دعوى بطلان حديث "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما..."(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين بطلان متن الحديث الذي رواه البخاري في صحيحيه عن عبد الله بن مسعود قال: «حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات: فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...».
ويستدلون على ذلك بأن الحديث يفيد أن الجنين لا يتشكل على صورة الإنسان إلا بعد مرور أربعة أشهر من بدء الحمل، وذلك يتعارض مع بعض الأحاديث الصحيحة التي ذكرت أن الجنين يتشكل بعد أربعين يوما، كما يخالف ما جاء به العلم وثبت يقينا أن الجنين يتشكل ويصبح خلقا آخر (على صورة إنسان) في خلال ستة أسابيع (اثنان وأربعون يوما)، وقد أصبح هذا واقعا علميا، لا ينكره أحد.
كما أن متن الحديث يخالفه مخالفة صريحة ما جاءت به نصوص القرآن الكريم، فالحديث يقول بنفخ الروح في الجنين بعد ثمانين يوما أو مائة وعشرين يوما، علما بأن الجنين فيه الروح منذ مرحلة النطفة، وأنه لم يرد أن الله تعالى نفخ من روحه في أحد سوى آدم وعيسى ابن مريم - عليها السلام - أما باقي البشر فخلقهم جميعا من آدم - عليه السلام - والقرآن يقول بتصوير الجنين لا بنفخ الروح فيه، قال سبحانه وتعالى: )هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (6)( (آل عمران).
كما يزعمون أن الحديث لم يذكر مرحلة النطفة التي تعد أولى مراحل التخلق في رحم الأم، بيد أن القرآن قد ذكرها في قوله تعالى: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون).
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد جاء حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عند الإمام البخاري مجملا، وعند الإمام مسلم مفصلا بزيادة صحيحة توضح مجمل رواية الإمام البخاري، وهي قوله: «في ذلك»، فجمع الخلق يتم في أربعين يوما، وذكر العلقة والمضغة يتم من قبيل التفصيل لهذا المجمل، ويدل على ذلك الأحاديث الصحيحة عند الإمام مسلم والإمام أحمد التي تحدد مدة جمع الخلق في اثنين وأربعين يوما، وهذا ما أكده العلم الحديث.
2) الروح سر من أسرار الله تعالى أخفاها عن جميع خلقه، يقول تعالى: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء)، وقد أثبت العلم الحديث أن الروح تنفخ في الجنين بعد مرحلة التصوير التي ذكرها الحديث، ولم يحدد اليوم الذي تنفخ فيه الروح حتى أربعة أشهر، وهذا يدل على تطابق الحقائق العلمية مع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة.
3) لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - طور النطفة في الحديث؛ لأنه يتحدث عن مراحل "التخلق"، وهي العلقة والمضغة. أما مرحلة النطفة، فهي تجميع لخلايا البيضة الأنثوية وخلايا الحيوان المنوي الذكوري، وليست مرحلة "تخلق" كالعلقة والمضغة التي يتم فيها تخليق بعض الأعضاء الأولية في جسم الجنين؛ لذلك قال تعالى: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13)(، ولم يقل عز وجل: "ثم خلقناه نطفة في قرار مكين" كما قال عن المضغة والعلقة: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما( (المؤمنون: 14)، وهذا يدل على إعجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - في اختيار ألفاظه الدقيقة.
التفصيل:
أولا. لا تعارض بين الأحاديث في أن خلق الجنين يجمع في بطن أمه بعد أربعين يوما؛ إذ لا دلالة قاطعة في نص البخاري على ذلك:
إنه من الثوابت لدى علماء المسلمين في كل زمان أنه إذا صح حديث سندا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب تصديقه والأخذ به، والثبوت من صحته متنا على الإطلاق.
ثم نعمل عقولنا بعد ذلك في إدراك الحكمة من وراء هذا الخبر، ومحاولة تفسير ما قد يستشكل علينا، فإن وفقنا الله - عز وجل - إلى فهم الخبر وما يتعلق به من ألفاظ كان بها، وإن قصر إدراكنا وعلمنا عن فهم الحديث، فيجب التوقف مع التصديق والعمل بالخبر مطلقا - حتى يكشف الله عن سر ذلك الحديث حينما يشاء وحده.
وبعد؛ فإن حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - الذي رواه البخاري في صحيحه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات: فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...»[1].
وفي رواية مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطه أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات...»[2].
وهذا الحديث سنده صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وتلقته الأمة بالقبول والتصديق.
وإذا صح الحديث، فلا يعقل أن يزعم بعض الجهال بشذوذ متنه، فالحديث صحيح سندا ومتنا باتفاق العلماء.
فلا تعارض بين هذا الحديث الصحيح والأحاديث الصحيحة الأخرى، ومنها كما رواه مسلم من حديث ابن مسعود - أيضا - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها...»[3].
فكلا الحديثين رواهما راو واحد وهو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ونحن لسنا بحاجة إلى التوفيق بين حديث نبوي وبين قول الأطباء؛ فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم، وقولهم عرضة للخطأ، ولكن الحاجة إلى التوفيق بين الحديث المتقدم وبين حديثه المتأخر، والأحاديث الأخرى التي جاءت بنفس المعنى، كحديث حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتصور عليها الملك»[4].
فقد فسر معظم العلماء قديما هذا الحديث بأن جمع الخلق يكون في أربعين يوما، وأن مرحلة العلقة تكون في الأربعين الثانية، وأن مرحلة المضغة بعد العلقة تكون في الأربعين الثالثة، ثم ينفخ الروح بواسطة الملك بعد الأربعين الثالثة التي هي مائة وعشرون يوما.
وفسروا رواية مسلم بأن اسم الإشارة (في ذلك) يعود على بطن الأم، و(مثل ذلك) إلى مدة الأربعين يوما، كأنه قيل: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك البطن نطفة أربعين يوما، ثم يكون في ذلك البطن علقة أربعين يوما، ثم يكون في ذلك البطن مضغة أربعين يوما، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات...
ومما ساهم في فهم الحديث على النحو الذي أشرنا إليه سابقا هو: وظيفة حرف العطف (ثم)؛ الترتيب والتراخي، فتبعا لوظيفتها على (العلقة) أن تتبع زمنيا (جمع الخلق) وعلى (المضغة) أن تتبع (العلقة).
هذا ما فهمه شراح الحديث النبوي - قديما - من متن هذا الحديث، ومعلوم أن هؤلاء العلماء بشر أمثالنا يصيبون ويخطئون، والمعصوم من الخطأ هو الصادق المصدوق نبينا - صلى الله عليه وسلم - وحده، فهذا اجتهاد منهم وهم مجازون عليه خير الجزاء إن شاء الله.
وهناك اجتهاد آخر يخالف الاجتهاد السابق، وهذا لاحتمالية تفسير الحديث بعدة أوجه، فدلالة هذا الحديث تعد ظنية من حيث المفهوم. فالزيادة في نص مسلم زيادة ثقة، وهي لراو واحد؛ ولم يذكرها نص البخاري، وهو اسم الإشارة«في ذلك»، أي في خلال المدة نفسها، مما يعني أن المراحل الثلاث تتم جميعها في الأربعين الأولى.
ومما يؤيد ذلك ما ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم، قال: "وجوابه أن قوله: «ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب» معطوف على قوله: «يجمع في بطن أمه»، ومتعلق به لا بما قبله، وهو قوله: «ثم يكون مضغة مثله» ويكون قوله: «ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله» معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب"[5].
فتفسير النص يكون أن جمع الخلق في أربعين يوما، والعلقة يجتمع خلقها في تلك الأربعين، فيكون جمع الخلق في مرحلتين: الأولى العلقة، والثانية المضغة، وكلاهما في أربعين يوما.
وليس جمع الخلق هو مرحلة من المراحل الثلاث كما قال العلماء السابقون - رحمهم الله.
فإذا تأملنا قوله صلى الله عليه وسلم: «يجمع خلقه» في إطار اللغة العربية نجد أنه بمعنى: يتقن ويحكم، والبيان لهذا المعنى يعطي صورة واضحة لمعنى الحديث؛ حيث يغير مجريات تفسير الجمهور، ولا يفسر الحديث إلا من خلال أطر اللغة العربية التي تحدد المعاني لكل النصوص القرآنية والحديثية.
وبناء على رواية ابن مسعود - رضي الله عنه - فخلق الجنين يجمع خلال الأربعين يوما الأولى من عمره، وأطوار النطفة والعلقة والمضغة تتم وتكتمل خلال هذه الأربعين.
قال ابن الزملكاني: "وأما حديث البخاري، فيدل على ذلك؛ إذ معنى يجمع في بطن أمه؛ أي: يحكم ويتقن، ومنه رجل جميع أي مجتمع الخلق، فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضا من الأربعين، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يوما، فنصب مثل ذلك على المصدر لا على الظرف، ونظيره في الكلام قولك: إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره، ثم نشرح تغيره، فيقول: ثم إنه يكون رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما ثم يتوفاه الله بعد ذلك، وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطوراه التي ينتقل إليها مدة بنائه في الدنيا.
ومعلوم من قواعد اللغة العربية أن (ثم) تفيد الترتيب والتراخي بين الخبر قبلها وبين الخبر بعدها، إلا إذا جاءت قرينة تدل على أنها لا تفيد ذلك، مثل قوله سبحانه وتعالى: )ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153) ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون (154)( (الأنعام).
ومن أن وصية الله لنا في القرآن جاءت بعد كتاب موسى - عليه السلام - فـ (ثم) لا تفيد ترتيب المخبر عنه في الآية، وعلى هذا يكون حديث ابن مسعود رضي الله عنه: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك (أي في ذلك العدد من الأيام) علقة (مجتمعة في خلقها) مثل ذلك (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين) ثم يكون في ذلك (أي في نفس الأربعين يوما) مضغة (مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها) مثل ذلك (أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوما)[6].
والذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن اسم الإشارة (في ذلك) في الحديث يرجع إلى العدد أن هناك أحاديث أخرى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تثبت إرسال الملك الذي يؤمر بأربع كلمات، ثم ينفخ فيه الروح بعد الأربعين.
ذكر الإمام مسلم ثلاث روايات عن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - وقد ذكرنا منها الرواية السابقة.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوما - أو أربعين ليلة - بعث الله إليها ملكا، فيقول: يا رب: ما رزقه؟ فيقال له...»[7].
فالنص المجمل يبقى على إجماله، حتى يأتي نص آخر مبين، فيحمل عليه، وهذا ما اتفق عليه علماء الأصول.
فإنه لما كان اسم الإشارة (مثل ذلك) لفظا يمكن صرفه إلى واحد من ثلاثة أشياء ذكرت قبله في الحديث، وهي: جمع الخلق، وبطن الأم، وأربعين يوما - فهو لفظ مجمل يحمل على اللفظ المبين للمقصود من اسم الإشارة في قوله، والذي بين لنا ذلك حديث حذيفة - رضي الله عنه - الذي يمنع مضمونه أن يعود اسم الإشارة على الفترة الزمنية (أربعين يوما)، ولا يصح أن يعود اسم الإشارة على (بطن الأم) لأن تكراره في الحديث لا يفيد معنى جديدا.
فإنه لما كان ذلك تعين - بناء عليه - أن يعود اسم الإشارة في قوله (مثل ذلك) على جمع الخلق لا على الأربعينات[8].
وتقوى حجتنا من خلال النص القرآني الواضح الذي يشير إلى أن خلق العظام يكون بعد طور المضغة، يقول الله تعالى: )فخلقنا المضغة عظاما( وخلق العظام ثابت في الحديث الشريف بعد اثنين وأربعين يوما لما في صحيح مسلم:«إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة...»، فيتبين لنا أن المضغة نشأتها في مدة الأربعين يوما، كما هو مدلول النص القرآني والحديث النبوي الشريف.
إذن، فاتجاهات النصوص الشرعية التي جعلناها دليلا لمسألتنا تفسر نص البخاري في جمع الخلق على النحو الذي فسرناه، وإلا حدث التعارض البين بين النصوص، وشريعتنا منزهة عن مثل هذا التخبط.
فالمجمل لا بد له من مسائل إيضاحية تبين المراحل في الإجمال، وعلى هذا فله وسيلتان:
الوسيلة الأولى: هي وجود نص بين يظهر الإجمال.
الوسيلة الثانية: وجود وسيلة علمية يقينية توضح هذا المجمل.
فالعلم أقر بأن هناك ثلاث مراحل أساسية تحدث في الأربعين الأولى: فالجنين يكون نطفة مؤلفة من خلايا في بادئ الأمر إلى اليوم السابع. ومن ثم تجمع خلايا الجنين ضمن قرص جنيني داخل النطفة ما بين اليوم السابع إلى الثالث عشر. ومن ثم يتحول القرص الجنيني إلى علقة، وتخرج النطفة عن مظهرها ما بين اليوم الخامس عشر إلى الرابع والعشرين. ومن ثم تتحول العلقة إلى مضغة ما بين الخامس والعشرين إلى اليوم الثاني والأربعين تقريبا.
ويتبين لنا - بناء على هذا - أن العلم الحديث يطابق القرآن وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشكل يقيني، ولا يمكن أن يتعارضا معه، ومن ثم لا يمكن تجاهل الوسائل العلمية اليقينية التي تبين المجمل من النصوص الشرعية، وإن أشكل علينا التوفيق بينها[9].
وخلاصة ما سبق أن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - صحيح سندا؛ لاتفاق الشيخين على روايته، ومتن الحديث لا يخالف الأحاديث الأخرى؛ فالزيادة الموجودة في رواية مسلم زيادة ثقة، يجب الأخذ بها وحمل النص عليها، وعندئذ يفهم أن خلق الجنين في بطن أمه يتم ويحكم في أربعين يوما، وعلى ذلك فلا تعارض بين الحديث وبين الأحاديث الأخرى في هذا الشأن، وبذلك تسقط شبهتهم بحمد الله.
ثانيا. نفخ الروح ثابت في الجنين، ولا تعارض بين الأحاديث والقرآن في ذلك:
أما ادعاؤهم أن الحديث مردود؛ لأنه يعارض القرآن عندما نص على أن الروح تنفخ في الجنين، علما بأن الجنين فيه الروح منذ مرحلة النطفة، ولذلك فالصواب ما ذكرته الروايات الصحيحة الأخرى في مثل هذا الباب، فهي لا تقول بنفخ الروح؛ وإنما تقول بتصوير الجنين، علاوة على أن الله - عز وجل - لم ينفخ من روحه إلا في آدم وعيسى ابن مريم عليهما السلام.
فهذا ادعاء باطل واستدلال فاسد؛ فنفخ الروح في الجنين ثابت، ولا شك فيه، وقولهم: إن نفخ الروح لم يكن إلا في آدم - عليه السلام، وعيسى ابن مريم - عليهما السلام - قول لا دليل عليه، بل قامت الأدلة على دحضه وبيان زيفه.
ومما يؤكد ثبوت نفخ الروح في الجنين ما أوضحه ابن حجر في شرحه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "ومعنى إسناد النفخ للملك أنه يفعله بأمر الله، والنفخ في الأصل إخراج ريح من جوف النافخ ليدخل في المنفوخ فيه، والمراد بإسناده إلى الله - سبحانه وتعالى - أن يقول الله: كن فيكون"[10].
يقول ابن القيم: "الجنين قبل نفخ الروح هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟ قيل: كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات، ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة، فلما نفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه"[11].
كما أن استدلالهم بأن التصوير هو نفخ الروح استدلال باطل أيضا، فالتصوير غير نفخ الروح، وهذا ما أكده الإمام النووي عندما قال: "لأن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام صورته"[12].
وهذا ما أكده العلم الحديث؛ حيث يقول د. عبد الجواد الصاوي:
إن هذه القضية كما قلنا لا يفصل فيها العلم الحديث، ولكن تفصل فيها النصوص الشرعية. ولا يوجد فيما أعلم نص صريح وصحيح إلا حديث جمع الخلق الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود قال: «حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد...»
وقد اتفق علماء المسلمين على أن الجنين تنفخ فيه الروح بعد اكتمال طور المضغة، بناء على هذا النص النبوي الصريح. وبما أنه قد ثبت أن زمن المضغة يقع في الأربعين يوما الأولى، بنص رواية الإمام مسلم لحديث جمع الخلق، وحديث حذيفة بن أسيد «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة...»، وتوافق حقائق علم الأجنة الحديث مع هذه الأوصاف الشرعية لأطوار الجنين؛ فالروح - إذن - تنفخ بعد الأربعين الأولى من عمر الجنين ليس قبل ذلك، لكن متى يحدث ذلك بالضبط؟ أبعد شهرين أم ثلاثة أم أربعة أو أقل أو أكثر؟ لا أظن أن أحدا يستطيع أن يحدد موعد نفخ الروح على وجه الجزم واليقين في يوم بعينه بعد الأربعين يوما الأولى! حيث لا يوجد - فيما أعلم - نص صحيح في ذلك. لكن يمكن أن يجتهد في تحديد الموعد التقريبي استئناسا بقول الله تعالى: )ثم سواه ونفخ فيه من روحه( (السجدة: ٩)؛ حيث يمكن أن يفهم منه أن الروح تنفخ في الجنين بعد التسوية، وبما أن التسوية تأتي بعد الخلق مباشرة لقوله تعالى: )الذي خلقك فسواك فعدلك (7)( (الانفطار: ٧). فيمكن القول - بناء على هذا - بأن الروح تنفخ في الجنين بعد مرحلة الخلق؛ أي بعد الأسبوع الثامن من عمره وهي مرحلة النشأة خلقا آخر. وهو استنتاج معظم المفسرين الذين قالوا إن طور النشأة خلقا آخر هو الطور الجنيني الذي تنفخ فيه الروح، والذي لا يكون إلا بعد طوري العظام وكسائه باللحم، كما نصت الآية الكريمة. ويعضد ذلك حرف (ثم) الذي يفيد التراخي في حدوث الفعل، حينما ذكر مع نفخ الروح في حديث جمع الخلق: (ثم ينفخ فيه الروح - كما في البخاري - أو ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح - كما في مسلم).
