دعوى نسخ أحاديث النهي عن ثمن الكلب(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب وحرمة بيعه منسوخة. والتي منها ما جاء في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن».
واستدلوا على دعوى النسخ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- استثنى من النهي عن اقتناء الكلاب كلب الصيد، وما يباح في كلب الصيد يباح في غيره، وأن الكلب مال، وفيه منفعة فيحل بيعه، كما استدلوا بأن النهي عن بيعه كان زمن الأمر بقتله، فلما نسخ قتل الكلاب نسخ معه النهي عن بيعه.
مما يتأتى من وراء هذا الزعم تعطيل النصوص الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فضلا عن إثارة الشكوك حولها.
وجها إبطال الشبهة:
1) أحاديث النهي عن ثمن الكلب وبيعه صحيحة ثابتة ليس فيها استثناء، والصحيح من الأحاديث لا يعارض بالضعيف، كما أن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وفرق كبير بين الاستثناء في اقتناء الكلاب وبين الاستثناء في بيعها.
2) قياس بيع الكلاب على الأموال لما فيها من منافع قياس فاسد الاعتبار، وتعليق النهي عن بيع الكلاب بالنهي عن قتلها مستغرب لا دليل عليه، والقاعدة أنه لا اجتهاد مع وجود نص، والنص على التحريم فلا يندفع بالاحتمال، أو القياس الفاسد.
التفصيل:
أولا. الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب صحيحة ثابتة غير منسوخة، ولا تعارض بالأحاديث الضعيفة في ذلك:
لقد جاءت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في النهي عن ثمن الكلب وحرمة بيعه صريحة واضحة لا استثناء فيها ولا تأويل، وجاءت الأحاديث عنه - صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب صحيحة في أعلى درجات الصحة، ثابتة غير منسوخة، وما جاء مخالفا لهذا النهي أو مقيدا له فهي أحاديث ضعيفة لا تقوى على معارضة تلك الأحاديث الصحيحة.
فقد جاء في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن([1])» ([2]).
وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه- قال: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وثمن الحجام»([3]).
كما روى - أيضا - من حديث أبي الزبير قال: «سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور([4])؟ قال: زجر النبي - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك»([5]). إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتب السنن عن هذا الأمر.
فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على النهي الصريح عن بيع الكلب وأخذ ثمنه. وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم والفقهاء؛ فقد علق الإمام النووي على هذه الأحاديث بقوله: "وأما النهي عن ثمن الكلب، وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا، فيدل على تحريم بيعه، وأنه لا يصح بيعه، ولا يحل ثمنه، ولا قيمة على متلفه، سواء كان معلما أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء منهم: أبو هريرة، والحسن البصري، وربيعة، والأوزاعي، والحكم، وحماد، والشافعي، وأحمد، وداود، وابن المنذر، وغيرهم"([6]).
وقال الإمام ابن قدامة: "لا يختلف المذهب - أي مذهب الإمام أحمد - في أن بيع الكلب باطل، أي كلب كان، وبه قال الحسن، وربيعة، وحماد، والأوزاعي، والشافعي، وداود، وكره أبو هريرة ثمن الكلب"([7]).
وذكر ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: "وظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عام في كل كلب معلما كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه، وبذلك قال الجمهور"([8]).
وقد ذكر الإمام ابن القيم هذه الأحاديث، وعلق عليها بقوله: "فتضمنت هذه السنن أربعة أمور: أحدها: تحريم بيع الكلب، وذلك يتناول كل كلب صغيرا كان أو كبيرا، للصيد، أو للماشية، أو للحرث، وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث قاطبة"([9]).
وعلى هذا يتضح أن الثابت عند أهل العلم وجمهور الفقهاء أن الكلب لا يجوز بيعه ولا أخذ ثمنه، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو غيره، فلا يصح بيعه، ولا يحل ثمنه. هذا هو الراجح عند أهل العلم جميعا ولم يذكروا ناسخا لهذه الأحاديث، ولا مجوزا لهذا الحكم.
أما إذا احتاج الإنسان إلى كلب يجوز اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والزرع ولم يجد ذلك إلا بالشراء - جاز له شراؤه طالما الحاجة ملحة إليه، والإثم على من باعه وقبض ثمنه؛ لأنه كان يجب عليه أن يعطيه إياه إن كان فائضا عن حاجته، يقول ابن حزم: "ولا يحل بيع كلب أصلا؛ لا كلب صيد، ولا كلب ماشية، ولا غيرهما، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم، وفداء الأسير، ومصانعة الظلم ولا فرق"([10]).
ولا شك أن هناك خلافا واضحا بين اقتناء الكلب وبيعه، فإذا جاز اقتناء الكلب لضرورة معينة، فلا يلزم من هنا جواز بيع الكلب، فلقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن اقتناء الكلاب، إلا كلب الصيد والماشية والزرع، فأذن في اقتنائها لتحقق الحاجة إليها.
فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية، أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان»([11]).
كما جاء عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:«من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية، أو كلب صيد، نقص من عمله كل يوم قيراط»([12]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد، ولا ماشية، ولا أرض، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم»([13]).
فهذه الأحاديث تدل بوضوح على أن اقتناء الكلاب لا يجوز، وإنما يستثنى من ذلك كلب الصيد والماشية والزرع، فهذه الأنواع تخرج من عموم النهي عن اقتناء الكلاب؛ وذلك لما في هذه الأنواع من النفع مع الحاجة إليها.
ولكن المسألة الآن: هل الاستثناء من النهي عن اقتناء الكلاب متمثلة في كلب الصيد والماشية والزرع يعد استثناء من النهي عن بيعها، وهل هناك نصوص دلت على جواز بيع أي نوع من الكلاب؟ هذا ما نفصله فيما يأتي:
لقد دلت الأحاديث الصحيحة السابقة على أن كلب الصيد والماشية والزرع مستثنى من النهي عن اقتناء الكلاب، إذ يجوز اقتناؤه لهذه المنافع الواردة، ولا يجوز اقتناء غيرها، ولا يلزم من هذا الاستثناء جواز بيعه وأخذ ثمنه؛ فالاقتناء شيء، والبيع شيء آخر.
أما المجوزون لبيع الكلب وأخذ ثمنه - خاصة الكلب المستثنى في اقتنائه، فقد استدلوا ببعض الروايات التي تدل على جواز بيع كلب الصيد خاصة، ومنها ما روي عن حماد بن أبي سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن السنور والكلب، إلا كلب الصيد»([14])، وبما جاء عن يحيى بن أيوب، عن المثنى بن الصباح، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «ثمن الكلب سحت إلا كلب صيد»([15])، وبما جاء من طريق ابن وهب، عمن أخبره، عن ابن شهاب، عن أبي بكر - رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من سحت، حلوان الكاهن، ومهر الزانية، وثمن الكلب العقور»([16])، وبما جاء من طريق ابن وهب، عن الشمر بن نمير، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب العقور»([17]) ومن أدلتهم على صحة هذا الاستثناء - أيضا - "أن جابر أحد من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- النهي عن ثمن الكلب، وقد رخص جابر نفسه في ثمن كلب الصيد، وقول الصحابي صالح لتخصيص عموم الحديث عند من جعله حجة، فكيف إذا كان معه النص باستثنائه والقياس؟ وأيضا؛ لأنه يباح الانتفاع به، ويصح نقل اليد فيه بالميراث والوصية والهبة، وتجوز إعارته وإجارته... فجاز بيعه كالبغل والحمار"([18]).
والجواب عن هذه الأدلة سهل ميسور، وهو كالآتي:
إن الأحاديث التي استدل بها المجوزون لبيع الكلب كلها أحاديث ضعيفة واهية لا تصلح دليلا على قولهم، ولا تقوى لمعارضة الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
فقد ذكر الإمام ابن حزم هذه الأحاديث وبين ضعفها وسقوطها، وكذلك فعل الإمام ابن القيم، وأكدا على أنها لا تصلح للدلالة على جواز بيع الكلب وأخذ ثمنه.
فقال الإمام ابن حزم: "أما حديثا ابن وهب هذان - يقصد الحديث الذي روي عن أبي بكر الصديق والحديث الذي روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - فأسقط من أن يشتغل بهما إلا جاهل بالحديث، أو مكابر يعلم الحق فيوليه ظهره؛ لأن حسين بن عبد الله - أحد رواة حديث أبي بكر الصديق - في غاية السقوط والاطراح باتفاق أهل النقل، والآخر منقطع في موضعين، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما حجة؛ لأنه ليس فيهما إلا النهي عن ثمن الكلب العقور فقط، وهذا حق وليس فيه إباحة ثمن ما سواه من الكلاب، وجاءت الآثار المتواترة التي قدمنا بزيادة على هذين لا يحل تركها، وأما حديث أبي هريرة ففي غاية السقوط؛ لأن فيه يحيى بن أيوب، والمثنى بن الصباح، وهما ضعيفان جدا، قد شهد مالك على يحيى بن أيوب بالكذب وجرحه أحمد، وأما المثنى فجرحه بضعف الحديث أحمد وتركه يحيى، وعبد الرحمن... وأما حديث جابر فإنه من رواية أبي الزبير عنه، ولم يسمعه منه بإقرار أبي الزبير على نفسه... فكل حديث لم يقل فيه أبو الزبير: إنه سمعه من جابر أو حدثه به جابر، أو لم يروه الليث عنه عن جابر فلم يسمعه من جابر بإقراره، وهذا الحديث لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر ولا هو مما عند الليث فصح أنه لم يسمعه من جابر فحصل منقطعا"([19]).
وقال الإمام ابن القيم عند تضعيفه لهذه الأحاديث: "إنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- استثناء كلب الصيد بوجه... قال البيهقي: روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- النهي عن ثمن الكلب جماعة، منهم: ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، ورافع بن خديج، وأبو جحيفة، اللفظ مختلف، والمعنى واحد، والحديث الذي روي في استثناء كلب الصيد لا يصح، وكأن من رواه أراد حديث النهي عن اقتنائه، فشبه عليه، والله أعلم.
أما حديث حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، فهو الذي ضعفه الإمام أحمد - رحمه الله - بالحسن بن أبي جعفر... وهو الذي قال فيه الدارقطني: الصواب أنه موقوف، وقد أعله ابن حزم، بأن أبا الزبير لم يصرح فيه بالسماع من جابر، وهو مدلس، وليس من رواية الليث عنه، وأعله البيهقي بأن أحد رواته وهم من استثناء كلب الصيد مما نهي عن اقتنائه من الكلاب، فنقله إلى البيع... وأما حديث المثنى بن الصباح عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه- فباطل؛ لأن فيه يحيى بن أيوب، وقد شهد مالك عليه بالكذب، وجرحه الإمام أحمد، وفيه المثنى بن الصباح، وضعفه عندهم مشهور، وأما الأثر عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- فلا يدرى من أخبر ابن وهب عن ابن شهاب، ولا من أخبر ابن شهاب عن الصديق - رضي الله عنه- ومثل هذا لا يحتج به.
وأما الأثر عن علي رضي الله عنه: ففيه ابن ضميرة في غاية الضعف.
ومثل هذه الآثار الساقطة المعلولة لا تقدم على الآثار التي رواها الأئمة الثقات الأثبات، حتى قال بعض الحفاظ: إن نقلها نقل تواتر، وقد ظهر أنه لم يصح عن صحابي خلافها ألبتة، بل هذا جابر، وأبو هريرة، وابن عباس يقولون: ثمن الكلب خبيث"([20]).
ومن هذا يتبين أن هذه الأحاديث التي استدلوا بها على ثبوت دعواهم - كلها ضعيفة لا تقوى على الاحتجاج بها، والصحيح من الأحاديث لا يعارض بالضعيف الواهي، وفرق كبير بين الاستثناء في اقتناء الكلب، وبين الاستثناء في بيعه؛ فالأول ثابت صحيح، والثاني ضعيف واه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا. إعمال القياس مع النص فاسد الاعتبار، ونهي النبي - صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب يقتضي الفساد:
استدل القائلون بجواز بيع الكلب مطلقا، بأن الكلب مال، والمال عندهم كل شيء فيه منفعة، فيقولون: الكلب كسائر الأموال فيه منفعة الصيد والحراسة، فلما كانت هذه المنفعة موجودة فيه، وهي مقصودة شرعا، فإنه يجوز أن تبيعه وتأخذ القيمة لقاء هذا الشيء الذي فيه من المنافع ما ذكرنا. وهذا دليل عقلي.
والجواب: إننا لا نسلم بصحة هذا الدليل العقلي؛ لأن الكلب ليس بمال من كل وجه، وإنما هو مال في أشياء معينة، مخصوصة جاءت على سبيل الرخصة، فلا يجوز التوسع فيها؛ لأنك إذا قلت: إنه جاز للصيد وجاز للحرث والماشية، وقلت: يجوز بيعه لأن فيه هذه المنافع؛ فمعنى ذلك أنه جاز للصيد والحرث والماشية والبيع، فتزيد على استثناء الشرع، والشرع إنما استثنى ثلاثة أحوال فقط.
فمعنى ذلك أنه أصبح هناك منفعة رابعة، وهي منفعة البيع، فلا نسلم لكم أن فيه منفعة من كل وجه.
ففي الكلب منفعة مخصوصة مرخص فيها ينبغي التقيد بها؛ لأن ما جاء على خلاف الأصل ينبغي أن يتقيد بالنص الوارد، فالأصل عدم اتخاذ الكلب، وتقيد بهذه الأحوال الثلاثة، فيجوز لمن يريد اتخاذه أن يتخذه على هذه الأحوال المعينة فقط دون زيادة([21]).
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهذا يعتبر قياسا فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس معارض للنص. كما هو مقرر في كتب أصول الفقه، يقول الآمدي: "ومعناه - أي فساد الاعتبار - أن ما ذكرته من القياس لا يمكن اعتباره في بناء الحكم عليه، لا لفساد في وضع القياس وتركيبه، وذلك كما إذا كان القياس مخالفا للنص، فهو فاسد الاعتبار، لعدم صحة الاحتجاج به مع النص المخالف له"([22]).
ومنه يتبين أن القياس الذي استخدمه القائلون بجواز بيع الكلب، وإن كان قياسا مكتمل الأركان إلا أنه معارض للنص، والإجماع الذي عليه الصحابة، وهو ما يسمى بفساد الاعتبار، أي أنه لا يستقيم قياس يعارض نصا ثابتا، والقاعدة أنه لا اجتهاد مع وجود نص.
"وأما قياس الكلب على البغل والحمار، فمن أفسد القياس، بل قياسه على الخنزير أصح من قياسه عليهما؛ لأن الشبه الذي بينه وبين الخنزير أقرب من الشبه الذي بينه وبين البغل والحمار، ولو تعارض القياسان لكان القياس المؤيد بالنص الموافق له - أصح وأولى من القياس المخالف له.
فإن قيل: كان النهي عن ثمنها حين كان الأمر بقتلها، فلما حرم قتلها، وأبيح اتخاذ بعضها، نسخ النهي فنسخ تحريم البيع.
قيل: هذه دعوى باطلة ليس مع مدعيها لصحتها دليل، ولا شبهة، وليس في الأثر ما يدل على صحة هذه الدعوى ألبتة بوجه من الوجوه.
ويدل على بطلانها: أن أحاديث تحريم بيعها، وأكل ثمنها مطلقة عامة كلها.
أما أحاديث الأمر بقتلها، والنهي عن اقتنائها نوعان: نوع كذلك (عام) وهو المتقدم، ونوع مقيد مخصص وهو المتأخر، فلو كان النهي عن بيعها مقيدا مخصوصا لجاءت به الآثار كذلك، فلما جاءت عامة مطلقة، علم أن عمومها وإطلاقها مراد، فلا يجوز إبطاله"([23]).
فتبين من خلال ما سبق أن النص لا يعارض بالقياس، وإنما يعارض بنص مثله - إن وجد - وإلا فالقياس مدفوع، فاسد الاعتبار. ودعوى النسخ مدفوعة، لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وعلى هذا يثبت لدينا أن بيع الكلب لا يجوز بحال من الأحوال لدلالة الأحاديث الصحيحة المتواترة على هذا، وهي أحاديث ثابتة غير منسوخة، أما ما جاء في غير هذا من جواز بيع كلب الصيد وغيره فهي أحاديث ضعيفة لا تثبت، ولا يصح الاحتجاج بها.
الخلاصة:
· الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب صحيحة، وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها استثناء، بل هي على عموم النهي، أما إذا احتاج الإنسان إلى كلب يجوز اقتناؤه، ولم يجده إلا بالشراء جاز له الشراء، والإثم على البائع؛ إذ لا يجوز له بيعه، وإنما يعطيه لمن احتاجه طالما أنه فائض عن حاجته.
· هناك فرق بين الإذن في اتخاذ كلاب الصيد والحرث والماشية، وبين بيع هذه الأنواع؛ فاقتناء كلاب الصيد والحرث والماشية مأذون فيه، أما بيع هذه الأنواع فالأحاديث الواردة فيها كلها ضعيفة، وواهية، ولا تصلح للاحتجاج.
· قياس الكلاب على الأموال لما فيها من منافع قياس فاسد؛ لأنه يعارض النص، وإذا تعارض القياس مع النص يسميه الأصوليون فاسد الاعتبار: أي أنه غير معتبر, وكذلك قياسه على الحمار والبغل يدخل في هذا المعنى.
· الادعاء بأن النهي عن بيع الكلاب نسخ بنسخ إيجاب قتل الكلاب متهافت لا يستند إلى أي دليل، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال.
(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م.
[1]. حلوان الكاهن: ما يعطاه الكاهن على كهانته
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: البيوع، باب: ثمن الكلب، (4/ 497)، رقم (2237). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي...، (6/ 2444)، رقم (3933).
[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي...، (6/ 2444)، رقم (3935).
[4]. السنور: القط.
[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي...، (6/ 2445)، رقم (3939).
[6]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (6/ 2446).
[7]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (6/ 352).
[8]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (4/ 497، 498).
[9]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (5/ 767).
[10]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (9/ 9).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية، (9/ 523)، رقم (5480). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك، (6/ 2448)، رقم (3947).
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب...، (6/ 2449)، رقم (3951).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساقاة، باب: الأمر بقتل الكلاب...، (6/ 2450)، رقم (3954).
[14]. ضعيف: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الرخصة في ثمن كلب الصيد، (3/ 151)، رقم (4806). وضعفه ابن حزم في المحلى، (9/ 10، 11)، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد، (5/ 769).
[15]. ضعيف: ذكره ابن حزم في المحلى، (9/ 10، 11). وضعفه ابن حزم، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد، (5/ 769).
[16]. ضعيف: ذكره ابن حزم في المحلى، (9/ 11). وضعفه ابن حزم، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد، (5/ 769)، وقال: فيه جهالة وانقطاع.
[17]. ضعيف: ذكره ابن حزم في المحلى، (9/ 11). وضعفه ابن حزم، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد، (5/ 769).
[18]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (5/ 770).
[19]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (9/ 11).
[20]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (5/770، 772).
[21]. شرح زاد المستقنع، محمد بن محمد المختار الشنقيطي، (144/ 6) بتصرف.
[22]. الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421هـ / 2000م، (4/ 853).
[23]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (5/ 772).
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
click
read dating site for married people
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic