توهم صحة حديث "إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد" )*(
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض الناس صحة حديث عمارة بن غراب الذي ورد في سنن أبي داود والبيهقي، وقد جاء فيه عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد - عن عمارة بن غراب قال: «إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة، قالت: إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دخل فمضى إلى مسجده، قال أبو داود: تعني مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال: ادني مني، فقلت: إني حائض، فقال: وإن، اكشفي فخذيك، فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام».
وجه إبطال الشبهة:
· إن الناظر في سند هذا الحديث يجد إسنادا ضعيفا واهيا؛ فعمارة بن غراب، والرواي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، والراوي عن عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن غانم الرعيني كلهم لا يحتج بحديثهم؛ ولذا حكم علماء الحديث عليه بالضعف، ولا وجه للقول بصحته.
التفصيل:
من المعلوم أنه ليس كل حديث أخرجه أصحاب الحديث في كتبهم - بخلاف الصحيحين - يعد حديثا صحيحا، كما وضح هذا علماء الحديث ونقاده.
ومن ثم فإن حديث«إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد» حديث ضعيف، ضعفه العلماء، وقد رواه أبو داود في سننه، قال: حدثنا عبد الله بن سلمة، أخبرنا عبد الله - يعني ابن عمر بن غانم - عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد - عن عمارة بن غراب قال: «إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة، قالت: إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل فمضى إلى مسجده، قال أبو داود: تعني مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال: ادني مني، فقلت: إني حائض، فقال: وإن، اكشفي فخذيك، فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام»[1]. وقد رواه أيضا البيهقي في السنن الكبرى[2].
وإن الناظر في سند هذا الحديث يجده سندا واهيا كله؛ فقد ضم عمارة بن غراب، وعبد الرحمن بن زياد، وعبد الله بن عمر بن غانم.
· فأما عمارة بن غراب فيقول عنه أحمد بن حنبل: "ليس بشيء"[3]. وقال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب": "تابعي مجهول، غلط من عده صحابيا"[4].
· وأما الراوي الثاني، وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، فقد ذكره ابن حبان في "المجروحين"، ثم قال عنه: "كان يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي عن الأثبات ما ليس من أحاديثهم، وكان يدلس على محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال الدارمي: سألت يحيى بن معين عن الإفريقي، فقال: ضعيف[5]. وقال الحافظ المزي في تهذيبه: "قال محمد بن يزيد المستملي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: أما الإفريقي، فما ينبغي أن يروى عنه حديث. وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: ليس بشيء. وقال أحمد بن الحسن الترمذي وغيره عن أحمد بن حنبل: لا أكتب حديثه. وقال أبو بكر المروذي عن أحمد بن حنبل: منكر الحديث... وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين: ضعيف[6].
"وقال صالح بن محمد البغدادي: منكر الحديث... وقال الترمذي: ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره... وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو بكر بن خزيمة: لا يحتج به. وقال ابن خراش: متروك"[7].
وقال الذهبي في الميزان: "قال ابن القطان: من الناس من يوثق عبد الرحمن ويربأ به عن حضيض رد الرواية، ولكن الحق فيه أنه ضعيف"[8].
· وأما الراوي الثالث، وهو عبد الله بن عمر غانم الرعيني، فقد ذكره ابن حبان في "المجروحين"، ثم قال عنه: "يروي عن مالك ما لم يحدث به مالك قط، ولا يحل ذكر حديثه ولا الرواية عنه في الكتب على سبيل الاعتبار"[9].
ومن ثم، فرجال الإسناد ضعفاء لا يحتج بهم؛ ولذلك قال المنذري: "عمارة بن غراب، والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، والراوي عن الإفريقي عبد الله بن عمر بن غانم، وكلهم لا يحتج بحديثه"[10].
ولذلك رأينا الشيخ الألباني قد حكم على هذا الحديث بالضعف في كتابيه "ضعيف الأدب المفرد للبخاري" برقم (3)[11]، و "صحيح وضعيف سنن أبي داود" برقم (270)[12].
وإذا كان هذا الحديث بهذه الحال من ضعف الإسناد الشديد، فلا وجه - إذن - للقول بصحته، ولا سبيل ألبتة إلى صحة هذا لمن ادعاه، وإن كان هذا الحديث كذلك من الضعف والوهن فلا يصح الاستشهاد به أو الاعتماد عليه بأي حال من الأحوال.
الخلاصة:
· إن هذا الحديث الذي توهم صحته لا يصح سندا ألبتة؛ فرجال إسناده ضعفاء ولا يحتج بهم.
· إن عمارة بن غراب، والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، والراوي عن الإفريقي لا يحتج بحديثهم، فكيف يدعى صحة الحديث ورجال الإسناد كلهم ضعفاء؟!
· لقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بالضعف في كتابيه "ضعيف الأدب المفرد للبخاري" و"صحيح وضعيف سنن أبي داود".
(*) مقال "اكشفي عن فخذيك"، شبهات حول السنة المطهرة، شبكة ابن مريم الإسلامية، بتاريخ 27/ 6/ 1427هـ.