيضاء مستوية كما في الصحيحين: «يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقى»([12])، قال سهل ـ أو غيره ـ : ليس فيها معلم لأحد؛ أي: مثل قرص الخبز الأبيض، الخالص البياض، فأين هي الجبال حتى ينظر الناس إليها يوم القيامة؟ فهذا نص قاطع على أنه ليس في الآخرة جبال.

قال الخطابي: يريد أنها أرض مستوية، وقال عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكنى، ولا بناء، ولا أثر، ولا شيء من العلامات التي يُهتدى بها في الطرقات، كالجبل والصخرة البارزة([13]).

فأقوال المفسرين والمحدِّثين تثبت أنه لا جبال في القيامة؛ لأن الناس يحشرون على أرضٍ مستويةٍ كما هو نص الحديث.

وإن قيل: إن رؤية الجبال ليست في القيامة، إنما هي قيام نسفها عند قيام الساعة، حين ينفخ في الصور إيذانًا بالخراب.

فالجواب: إن الناس يكونون وقت النفخة في فزع واضطراب، يفقدهم الرشد والصواب، ليس عندهم مجال لينظروا إلى الجبال، وهي تسير وتتحرك؛ لأن الواحد منهم حاله كحال السكران، كما قال الله تعالى: )يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم (1) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (2)((الحج).

فمن أين لهم الاستمتاع برؤية الجبال وهي تسير؟ وإذا كانت المرأة تذهل عن وليدها، وتسقط حملها من شدة أثر الزلزلة، فكيف يتأتَّى للبشر النظر إلى الجبال؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: «ولتقومنَّ الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها»؛ أي: رفع اللقمة إلى فمه فلا يستطيع أن يأكلها، فهل هو الآن يستطيع النظر إلى الجبال مع هذه الأهوال والشدائد.

·     وأما مجيء الآية في سياق شدائد وأهوال القيامة:)  ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين (87) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون (88)((النمل) ـ فهذا من الأسلوب الحكيم في مخاطبة عقول البشر، بما يتفق ومداركهم وأفهامهم، وهو من خصائص الإبداع القرآني، فلم يجعل الله الأمر صريحًا مكشوفًا حتى لا يتجرأ على تكذيبه أحدٌ من الكفار، فلو قال لهم: الجبال تسير وأنتم تحسبونها واقفة في أماكنها، لقالوا: هذا كذب مستحيل، نحن نراها بأُمِّ أعيننا ساكنة في أماكنها، فكان من الأسلوب الحكيم أن قدَّم لها بتقدمة من أهوال الساعة، حتى إذا جاء عصر الأقمار الصناعية، والمراكب الفضائية، وغزو الفضاء، رأوا بأم أعينهم صدق ما أخبر عنه القرآن، ولهذا غاير تعالى بين اللفظين: )ويوم ينفخ في الصور ((النمل: ٨٧)،)وترى الجبال تحسبها جامدة((النمل: ٨٨)، فجاءت الآية الأولى بصيغة المجهول، وجاءت الثانية بصيغة المعلوم، بالخطاب للناظر المشاهد الذي يرى الجبال بعينيه واقفة مع أنها تسير، وأكدها بالصنع والإتقان، والإخبار عن علمه تعالى بأعمالهم في الدنيا، وهذا ما كشفه لنا الزمان في عصر غزو الفضاء؛ تحقيقًا لقوله تعالى:) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز (41) ((فصلت) ([14]).

·     لقد أخطأ المفسرون القدامى عندما اعتبروا هذه الآية إشارة إلى نسف الجبال نسفًا يوم القيامة، وهم معذورون في ذلك؛ لأنهم لم يكونوا على معرفة بأن للأرض حركةً ما، لا يومية ولا سنوية؛ ومن ثم فليس صحيحًا أن يحتج الطاعن بكلام المفسرين في ذلك الوقت الذي لم يكن لديهم فيه علم بهذه الحقيقة الكونية، وهم في النهاية بشرٌ يُؤخذ من كلامهم ويُردُّ.

ولقد فهم الشيخ الشعراوي رحمه الله  مراد الآية، وردَّ على من قال من المفسرين بأن مرَّ السحاب سيكون في الآخرة، يقول: قوله تعالى:)تحسبها جامدة((النمل: ٨٨)؛ أي: تظنها ثابتة وتحكم عليها بعدم الحركة؛ لذلك نسمِّيها الرواسي والأوتاد،)وهي تمر مر السحاب( (النمل: ٨٨)؛ أي: ليس الأمر كما تظن؛ لأنها تتحرك وتمر كما يمر السحاب، لكنك لا تشعر بهذه الحركة ولا تلاحظها لأنك تتحرك معها بنفس حركتها.

وإذًا لا تستطيع أن تلاحظ هذه الحركة إلا إذا كنت أنت خارج الشيء المتحرك، ألا ترى أنك حين تركب القطار ـ مثلًا ـ ترى أن أعمدة التليفون هي التي تجرى وأنت ثابت.

ولأن هذه الظاهرة عجيبة سيقف عندها الخلق، ويزيل الله عنهم هذا العجب فيقول: )صنع الله الذي أتقن كل شيء((النمل: 88)؛ يعني: لا تتعجب، فالمسألة من صنع الله وهندسته وبديع خلقه، واختار هنا من صفاته تعالى: ) الذي أتقن كل شيء((النمل: ٨٨)؛ يعني: كل خلق عنده بحساب دقيق متقن.

ولقد فهم البعض ـ مثل الإمام القشيري ـ الآية على أن مرَّ السحاب سيكون فى الآخرة واستدل بقوله تعالى من سورة القارعة: )وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5)((القارعة)، وهذا ليس المعنى المقصود؛ لأن معنى )كالعهن المنفوش (5)( (القارعة)، أنها ستتفتت وتتناثر، لا أنها تمر وتسير، هذه واحدة، والأخرى أن الكلام هنا مبني على الظن )تحسبها جامدة((النمل: ٨8)، وليس في القيامة ظن؛ لأنها إذا قامت فكل أحداثها متيقنة، ثم إن السحاب لا يتحرك بذاته وليس له موتور يحركه، إنما يحركه الهواء، كذلك الجبال حركتها ليست ذاتية فيها، فحركة الجبال تابعة لحركة الأرض؛ لأنها أوتاد عليها، فحركة الوتد تابعة للموتود فيه؛ لذلك لما تكلَّم الحق سبحانه وتعالى عن الجبال قال: )وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم((النحل: 15)، ولو خلقت الأرض على هيئة السكون ما احتاجت لما يُثبتها، فلا بُدَّ  أنها مخلوقة على هيئة الحركة([15]).

فينبغي أن نعتقد أن القرآن هو الأساس والعلم تابع له، فإذا ما حدث تناقض بين حقيقة كونية وآية قرآنية، فيكون لدينا احتمالان: إما أن تكون الحقيقة الكونية غير صحيحة، وإما أن يكون تفسيرنا وفهمنا للآية غير صحيح؛ ولذلك يجب علينا أن نتعمَّق في العلم، ونحاول فهم الآية على ضوء العلم، وإذا تعذَّر علينا فهم الآية في ضوء العلم تبقى الآية هي الأساس المطلق، ونقول كما علمنا الله: )والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا((آل عمران: ٧) ([16]).

3) وجه الإعجاز:

لقد أثبت القرآن الكريم ـ من خلال الآيات القرآنية آنفة الذكر ـ دوران الأرض، وجاءت كلمات القرآن منتقاة بدقة وعناية من لدن حكيم خبير لا تترك مجالًا للشك عند أهل العلم، فالأرض تدور بمَنْ عليها من مخلوقات جامدة وحية بالسرعة نفسها، لذلك نحسب أن الجبال ثابتة، بينما هي في حقيقتها تدور مع الأرض، ولو نظرنا إلى الأرض من على سطح كوكب آخر لوجدناها تتحرك وما عليها حركة واضحة ينشأ عنها تعاقب الليل والنهار وحدوث الفصول الأربعة. فمن أخبر محمدًا صلى الله عليه  وسلم بهذه الحقيقة الكونية؟ إنه الله خالق الأرض والسماوات: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)((الملك).



(*) موقع: اللادينيين العرب www.ladeenyon.net.

[1]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، دار المعرفة، بيروت، ط3، 1429هـ/ 2008م، ص271: 275.

[2]. المرجع السابق، ص263، 264.

[3]. المرجع السابق، ص265: 267.

[4]. حركة الأرض بين العلم والقرآن، د. منصور حسب النبي، مقال منشور بموقع: مجلة الابتسامة www.ibtesama.com.

[5]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص268: 270.

[6]. حركة الأرض بين العلم والقرآن، د. منصور حسب النبي، مقال منشور بموقع: مجلة الابتسامة www.ibtesama.com.

[7]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص270، 271.

[8]. حركة القرآن بين العلم والقرآن، د. منصور حسب النبي، مقال منشور بموقع: مجلة الابتسامة www.ibetsama.com.

[9]. دوران الأرض هل يخالف ظاهر القرآن؟ عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

[10]. انظر: حركة الأرض ودورانها حقيقة علمية أثبتها القرآن، محمد علي الصابوني، دار وحي القلم، دمشق، ط1، 2004م، ص17: 52.

[11]. حركة الأرض بين العلم والقرآن، د. منصور حسب النبي، مقال منشور بموقع: مجلة الابتسامة www.ibtesama.com.

[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقائق، باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة، (11/ 379)، رقم (6521).

[13]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، ج11، ص383.

[14]. انظر: المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1418هـ/ 1998م، القسم الأول، ص280، 281. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج17، ص10857: 10860. دوران الأرض حول الشمس وانطلاقها في الفضاء الكوني، د. منصور حسب النبي، مقال منشور بموقع: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net. حركة الأرض ودورانها حقيقة علمية أثبتها القرآن، محمد على الصابوني، مرجع سابق، ص17: 52.

[15]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعرواي، مرجع سابق، ج17، ص10857: 10860.

[16]. دوران الأرض هل يخالف ظاهر القرآن؟ عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

why do men have affairs when a husband cheats why men cheat on beautiful women
click here My wife cheated on me women cheat husband
open my husband cheated black women white men
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
reasons wives cheat on their husbands affair dating sites why do men have affairs
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
why wife cheat why do guys cheat why women cheat in relationships
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  4873
إجمالي عدد الزوار
  38497355

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع