الطعن في أحاديث اشتراط الولي في النكاح (*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في أحاديث اشتراط الولي في النكاح؛ فينكرون حديث: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت». ويقولون: إن السؤال عن الكيفية غير مطروح فهي من المعلوم بالضرورة بين الناس في الحياة الاجتماعية، والإجابة بـ "السكوت" غير مقنعة وتؤكد بطلان الحديث، فالسكوت ليس إذنا، وإنما الإذن هو الرضا والموافقة. وحديث: «أيما امرأة نكحت نفسها فنكاحها باطل، باطل، باطل» لا تصح نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فيه من بخس لأخص وأهم حقوق المرأة وهو اختيار الزوج. وحديث: «لا نكاح إلا بولي» ضعيف حيث ذكره ابن عدي في كتابه "الكامل في ضعفاء الرجال".
ويعضد القول - في نظرهم - ببطلان هذه الأحاديث:
· معارضتها للقرآن الكريم في قوله تعالى: )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن( (البقرة: ٢٣٢)؛ فإضافة النكاح إليهن دليل على جواز نكاحهن من غير اشتراط الولي.
· فعل السيدة عائشة حيث أنكحت المنذر بن الزبير - ابن أختها - حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر - ابنة أخيها - وعبد الرحمن - ولي العروس - غائب بالشام.
· ما ذهب إليه الحنفية من عدم اشتراط الولي في عقد النكاح.
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في جملة ما روي من أحاديث اشتراط الولي في النكاح.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن أحاديث اشتراط الولي في النكاح التي ذكرها الطاعنون - صحيحة، فمنها ما اتفق عليه الشيخان، ومنها ما ورد في المعتمد من كتب السنن وصححه نقاد الحديث وصيارفته، وحديث: «لا نكاح إلا بولي» صحيح، ولا يعني وروده في كتاب "ضعفاء الرجال" لابن عدي أنه ضعيف، وإنما ذكر ابن عدي في هذا الكتاب إحدى طرقه وإن كان فيها ضعف؛ فهناك طرق كثيرة صحيحة للحديث، ولا تعارض بين هذه الأحاديث والقرآن الكريم، حيث اشترط القرآن الولي في النكاح، ويؤيد هذا الفهم الصحيح للآيات التي زعم المغرضون تعارضها مع الأحاديث، أما السيدة عائشة - رضي الله عنها - فهي لم تل عقد النكاح بنفسها وإنما مهدت أسبابه ومتطلباته، وولي عقد النكاح رجل ناب عن عبد الرحمن بن أبي بكر أثناء غيبته بالشام.
2) إن رأي الحنفية الذي تعلق به المغرضون، رأي مرجوح في هذه المسألة، ثم إن الحنفية في رأيهم هذا لم ينكروا الأحاديث أو يبطلوها، وإنما تأولوها وفهموها على خلاف الجمهور، والصحيح رأي الجمهور، لقوة أدلته وصراحتها في المسألة.
3) اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة، فالإسلام أعطاها كامل الحرية في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها، وإذا جرى الأمر بدون رضاها فالنكاح مردود، ودليل هذا ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، كما أن اشتراط الولي فيه مراعاة لحقوق المرأة وصيانتها، ودفع لكثير من المفاسد التي تنتج عن النكاح بلا ولي.
التفصيل:
أولا. أحاديث اشتراط الولي في النكاح صحيحة ولا تعارض بينها وبين القرآن الكريم:
إن الأحاديث - التي طعن في صحتها المغرضون - صحيحة، واشتراط الولي في النكاح حكم ثابت بنص القرآن وتلك الأحاديث، فحديث: «لا تنكح الأيم[1] حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت»[2] - صحيح، حيث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، ولا مجال للطعن في صحته، فقد اتفق علماء الأمة على صحة كل ما أورداه في صحيحيهما.
وحديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل، ثلاث مرات، فإن دخل فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»[3] - حديث صحيح - أيضا - حيث رواه جمع من أصحاب السنن منهم ابن ماجة، والترمذي، والدارمي، والحاكم في مستدركه، وأبو داود، وأحمد ولم يضعفه أحدهم، وصححه الألباني وغيره من المحدثين.
وقال البغوي: "والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»[4] عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم"[5] وعليه فالحديث صحيح عند أكثر أهل العلم.
وحجة المغرضين في تضعيفهم لهذا الحديث هي وروده في كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال" وظنوا أن وروده في كتاب تراجم للرواة الضعفاء دليل على ضعف الحديث، والحق أنه كتاب مسند، يذكر فيه مؤلفه أخبار الرواة بالأسانيد، كما يذكر الأحاديث بالأسانيد، ويترجم للرجال المتكلم فيهم، وكثيرا ما يورد في ترجمة الراوي حديثا أو أكثر مما ضعف بسببه، وللكتاب فهرس للأحاديث تستطيع من خلاله أن تعرف مكان حديثك في الكتاب، وستجد حديثك في ترجمة راو قد بين ابن عدي حاله من حيث الجرح أو التعديل، سواء من كلام ابن عدي، أو كلام أئمة آخرين، ومن هنا ستعرف حال الحديث.
وننبه هنا إلى أمر مهم وهو أن حال الحديث هذا إنما هو له من هذا الطريق فقط، أما بقية الطرق فحاله إنما هو حسب حال كل طريق، فالحديث يحكم عليه بأصح طرقه، والإسناد يحكم عليه بأضعف رواته، وحديث" «لا نكاح إلا بولي» خير مثال على ذلك، حيث أخرجه ابن عدي في ترجمة عبد الله بن عمرو الواقعي بإسنادين: أحدهما من مسند البراء بن عازب، والثاني من مسند عمران بن حصين، وقال: له - أي الواقعي - أحاديث كلها مقلوبات، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، وهكذا يفيد ابن عدي أن هذا الحديث الذي في إسناديه عبد الله بن عمرو الواقعي هو بهذين الإسنادين ضعيف.
وبجمع طرق الحديث نجد أنه قد أخرجه ابن حبان في صحيحه من غير طريق الواقعي هذا؛ أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بريدة، عن أبي موسى، وصححه ابن حبان، وابن مهدي، وعلي بن المديني، والبخاري.
وعليه فليس معنى ورود هذا الحديث من طريق الواقعي أنه ضعيف مطلقا، لا، إنه ضعيف من هذا الطريق الذي عند ابن عدي عن الواقعي فحسب، لكنه صح من طرق أخرى، منها ما عند ابن حبان وأحمد، وغيرهما.
وأمر أخر ننبه إليه أيضا وهو: ليس معنى أن كتاب الكامل في الضعفاء، أن كل الأحاديث التي فيه ضعيفة، وإنما قد يوجد فيه الصحيح والحسن؛ لأن ابن عدي يناقش قضية ضعف الراوي، فأحيانا يسوق الحديث من طريقه ثم يسوقه من طريق آخر صحيح، ليبين خطأ الراوي، أو وهمه، أو نكارته.
وأحيانا يسوق الحديث المستنكر على الراوي، ويبين أنه ليس مستنكرا وأن الراوي حاله البراءة من نكارة حديثه، والسلامة من التهمة، فالحديث المستنكر عليه ليس كما ادعي عليه، وإنما حاله السلامة.
ومثال ذلك:
ذكر ابن عدي في الكامل حديث: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان...»[6] الحديث، أخرجه بإسناده عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه في ترجمته لأبي الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، وبين أن الأئمة المشاهير يروون عن أبي الزبير، وضرب لذلك مثلا بهذا الحديث، فهو من رواية سفيان عن أبي الزبير عن جابر، وبين أن أبا الزبير ثقة، ولا يكون الحديث ضعيفا بسببه، وإنما يكون بضعف من روى عنه، والحديث في صحيح مسلم في كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع بالإسناد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر[7]، ولا يقول أحد بأن الحديث ضعيف لوروده في كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي. كذلك حديث لا نكاح إلا بولي لا يصح القول بأنه ضعيف لوروده بطريق ضعيف في هذا الكتاب، فقد ذكر العلماء - كما أسلفنا - طرقا صحيحة للحديث.
وعليه فحديث «لا نكاح إلا بولي»[8] صحيح حيث رواه - كما ذكرنا - جمع من أصحاب السنن والمسانيد، فقد رواه الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، والبيهقي، وأحمد، وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط في تعليق الأول على السنن والثاني على المسند.
قال الترمذي: والعمل في هذا الباب على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- «لا نكاح إلا بولي»عند أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس,وأبو هريرة وغيرهم. وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين، أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي منهم سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم[9].
قال الألباني: "وخلاصة القول أن الحديث صحيح بلا ريب، فإن حديث أبي موسى قد صححه جماعة من الأئمة كما عرفت، وأسوأ أحواله أن يكون الصواب فيه أنه مرسل. أخطأ في رفعه أبو إسحاق السبيعي، فإذا انضم إليه متابعة من تابعه موصولا، وكذلك بعض شواهده وطرقه - وقد سبق أن ذكرها الألباني - فإن القلب يطمئن لصحته، لا سيما، وقد صح عن ابن عباس موقوفا عليه، ولم يعرف له مخالف من الصحابة... وقد روى ابن عدي في "الكامل" عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أحاديث: «أفطر الحاجم والمحجوم»، و«لا نكاح إلا بولي» يشد بعضها بعضا، وأنا أذهب إليه[10].
أما قولهم بمعارضة الأحاديث للقرآن في وجوب اشتراط الولي - فقول مردود؛ لأن القرآن نفسه جاء باشتراط الولي في النكاح، فقال تعالى: )ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا( (البقرة: ٢٢١). قال الحافظ في "الفتح": "ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنه تعالى خاطب بالإنكاح الرجال ولم يخاطب به النساء، فكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين. [11] وقال ابن كثير: "لا تزوجوا الرجال المشركين النساء المؤمنات". [12] وقال القرطبي: "وفي هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي[13].
· وقوله تعالى: )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن( (البقرة: ٢٣٢)، ووجه الدلالة من الآية: قوله خطابا للأولياء: )فلا تعضلوهن(، وهذا الإسناد في الخطاب للأولياء دال على أن الأمر موكل إليهم في التزويج لا إلى مولياتهم. قال البخاري في الصحيح: "فدخل فيه الثيب، وكذلك البكر".
ولهذه الآية سبب نزول، أخرجه البخاري في صحيحه فقال: «عن الحسن قال: )فلا تعضلوهن( (البقرة: ٢٣٢). قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه. قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: )فلا تعضلوهن( (البقرة: ٢٣٢). فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال فزوجها إياه»[14].
قال الحافظ: "وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى؛ ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه"[15].
وقال القرطبي "ففي الآية دليل على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي، لأن أخت معقل كانت ثيبا، ولو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها، ولم تحتج إلى وليها معقل، فالخطاب إذا في قوله تعالى: )فلا تعضلوهن( (البقرة: ٢٣٢). للأولياء، وأن الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن"[16].
وقال الإمام الطبري: "وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي من العصبة، وذلك لأن الله - تعالى ذكره - منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك، فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها.
وذلك إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها، أو إنكاح من توكله إنكاحها"[17].
· قوله تعالى: )وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم((النور: ٣٢).
قال القرطبي: "فلم يخاطب الله تعالى بالنكاح غير الرجال، ولو كان إلى النساء لذكرهن"[18]. وقال ابن السعدي: "يأمر تعالى الأولياء والأسياد، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم: من لا أزواج لهم، من رجال، ونساء ثيبات وأبكار"[19].
· قوله تعالى: )فانكحوهن بإذن أهلهن( (النساء: ٢٥).
قال القرطبي: "ومما يدل على هذا - أيضا - من الكتاب - أي اشتراط الولي - قوله تعالى: )فانكحوهن بإذن أهلهن(. فلم يخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال ولو كان إلى النساء لذكرهن"[20].
ومما سبق نرى أن القرآن اشترط الولي في النكاح، وعليه فيبطل القول بمعارضة الأحاديث التي اشترطت الولي في النكاح له.
أما استدلالهم بفعل السيدة عائشة فإنها - رضي الله عنها - لم تل بنفسها عقد نكاح حفصة بنت عبد الرحمن والمنذر بن الزبير، وإنما مهدت أسباب تزويج بنت أخيها، ثم أشارت إلى ولي أمرها عن غيبة أبيها فولي عقد النكاح، وعليه فلا تعارض ألبتة بين فعل السيدة عائشة - رضي الله عنها - وأقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- في اشتراط الولي في النكاح.
ثانيا. ذهاب الحنفية إلى عدم اشتراط الولي في النكاح وأدلتهم، وجواب جمهور أهل العلم عليها:
"ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا، ويجوز أن تزوج المرأة نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفئا، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخص بهذا القياس عمومها - وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس - لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس"[21].
وقال ابن عابدين: "وأما حديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ثلاث مرات»[22]، حسنه الترمذي، وحديث: «لا نكاح إلا بولي» رواه أبو داود وغيره.
فمعارض بقوله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ. والأيم من لا زوج لها بكرا أو لا، فإنه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت، وقد جعلها أحق منه به، ويترجح هذا بقوة السند والاتفاق على صحته بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان، أو يجمع بالتخصيص، أو بأن النفي للكمال أو بأن يراد بالولي من يتوقف على إذنه - أي لا نكاح إلا بمن له ولاية - لينفي نكاح الكافر للمسلمة والمعتوه والعبد الأمة... " [23].
هذا وقد ذهب الجصاص الحنفي إلى الاستدلال بآية الجمهور لتأييد مذهب أبي حنيفة فقال: )فلا تعضلوهن( (البقرة: ٢٣٢). معناه: لا تمنعوهن أو لا تضيقوا عليهن في التزويج، وقد دلت الآية من وجوه على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها. أحدهما: إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي، الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان.
قال: "ونظير هذه الآية في جواز النكاح بغير ولي قوله تعالى: )فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا( (البقرة: ٢٣٠). قد حوى الدلالة من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: إضافته عقد النكاح إليها في قوله تعالى: )حتى تنكح زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠)، والثاني: )فلا جناح عليهما أن يتراجعا( (البقرة: ٢٣٠). فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي". وقال: "ومن دلائل القرآن على ذلك قوله تعالى: )فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف(
(البقرة: ٢٣٤)، فجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لموجب الآية.
واستدل الجصاص للأحناف كذلك، بحديث سهل بن سعد الساعدي في قصة الواهبة الذي رواه الشيخان: «جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: هل عندك من شئ؟ قال: لا، والله يا رسول الله...» الحديث، وفي آخره قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»[24].
قال الجصاص: "ولم يسألها هل لها ولي أم لا؟ ولم يشترط الولي في جواز عقدها[25].
وبالنظر في أدلة أهل العلم في هذه المسألة يترجح رأي الجمهور بلا ريب لصراحة الأدلة وقوتها، ولإجماع الصحابة على القول بوجوب اشتراط الولي في النكاح كما هو ظاهر قول ابن المنذر.
قال ابن عبد البر: "فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما"[26].
· والجواب على أدلة الحنفية كما يأتي:
1. أما حديث: «الأيم أحق بنفسها من وليها» فمحمول على اشتراط تصريحها بالموافقة على النكاح، لا مجرد السكوت كالبكر، بدليل سياق الحديث، والأحاديث المشابهة في وجوب التفريق بين البكر والثيب من حيث قبولهما النكاح، لا من حيث اشتراط الولي بدليل أن أخت معقل بن يسار - الذي نزلت فيه آية المنع من العضل - كانت ثيبا.
قال الشافعي: "والثيب والبكر لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا بأمرها، وينكح الأب البكر من بناته بغير أمرها لأنه أحق بها من الثيب"[27].
2. وأما الاستدلال بآية منع العضل على جواز النكاح بلا ولي فهو في غاية الغرابة!
ذلك أن معقلا أدرى بدلالة الآية من الأحناف، وقد صرح أنه قد امتثل التوجيه القرآني، وزوج أخته بعد معرفته للحكم فقال: «الآن أفعل يا رسول الله» ولو كان الأمر ليس إليه لما قال: "الآن أفعل"!
3. وأما قوله تعالى: )حتى تنكح زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠). فهذه الآية في المطلقة ثلاثا، أنها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره، أي يطأها، فالنكاح هنا يراد به الجماع لا التزويج.
وقد نقل القرطبي عن النحاس قوله: "وأهل العلم على أن النكاح ها هنا الجماع؛ فإنه قال: )زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠). فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع"[28]. ويؤكد ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته - يعني ثلاثا - فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها»[29].
فدل هذا الحديث على المعنى المقصود من النكاح في قوله تعالى في الآية: )من بعد حتى تنكح زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠)، فكان معناه الجماع.
وأما نسبة التراجع إليها بقوله: )فلا جناح عليهما أن يتراجعا( (البقرة: ٢٣٠). فهذا صحيح؛ لكن بشرط إقامة حدود الله، ومن حدود الله اشتراط الولي في النكاح فقال سبحانه: )فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله( (البقرة: ٢٣٠).
4. وأما قوله تعالى: )فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف( (البقرة: ٢٣٤).
قال صاحب الكشاف: فالمراد من التعرض للخطاب والتزين بالمعروف أي بوجه لا ينكره الشرع، وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرع فعلى الأئمة أن يكفوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجناح"[30]، وكذلك قال القرطبي: "يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد. وقوله: )بالمعروف( (البقرة: ٢٣٤). أي بما أذن فيه الشرع من اختيار أعيان الأزواج وتقدير الصداق دون مباشرة العقد؛ لأنه حق للأولياء كما تقدم[31].
· وأما الجواب عن حديث الواهبة نفسها فمن وجوه:
أما هبتها نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم- فإن الواهبات أنفسهن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم- ويختلفن في نكاحهن عن النكاح المعروف. وأما عن تزويجها من الصحابي فإنها قد وكلت النبي - صلى الله عليه وسلم- في تزويجها، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم «زوجناكها بما معك من القرآن»، فترجم البخاري لهذا الحديث وقال: "باب السلطان ولي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ «زوجناكها بما معك من القرآن».
قال الحافظ: وقد ورد التصريح بأن السلطان ولي في حديث عائشة المرفوع: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل...» الحديث[32].
وقال ابن القيم: "فإن الموهبة كانت تحل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد جعلت أمرها إليه، فزوجها بالولاية"[33].
ومن خلال ما سبق يتبين أن ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن قلده في ذلك - قول مرجوح، والصواب هو ما عليه الجمهور من أهل العلم بدليل الكتاب والسنة، واللذان يدلان على وجوب اشتراط الولي في النكاح.
ثالثا. اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة، وفي النكاح بلا ولي من المفاسد ما لا يخفى على كل ذي عقل:
وعلى الجانب الآخر، اعتبر المغرضون اشتراط الولي في النكاح منافيا لحق المرأة في اختيار من ترضاه زوجا لها بحرية تامة، فرددوا هذا الكلام؛ إثارة للشبهات، وأضافوا على الطنبور نغمات، وظنوا أنهم وجهوا طعنة لا ترد، أو وجدوا ثغرة وثلما في الإسلام، يستطيعون من خلالهما الطعن في عدالته في حق المرأة وحريتها، ومن ثم النيل منه.
فالحق إن ما زعموه من تحكم الولي بموليته في النكاح، ليس من الإسلام في شيء. فالإسلام قد أعطى للمرأة البالغة العاقلة بكرا أو ثيبا، كامل الحرية في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها ولم يجعل لأبيها، وهو أقرب الناس إليها، ولا لولي غيره أن يجبرها على من لا ترضاه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال أن تسكت»[34].
بل وصل الأمر إلى رد الزواج، وإبطال العقد، إذا جرى بدون رضاها، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في نكاح خنساء بنت خدام، حين زوجها أبوها وهي ثيب من شخص لا تريده، حيث رد نكاحه، «فعن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها»[35].
ولم يجعل الإسلام للولي حقا في تزويج موليته، بغير إذنها، إلا الأب بالنسبة لابنته الصغيرة غير الراشدة، فقد أجمع أهل العلم على أن للأب - فقط - تزويجها بغير إذنها، وعلى أن يكون كفئا؛ لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظرا لها فيما فيه الحفظ لنفسها، فلا يجوز له أن يفعل ما لا حفظ لها فيه؛ ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لا حفظ لها فيه، ففي نفسها أولى. وقد جاز للأب فقط تزويج الصغيرة غير الراشدة؛ لأن عطف الأب وحبه لابنته يدعوه إلى اختيار الأصلح لها.
ولما كانت المرأة عاطفية بطبعها، مندفعة في تصرفاتها، يغرها المظهر، ولا تسعى إلى معرفة المخبر من الرجل غالبا، فقد جعل الإسلام للولي حق منع الزواج إذا اختارت لنفسها زوجا غير كفء لها ولأسرتها، وذلك لأن المرأة وأسرتها يعيران بالزوج غير الكفء، ويلحقهما بسببه مذلة وعار، وليس في هذا ما ينافي حرية المرأة في اختيار من ترضاه، لكن لكل حرية حدود تنتهي إليها، فليس لأحد كائنا من كان مطلق الحرية في كل ما يفعل، بل هناك اعتبارات تجب مراعاتها، وحدود ينتهى إليها.
والإسلام ينظر إلى المرأة على أن لها من الكرامة والمنزلة وشفافية الشعور، ورهافة الحس، ما يجعله ينأى بها عن كل ما يخدش حياءها، أو يجرح مشاعرها وإحساسها، لذلك جعل مباشرة عقد النكاح للولي، فمن مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر بنفسها ما يشعر بوقاحتها، ورعونتها، وميلها إلى الرجال، مما ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة.
كما أن المرأة لقلة تجربتها في المجتمع، وعدم معرفتها شئون الرجال وخفايا أمورهم، غير مأمونة حين تستبد بالأمر لسرعة انخداعها، وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون ترو وتفكير في العواقب، وقد اشترط الولي مراعاة لمصالحها لأنه أبعد نظرا، وأوسع خبرة، وأسلم تقديرا، وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى، بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحا، وأحسن عشرة.
وكيف لا يكون لوليها سلطان في زواجها وهو الذي يكون - شاءت أم أبت، بل شاء هو أو أبى - المرجع في حالة الاختلاف، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل، ويجني ثمرات خطأ فتاته التي تمردت عليه، وانفردت بتزويج نفسها؟!
إن الهدف من رقابة الولي على اختيار الزوج ليس فقط تسهيل الزواج، وإنما أيضا تأمينه وتوفير عوامل الاستقرار له، ورعاية مصالح الفتاة التي ائتمنه الله عليها، إن قصر نظرها عن إدراكها، ومن هنا كان مبنى الولاية على حسن النظر، والشفقة، وذلك معتبر بمظنته، وهي القرابة، فأقربهم منها أشفقهم عليها، وهذا أغلب ما يكون في العصبة.
وأيضا يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها منه، وأن يراعي خصال الزوج، فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها، فإن النكاح يشبه الرق، والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال[36].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وإذا رضيت رجلا، وكان كفئا لها، وجب على وليها - كالأب ثم الأخ ثم العم - أن يزوجها به، فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زوجها الولي الأبعد منه، أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء، فليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه إذا كان كفئا باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض، لا لمصلحة المرأة، ويكرهونها على ذلك، أو يخجلونها حتى تفعل، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفئا لها لعداوة أو غرض، وهذا كله من عمل الجاهلية، والظلم والعدوان، وهو مما حرمه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتفق المسلمون على تحريمه، وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحتهن، لا في أهوائهم كسائر الأولياء والوكلاء ممن تصرف لغيره، فإنه يقصد مصلحة من تصرف له، لا يقصد هواه، فإن هذا من الأمانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال تعالى: )إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( (النساء: ٥٨)[37].
· مفاسد النكاح بلا ولي:
1. نشأة العلاقات المحرمة:
لا يخفى أن ترك الحبل على الغارب للفتاة أو المرأة لتزوج نفسها بنفسها، سيفتح الباب على مصراعيه لنشأة العلاقات الآثمة بين الجنسين، فكل فتاة صاحبت فتى أو امرأة صادقت رجلا فاكتشف أمرهما سيبادران إلى الادعاء بأنهما متزوجان!
بل سيبادر كل عاشقين إلى أقرب مأذون شرعي لإضفاء الصفة الشرعية على علاقتهما بلا علم الوالدين أو الأقارب أو الأولياء طالما أن القضية لا تستدعي أكثر من جرة قلم على ورقة المأذون الشرعي.
2. تصدع العلاقات الأسرية:
فإذا كانت الفتاة قادرة على اتخاذ قرار تزويج نفسها بنفسها، حتى وإن رفض أبوها أو ليها فإن ذلك إيذان بنشأة الكراهة والشعور بالغبن لدى الأب الذي أجهد نفسه وبذل نفيس وقته وخلاصة خبرته لتربية بنيته فإذا هي خارجة عن طوعه، متمردة على إرادته.
3. نشأة عصابات الانتهازيين وتجار الأعراض:
ولا شك أن هذه العصابات الانتهازية، وهؤلاء التجار الصانعين لتجاراتهم، وإمبراطوريات أموالهم على الاستغلال المشين لن يجدوا بيئة أحسن، ولا مناخا أجمل من بيئة تستقل فيها الفتاة الغيداء، والبنت الشماء برأيها وحياتها بعيدا عن شفقة الأب الرحوم والأم الرؤوم[38].
ومما سبق يتضح أن الولي في النكاح في الشريعة الإسلامية، ليس له منع المرأة من أن تختار لنفسها من ترضاه زوجا لها، وليس للولي إجبارها على أحد، وإن فعل ذلك فالنكاح مردود، فالإسلام قد أعطى المرأة من الحقوق والتكريم ما لا يخفى على كل ذي عقل وبصر، ولما كان النكاح من التدابير الشرعية العظيمة، فقد اشترط الشارع الحكيم الولي في النكاح حفاظا على المرأة وصيانة لها، فضلا عن مراعاة مجامع الحياء في شخصيتها، ومن ثم قطع الطريق لوقوع كثير من المفاسد إذا ما فقد النكاح هذا الشرط الأصيل.
الخلاصة:
· إن أحاديث اشتراط الولي في النكاح صحيحة ولا غبار عليها.
· أجمع جمهور أهل العلم على وجوب اشتراط الولي في النكاح. واعتبروه شرطا لصحة العقد، ولم يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة:
o أدلة وجوب اشتراط الولي في النكاح من الكتاب:
§ قوله تعالى: )ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا( (البقرة: ٢٢١). ففي الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي، ووجه الدلالة فيها أنه تعالى خاطب بالإنكاح الرجال، وكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين، وهذا ما أقره أهل التفسير في هذه الآية.
§ قوله تعالى: )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن( (البقرة: ٢٣٢)، ففي هذه الآية - أيضا - خطاب للأولياء، فهو دال على أن الأمر موكل إليهم في التزويج.
وقد ذكر الإمام البخاري سبب نزول هذه الآية في حديث معقل بن يسار وتزويجه أخته، فطلقها زوجها... إلى آخر القصة مما يدل على أن الأمر لو كان إليها دون وليها لزوجت نفسها. فكانت هذه الآية أصرح دليل على اعتبار الولي.
§ قوله تعالى: )وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم((النور: ٣٢).
وقوله تعالى: )فانكحوهن بإذن أهلهن( (النساء: ٢٥). وكذلك الخطاب في هاتين الآيتين للرجال، وليس لغيرهم، ومن هنا ينتفي القول بمعارضة السنة للقرآن في اشتراط الولي في النكاح.
o أدلة وجوب اشتراط الولي في النكاح من السنة:
§ قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»، والعمل عليه عند أهل العلم، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الاختلاف في وصل الحديث وإرساله، فقد أجاب عنه غير واحد من أهل الصنعة وصححوا الحديث، وذلك بمجموع الطرق والشواهد.
§ قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل».
· وخالف أبو حنيفة ما ذهب إليه الجمهور من أهل العلم، ونفى وجوب اشتراط الولي في النكاح إذا تزوجت كفئا، معتمدا في ذلك على القياس.
· أما استدلالهم بحديث: «الأيم أحق بنفسها من وليها»، فمحمول على اشتراط تصريحها بالموافقة على النكاح، وليس مجرد السكوت بدليل سياق الحديث وغيره.
· واستدلوا بآية منع العضل، فاعتبروها دليلا على ما ذهبوا إليه، حيث نهي الله -عز وجل- عن العضل إذا تراضى الزوجان؛ وهذا التأويل في غاية الغرابة، إذ إن معقلا أدرى بدلالة الآية، فامتثل للتوجيه القرآني وزوج أخته بعد معرفته للحكم، فقال: الآن أفعل يا رسول الله.
· واستدلوا بقوله تعالى: )حتى تنكح زوجا غيره( (البقرة: ٢٣٠)، فقالوا أن الله -عز وجل- قد أضاف عقد النكاح إلى المرأة، وهذا يرده تفسير أهل العلم بأن المقصود بالنكاح في الآية هو الجماع لا التزويج.
· واستدلوا بقوله تعالى: )فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف( (البقرة: ٢٣٤). فقالوا: قد جاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وليس الأمر كذلك، فالمراد بالفعل هنا هو التعرض للخطاب، والتزين دون مباشرة العقد، لأنه حق الأولياء.
· ومما ترتب على هذا أن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى بطلان النكاح بلا ولي ووجوب فسخه، فهو المقرر عند كل من المالكية والشافعية والحنابلة.
· اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة، فالإسلام قد أعطاها الحرية التامة في اختيار من ترضاه زوجا لها وليس للولي أن يجبرها، وذلك بدلالة حديث
النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك. وإذا حصل النكاح بالجبر فهو باطل ويصح رده، كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
· اشتراط الولي في النكاح فيه مراعاة لحقوق المرأة وصيانتها ودرء المفاسد التي قد تتعرض لها.
(*) تحرير العقل من النقل، سامر إسلامبولي، دار الأوائل، دمشق، 2001م.
[1]. الأيم: من لا زوج لها، والمقصود بها هنا: المطلقة أو الأرملة.
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، (9/ 98)، رقم (5136). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، (56/ 2191)، رقم (3411).
[3]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، (6/ 69)، رقم (2083). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2083).
[4]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في لا نكاح إلا بولي، (4/191)، رقم (1107). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1101).
[5]. شرح السنة، البغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ / 1983م، (9/ 40، 41).
[6]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، (7/ 3131)، رقم (5203).
[7]. طرق الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف، د: عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1428هـ / 2007م، ص 211: 213 بتصرف.
[8]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، (6/ 72)، رقم (2085). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2085)
[9]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ / 1990م، (4/ 194).
[10]. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، (6/ 243).
[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (9/ 90).
[12]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ / 1980م، (2/ 258).
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ / 1985م، (3/ 72).
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: من قال لا نكاح إلا بولي، (9/ 89)، رقم (5130).
[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (9/ 94).
[16]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 158).
[17]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ / 2000م، (5/ 26).
[18]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 73) بتصرف.
[19]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ / 2000م، ص567.
[20]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 73).
[21]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (9/ 94).
[22]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، (6/ 70)، رقم (2083). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2083).
[23]. حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، ط1، 1415هـ / 1995م، (3/ 61).
[24]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: تزويج المعسر، (9/ 34)، رقم (5087). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم القرآن، (5/ 2200)، رقم (3425).
[25]. انظر: أحكام القرآن، الجصاص، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ، (2/ 100).
[26]. التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: محمد الفلاح، مطبعة فضالة، المغرب، ط2، 1402هـ/ 1982م، (19/90).
[27]. التمهيد، ابن عبد البر، تحقيق: محمد الفلاح، مطبعة فضالة، المغرب، ط2، 1402هـ/ 1982م، (9/ 95).
[28]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 148).
[29]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الطلاق، باب: المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا غيره، (6/ 300)، رقم (2306). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2309).
[30]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر، د. ت، بيروت، (1/ 372).
[31]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 187).
[32]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (9/ 97).
[33]. عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح ابن قيم الجوزية، شمس الحق آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ، (6/ 101).
[34]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، (9/ 98)، رقم (5136). صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، (5/ 2191)، رقم (3411).
[35]. صحيح البخاري(بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود، (9/ 101)، رقم (5138).
[36]. اشتراط الولي في النكاح لا يقيد حرية المرأة، مقال منشور بموقع: شبكة ابن مريم الإسلامية، بتاريخ 16/ 8/ 2006م.
[37]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ / 2005م، (32/ 52) بتصرف.
[38]. العذب القراح في حكم اشتراط الولي في النكاح، د. رياض المسيميري، مقال منشور بموقع: ملتقى أهل الحديث، بتاريخ 21/5/2005.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
go
link how long for viagra to work
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat