الطعن في الأحاديث الواردة بشأن الجن والشياطين(*)
مضمون الشبهة:
انطلاقا من مماراة الطاعنين المغرضين في حقيقة عالم الجن والشياطين، باعتباره عالما غيبيا لا تقع عليه الحواس - طعن بعض منكري السنة في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأن هذا العالم، وحاكوا حول هذه الأحاديث نسيجا متنوعا من الأباطيل والشكوك مختلفة الوجهات والمقاصد، فأنكروا الأحاديث الصحيحة الواردة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، والتي تثبت أن الجن يأكلون ويشربون، كنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستنجاء بالعظم والروث؛ لأنهما طعام الجن، وما ورد صريحا من أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله.
وحجتهم في ذلك زعمهم أن الجن عالم روحاني كالملائكة، فلا يأكل ولا يشرب ولا يتناكح.
ونظر المنكرون في اتجاه آخر، فأنكروا حديث نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأنها خلقت من الشياطين، وقالوا: كيف تكون كذلك ومعلوم أنها خلقت من الإبل أمثالها؟.
وفي سفور وتبجح ينبئ عن جهل فاضح بطلاقة القدرة الإلهية - أنكر المغرضون تصور الجن وتشكلهم في الصور، وعليه أنكروا حديث طلوع الشمس بين قرني الشيطان، وقالوا: كيف يتفق هذا - من العظمة لهم - مع ما ورد من جريانهم من ابن آدم مجرى الدم في هذه الصورة اللطيفة الرقيقة، فادعوا التناقض بين هذين الحديثين، وأن الخبر والنظر يكذبانهما.
وامتدادا لهذه الأضلولة أنكروا حديث تمثل الشيطان لأبي هريرة - رضي الله عنه - في صورة رجل يخادعه، ويسرق من صدقة الفطر.
وأما عن طعن المدعين المغرضين في الأحاديث الواردة بشأن علاقة الجن والشيطان بالإنسان - فحدث ولا حرج، وكأنهم قد خفيت عليهم تلك المعركة الحتمية والصراع الأبدي بين الشيطان والإنسان؛ فطعن المغرضون في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب»، واستندوا إلى توقف الزمخشري في صحته، وتشكيكه في مضمونه.
وراح المغرضون يبطلون الأحاديث الورادة بشأن وسائل الشيطان في سبيل إغواء الإنسان وإضلاله عن الإيمان والطاعة، مثل حديث عقد الشيطان على قافية النائم ثلاث عقد، وحديث بول الشيطان في أذن النائم إذا لم يصل، وقالوا: كيف يعقد وكيف يبول؟ وأنكروا هذا التسلط من الشيطان على الإنسان.
وقياسا على هذا أنكروا حديث: «التثاؤب إنما هو من الشيطان» معتقدين خطأ نسبة الفعل نفسه إلى الشيطان؛ ولذا قالوا: هذه عملية فسيولوجية ليس للشيطان دخل فيها!
وقالوا: إن كان للشيطان ما ذكرتموه من هذا التسلط، فكيف يمتنع عليه اختراق الأبواب المغلقة، وحل الأسقية، مع اعترافكم بإمكانه الإضرار بالصبيان، كما في حديث: «إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيناكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإن ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم».
ثم قالوا: فإن قلتم: إنه يندفع بالذكر، فلم يعص الناس، ويرتكبون الذنوب والفواحش، والأبواب مغلقة؟!!
ثم يزعمون بطلان الأحاديث التي نهت عن قتل الحيات التي في البيوت، قائلين: إن مناقشة الجانب العلمي للأحاديث يبطله؛ إذ كيف يترك الإنسان بيته لأفعى ثلاثة أيام دون قتلها، فإن تركت البيت بعد هذه الثلاث فبها ونعمت، وإلا قام بقتلها.
ويرمون من وراء هذه الأضلولات والأباطيل إلى إنكار تلك الأحاديث الصحيحة التي تقدم لنا صورة جلية عن حقيقة هذا العالم الغيبي، الذي ليس لنا طريق إلى معرفته إلا بالوحي.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن عالم الجن والشياطين من الغيب الذي أمرنا بالإيمان به، إذ لا نمتلك أدوات التعرف إليه، وطريق معرفتنا به الوحي من قرآن وسنة، وجمهور طوائف المسلمين، بل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على إثبات الجن.
2) لقد أثبتت الأحاديث الصحيحة من رواية البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث - أن الجن يأكلون ويشربون، ودل القرآن على أنهم يتناكحون، فلا وجه للقول بأنهم عالم روحاني كالملائكة؛ إذ بينهما فرق واضح.
3) معنى خلق الإبل من الشياطين - كما ذكره العلماء - أنها خلقت من جنس الشياطين، فهي متصفة بصفاتها، ومتطبعة بطباعها من النفور والهياج، وليس من نسلها وصلبها، وذلك مثل قول الله عز وجل: )خلق الإنسان من عجل( (الأنبياء: ٣٧) أي طبيعته هكذا. وأعطان الإبل مأوى الشياطين؛ ولذا نهي عن الصلاة فيها، كما نهي عن الصلاة في الحمام؛ لأنها بيوت الشياطين.
4) للجن قدرة على التصور والتشكل في الصور المختلفة، بما أعطاه الله من قدرة على هذا، وليس هذا غريبا على قدرة الله، وإنما ينكر ذلك من لم يحط علما بعجائب المقدورات، فلا غرو - إذن - أن يظهر الشيطان بتلك الصورة من العظمة، منتصبا في محاذاة الشمس وله قرنان، أو أن يجري من ابن آدم مجرى الدم، أو أن يتشكل في صورة إنسان متمثلا لأبي هريرة رضي الله عنه، وقد جاء بذلك كله الخبر الصحيح، فلا نكران.
5) لقد أعلن الله - عز وجل - في كتابه عداوة الشيطان للإنسان فقال: )إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا( (فاطر: ٦) فالشيطان يخدع ويضل، ويزين ويغوي عن الإيمان والطاعة، وقد أعطاه الله هذه الفرصة، وفي الوقت نفسه حذر الإنسان منه ونهى عن الركون إليه، وأعطاه فرصة الاختيار تحقيقا للابتلاء والاختبار، وعلى هذا فللشيطان وسائل لإغواء الإنسان جاء مخبرا عنها الوحي، كطعنه لكل مولود عند ولادته، وعقده على قافية النائم، وبوله في أذنه إذا لم يصل، هذا إذا لم يكن هذا الإنسان من عباد الله المخلصين المحترزين من الشيطان بالذكر، وأما المحترزون فإنه لا يستطيع إغواءهم، ومن ثم فتسلطه مشروط، ولذا لا يقدر على فتح باب مغلق، ولا حل سقاء، أو كشف إناء إذا ذكر اسم الله.
6) إن الأحاديث التي وردت في النهي عن قتل الجنان - الحيات - أحاديث صحيحة رواها مسلم في صحيحه وغيره من أصحاب السنن والمسانيد، ولكنها خاصة بالحيات في بيوت المدينة فقط دون غيرها، وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب ذلك النهي، وهو أنه أسلم طائفة من الجن بها، فيتمثل بصورة حيات، لذلك يحرج علينا قتلها إلا بعد استأذانها بثلاثة أيام. هذا كله في تفصيل لا تغني الإشارة إليه هنا عن الرجوع إليه في مواضعه.
التفصيل:
أولا. عالم الجن والشياطين عالم غيبي ثابت بإخبار الأنبياء المتقدمين، والرسالة الخاتمة من قرآن وسنة صحيحة، فوجب الإيمان به، فهذا طريقنا الوحيد لمعرفتنا به:
لا ريب أن من ألزم لوازم المسلم أن يكون لديه يقين راسخ بكليات العقيدة وجزئياتها، فالإنسان - أيا كان على اختلاف مشارب الناس ومداركهم ومقاصدهم، وحيثما كان وفي كل زمان، وفي أي ظرف وجد - لا يخلو من عقيدة أبدا، صحيحة كانت أو باطلة.
وعقيدة الإسلام تتطلب من المسلم إيمانا راسخا، وهذا الإيمان يتطلب بدوره الإيمان بالغيب الذي أخبرت به أنوار الوحيين الشريفين؛ إذ الإيمان في أصوله غيب.
ولما كان مدار العقيدة الإسلامية على الإيمان بالغيب، كان الغيب هدفا مستهدفا من قبل أعداء الإسلام والمسلمين؛ إذ التشكيك في الغيب تشكيك في الدين، وإيقاع للمسلم في الحيرة والشك والاضطراب، وتوهين وتضعيف لشخصية المسلم.
وتحقيقا لهذا الهدف المسموم راح أعداء الإسلام يغرقون الساحة الإسلامية بالنظريات المادية، التي تجعل المادة هي الأصل في التسليم بوجود الأشياء، وتحكم على كل ما لم يقع عليه الحس بالعدم، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
ذلك أن وجود الغيب حقيقة لا تنكر، فإلانسان يلفه الغيب، ويحيطه من كل جانب، فهو قادم من غيب، وماض إلى غيب، بالإضافة إلى أن ما يعلمه قطرة من بحر لا ساحل له.
ومن هذا المنطلق أنكر المدعون على المسلمين اعتقادهم في الجن، ومن ثم أنكروا أحاديث الشياطين والجن، وزعموا تناقض بعضها بعضا، أو تناقض بعضها للعقول، وأنكروا أحاديث صحيحة في أعلى درجات الصحة.
وقبل أن نتناول هذه الأحاديث لنزيل عنها كل لبس واشتباه، لزم علينا أن نقدم بمقدمة مهمة عن علاقة العقل بالغيب، وحدود مدارك العقول في عالم الشهادة وعالم الغيب، وبادئ ذي بدء نقرر حقيقة لا مندوحة عن إغفالها أو تجاهلها، وهي حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن بال المتأمل المتحرر عن الأسبقيات الفكرية والعصبية، وهي أن الإسلام أطلق للعقل العنان، بل أرشده إلى اكتشاف قوانين عالم الشهادة بالنظر فيه والتأمل في آياته، فالقرآن الكريم يحث العقل، ويدفعه دفعا إلى التعرف إلى هذا الكون واكتشاف قوانينه، ومعرفة خصائصه، والتعرف إلى العلاقات المتبادلة بين أنواعه وأجزائه للوقوف على خصائص العلاقات السببية الكامنة فيه؛ لأن ذلك كله يرتبط برسالة الإنسان في هذا الكون والهدف من وجوده، واستخلافه في الأرض، وتنفيذه للأمر القرآني باستعمارها، وهذه المهام لا تتحقق للمسلم إلا باكتشاف قوانين الأشياء ومعرفة العلاقات السببية فيها؛ ليستطيع أن يحقق فيها المعنى الإلهي المقصود من تسخير هذا العالم من سمائه إلى أرضه لصالح الإنسان[1].
من هذا المنطلق جعل القرآن الكون مسرحا لنظر الإنسان العقلي وعمله الفكري، وفتح أمامه مجالا أرحب وآفاقا أوسع للعقل؛ ليتأمل وليصل إلى ما يجهل من صفحة هذا الكتاب المنظور.
وقدم القرآن الكريم في هذا الصدد آيات عديدة، منها ما يدعو إلى النظر في البيئة التي يعيش فيها الإنسان وما فيها من أصناف الموجودات، وما فيها من دقة الصنعة وإتقانها، مثل قوله تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20)( (الغاشية).
وأحيانا يطلب القرآن من العقل ألا يكتفي بمجرد النظر إلى هذا الكون، بل لابد أن يخترق ظواهره؛ ليكشف ما في داخله وباطنه، قال تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض( (يونس:١٠١).
ومعلوم أن النظر في الشيء أعلى درجة ومرتبة من النظر إليه، فليصعد الإنسان إلى القمر وإلى الكواكب، وليهبط إلى باطن الأرض مكتشفا وباحثا، فالكون كله مسرح للعقل وميدان لعمله.
إن المنهج الصحيح في قضايا الغيب هو الاعتصام بالنص، من قرآن وسنة صحيحة، والإيمان بما جاء فيهما، فليس للعقل سبيل إليه إلا بهذا؛ إذ إنه ليس مؤهلا للبحث فيه.
الشيطان والجان عالم غيبي:
الجن خلق من خلق الله - تعالى - وهم عالم غيبي أمرنا الله بالإيمان به، وهو عالم مستقل عن الإنسان والملائكة، له تكوينه الخاص، وقوانينه الخاصة، وسمي جنا لاستتارهم، فهم مستورون عن الخلق لا يرونهم"، وتحت نوع الجن: الكافر والمؤمن، فالكافر منهم هو الشيطان، وأولهم إبليس"[2].
وطريق معرفتنا بهذا العالم هو الوحي وليس العقل؛ لأن العقل - كما تقدم - لا يمتلك التعرف إلى عالم الغيب، ومنه عالم الجن.قال القاضي عبد الجبار(ت:415هـ):"اعلم أن الدليل على إثبات وجود الجن السمع دون العقل؛ وذلك أنه لا طريق للعقل إلى إثبات أجسام غائبة؛ لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تعلق، كتعلق الفعل بالفاعل، وتعلق الأعراض بالحال... والذي يدل على إثباتهم - أي الجن - آي كثير من القرآن تغني شهرتها عن ذكرها، وأجمع أهل التأويل على ما يذهب إليه من إثباتهم بظاهرها، ويدل أيضا على إثباتهم ما علمناه باضطرار من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتدين بإثباتهم"[3].
إن طريق العلم بهذا العالم الغيبي من الجن إنما يؤخذ من السمع؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أعلم بهذا الغيب الذي استأثر بعلمه، وحجبه عن خلقه؛ ولذا قال ابن حزم(ت:456هـ): "لم ندرك بالحواس ولا علمنا وجوب كونهم(أي الجان) ولا وجوب امتناع كونهم في العالم أيضا بضرورة العقل، لكن علمنا بضرورة العقل إمكان كونهم؛ لأن قدرة الله - تعالى - لا نهاية لها، وهو - عز وجل ـيخلق ما يشاء، ولا فرق بين أن يخلق خلقا عنصرهم التراب والماء، فيسكنهم الأرض والهواء والماء، وبين أن يخلق خلقا عنصرهم النار والهواء، فيسكنهم الهواء والنار والأرض، بل كل ذلك سواء ممكن في قدرته، لكن لما أخبرت الرسل - الذين شهد اللهـ عز وجل - بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحلية للطبائع - بنص الله عز وجل - على وجود الجن في العالم، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم، قد جاء النص بذلك، وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة، موعودة متوعدة، متناسلة يموتون، وأجمع المسلمون كلهم على ذلك، نعم والنصارى والمجوس والصابئون، وأكثر اليهود حاشا السامرة فقط، فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر فهو كافر مشرك"[4].
إن وجود هذا العالم الغيبي حقيقة ثابتة، ومعلوم من الدين بالضرورة، وتواترت بذلك الأخبار عن الأنبياء، ولا ينقض هذا ويعترض عليه بعدم رؤيتهم؛ فليس كل ما لا يقع عليه الحس منكورا معدوما؛ فالحواس نفسها لا تستطيع إدراك ما يتوصل إليه العقل من أفكار مجردة ونظريات عقلية، مع أن الحواس هي التي تساعد العقل على اكتساب المعارف، فهي - كما سبق - روافد المعرفة العقلية، وجواسيس العقل على عالم الشهادة، وهذه الأفكار لا يستطيع الحس أن ينكرها أو يدعي عدمها، والعقل بالمثل لا يختلف عن الحواس، ومن ثم فليس من حقه أن ينكر ما عداه، فكما أن لكل حاسة مجالها، كذلك للعقل مجاله ومحيطه الذي لا يتعداه ولا يتخطاه، وليس من حقه أن ينكر ما يخرج عن نطاق إدراكه، فهناك مستويات من المعرفة لا يستطيع العقل أن يتوصل إليها، وذلك - بلا ريب - لا يعني عدم وجودها.
إن عالم الجن عالم غيبي، العقل مقيد فيه بما يخبره به السمع والنقل، وما أتى به الوحي على الأنبياء، فوجود الجن مما تواترت به أخبار الأنبياء تواترا معلوما بالضرورة، وإنكار المنكرين للجن تكذيب بالوحي وإخبار الأنبياء، وتكذيب للأنبياء أنفسهم، ولذا حكى الإجماع على وجود الجن ابن تيمية(ت:728هـ) فقال: "لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، ولا في أن الله أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك... وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواترا معلوما بالضرورة، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضا قائمة بالإنسان أو غيره، كما يزعم بعض الملاحدة، فلما كان أمر الجن متواترا عن الأنبياء تواترا تعرفه العامة والخاصة، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم"[5].
وذكر إمام الحرمين أبو المعالي الجويني(ت:478هـ): "أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين والاستعاذة بالله - تعالى - من شرورهم، ولا يراغم هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين"[6].
ليس لعاقل - إذن - أن ينكر وجود الجن والشياطين "لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي أو تجاربنا المشهودة، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها، فضلا عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا"[7].
تلك هي خلاصة الحقيقة التي أردنا الكشف عنها، والتي نستطيع بعدها أن نقول: إنه قد ثبت وجود الجن بالدليل القطعي الذي لا احتمال فيه، والدليل هو الخبر الصادق الذي جاء به القرآن بنصوص قاطعة لا احتمال فيها، وما جاءت به السنة من نصوص صحيحة ثابتة.
وقد أخبر القرآن عن الجان في مواضع كثيرة؛ فمن ذلك قوله تعالى:)وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)( (الذاريات) ومنه قوله تعالى: )وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن( (الأحقاف: ٢٩) ومنه قوله تعالى: )خلق الإنسان من صلصال كالفخار (14) وخلق الجان من مارج من نار (15)( (الرحمن).
وقد جاء في السنة أحاديث ثابتة صحيحة تثبت حقيقة الجان وتخبر عنهم، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم والترمذي، وابن إسحاق وعامة أصحاب السيرة، واللفظ للبخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - «انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟. قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، )إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2)( (الجن). وأنزل الله - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: )قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1)( (الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن»[8].
وإذا كان وجود هذا العالم مستندا إلى هذه الأخبار اليقينية وما سيأتي بعد، والتي وردت في الكتاب وفصلتها السنة، وكان أمرها معلوما من الإخبارات الإلهية بالضرورة، كان الفرق بين من يؤمن بهذا العالم ومن ينكره، هو الفرق بين من يؤمن بوجود الله - عز وجل - وبكلامه ووحيه، ومن لا يؤمن به.
إن صح لنا استيعاب ما مضى من الكلام، وتوصلنا إلى إثبات هذا العالم الغيبي شرعا وعقلا، وآمنا بأن هذا العالم يتعرف إليه من خلال ما جاء به الوحي، وجب علينا التصديق بكل ما جاء به النقل عن هذا العالم، فنصدق ما جاء عنهم في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة من أخبارهم وصفاتهم وقوانيهم...إلخ، وإن كان في هذه الأخبار ما يخرج - أو يظن كذلك - عن إدراك عقولنا القاصرة، وقد نبه على معانيها العلماء وشراح الحديث، وهذا هو موضوع التفصيل والبيان في الوجه الآتي.
ثانيا. الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون، ومن كانت هذه صفاته بطل الزعم بروحانيته كالملائكة:
لقد جاء الوحي مخبرا عن عالم مستقل عن عالم الإنس، ومستقل أيضا عن عالم الملائكة، ذاك العالم هو عالم الجن.
وقد أخبر الوحي عنهم، مجليا صورة هذه الأمة، ومظهرا مادة خلقهم، وصفاتهم وقوانينهم، والغاية من خلقهم، وعلاقتهم بالإنسان...إلخ؛ كل هذا في كلام واضح بين ينجينا من الوقوع في براثن الحيرة والتخبط، شريطة أن نؤمن بما جاء به الوحي الشريف دون إقحام العقل في تأويلات فاسدة، ودون أن نضني عقولنا فيما لا طائل من ورائه.
أخبر الله تعالى أن الجن خلقوا من النار، قال تعالى: )والجان خلقناه من قبل من نار السموم (27)( (الحجر)، وقال: )وخلق الجان من مارج من نار (15)( (الرحمن)".
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»[9].
وجاء التصريح في القرآن بأن للجن قلوبا وأعينا وآذانا: )ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها( (الأعراف: ١٧٩).
وصرح القرآن بأن للشيطان صوتا، قال تعالى: )واستفزز من استطعت منهم بصوتك( (الإسراء: ٦٤).
وثبت في الأحاديث الصحيحة أن الجن يأكلون ويشربون، فهم مفتقرون إلى الغذاء المناسب لذواتهم افتقار سائر الحيوانات والنباتات إلى أغذيتها المناسبة؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له: «ولا تأتني بعظم ولا بروثة»، ولما سأل أبو هريرة الرسولـ صلى الله عليه وسلم - عن سر نهيه عن العظم والروثة، قال: «هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين[10] - ونعم الجن - فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم ألا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعما»[11].
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن»[12].
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، ومن ثم نهانا عن الأكل والشرب بالشمال؛ فقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله"»[13].
وهنا تعرض شبهة من شبه المنكرين؛ إذ قالوا: الشيطان روحاني كالملائكة، فكيف يأكل ويشرب، وكيف له يد يتناول بها؟
ونقول: أما قولهم: إن الشيطان كائن روحاني - فهذا مردود بما ورد أنهم يأكلون ويشربون، وهذا على الحقيقة وليس على المجاز، ولا يمنع أن يكون لهم يد يأكلون بها؛ لما ثبت أن لهم عيونا وآذانا وقلوبا وصوتا كما تقدم، ومما يثبت أن أكلهم وشربهم على الحقيقة ما ثبت بالآثار الدالة والأخبار الصادقة التي جاءت في أصح كتب السنة، أن طعامهم العظم والروث، ولا يقول عاقل: إن هذا ليس حقيقيا.
ولا يقول عاقل بروحانية من يأكل ويشرب ويتناكح، كما قال تعالى: )لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (56)( (الرحمن)، وقال: )أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو( (الكهف:٥٠).
ولا يصح الزعم بأن الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، فهذا الزعم تبطله الآثار الدالة، والأخبار الصادقة التي سقناها من الكتاب والسنة، ونحن مأمورون بالإيمان بها؛ لأنها السبيل الوحيد لمعرفتنا بهذا العالم الغيبي.
ونحن نؤمن بما جاء به النقل كما أخبر به، ودون بحث عما سكت الشرع عنه، فنتقيد بما جاء به النقل". وقد حاول بعض العلماء الخوض في الكيفية التي يأكلون بها، هل هو مضغ وبلع، أو تشمم واسترواح، والبحث في ذلك خطأ لا يجوز؛ لأنه لا علم لنا بالكيفية، ولم يخبرنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بها"[14].
ثالثا. حيوانات تصاحبها الشياطين:
من الحيوانات التي تصاحبها الشياطين الإبل؛ ولذا نهى الرسولـ صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في مبارك الإبل، فعن البراء بن عازب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين، وصلوا في مرابض الغنم؛ فإنها بركة»[15].
وعن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين»[16].
وهنا تعرض شبهة أخرى من شبه القوم؛ إذ قالوا: كيف يقال: إن الإبل خلقت من الشياطين، ومعلوم أنها خلقت من إبل مثلها، كما أن البقر خلقت من البقر، والخيل من الخيل، والأسد من الأسد، والذباب من الذباب؟!
والنبي - صلى الله عليه وسلم - بلا شك "يعلم أن البعير تلده الناقة، وأنه لا يجوز أن تكون شيطانة تلد جملا، ولا أن ناقة تلد شيطانا"[17]. وقوله:«إنها خلقت من الشياطين» يريد أنها من جنس الشياطين ونوعهم؛ فإن كل عات متمرد شيطان من أي الدواب كان، فالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام كما للإنس شياطين... والشياطين خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فأمر بالوضوء من لحومها؛ كسرا لتلك الصورة، وقمعا لتلك الحال، وهذا لأن قلب الإنسان وخلقه يتغير"[18].
ولذا فإن الشيطنة من طبيعة الإبل، وقد ورد في رواية الإمام أحمد: «ألا ترون عيونها وهبابها إذا نفرت»[19].
وعلى هذا فالمعنى "أنها في أصل الخلقة - خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين"...ولو كانت من نسلها لقال: فإنها خلقت من نسلها، أو بطونها أو أصلابها، وما يشبه هذا. ولم تزل العرب تنسب جنسا من الإبل إلى الحوش، فتقول: ناقة حوشية وإبل حوشية، وهي أنفر الإبل وأصعبها"[20].
وقد ذكر العلامة ابن عثيمين الحكمة من الوضوء من لحم الإبل، بعد أن ذكر أن هذا أمر من الله على لسان رسوله يجب الامتثال له، وإن لم نعلم الحكمة؛ فذكر أن لحم الإبل شديد التأثير على الأعصاب؛ فيهيجها، ولهذا يحذر الطب الحديث الإنسان العصبي من الإكثار من لحم الإبل. والوضوء يسكن الأعصاب ويبردها، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء عند الغضب لأجل تسكينه[21].
مما سبق يتبين أن المقصود أن الإبل تحمل صفات الشياطين، ومن ثم فلا مانع من أن تصحب الشياطين الإبل، فتكون الإبل ومعاطنها مأوى الشياطين، ولذا نهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وهذا يشبه النهي عن الصلاة في الحمام؛ لأن الحمامات بيوت الشياطين.
ولكن نقول - وإن كنا قد قدمنا تأويلات سائغة مقبولة تقرب المعنى للأفهام: أليس من الأفضل والأصوب والأرشد أن نأخذ هذا النهي على أنه أمر تعبدي، ولا نسأل عن الحكمة ما دام النص قد ثبت؟ أعتقد أن هذا أسلم وآمن، وما يعقلها إلا العالمون!
رابعا. تشكل الجن والشيطان في الصور بقدرة الله:
جاء في كتب السنة بأسانيد صحيحة وألفاظ متقاربة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الشمس تطلع من بين قرني شيطان، فلا تصلوا لطلوعها»[22].
ولم يعجب هذا الحديث الطاعنين في أحاديث الجن والشياطين، فزعموا أن هذا الحديث يكذبه النظر والخبر، وقالوا: كيف جعلتم للشيطان قرونا تبلغ السماء، وجعلتم الشمس - التي هي مثل الأرض - مرات تجري بين قرنيه؛ وأنتم - مع هذا - تزعمون أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو في هذه الحال ألطف من كل شيء، وهو في تلك الحال أعظم من كل شيء؟!
وجعلتم علة ترك الصلاة في وقت طلوع الشمس طلوعها من بين قرنيه، وما على المصلي لله - تعالى - إذا جرت الشمس بين قرني الشيطان، وما في هذا مما يمنع الصلاة لله تعالى؟![23].
وقد ادعى المغرضون التناقض بين هذين الحديثين، وقد فند هذه الشبهة، ودفع هذا الاشتباه ابن قتيبة فقال: "إن إنكارهم لهذا الحديث، إن كان من أجل أنهم لا يؤمنون بخلق الشياطين والجن، وبأن الله - تعالى - جعل في تركيبها أن تتحول من حال إلى حال، فتتمثل مرة في صورة شيخ، ومرة في صورة شاب، ومرة في مثال نار، ومرة في مثال كلب، ومرة في مثال جان، ومرة تصل إلى السماء، ومرة تصل إلى القلب، ومرة تجري مجرى الدم!!
فهؤلاء مكذبون بالقرآن، وبما تواطأت عليه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنبياء المتقدمين، وكتب الله - تعالى - المتقدمة، والأمم الخالية؛ لأن الله - تعالى - قد أخبرنا في كتابه أن الشياطين يقعدون من السماء مقاعد للسمع، وأنهم يرمون بالنجوم.
