توهم صحة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات"(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن في السنة النبوية أحاديث صحيحة قد صنفها بعض العلماء مع الأحاديث الموضوعة، ويستدلون على ذلك بحديث: «الجنة تحت أقدام الأمهات، من شئن أدخلن، ومن شئن أخرجن»، ويزعمون أنه حديث صحيح، صنفه العلماء في الأحاديث الموضوعة.
هادفين من وراء ذلك إلى إلباس الباطل لباس الحق بنشر الأحاديث الموضوعة على أنها صحيحة.
وجه إبطال الشبهة:
· إن حديث «الجنة تحت أقدام الأمهات...»حديث موضوع بإجماع العلماء؛ لوجود موسى بن محمد بن عطاء الكذاب في سنده، لذلك وجب تركه وعدم الاستشهاد به، لا سيما وأن في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ما يغني عنه في الحث على طاعة الوالدين؛ وذكر فضائلهما، فلماذا الأخذ بما لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيما صح غنية عن غيره؟!
التفصيل:
إن حديث «الجنة تحت أقدام الأمهات…» بلفظه هذا، حديث موضوع ومنكر، أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن موسى بن محمد بن عطاء، حدثنا ميمون عن ابن عباس مرفوعا، وقال: "هذا حديث منكر"[1]، وموسى بن محمد أحد رواة هذا الحديث مجروح، ومعروف بأنه وضاع ومنكر الحديث، ومن ذلك:
ما ذكره الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال، قال عنه: "كذبه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني وغيره: متروك.
وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه؛ كان يضع الحديث، وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث"[2].
وقال ابن حبان: "كان يدور بالشام ويضع الحديث على الثقات، ويروي ما لا أصل له عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار للخواص"[3].
وذكره الدارقطني في المتروكين[4].
"وقال عبد الرحمن سألت أبي عنه، فقال: رأيته عند هشام بن عمار، ولم أكتب عنه، وكان يكذب ويأتي بالأباطيل، وقال موسى بن سهل الرملي: أشهد عليه أنه كان يكذب. وسئل أبو زرعة عن أبي طاهر المقدسي، فقال: أتيته فحدث عن الهيثم بن حميد وفلان وفلان، وكان يكذب"[5].
"ولما ذكره العقيلي في الضعفاء، قال يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات، وقال: منكر الحديث، وأخرج حديثي ابن عباس، وقال في كل منهما: منكر، وقال ابن يونس: روى عن مالك موضوعات، وهو متروك الحديث، وقال عبد الغني بن سعيد: ضعيف، وقال أبو نعيم الأصبهاني: لا شيء. وقال منصور بن إسماعيل بن أبي قرة: كان يضع الحديث على مالك والموقري"[6].
وبهذا يتبين أن الحديث فيه من هو موصوف بالكذب، وأنه منكر الحديث ومتروك، ويحدث عن الثقات بالبواطيل، ويضع الحديث، ولا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه.
وبهذا التخريج والتحقيق - بعيدا عن الأهواء - يتضح لنا أن هذا الحديث بلفظه موضوع، وذلك بقول أئمة هذا العلم، منهم: الإمام الحافظ ابن عدي، والإمام العقيلي، والإمام أبو حاتم، والإمام أبو زرعة، والإمام الدارقطني، والإمام ابن حبان، والإمام الذهبي، والإمام ابن حجر، وقد أخذ الشيخ الألباني بأقوال هؤلاء الأئمة الحفاظ، وقال: "إن الحديث موضوع "، وأورده في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة [7].
وإذا كان هذا الحديث موضوعا بهذا الشكل الذي بيناه فلا يصح أن يحتج به لا سيما وأن هناك من القرآن والسنة ما يغني عن ذلك، ويؤدي نفس المعنى، لكنه صحيح من قول الله تعالى حقا، ومن قول نبيه - صلى الله عليه وسلم - صدقا.
ومن الآيات الكثيرة الواردة في تكريم الله - عز وجل - للوالدين - لا سيما للأم - وفي بيان فضلهما: قوله تعالى: )وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)( (الإسراء).
وكذلك قوله تعالى: )ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير (14)( (لقمان).
وكذلك قوله تعالى: )ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا( (الأحقاف: ١٥)، وهكذا نجد أن الله - تعالى - قد أعلى ورفع من شأن الأم وأعلى مكانتها، وربط الإحسان إليها وطاعتها بطاعته - سبحانه وتعالى - وقرنها بها.
وكذلك فإن هناك الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة والتي لا مجال فيها لشك، تدعو إلى إعلاء شأن الأم والوالدين عموما ورفع مكانتها وحسن الجزاء والثواب لمن أطاعها وأحسن إليها، ومن ذلك ما روي «عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله»[8].
ومنها أيضا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف. قيل: من يا رسول الله؟! قال: رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة»[9].
ومنها أيضا: ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العـاص - رضي الله عنهما - قال: «أقبل رجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما»[10].
ومنه أيضا: ما روي عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟. قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك»[11].
وفي رواية: «يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك»[12].
وينبغي أن نعلم أن هناك رواية قريبة جدا في اللفظ والمعنى تغني عن هذه الرواية الموضوعة المنكرة، وهي: حديث معاوية بن جاهمة السلمي: «أن جاهمة جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها»[13].
والذي نريد أن نقوله هنا أن السنة النبوية الصحيحة فيها كفاية لكل ما نحتاج إليه، فلماذا نأخذ الضعيف أو الموضوع ونترك الصحيح؟!
إن بيان الموضوع للناس هو دفاع عن السنة الصحيحة حتى لا يدخلها غير الصحيح، وهذا ما حدث في موضوعنا هذا.
وفي النهاية فإن حديث «الجنة تحت أقدام الأمهات» حديث موضوع ينبغي أن لا يستشهد به؛ لا سيما وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة مليئان بذكر فضل الأم والوالدين عموما، والتذكير بأنهما طريق الأبناء إلى الجنة.
الخلاصة:
· إن حديث «الجنة تحت أقدام الأمهات»بهذا اللفظ حديث موضوع مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - سندا؛ وذلك لأن موسى بن محمد بن عطاء أحد رواته كذاب، كان يضع الحديث، ويروي ما لا أصل له عن الأثبات، لذلك لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه.
· لقد حكم على هذا الحديث بالوضع الحافظ ابن عدي والإمام العقيلي، والإمام أبو زرعة، والإمام الدارقطني، والإمام ابن حبان، والإمام الذهبي، والإمام ابن حجر، وذكره الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقال: هذا حديث موضوع.
· وعليه فما دام هذا الحديث موضوعا، فلا حاجة إلى الاستناد إليه والاستشهاد به، لا سيما وأن هناك من الكتاب والسنة ما يغني عنه، فقد ذكر القرآن الكريم الإحسان للوالدين - خاصة الأم - بعد الأمر بعبادته وحده، وحث على ذلك في مواطن عدة.
· أما السنة المطهرة الصحيحة فقد أكثرت من بيان فضل الأم والوالدين عموما وحضت على طاعتهما، فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من أحق الناس بحسن الصحبة الأم، وكرر ذلك ثلاث مرات، ثم فضل خدمة الوالدين على الجهاد، وقال للرجل الذي طلب منه أن يأذن له في الجهاد وله أم: جاهد فيها، فإن الجنة تحت رجليها؛ فهي السبيل لدخول الإنسان الجنة إذا برها.
· الرسالة التي نريد إبلاغها هنا أن الأحاديث الموضوعة التي ليست من قول النبي يجب تركها وتنقية السنة منها، فالصحيح فيه كفاية عن غيره. وهذا من الدفاع عن سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ببيان الصحيح من غيره.
(*) دفاع عن السنة المطهرة، علي إبراهيم حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م.
[1]. الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1409هـ/ 1998م، (6/ 348).
[2]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (4/ 219).
[3]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، سوريا، ط2، 1402هـ، (2/ 243).
[4]. انظر: كتاب الضعفاء والمتروكين، الدارقطني، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1406هـ/ 1986م، ص163.
[5]. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1372هـ/ 1952م، (8/ 161).
[6]. لسان الميزان، ابن حجر، تحقيق: غنيم بن عباس غنيم، دار الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (7/ 189،188).
[7]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (2/ 59).
[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها، (2/ 12)، رقم (527). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، (2/466)، رقم (248).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة، (9/ 3682)، رقم (6390).
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به، (9/ 3677)، رقم (6387).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة؟، (10/ 415)، رقم (5971). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به، (9/ 3676)، رقم (6380).
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به، (9/ 3676)، رقم (6381).
[13]. حسن صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الجهاد، باب: الرخصة في التخلف لمن له والدة، (2/ 503)، رقم (3117). وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (3104): حسن صحيح.
go
link how long for viagra to work
go
link how long for viagra to work
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband