دعوى رد أحاديث الرجم والتغريب في حد الزنا*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض منكري السنة النبوية أن الأحاديث الواردة في حد الزنا مضطربة، وأن ذلك يوجب ردها جميعا؛ ولذلك فهم يرون أنها غير صحيحة، وأنها لا يمكن أن تخرج من مشكاة النبوة. مستدلين على زعمهم هذا بأن: حد الرجم للزانية المحصنة يتعارض مع قوله -عز وجل-: )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15)(
(النساء)؛ إذ أخبر القرآن بأن عقوبتهن هي الحبس في البيوت لا الرجم، و قد قال -سبحانه وتعالى- عن حد الأمة إذا زنت: )فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب( (النساء: ٢٥)، والمعروف أن الرجم لا يقبل التنصيف حتى يقام عليهن نصفه؛ فدل ذلك على أن حد الثيب لا يكون رجما.
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- للزاني والزانية: «لأقضين بينكما بكتاب الله...»، وذكر فيه أن المحصنة عليها الرجم، فهذا لا يصح أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يكون بذلك قد قضى بكتاب الله كما قال، وإلا فأين الرجم في كتاب الله تعالى؟!
ثم يقولون بأن آية الرجم: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله والله عليم حكيم"، قد نسخت مطلقا: تلاوة وحكما؛ إذ لا معنى لنسخ التلاوة وبقاء الحكم والألفاظ أوعية المعاني، كما أن آيات سورة النور نزلت لتبين الحكم الناسخ، وهو الجلد لكل الزناة.
وأما عن رجم النبي -صلى الله عليه وسلم- ماعز والغامدية، فيرون أنه صحيح، لكنه كان في بداية الإسلام عندما كان يسطو المنافقون على زوجات المجاهدين في أثناء خروجهم للجهاد، وأما بعد استقرار الإسلام فلا يجوز الرجم.
ثم يضيفون زعما آخر، وهو أن هذه الأحاديث يعارض بعضها بعضا؛ إذ إن رواية الإمام مسلم تقول عن حد الثيب: «والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»، وقد جلد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وهذا يتعارض مع ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من رجم الثيب فقط دون الجلد.
ويضيفون إلى ذلك أن أحاديث تغريب الزاني البكر منسوخة، وأن الحد الباقي هو الجلد فقط دون التغريب، وأن الناسخ هو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها». ويرون أن إقامة مثل حد الرجم جريمة بشعة في حق الإنسانية، لا يمكن أن يقر المولى تبارك وتعالى مثلها. رامين من وراء ذلك كله إلى إسقاط حد الزنا بكل تفاصيله بعد إسقاط الأحاديث المتعددة في إثباته، وصولا إلى إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن حد الرجم على الزاني المحصن، والجلد والتغريب لمدة عام على الزاني البكر ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فإن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبة الاتباع بنصوص القرآن، وقد فعل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأكده عمل الصحابة من بعده.
2) إن نص القرآن على أن عقوبة الزانيات هي الحبس في البيوت لا يتعارض مع حد الرجم الذي قرره النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إن الحبس كان في بداية الإسلام، ثم نسخ بالرجم، وهذا من التدرج في الأحكام، "والمحصنات" في قوله عز وجل: )فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب( (النساء: ٢٥)، هن الحرائر ولسن المتزوجات، وحدهن هو الجلد لا الرجم، والجلد يقبل التنصيف، فلا تعارض بين آيات القرآن وحد الرجم.
إن المقصود بكتاب الله في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لأقضين بينكما بكتاب الله»، هو فرض الله وحكمه، سواء كان في القرآن أم في غيره من الوحي، ويحتمل أن يكون المراد هو ما تضمنه قوله عز وجل: )أو يجعل الله لهن سبيلا (15)(
3) ، والسبيل هو قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجم.
4) إن آية: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة» منسوخة تلاوة، وليست منسوخة حكما؛ إذ ظل حد الرجم قائما، وعمل به النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده، وأكد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خطبته الشهيرة على عدم نسخه.
5) إن الأحاديث التي قالت: «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» كانت مرحلة من مراحل التدرج في تشريع حد الزنا، ثم نسخت بعد ذلك على قول جماهير أهل العلم بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله برجم الزاني المحصن دون جلده، وهو عمل أصحابه من بعده.
6) إن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها»، ليس ناسخا لحد التغريب مع الجلد للزاني غير المحصن، وإنما أحال النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر المجمل على غيره من الأحاديث السابقة المفصلة؛ لذلك كان آخر الأمر هو وجوب التغريب على الرجل دون المرأة.
7) إن حد الزنا الذي أنزله الله تعالى هو الرادع الأقوم لهذه الشهوة العارمة، وقد عدل المجتمع عن القوانين الوضعية لهذه الجريمة إلى تطبيق حد القتل على الزاني، فكان ما يقرب من نصف جرائم القتل بسبب الزنا، وهذا دليل على أن ما شرعه الله تعالى لعباده هو الحل، لا ما وضعوه لأنفسهم من قوانين.
التفصيل:
أولا. الرجم والتغريب ثابتان بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
عرف القرطبي الزنا بأنه: إدخال فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا([1])، أو هو وطء الرجل المرأة في القبل، في غير الملك وشبهته بتعمد وتشهي([2]).
وهو حرام ويعد من أعظم الكبائر؛ لقوله -عز وجل-: )ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا (32)( (الإسراء)، وقوله في صفات عباد الرحمن: )والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69)( (الفرقان).
ولذلك جعل الإسلام حد الزنا حدا عظيما، ذكره ربنا في القرآن الكريم مجملا وتولى نبينا تفصيله وبيانه؛ فقال -عز وجل-: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (2)((النور).
ثم جاءت السنة النبوية مبينة ذلك، فجعلت على الزاني المحصن الرجم، وعلى البكر الحر الجلد، والتغريب لمدة عام.
ومن هذه الأحاديث الصحيحة التي بينت حد الزنا ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري: «أن رجلا من أسلم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم، وكان قد أحصن»([3])، وترجم الإمام البخاري للباب بقوله: "رجم المحصن " وهذا فيه دلالة على وجوب الحد.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عدة أحاديث تؤيد ثبوت حكم الرجم أيضا، ومنها قصة ماعز والغامدية اللذين رجمهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: «جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله طهرني، فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فيم أطهرك؟ فقال: من الزنا. فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أزنيت؟ فقال: نعم. فأمر به فرجم، فكان الناس فيه فرقتين: قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز؛ أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة: ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس، فسلم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم، قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طهرني، فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إلي، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: آنت؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله، قال: فرجمها»([4]).
وروى مسلم أيضا من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف»([5]).
فدلت هذه الأحاديث التي ذكرنا بعضها على ثبوت حكم الرجم على الزاني المحصن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووجوب العمل به كما عمل به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكما عمل أصحابه الكرام من بعده.
الجلد والتغريب للزاني البكر:
أما عن جلد الزاني البكر وتغريبه عاما، فهو ثابت - أيضا - دون شك في ذلك فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما وأصحاب السنن كذلك.
فقد روى البخاري من حديث زيد بن خالد الجهني قال: «سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام»([6]).
وروى أيضا عن ابن شهاب قال: «أخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب غرب، ثم لم تزل تلك السنة»([7]).
وأما مسلم فقد روى في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر، جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»([8]).
وروى عن عبادة بن الصامت أيضا قال: «كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك، وتربد له وجهه، قال: فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك، فلما سري عنه قال: خذوا عني؛ فقد جعل الله لهن سبيلا؛ الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة»([9]).
ولو أردنا أن نجمع كل الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي تبين ثبوت حكمي الرجم والتغريب لطال بنا المقام، لكنا ذكرنا بعضا منها لبيان الحكم واتفاق الأمة خلفا وسلفا على صحة الأحاديث.
إجماع الأمة على وجوب حد الرجم:
وكان من نتيجة ذلك أن أجمعت الأمة على وجوب حد الرجم، فقد قال الإمام النووي: "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج"([10]).
وخطب عمر -رضي الله عنه- بذلك على رؤوس المنابر، وعمل به الخلفاء الراشدون، ولم ينكره أحد فكان إجماعا، وقد حكى القول بذلك صاحب «البحر» عن الخلفاء الراشدين ولم ينكره أحد فكان إجماعا([11]).
قال الألوسي: وقد أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت([12]).
وأما دعوى المشككين برد حد الرجم والتغريب؛ لأنهما لم يردا في القرآن الكريم، فهي دعوى مردودة؛ لأنه لا يمكن للمسلم الاعتماد على القرآن وحده دون السنة، كما لا يمكن الجمع بين دعوى الالتزام بما جاء في القرآن الكريم وإنكار هذه السنة الصحيحة، فقد فرض الله على الناس اتباع وحيه؛ كتابا وسنة، فقال في كتابه العزيز: )هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2)( (الجمعة). فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن والحكمة، وهي السنة كما أجمع على ذلك المفسرون.
وقال تعالى مخاطبا نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-: )واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة( (الأحزاب: ٣٤)، وقال - أيضا -: )وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة( (النساء: ١١٣). أي: أنزل على رسوله شيئين؛ هما: الكتاب، وهو القرآن، والحكمة وهي سنته صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تكون هذه الآيات دليلا على حجية السنة عموما، وحجية الأحاديث التي جاءت بحكم الرجم للثيب الزاني، والجلد والتغريب للبكر، ولهذا وجب العمل بها، وسقطت دعواهم إلى إسقاط حكمي الرجم والتغريب؛ بحجة عدم ذكر القرآن لها.
ولو أننا تركنا كل ما في السنة بحجة أنه لم يأت في القرآن، فمن أين لنا عدد الصلوات، وعدد الركعات، ومواقيتها، ومقدار الزكاة وغيرها، وهذا ما حاج به عمر بن عبد العزير حين عابوا عليه الرجم، وقالوا: ليس في كتاب الله إلا الجلد، وقالوا: الحائض أوجبتم عليها الصوم دون الصلاة، والصلاة أوكد.
فقال لهم عمر: وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله؟ قالوا: نعم. قال: أخبروني عن عدد الصلوات المفروضات، وعدد أركانها، وركعاتها، ومواقيتها، أين تجدونه في كتاب الله تعالى؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه، ومقاديرها ونصبها؟ فقالوا: أنظرنا، فرجعوا يومهم ذلك، فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن، فقالوا: لم نجده في القرآن، قال: فكيف ذهبتم إليه؟ قالوا: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، وفعله المسلمون بعده، فقال: فكذلك الرجم، وقضاء الصوم، فإنه رجم، ورجم خلفاؤه بعده، والمسلمون، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقضاء الصوم دون الصلاة، وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه([13]).
وهذا إفحام بالأدلة النقلية والعقلية لكل من حاول أن يترك حكما في السنة النبوية بحجة أنه لم يأت في القرآن، وعلى رأسها حكم الرجم للزاني المحصن، والنفي مع الجلد للزاني البكر.
ثانيا. عقوبة حبس المحصنات في البيوت منسوخة بحد الرجم، "والمحصنات" في قوله عز وجل: )فعليهن نصف ما على المحصنات( (النساء: ٢٥) هن الحرائر، ولسن المتزوجات:
إن دعوى إبطال حد الرجم بحجة أن عقوبة الزنا الثابتة في القرآن الكريم تقضي بحبس النساء وإيذاء الرجال والنساء؛ وذلك في قوله -عز وجل-: )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16)( (النساء)، لهي دعوى مردودة؛ لأن هذه العقوبة هي أولى عقوبات الزناة، وكانت في بداية الإسلام، ثم نسخت بحد الرجم والجلد كما بينا، وهذا من باب التدرج في الحكم.
ومما يؤكد ذلك ما قاله القرطبي في تفسير قوله عز وجل: )فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت( (النساء: ١٥)، هذه أولى عقوبات الزناة، وكان هذا في ابتداء الإسلام، قاله عبادة بن الصامت، والحسن، ومجاهد حتى نسخ بالأذى الذي بعده، ثم نسخ ذلك بآية "النور" وبالرجم في الثيب...، وهذا الإمساك والحبس في البيوت كان في صدر الإسلام قبل أن يكثر الجناة، فلما كثروا وخشي قوتهم اتخذ لهن سجن. قاله ابن العربي.
واختلف العلماء: هل كان هذا السجن حدا، أو توعدا بالحد على قولين:
أحدهما: أنه توعد بالحد.
الثاني: أنه حد؛ قاله ابن عباس والحسن، زاد ابن زيد: وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه، وهذا يدل على أنه كان حدا بل أشد، غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية، وهو الغاية في الآية الأخرى، على اختلاف التأويلين في أيهما قبل، وكلاهما ممدود إلى غاية، وهي قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبادة بن الصامت: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»([14])، وهذا نحو قوله -عز وجل-: )ثم أتموا الصيام إلى الليل( (البقرة: ١٨٧)، فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه.
هذا قول المحققين المتأخرين من الأصوليين، فإن النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه ولا يمكن الجمع بينهما، والجمع ممكن بين الحبس والتعزير، والجلد والرجم، وقد قال بعض العلماء: إن الأذى والتعزير باق مع الجلد؛ لأنهما لا يتعارضان، بل يحملان على شخص واحد، وأما الحبس فمنسوخ بالإجماع([15]).
فالذي ذهب إليه القرطبي هو أن الحبس كان في بداية الإسلام، ثم نسخ؛ إذ لا يجتمع الرجم مع الحبس، أما الإيذاء؛ وهو التأديب بالتوبيخ فهو غير منسوخ، بل هو باق مع الجلد؛ لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد.
وقال الطيبي: تكرير: «خذوا عني، خذوا عني...»يدل على ظهور أمر قد خفي شأنه واهتم به، وذلك السبيل المذكور في الآية، فإنه مبهم حتى فسر بالحد([16]).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: فسر الجمهور السبيل في قوله: )أو يجعل الله لهن سبيلا (15)( (النساء)، بما يشرعه الله تعالى بعد نزول هذه الآية من حد الزنا؛ لأنه هو المراد بالفاحشة هنا عندهم، فجعلوا الإمساك في البيوت عقابا مؤقتا مقرونا بما يدل على التوقيت، ورووا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعد ذلك: «قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»([17])([18]).
يقول الطاهر ابن عاشور: ثم فرض حد الزنا بما في هذه السورة، ففرض حد الزنا جلد مائة فعم المحصن وغيره، وخصصته السنة بغير المحصن من الرجال والنساء. فأما من أحصن منهما؛ أي: تزوج بعقد صحيح ووقع الدخول - فإن الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت. وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجم ماعز بن مالك. وأجمع على ذلك العلماء، وكان ذلك الإجماع أثرا من آثار تواترها.
وقد روي عن عمر أن الرجم كان في القرآن: " الثيب والثيبة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، وفي رواية: "الشيخ والشيخة"، وأنه كان يقرأ ونسخت تلاوته، وفي أحكام ابن الفرس في سورة النساء: "وقد أنكر هذا قوم. ولم أر من عين الذي أنكروا. وذكر في سورة النور أن الخوارج بأجمعهم يرون هذه الآية على عمومها في المحصن وغيره، ولا يرون الرجم، ويقولون: ليس في كتاب الله الرجم، فلا رجم.
ولا شك في أن القضاء بالرجم وقع بعد نزول سورة النور. وقد سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم: "أكان قبل سورة النور أو بعدها؟" يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس، أي أن الرجم منسوخ بالجلد "فقال ابن أبي أوفى: لا أدري، وفي رواية أبي هريرة أنه شهد الرجم، وهذا يقتضي أنه كان معمولا به بعد سورة النور؛ لأن أبا هريرة أسلم سنة سبع، وسورة النور نزلت سنة أربع أو خمس - كما علمت - وأجمع العلماء على أن حد الزاني المحصن الرجم.
وقد ثبت بالسنة أيضا تغريب الزاني بعد جلده تغريب سنة كاملة، ولا تغريب على المرأة([19]).
قضية تنصيف الحد على الأمة:
أما الآية الثانية التي يدعى أنها تتعارض مع حالهم مع حد الرجم، وتثبت عدم صحته، فهي قوله تعالى عن حد الأمة إذا زنت: )فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب(؛ إذ قالوا بأن حد الرجم لا يقبل التنصيف؛ حتى يقام على الإماء نصفه، وهذا لا يتعارض مع الآية؛ إذ إن معنى الإحصان هنا ليس الزواج، وإنما معناه الحرية، فالمراد بهن في الآية الحرائر، بدليل قوله -عز وجل-: )ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات( (النساء: ٢٥)، وليس المراد هنا إلا الحرائر؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح([20]).
فالمقصود من الآية أن حد الأمة إذا زنت نصف حد المحصنات - وهن الحرائر غير المتزوجات - بالجلد دون الرجم، حتى ولو كانت محصنة بالتزويج.
وقد أجمع العلماء على أنها - أي: الأمة - لا ترجم، وهذا الإجماع قائم على الآية السابقة، وما ورد في صحيح السنة النبوية الشريفة في تأكيدها وبيانها من أحاديث مطلقة في حكم الأمة إذا زنت بالجلد([21]).
ويؤكد الشيخ الشعراوي في تفسيره أن المقصود بالمحصنات هنا هن الحرائر لا المتزوجات، فيقول: قال الحق: )فعليهن نصف ما على المحصنات(، لو أن الحكم على إطلاقه لما قال الله تعالى: )من العذاب(؛ فكأن الذي عليها فيه النصف هو العذاب، وما هو العذاب؟ العذاب هو إيلام من يتألم، والرجم ليس فيه عذاب؛ لأنه عملية إنهاء حياة، والآية تبين المناصفة فيما يكون عذابا، أما ما لا يكون عذابا فهو لا ينصف، والحكم غير متعلق به، فالعذاب إنما يأتي لمن يتألم، والألم فرع الحياة، والرجم مزيل للحياة، إذن فالرجم لا يعتبر من العذاب، والدليل على أن العذاب مقابل للموت أن الحق سبحانه وتعالى حينما حكى عن سيدنا سليمان وتفقده الطير قال: )ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20) لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه( (النمل)، فالذبح وإزهاق الحياة مقابل للعذاب، فقوله: )نصف ما على المحصنات(، فالمتكلم فيه الآن العذاب وليس الرجم، وليس إزهاق الحياة، وبهذا يسقط الاستدلال([22]).
فكأن الله عزوجل أراد أن يفرق بين الجلد والرجم بأن الجلد هو عذاب، أما الرجم فلا يعد عذابا، فكان نصه: "من العذاب" دليل على وجود الجلد الذي هو عذاب.
وقال القرطبي: ويعني بالمحصنات ها هنا الأبكار الحرائر؛ لأن الثيب عليها الرجم، والرجم لا يتبعض، وإنما قيل للبكر: محصنة، وإن لم تكن متزوجة؛ لأن الإحصان يكون بها، كما يقال: أضحية قبل أن يضحى بها، وكما يقال للبقرة: مثيرة قبل أن تثير([23]).
وقال ابن منظور: "والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية والتزويج"([24]).
فدل ذلك على أن المفسرين وعلماء اللغة أجمعوا على أن المحصنات هنا هن الحرائر على عكس الإماء، ولهذا فلا تعارض بين حد الرجم وبين هذه الآية؛ لأن المقصود بنصف العذاب: هو نصف الجلد كما بينا، وليس نصف الرجم كما يدعون.
ثالثا. المراد بكتاب الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «لأقضين بينكما بكتاب الله»، هو فرض الله وحكمه سواء في القرآن أو غيره من الوحي:
يطعن هؤلاء المغرضون في حدي الرجم والتغريب بطريق أخرى، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عندما جاءه زان بكر وزانية محصنة: «لأقضين بينكما بكتاب الله»، ثم قضى على المحصنة بالرجم، والرجم ليس موجودا في كتاب الله، وقضى على البكر بالتغريب مع الجلد، والتغريب ليس موجودا في كتاب الله.
وهذا بفضل الله مردود عليه بأن معنى "كتاب الله" ليس القرآن وحده، وإنما معناه: حكم الله([25])؛ أي: ما حكم الله به وكتب على عباده([26])، وحكم الله يشمل ما هو موجود في القرآن أو في غيره مما أوحاه إلى نبيه.
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - رادا هذا الإشكال: "إن الذي أوجب الإشكال في المسألة اللفظ المشترك (في كتاب الله)، فكما يطلق على القرآن يطلق على ما كتب الله تعالى عنده مما هو حكمه، وفرضه على العباد، كان مسطورا في القرآن أولا، كما قال -عز وجل-: )كتاب الله عليكم( (النساء: ٢٤). أي: حكم الله وفرضه، وكل ما جاء في القرآن من قوله: )كتاب الله عليكم( فمعناه فرضه وحكم به، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن([27])، وبذلك فالرجم من حكم الله الذي ليس في القرآن، وكذلك التغريب.
وقال الإمام النووي - رحمه الله -: "وقيل: هو إشارة إلى قوله -عز وجل-: )أو يجعل الله لهن سبيلا(، وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- السبيل بالرجم في حق المحصن، كما سبق في حديث عبادة بن الصامت، وقيل: هو إشارة إلى آية: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"، وقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه، فعلى هذا يكون الجلد قد أخذه من قوله عز وجل: )الزانية والزاني( (النور: ٢)([28]).
وقد نقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد أنه قال: "يحتمل أن يكون المراد - أي من قول النبي -صلى الله عليه وسلم«لأقضين بينكما بكتاب الله» ما تضمنه قوله عز وجل: )أو يجعل الله لهن سبيلا( فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن السبيل جلد البكر ونفيه ورجم الثيب"، ويعلق ابن حجر على ذلك فيقول: "وهذا أيضا بواسطة التبيين يحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها، وهي(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)، وبهذا أجاب البيضاوي، ويبقى عليه التغريب"([29]).
ومن هذه الآراء يتبين أن الرجم هو حكم الله في كتابه الذي عبر عنه بالسبيل في قوله: )أو يجعل الله لهن سبيلا( أو آية الرجم المنسوخة تلاوة الباقية حكما.
ثم ينقل ابن حجر احتمالا آخر للمقصود من كتاب الله في الحديث الشريف فيقول: "وقيل: المراد بكتاب الله ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأن خصمه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق، فلذلك قال: «أما الغنيمة والوليدة فرد عليك»([30])، والذي يترجح أن المراد بكتاب الله ما يتعلق بجميع أفراد القصة([31]).
ونخلص من هذا كله إلى أن حدي الرجم والتغريب موجودان في كتاب الله تعالى كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، إما لأن هذين الحكمين من حكم الله وفرضه، وهذا هو المقصود من كتاب الله في الحديث، أو لأن المراد هو ما تضمنه القرآن لا ما صرح به.
رابعا. حد الرجم منسوخ تلاوة لا حكما، وظل العمل به مع نسخ آية الشيخ والشيخة:
لقد قسم العلماء النسخ في القرآن الكريم إلى ثلاثة أضرب:
الأول: ما نسخت تلاوته وحكمه معا.
الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته.
الثالث: ما نسخت تلاوته دون حكمه.
وآية الشيخ والشيخة التي معنا من القسم الثالث التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها.
ونسخ النص الذي يدل على الحكم لا يستلزم منه نسيان الحكم كما هو معلوم، فإذا طبق الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحكم بعد ذلك دل على أن الحكم باق غير منسوخ.
ونسخ القرآن تلاوة مع بقاء حكمه من الأمور المتفق عليها، فقد نقل السيوطي عن أبي عبيد قوله: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله! قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر"([32]).
أما عن الحكمة من نسخ آية "الشيخ والشيخة" فقد قال السيوطي في سبب نسخها: " وقد خطر لي في ذلك نكتة حسنة، وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف، وإن كان حكمها باقيا؛ لأنه أثقل الأحكام وأشدها، وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلى ندب الستر"([33]).
وقد أكد الزركشي في كتابه "البرهان" على وجوب العمل بهذه الآية؛ لأن حكمها لم ينسخ، وإنما نسخت تلاوتها فحسب، فقال: إنها نسخت تلاوة وبقيت حكما، وأنه وجب العمل بها، طالما أن الأمة تلقت ذلك بالقبول، فقال: كما روي أنه كان يقال في سورة النور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله"، ولهذا قال عمر: «لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي»([34]).
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي بن كعب قال: «كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة»([35]).
وفي هذا سؤلان:
الأول: ما الفائدة من ذكر الشيخ والشيخة؟ وهلا قال: "والمحصن والمحصنة"؟!
أجاب ابن الحاجب في "أماليه" عن هذا بأنه من البديع في المبالغة، وهو أن يعبر عن الجنس في باب الذم بالأنقص فالأنقص، وفي باب المدح بالأكثر والأعلى، فيقال: لعن الله السارق يسرق ربع دينار فتقطع يده، والمراد: [يسرق ربع دينار فصاعدا إلى أعلى ما يسرق]، وقد يبالغ فيذكر ما لا تقطع به، كما جاء في الحديث: «لعن الله السارق يسرق البيضة، فتقطع يده»([36]).
وقد علم أنه لا تقطع في البيضة، وتأويل من أوله ببيضة الحرب، تأباه الفصاحة.
الثاني: أن ظاهر قوله: «لولا أن يقول الناس...» إلخ، أن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة؛ لأن هذا شأن المكتوب([37]).
وقد أيد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نسخ آية الرجم لفظها دون حكمها، فقد ظل العمل بها بعد نسخها سواء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في عهد أصحابه من بعده، يؤكد ذلك ما رواه ابن عباس؛ حيث قال:
«... فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون، قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها، فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف...»([38]).
وعلق الإمام النووي على هذا الحديث فقال: "... وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ، وقد وقع نسخهما جميعا، فما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب، ونحو ذلك، وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف، وفي إعلان عمر بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرجم"([39]).
فالعلماء جميعا والأدلة كلها على أن آية الرجم نسخت تلاوة أو لفظا، أما حكمها فهو قائم وعليه العمل؛ إذ قد رجم النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى آخر حياته، ورجم الصحابة من بعده بل أكدوا عدم نسخ الحكم كما ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد وقع الذي كان يخشاه عمر من الخوارج ومن أعداء السنة في العصر الحالي، وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه، ويحتمل أنه علم ذلك من جهة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([40]).
يقول الدكتور المرصفي: " وحسبنا أن عمر -رضي الله عنه- قد ألهم أمر هؤلاء المنكرين للرجم من المبتدعة بحجج داحضة، ودعاوى واهية، أوهى من بيت العنكبوت، فكشف الفاروق نواياهم، وأطلع المسلمين على ما يقولون به، وطلب ممن عقل هذه المقالة ووعاها أن يحدث بها، وهذا من المواطن التي وافق إلهام الفاروق فيها الصواب، ولا غرو فقد جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه، فقد روى الترمذي بسند حسن عن خارجة بن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»([41]) ([42]).
دعوى أن الرجم كان في بداية الإسلام ثم نسخ:
أما قولهم عن رجم ماعز والغامدية أنه كان في بداية الإسلام عندما كان يسطو المنافقون على زوجات المجاهدين في أثناء خروجهم للجهاد، ثم نسخ بعد استقرار الإسلام وانتشار الأمن، فإن هذا كلام غير صحيح؛ إذ إن الجهاد ظل مستمرا منذ بداية الإسلام حتى موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم استكمل خلفاؤه المسيرة من بعده فأخرجوا الجيوش واستمرت الفتوحات حتى عمت أنحاء العالم، فلو كان الأمر مقصورا على عدم وجود الرجال في البيوت، فإن ذلك ليس في بداية الإسلام وحده حتى ينسخ بعد ذلك.
ثم إن هذا قد يصح دليلا لو أن الرجم وقع في بداية الإسلام فقط، ولم يقع بعد ذلك، لكن الحقيقة عكس ذلك؛ إذ ظل الرجم قائما طوال حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد موته، فقد روي عن أبي هريرة وزيد بن خالد: «أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس فقال: يا رسول الله اقض بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان عسيفا([43]) على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الغنم والوليدة فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هذا فارجمها، فغدا أنيس، فرجمها»([44]).
ومما يثبت وقوع الرجم متأخرا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قاله ابن حجر: " وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور؛ لأن نزولها كان في قصة الإفك، واختلف هل كان سنة أربع، أو خمس، أو ست، والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع"([45]).
وقد ذكر ابن حجر ذلك ردا على من زعم أن الرجم كان قبل سورة النور، ثم نسخ بآية الجلد في سورة النور، وهذا من أبلغ الرد على من زعم أن الرجم كان في بداية الإسلام، ثم نسخ.
وقد رجم عمر بن الخطاب بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد روى مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي «أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها وعندها نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع، فأبت أن تنزع وتمت على الاعتراف فأمر بها عمر فرجمت»([46]).
كما أقام علي بن أبي طالب حد الرجم في خلافته، فقد روى البخاري في صحيحه: حدثنا آدم حدثنا شعبة، حدثنا سلمة بن كهيل قال: سمعت الشعبي يحدث: «عن علي -رضي الله عنه-، حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»([47]).
إن الأدلة الصحيحة تؤكد أن الرجم لم يقتصر تطبيقه على بداية الإسلام فقط، وإنما ظل قائما في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن جاء بعده، والأدلة على ذلك كثيرة اكتفينا ببعضها لنثبت ما نريد.
وفي نهاية ذلك يتضح لمن له عقل أن حد الرجم ليس منسوخا، وأنه ثابت وعليه العمل بإجماع الأمة، وأن آية الرجم نسخت لفظا، أما حكمها فهو باق، وأن القول بأن الرجم كان في بداية الإسلام؛ لاعتداء المنافقين على نساء المجاهدين الذين خرجوا للجهاد قول مردود بالأدلة التي ذكرنا.
خامسا. كان حد الزاني المحصن هو الجلد والرجم، ثم نسخ بالرجم دون الجلد، وهذا من التدرج في الحدود:
روى مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» ([48]).
وروى أيضا في صحيحه عن محمد بن المثنى وابن بشار جميعا عن عبد الأعلى قال ابن المثنى: حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: «كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه - قال - فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك فلما سري عنه قال: خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا؛ الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة»([49]).
هذان حديثان صحيحان زعموا أنهما يتعارضان مع ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من رجمه الثيب فقط دون جلده، ولكن هذا غير صحيح، إذ إن جمهور العلماء على أن أحاديث الجلد والرجم للثيب منسوخة بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من رجمه الزاني المحصن دون الجلد، وإن كان طائفة قالت بالجمع بينهما دون النسخ.
يقول الإمام النووي عن حد الزاني المحصن بالجلد مع الرجم: " فقالت طائفة يجب الجمع بينهما، فيجلد ثم يرجم، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعي"([50]).
وقال الحازمي: ذهب أحمد وإسحق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم([51]).
لكن هذا الرأي القائل بالجمع بين الحدين لا يعول عليه؛ إذ إن جماهير العلماء على إقامة حد الرجم دون الجلد، وعلى القول بنسخ الأحاديث التي جمعت بين الحدين، فقد ذكر الإمام النووي بعد إيراده قول الجمع: "وقال جماهير العلماء الواجب: الرجم وحده، وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث: أنه يجب الجمع بينهما، إذا كان الزاني شيخا ثيبا، فإن كان شابا ثيبا اقتصر على الرجم، وهذا مذهب باطل لا أصل له، وحجة الجمهور: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة: منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها»([52]) قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ، فإنه كان في أول الأمر([53]).
وقد فصل ابن حجر الأمر فقال: "وقال الجمهور - وهي رواية عن أحمد أيضا - لا يجمع بينهما، وذكروا أن حديث عبادة منسوخ، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»، والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجمه، ولم يذكر الجلد، قال الشافعي: فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب، والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة - أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولا من حبس الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد وزيد الثيب الرجم، وذلك صريح في حديث عبادة، ثم نسخ الجلد في حق الثيب وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم، وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع الرجم([54]).
وقد أثبت البخاري صحة الرجم دون الجلد للزاني المحصن في ترجمته للباب، فسمى الباب: " باب رجم المحصن" ولم يسمه جلد المحصن ورجمه، ومعلوم أن البخاري كان يراعي الجانب الفقهي في ذكر تراجمه.
وقال ابن قدامة في "المغني" عن الزاني المحصن: يرجم ولا يجلد، روي عن عمر وعثمان أنهما رجما ولم يجلدا، وروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا اجتمع حدان لله تعالى فيهما القتل أحاط القتل بذلك، وبهذا قال النخعي، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، واختار هذا أبو إسحاق الجوزجاني وأبو بكر الأثرم، ونصراه في سننهما؛ لأن جابرا روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم ماعزا ولم يجلده ورجم الغامدية ولم يجلدها، وقال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» متفق عليه، ولم يأمره بجلدها وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجب تقديمه، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول في حديث عبادة: إنه أول حد نزل، وإن حديث ماعز بعده رجمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يجلده، وعمر رجم ولم يجلد، ونقل عنه إسماعيل بن سعيد نحو هذا، ولأنه حد فيه قتل، فلم يجتمع معه جلد كالردة؛ ولأن الحدود إذا اجتمعت، وفيها قتل سقط ما سواه فالحد الواحد أولى([55]).
ومن خلال ما سقناه من أدلة علماء الحديث والفقه يتبين أن حد الزنا كان في الابتداء الحبس في البيوت للنساء، والتعيير والأذى باللسان، ثم جاءت مرحلة أخرى من مراحل التدرج في تشريع حد الزنا؛ وهي مرحلة الجمع بين الجلد والرجم للمحصن، ثم جاء التشريع بعد ذلك بالقول الفصل والخاتم، حين ذهب إلى أن البكر بالبكر جلد، والثيب بالثيب رجم، وإن كانت أحاديث الجمع بين الجلد والرجم للمحصن منسوخة بفعل الرجم وحده، فلا تعارض حينئذ بين أحاديث حد المحصن([56]).
أما من استدل بما روي عن الشعبي: «أن عليا جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلدها بكتاب الله، وأرجمها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم»([57])، وقال: إن ذلك موافق لحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث الجمع بين الجلد والرجم بشأن الزاني المحصن، ونفى ذلك القول بنسخ حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- - فيجاب عنه بالآتي:
إن قول جمهور العلماء بخلافه، فقد قال ابن حجر: قال الجمهور: إن حديث عبادة منسوخ، والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجمه ولم يذكر الجلد، قال الشافعي: فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر، وساقط عن الثيب"([58]).
وقد رجم عمر المرأة التي اعترفت بالزنا وهي محصنة ولم يجلدها، لذلك لا مناص من القول في حديث علي -رضي الله عنه- أن هذا اجتهاد خاص به لا يوافقه عليه جمهور الصحابة، ولا جمهور أهل العلم، ولعل أبرز الحجج التي تؤكد ذلك قول علي -رضي الله عنه-: «جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله»، فما الذي اضطره لهذا القول؟ إن لم نسلم بأن قوله -رضي الله عنه- كان جوابا لسؤال الصحابة، أو إن شئت قل لاستنكارهم عليه -رضي الله عنه- فعله من جمع الجلد والرجم على الزاني المحصن؟
روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي أن عليا -رضي الله عنه- قال لشراحة: «لعلك استكرهت، لعل زوجك أتاك، لعلك، قالت: لا، فلما وضعت جلدها، ثم رجمها فقيل له: لم جلدتها، ثم رجمتها؟ قال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم»([59]).
وفي رواية عن الشعبي أن عليا -رضي الله عنه- قال لشراحة: «لعلك استكرهت، لعل زوجك أتاك لعلك لعلك، قالت: لا، قال فلما وضعت ما في بطنها جلدها، ثم رجمها، فقيل له: جلدتها، ثم رجمتها؟! قال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»([60]).
كفي بهذين الحديثين الصحيحين دليلا على أن الجمع بين الجلد والرجم كان اجتهادا خاصا بعلي -رضي الله عنه- أنكره عليه الصحابة وسألوه عن علته، ومن المعلوم أن هذا الإنكار والسؤال إنما كان نتيجة لحكم مستقر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لدى أصحابه بشأن حد الزاني المحصن، وإلا فلم أنكروا، ولم سألوا؟!
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وأما قصة علي مع شراحة فرواها أحمد...... وأما قوله: - أي الإمام عبد الكريم بن محمد الرافعي - (فعن عمر خلافه)، يعني: أن عليا فعل ذلك مجتهدا"([61]).
قال الشعبي: قيل لعلي -رضي الله عنه- جمعت بين حدين؟! فأجاب بما ذكر([62]).
ومن الرواية السابقة يتبين لنا إنكار الصحابة لجمع علي رضي الله حدين على شراحة، وقد قلنا: إن هذا إنما كان اجتهادا منه -رضي الله عنه-، واستدللنا بالحديثين، وثنينا بقول الحافظ ابن حجر وفيهما كفاية، لكن نؤكد بمزيد من أقوال أهل العلم.
قال الأمير الصنعاني: "وفعل علي -عليه السلام- ظاهر أنه اجتهاد منه لقوله: «جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»([63]).
ويرد الإمام الطحاوي على من يحتج بما روي عن علي -رضي الله عنه- على السنة: بقوله: "إن كان قد روي عن علي -رضي الله عنه- ما ذكرنا، فإن غير علي -رضي الله عنه- من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد روى عنه في ذلك خلاف ما قد روى علي -رضي الله عنه-".
ثم يقول: "فهذا عمر -رضي الله عنه- بحضرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجلدها قبل رجمه إياه، فهذا خلاف لما فعل علي -رضي الله عنه- بشراحة، من جلده إياها قبل رجمها، فهذا أولى الفعلين عندنا"([64]).
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وأما فعل علي -رضي الله عنه- فهو اجتهاد منه فقد قال: «جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله»، والاجتهاد لا يمكن أن تعارض به السنة.
وعلى أية حال فما قاله علي -رضي الله عنه- على فرض صحته اجتهاد خاص به، والاجتهاد لا يمكن أن تعارض به سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله([65]).
سادسا. إن حد الزاني غير المحصن هو تغريب عام مع جلد مائة، وهذا هو مذهب الخلفاء الراشدين والأئمة من بعدهم، فكان دليلا على عدم نسخ التغريب:
إن تغريب الزاني غير المحصن ثابت عند أهل العلم جميعا، وجمهور الصحابة والتابعين، لا نسخ لهذا الحكم، والأحاديث على ذلك كثيرة ذكرناها في الوجه الأول من الشبهة فليراجعها من أراد.
يمكن الاستدلال على عدم نسخ هذا الحكم وهو التغريب بأن الخلفاء الراشدين قد غربوا الزاني بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يدل على بطلان الزعم القائل بالنسخ، ويقول الشوكاني في ذلك: "خطب عمر بن الخطاب على رءوس المنابر، وعمل به الخلفاء الراشدون، ولم ينكره أحد فكان إجماعا. وقد حكى القول بذلك "صاحب البحر" عن الخلفاء الأربعة وزيد بن علي والصادق، وابن أبي ليلى، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والإمام يحيى"([66]).
فإن كان هذا هو رأي هؤلاء الخلفاء والأئمة والعلماء بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكيف يكون منسوخا، وهل من الممكن أن لا يعلم النسخ مثل هؤلاء؟!
وقد ذهب بعض الناظرين في أحاديث الزنا، وأحكامه إلى أن أحاديث التغريب منسوخة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها...»([67])، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث لم يقل فلينفها، وهذا يعد دليلا على نسخ التغريب في حد الزنا؛ لأن التغريب إذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة؛ لأنها في معناها، وإذا انتفي عن الرجال، وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به.
إلى هذا ذهب القائلون بالنسخ لأحاديث التغريب في حد الزاني البكر، وهذا استدلال غاية أمره أنه لا يصح، ولا يثبت دليلا في حكم النسخ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث لم يذكر عدد الجلد كما لم يذكر النفي، فهل هذا يعد دليلا - أيضا - على نسخ عدد الجلد؟ فهذا أمر لا يصح ثبوته ولا يمكن القول به؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحال في هذا على ما سبقه من أقوال.
وفي هذا يقول الإمام ابن حزم: "وهذا من الباطل المحض؛ لأن هذا خبر مجمل أحال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على غيره، فلم يذكر نفيا، ولا عدد الجلد، فإن كان دليلا على إسقاط التغريب، فهو أيضا دليل على إسقاط عدد ما يجلد، وإن لم يكن دليلا على إسقاط عدد ما يجلد؛ لأنه لم يذكر فيه، فليس أيضا دليلا على نسخ النفي؛ أي: التغريب، وإن لم يذكر فيه، والأخبار يضم بعضها إلى بعض، وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله -صلى الله عليه وسلم- كلها حق، ولا يحل ترك بعضها لبعض، بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها"([68]).
وعلى هذا فإن الجمع بين الأحاديث ممكن ومتاح، فلا يجوز القول بالنسخ، وما يدرينا أن حديث الأمة متأخر عن أحاديث التغريب، وحتى لو سلمنا بهذا الأمر، فإن غاية ما يفيده معنى الحديث: أن التغريب ليس بواجب في حق الإماء فقط، ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها. وهذا ما يذكره الإمام الشوكاني في هذه الدعوى فيقول: "وغاية الأمر أنا لو سلمنا تأخر حديث الأمة عن أحاديث التغريب، كان معظم ما يستفاد منه: أن التغريب في حق الإماء ليس بواجب، ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها، أو يقال: إن حديث الأمة المذكور مخصص لعموم أحاديث التغريب مطلقا على ما هو الحق من أنه يبنى العام على الخاص تقدم أو تأخر أو قارن، ولكن ذلك التخصيص باعتبار عدم الوجوب في الخاص لا باعتبار عدم الثبوت مطلقا، فإن مجرد الترك لا يفيد مثل ذلك، وظاهر أحاديث التغريب أنه ثابت"([69]).
وعلى هذا فإن حديث الأمة الموجود لا يصح الاستدلال به على نسخ حكم التغريب في حد الزانيين البكرين؛ لأنه قاصر على حكم الإماء، وهو تخصيص من الحكم العام، فلا يمتد إلى غيره، وإن هذا التخصيص لا يخرج إلى نفي ثبوت حكم التغريب مطلقا، وإنما يقتصر على نفي وجوب التغريب في حق الإماء.
وعلى هذا: فإن القول بالنسخ في الأحاديث لا تسانده حجة، ولا يرتفع به دليل، وتبقى الأحاديث الصحيحة الثابتة أحق بالتطبيق.
إلا أننا نذكر في نهاية هذا الأمر: أن حكم التغريب في حد الزنا حكم ثابت مقطوع به في الشرع بالأدلة الصحيحة الصريحة، وهذا عموم في السنة، ويخرج من هذا العموم حكم الأمة، فإن التغريب ليس واجبا في حكمها.
أما حكم المرأة الحرة: فالراجح أنه لا تغريب عليها.
"قال مالك والأوزاعي لا تغريب على المرأة؛ لأنها عورة، وهو مروي عن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، وظاهرها أيضا: أنه لا فرق بين الحر والعبد وإليه ذهب الثوري، وداود، والطبري، والشافعي في قول له، والإمام يحيى، ويؤيده قوله عز وجل: )فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب( (النساء: ٢٥)"([70]).
وهذا ما أكده الإمام ابن قدامة حيث قال: "وقال مالك و الأوزاعي: يغرب الرجل دون المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة، ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم: لا يجوز التغريب بغير محرم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا معها ذو محرم» ([71])؛ ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتضييع لها، وإن غربت بمحرم أفضى الى تغريب من ليس بزان ونفي من لا ذنب له... وقول مالك - فيما يقع لي - أصح الأقوال وأعدلها، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم، والقياس على سائر الحدود لا يصح؛ لأنه يستوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها بخلاف هذا الحد"([72]).
ومن باب الإنصاف أن نذكر اختلاف أهل العلم في مسألة تغريب المرأة الزانية غير المحصنة، ونسوق فيما يلي جل أقوال أهل العلم وحججهم، ونؤكد صحة ما ذهبنا إليه من رأي المالكية بالأدلة الدامغة.
أولا: نرجع إلى قصة العسيف، وكانت في آخر العصر النبوي؛ حيث جاء الرجل وقص على النبي -صلى الله عليه وسلم- زنا ابنه بامرأة الرجل الذي يعمل عنده، وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
«سألت أهل العلم، فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت»([73]).
ثانيا: ما رواه عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خذوا عني خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة».
ثالثا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين قد غربوا، ولم نعلم لهم مخالفا، فكان إجماعا.
واعترض من نفى التغريب مطلقا بما يلي:
· قوله تعالى: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة((النور:٢).
فالمذكور في الآية الجلد فقط دون التغريب، فزيادة التغريب الوارد في الحديث زيادة على النص القرآني بخبر الواحد، فلا تثبت تلك الزيادة، وهذا غير صحيح؛ لأن خبر الواحد يجب العمل به طالما أنه صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
· قول عمر رضي الله عنه: «لا أغرب بعده مسلما»([74])، بعد أن نفي ربيعة بن أمية في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال: لا أغرب بعده.
ولو كان التغريب من الحد لم يحق لعمر أن يرجع عنه.
ويرد على ذلك بأن الحديث ضعيف، وعلى فرض صحته فإنه ربما لا يغرب أحدا في الخمر، الذي أصابت ربيعة الفتنة فيه.
· ما نقله صاحب البدائع عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "كفى بالنفي فتنة، فدل على أن فعلهم كان على طريق التعزير"([75]).
ونوقش بأنه لا يثبت لضعف رواته وإرساله.
· إن حديث عبادة محتمل لنسخ، وذلك ما ذكره السرخسي أثناء ذكره لتدرج حد الزنا، قال رحمه الله: "وقد كان الحكم في الابتداء الحبس في البيوت والتعيير والأذى باللسان، كما قال تعالى: )فأمسكوهن في البيوت( (النساء: ١٥) وقال: )فآذوهما( (النساء: ١٦).
ثم انتسخ بحديث عبادة بن الصامت، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».
وقد كان هذا قبل نزول سورة "النور"، بدليل قوله: «خذوا عني»، ولو كان بعد نزولها لقال: "خذوا عن الله تعالى"، ثم انتسخ ذلك بقوله تعالى: )فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة( (النور: ٢)، واستقر الحكم على الجلد في حق غير المحصن، والرجم في حق المحصن، ولكن ابن حجر قد رد هذه الدعوى بقوله:
"واحتج بعضهم بأن حديث عبادة الذي فيه النفي منسوخ بآية النور؛ لأن فيها الجلد بغير نفي، وتعقب بأنه يحتاج إلى ثبوت التاريخ، وبأن العكس أقرب، فإن آية الجلد مطلقة في حق كل زان، فخص منها في حديث عبادة، الثيب، ولا يلزم من خلو آية النور عن النفي، عدم مشروعيته، كما لم يلزم من خلوها من الرجم ذلك"([76]).
ومن الحجج القوية أن قصة العسيف كانت بعد آية النور؛ لأنها كانت في قصة الإفك، وهي متقدمة على قصة العسيف؛ لأن أبا هريرة حضرها، وإنما هاجر بعد قصة الإفك بزمان.
هذا وقد رد الشوكاني رأي الحنفية في هذه المسألة فقال:
"إن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية، فيما ورد من السنة زائدا على القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك"([77]). والذي نميل إليه هو ما رجحه ابن قدامة فقال: وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم"([78])([79]).
وهو ما نجزم به - أي: قول مالك - وهو أرجح الأقوال، ومما يؤكد ما سبق ما ذكره المستشار عبد القادر عودة تحت عنوان " تغريب المرأة" فقال:
"ويرى مالك أن التغريب جعل للرجل دون المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة، ولأن الأمر لا يخلو - إن غربت - أن تغرب ومعها محرم أو أن تغرب دون محرم، والأصل أنه لا يجوز أن تغرب دون محرم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها»([80])، ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور، وتضييع لها، وإن غربت بمحرم أفضى إلى تغريب من ليس بزان، ونفي من لا ذنب له، وإن كلفت بحمل أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد به الشرع، وبما لا يمكن أن يحدث مثله للرجل.
ولهذا يخصص المالكيون الخبر الوارد في التغريب، ويجعلونه في حق الرجل دون المرأة؛ إذ يلزم من العمل بعمومه مخالفة مفهومه، فإنه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه، ووجوب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك، وفضلا عما سبق فإن العمل بعموم النص يؤدي إلى فوات حكمته؛ لأن الحد وجب زجرا عن الزنا، وفي تغريبها إغراء به وتمكين منه([81]).
وبناء على ما سبق يتضح بجلاء صحة ما ذهبنا إليه من ثبوت التغريب في حق الرجال دون النساء، وهو أرجح الأقوال وأعدلها.
سابعا. الحكمة الإلهية من تحريم الزنا، وإقامة هذا الحد خاصة على الزناة:
كان الدين القيم، وما زال وسيظل، مدرسة خلقية وتربية نفسية، تملي على صاحبها الفضائل الخلقية، من صرامة إرادة، وقوة نفس، ومحاسبتها والإنصاف منها، وهو أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق، وعلم النفس عن الزلات الخلقية، والسقطات البشرية، حتى إذا جمحت السورة([82]) البهيمية في حين من الأحيان، وسقط الإنسان سقطة، وكان حيث لا تراقبه عين، ولا تتناوله يد القانون، تحول هذا الإيمان نفسا لوامة عنيفة، ووخزا لاذعا للضمير، وخيالا مروعا، لا يرتاح معه صاحبه، حتى يعترف بذنبه أمام القانون، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة، ويتحملها مطمئنا مرتاحا منقادا؛ تفاديا من سخط الله، وعقوبة الآخرة([83]).
وقد كان حد الزنا الذي فرضه الله على عباده كذلك، فهو الرادع لهذه الشهوة الجامحة، وكان حدوث مثل هذه الحوادث التي وقعت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقام على أصحابها الحدود لحكمة إلهية، وهي تنفيذ الحدود وتأكيدها كما أنزلها الله -عز وجل-، فلو لم تحصل أمثال هذه الحوادث لأصبحت الحدود الشرعية التي فرضها الله وأوجبها على عباده أخبارا تروى، وحكايات تذكر، وقد أراد الله -عز وجل- أن تبقى شريعة خاتم المرسلين شريعة كاملة خالدة في جميع العصور، وقانونا نافذا على جميع الأمم، فحصل ما حصل؛ ليتم التشريع، ويكمل الدين، بتنفيذ الحدود عليهم، فانظر إلى هذه النفوس التي لم تتحمل عظم الذنب، فاعترفت تريد الطهارة منه؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة([84])!!
يقول الدكتور عبد القادرعودة لمن يرد حد الرجم بحجة أنه وحشية وتقييد للنفس الإنسانية: إن البعض يستكثر عقوبة الرجم على الزاني المحصن، وهو قول يقولونه بأفواههم ولا تؤمن به قلوبهم، ولو أن أحد هؤلاء وجد امرأته أو ابنته تزني واستطاع أن يقتلها، ومن يزني بها لما تأخر عن ذلك. والشريعة الإسلامية قد سارت في هذه المسألة كما سارت في كل أحكامها على أدق المقاييس وأعدلها، فالزاني المحصن هو قبل كل شيء مثل سيء لغيره من الرجال والنساء المحصنين، وليس للمثل السيء في الشريعة حق البقاء، والشريعة بعد ذلك تقوم على الفضيلة المطلقة، وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وهي توجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال وهو الزواج، وأوجبت عليه إذا بلغ الباءة أن يتزوج حتى لا يعرض نفسه للفتنة أو يحملها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبت على عقله وعزيمته الشهوات - فعقابه أن يجلد مائة جلدة، وشفيعه في هذه العقوبة الخفيفة تأخيره في الزواج الذي أدى به إلى الجريمة.
أما إذا تزوج فأحصن فقد حرصت الشريعة أن لا تجعل له بعد الإحصان سبيلا إلى الجريمة، فلم تجعل الزواج أبديا حتى لا يقع في الخطيئة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، وأباحت للزوجة أن تجعل العصمة في يدها وقت الزواج، كما أباحت لها أن تطلب الطلاق للغيبة والمرض والضرر والإعسار، وأباحت للزوج الطلاق في كل وقت، وأحلت له أن يتزوج أكثر من واحدة، على أن يعدل بينهن، وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام، فكان عدلا وقد انقطعت الأسباب التي تدعو للجريمة من ناحية العقل والطبع أن تنقطع المعاذير التي تدعو إلى تخفيف العقاب، وأن يؤخذ المحصن بالعقوبة التي لا يصلح غيرها لمن استعصى على الإصلاح.
ولو أن هؤلاء الذين يجزعون من قتل الزاني رجعوا إلى الواقع لاستقام لهم الأمر؛ إذ إن الناس لم يرضوا القانون الوضعي بالحبس للزاني ولن يرضوه، وإنما أقبلوا على عقوبة الشريعة المعطلة مختارين، فهم يقتصون من الزاني محصنا وغير محصن بالقتل، وهم ينفذون القتل بوسائل لا يبلغ الرجم بعض ما يصحبها من العذاب، فهم يغرقون الزاني ويحرقونه، ويقطعون أوصاله، ويهشمون عظامه ويمثلون به أشنع تمثيل، وأقلهم جرأة على القتل يكتفي بالسم يدسه لمن أوجب عليه الموت زناه، ولو أحصينا جرائم القتل التي تقع بسبب الزنا لبلغت نصف جرائم القتل جميعا، فإذا كان هذا هو الواقع، فما الذي نخشاه من عقوبة الرجم([85])؟!
إن شريعة الإسلام في عقوبة الزاني هي الحل إذن، فهي الرادع لمن تسول له نفسه ذلك دون إسراف في البشاعة كطرق القتل الأخرى، لذلك، فحل الإسلام هو الحل، وقد كتبت الصحف اليومية عما تعتزمه الحكومة من إصدار قانون يحكم على الزاني بالإعدام علانية أمام الناس؛ ليكون رادعا لغيره، وذلك بعد كثرة التحرشات الجنسية في الشوارع العامة، فدل ذلك على أن الحل الوحيد هو الرجوع لشريعة ربنا، والعمل بما وضعه الله لنا، فهو الأعلم بالنفوس البشرية، وما يصلحها وما يفسدها.
لذلك فمن عدل عن شرع الله في الرجم فقد عمل على إفساد البشر، بانتشار الفساد، و شيوع الفواحش، واختلاط الأنساب وكثرة البغاء، وإن تحقق ذلك فلا أمن في الحياة ولا استمتاع بها.
نخلص من كل هذا إلى أن الرجم الذي فرضه الله على الزاني المحصن، والجلد لغير المحصن هو الحل الصحيح لوقف هذه الجريمة البشعة، وهو الرادع لمن تسول له نفسه ذلك، وهذا ما أثبتته الوقائع اليومية، والخالق أدرى بما يصلح عباده وما ينفعهم.
الخلاصة:
· إن حد الزاني المحصن هو الرجم بالحجارة حتى الموت، والزاني غير المحصن الجلد مائة مع تغريب عام، وهذا هو الثابت الصحيح بإجماع الأمة.
· إن رد حدي الرجم والتغريب؛ لأنهما لم يذكرا في القرآن الكريم قول باطل، إذ إن السنة وحي كالقرآن، والأدلة على ذلك كثيرة، فحدا الرجم والتغريب من وحي الله تعالى، بالإضافة إلى أن قوله تعالى: )أو يجعل الله لهن سبيلا( (النساء)، دليل على أن الرجم من كتاب الله؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال بوجوب الرجم قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا»، فكان هذا السبيل هو الذي أشار إليه القرآن.
· لا تعارض بين حد الرجم وبين قوله تعالى: )واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا( (النساء)، وذلك لأن إمساك النساء الزانيات في البيوت كان في بداية الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك بحد الرجم، أما قوله تعالى: )واللذان يأتيانها منكم فآذوهما( (النساء: ١٦)، فهو غير منسوخ، بل هو باق مع الجلد والرجم، وهذا من التدرج في الأحكام.
· القول بأن قوله تعالى: )فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب( (النساء: ٢٥)، يرد حد الرجم؛ لأن الرجم لا يقبل التنصيف - قول مردود؛ لأن المقصود بالمحصنات هنا ليس المتزوجات وإنما الحرائر غير المتزوجات، وحدهن الجلد، وهو يقبل التنصيف؛ لذلك فلا تعارض.
· إن آية: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" منسوخة لفظا باقية حكما؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- طبق الحكم الذي تضمنته الآية حتى آخر حياته، فدل ذلك على أنه باق غير منسوخ، وما حدث في حد الرجم يعد دليلا على عدم نسخ الحكم.
· الحكمة من رفع التلاوة - لآية الشيخ والشيخة - مع بقاء الحكم هي التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا؛ لأنه أثقل الأحكام وأشدها، وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلى ندب الستر.
· إن القول بأن الرجم كان في بداية الإسلام فقط؛ لأن المنافقين كانوا يسطون على زوجات المجاهدين في أثناء خروجهم للجهاد - قول لا يقبله عاقل؛ إذ إن الجهاد ظل قائما حتى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته أيضا، وكذلك كان الرجم للزناة طوال حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس في بداية الإسلام فقط، وكذلك رجم الخلفاء الراشدون من بعده، وأكد عمر -رضي الله عنه- تأكيدا صارما على وجوب ذلك.
· كان حد الزاني على المحصن هو الجلد والرجم معا؛ كما صرحت الأحاديث الصحيحة في صحيح مسلم، ثم نسخت بعد ذلك ببقاء حد الرجم وحده دون الجلد، وهذا قول جماهير العلماء، الذين احتجوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رجم ماعز والغامدية ولم يجلدهما، وقال لأنيس: «اغد، فإن اعترفت فارجمها»، ولم يقل فاجلدها، بالإضافة إلى أنه إذا اجتمع حدان فيهما القتل سقط ما سواه من حدود.
· إن قال قائل: إن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد جلد المرأة المحصنة الزانية، ثم رجمها، وهذا دليل على عدم نسخ أحاديث الجمع بين الجلد والرجم - يرد عليه بأن ذلك مجرد اجتهاد منه، عارضه فيه من حضره من الصحابة، دل على ذلك قوله ردا عليهم: «جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، والاجتهاد لا يمكن أن تعارض به سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله.
· إن حد الزاني غير المحصن هو الجلد مائة جلدة مع تغريب عام للحر الذكر دون الأمة، فإنه غير واجب في حقها، أما المرأة الحرة فإن التغريب في حقها مختلف فيه بين أهل العلم، والراجح عدمه.
· القول بنسخ حد التغريب عموما بحديث: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها» - قول مردود؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحال في هذا على الأحاديث السابقة التي نصت على التغريب، وإلا فهو أيضا دليل على إسقاط عدد ما يجلد، وهذا باطل، وغاية الأمر من الحديث أن التغريب ليس بواجب في حق الإماء دون غيرهن، وليس نسخا للحكم.
· إن شريعة الإسلام الحنيف في عقوبة الزاني هي الحل الأسلم، فهي الرادع لمن تسول له نفسه ذلك، فالنفس الإنسانية أمارة بالسوء لا يردعها إلا العقاب، وهذا العقاب لا يعد إسرافا في البشاعة كغيره من الطرق الأخرى للقتل.
· إن إحصاء جرائم القتل في العالم، يثبت أن نصف هذه الجرائم غالبا بسبب الزنا؛ تخلصا من العار الذي يلحقه هذا الفعل، فلماذا التشنيع على الإسلام بفرضه القتل على الزناة، وقد ارتضاه البشر ورأوه الحل لذلك؟!
· إن كثرة وقوع التحرشات الجنسية في الشوارع العامة كان بسبب عدم وجود رادع قوي لمن يقومون بها، وهذا ما جعل المسئولين وأصحاب القانون يعتزمون سن قانون جديد يوقف هذا الفساد، فكان اقتراح الإعدام علانية أمام الناس؛ ليكون عبرة وعظة لمن يفكر في ذلك، وهم بذلك قد رجعوا إلى فطرة الله وشرعه الحكيم.
· إن الله سبحانه هو أعلم بحال البشر جميعا ووسائل إصلاحهم، وتطبيق شرعه وحدوده هو صك الأمان والعدالة والسعادة لأي مجتمع.
(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م. الناسخ والمنسوخ في الأحاديث، أبو حامد الرازي، تحقيق: أبو يعقوب المصري، دار الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 2004م. دور السنة في إعادة بناء الأمة، جواد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م. الإسلام وصياح الديك، جواد موسى عفانة، دار عفانة للنشر، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م. عقوبتا الزنا والمرتد، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1426هـ/ 2005م. شبهات حول أحاديث الرجم وردها، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، 1415هـ/ 1994م.
[1]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (12/ 159).
[2]. وانظر: الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ـ الكويت، 1410هـ/ 1989م، (24/ 18) بتصرف.
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: رجم المحصن، (12/ 119)، رقم (6814).
[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، (6/ 2636، 2637)، رقم (4351).
[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: رجم الثيب في الزنا، (6/ 2630)، رقم (4339).
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: البكران يجلدان وينفيان، (12/ 162)، رقم (6831).
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: البكران يجلدان وينفيان، (12/ 162)، رقم (6832).
[8]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، (6/ 2629)، رقم (4335).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، (6/ 2630)، رقم (4337).
[10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/2631).
[11]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 2563).
[12]. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، (18/ 78).
[13]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 310).
[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزاني، (6/ 2629)، رقم (4335).
[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 85). بتصرف.
[16]. إكمال المعلم، (4/ 447)، نقلا عن: شبهات حول أحاديث الرجم وردها، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، 1415هـ/ 1994م، ص21.
[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزاني، (6/2629)، رقم (4335).
[18]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط2، (6/ 436).
[19]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (18/ 149)، بتصرف.
[20]. انظر: الاعتصام، الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (2/ 315، 316).
[21]. عقوبتا الزنا والمرتد في ضوء القرآن والسنة، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص84.
[22]. تفسير الشعراوي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، د. ت، (4/ 2126).
[23]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 145).
[24]. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (حصن).
[25]. انظر: شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2645).
[26]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 142).
[27]. الاعتصام، الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (2/ 315).
[28]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2646) بتصرف.
[29]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 142) بتصرف.
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور، (13/197)، رقم (7193، 7194).
[31]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 142).
[32]. انظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، تحقيق: د. محمد متولي منصور، دار التراث، القاهرة، ط1، 1428هـ / 2007م، (3/ 78).
[33]. الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، تحقيق: د. محمد متولي منصور، دار التراث، القاهرة، ط1، 1428هـ / 2007م، (3/ 84).
[34]. أخرجه البخاري في صحيحه (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: الشهادة تكون عند الحاكم، (13/ 168) معلقا.
[35]. حسن: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الحدود، باب: الزنا وحده، (10/ 273)، رقم (4428). وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.
[36]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: لعن السارق إذا لم يسم، (12/ 83)، رقم (6783).
[37]. البرهان في علوم القرآن، الزركشي، د. محمد متولي منصور، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/ 34، 35) بتصرف.
[38]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، (12/ 148)، رقم (6830). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: رجم الثيب من الزنا، (6/ 2630)، رقم (4339).
[39]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م،6/ 2633).
[40]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2633).
[41]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب، (10/ 116)، رقم (3929). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3682).
[42]. شبهات حول أحاديث الرجم وردها، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، 1415هـ/ 1994م، ص35.
[43]. عسيفا: أجيرا.
[44]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه، (12/ 166)، رقم (6835، 6836). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، (6/2638)، رقم (4355).
[45]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 123).
[46]. أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في الرجم، ص321، رقم (1511).
[47]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: رجم المحصن، (12/ 119)، رقم (6812).
[48]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، (6/ 2630)، رقم (4335).
[49]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، (6/ 2630)، رقم (4338).
[50]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2632).
[51]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م،(12/ 121،122).
[52]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، (6/2638)، رقم (4355).
[53]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2632).
[54]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 122).
[55]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 313، 314).
[56]. انظر: تفسير الشعراوي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، د. ت، (4/ 2055: 2064).
[57] . صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، (2/150)، رقم (839). وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
[58]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/122).
[59]. صحيح: أخرجه أحمد مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، (2/331)، رقم (1316). وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
[60]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، (2/282)، رقم (1190). وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
[61]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي عاصم حسن بن عباس، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 2006م، (4/ 103).
[62]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (7/ 125).
[63]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (7/ 126).
[64]. شرح معاني الآثار، الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1416هـ/ 1996م، (3/ 140، 141).
[65]. راجع: لقاء الباب المفتوح، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والكتاب عبارة عن مجموعة لقاءات كان يعقدها الشيخ بمنزله كل خميس، مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، http: / / www. islamwebvbnh. Net، (37/ 19).
[66]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3563).
[67]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى، (12/ 171)، رقم (6839). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، (6/ 2649)، رقم (4365).
[68]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (11/ 233).
[69]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3563، 3564).
[70]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3564).
[71]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، (5/ 2091)، رقم (3202).
[72]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 322، 324)
[73] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه، (12/166)، رقم (6835، 6836). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، (6/2638)، رقم (4355).
[74]. ضعيف: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: الأشربة، باب: تغريب شارب الخمر، (3/ 231)، رقم (5186). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (5676).
[75]. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1394هـ/1974م، (7/39).
[76]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 165).
[77]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/3563).
[78]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/324).
[79]. مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، http: / / www. alifta. com (27/ 319) وما بعدها.
[80]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة؟، (2/ 659)، رقم (1088). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج، (5/ 2092)، رقم (3210).
[81]. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1406هـ/ 1986م، (2/ 380، 381).
[82]. السورة: شدة الشهوة واندفاعها.
[83]. شبهات حول أحاديث الرجم وردها، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، 1415هـ/ 1994م، ص27.
[84]. شبهات حول أحاديث الرجم وردها، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، 1415هـ/ 1994م، ص28 بتصرف.
[85]. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1406هـ/ 1986م، (1/ 641، 642) بتصرف.
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat
read here
website why women cheat on men