الطعن في حديث تكلم الذئب والبقرة بلغة البشر(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين بطلان ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بشأن تكلم البقرة والذئب، والذي جاء فيه:«بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا...».
مستدلين على ذلك بأن هذين الحدثين قد وقعا لشخصين عاديين من البشر، ولو حدث ذلك لنبي لقلنا: إنه معجزة؛ لأنه خرق للنواميس، ومثل هذه القصص تخالف السنن الكونية والبدهيات، فلا يمكن للعقل تصديقها، ومثل هذه الأحاديث وضعها أصحاب الكتب للاستخفاف بعقول المسلمين، والاستهزاء بهم.
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية، وما أخبرت به من غيبيات.
وجه إبطال الشبهة:
· إن الأحاديث الواردة في تكلم الذئب والبقرة بلغة البشر - صحيحة؛ رواها الشيخان في صحيحيهما، وبهذا فهي في أعلى درجات الصحة، وهذا الأمر من الغيبيات الواقعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب الإيمان بها، وقد آمن بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وهذان الحدثان من الأشياء الممكنة الوقوع، والداعية إلى الاستغراب، والتي تندرج تحت مشيئة الله وقدرته المطلقة.
التفصيل:
لا شك أن السنة المطهرة قد نالت الكثير والكثير على أيدي الذين جردوا أنفسهم للنيل مما ثبت وصح في أقوى الكتب وأصحها، ومقصدهم معروف، وهدفهم ليس خفيا عنا، وقد اخترع هؤلاء كافة الحجج العقلية؛ ليهدموا التراث النبوي من أساسه، إذ نالوا من صحيحيه: البخاري ومسلم، فساقوا الأدلة العقلية وحكموها أمام كل حديث يريدون أن ينسخوه من الإسلام؛ لواقع تغير، أو لنشر إلحاد؛ لما وقع في ظنهم أن "الدين" محكوم بالعقل والواقع؛ لكنهم أخطئوا؛ فالواقع لا يخضع للعقل بقدر ما يخضع لحقائق الدين، والدين لا يخضع للعقل بقدر ما يخضع هو للدين.
وتتنوع قضايا الدين بين أمور الغيب والشهادة، وما الغيب عن الشهادة بمنكر، بل الشهادة دليل على الغيب، وتلك الغيبيات هي ما غابت عن حواسنا، ولا استغراب لها، وإنكارها يفتح بابا لإنكار وجود الباري سبحانه، ومن حكم إدراكه وعقله في مثل تلك الغيبيات فقد أخطأ طريق الهداية والرشاد.
ونتيجة لتحكيم هؤلاء الطاعنين للعقل في أمور الغيب دسوا سمومهم في حديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والذي نصه:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - يقول: «بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أومن بهذا، وأبو بكر، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما»[1].
وقالوا: كيف يكون هذا؟ إن هذا لهو خرق للمسلمات والبدهيات التي ألفناها منذ أن وجدنا، إذ إن الكلام صفة تميز بها البشر عن بقية الحيوانات، أتتكلم بقرة وذئب؟! أيصح أن ينسب هذا الكلام الهراء إلى صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا لبعيد، وما وضعت تلك الأحاديث وأمثالها إلا من أجل الاستخفاف بعقول المسلمين الجهلاء.
نقول - وبالله التوفيق: إن الحديث صحيح قد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، فهو في أعلى درجات الصحة سندا؛ حيث اتفق عليه بين الشيخين، وكفى بهما حجة، وذلك في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ولم يرو هذا الحديث أحد من مسلمة أهل الكتاب حتى يظن أنه دسيسة إسرائيلية.
· ما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث من باب الغيبيات الواجب الإيمان بها، دون تكييف:
لقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور غيبية كثيرة حدثت في الزمن الماضي، ذلك بما أوحاه الله - سبحانه وتعالى - إليه من عنده، فقد قال عز وجل: )تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا( (هود: ٤٩)، فهذا إخبار القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالغيبيات عما كان في الأمم الغابرة.
وقد تفرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإخبار عن بعض الغيبيات الماضية والمستقبلة، مما يزيد القلب طمأنينة للعمل والإيمان بما أخبر به صدقه في كل ما أخبر به، سواء عن أمر حدث قبل زمنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أمر حدث في زمانه، ولم يطلع عليه ولكن أخبر به، أو عن أمر سيحدث في المستقبل فحدث وفق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ إذ ذلك يدل على أنه رسول الله، وأن الذي علمه هو الله العليم الخبير، فلقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء سابقة لم يطلع عليها، فجاءت طبق ما أخبر.
ومما أخبر به عن الأمم السابقة، إخباره عن قاتل المائة نفس[2]، وعن المرأة البغي التي سقت كلبا فدخلت الجنة[3].
وقد أخبر عن أشياء ستحدث في المستقبل وقد حدثت، ومنها إخباره بعلامات الساعة الصغرى والكبرى.
وما أخبر به رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث عن تكلم البقرة والذئب، هو من إخباره بالأمور الغيبية مما قد مضى، وفيه دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم، ويجب الإيمان بها، وبعد أن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الحادثة أكد على إيمانه بها، فقال: "وأنا أومن بذلك" ولم يكتف بذلك، بل قال: "وأبو بكر وعمر بن الخطاب"، مع أن الصحابة الموجودين قد تعجبوا من الأمر.
وتعجبهم هذا لا يدل على أنهم كذبوا الخبر، كلا، بل هم قد آمنوا به رغم هذا التعجب؛ لأنهم مصدقون بكل ما أخبر به الرسول عموما، لاسيما وأن المخبر بذلك يعلن أمامهم بعد إخبارهم بذلك أنه (مؤمن به)؛ وذلك حتى لا يداخلهم أدنى شك، ويقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إيمانه بما أخبر به، ولولا حقيقته وصدقه لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
· ما وقع في هذا الحديث هو من الأشياء الممكنة الوقوع لا المستحيلة، ولا المعتادة، ويخضع لقدرة الله المطلقة.
إن مثل هذه الأمور والأحداث التي تقع على غير العادة البشرية لا تدخل في باب المستحيلات التي يستحيل وقوعها بحال من الأحوال، وإنما هي من باب الممكنات؛ أي يمكن وقوعها وإن لم يكن من العادة أن تحدث، فهي تأتي خروجا عن العادة، وإن لم تكن مستحيلة الوقوع. وذلك راجع إلى قدرة الله - عز وجل - وإرادته، فإن شاء تعالى أحرقت النار، أو امتنعت عن الإحراق، وإن شاء صارت العصا حية، أو نطقت الأحجار، وتكلمت العجماوات، فالممكن أوسع من المعهود وليس من المستحيل في شيء.
وهذا ما يوضحه الدكتور جعفر شيخ إدريس، فيقول عن الممكن والمعهود والمستحيل: الممكن أوسع دائرة من المعهود، وأوسع دائرة مما يمكن تفسيره في صدور معارفنا العلمية الحالية، لكن كثيرا من الناس تضيق أعطانهم[4] عن هذا؛ فيسارعوا إلى إنكار ما لم يعهدوا، ويسارعوا إلى إنكار ما لا تفسير له في حدود ما عندنا من علم، بل إن بعضهم يظن أن غير المعهود، أو غير ما يمكن تفسيره في حدود العلم المعهود مستحيل عقلا.
ويزداد الأمر عجبا حين ترى أن ضيقي الأفق هؤلاء كثيرا ما يدعون العقلانية، أو يدعون العلمية.
المعهود هو ما عرفناه وعهدناه واقعا، كطلوع الشمس من جهة الشرق، وكمقدرة الناس على الكلام بألسنتهم، وكإرواء الماء للظمآن والممكن هو ما يمكن وقوعه وإن لم يقع، فوصول الناس إلى القمر كان ممكنا قبل أن يقع، وكذلك السفر بالطائرات، والحديث بالهواتف.
والمستحيل ما لا يمكن أن يحدث بأي حال من الأحوال، كوجود الشيء الواحد نفسه في مكانين مختلفين، وكاجتماع الإيمان والإلحاد في قلب واحد، وكالكلام والصمت.
ومن الأمثلة التي ذكرت في القرآن الكريم لهذه المستحيلات: قوله تعالى - ردا على الذين زعموا أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا: )وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده( (أل عمران:65).
وقوله: )بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم (101)( (الأنعام).
أي أنه من المستحيل أن يكون له ولد ولم يكن له - عز وجل - صاحبه، وأما قوله تعالى: )لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء( (الزمر: ٤).
فليس المقصود ولدا يلده - سبحانه - فهذا يتناقض مع الآية السابقة؛ وإنما المقصود به ولد متبن، بدليل قوله تعالى:)مما يخلق(.
إن كون الشيء ممكنا لا يعني كونه لابد أن يقع؛ لأن الممكن إنما يقع إذا تحققت شروط وقوعه، وإذا لم تتحقق فقد لا يقع أبدا، وإن ظل وقوعه ممكنا.
والمعهود نوعان: معهود طبيعي، ومعهود ثقافي، المعهود الطبيعي هو الذي يقع بحسب ما وضع الله تعالى في الكون من قوانين، وأما المعهود الثقافي فأعني به ما يعتاده الناس باختيارهم سواء كان حسنا أو سيئا.
وإذا كانت أعطان بعض الناس تضيق، فتنكر ما لم تعهد في الطبيعة، فإن بعض الأعطان تكون أضيق من ذلك؛ فتنكر كل ما لم تعهده في ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وتعده منكرا.
والناس بالنسبة للممكن غير المعهود نوعان: نوع يستغرب وقوعه؛ لكنه لا يعتقد استحالته، ونوع يعتقد أن وقوعه غير ممكن؛ أي يعتقد استحالته.
إنه لأمر طبيعي أن يستغرب الإنسان ما لم يعهد، وأن يتعجب منه إذا ذكر له؛ لذلك كان من الطبيعي أن يستغرب نبي الله زكريا - عليه السلام - أن يكون له ولد من امرأة عاقر وقد بلغ من الكبر عتيا، مع أن الذي أخبره بذلك هو الله الذي أرسله، قال الله تعالى:)) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا (7) قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا (8) قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا (9) (مريم).
وكان من الطبيعي أن تستغرب مريم ابنة عمران قول الملك لها: )قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا (19)( (مريم)، وكان من الطبيعي أن تسأله مستغربة:)قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا (20)( (مريم)، وكان من الطبيعي أن يقول قوم مريم لها: )كيف نكلم من كان في المهد صبيا (29)( (مريم). مثل هذا الاستغراب أمر لابد منه، وإلا استوى كون الشيء معهودا معروفا، وكونه ليس بمعهود ولا معروف، وكان من لوازم ذلك أن يصدق الإنسان كل ما يقال له من غرائب؛ لذلك فإن الله - سبحانه وتعالى - لم يذم زكريا ولا ذم مريم - عليهما السلام - على استغرابهما، وإنما بين لهما أن ما استغرباه أمر ممكن، وأنه داخل في قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه سيقع فعلا.
والتصديق بمثل غير المعهودات - هذه التي يخبر بها الله تعالى أناسا لم يشهدوها - هو من علامات حسن العلم به سبحانه وتعالى، وقوة الإيمان به.
وعلى ما بينا يحمل ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من تكلم البقرة والذئب؛ حيث تعجب الناس - الصحابة - من ذلك الأمر؛ لأنه مخالف للمعهود، حيث إن الحيوانات لا تتكلم؛ لأن الكلام من خصائص بني آدم.
لكن الخلط بين الممكن والمعهود والمستحيل هو أساس الحجج التي اعتمد عليها كل الذين أنكروا بعض حقائق الدين التي بلغتهم إياها الأنبياء، وكان هو أساس حجج العرب الجاهلين، ومن سبقهم ممن كفر برسل الله، ومن جاء بعدهم من الزنادقة والمنافقين والملحدين إلى يومنا هذا. انظر إلى الحجج التي اعتمدوا عليها في إنكارهم للبعث: )أإذا كنا عظاما نخرة (11)( (النازعات)، )وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا (49) قل كونوا حجارة أو حديدا (50) أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا (51)( (الإسراء).
فهؤلاء قوم ظنوا أنه من المستحيل على عظام أرمت وتفتتت أن تدب فيها الحياة من جديد. لكن القرآن الكريم أعطاهم أدلة على أن هذا أمر ممكن، بل هو أمر لازم.
كان القرآن الكريم يخاطب أناسا يؤمنون بأن الله تعالى خالق كل شيء، فبين لهم أنه إذا كان سبحانه قد خلقهم أول مرة، فلماذا يستغربون أن يعيد خلقهم مرة ثانية، مع أن الإعادة أهون من البداية؟ وبين لهم أن فيما يشاهدون من إحيائه الأرض بعد موتها ما يدلهم على إمكانية البعث ويقربه إليهم، ثم بين لهم أن هذا البعث أمر تستلزمه صفات الله تعالى.
كيف يرسل الله - عز وجل - رسلا فيؤمن بعض الناس بهم ويصلحون، وقد يضحون في سبيل ذلك ببعض المكاسب الدنيوية، بينما يكفر آخرون، ويعيثون في الأرض فسادا، ثم يساوي بين مصير الفريقين؟)إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم (34) أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36)( (القلم). ومن أمثلة ما يخالف ما عهدوه من أمور ثقافية قول العرب الجاهليين: )أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5)( (ص).
وليس هذا أمرا خاصا بالعرب الجاهليين، بل هو ضعف بشري عام، وهو الآن من أكبر سمات الحضارة الغربية السائدة في العالم اليوم؛ فالغربيون في جملتهم يعتقدون أن ما ألفوه من قيم وتقاليد في الأكل والشراب، واللباس، والتعامل، والحكم، والاقتصاد وغير ذلك، هو الأمر الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه الناس، بل هو المعيار الذي يقاس به مدى صلاحية ما عند الآخرين.
ولقد كان من فوائد الكشوف والمخترعات العلمية الحديثة أنها وسعت من تصور الناس لدائرة الممكن؛ لإتيانها كشفا أو اختراعا بأشياء ما كان الناس سيصدقون بها لولا قيام الأدلة الحسية أو العقلية على وجودها. من كان يصدق في شيء كالهاتف الجوال، أو الأقراص التي تحوي من الكلام ما يساوي آلاف الصفحات[5].
والمذكور في الحديث الذي معنا لا يقاس بنواميس الكون بقدر ما يقاس بقدرة القادر سبحانه، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جل شأنه، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، سبحانه وتعالى، جل وعلا.
· شواهد ومقويات:
لقد روت لنا كتب السنة أحاديث كثيرة فيها تكلم الحيوانات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أكثر من ذلك، حيث الجمادات قد صدر منها أمثال ذلك، فقد سبح الحصى في يديه صلى الله عليه وسلم، وحن الجذع إليه، وأشباه ذلك.
وإذا قيل: إن ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك من دلائل نبوته، أما الحديث الذي معنا فإنه خاص بأناس عاديين.
نقول: نذكر لكم دليلا واحدا يؤكد لنا صحة الحديث الذي معنا، وجوازه عقلا وشرعا، وإثبات التعجب فيه من قدرة الله مع عدم إنكاره.
قال ابن حجر رحمه الله: "وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة، فروى أبو نعيم في "الدلائل" من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي، فشد الذئب على شاة منها، فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني، وقال: من لها يوم تشتغل عنها؟ تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى، فصفقت بيدي، وقلت: والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين هذه النخلات يدعو إلى الله، قال: فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره وأسلم"[6].
وفي هذا دليل على وقوع بعض الخوارق لأناس غير مسلمين، فأهبان كان السبب في إسلامه وقوع كلام الذئب له، لما خطف الشاة منه ليأكلها، وقد حدث هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتبين لنا صدق ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر، وأن هذا الأمر محتمل الحدوث؛ لأنه محكوم بقدرة الله، وليس كل الأمور غير المعتادة مستحيلة الوقوع، وهذا الذي أخبر عنه رسول الله من الغيبيات الواجب الإيمان بها.
الخلاصة:
· إن حديث تكلم البقرة والذئب بلغة البشر حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرةرضي الله عنه، وهو من الغيبيات الواجب الإيمان بها دون تكييف، مع إثبات التعجب بدون إبطال أوإنكار.
· لقد احتوى حديث تكلم البقرة والذئب مع الراعي على ما يسمى بإمكانية حدوث أشياء خارقة للعادة مفتتة لنواميس الكون وقوانينه، فقد ثبت فيه نطق الحيوانات وتحدثها بلغة البشر؛ وهذا أمر ملموس ومشاهد في أمثلة كثيرة أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك القرآن، وهو من باب توسعة دائرة الممكن عن المعهود، وليس ذلك مستحيلا على قدرة الله.
· ليس في الاستغراب من أمر واقع غير معتاد أدنى ملابسة أو إنكار، فقد تعجبت مريم - عليها السلام - من خطاب جبريل لها، وكذلك تعجب زكريا من بشارته بيحيى - عليهما السلام، ولم يذما على هذا، مع انتفاء نواميس الكون في حالتهما.
· إن في إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأمور دليلا على نبوته؛ وهو قد أخبر بذلك وآمن به، وفي حديث أهبان وإسلامه بسبب نطق الذئب، وإخباره بمكان الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته - أكبر دليل على ذلك.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا"،(7/ 22)، رقم (3663). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، (8/3520)، رقم (6066).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب، (6/ 591)، رقم (3470). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، (9/ 3867)، رقم (6875).
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم...، (6/ 414)، رقم (3321).
[4]. أعطانهم: صدورهم.
[5]. الممكن والمعهود والمستحيل، د. جعفر شيخ إدريس، موسوعة الخطب والدروس، جمع وترتيب: الشيخ علي بن نايف الشحود، ص1، 2 بتصرف يسير.
[6]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (7/ 33).
click
website dating site for married people
click
website dating site for married people
husband cheat
online online affair