وحيث إنه لا ينتهي الأسبوع الثامن إلا وجميع الأجهزة الرئيسة قد تخلقت، وانتهى طور المضغة في الأربعين يوما الأولى من عمر الجنين، وتميزت الصورة الإنسانية، وسوي خلق الإنسان في خلال هذه المدة أو بعدها بقليل؛ فيمكن للروح أن تنفخ في الجنين بعد انتهاء عملية الخلق في الأسبوع التاسع أو العاشر، أو بعد تميز الأعضاء التناسلية في الأسبوع الثاني عشر أو بعد ذلك! والله أعلم.
لكن هل توجد علامات تدل على أن الجنين قد نفخت فيه الروح؟ نعم، يمكن أن يكون نوم الجنين علامة على نفخ الروح فيه قياسا على النائم الذي يتمتع بالحياة رغم أن الروح قد قبضت منه مؤقتا، وذلك لقول الله تعالى: )الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (42)( (الزمر).
كما يمكن أن تكون الحركات الإرادية دليلا على وجود الروح. وقد أشار إلى ذلك ابن القيم في وصفه الجنين قبل نفخ الروح وبعده، فقال: كانت فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات، ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة، فلما نفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه.
وقد أثبتت الأجهزة الحديثة رؤية حركات جسم الجنين في وقت مبكر؛ حيث يمكن أن تصور عند الأسبوع الثامن، أو عندما يبلغ كيس الحمل 3سم، أو يبلغ طول الجنين نحو 15مم. كما يمكن أن ترى الحركات الجنينية التي تعبر عن حيوية الجنين، مثل: حركات التنفس، وحركات الأطراف العليا، وضربات القلب، وحركات عدسة العين، والبلع، وحركات الأمعاء الدودية. كما رصدت الحركات التي تعبر عن نشـاط الجنين، مثل: البلع، وحركة اليد إلى الفم، والمضغ، وحركات اللسان، وحركة اليد إلى الوجه، ومص الأصابع، تلك الحركات التي يمكن أن ترى عند الأسبوع السادس عشر؛ أي قبل مائة وعشرين يوما.
وتعتبر هذه الحركات انعكاسا غير مباشر لحالة الجهاز العصبي المركزي، فكلما كانت هذه الحركات موجودة ومتوازنة؛ كانت حالة الجهاز العصبي نشطة وسليمة.
وهكذا أثبت علماء الأجنة بهذه الأجهزة الدقيقة هذه الحقائق التي تؤكد في مجملها أن أطوار الجنين الأولى من النطفة، والعلقة، والمضغة تحدث كلها في خلال الأربعين يوما الأولى، ويجمع في كل منها خلق أعضاء الجنين وأجهزته في صورته الابتدائية في خلال الأربعين يوما الأولى من عمره، وأن حركات الجنين الإرادية، وبدء عمل وظائف أعضاء الجنين الرئيسية تحدث في الأربعين يوما الثانية من عمره، ومن ثم يبطل الاحتجاج بالجزم بعدم نفخ الروح في الجنين قبل أربعة أشهر.
وعليه، فإمكانية نفخ الروح في الأجنة قائمة في أي وقت بعد الأربعين يوما الأولى؛ في نهاية الأسبوع السابع، أو الثامن، أو التاسع، أو حتى بعد أربعة أشهر.
وإن كان الراجح من النصوص أن الروح تنفخ بعد الأسبوع الثامن من التلقيح؛ لدلالة النصوص الصريحة والصحيحة على ذلك، ولعدم وجود حديث واحد صحيح أو حسن يصرح بأن الروح لا تنفخ في الجنين إلا بعد أربعة أشهر.
ومما يؤكد ذلك الحقائق العلمية الثابتة في علم الأجنة، ومن أهمها رؤية مراحل الجنين المختلفة منذ بداية تكونه واكتمال خلقه وتصويره، وقيام معظم أجهزته بوظائفها، ورصد حركته الذاتية وأنشطته البدنية قبل أربعة أشهر على وجه القطع.
وينبني على ذلك حرمة الإجهاض بعد الأربعين؛ لأن الإجهاض محرم عند جمهور الفقهاء بعد نفخ الروح، ونفخ الروح يكون بعد طور المضغة، وطور المضغة يبدأ ويكتمل وينتهي في خلال الأربعين يوما الأولى. وعليه يرجح القول بحرمة الإجهاض بعد الأربعين يوما الأولى من بداية تلقيح البويضة، وتكون النطفة الأمشاج، وتشتد الحرمة بعد مرحلة التخليق؛ أي بعد ثمانية أسابيع، وهي أشد بعد الشهر الثالث أو الرابع، والله أعلم[13].
وهذا ما أكده د. عبد الدائم الكحيل عندما قال: إن هناك تغيرات جذرية تحدث بعد مرور الاثنين والأربعين يوما الأولى، وفي اليوم الثالث والأربعين يبدأ الدماغ بإطلاق الموجات، ويبدأ الطفل في التفاعل مع محيطه، ويبدأ بالإحساس والشعور، إنه يعني أن الروح قد بدأت تمارس نشاطها في جسد الجنين، ويعني - أيضا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق علماء الغرب إلى الحديث عن هذه القضية الدقيقة.
ولهذا استدل فقهاؤنا أنه لا يجوز إجهاض الجنين بعد مضي ثنتين وأربعين ليلة من بداية الحمل، ويمكن فعل هذا الأمر إذا كان هناك ضرورة تدعو لذلك. وهذه إشارة نبوية رائعة إلى أن الروح تنفخ في الجنين عند هذا العمر. وقد تم قياس الموجات التي يطلقها الدماغ عند هذا العمر - أي: ثنتان وأربعون ليلة - وكذلك تم تسجيل ضربات القلب، وكأن هنالك علاقة بين الروح وبين عمل الدماغ والقلب[14].
ثالثا. مرحلة النطفة ليست مرحلة تخلق، ولكنها مرحلة تجميع لخلايا الذكورة والأنوثة؛ لذلك لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الحديث الوارد في خلق الجنين وتكوينه لم يذكر مرحلة النطفة؛ لأنها ليست مرحلة تخليق، ولكنها مرحلة تجميع بين الخلايا، لذلك لم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث إلا ما لزم من الأطوار، ويبتعد عن ذكر الأطوار التي ليس لها صلة مباشرة بالموضوع المتناول، أو التي لا ينطبق عليها الوصف المذكور في الحديث. ومن ثم نؤمن بأن الرسول امتنع عن ذكر طور النطفة؛ لأن معنى الحديث يقتضي عدم ذكر طور النطفة. والحديث غايته ليست سرد وترتيب الأطوار التي تحدث فيها ظاهرة "جمع الخلق".
والمتتبع لمعنى "جمع الخلق" يفهم لماذا لم يذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - طور النطفة، وذلك للسبب الآتي: أن "جمع خلق" الشيء يقتضي - كما رأينا آنفا - جمع خلايا الشيء المقصود في أعضاء مختلفة تعطي هذا الشيء الصورة التي تمليها عليها تسميته، وهذا شرط على أي شيء أن يحققه؛ حتى يحق أن يطلق عليه صفة "مجموع الخلق"، فمثلا: على خلايا "المضغة" أن تجتمع فيما بينها حتى تؤلف أعضاء جديدة لدى "المضغة" تعطيها صورة المضغة، فإن لم يكن هناك جمع للخلايا حتى تؤلف أعضاء مختلفة لم يندرج هذا الطور تحت ظاهرة "جمع الخلق"، وكما رأينا، فإن خلايا القرص الجنيني تنقسم، ومن ثم تتمايز وتجتمع ضمن فلقات هي بدرجة طلائع للعظام واللحم والجلد، مما يعد جمعا أوليا للخلايا التي ستعطي فيما بعد الأعضاء ضمن فلقات تعطي الجنين مظهر "العلقة"، ولذلك يصدق أن نقول عن العلقة "مجموع الخلق"، ومن ثم تتكاثر تلك الفلقات وتتفكك وتهاجر خلاياها تدريجيا، وتجتمع مؤلفة الأيدي والأرجل، وسائر الأعضاء على صورة براعم أولية دون أن يفقد الجنين مظهر الفلقات، فتجتمع الخلايا من خلال هذه العمليات ضمن أعضاء مختلفة مكسبة "العلقة" صورة "المضغة المخلقة وغير المخلقة"، فيحق عندئذ أن يندرج الطور الجديد ضمن ظاهرة "جمع الخلق"[15].
ويؤكد ذلك أيضا د. أحمد شوقي فيقول: قال تعالى: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون)، في هذه الآيات الكريمات إعجاز علمي وبلاغي عجيب، نفهمه إذا علمنا أن أمشاج الذكر وأمشاج الأنثى كانتا منفصلتين إحداهما عن الأخرى - فالبويضة في جسم المرأة، والخلية الذكرية في جسم الرجل - ثم تلاقت البويضة والخلية الذكرية واتحدتا، وكونتا البويضة الملقحة، أو النطفة الأولى. إذن، فما الفرق بين خلق النطفة والعلقة والمضغة؟ خلق العلقة والمضغة هما أطوار في الخلق يعقب بعضها بعضا في نفس الجنين، وفي نفس الرحم، ولا تختلف إحداهما عن الأخرى إلا في درجة التسوية في الخلق.
إذن، هناك فرق واضح بين خلق النطفة من أمشاج ذكر وأنثى، كانت متفرقة في جسمين مختلفين ثم تجمعت، وبين العلقة والمضغة بعد ذلك؛ لذلك نجد التعبير القرآني بالغ الدقة البلاغية والعلمية: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون)، فالجعل في اللغة أشمل من الخلق؛ فالجعل يعني الجمع بعد تفرق، والخلق والأمر. لذلك لم تقل الآية: "ثم خلقناه نطفة في قرار مكين"؛ لأن الله خلق النطفة من مشيجين كانا متفرقين فجمعهما وخلطهما، وخلق منهما نطفة. وهذا النمط في خلق النطفة لم يكن في خلق العلقة والمضغة، لذلك وصف طور خلق النطفة بالجعل، وطور كل من العلقة والمضغة بالخلق[16].
ومما سبق يتبين أن في هذين الطورين هناك خلق أعضاء عن طريق جمع خلايا، وصور جديدة محدثة وفق هذا الجمع. أما في حال نطفة الأمشاج، فليس هناك جمع خلايا يؤدي إلى نشوء أعضاء جديدة لدى النطفة تضفي عليها صورة النطفة، بل هناك تكاثر للخلايا في اتجاهات مختلفة، لا يؤدي في هذه المرحلة إلى تخلق أعضاء تعطيها صورة النطفة. وجمع الخلايا إلى قسمين الذي حصل في داخل غلاف النطفة في نهاية طورها لم يؤد إلى جمع أعضاء للنطفة، بل أدى إلى جمع شيء جديد هو الجنين. وهذا بدوره يؤدي إلى أن مفردات الحديث تتطابق بتفاصيله مع المعطيات العلمية اليقينية[17].
وخلاصة القول في ذلك أنه لا تعارض بين حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - والقرآن الكريم في ذكر نفخ الروح في الجنين بعد أربعين يوما من بدء الحمل؛ فالحديث صريح في ذلك، أما التعبير بالتصوير في القرآن، وفي بعض الأحاديث الصحيحة الأخرى، فالمراد منه هو تصيير الجنين إلى هيئة خاصة، كخلق السمع والبصر، والجلد واللحم والعظم، ولذلك تبطل شبهتهم وتزول.
الخلاصة:
· إن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - صحيح سندا ومتنا، ولا يقدح في صحته خطأ بعض المفسرين - قديما - في توجيهه؛ فهم بشر يصيبون ويخطئون.
· لا تعارض بين الحديث والأحاديث الأخرى في هذا الباب، بشأن الفترة الزمنية التي يجمع فيها خلق الجنين في بطن أمه (من 40: 42 يوما)، وذلك حسب اجتهاد بعض العلماء في توجيه الحديث توجيها آخر - وهو الصواب إن شاء الله.
· لقد جاءت توجيهات هؤلاء العلماء للحديث على النحو الآتي:
o إن قوله «يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب» معطوف على قوله «يجمع في بطن أمه»، ومتعلق به لا بما قبله، وهو قوله: «ثم يكون مضغة مثله»، ويكون قوله: «ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله» معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز في القرآن الكريم والسنة النبوية وكلام العرب.
o لم تكرر الروايات لفظة «أربعين يوما»، بل قالت: (في ذلك... مثل ذلك) والمعنى: في ذلك الوقت أي: الأربعين يوما علقة، أو مضغة مكتملة النمو تامة الإحكام، مثلما تكونت النطفة في الأربعين نفسها مكتملة النمو وتامة الأحكام.
o إن وصف النطفة يكون في الأسبوع الأول تقريبا، والعلقة في الأسبوعين الثاني والثالث، والمضغة في الأسابيع الرابع والخامس والسادس، وهذا ما تؤيده باقي النصوص الصحيحة، ويتفق معه العلم الحديث أيضا.
o إن جميع الروايات لم تتحدث إلا عن أربعين يوما واحدة يكون فيها جمع الخلق، والعلقة يجتمع خلقها في تلك الأربعين وكذلك المضغة، فيكون جمع الخلق في مرحلتين: الأولى العلقة، والثانية المضغة، وكلاهما في الأربعين يوما.
o بضم الحديث إلى الأحاديث الأخرى الصحيحة - أيضا - يتبين أنه يمتنع عود اسم الإشارة (في ذلك) على الفترة الزمنية (أربعين يوما)، وكذلك يمتنع عود اسم الإشارة (في ذلك) على (بطن الأم)؛ لأنه لا يفيد معنى جديدا، ولما كان ذلك تعين عوده على جمع الخلق، لا على الأربعينات.
· الروح سر من أسرار الله التي أخفاها عن خلقه؛ يقول تعالى: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء)، ونفخ الروح في الجنين حقيقة ثابتة بما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بعد أربعين يوما أو اثنين وأربعين يوما.
· لقد أثبت العلم الحديث أن الجنين بعد اثنين وأربعين يوما يصدر منه بعض الحركات، كنبضات القلب والمخ وبعض الأطراف. وهذا يدل على أن الروح قد نفخت، ولكن لم يحدد وقت معين لنفخ الروح في الجنين، وهذا ما ذكره العلم الحديث وأكده.
· يتحدث الحديث الشريف عن "جمع الخلق"، وهي المراحل التي يتم فيها تخلق بعض أعضاء الجنين، سواء في مرحلة العلقة أو مرحلة المضغة، لذلك لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرحلة النطفة؛ لأنها مرحلة تجميع بين خلايا الذكر والأنثى، ولا يحدث فيها تخلق.
· أشار القرآن الكريم إلى مراحل تطور الجنين، فوصف مرحلة النطفة بقوله: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13)( (المؤمنون)، ووصف المراحل الأخرى بقوله: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون). وهذا يدل على أن مرحلة النطفة ليست مرحلة تخلق، ولكنها مرحلة تجميع لأمشاج الرجل والمرأة. وهذا يدل على دقة اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - لألفاظه؛ فهي وحي من الله تبارك وتعالى.
(*) دور السنة في إعادة بناء الأمة، جواد موسى محمد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م. الإسلام وصياح الديك، جواد عفانة، دار جواد، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأنبياء، باب: خلق آدم ـ عليه السلام، وذريته، (6/ 418)، رقم (3332).
[2]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (9/ 3759)، رقم (6599).
[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، (9/ 3760)، رقم (6602).
[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، (9/ 3760)، رقم (6604).
[5]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3765).
[6]. البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن الكريم، ابن الزملكاني، ص275، نقلا عن: "أطوار الجنين ونفخ الروح "، د. عبد الجواد الصاوي، مقال بموقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. www.nooran.org.com.
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، (15304). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[8]. انظر: إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص423 وما بعدها.
[9]. إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص427: 429.
[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 494).
[11]. التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم، تحقيق: طه يوسف شاهين، دار الطباعة المحمدية الأزهرية، القاهرة، ط1، 1388هـ/ 1968م، ص218.
[12]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3764).
[13]. "أطوار الجنين ونفخ الروح"، د. عبد الجواد الصاوي، مقال بموقع الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
[14]. "الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة... "، د. عبد الدائم الكحيل، www.kaheel.com
[15]. إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص430، 431.
[16]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار نهضة مصر، القاهرة، ط1، 2003م، (2/ 58: 60) بتصرف.
[17]. إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص431 بتصرف.
wives that cheat
link read here
go
online how long for viagra to work
read here
website why women cheat on men
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband