الطعن في حديث "يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب"(*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المشككين في حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب»زاعمين أن سنده يوصم بالضعف، ومتنه بالشذوذ والنكارة. ويستدلون على ذلك بأن:
· الوهم في الحديث واضح لكل ذي لب، فكلمة المرأة تشبه سماعيا كلمة الهرة، وأصل الحديث: «يقطع الصلاة: الهرة والحمار والكلب» فقد حصل - هنا - تحريف أو تصحيف سماعي؛ وذلك لأن الدواب الثلاثة (الهرة/ الحمار/ الكلب) هي التي كانت تطوف في الأزقة والساحات وغيرها في المدينة وتنقل الأوساخ والنجاسات أثناء سيرها.
· هذا الحديث قد رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - وهو معروف - على حد زعمهم - بتحامله على النساء، وهذا واضح من رواياته.
· أغلب الأئمة على أن الصلاة لا يقطعها شيء، وهم يتجاوزون في ذلك حديث مسلم ولا يأخذون به لأن البخاري لم يروه؛ ولأنه يعارض ويخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة في أن الصلاة لا يقطعها شيء، من ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت»، وحديث ميمونة بنت الحارث قالت: «كان فراشي حيال مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، فربما وقع ثوبه علي وأنا على فراشي»، وكذا حديث ابن عباس في مروره بين يدي بعض الصف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، فلم ينكر عليه أحد ذلك.
ويتساءلون: كيف أن مرور المرأة أمام المصلي يبطل صلاته، ونومها لا يبطلها؟! وإذا سلمنا جدلا بأن الحمار والكلب يقطعان الصلاة؛ وذلك بسبب الخوف منهما حين السجود، فما بال المرأة أقحمت بينهما، وقد أنكرت ذلك عائشة - رضي الله عنها - على أبي هريرة، فقالت: «شبهتمونا بالحمر والكلاب»!
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والكلب والحمار» قد رواه غير واحد من الصحابة، منهم أبو ذر وأبو هريرة - رضي الله عنهما، وهو ثابت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنة الصحيحة بلا منازع، فكيف يعتريه التحريف أو التصحيف؟! بل كيف يدعى أن أحد رواته وهو أبو هريرة - رضي الله عنه - راوية الإسلام - يتحامل على النساء، وهو أحفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعت الأمة على توثيقه وعدالته؟! كما أنه قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو صحيح ثابت في الوصية بالنساء.
2) لقد أخذ جمهور الفقهاء بحديث قطع الصلاة، لكن على تأويل القطع فيه بنقص الصلاة وليس إبطالها؛ وذلك لانشغال القلب بالأمور الثلاثة المذكورة في الحديث، وقد أفادت ذلك اللغة، ولم يكن لهؤلاء المشككين أن يرفضوا العمل بهذا الحديث بحجة أن البخاري لم يروه؛ فإن الإمام البخاري لم يستوعب في صحيحه كل الأحاديث الصحيحة ولم يشترط ذلك، وإنما أخرج من الصحيح ما هو على شرطه.
3) ليس ثمة تعارض بين حديث قطع الصلاة، وبين كل من حديث عائشة وميمونة وابن عباس؛ إذ إن العلماء قد جمعوا بينها، والجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فحديثا عائشة وميمونة قد أفادا أن اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته يدل على جواز القعود، لا على جواز المرور وهذا لا يناقض حديث قطع الصلاة، وحديث ابن عباس - أيضا - فإنه يفيد أن سترة الإمام سترة لمن خلفه؛ لذا وقع المرور من ابن عباس - رضي الله عنه - بين يدي بعض الصف، ولم يقع مروره أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضا لا يناقض حديث قطع الصلاة.
4) لم يكن اقتران المرأة بالحمار والكلب في الحديث يعني تسويتها أو تشبيهها بهما، وإن اشتركوا جميعا في حكم فقهي واحد - وهو قطع الصلاة - إلا أن هذا الاشتراك لا يستلزم المساواة؛ وذلك لأن دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور الأصوليين؛ لكونها لا توجب - من كل الوجوه - حكما، فلا تقتضي مشاركة أو تسوية؛ لذا كان قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - «شبهتمونا بالحمر والكلاب» ليس إنكارا منها للحديث أو تكذيبا لراويه، وإنما هو اجتهاد انفردت به من دون الصحابة، والاجتهاد لا يرد الحديث الصحيح مهما كان قائله.
التفصيل:
أولا. الحديث صحيح ثابت، لا تحريف ولا تصحيف فيه:
من الثابت أن حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب» صحيح لا ريب فيه ولا مطعن ولا مغمز؛ فقد جاء عن غير واحد من الصحابة، منهم: أبو ذر وأبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وإليك هذه الأحاديث:
· فقد روي عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل؛ فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان»[1].
· وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل»[2].
· وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض»[3].
وعليه نتساءل: أين الوهم الذي يزعمون أنه واضح لكل ذي لب، بل أين التحريف أو التصحيف السماعي الذي ادعاه مثيرو الشبهة في هذا الحديث، مع أن علماء الحديث المعنيين بهذا الأمر لم يتركوا شاردة ولا واردة في نقد الأسانيد والمتون إلا أوردوها، فهم الذين وضعوا منهجا محكما في قبول الحديث ورده، شهد به القاصي والداني على مر العصور والأزمان[4]؟! فهل يتصور عاقل أن يقع مثل هذا التصحيف في الحديث الذي معنا - والذي يصفه مثيرو الشبهة بأنه واضح لكل ذي لب - ثم يتجاهله علماء الحديث المعنيون بهذا الأمر، مع ما عرفوا به من منهج سديد صائب في النقد لا يمكن إنكاره[5]؟!
وبالإضافة إلى هذا، فإن النتيجة التي توصل إليها مثيرو الشبهة من جراء ادعائهم التصحيف في الحديث - وهي أن أصل الحديث: «يقطع الصلاة الهرة والحمار والكلب» - هي نتيجة مرفوضة؛ إذ إنها لم ترد في أي كتاب من كتب السنة المعتمدة، فكيف يفوت هذا على جهابذة الحديث الذين قاموا بجمعه وتنقيح صحيحه من ضعيفه؟!
ومن جانب آخر، فإن التفسير العقلاني الذي اعتمد عليه هؤلاء الواهمون في تبرير تلك النتيجة التي ابتدعوها - وهو أن هذه الدواب الثلاثة التي جاءت في التصحيف المدعى من هرة وحمار وكلب هي تلك الحيوانات التي كانت تطوف في الأزقة والساحات وغيرها في المدينة، تنقل الأوساخ والنجاسات أثناء سيرها - هو تفسير باطل لاعتماده على تصحيف مزعوم لا وجود له، وهل يعقل ألا ينتبه إلى مثل هذا أحد من الصحابة أو أهل العلم من الفقهاء والمحدثين؟!
إذن ما هو إلا ادعاء باطل لا دليل عليه، ولا تقوم به حجة لمدع قط.
ومما يؤكد هذا قولة الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الشهيرة: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه»[6].
ومن ثم، فإن حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب» قد رواه غير واحد من الصحابة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه، وهو ثابت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنة الصحيحة بلا منازع.
وعليه، فلا يحق لمدع أن يتخذ من هذا الحديث ذريعة للطعن في راوية الإسلام أبي هريرة؛ إذ إن الطعن فيه من خلال هذا المنطلق هو طعن في كل من روى هذا الحديث.
وعلى أية حال، فإن ادعاء هؤلاء الواهمين أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان معروفا بتحامله على النساء، وهذا واضح - على حد زعمهم - من رواياته - هو قول باطل من كل الوجوه؛ إذ كيف يتحامل على النساء وهو لا يتكلم في مثل هذا وغيره من أمور الدين إلا بما يرويه مشافهة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو من طريق صحابي آخر سمع مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الإسلام من خلال وحي الكتاب والسنة قد أعلى من شأن المرأة وكرمها وأعطاها حقوقها كاملة دون ظلم لها أو إجحاف، من ذلك قوله عز وجل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات)، وقد جاءت في السنة الصحيحة أحاديث كثيرة في هذا الشأن، من ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»[7].
ومن ثم، فإنه لم يكرم دين سماوي المرأة مثلما فعل الإسلام، وليس شئ أدل على ذلك مما كانت عليه المرأة في الجاهلية وما صارت إليه في الإسلام، فبضدها تتميز الأشياء.
ومن جانب آخر، فقد كان أبو هريرة - رضي الله عنه - أحفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عنه الذهبي: "أبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدائه بحروفه، فقد كان وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث"[8] [9].
وانطلاقا من هذا، فإن الطعن في أبي هريرة - رضي الله عنه - هو طعن في السنة الصحيحة في المقام الأول؛ إذ إنه راوية الإسلام بلا منازع، ولهذا فقد أثيرت حوله شبهات كثيرة، ورماه أعداء السنة بتهم عديدة، ولم يثبت شيء مما افتراه عليه المبطلون، وبهذا فحديث قطع الصلاة صحيح لا مرية فيه.
ثانيا. إجماع جمهور الفقهاء على الأخذ بحديث قطع الصلاة، ووجوب العمل به لكن على التأويل بالنقص وليس الإبطال:
من المقرر أن جمهور الفقهاء قد أخذ بالحديث الذي أخرجه مسلم وغيره من أصحاب السنن:«يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب»، ولم يرفض العمل به، ولكنه لم يفسر القطع فيه بإبطال الصلاة ووجوب إعادتها كما فعل البعض، وإنما فسر القطع بإلحاق النقص في الصلاة دون الإبطال.
قال النووي: "وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي -رضي الله عنهم- وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم، وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة؛ لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها"[10].
ويؤكد هذا أن اللغة العربية كما تفيد المعنى الأول وهو (الإبطال)، فإنها تفيد المعنى الثاني وهو (النقص)، فالله - سبحانه وتعالى - يقول في سورة يوسف: )فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن( (يوسف: ٣١)، فهنا لفظة )وقطعن( لا تفيد البتر، وإنما تفيد الجرح فحسب[11]، فالقطع كما يفيد البتر، كما في قوله تعالى: )فاقطعوا أيديهما( (المائدة: ٣٨) فإنه يفيد إلحاق النقص أو الجرح، كما في قوله تعالى: )وقطعن أيديهن(.
ويضيف القاضي عياض فيما حكاه عنه ابن قدامة، فيقول: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد - أي إبعاد من مر بين يديه في الصلاة - فلم يفعله، أما إذا رد فلم يمكنه الرد، فصلاته تامة؛ لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة، فلا يؤثر فيها ذنب غيره[12].
وعليه، فلا تعارض بين هذا وبين ما رواه ابن حبان من طريق ابن خزيمة عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود"، قلت: ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان»[13]. فقد جاء في الحديث لفظة «تعاد الصلاة» مما يعني الإبطال والبتر، وينتفي بالتالي معنى النقص فحسب.
والإجابة على هذا: أن هذا الحديث مداره على هشام بن حسان، الذي رواه عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، وبالرجوع إلى صحيح ابن خزيمة نجد لهذا الحديث عدة طرق عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، وجميع هذه الطرق باستثناء طريق هشام بن حسان تذكر لفظة«يقطع الصلاة»، وهي اللفظة نفسها التي وردت في رواية مسلم من حديث أبي ذر، وأبي هريرة وغيرهما، ومن الرواة الذين رووا هذا الحديث بلفظة«يقطع الصلاة» عن حميد بن هلال - أحمد بن منيع، وسهل بن أسلم وسالم بن الزناد، فهؤلاء الثلاثة وآخرون غيرهم قد رووا عن حميد بن هلال لفظة «يقطع الصلاة»، ولم يرو لفظة «تعاد الصلاة»إلا هشام بن حسان عن حميد بن هلال، ولا شك في أننا لا بد أن نأخذ رواية الكثيرين المتعضدة برواية مسلم القائلة بالقطع، ورد رواية غريبة انفرد بها هشام بن حسان تقول بالإعادة؛ لأن الروايات كلها إنما هي رواية واحدة تذكر واقعة واحدة، ولا بد ولا مندوحة عن ترجيح إحدى الروايات على غيرها. وبالترجيح نعتمد رواية مسلم والكثيرين من الرواة التي فيها لفظة «يقطع الصلاة»، ونرد رواية غريبة من طريق هشام وحده بلفظة «تعاد الصلاة»، وبذلك يثبت فهمنا من أن القطع الوارد في الأحاديث يعني إلحاق النقص فحسب[14].
ومن ثم، فإن هذا المعنى هو ما فهمه الصحابة - رضي الله عنهم - من القطع الوارد في الأحاديث؛ فقد روي أن عمر - رضي الله عنه - قال: "لو يعلم المصلي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس"، وروي أيضا أن عبد الله بن مسعود قال: "إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته"، وقد علق ابن حجر على هذين الأثرين فقال: "فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، ولا يختص بالمار، وهما وإن كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع؛ لأن مثلهما لا يقال بالرأي[15].
يذكر العلامة ابن الملقن قول الشافعي وغيره في المراد بالقطع، فيقول: "المراد بالقطع: القطع عن الخشوع والذكر للشغل بها والالتفات إليها، لا لأنها تفسد الصلاة، فالمرأة تفتن، والكلب والحمار لقبح أصواتهما، قال عز وجل: )إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (19)( (لقمان)، وقال تعالى: )كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث( (الأعراف: ١٧٦)، ولنفور النفس من الكلب، لا سيما الأسود، وكراهة لونه، وخوف عاديته، والحمار لحاجته وقلة تأتيه عند دفعه ومخالفته"[16].
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية على أن المراد بالقطع في الحديث هو نقص الثواب وليس إبطال الصلاة، فيقول معلقا على حديثي أبي ذر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - اللذين قررا أن المراة والحمار والكلب يقطعون الصلاة: "الجميع يقطع، وأنه يفرق بين المار واللابث، كما فرق بينهما في الرجل في كراهة مروره دون لبثه في القبلة إذا استدبره المصلي، ولم يكن متحدثا، وأن مروره ينقص ثواب الصلاة دون اللبث[17].
وقد شدد الشيخ عطية صقر على أن الحديث الخاص بهذه الثلاثة لا يقصد منه إبطال الصلاة، بل قد يكون المقصود إبطال الخشوع فيها أو نقصه؛ لما يحدث للمصلي من خوف من هذين الحيوانين، واشتهاء للمرأة، وفيه حث على اتخاذ السترة حتى لا يسمح بمرور هذه الأشياء أمامه[18].
وبناء عليه، فإن جمهور الفقهاء قد أخذ بالحديث: «يقطع الصلاة: المرأة والكلب والحمار» لكن على التأويل بالنقص وليس الإبطال، وقد أفادت ذلك اللغة، ولم يكن للجمهور أن يرفض العمل بهذا الحديث الثابت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن والمسانيد فقط لمظنة أن البخاري لم يروه؛ فإن الإمام البخاري لم يستوعب في صحيحه كل الأحاديث الصحيحة، ولا التزم إخراج كل الصحاح، وإنما أخرج من الصحيح ما هو على شرطه، وليس شيء أدل على ذلك من مقالته: "ما وضعت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول"[19].
ثالثا. لا تعارض ألبتة بين حديث: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب»، وبين كل من حديث عائشة وميمونة وابن عباس؛ لإمكان الجمع بينها، والجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما:
إن القول بأن حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب» يخالف الأحاديث الصحيحة أو يتعارض معها - قول باطل ترده الأدلة الصحيحة الدامغة.
يقول ابن القيم عن هذا الحديث بعد أن ذكر رواياته المتعددة: "ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيح غير صريح، وصريح غير صحيح، فلا يترك العمل بها لمعارض هذا شأنه"[20].
1. أما الأحاديث الصحيحة غير الصريحة، فهي ثلاثة أحاديث:
· حديث عائشة - رضي الله عنها، فقد روي عنها أنها قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت»[21].
وقد ذهب العلماء إلى إمكان الجمع بين حديث عائشة هذا وبين الأحاديث الواردة في قطع الصلاة بمرور المرأة والكلب والحمار، إذ إن الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فقال الإمام ابن خزيمة في تبويبه على حديث أبي ذر: «يقطع الصلاة...» الحديث: "باب ذكر الدليل على أن هذا الخبر في ذكر المرأة ليس مضادا لخبر عائشة؛ إذ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي، لا ثوي الكلب ولا ربضه، ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلي، وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، لا أنها مرت بين يديه"[22].
وقال الإمام ابن حبان في صحيحه تبويبا على حديث أبي ذر: "ذكر البيان بأن صلاة المرء إنما تقطع من مرور الكلب والحمار والمرأة، لا كونهن واعتراضهن"[23]، وبوب على حديث عائشة بقوله: "ذكر خبر أو وهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه مضاد للأخبار التي تقدم ذكرنا لها"[24]ـ يقصد الأحاديث الواردة في قطع الصلاة بمرور الكلب والمرأة والحمار.
ويقول ابن القيم: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعائشة - رضي الله عنها - نائمة في قبلته، وكأن ذلك ليس كالمار، فإن الرجل محرم عليه المرور بين يدي المصلي، ولا يكره له أن يكون لابثا بين يديه، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها"[25]، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر في "الفتح"[26].
ومن ثم، فالاعتراض أو الوقوف ليس كالمرور، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة»، لا بد فيه من إضمار المرور أو غيره، فإنه لا يقطعها إلا الفعل يفعله، فلا بد من إضمار ذلك الفعل، وقد جاء في بعض الأخبار ذكر المرور، فيتعين حمله عليه[27].
· حديث ميمونة بنت الحارث قالت: «كان فراشي حيال مصلى النبي، فربما وقع ثوبه علي وأنا على فراشي»[28].
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "قال ابن بطال: هذا الحديث وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته، يدل على جواز القعود لا على جواز المرور"[29].
وقال الشوكاني: "إن وقوع ثوبه - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة لا يستلزم أنها بين يديه، فضلا عن أن يستلزم المرور"[30]، وقد دلت على هذا رواية أخرى لميمونة تقول فيها: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا إلى جنبه نائمة، فإذا سجد أصابني ثوبه وأنا حائض»[31].
وقال أيضا معلقا على حديثي عائشة وميمونة - رضي الله عنهما: "إن حديثي عائشة وميمونة خارجان عن محل النزاع"[32]، ومن ثم فلا تعارض.
· حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال:«أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد»[33].
لقد بوب البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب سترة الإمام سترة من خلفه"، وهذا ما ذكره الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث[34].
قال الحافظ ابن الملقن: "مرور الحمار بين يدي المصلي لا يخلو إما أن يكون المصلي إماما أو غيره، فإن كان إماما فلا يخلو أن يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة، فإن كان إلى سترة فهي سترة لمن وراءه، فالمرور وقع في هذا الحديث بين يدي بعض الصف لا كله، والإمام سترة للكل فلا يضر"[35].
وحكى الحافظ ابن حجر في "الفتح" عن ابن عبد البر أنه قال: حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه...» الحديث[36]، فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه؛ لحديث ابن عباس هذا، قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل القاضي عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام، أم سترتهم الإمام نفسه[37].
ويقول الشوكاني معلقا: وإذا تقرر الإجماع على أن الإمام أو سترته سترة للمؤتمين، وتقرر بالأحاديث المتقدمة - وهي الأحاديث الواردة في قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب - أن الحمار ونحوه إنما يقطع مع عدم اتخاذ السترة، تبين بذلك عدم صلاحية حديث ابن عباس للاحتجاج به على أن الحمار لا يقطع الصلاة؛ لعدم تناوله لمحل النزاع وهو القطع مع عدم السترة، ولو سلم تناوله لكان المتعين الجمع بما تقدم[38].
وقد ذهب قوم إلى القول بنسخ حديث أبي ذر وغيره من الأحاديث الواردة في قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب - بكل من الأحاديث الثلاثة السابقة المدعى تعارضها معه، وهم يستدلون على هذا بحديث: «لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان»[39]، وهو ضعيف.
قال الإمام النووي مفندا هذا القول: "هذا غير مرض؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها، وعلمنا التاريخ، وليس هنا تاريخ"[40]، ولا تعذر الجمع والتأويل.
وعليه، كان الجمع بين تلك الأحاديث المتوهم تعارضها هو المقدم لعدم تعذره، والقاعدة الأصولية تقول: الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، ومن ثم فلا تعارض ألبتة.
وعليه، فلا يحق لمدع أن يتساءل مستنكرا: كيف تقطع الصلاة بمرور المرأة؛ لأن في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن اعتراضها في القبلة نفسها لا يضر[41].
ويضيف الحافظ العراقي فيقول: في حديث عائشة المتفق عليه ما يشير إلى أن المرور أشد؛ فإنها قالت: «فأكره أن أسنحه[42]، فأنسل من قبل رجلي السرير»[43]، وفي رواية: «فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنسل من عند رجليه»؛ أي: من عند رجلي السرير[44] [45].
2. أما الأحاديث الصريحة غير الصحيحة، فمنها حديث أبي سعيد الخدري المتقدم: «لا يقطع الصلاة شيء»، وكذا حديث عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «زار النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسا في بادية لنا، ولنا كليبة وحمارة ترعى، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر، وهما بين يديه، فلم تؤخرا ولم تزجرا»[46].
قال ابن حزم عنه: وهذا باطل؛ لأن العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل[47]، إذن فهو حديث منقطع.
وقد أقره على هذا الحافظ ابن حجر في "التهذيب"[48].
وقال الخطابي: "وأما حديث الفضل بن عباس ففي إسناده مقال، ثم إنه لم يذكر فيه نعت الكلب، وقد يجوز أن يكون هذا الكلب ليس بأسود، فبقي خبر أبي ذر في الكلب الأسود لا معارض له، فالقول به واجب لثبوته وصحة إسناده"[49].
وعليه، فإن جميع الأحاديث التي تنص على أن الصلاة لا يقطعها شيء لم تثبت، ولم تخرج عن دائرة الضعف والضعف الشديد، وهي بذلك لا تقوى مطلقا على مناهضة الأحاديث الصحيحة والحسنة الواردة في قطع الصلاة بمرور المرأة والكلب والحمار، لذا تترك ولا يلتفت إليها؛ لمخالفتها ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم[50].
رابعا. دلالة الاقتران في الحديث ضعيفة عند جمهور الأصوليين:
لم يكن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة في الحديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب» إقحاما أو امتهانا لها، وإنما كان لأجل إرساء حكم شرعي وهو نقص الصلاة لانشغال القلب بها عند مرورها؛ إذ إنها محل للفتنة.
ومما يؤكد هذا ويعضده أن دلالة الاقتران عند جمهور الأصوليين ضعيفة؛ إذ إنها لا توجب حكما، ولا تقتضي مشاركة أو تسوية، ويستدلون على هذا بأن الشركة إنما تكون في المتعاطفات الناقصة المحتاجة إلى ما تتم به، فإذا تمت بنفسها فلا مشاركة، كما في قولهعز وجل: )محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم( (الفتح: ٢٩) فإن الجملة الثانية في هذه الآية معطوفة على الأولى، ولا تشاركها في الرسالة، ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة، والأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولا يشاركه غيره[51]، ومن ذلك أيضا تحريم الحنفية وبعض المالكية أكل الخيل، مستدلين على ذلك بقولهعز وجل: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة( (النحل: ٨)، حيث قالوا: إن الله جعل الخيل مع الحمير، وهذه تسمى دلالة الاقتران، وهي ضعيفة؛ لأن العطف لا يقتضي المساواة في الحكم، كما في قوله عز وجل: )كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده( (الأنعام: ١٤١) كلوا، وآتوا: فالأكل من الثمر ليس بواجب، وآتوا حقه - الذي هو الزكاة - واجب، فالعطف لا يقتضي من كل وجه التشريك في الحكم[52].
ويضيف الشوكاني قائلا: "فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع، فلدليل خارجي، ولا نزاع فيما كان كذلك، ولكن الدلالة فيه ليست للاقتران، بل للدليل الخارجي"[53].
أما الشيخ عطية صقر - رحمه الله - فقد كان له تعقيب على هذا الحديث أكد فيه على أن التسوية ليست للتحقير أبدا، فالفرق كبير، ولكن الموضوع أساسه الاحتياط؛ لعدم الانشغال في الصلاة رهبا بمثل الكلب الأسود والحمار، ورغبا بمثل المرأة، وأثرها في الانشغال لا ينكر، ومقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأبى الانشغال بمثل ذلك، لكن غيره يتأثر في أغلب الأحوال على الوجه المذكور[54].
ومن خلال هذا العرض الموجز يتبين لنا أن اقتران المرأة بالحمار والكلب في الحديث لا يعني تسويتها أو تشبيهها بهما، وإن اشتركوا جميعا في حكم فقهي واحد - وهو قطع الصلاة - وأن هذا الاشتراك لا يستلزم التسوية التامة؛ وذلك لأن دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور الأصوليين؛ لكونها لا توجب من كل الوجوه حكما، ولا تقتضي مشاركة أو تسوية.
وعليه، فإن قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها: «شبهتمونا بالحمر والكلاب» ليس إنكارا منها للحديث أو تكذيبا لراويه، وإنما هو اجتهاد انفردت به من دون الصحابة، والاجتهاد لا يرد به الحديث الصحيح مهما كان قائله.
الخلاصة:
· إن حديث: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب» قد رواه غير واحد من الصحابة، منهم: أبو ذر وأبو هريرة - رضي الله عنهما، وهو ثابت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنة الصحيحة بلا منازع، فكيف يعتريه التحريف أو التصحيف؟!
· إن القول بتحامل أبي هريرة - رضي الله عنه - على النساء قول باطل؛ إذ كيف يتحامل على النساء، وهو لا يتكلم في أمور الدين إلا بما يرويه مشافهة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو من طريق صحابي آخر سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - مشافهة، وهو في ذلك وثيق الحفظ؛ لأنه أحفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل معلوم أنه لم يكرم دين سماوي المرأة مثلما فعل الإسلام، وليس شيء أدل على ذلك مما كانت عليه المرأة في الجاهلية، وما صارت إليه في الإسلام.
· إن جمهور الفقهاء قد أخذ بحديث قطع الصلاة، لكن على تأويل القطع فيه بنقص الصلاة وليس إبطالها كما أفادت بذلك اللغة؛ إذ الحكمة من ذلك انشغال القلب بمرور هذه الثلاثة (المرأة، الحمار، الكلب)، فالمرأة تفتن، والكلب والحمار لقبح أصواتهما، ولنفور النفس من الكلب والخوف منه لا سيما الأسود؛ لأنه شيطان، والحمار لحاجته وقلة تأتيه عند دفعه ومخالفته.
· لم يكن للجمهور أن يرفض العمل بهذا الحديث - يقطع الصلاة - الثابت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن والمسانيد بحجة أن البخاري لم يروه؛ فإن الإمام البخاري لم يستوعب في صحيحه كل الأحاديث الصحيحة، ولا التزم إخراج كل الصحاح، وإنما أخرج من الصحيح ما هو على شرطه، وترك من الصحاح مخافة الطول كما صرح هو بذلك.
· لا تعارض حقيقة بين حديث: «يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب»، وبين كل من عائشة وميمونة وابن عباس رضي الله عنهم، فأما حديث عائشة في اعتراضها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، فقد ذهب العلماء إلى الجمع بينه وبين الحديث المتقدم، فقال ابن القيم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعائشة - رضي الله عنها - نائمة في قبلته، وكأن ذلك ليس كالمار؛ فإن الرجل محرم عليه المرور بين يدي المصلي، ولا يكره أن يكون لابثا بين يديه، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة - أي الخشوع - دون لبثها. والمرور أشد كما جاء في حديث عائشة، قالت: «فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه»؛ أي: من عند رجلي السرير.
· وأما عن حديث ميمونة بنت الحارث: «كان فراشي حيال مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، فربما وقع ثوبه علي وأنا على فراشي»، فإن فيه أيضا أن اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته يدل على جواز القعود، لا على جواز المرور.
· وأما عن حديث ابن عباس في مروره بين يدي بعض الصف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه يفيد أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وقد وقع المرور من ابن عباس - رضي الله عنهما - بين يدي بعض الصف لا كله، وهذا لا يضر.
ومن ثم فلا تعارض بين هذه الأحاديث الثلاثة، وبين الحديث المتقدم في قطع الصلاة؛ لإمكان الجمع بينها، والجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
· وأما حديث أبي سعيد: «لا يقطع الصلاة شيء»، وحديث الفضل بن عباس في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف كليبة وحمارة، فقد أجمع العلماء على تضعيفهما، ومن ثم فلا يقويان على معارضة الحديث الصحيح.
· لم يكن اقتران المرأة بالحمار والكلب في الحديث يعني تسويتها أو تشبيهها بهما، وإن اشتركوا جميعا في حكم فقهي واحد - وهو قطع الصلاة - إلا أن هذا الاشتراك لا يستلزم التسوية التامة؛ وذلك لأن دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور الأصوليين؛ لكونها لا توجب من كل الوجوه حكما، ولا تقتضي مشاركة أو تسوية؛ لذا كان قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها: «شبهتمونا بالحمر والكلاب»ليس إنكارا منها للحديث أو تكذيبا لراويه، وإنما هو اجتهاد انفردت به من دون الصحابة، والاجتهاد لا يرد الحديث الصحيح مهما كان قائله.
وبذلك تسقط ادعاءات مثيري الشبهة في هذا الحديث، ويبقى الحق واضحا ناصع البيان، والحق أحق أن يتبع.
(*)تحرير العقل من النقل، سامر إسلامبولي، مكتبة الأوائل، دمشق، 2001م. دور السنة في إعادة بناء الأمة، جواد موسى محمد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م.
[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي، (3/ 1076)، رقم (1117).
[2]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي، (3/ 1076)، رقم (1119).
[3]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يقطع الصلاة، (1/ 305)، رقم (949). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (700).
[4]. انظر: التأصيل الشرعي لقواعد المحدثين، د. عبد الله شعبان، دار السلام، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص639.
[5]. التأصيل الشرعي لقواعد المحدثين، د. عبد الله شعبان، دار السلام، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص578 بتصرف.
[6]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الطهارة، باب: كيف المسح، (1/ 191، 192)، رقم (162). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (162).
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته، (6/ 418)، رقم (3331)، صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، (6/ 2287)، رقم (3583).
[8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 619: 621) بتصرف.
[9]. انظر: أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1402هـ/ 1982م.
[10]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (3/ 1077).
[11]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (12/ 263).
[12]. المغني، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، القاهرة، 1412هـ/ 1992م، (3/ 94) بتصرف يسير.
[13]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: ما يكره للمصلي وما لا يكره، (6/ 151)، رقم (2391). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[14]. الجامع لأحكام الصلاة، محمود عبد اللطيف عويضة، دار الوضاح، الأردن، ط3، 2003م، (2/ 165، 166) بتصرف.
[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (1/ 696) بتصرف.
[16]. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ابن الملقن، تحقيق: عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1997م، (3/ 322).
[17]. القواعد النورانية الفقهية، ابن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، القاهرة، ط1، 1370هـ/ 1951م، (1/ 10).
[18]. الرد على دعوى المساواة بين المرأة والكلب، مقال للأستاذ جمال البليدي، موقع الدفاع عن الحق، بتاريخ 14 يونيو 2008م.
[19]. الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص246.
[20]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (1/ 306).
[21]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، (3/ 1077)، رقم (1121).
[22]. صحيح ابن خزيمة، ابن خزيمة، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390هـ/ 1970م، (2/ 21).
[23]. صحيح ابن حبان، ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (6/ 151).
[24]. صحيح ابن حبان، ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م، (6/ 150).
[25]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (1/ 306، 307).
[26]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (1/ 703).
[27]. المغني، ابن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، القاهرة، 1412هـ/ 1992م، (3/ 102) بتصرف.
[28]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: إذا صلى إلى فراش فيه حائض، (1/ 705)، رقم (517).
[29]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (1/ 706).
[30]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفي الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هــ/ 2001م، (4/ 1457).
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: إذا صلى إلى فراش فيه حائض، (1/ 705)، رقم (518).
[32]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفي الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هــ/ 2001م، (4/ 1457).
[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: سترة الإمام سترة من خلفه، (1/ 680، 681)، رقم (493).
[34]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (3/ 1071، 1072).
[35]. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ابن الملقن، تحقيق: عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1997م، (3/ 319، 320).
[36]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي، (3/ 1072)، رقم (1108).
[37]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (1/ 682) بتصرف.
[38]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفي الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هــ/ 2001م، (4/ 1463) بتصرف.
[39]. ضعيف: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: لا يقطع الصلاة شيء، (2/ 287)، رقم (715). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (719).
[40]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (3/ 1077).
[41]. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر، تحقيق: مصطفي بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكريم البكري، مؤسسة قرطبة، المغرب، 1986م، (21/ 168) بتصرف.
[42]. أسنحه: أظهر له من قدامه.
[43]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة إلى السرير، (1/ 692)، رقم (508). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، (3/ 1078)، رقم (1124).
[44]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: لا يقطع الصلاة شيء، (1/ 700)، رقم (514). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، (3/ 1078)، رقم (1123).
[45]. طرح التثريب، الحافظ العراقي، (3/ 201، 202).
[46]. ضعيف: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند الفضل بن عباس رضي الله عنهما، (3/ 228)، (1797). وضعفه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[47]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (4/ 13).
[48]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (5/ 108).
[49]. معالم السنن شرح سنن أبي داود، الخطابي، المطبعة العلمية، حلب، ط1، 1351هـ/ 1932م، (1/ 190).
[50]. الجامع لأحكام الصلاة، محمود عبد اللطيف عويضة، دار الوضاح، الأردن، ط3، 2003م، (2/ 16) بتصرف.
[51]. إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، (1/ 248).
[52]. شرح زاد المستقنع، الشنقيطي، (12/ 3918) بتصرف.
[53]. إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، (1/ 248).
[54]. الرد على دعوى المساواة بين المرأة والكلب، مقال للأستاذ جمال البليدي، موقع الدفاع عن الحق، بتاريخ 14 يونيو 2008م، بتصرف.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
husband cheat
online online affair
read here
website why women cheat on men