إنكار حديث زواج الرجل بما معه من القرآن الكريم(*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغرضين الحديث الذي جاء فيه تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من امرأة بما معه من القرآن، والذي رواه الشيخان عن سهل بن سعد -رضي الله عنه - وقد جاء فيه: «... فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موليا، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟، قال: معي سورة كذا وسورة كذا - عددها، فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب قد ملكتكها بما معك من القرآن».
ويستدلون على ذلك بأن كون القرآن صداقا مخالف لغاية القرآن نفسه، وهي أنه كتاب هداية، وبذلك حوله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سلعة يمكن أن تكون ثمنا في سوق المال، تؤخذ في مقابلتها الأعيان والمنافع، ومنها الانتفاع بالأبضاع.
كما أن ذلك مخالف أيضا لغاية الزواج العليا، وغاية الزواج - كما يرى هؤلاء - هي تحصيل الأموال للاستعانة بها على شئون الحياة، والمهر أول تلك الموارد المالية.
رامين من وراء ذلك إلى رد هذا الحديث الثابت.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديث زواج الرجل بما معه من القرآن حديث صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد اتفق على روايته الشيخان في صحيحيهما، وقد أجمع معظم علماء الأمة على جواز كون الصداق منفعة معينة، كتعليم القرآن؛ لأن المقصود من الصداق هنا هو الجهد المبذول في التعليم، لا القرآن نفسه.
2) لقد شرع الإسلام الصداق في الزواج عوضا يعطى للمرأة مقابل طاعتها وخدمتها لزوجها ليس إلا، ولم تنحصر أهداف الزواج في الإسلام في الماديات فقط؛ وإنما جاءت السنة خلاف ذلك؛ فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته القولية والفعلية على ضرورة تخفيف المهور، والواقع يشهد بأن المغالاة في المهور تؤدي إلى مفاسد وأضرار بالغة تصيب الزوجين والمجتمع عموما.
التفصيل:
أولا. حديث تزويج الرجل بما معه من القرآن في أعلى درجات الصحة، ولا تناقض بين أن يكون القرآن هداية للناس، وأن يكون تعليمه مهرا للزوجة:
إن حديث تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم- الصحابي من المرأة بما معه من القرآن الكريم صحيح، بل في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه- قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي. قال: فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: فهل عندك من شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا، فذهب، ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ولو خاتما من حديد. فذهب، ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل ما له رداء - فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- موليا فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا - عددها - فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»[1].
أما ما يدعيه بعض منكري السنة من أن ما جاء في الحديث من تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم- الرجل بما يحفظ من القرآن يخالف الغاية التي جاء بها القرآن، فذلك ادعاء باطل، لا يقوم على دليل؛ فلا خلاف في أن غاية القرآن العظمى هي هداية الناس إلى الطريق المستقيم، ولا تناقض بين ذلك وبين أن يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- صداق امرأة تعليمها بعض سور من القرآن، فما ذلك إلا ضرب من ضروب الهداية؛ فبعد أن كان هذا القدر من القرآن في صدر الرجل وحده، أصبح في صدر الرجل وفي صدر زوجته، فلم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- القرآن سلعة في سوق المال - كما يزعم هؤلاء المغالطون ـ؛ وإنما جعل القرآن وسيلة لبلوغ الغاية العظمى التي جاء بها القرآن.
وقد أجمع معظم علماء الأمة على جواز أن يكون تعليم القرآن صداقا، فهذا الإمام النووي قد بوب لأحاديث هذا الباب بعنوان: "باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير... "، وقال عند شرحه لحديث سهيل بن سعد الساعدي السابق: "وفي هذا الحديث دليل لجواز كون الصداق تعليم القرآن، وجواز الاستئجار لتعليم القرآن، وكلاهما جائز عند الشافعي. وبه قال عطاء والحسن بن صالح ومالك وإسحاق وغيرهم، ومنعه جماعة منهم: الزهري وأبو حنيفة، وهذا الحديث مع الحديث الصحيح: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»[2] يردان قول من منع ذلك ونقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة"[3].
وقد "أفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأحكام الدين؛ للحاجة إليه بسبب تغير الأحوال واشتغال الناس بشئون المعيشة، فلا يتفرغ المعلم من غير أجر. وعليه يجوز جعل المهر تعليم القرآن أو أحكام الدين"[4].
ولقد اتفق جمهور علماء الأمة على أن أخذ الأجرة على تأدية الخدمات جميعها أمر جائز شرعا، بما في ذلك تحفيظ القرآن.
ولا يلتفتن أحد إلى قول من قال: إن ذلك كان إكراما للرجل؛ أي: لأجل ما معه من القرآن؛ فإن لم يكن التعليم ظاهرا في الحديث، فقد جاء صراحة في رواية أخرى عند الإمام مسلم من حديث زائدة عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: «... قال: انطلق فقد زوجتكها، فعلمها من القرآن»[5].
وقال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": "وقوله في الرواية الأخرى: «فعلمها» نص من الأمر بالتعليم، والمساق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح، ولا يلتفت لقول من قال إن ذلك كان إكراما للرجل بما حفظه من القرآن، أي لما حفظه، فتكون الباء بمعنى اللام، فإن الحديث الثاني يصرح بخلافه في قوله: «فعلمها من القرآن»[6].
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يجعل مهر المرأة هو القرآن ذاته، وإنما المهر المقصود في الحديث هو الجهد المبذول لتعليم القرآن الكريم.
يؤكد ذلك ما جاء في قصة موسى عليه السلام، كما وردت في القرآن الكريم، حيث قال شعيب لموسى - عليهما السلام: )قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين (27)( (القصص).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهو أمر قد قرره شرعنا، وجرى في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن"[7].
وقال ابن عاشور: "وظاهر الآية أيضا أن الإجارة المذكورة جعلت مهرا للبنت"[8].
فلم يخطئ النبي - صلى الله عليه وسلم- في ذلك؛ إنما تصرف في حدود الولاية العامة له على المسلمين، مراعيا مصلحتهم في إطار الوعي الكامل لهدف القرآن الكريم المعنوي، ولم يجعل منه ثمنا لمنفعة، أو بديلا عن مهر.
فإن قيل: كيف يصح جعل تعليمها للقرآن مهرا وقد لا تتعلم؟ أجيب أنه من المعلوم أن المحفوظ من القرآن يكون في عقل الإنسان وذاكرته، لا في يده، فإذا طلب منه أن يحفظ غيره ويعلمه يحدث أمران:
الأمر الأول: يخصه هو وينفعه، وهو أنه حين يستدعي المحفوظ من الذاكرة ويردده ليعلمه غيره يزداد عنده الوعي به، ويثبت في الذاكرة، ويصبح احتمال نسيانه قليلا جدا.
الأمر الثاني: يتعبه ويجهده، ذلك أنه مطالب أن يقوم بتكرار ما يحفظه المرة بعد المرة أمام المرأة التي يريد أن يعلمها، حتى تعي وتحفظ خصوصا إذا علمنا أن مجتمع المدينة بل المجتمع العربي لم يكن هذا المجتمع الذي تنتشر فيه صناعة الكتابة.
وعلى هذا فإن من يريد أن يعلم غيره عليه أن يبذل في تعليمه جهدا قد لا يحتمله إلا بشق الأنفس، وهذا الجهد المبذول هو هذا الذي اعتبره النبي - صلى الله عليه وسلم- صداقا، وليس القرآن الكريم.
وثمرة هذا الجهد المبذول أن هذا القدر من القرآن لم يصر في صدر الرجل وحده، بل أصبح في صدر الرجل وفي صدر زوجته.
أما هذا الجهد المبذول فقد انتفعت به المرأة وهو صداقها، وأما اتساع دائرة حفظ القرآن فهو مصلحة لهذا الدين نفسه، وهو مكرمة للأمة المتدينة، وهداية ومنفعة للزوجة بالدرجة الأولى، ولأولادها المرتقبين، ولمن شاء الله أن يهديه على يديه من عباد الله الصالحين.
والنبي - صلى الله عليه وسلم- حين أمر الرجل أن يعلم المرأة القرآن صداقا لها جمع بين أهداف عدة، بين منفعة تتحقق للمرأة بجهد الرجل المبذول، وبين منفعة تتحقق للأمة باتساع دائرة حفاظ القرآن الكريم"[9].
ثانيا. لم تكن الغاية من تشريع الصداق في الزواج كسب الأموال والتنافس فيها، وإنما هو تعويض رمزي يعطى للزوجة في مقابل طاعتها لزوجها:
لقد زعم القوم أن هدف الزواج أو غايته العظمى هي تحصيل الأموال للاستعانة بها على شئون الحياة، وقالوا إن المهر هو أول تلك الموارد المالية.
ولا شك في أن هذا الزعم باطل من أساسه؛ فالهدف من الزواج هدف معلوم يعيه النبي - صلى الله عليه وسلم- ويدركه، وقد عمل النبي - صلى الله عليه وسلم- على توسيع مداركه، وعلى توسيع دائرة أسباب بلوغه وتحصيله، ومن هزال القول أن يقال إن هدف الزواج هدف اقتصادي، بحيث يكون غرض المرأة منه هو ازدياد أرصدتها في البنوك، إذ لا يصح أن يكون هذا هدفا يبتغيه أرذال القوم فضلا عن فضلائهم من المسلمين.
فالمهر في الإسلام عبارة عن عوض رمزي في مقابل طاعة، وهو يعطى للزوجة لتستعد به في ثياب وعطور ونحوها.
جاء في موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام للشيخ عطية صقر: "تشريع المهر له حكم، منها:
· أنه عون للمرأة على إعداد ملابسها وزينتها وما تحتاج إليه.
· وتكريما لها، لنقل الولاية عليها من والديها إلى زوجها، فلابد أن يكون هناك مقابل لتمتعه هو بهذه الولاية.
· قال صاحب الفوائد في فوائد المهر: إن ملك النكاح لم يشرع لعينه، بل لمقاصد أخرى لا حصول لها إلا بالدوام على النكاح، والقرار عليه لا يدوم إلا بوجوب المهر بنفس العقد؛ لما يجري بين الزوجين من الأسباب التي قد تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة والخشونة. فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عن إزالة الملك لأدنى خشونة تحدث بينهما، ولا يشق عليه إزالته"[10].
كما أن المهر في الإسلام لم يكن هدفا لذاته؛ وإنما المشروع تخفيف المهر وتقليله وعدم المنافسة في ذلك؛ عملا بالأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك.
فقد روى أبو داود في سننه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «خير النكاح أيسره»[11]. وروى أحمد في "المسند" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يمن الـمرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها»[12]. وجاء في المستدرك عن عائشة - رضي الله عنها - أيضا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا»[13].
وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم- على من تكلف من الصداق ما لا يقدر عليه، ولا يتناسب مع حاله؛ لأنه فعل شيئا مكروها، ولو كان ذلك الصداق دون صداق النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه-، قال:«جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟، فإن في عيون الأنصار شيئا، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل...» الحديث [14].
وقال النووي في شرحه لهذا الحديث: "معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج"[15].
وقد سئلت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: «كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا. قالت: أتدري ما النش؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية. فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأزواجه»[16].
وصح عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أنه قال: «كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عشر أواق، وطبق بيديه، وذلك أربعمائة»[17].
وعلى الرغم من أن التشريع الإسلامي لم يجعل للمهر حدا أعلى، إلا أننا مأمورون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( (الأحزاب: ٢١).
علاوة على ما سبق، فإن تحقيق المهر مطلوب شرعا؛ لأن له مصالح كثيرة، كما أن المغالاة في المهر تسبب مفاسد كثيرة.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: "كلما كانت التكاليف أقل وأيسر سهل إعفاف الرجال والنساء، وقلت الفواحش والمنكرات، وكثرت الأمة. وكلما عظمت التكاليف، وتنافس الناس في المهور قل الزواج، وكثر السفاح، وتعطل الشباب والفتيات - إلا ما شاء الله - فنصيحتي لجميع المسلمين في كل مكان تيسير النكاح وتسهيله، والتعاون في ذلك، والحذر من المطالبة بالمهور الكثيرة... "[18].
لذلك حث النبي - صلى الله عليه وسلم- على تخفيف المهر، وبارك للذين حصل منهم تخفيف له؛ فقد أورد مسلم عن أنس رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: ما هذا؟ قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة»[19].
مما سبق من أدلة يتضح أن الإقبال على المغالاة في المهور، بل إن جعل الصداق وسيلة لتحصيل الأموال مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم- عندما جعل صداق المرأة هو تعليمها بعض سور القرآن الكريم لم يحد عن مقصود الزواج في الإسلام أبدا؛ فتعليم القرآن يتطلب جهدا مبذولا - كما قلنا -، وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا الجهد هو صداق المرأة، لا القرآن نفسه، وتعليم القرآن له فوائد عظيمة تعود على الرجل والزوجة والأولاد بعد ذلك.
يقول الدكتور طه حبيشي: "إن الإسلام حين ذكر الأهداف من الزواج إنما قد حصرها في ثلاثة، هي: السكن، والمودة، والرحمة:
أما السكن: فهو هذا الاستقرار الجسمي والنفسي والاجتماعي، واستنادا إلى هذا الهدف فإن الإسلام لا يعتبر الزواج ناجحا إلا أن يكون البيت المسلم قد استقر فيه الزوجان في أول أمرهما وآخره، واستقر معهما الأولاد حين يرزقهم الله بالبنين والبنات استقرارا تاما يتصل بالجسم فيريحه، ويتصل بالعواطف فيهدهدها، ويتصل بالعلاقات الاجتماعية فيكيفها على درجة من التكيف.
والإسلام يمد ناظريه إلى وراء هذه الأسرة الصغيرة الناشئة، فيلحظ أقارب الزوج والزوجة ويربط بينهما برباط جديد أنشأه هذا الزواج الطارئ، فتكبر العزوة وتتسع دائرة القرابة، ويتفاخر الناس فيما بينهم بهذه الروابط الجديدة، وما ذاك إلا بفضل هذا السكن الذي جعله الإسلام هدفا أوليا من أهداف الزواج... ولو أن الأسرة الجديدة التي أنشأها الزواج قد اقتصرت على تحقيق هذا الهدف لكان عملا ساميا، ولكن الله أراد أن يكون لهذا الهدف أهداف أخرى تسانده وتقويه، ومن هذه الأهداف المودة.
والمودة: عمل سلوكي يقع من الرجل لزوجته، ومن الزوجة لبعلها، وقد يمعن الرجل في إرضاء زوجته، فيتودد إلى أهلها، وقد تمعن الزوجة في إرضاء زوجها فتتودد إلى أهله.
والمودة سلوك ظاهري قد يفعله المرء أول الأمر ولو بشيء من التكلف، ولكن هذا السلوك يصل بأصحابه في النهاية إلى خلق عاطفة في القلوب لا يعلمها إلا الله عز وجل، وهي الهدف الثالث للزواج، ألا وهي عاطفة الرحمة.
وينتهي الأمر إلى هذا المزج الشديد بين الأهداف الجزئية الثلاثة، ليعطي المجتمع مزيجا من السكن والمودة والرحمة له طعم متميز لا يدركه إلا مؤمن، وذلك تصديق لما وضحته الآية في قوله تعالى: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)( (الروم) [20].
فلم يحصر الإسلام أهداف الزواج وغاياته في ماديات أو اقتصاديات كما يتوهم المتوهمون، وإنما الإسلام - كعادته في تكريم الإنسان - يتعامل مع الإنسان كجسد وروح، فلا يغفل في تشريعاته عن هذه الطبيعة التي نشأ منها الإنسان، ولا يجور على أي من شقيها أو يتجاهله، فهو تشريع سماوي لله العليم الحكيم، قال تعالى: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك) ولكن الناس أعداء ما يجهلون.
خلاصة القول في ذلك؛ أن الإسلام لم يجعل من الصداق وسيلة لكسب الأموال والتنافس في جمعها؛ وإنما جعله عوضا رمزيا يعطى للزوجة في مقابل طاعتها لزوجها، ولتستعين به في حاجاتها من ثياب وعطور ونحوه؛ فإن لم يتيسر لشخص مال فجائز أن يكون صداقه منفعة معينة، كتعليم القرآن الكريم ونحوه؛ وأسوتنا في ذلك كله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
· إن الحديث الذي زوج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- رجلا من امرأة، وجعل صداقها أن يعلمها هذا الرجل ما معه من القرآن - حديث صحيح، بل في أعلى درجات الصحة، فقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
· لا خلاف في أن غاية القرآن العظمى هي هداية البشر إلى طريق الحق، ولا يعكر ذلك أن يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- تعليم القرآن صداقا للمرأة؛ لأن الصداق المقصود ليس القرآن ذاته، بل هو الجهد المبذول في التعليم.
· لقد أجمع معظم علماء الأمة على جواز أن يكون الصداق منفعة معينة، كالإجارة على بعض الأعمال ونحوها، ويدخل في ذلك تعليم القرآن وغيره من العلوم المباحة.
· لقد قصد النبي - صلى الله عليه وسلم- من تزويج الرجل من المرأة على أن يعلمها القرآن أهدافا عدة، منها: تحقيق مصلحة خاصة بهذه الأسرة التي تصبح من أهل القرآن وحفاظه، وتحقيق مصلحة عامة باتساع دائرة حفاظ القرآن في المجتمع الإسلامي.
· لا يصح إطلاقا أن يكون هدف الإسلام من الزواج هو جمع الأموال والمغالاة في المهور؛ فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- جاءت خلاف ذلك، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم- في أكثر من حديث على ضرورة التخفيف من المهور، فقال صلى الله عليه وسلم: «أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا»، وقد كان صداقه - صلى الله عليه وسلم- لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونصف، وعلى ذلك كان حال الصحابة - رضي الله عنهم- من تخفيف المهور.
· لقد حدد الإسلام أهداف الزواج وعددها، ويمكن جمعها في ثلاثة، هي: السكن، والمودة، والرحمة، وذلك لقوله تعالى: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)(.
(*) ضلالات منكري السنة، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ / 2006م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: تزويج المعسر لقوله تعالى: ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله (، (9/ 34)، رقم(5087). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن...، (5/ 2200)، رقم (3425).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، (10/ 209)، رقم (5737).
[3]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ / 2001م، (5/ 2208).
[4]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ / 1989م، (7/ 260).
[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن...، (5/ 2200)، رقم (3426).
[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 134).
[7]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (13/ 273).
[8]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (10/ 107).
[9]. ضلالات منكري السنة، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص472، 473.
[10]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ / 2003م، (1/392، 393).
[11]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: النكاح، باب: فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات، (6/ 107)، رقم (2117). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2117).
[12]. إسناده حسن: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها، رقم (24651). وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[13]. صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب: النكاح، (2/ 194)، رقم (2732). وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: ندب النظر إلى وجه المرأة، (5/ 2199)، رقم (3424).
[15]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (5/ 2199).
[16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن...، (5/ 2201)، رقم (3427).
[17]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (17/ 9)، رقم (8793). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[18]. فتاوى إسلامية، العلماء: عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين وعبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، تحقيق: محمد بن عبد العزيز المسند، (3/ 237).
[19]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد...، (5/ 2201)، رقم (3428).
[20]. ضلالات منكري السنة، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص469، 470 بتصرف يسير.
read
go want my wife to cheat
click here
online women cheat husband
open
online black women white men
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat
read here
website why women cheat on men
My girlfriend cheated on me
read here signs of unfaithful husband