الطعن في أحاديث حد السرقة (*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في أحاديث حد السرقة لأنها بتشريعها قطع السارق تتعارض - في نظرهم - مع ما نادى به الإسلام من الرحمة والرأفة وتكريم الإنسان، وتنافي مبدأ الإصلاح والتقويم الذي تهدف العقوبة إلى تحقيقه، حيث يجعل القطع المحدود منبوذا في المجتمع، عاجزا لا يستطيع الكسب، مما قد يدفعه إلى السرقة مرة أخرى، وبهذا تصبح غاية الحد التشنيع؛ وحصيلته زيادة الجريمة.
والحكم بالقطع يصدر عن قاض ربما يخطئ في حكمه لسبب أو لآخر، فماذا لو اكتشف القاضي براءة المتهم بعد القطع؟ وكيف نرد عليه يده؟ وهل يصبح القاضي في هذه الحالة متهما؟ وكيف يعقل أن يسوي النبي -صلى الله عليه وسلم- بين من سرق مرة واحدة، ومن احترف السرقة؟ لا سيما وقد جاء القرآن - بقطع المحترف فقط، فقوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( (المائدة: ٣٨) يعني به: سارقا معينا وهو المحترف.
هذا بالإضافة إلى تعارض الأحاديث في:
1. تحديد نصاب الحد، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حديث اختلف النصاب في كل منها، فعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا» وهذا معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده، وهو معارض لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه قطع يد رجل في مجن قيمته ثلاثة دراهم».
2. قطع سارق الثمر، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا قطع في ثمر ولا كثر». وهذا معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع..».
3. قطع المملوك إذا سرق، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش»، وقال عمر -رضي الله عنه- لمن سرقهم خادمهم: «خادمكم سرق متاعكم، فلا قطع عليه»، وهذا معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الحدود على أرقائكم».
4. موضع القطع، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه: «قطع سارقا من المفصل»، وهو معارض لما ورد عن علي -رضي الله عنه- أنه كان: «يقطع اليد من الأصابع والرجل من الكف».
5. حكم من عاود السرقة مرة ثالثة، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا سرق فاقطعوا يده ثم إذا سرق فاقطعوا رجله»، وورد عن علي -رضي الله عنه- أنه رفض القطع بعد المرة الثانية، وهذا يعارضه ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا سرق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله».
6. في القتل في المرة الخامسة، فقد روى جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: «جيء إليه بسارق فقال: اقتلوه، فقالوا: يارسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يارسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، فقطع، ثم جيء به في الثالثة، فقال: اقتلوه، فقالوا: يارسول الله إنما سرق، قال: اقطعوه، ثم أتي به الرابعة، فقال: اقتلوه، فقالوا: يارسول الله إنما سرق، قال: اقطعوه، فأتي به الخامسة، فقال: اقتلوه، قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه، فألقيناه في بئر، ورمينا عليه بالحجارة». وهو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة».
7. القطع في السفر أو الغزو، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا تقطع الأيدي في السفر، ولولا ذلك لقطعته». وهو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم».
8. ضمان المسروق بعد القطع، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» وهو معارض لقوله صلى الله عليه وسلم: «...فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم...».
ويتساءل هؤلاء المغرضون: كيف تصح هذه الأحاديث بعد كل تلك التعارضات الواضحة بينها وبين المبادئ الإسلامية العامة كالرحمة والرأفة والإصلاح من جانب، وبينها وبين بعضها من جانب، وبينها وبين القرآن من جانب ثالث؟ ألا يدل كل ذلك على بطلانها جميعا؟
رامين من وراء ذلك إلى إنكار ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحاديث في حد السرقة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد صحت أحاديث كثيرة تؤكد ثبوت حد السرقة، ولا غرو في ذلك فالحد ثابت بالقرآن، قال سبحانه وتعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما(، ومن هذه الأحاديث ما وصل إلى أعلى درجات الصحة حيث اتفق عليه الشيخان، ومنها ما انفرد به أحدهما، ومنها ما رواه الثقات من أصحاب السنن والمسانيد وصححه نقاد الحديث وصيارفته، والقول بوحشية الحد قول مردود؛ لأن صاحبه قصر نظرته على السارق فقط، ولم ينظر أيضا لحال المسروق منه، ولو نظر المعترضون على حد السرقة نظرة شمولية؛ لأيقنوا - بما لا يدع مجالا للشك - أن حد السرقة رحمة بالمحدود نفسه حيث يردعه عن ارتكابها مرة أخرى ويطهره، ورحمة بالمجتمع كله لإقرار الأمن والطمأنينة، ومن ظن أنه أرحم بالخلق من خالقهم فظنه مردود عليه، فالذي شرع حد السرقة هو الرحمن الرحيم، والذي بلغه هو الذي قال فيه ربه: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء).
2) إن الشرع اشترط شروطا صارمة لإثبات حد السرقة، فلا يثبت إلا بالإقرار أو الشهادة، واشترط في الشهود العدالة، وألزم القاضي بعدم الحكم بعلمه الشخصي، بل بالقرائن، وبذلك يندر أن يحدث خطأ أو ظلم، وإن حدث - مع ندرة ذلك - فإن الشرع جعل للمظلوم حسن العاقبة والجزاء، وللظالم العذاب والعقاب، ولا يسأل القاضي في هذه الحالة؛ لأنه حكم بمقتضى ما توفر له من أدلة، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار».
3) إن القول بتعارض الأحاديث في تحديد نصاب حد السرقة قول مردود؛ لأن قيمة المجن ربع دينار كما في رواية عائشة عندما سئلت: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار، والربع دينار يساوي ثلاثة دراهم كما قال الشافعي... ذلك أن الصرف على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر درهما بدينار، أما رواية البيضة والحبل فمقصودها تحقير المقطوع فيه (الحبل أو البيضة) بالنظر للمقطوع (اليد أو الرجل)، وقيل: إن البيضة بيضة الحديد، والحبل حبل السفينة وقيمة كل منهما ربع دينار.
4) لا تعارض بين ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قطع سارق الثمر، فحديث رافع بن خديج عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا قطع في ثمر ولا كثر»عام خصصه حديث عمرو بن شعيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة...»، وعليه فلا تعارض بين الحديثين، وإنما بينهما عموم وخصوص.
5) إن حديث: «إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش» ضعيف لا يرقى لمعارضة ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوب إقامة الحد على العبد كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أقيموا الحدود على أرقائكم»، وعلى فرض صحته فالمقصود منه بيع العبد اللص، لأنه لا خير فيه، ولم يرد منه إسقاط الحد، أما ما أثر عن عمر -رضي الله عنه- من عدم قطع العبد السارق من مال سيدته فهو خاص لا يعمم الحكم، إذ لو سرق العبد من غير مال سيده فلا خلاف في وجوب إقامة الحد إن وجب.
6) إن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقطع يد السارق من مفصل الكف، والرجل من مفصل القدم، وهو ما عليه جمهور الفقهاء، لما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- «أنه قطع رجلا من المفصل»، وهذا لا يعارضه ما روي من أن عليا -رضي الله عنه- كان يقطع اليد من الأصابع والرجل من نصف الكف؛ لضعفه بسبب انقطاع الرواية وجهالة أحد رواته.
7) لقد اتفق أنه لا قطع على السارق في المرة الثالثة، وهذا مصداقا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سرق فاقطعوا يده ثم إذا سرق فاقطعوا رجله» وعملا بما أثر عن علي-رضي الله عنه- والصحابة من منع القطع بعد المرة الثانية، ولا يعارض هذا ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا سرق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله»؛ لأنه ضعيف بل قال بعض المحدثين: إنه منكر.
8) إن حديث قتل السارق في المرة الخامسة الذي رواه جابر بن عبد الله أنه "جيء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بسارق في المرة الخامسة فقال: اقتلوه فقتلوه "ـ منسوخ، ومن ثم لا يعارض ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم.. إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة»، وقيل إن الحديث الأول خاص بالرجل المذكور فيه، لإعلام الله تعالى النبي -صلى الله عليه وسلم- بحاله بدليل أمره -صلى الله عليه وسلم- بقتله في المرة الأولى.
9) لا شك أن السارق في السفر تقطع يده إن وجب الحد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم»، ولا يتعارض ذلك مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقطع الأيدي في السفر» لأنه هنا لم يقصد إسقاط الحد، وإنما أراد تأجيله، حتى يعود السارق إلى دار الإسلام إن كان غازيا، أو إلى موطنه إن كان غير ذلك فيقيم عليه الإمام الحد.
10) إن القطع حق الله في حد السرقة، والضمان حق المسروق منه (الآدمي)، ولا يسقط حق الآدمي بالقطع، وإنما لزم المقطوع ضمان المسروق، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم». أما رواية: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» - فهي ضعيفة لجهالة أحد الرواة، ولكونها مرسلة لا تثبت.
التفصيل:
أولا. كثرة الأحاديث الصحيحة في ثبوت حد السرقة، والحد رحمة للمحدود والمجتمع:
لقد وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في حد السرقة وهي في أعلى درجات الصحة، فمنها ما اتفق عليه الشيخان، ومنها ما انفرد به البخاري، ومنها ما انفرد به مسلم، ومنها ما رواه من يعتد به من أصحاب السنن والمسانيد وصححه علماء الحديث وصيارفته، فهي بالكثرة والصحة بما يجعل الطاعن فيها محل تعجب واستنكار، وسنكتفي بإيراد ما اتفق عليه الشيخان، وهو كثير وكاف لمن يبحث عن الحقيقة ويهدف إلى الحق:
· عن عائشة - رضي الله عنها -: أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:«لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا»[1].
· وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده»[2].
· وعن عائشة - رضي الله عنها - «أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فخطب، فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»[3].
ومن الجدير بالذكر أن حد السرقة ثابت بالقرآن الكريم فقد قال الله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)( (المائدة) وجاءت السنة تأكيدا لما في القرآن وتفصيلا لما أجمله فحددت نصاب القطع، وكيفيته وكل ما يحيط بالحد ثبوتا ودرءا وتنفيذا، فمن ينكر حد السرقة أو الأحاديث الواردة فيه - فقد أنكر نصا قرآنيا أو عطله على أقل تقدير.
أما قولهم بمخالفة حد السرقة للرحمة والرأفة وحقوق الإنسان، فهو قول محل نظر. فالذي فرض حد السرقة هو أرحم الراحمين -سبحانه وتعالى- في كتابه، ومن يدعي أنه أرحم بالناس من خالقهم - فادعاؤه مردود عليه لمخالفته للنقل والعقل.
وحد السرقة تشريع رباني من الله تعالى الذي سمى نفسه الرحمن الرحيم، ومبلغ الشرع هو محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه ربه: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء).
والمجتمع المسلم يوفر لأهل دار الإسلام على اختلاف عقائدهم ما يدفع خاطر السرقة عن كل نفس سوية، إنه يوفر لهم ضمانات العيش والكفاية، وضمانات التربية والتقويم، وضمانات العدالة في التوزيع، وفي الوقت ذاته يجعل كل ملكية فردية فيه تنبت من حلال، ويجعل الملكية الفردية وظيفة اجتماعية تنفع المجتمع ولا تؤذيه.. ومن أجل هذا كله يدفع خاطر السرقة عن كل نفس سوية.. فمن حقه إذن أن يشدد في عقوبة السرقة، والاعتداء على الملكية الفردية، والاعتداء على أمن الجماعة، ومع تشديده فهو يدرأ الحد بالشبهة؛ ويوفر الضمانات كاملة للمتهم حتى لا يؤخذ بغير الدليل الثابت[4]. فهل في هذا ما يناقض الرحمة أو حقوق الإنسان؟!
ونقول لمن يدافع عن اللصوص ويستنكر قطع أيديهم - بحجة مخالفة ذلك للرحمة والشفقة - أن يتصور عاملا يكد طوال الشهر يسعى على أهله وولده، قبض راتبه الذي يرقبه بشوق وعاد إلى بيته، وهو يفكر في سداد الثغرات الكثيرة التي تنتظره؛ من مأكل، ومسكن، وملبس، ووسط هذا التفكير امتدت يد آثمة لتسرق راتبه، بالله عليكم؛ ماذا يقول وماذا يفعل؟ وكيف يترك هذا اللص يحصد في لحظات حصاد الآخرين وكدهم في أيام طوال؟ فما رأيكم أيها المعترضون على حد الله وشرعه هل قطع يد هذا السارق وحشية وظلم؟!
أو ما رأيكم في شاب سافر للخارج تاركا زوجة وأهلا، ليكد ويوفر مبلغا ربما يساعده على مواجهة متطلبات الحياة، وبعد خمس سنوات من العمل ليل نهار عاد إلى وطنه في غمرة من الشوق والحنين، وفي عودته امتدت يد آثمة لتسرق كل ما ادخر، وتأخذ - في لحظة - كد سنوات، ويكتشف صاحب المال ضياع ماله، فيكرر العودة فورا إلى الخارج ليقضي خمس سنوات أخرى عسى ألا يقع في يد لص مرة ثانية. نقول: هل قطع يد هذا اللص ظلم ومخالفة لحقوق الإنسان؟!
وهل السنة مخالفة لتلك الحقوق، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ساوى بين ابنته إذا سرقت وبين أي سارق فقال صلى الله عليه وسلم: «... وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»، ما لكم كيف تحكمون؟!
أما قولهم بمخالفة الحد لمبدأ الإصلاح والتقويم الذي دعا الإسلام إليه وشرعت العقوبة لتحقيقه، نقول هذا - أيضا - محل نظر ومردود عليه؛ لأن السارق حينما يفكر في السرقة إنما يفكر في أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال، ويريد أن ينميه من طريق الحرام، وهو لا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره، ويفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو الظهور، أو ليرتاح من عناء الكد والعمل، أو ليأمن على مستقبله، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات هو زيادة الكسب أو زيادة الثراء.
وقد حاربت الشريعة هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع؛ لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب، إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أيا كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور، ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل، والتخوف الشديد على المستقبل، فالشريعة الإسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية، وارتكب الإنسان الجريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة؛ فلا يعود للجريمة مرة ثانية، وهذا هو الأساس الذي قامت عليه عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية، وإنه لعمري خير أساس للإصلاح والتقويم [5].
هذا إضافة إلى أن حد القطع لم يكن تشريعا إسلاميا فحسب، بل كان مشرعا في الديانات الأخرى، وإليك بيان ذلك:
· جاء في العهد القديم:
1. قال الرب لموسى: "ومن سرق إنسانا وباعه أو وجد في يده يقتل قتلا ". (الخروج 21: 16).
2. قال الرب: «سبوتي تحفظونها؛ لأنها علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم فتحفظون السبت؛ لأنه مقدس لكم. من دنسه يقتل قتلا. إن كل من صنع فيه عملا تقطع تلك النفس من بين شعبها». (الخروج 31: 13، 14).
«إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضا رجل وأخوه، وتقدمت امرأة أحدهما لتخلص رجلها من يد ضاربه ومدت يدها وأمسكت بعورته. فاقطع يديها ولا تشفق عينك». (التثنية 25: 11، 12).
· في العهد الجديد:
في إنجيل متى، قول المسيح: "فإن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو اقطع من أن تلقى في أتون النار الأبدية ولك يدان أو رجلان. وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنم ولك عينان". (متى 18: 8، 9).
"ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" (متى 18: 6).
ونلاحظ من النصوص السابقة أن القطع تشريع سابق على الإسلام، وأنه لم يكن قاصرا على السرقة، بل كان ممتدا إلى أمور أخرى، كالذي يرتكب بجوارحه معصية فجزاؤه قطع العضو المرتكب به المعصية، فالإسلام ليس بدعا في تشريعه القطع حدا للسرقة بل إنه من الإنصاف أن نقول: إن الإسلام حد من عقوبة القطع وجعلها قاصرة على حالات معينة، فإن حكم على الإسلام بأنه مخالف للرأفة والإنسانية، فالأديان الأخرى ليست منه ببعيد، فتصبح بذلك كل الأديان مخالفة للرحمة والرأفة وحقوق الإنسان، وهذا ما لا يقول به عاقل أو يصدقه ذو لب.
أما ما يتحدث عنه الواهمون من أن "ال" في قوله تعالى: )والسارق والسارقة( (المائدة: ٣٨) للتعريف فهو قول لا يستقيم من قريب أو من بعيد، وتحليل لا تعرفه العربية ولا يأخذ به القرآن الكريم؛ إذ إن " ال " في قوله تعالى: )والسارق والسارقة( اسم موصول في قوة "من" الشرطية فتفيد العموم بدليل دخول الفاء بعدها في قوله: )فاقطعوا أيديهما( وهذا ينفي فكرة العادة؛ إذ لو كانت مرادة لما دخلت الفاء ولقيل (اقطعوا) [6].
فمن الخطأ نحويا تسمية "ال" هذه معرفة، ولعل هذا سر الوهم، إنما هي موصولة فيها معنى الشرط ودخلت الفا ء بعدها إيذانا بأنه كالجواب، وبهذا يسقط استدلال المتوهمين كما ذكرنا[7].
ويزيد الأمر وضوحا الإمام الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير فيقول: )والسارق( مبتدأ والخبر محذوف عند سيبويه. والتقدير: مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما. وقال المبرد: الخبر هو جملة )فاقطعوا أيديهما(، ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط؛ لأن تقديره: والذي سرق والتي سرقت. والموصول إذا أريد منه التعميم ينزل منزلة الشرط أي يجعل (ال) فيها اسم موصول فيكون كقوله تعالى: )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم( (النساء: ١٥)، وقوله: )واللذان يأتيانها منكم فآذوهما( (النساء: ١٦) قال سيبويه: وهذا إذا كان في الكلام ما يدل على أن المبتدأ ذكر في معرض القصص أو الحكم أو الفرائض نحو )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا(، )واللذان يأتيانها منكم فآذوهما( )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( إذ التقدير في جميع ذلك: وحكم اللاتي يأتين، أو وجزاء السارق والسارقة[8].
وعليه فلم يقصد القرآن السارق المحترف فقط، وإلا لأبيحت السرقة فيما دون الاحتراف وهذه مفسدة عظيمة، وبهذا يتبين مطابقة السنة للقرآن.
ثانيا. إن ما يشترطه الشرع ويحتاطه في تنفيذ حد السرقة، يجعل الخطأ فيه نادرا إن لم يكن مستحيلا:
لقد اشترط الإسلام شروطا لثبوت حد السرقة تجعل احتمال الخطأ في وقوع الحد نادرا إن لم يكن مستحيلا، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن مقترف جرم السرقة الذي يقام عليه الحد يجب أن يكون مكلفا وقت اقتراف الجرم، أي يجب أن يكون بالغا، عاقلا، مختارا، ذكرا كان أو أنثى، حرا كان أو عبدا، كافرا كان أو مسلما، ولا حد على الصبي والمكره والنائم والمغشي عليه.
وأدلة إثبات جريمة السرقة الشهادة والإقرار، فلا تثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بعلم القاضي الشخصي، ولا بكتاب القاضي للقاضي، وكل ذلك لتفادي حدوث الخطأ في الحد، بل إن الفقهاء - زيادة في الاحتياط - اشترطوا شروطا يجب أن تتوافر في شروط إثبات جريمة السرقة وأدلتها:
· الشهادة:
1. الشروط العامة للشهادة في حد السرقة:
أوجب الفقهاء أن تؤدي الشهادة بما يفيد معنى الخبر، وأن تكون عن علم ويقين، لا عن ظن وتخمين، لقوله تعالى: )ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36)( (الإسراء)، وأن تكون في مجلس القضاء، لا في غيره، وأن يشهد بذلك شاهدان، فإذا اختلفا في الوقت الذي حصلت فيه السرقة، أو مكان وقوعها، أو في الشيء المسروق لم يجب القطع.
وقد أوجب جمهور الحنفية والحنابلة والشافعية، أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد بمعنى الخبر، دون غيره من الألفاظ. فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ، لا تقبل شهادته.
أما الراجح في مذهب المالكية، فهو صحة الأداء بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه، ولعل هذا الرأي أقرب إلى الصواب من سابقه.
ويجب أن يسأل الشاهد عن ماهية السرقة، وكيفيتها، لاحتمال أن يكون السارق قد سرق من غير حرز، وعن مكانها لاحتمال وقوعها في دار الحرب أو في دار البغي، وعن زمانها لاحتمال تقادم العهد، وعن قيمتها لاختلاف الفقهاء في ذلك، وعن المسروق منه لجواز أن يكون المسروق منه أحد الزوجين، أو أحد الأصول، أو أحد الفروع.
واتفق الفقهاء على أن جرم السرقة لا يثبت إلا بشهادة شاهدين.
ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة رجل واحد، ولو مع يمين المسروق منه، أو بشهادة رجل وامرأتين، أو بشهادة رجل وثلاث نساء، أو بشهادة أربع نساء، خلافا لبعض الفقهاء.
2. الشروط الواجب توافرها في الشاهد:
يرى جمهور الفقهاء أنه يجب أن يتوافر له وقت الأداء: البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاختيار؛ ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة النساء منفردات، أو مع رجال، ولا بشهادة الصبي، أو الأعمى، أو الفاسق، أو المجنون، أو المكره، أو الأخرس، لأن في هذه الشهادات شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
وأوجب الحنفية خلافا لجمهور الفقهاء ألا يكون الشاهد محدودا في قذف وإن تاب لقوله عز وجل: )ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون( (لنور: ٤)
كما أوجب الفقهاء ألا يكون هناك صلة قوية بين الشاهد والمشهود له، وألا تجر شهادته إلى نفسه مغنما، وألا تدفع عنه مغرما؛ وإلا يصير الشاهد متهما، ولا شهادة لمتهم.
فإذا ما توافر في الشاهد كل هذه الشروط، أدى شهادته في جرم السرقة، دون يمين عند بعض الفقهاء الذين يرون أن تحليف الشاهد اليمين ينافي إكرامه، ويرى البعض الآخر من الفقهاء وجوب تحليف الشاهد اليمين للتأكد من صدقه، مع توافر الشروط السابق الإشارة إليها.
· الإقرار:
1. الشروط العامة للإقرار:
لكي يعتد بالإقرار في جرم السرقة، يجب أن يكون صريحا، دون لبس أو غموض يجعله محتملا للتأويل أو مثيرا للشك؛ لأن الإقرار الذي يحتمل التأويل أو يثير الشك يورث شبهة تدرأ الحد، ويجب أن يكون الإقرار الصادر موافقا للحقيقة والواقع، لتزول الشبهة ويثبت الحد.
وأوجب جمهور الفقهاء أن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحد، ولذلك لا اعتداد على الإطلاق بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.
ويكتفي أبو حنيفة، والشافعي، ومحمد، وعطاء، والثوري، ومالك في رواية عنه، بالإقرار مرة واحدة ولا حاجة لتكراره؛ أما أحمد بن حنبل، وزفر، وأبو يوسف، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فإنهم لا يكتفون بصدور الإقرار مرة واحدة، وإنما يوجبون تكراره مرتين في مجلسين مختلفين للاعتداد به.
ولعل الأخذ بالرأي الأول أولى؛ لأن الإقرار إخبار والخبر لا يزيد رجحانا بالتكرار.
وإذا رجع المقر عن إقراره قبل القطع، فإنه يقبل رجوعه، ويسقط القطع لوجود الشبهة بالرجوع، وإن لم يسقط غرم المسروق؛ لأنه حق الآدمي، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء. وذهب ابن أبي ليلى، وداود، إلى عدم قبول رجوع المقر عن إقراره؛ لأنه لو أقر لآدمي بقصاص أو حق لم يقبل رجوعه عندهما، فكذلك إقراره بالسرقة.
وقد اشترط أكثر الحنفية، والحنابلة، والشافعية، لقبول الإقرار أن يطالب المسروق منه بماله، لأن عدم مطالبته بالمسروق شبهة تدرأ إقامة الحد.
أما المالكية، وأبو يوسف، وأبو ثور، وابن المنذر، فلم يشترطوا المطالبة في قبول الإقرار؛ لأن الله تعالى أمر بالقطع مطلقا طالب المسروق منه بماله أو لا، ولم يوجد ما يصلح مخصصا لهذا العموم.
والذي يظهر أن الأخذ بالرأي الأول القائم على عدم سماع الإقرار قبل مطالبة المسروق منه بماله أولى؛ لجواز أن يكون عدم مطالبة رب المال راجع إلى أنه قد أباحه للسارق أو أوقفه على جماعة المسلمين، أو على طائفة السارق منهم، أو أباح دخول الحرز بلا إذن، وهذه الاحتمالات كلها تمنع من إقامة الحد، والتحقق من عدمها لا يكون إلا بمطالبة المسروق منه بماله.
2. الشروط الواجب توافرها في المقر.
أوجب جمهور الفقهاء أن يكون المقر مكلفا، أي عاقلا، بالغا، ناطقا، مختارا[9].
وبعد كل هذه الاحتياطات التي تجعل من القاضي منفذا جيدا للشرع بعد سماع الشهود أو الإقرار من المتهم، فإن الشرع - زيادة في الاحتياط ونظرا لخطورة الحد - جعل الإسلام القاضي في الحدود لا يحكم بعلمه مطلقا على أصح الأقوال وإنما يقضي بما يفضي به الشهود، ويكون مجرد منفذ لشرع الله وعلى هذا يندر حدوث خطأ في الحكم.
ومن الإنصاف نقول: إنه من الوارد أن يحدث خطأ في بعض الأحكام، رغم كل الاحتياطات، فقد روي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار»[10]، فربما يحكم قاض على مظلوم فيقطع ولكن هذا نادرا ما يحدث، ثم إن الله جعل للمظلوم حقا سيأخذه يوم القيامة لا محالة، وللظالم عذابا أليما فإنما أخذ قطعة من نار، ولا يعتبر القاضي هنا متهما؛ لأنه حكم بما أتيح له من أدلة ولا يحق له مخالفة هذه الأدلة، وهنا نستطيع أن نقول: لا يحق للمغرضين الطعن في أحاديث السرقة استنادا إلى احتمالية خطأ القاضي في الحكم.
ثالثا. لا تعارض بين أحاديث نصاب حد السرقة، إذ إن قيمة المجن ربع دينار، وهو يساوي ثلاثة دراهم:
لقد تعددت الروايات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحديد نصاب حد السرقة، وهذا بعض منها:
· عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم»[11].
· وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا»[12].
· وروي عنه صلى الله عليه وسلم: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا"[13].
· وفي رواية: «تقطع يد السارق في ربع دينار»[14].
· وفي رواية: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا»[15].
· وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقطع يد السارق فيما دون المجن. قيل لعائشة ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار»[16].
· وعن الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده»[17].
وكل هذه الأحاديث صحيحة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تعارض في الحقيقة بينها، فثمن المجن ربع دينار كما قالت عائشة - رضي الله عنها -، والربع دينار صرفه ثلاثة دراهم. "قال الشافعي: وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر درهما بدينار، وكان ذلك بعده، وقد فرض عمر -رضي الله عنه- الدية على أهل الورق (الفضة) اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار"[18].
قال الشوكاني: "وذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة" [19].
أما حديث: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده». فقال المحققون أن المراد بالحديث المبالغة في التنفير من السرقة، وبيان حقارة ما كسب وهو المال وفي مقابل عظيم ما خسر وهي يده، وجعل الحديث ما لا قطع فيه (البيضة والحبل) بمنزلة ما فيه قطع وهو الربع دينار، فخرج مخرج التحذير بالقليل من الكثير، أو أراد جنس البيض وجنس الحبال، أو أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فقطع، فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه، وقيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير بيان نصاب، فقاله على ظاهر اللفظ[20] [21]، وبهذا يبطل القول بالتعارض.
أما قولهم بأن تحديد النصاب مخالف للقرآن حيث لم يذكر نصاب في قوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا( (المائدة: ٣٨) نقول إن القرآن يأتي بالأحكام مجملة ثم تفصل السنة ذلك، وهذا في كثير من الأحكام، كمقادير الزكاة وعدد ركعات الصلاة، فلم يذكر القرآن تلك التفصيلات، وجاءت السنة ففصلت المجمل فيه، وهذا ما حدث في حد السرقة، إذ أمر القرآن بالقطع، وحددت السنة نصابه وكيفيته ومتى يسقط وشروط المقطوع والمقطوع فيه (الشيء المسروق) وما إلى ذلك؛ ومن الخطأ القول بتعارض القرآن والسنة في هذا الجانب.
رابعا. لا تعارض بين الأحاديث في قطع سارق الثمر[22]والكثر[23]، فحديث عمرو بن شعيب مخصص لحديث رافع بن خديج:
لقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في شأن الثمر والكثر توهم بعضهم تعارضا بينها، والحق غير ذلك، فبين الأحاديث تخصيص وتعميم، فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة[24] فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين[25] فبلغ ثمن المجن فعليه القطع»[26]ـ مخصص لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا قطع في ثمر ولا كثر»[27].
وحجة المغرضين أن حديث رافع بن خديج لم يرتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه على آخذ الثمار وجمار النخل أي عقوبة، بل أجاز للمار أن يأخذ ويأكل ولا يحمل معه شيئا، دون وضع أي ضابط للحرز، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقد رتب العقوبة على من أخذ الثمار بخبنة ومن حمل معه شيئا، وأن من أخذ من الجرين شيئا فعليه العقوبة، فإذا بلغ المجن - أي النصاب - ففيه قطع، وإن لم يبلغ النصاب ففيه غرامة مثلية وجلدات نكال[28].
نقول: إن حديث عمرو بن شعيب - كما ذكرنا - مخصص لحديث رافع بن خديج، قال الشوكاني: ".... وهكذا حديث رافع فإن ظاهره أنه لا قطع في ثمر ولا كثر مطلقا ولكنه مقيد بحديث عمرو بن شعيب "[29]. فإن من حمل معه من الثمر شيئا أو دخل إلى الإحراز فحمل معه شيئا بلغ النصاب قطع به، والفصل في الحرز إنما هوالعرف؛ لأن الشرع دل على اعتبار الحرز وليس له حد مقرر في الشرع، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، والحد فيه هو ما تعارف عليه الناس، فما عرفوه حرزا قطع من سرق منه، ومالم يعرفوه حرزا لا يقطع من سرق منه[30].
وبهذا يتضح أنه لا تعارض بين الحديثين فأحدهما مخصص للآخر، وكثيرا ما قيدت أحاديث مطلق أحاديث، وفصلت أحاديث مجمل أخرى.
خامسا. لا تعارض بين حديث: «إذا سرق المملوك فبعه» وحديث: «أقيموا على أرقائكم الحد» فالأول منكر والثاني صحيح، ولا يعارض صحيح بمنكر:
إن حديث: «أقيموا على أرقائكم الحد»صحيح؛ فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، قال: حدثنا زائدة، عن السدي، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، قال: «خطب علي -رضي الله عنه- فقال: يا أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: فقال: أحسنت»[31]. وبنحوه عن أحمد[32].
أما حديث:«إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش[33]»[34] فهو ضعيف ولا يرقى لمعارضة الصحيح الذي قبله، وعلى فرض صحة الحديث جدلا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد إسقاط الحد عن العبد مطلقا، وإنما قصد الحث على بيع العبد الذي سرق، لأنه لا خير فيه، وقد يأتي بجرائم، سيده في غنى عنها؛ لأن السرقة منقصة في العبد، وعلى هذا جرى فعل الصحابة كعمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم[35].
قال الخطابي في شرحه الحديث: «فبعه ولو بنش»: هذا الحديث فيه دليل على أن السرقة عيب في المماليك يردون بها، ولذلك وقع الحط من ثمنه والنقص من قيمته، وليس في هذا الحديث دلالة على سقوط القطع عن المماليك إذا سرقوا "[36].
كذلك لا تعارض بين الأثر الذي رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد «أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي، جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق. فقال له عمر: ماذا سرق؟ فقال: سرق مرآة لامرأتي، ثمنها ستون درهما، فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم»[37]. فكلام عمر، يدل على عدم إقامة الحد على العبد إذا سرق من مال سيده؛ لأنه إذا سرق من مال سيده أو من رقيق آخر لسيده ما فيه النصاب وأقيم عليه الحد - اجتمع على سيده عقوبتان ذهاب ماله أو ملكه، وقطع يد غلامه[38]، أما إذا سرق من غير سيده فقد اتفق الجمهور على قطعه[39].
وبهذا يتضح أنه لا تعارض بين الأحاديث في هذا الشأن، فحديث«بعه ولو بنش»ضعيف لا يرتقي لمعارضة الصحيح، كما أن حديث العبد الذي سرق المرآة، خاص بمن سرق من مال سيده وحكمه عدم القطع عند الجمهور، أما حديث: «أقيموا الحدود على أرقائكم»فهو مطلق قيد بالسابق.
سادسا. لا تعارض بين أحاديث موضع القطع، فقد اتفق على القطع من الكوع (مفصل الكف) في اليد ومفصل القدم في الرجل، وما ورد عن علي -رضي الله عنه- خلاف ذلك فهو ضعيف لا يحتج به:
قال جمهور العلماء: مكان القطع في اليد هو من الكوع أو مفصل الزند (الرسغ)، لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قطع يد السارق من مفصل الزند، كالحديث الذي رواه ابن أبي شيبة بسنده قال: حدثنا وكيع عن ميسرة بن معبد اللخمي قال: «سمعت عدي بن عدي يحدث عن رجاء بن حيوة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع رجلا من المفصل»[40]، ومكان القطع في الرجل عند الجمهور من مفصل القدم، وهذا هو الراجح المشهور عملا[41].
ولا يعارض هذا ما أورده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة: " أن عليا كان يقطع اليد من الأصابع والرجل من نصف الكف"[42]. لأن هذه الرواية - كما قال ابن حجر في الفتح - فيها انقطاع[43]، ومن المعلوم أن المنقطع نوع من الضعيف و لا يعارض صحيح بضعيف.
وبذلك يسقط القول بالتعارض بين الأحاديث في موضع القطع.
سابعا. إن الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا قطع بعد السرقة الثانية وما ورد خلاف ذلك فهو ضعيف - أعله المحدثون بعلل كثيرة بل أوصله بعضهم للنكارة - أو منسوخ:
إن الزعم بوجود تعارض بين الأحاديث الصحيحة في جواز القطع بعد السرقة الثانية - باطل؛ لأنه لم يصح حديث يجوز القطع بعد السرقة الثانية، وعلى العكس من ذلك فقد وردت أحاديث صحيحة في التعزير أو السجن بعد السرقة الثانية، ومنها: ما رواه عبد الرحمن بن عائذ، قال: «أتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- برجل أقطع اليد والرجل قد سرق فأمر به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقطع رجله فقال علي رضي الله عنه: إنما قال الله عز وجل: )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله( (المائدة: ٣٣)، فقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إما أن تعزره وإما أن تستودعه السجن، قال: فاستودعه السجن»[44].
أما ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا سرق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله»[45] فهو ضعيف، وقال بعضهم منكر، وقد أفاض الدكتور حمد الشتوي في ذكر تضعيف العلماء لهذا الحديث، فقال:
"هذا الحديث يرويه أبو سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وله إليه طريقان:
1. رواه الدارقطني (4/239) (3392) من طريق إسماعيل بن سعيد، عن الواقدي، عن ابن أبي ذئب، عن خالد بن سلمة.
2. ورواه الإمام الشافعي، كما نقل البيهقي في المعرفة (12/411):
قال: قال الشافعي في القديم: أخبرني الثقة من أصحابنا، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن.
وهما (خالد بن سلمة، والحارث بن عبد الرحمن) عن أبي سلمة، به. بلفظه.
لكن قال خالد بن سلمة: "أراه عن أبي سلمة".
وقال الدارقطني بعد روايته للحديث: "كذا قال: خالد بن سلمة، وقال غيره: عن خاله الحارث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة" ا.هـ
دراسته:
1ـ أما الطريق الأول: طريق الواقدي فهو:
محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، المدني، أبو عبد الله، القاضي.
روى عنه: الإمام الشافعي، وكاتبه محمد بن سعد، وروى له ابن ماجه حديثا واحدا، وأخفاه، قال: عن أبي بن بكر بن أبي شيبة، عن شيخ له.
ولولاه لما كان له ذكر في رجال الستة، كما أنه ليس له رواية في مصنفات الأئمة الأربعة فلم يرضه أحد من الشيوخ الستة، ولا أحمد في مسنده.
كذبه الإمام الشافعي والإمام أحمد وإسحاق والنسائي، وقال أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري ومسلم: متروك الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث، وقال ابن المديني: لا أرضاه في شيء، وقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركه أحمد، وابن نمير، وابن المبارك، وإسماعيل بن زكريا.
وقال الذهبي: انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي، وقال: استقر الإجماع على وهن الواقدي.
وقال ابن حجر: متروك مع سعة علمه. النبلاء (9/454)، الميزان 3/662، الديوان ص283، التقريب ص498.
2ـ أما الطريق الثاني: طريق المجهول الذي يروي عنه الشافعي: فهو مجهول العين، وأخشى ما أخشاه أنه الواقدي الذي في إسناد الدارقطني نفسه، فإن الإمام الشافعي يروي عن الواقدي كما تقدم في ترجمته، لعله أخفاه وأبهمه، للغرض الذي أبهمه له ابن ماجه من بعده، فالحديث بهذا الطريق ضعيف في أحسن أحواله.
وما ذكره الدارقطني حول هذين الطريقين من حكاية الاختلاف بين: خالد بن سلمة، وبين الحارث بن عبد الرحمن خال بن أبي ذئب، فهذه إشارة إلى تعليل الحديث، وبيان ضعفه أيضا، يؤكدها بقوله: "عن خالد بن سلمة - أراه - عن أبي سلمة" هكذا على وجه الظن والتوهم.
3ـ هذا الحديث بطريقيه: منكر لا أصل له، ووجوه نكارته ظاهرة، ومنها:
الأول: أنه لا يعرف مسندا إلا من طريق الواقدي الهالك، وحاله كما تقدم.
الثاني: أن الأئمة كلهم تركوا هذا الحديث وضربوا عنه صفحا في جميع مصنفات الحديث وأمهات السنة الشريفة، لا في الصحيحين، ولا في السنن الأربع، ولا في المسند للإمام أحمد، ولا في المسند للإمام الشافعي نفسه، ولا في الموطأ للإمام مالك، ولا في المسند المنسوب للإمام أبي حنيفة، ولا غيرها من الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمستدركات، وغيرها.
الثالث: أن الحديث مما تدعو الحاجة إليه، وتضطر الأمة إلى معرفته، ولا يستغنى عن النظر فيه، وأخذه وروايته من كان من أهل العلم والرواية، ولا من كان من أهل الحكم والولاية. فكيف خفي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم يروه أحد منهم، إلا بهذا الطريق التالف؟ بل كيف خفي على الأئمة الخلفاء الأجلاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- حتى اختلفوا في حكم السارق، وتشاوروا فيه، ولم يعمل به أحد منهم، مع وقوع حوادث السرقة المروية في زمانهم، بل لم يعلموا به أصلا[46].
ومن جملة ما ذكرنا يتضح أن هذا الحديث لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم فهو لا يعارض الصحيح الوارد بقطع يد ورجل واحدة، ومنه ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا قال: وإذا سرق فاقطعوا يده ثم إذا سرق فاقطعوا رجله"، كذلك لا يعارض ما صح عن علي في منعه الزيادة عن اليد والرجل، وقد قال علي هذا في حضور كبار الصحابة - وفيهم الرواة والمحدثون - لا سيما الفاروق الملهم الوقاف عند الحق عمر، فلو رأى الصحابة أن ما قاله علي -رضي الله عنه- لعمر -رضي الله عنه- مخالف للسنة لما أقروه عليه، بل لما قاله علي -رضي الله عنه- أصلا، وعلى هذا الراجح من آراء الفقهاء، أما حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- الذي يظن تعارضه أيضا مع الأحاديث الصحيحة التي تمنع القطع بعد السرقة الثانية - فهو منسوخ، وسوف نفصل القول فيه في الوجه الآتي:
ثامنا. إن حديث قتل السارق في المرة الخامسة منسوخ، ومن ثم فلا تعارض بينه وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...»:
لقد صح عن جابر بن عبد الله «أنه جيء بسارق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اقتلوه، فقالوا يارسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، ثم أتي به الرابعة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: اقطعوه، فأتي به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه، فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة»[47].
ولا يعارض هذا - بحال - ماصح من أنه: «أتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- برجل أقطع اليد والرجل قد سرق فأمر به عمر أن يقطع رجله، فقال علي رضي الله عنه: إنما قال الله سبحانه وتعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)( (المائدة)، فقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إما أن تعزره وإما أن تستودعه السجن»[48]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة»[49].
نقول لا تعارض بين هذه الأحاديث، فقد وجه العلماء الحديث الأول - حديث قتل السارق في المرة الخامسة - عدة توجيهات محصول جميعها ينفي التعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى كقول علي -رضي الله عنه- لعمر -رضي الله عنه- بمنع القطع في المرة الثالثة، وحديث «لا يحل دم امرئ مسلم...» ومن توجيهات العلماء:
1. القول بالنسخ:
وهو ما ذهب إليه ابن المنكدر والشافعي وفي هذا يقول ابن حجر: "وقد قال بعض أهل العلم كابن المنكدر والشافعي: إن هذا منسوخ"[50]، وقد نقل ابن حجر عن الشافعي أيضا قوله: "هذا الحديث منسوخ، لا خلاف فيه عند أهل العلم"[51]، ونقله عنه البيهقي، فقال: "وأما القتل في الخامسة المنقول في الخبر المرفوع، فقد قال الشافعي: القتل فيمن أقيم عليه حد في شيء أربعا فأتى به الخامسة - منسوخ، واستدل عليه بما هو منقول في أبواب حد الشارب، وبالله التوفيق"[52].
2. القول بالخصوصية:
ويحتمل أن يكون ما فعله -صلى الله عليه وسلم- إنما فعله بوحي من الله -سبحانه وتعالى- واطلاع منه على ما سيكون منه، فيكون معنى هذا الحديث خاصا فيه [53]. وقال ابن قدامة: "وأما حديث جابر ففي حق شخص استحق القتل، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به في أول مرة، وفي كل مرة، وفعل ذلك في الخامسة"[54]، وقال الحافظ ابن حجر: "وقال بعضهم: هو خاص بالرجل المذكور، فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اطلع على أنه واجب القتل، ولذلك أمر بقتله من أول مرة"[55].
3. القول بالمصلحة:
والمراد أنه قتله في الخامسة تعزيرا للمصلحة لعلمه أنه من المفسدين في الأرض، فلا ينقطع شره إلا بقتله، قال ابن العربي: قال مالك: "فإذا سرق في الخامسة تبينا أنها نفس خبيثة لا تتعظ بنفسها، ولا ترتدع بآفات جوارحها، فلم يبق إلا إتلافها"[56]، ويعلق ابن العربي على قول الإمام مالك فيقول: "وإنما عول مالك على المصلحة وهي أحد أركان أول الفقه كما بيناه"[57].
وقال الإمام الخطابي: "ولا أعلم أحدا من الفقهاء يبيح دم السارق وإن تكررت منه السرقة مرة أخرى، إلا أنه قد يخرج على مذهب بعض الفقهاء أن يباح دمه، وهو أن يكون من المفسدين في الأرض، في أن للإمام يجتهد به في تعزير المفسد، ويبلغ به ما رأى من العقوبة، وإن زاد على مقدار الحد وجاوزه، وإن رأى القتل قتل"[58].
وقال ابن القيم: "وحديث القتل خاص، والذي يقتضيه الدليل: أن الأمر بقتله ليس حتما، ولكنه تعزير بحسب المصلحة، فإذا أكثر الناس من الخمر ولم ينزجروا بالحد، فرأى الإمام أن يقتل فيه قتل، كان عمر ينفي فيه مرة، ويحلق فيه الرأس مرة، وجلد فيه ثمانين، وقد جلد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر أربعين، فقتله في الرابعة: ليس حدا، وإنما هو تعزير بحسب المصلحة، وعلى هذا يتخرج حديث الأمر بقتل السارق، إن صح، والله أعلم"[59].
وبهذا ينتفي التعارض وتبطل شبهة المغرضين، فالحديث الأول حسن والثاني صحيح في أعلى درجات الصحة، ولا تعارض بينهما.
تاسعا. لم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: «لا تقطع الأيدي في السفر»إسقاط الحد، وإنما تأجيله لإقامته بعد العودة من السفر، وهذا مصداقا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أقيموا الحدود في القريب والبعيد»:
لا تعارض بين أحاديث قطع السارق في السفر، فالحديث الذي رواه جنادة بن أبي أمية عن بسر بن أرطأة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقطع الأيدي في السفر ولولا ذلك لقطعته»[60] لا يدل على إسقاط الحد، وإنما يدل على تأخير الحد إلى أن يعود، فإن عاد الإمام إلى دار الإسلام أقام الحد على مرتكبه، وإنما أجل خوفا من أن ينحاز المحدود للعدو، ويرتد عن دينه أو يكون المسروق من الغنيمة وللسارق سهم فيها وهذه الشبهة تدرأ الحد[61]، وهو لا يعارض ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم»[62].
ويؤكد الشوكاني على عدم التعارض فيقول: "ولا معارضة بين الحديثين؛ لأن حديث بسر أخص مطلقا من حديث عبادة، فيبني العام على الخاص، وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقا من الغزو المذكور في حديث بسر؛ لأن المسافر قد يكون غازيا وقد لا يكون، وأيضا حديث بسر في حد السرقة، وحديث عبادة في عموم الحد"[63].
فلا معارضة بين الحديثين كما قال الشوكاني، فحديث بسر لا يعارض حديث عبادة؛ لأنه لا يسقط حد القطع - بسبب العزو - وإنما يوجب تأخير إقامة الحد لحين العودة إلى دار الإسلام.
فالحكم بالقطع لم ينسخ أو يسقط، وهذا ما جاء به الحديث الثاني من وجوب إقامة الحدود في الحضر والسفر لا فرق في ذلك بينهما، لعموم الكتاب والسنة وإطلاقهما، وعدم تفريق النصوص في الحدود بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر، مع مراعاة خصوصية دار الحرب فتؤخر إقامة الحد لكنه لا يسقط.
قال ابن قدامة: "ولنا عموم الآيات والأخبار؛ لأن كل موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها، تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها، كدار أهل العدل، ولأنه زان أو سارق لا شبهة في زناه أو سرقته، فوجب عليه الحد كالذي في دار العدل، وهكذا نقول فيمن أتى حدا في دار الحرب، فإنه يجب عليه، لكن لا يقام إلا في دار الإسلام"[64].
وبهذا يسقط القول بالتعارض فالحديثان صحيحان غير متعارضين.
عاشرا. لا تعارض بين أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في ضمان المقطوع، فحديث إسقاط الغرم ضعيف، لا يعارض ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحفاظ على أموال الغير:
إن حديث: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد»[65] ضعيف فقد قال: أبو عبد الرحمن (السيوطي) في شرحه لسنن النسائي: "وهذا مرسل وليس بثابت"[66]. وقد رواه البيهقي من طريقين كلاهما ضعيف:
الأولى: قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمذان أنبأنا إبراهيم بن الحسين حدثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني المفضل حدثنا وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو الطيب محمد بن عبد الله حدثنا بشر بن سهل اللباد حدثنا عبد الله بن صالح حدثني المفضل بن فضالة عن يونس عن سعد بن إبراهيم حدثني أخي المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم...
الثانية: حدثنا وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا هشام بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يحيى الخلال حدثنا المفضل بن فضالة قاضي مصر حدثنا يونس بن زيد الأيلي عن سعد بن إبراهيم عن المسور عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد»، وفي رواية أبي عبدالله "لا يغرم صاحب السرقة"، قال البيهقي: فهذا حديث مختلف فيه عن المفضل فروي عنه هكذا، وروي عنه عن يونس عن الزهري عن سعد، وروي عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم عن أخيه المسور، فإن كان سعد هذا ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف؛ فلا نعرف بالتواريخ له أخا معروفا بالرواية يقال له المسور، ولا يثبت للمسور الذي ينسب إليه سعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم سماع من جده عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ولا رؤية؛ فهو منقطع، وإبراهيم بن عبد الرحمن لم يثبت له سماع من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإنما يقال إنه رآه، ومات أبوه في زمن عثمان -رضي الله عنه- فإنما أدرك أولاده بعد موت أبيه عبد الرحمن فلم يثبت لهم عنه رواية ولا رؤية فهو منقطع، وإن كان غيره، (أي غير سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن)، فلا نعرفه، ولا نعرف أخاه[67].
وبهذا تبين ضعف هذا الحديث فهو لا يعارض الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام...»[68].
ولذلك قال الفقهاء بوجوب الضمان على المقطوع، قال الشافعي: "إذا وجدت السرقة في يد السارق قبل أن يقطع ردت إلى صاحبها وقطع، وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه، وما نقصها ضامن عليه يتبع له، وإن أتلف السلعة قطع أيضا، وكانت على قيمتها يوم سرقها، ويضمن قيمتها إذا فاتت، وكل من أتلف للإنسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك، ويضمنه من أتلفه، والقطع لله لا يسقط غرمه ما أتلف للناس"[69].
وبهذا يظهر أنه لا تعارض بين الأحاديث، لأنه لا يعارض صحيح بضعيف.
الخلاصة:
· إن الأحاديث الواردة في حد السرقة من الكثرة والصحة بما يجعل الطعن فيها مردودا، فقد اتفق الشيخان على كثير منها، وانفرد كل منهما ببعضها، وروى بعضها الثقات من أصحاب السنن والمسانيد مما صححه نقاد الحديث وصيارفته.
· إن الذي أنزل حد السرقة هو الرحمن الرحيم، ومن ظن أنه أرحم بالعباد من خالقهم فقد أخطأ الظن.
· إن حد السرقة رحمة بالمحدود حيث يطهره وينقيه من الإثم، ورحمة بغيره من أبناء مجتمعه، حيث يستمتعون بالأمن والطمأنينة.
· لا يصح القول بأن الله تعالى أوجب الحد على السارق المحترف فقط في قوله تعالى: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( (المائدة: ٣٨) وإنما هو حكم عام جاءت به السنة وحددت أبعاده؛ من تحديد النصاب، وكيفية القطع، وإمكانية درء الحدود، وما إلى ذلك مما يحيط بالحد ثبوتا ودرءا وإقامة.
· إن الشرع اشترط من الشروط في إثبات حد السرقة ما يجعل نسبة حدوث الخطأ أو الظلم نادرة إن لم تكن مستحيلة، وجعل القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي في الحدود، ومن ثم إن حدث وأخطأ القاضي فلا يسأل عن ذلك، لأنه حكم بما توفر له من أدلة وشهود.
· إن عقوبة القطع كانت موجودة في الأديان الأخرى بشكل شبه مطلق، فجاء الإسلام وحد منها وجعلها مقتصرة على أمور معينة مثل السرقة والقصاص. ونصوص التوراة والإنجيل تشهد بالأول، كما يشهد القرآن بالثاني.
· إن حد نصاب السرقة ربع دينار وهو يساوي ثلاثة دراهم أو ثمن مجن، وكل تلك الأنصبة في الحقيقة نصاب واحد، ومن ثم لا تعارض بين الأحاديث التي جاءت بجميعها.
· إذا أكل الإنسان من ثمر ولم يأخذ شيئا منه معه فلا شيء عليه، وإن أخذ ما دون النصاب فعليه العقوبة والغرامة، وإن أخذ ما يستوجب النصاب فعليه القطع، ولا تعارض بين الأحاديث في ذلك.
· لا فرق في حد السرقة بين الحر والعبد، وقد رأى بعض العلماء أن العبد إذا سرق من مال سيده، فلا يقطع لكي لا تجتمع على سيده عقوبتان سرقة ماله، وقطع غلامه، أما إذا سرق من غير سيده فلا خلاف في إقامة الحد عليه.
· إن جمهور الفقهاء على أن السارق لا يقطع بعد المرة الثانية، وأن الأحاديث المخالفة لذلك إما ضعيفة أو منسوخة كما سبق أن قررنا...
· إن حديث قتل السارق في المرة الخامسة منسوخ وهو بذلك لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
· لا تعارض بين حديث «لا تقطع الأيدي في السفر»، وحديث «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد»؛ لأن الأول لا يعني إسقاط الحد، وإنما تأجيله حتى العودة لبلاد الإسلام.
· لقد أكدت السنة الصحيحة حرمة مال المسلم ودمه، أما ما روي من عدم تغريم السارق قيمة ما سرقه إذا أقيم عليه الحد، فهو حديث ضعيف، ولا يرقى لمعارضة الأحاديث الصحيحة.
(*) السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م. مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م. شبهات وانحرافات في التفكير الإسلامي المعاصر، توفيق علي وهبة، دار اللواء، الرياض، ط5، 1403هـ / 1983م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 99)، رقم (6789). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، (6/ 2623)، رقم (4323).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 100)، رقم (6799). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، (6/ 2625)، رقم (4329).
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، (12/ 89)، رقم (6788). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، (6/ 2628)، رقم (4333).
[4]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، بيروت، ط13، 1407هـ / 1987م، (2/ 882).
[5]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، بيروت، ط13، 1407هـ / 1987م، (2/ 882).
[6]. شبهات وانحرافات في التفكير الإسلامي المعاصر، توفيق علي وهبة، دار اللواء، الرياض، ط5، 1403هـ/ 1983م، هامش ص35.
[7]. شبهات وانحرافات في التفكير الإسلامي المعاصر، توفيق علي وهبة، دار اللواء، الرياض، ط5، 1403هـ/ 1983م، هامش ص37.
[8]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (6/ 189، 190).
[9]. حد السرقة، مقال منشور بموقع: موسوعة مقاتل من الصحراء، www.moqatel.com، وانظر: الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، (6/ 123: 126). التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، د. عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1406هـ/ 1986م، (2/ 611: 617).
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحيل، باب: حكم الحاكم لا يحل ما حرمه الله ورسوله، (12/ 355)، رقم (6967).
[11]. صحيح البخاري(بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 99)، رقم (6795).
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، (6/ 2623)، رقم (4319).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، (6/ 2623)، رقم (4323).
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 99)، رقم (6790).
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 99)، رقم (6789).
[16]. صحيح لغيره: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: قطع السارق، باب: ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة، (2/ 801)، رقم (4952). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (4935).
[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: قول الله تعالى: ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (، (12/ 100)، رقم (6799).
[18]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3606).
[19]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3607).
[20]. انظر: شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م،(6/ 2626).
[21]. من الجدير بالذكر أن النقود ضربت بالأوزان الشرعية في عهد عبد الملك بن مروان وانتشرت في الآفاق الإسلامية، لكن بمرور الأزمان لم يبق الدينار والدرهم على الوضع الذي استقرا عليه في عهد عبد الملك بن مروان، بل أصابهما تغيير كبير من بلد إلى بلد، وصار أهل كل بلد يخرجون الحقوق الشرعية من نقودهم حتى قال بعض الفقهاء: يفتي أهل كل بلد بوزنهم، ونشأ منذ ذلك اضطراب في معرفة الأنصبة، وهل تقدر بالوزن أم بالعدد؟
وإلى عهد قريب لم يصل العلماء إلى معرفة ذلك، حتى أثبت بعض الباحثين المسلمين ـ بواسطة استقراء النقود الإسلامية المحفوظة في دور الآثار بالدول الأجنبية ـ أن دينار عبد الملك بن مروان يزن (4. 25 جراما من الذهب).
ولما كانت النسبة بين الدرهم والدينار(7 :10) فالدرهم (10/7) من الدينار فيكون بذلك وزن الدرهم هو (975. 2 جراما من الفضة)، وهذه الأوزان بالنسبة للدينار والدرهم هي التي تعتبر معيارا في استخراج الحقوق الشرعية من زكاة، ودية، ونصاب سرقة، وغير ذلك. انظر: أحاديث حد السرقة في أصول التحديث "رواية ودراية"، د. سعد المرصفي، مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، ط1، 1416هـ / 1995م، ص74، 75.
[22]. الثمر: هو ما كان معلقا في النخل قبل أن يجز ويحرز، وهو اسم جامع للرطب والعنب وغيرهما.
[23]. الكثر: هو جمار النخل، وهو الشحم الذي في وسط النخلة.
[24]. الخبنة: هو ما يحمله الإنسان في حضنه أو تحت إبطه.
[25]. الجرين: حرز التمر الذي يجفف فيه.
[26]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الحدود، باب: ما لا قطع فيه، (12/ 36)، رقم (4380). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4390).
[27]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، (4/ 142)، رقم (17320). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[28]. مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص219.
[29]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3612).
[30]. انظر: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص222. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، (6/116).
[31]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: تأخير الحد عن النفساء، (6/ 2652)، رقم (4370).
[32]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، (2/ 341)، رقم (1340). وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
[33]. النش: وهو نصف أوقية أو عشرون درهما، والمقصود: بيعه ولو بثمن بخس.
[34]. ضعيف: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الحدود، باب: بيع المملوك إذا سرق، (12/ 59)، رقم (4401). وضعفه الألباني في صحيح ضعيف سنن أبي داود برقم (4412).
[35]. انظر: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص232.
[36]. معالم السنن، الخطابي، نقلا عن: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص232.
[37]. أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحدود، باب: ما لا قطع فيه، ص330، رقم (1537).
[38]. انظر: الخرشي على مختصر سيدي خليل، نقلا عن: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص233.
[39]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 459،460).
[40]. مرسل جيد: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب: الحدود، باب: ما قالوا من أين تقطع، (6/ 528)، رقم (1). وقال عنه الألباني في إرواء الغليل: مرسل جيد وصله بعضهم، رقم (2430).
[41] . الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 1989م، (6/99) بتصرف.
[42]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب: اللقطة، باب: قطع السارق، (10/ 185)، رقم (18760).
[43]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 101).
[44]. حسن: أخرجه البيهقي في سننه، كتاب: السرقة، باب: السارق يعود فيسرق ثانيا وثالثا ورابعا، (8/ 274)، رقم (17045). وحسنه الألباني في إرواء الغليل برقم (2436).
[45]. أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب: الحدود والديات وغيره، (3/ 181)، رقم (292).
[46] . عقوبة السارق في المرات الخمس، د. حمد بن إبراهيم بن عبد العزيز الشتوي، مقال منشور بمجلة العدل، الرياض، العدد 37، محرم 1429هـ.
[47]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الحدود، باب: في السارق يسرق مرارا، (12/ 56)، رقم (4399). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود، برقم (4410).
[48]. حسن: أخرجه البيهقي في سننه، كتاب: السرقة، باب: السارق لا يعود فيسرق ثانيا وثالثا ورابعا، (8/ 274)، رقم (17045). وحسنه الألباني في إرواء الغليل برقم (2436).
[49]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: قول الله تعالى: ) أن النفس بالنفس والعين بالعين ( (12/ 209)، رقم (6878).
[50] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/102).
[51]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي عاصم حسن بن عباس، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 2006م، (4/ 134).
[52]. السنن الكبرى، البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/ 1994م، (8/275)، وانظر: اختلاف الحديث، الشافعي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1405هـ/1985م، ص207.
[53]. عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح ابن قيم الجوزية، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ، (12/ 58)
[54]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 448).
[55]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 102).
[56]. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، ابن العربي، تحقيق: محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1992م، ص1030.
[57]. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، ابن العربي، تحقيق: محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1992م،ص1029، 1030.
[58]. معالم السنن، الخطابي، (4/ 566، 567)، نقلا عن: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص185.
[59]. تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته، ابن قيم الجوزية، (2/297).
[60]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الحدود، باب: السارق يسرق في الغزو أيقطع؟، (12/ 54)، رقم (4397). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4408).
[61]. انظر: بذل المجهود، نقلا عن: مختلف الحديث وأثره في أحكام الحدود والعقوبات، د. طارق بن محمد الطواري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص196.
[62]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الحدود، باب: إقامة الحدود، (2/849)، رقم (2540). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2058).
[63]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/3624).
[64]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 260).
[65]. ضعيف: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: قطع السارق، باب: لا يغرم صاحب سرقة، (4/ 350)، رقم (7477). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (4984).
[66] . السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1991م، (4/350).
[67]. السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1991م،(8/ 277).
[68]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، (6/ 2612)، رقم (4305).
[69]. الأم، الشافعي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1982م، (6/ 146).
wives that cheat
link read here
click
read dating site for married people
open
online black women white men
why do wife cheat on husband
website reasons why married men cheat