وأخبرنا الله - تعالى - عن الشيطان أنه قال: )ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله( (النساء: ١١٩) وهو لا يظهر لنا. فكيف يأمرنا بهذه الأشياء، لولا أنه يصل إلى القلوب بالسلطان الذي جعله الله - تعالى - له، فيوسوس بذلك، ويزين ويمني، كما قال الله عز وجل"[24].
فالجن يتشكلون ويتصورون بصور مختلفة بما أعطاهم الله من قدرة على التحول والتشكل والتصور، فلا مانع من أن يبلغ الشيطان أن "ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين جانبي رأسه، لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها، وكذا عند غروبها"[25].
ولا مانع أيضا من أن يصل إلى قلب ابن آدم حتى يوسوس له، وكل هذا خاضع لمقتضى القدرة الإلهية وعموم الإرادة الحاكمة، ولو نظرنا إلى عجائب قدرة الله المشاهدة في كونه؛ لسهل علينا تصديق ما نحن بصدد إثباته، وسهل على العقل أن يتصور تشكل الجن وتصوره بما يراه من قدرة الله، ولو أن هؤلاء المنكرين"اعتبروا ما غاب عنهم بما رأوه من قدرة الله عز وجل؛ لعلموا أن الذي قدر على أن يفجر مياه الأرض كلها إلى البحر منذ خلق الله الأرض وما عليها، فهي تفضي إليه من غير أن يزيد فيه أو ينقص منه، ولو جعل لنهر منها مثل "دجلة" أو"الفرات" أو "النيل" سبيل إلى ما على وجه الأرض من المدائن والقرى والعمارات والخراب شهرا - لم يبق على ظهرها شيء إلا هلك؛ هو الذي قدر على ما أنكروا.
وأن الذي قدر أن يحرك هذه الأرض، على عظمها، وكثافتها، وبحارها، وأطوادها، وأنهارها حتى تتصدع الجبال، وحتى تغيض المياه، وحتى ينتقل جبل من مكان إلى مكان - هو الذي لطف لما قدر. وأن الذي وسع إنسان العين[26]، مع صغره وضعفه لإدراك نصف الفلك على عظمه، حتى رأى النجم من المشرق ورقيبه من المغرب وما بينهما، وحتى خرق مسيرة خمسمائة عام - هو الذي خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام[27]. فهل ما أنكر إلا بمنزلة ما عرف؟ وهل ما رأى إلا بمنزلة ما لم يره؟ فتعالى الله أحسن الخالقين"[28].
إن قدرة الله التي تقول للشيء كن فيكون هي التي منحت الجن التشكل بصور مختلفة؛ ولذا فالجن "يتصور في صور الإنس والبهائم، فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها، وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وفي صور الطير، وفي صور بني آدم، كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جشعم لما أرادوا الخروج إلى بدر، قال تعالى: )وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب (48)( (الأنفال).
كما روي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة، هل يقتلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يحبسونه أو يخرجونه، كما قال سبحانه وتعالى: )وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (30)( (الأنفال)[29].
أما عن إنكار الحديث من جهة النظر، إذ لا معنى لترك الصلاة من أجل أن الشمس تطلع بين قرني شيطان؛ فالجواب عنه أنه: "إنما أمرنا بترك الصلاة مع طلوع الشمس، لأنه الوقت الذي كانت فيه عبدة الشمس يسجدون فيه للشمس.
وقد درج كثير من الأمم السالفة على عبادة الشمس والسجود لها، فمن ذلك ما قص الله - تبارك وتعالى - علينا في نبأ ملكة سبأ - أن الهدهد قال لسليمان عليه السلام: )وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم( (النمل:٢٤)، وكان في العرب قوم يعبدون الشمس ويعظمونها ويسمونها الآلهة... فكره لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي في الوقت الذي يسجد فيه عبدة الشمس للشمس، وأعلمنا أن الشياطين حينئذ - أو أن إبليس في ذلك الوقت - في جهة مطلع الشمس، فهم يسجدون له بسجودهم للشمس، ويؤمونه"[30].
ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مستقبل المشرق يقول:«الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان»[31] والمراد بقوله: حيث يطلع قرن الشيطان؛ أي: جهة المشرق.
هذا عن حديث طلوع الشمس بين قرني شيطان، وأما عن دخوله في قلب بني آدم، فقد "صح النص بأنهم يوسوسون في صدور الناس، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فوجب التصديق بكل ذلك حقيقة"[32].
ومما يتعلق بتشكل الجن، روى البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال، ولي حاجة شديدة. قال: فخليت عنه. فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله.
قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه سيعود، فرصدته، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله. قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات؛ إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: )الله لا إله إلا هو الحي القيوم( (البقرة: ٢٥٥) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله. قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية )الله لا إله إلا هو الحي القيوم( (البقرة: ٢٥٥) وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب.تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك شيطان»[33].
وقد أنكر المغرضون هذا الحديث، وقالوا: إن الجن ممنوعة من رؤية الإنسان لها، سواء أكان بشرا عاديا أم نبيا من عند الله، فكيف يراها أبو هريرة؟ وقالوا: زعم أبو هريرة أن الشيطان علمه كلمات تحصنه من الشيطان، والإنسان لا يسلم من الشيطان مع قراءته لهذه الكلمات: آية الكرسي.
والجواب: عن قضية تشكل الجن تحدثنا عنها فيما تقدم، وأن الله أعطاه القدرة على التصور والتحول بصور وأشكال مختلفة، ومن ضمنها التشكل بصور بني آدم، وقد سمى الله - تعالى - الجن رجالا كما سمى الإنس رجالا فقال: )وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (6)( (الجن). وإنما ينكر ذلك من لا يحيط علما بعجائب المقدورات، وقد ثبت أن جبريل - عليه السلام - كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية الكلبي، ومن عرف ذلك لم ينكر ما كان بمنزلته من تصور الجن في صورة شخص، ولا مانع من أن يراه أبو هريرة، وهذا لا يعارض قوله تعالى: )إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم( (الأعراف:٢٧) لأن قوله تعالى: )إنه يراكم( "مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها"[34]. وعلى هذا المعنى يحمل قول الشافعي: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته إلا أن يكون نبيا، فهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتصور على صور شتى من الحيوانات فلا يقدح فيه، وقد تواترت الأخبار بتصورهم في الصور[35].
وقد أخبر الله عن تصور الجن بصور مختلفة، وقيامهم بوظائف شتى حينما كانوا مسخرين - بإذن الله - لنبي الله سليمان: )فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب (36) والشياطين كل بناء وغواص (37) وآخرين مقرنين في الأصفاد (38)( (ص) وأخبر عن قدرتهم التي أعطاها الله لهم، والتي تفوق قدرة البشر: )قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك( (النمل: ٣٩).
وإذا ثبت رؤية الإنسان للجن حين تشكل في صورة من الصور على غير صورته التي خلق عليها، وأن هذا غير ممتنع، ثبت من باب أولى عدم امتناعه عن الأنبياء، وادعاء امتناع رؤية النبي للجن أظهر وأبين في التهافت من أن يرد عليه، بل النبي من الممكن أن يراه على صورته التي خلق عليها.
وأما قول القائل: إننا لنقرأ آية الكرسي مرارا، ثم لا يندفع عنا الشيطان، فهذا جهل بتنوع أعداء الإنسان التي يمثل الشيطان واحدا منها، فالنفس من أعدى أعدائه، وكذلك الدنيا وهوى الإنسان، فإذا استطاع الإنسان دفع الشيطان وكيده الضعيف بآية الكرسي والاستعاذة وذكر الله، فإنه لابد له من قمع النفس الأمارة بالسوء ومجاهدتها بالمخالفة" فهذه النفس التي يحملها الإنسان بين جنبيه، والتي تضم مجموعة الغرائز الحيوانية أو الهابطة، التي يشعر بها الإنسان في شكل رغبات ملحة. هذه النفس من مظاهرها هذا الخيال الجامح الذي يرسم صورة مغرية للمعصية أو المخالفة، ويسهل الوصول إليها، ويهيئ للإنسان من المتع التي تترتب على هذه المخالفات ما يجعل إرادته أمام كل هذه الأمور تضعف وتتراجع، ما لم تكن هذه الإرادة صارمة بتارة تقطع كل رغبة، وتقف دون كل هوى، فتحول بين الإنسان وبين ما يشتهي من هذه الرغبات.
أما إذا كانت الإرادة ضعيفة فإن النفس برغباتها تستطيع من خلالها أن تنفذ إلى ما تريد، خصوصا إذا كانت هذه النفس أمارة بالسوء، لم يعودها صاحبها على الالتزام، ولم يفطمها عن المخالفات"[36].
وصدق الشاعر إذ يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فأعداء الإنسان كثيرون، والشيطان أحدهم، وربما كان أضعفهم كيدا: )إن كيد الشيطان كان ضعيفا (76)( (النساء) وصدق الشاعر حين قال:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى
كيف الخلاص وكلهم أعدائي
ولو كان الشيطان هو العدو الوحيد للإنسان، لكان الإنسان أتقى ما يكون في رمضان، ولم يرتكب أي معصيته أو ذنب فيه؛ إذ صح أن الشياطين تسلسل في رمضان، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرةـ رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»[37].
لكن هناك شياطين الإنس: )قل أعوذ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3) من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5) من الجنة والناس (6)( (الناس)، وقال تعالى في سورة الأنعام: )وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا( (الأنعام: ١١٢).
خامسا. علاقة الإنسان بالجن والشيطان:
بدأ الصراع بين الإنسان والشيطان برفض الشيطان أمر الله - تعالى - بالسجود لآدم، استكبارا منه وكفرا وعنادا )وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)( (البقرة) وظن أنه خير منه لخلقه من النار بينما خلق آدم من طين: )قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (12)( (الأعراف).
وكان الجزاء وفاقا من الله بطرده ولعنه: )قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (13)( (الأعراف).
وامتلأ لذلك إبليس حنقا وغيظا وحقدا على آدم وبنيه، وطلب من ربه إمهاله لغوايتهم وإضلالهم، فأخرج آدم من الجنة حين وسوس له، وجعله يأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها، وتوعد إبليس الإنسان وأعلنها صريحة: )قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (79) قال فإنك من المنظرين (80) إلى يوم الوقت المعلوم (81) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83)( (ص). وقد أطلعنا الله على الغاية من تلك العداوة، والهدف الأسمى منها بقوله: )إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (6)( (فاطر).
واستخدم الشيطان في سبيل تحقيق هذا الهدف كل طريق ووسيلة، وقد وردت هذه السبل في القرآن، ومنها الوسوسة )من شر الوسواس الخناس (4)( (الناس)، ومنها التزيين والزخرفة )لأزينن لهم في الأرض( (الحجر:٣٩)، ومنها الفتنة )يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة( (الأعراف: ٢٧)، ومنها أن )يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120)( (النساء)، ومنها النزغ، "والنزغ دخول في أمر لإفساده"([38])، ومنها المس والتخبط، كما قال تعالى: )الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس( (البقرة: ٢٧٥) إلى غير ذلك من الأساليب والوسائل، وكل هذا بما أعطاه الله من قدرة، وما يستخدمه الشيطان من جنوده وحزبه وأوليائه.
إنها معركة حقيقية وصراع حتمي دائم إلى يوم القيامة، ولم يترك الإنسان في هذه المعركة أعزل، ولم يجعل الله للشيطان عليه سلطنا مطلقا، فهذا يشبه أن يكون جبرا، إن لم يكن الجبر ذاته، وهذا لا يوافق العدل الإلهي.
وقد صور ابن الجوزي (ت: 597هـ) هذا الصراع بين الإنسان والشيطان تصويرا رائعا فقال: "واعلم أن القلب كالحصن، وعلى ذلك الحصن سور، وللسور أبواب، وفيه ثلم[39]، وساكنه العقل، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن، وإلى جانبه ربض[40] فيه الهوى، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع، والحرب قائمة بين أهل الحصن وأهل الربض، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من ذلك الثلم، فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه وجميع الثلم، وألا يفتر عن الحراسة لحظة، فإن العدو ما يفتر... وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان"[41].
ومن ثم فإن كيد الشيطان ضعيف، وسلطانه ليس له تأثير على عباد الله المخلصين: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (42)( (الحجر) وقال تعالى: )قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83)( (ص).
وكل هذا من كمال الابتلاء والاختبار للإنسان؛ ولذا قال تعالى في شأن أصحاب مملكة سبأ الذين كفروا بربهم: )ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين (20) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ (21)( (سبأ) فهو اختبار من الله وابتلاء؛ فإن الطريق إلى الجنة طريق محفوف بالمكاره، وغير مذلل معبد إلا من تخطى هذه المكاره؛ فقد روى مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»[42]. "فلا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالوقوع في الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات"[43].
وبعد، فهذه العلاقة - على وضوحها - بصريح النصوص الشرعية والأدلة العقلية يتمارى فيها المغرضون، فينكرون أفعال الشيطان وأعماله مع الإنسان، وينكرون الأحاديث الواردة في هذا الشأن مع بلوغها الذروة في الصحة والثبوت.
وأول هذه الأحاديث - والذي يصور أول تعرض للإنسان للشيطان - ما رواه البخاري ومسلم - وغيرهما من أئمة الحديث - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب»[44].
وفي رواية سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد؛ فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها»[45].
وقد طعن القوم في هذا الحديث، وشككوا في صحته، أو أنه - على فرض صحته - من باب التمثيل؛ لأن الشيطان يوسوس ويغوي فقط.
وللرد على ذلك نقول: إن هذا الحديث صحيح؛ رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وما دل عليه هو استجابة لدعاء أم السيدة مريم؛ حيث قالت كما حكى الله عز وجل: )وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36)( (آل عمران) وأي ضير في أن يصدع النبي صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى - بخصيصة من خصائص لأحد إخوانه من الأنبياء، ويدل هذا على أمانته في التبليغ.
وليس في إسناد هذه الخصوصية لعيسى - عليه السلام - نقص في إخوانه من الأنبياء، أو انتقاص من شأنهم.
وأما طبيعة هذا المس، فالأكثرون من العلماء على أن الحديث على ظاهره، وهو أن المس حقيقة، وأن الشيطان حاول ذلك مع مريم وابنها، فلم يمكن منه استجابة لدعاء أمها لها؛ إذ لا يلزم من وقوع المس وقوع الإغواء، وذلك بالنسبة إلى الأنبياء ومن على شاكلتهم من المخلصين الأصفياء، وعلى هذا فلا يكون الحديث - كما توهم - مخالفا لقوله تعالى: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر: ٤٢) وقوله: إلا عبادك منهم المخلصين (83)( (ص). ولا يلزم أن تمتلئ الدنيا صراخا كما توهم الزمخشري(ت:538هـ)؛ لأن الحديث إنما جعل ذلك عند الولادة فحسب، وأما بعدها فلا، ولو حكمنا المشاهدة والواقع فما من مولود إلا ويستهل صارخا أو باكيا، وإنكار ذلك مكابرة.
والإمام الزمخشري ليس حجة في الحديث، فلا يرجع إليه في معرفة الصحيح وغيره[46]، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر اعتراضه وبين أنه غير مسلم، فقال: "والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته، ولكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أيضا، واستثني من المخلصين مريم وابنها، فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه وبين ذلك، فهذا وجه الاختصاص، ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين"[47].
وقال القرطبي في تفسيره: "قال علماؤنا: ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه، فإن ذلك فاسد؛ فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء، ومع ذلك عصمهم الله مما يرومه الشيطان، كما قال: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر: ٤٢)، ثم قال القرطبي: هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمريم وابنها وإن عصما من نخسه، فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته"[48].
ونحن إذ خرجنا من هذه الشبهة نجد المغرضين يطعنون في جملة أحاديث أخرى صحيحة ثابتة، وردت بشأن وسائل يستخدمها الشيطان لإغواء الإنسان، ومنها ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم - إذا هو نام - ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"[49]. وطعنوا في الحديث الذي رواه البخاري أيضا من حديث أبي وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقيل: ما زال نائما حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: بال الشيطان في أذنه»[50]. وقالوا: كيف يعقد وكيف يبول؟
وجوابنا أن هذا كله ليس محالا ولا ممتنعا، وهذا التسلط إنما هو اختبار، فإذا دفعه الإنسان بالذكر اندفع، وقد ذكر ابن حجر أن هذه العقد لمن نام عن الصلاة المكتوبة، فيكون التقدير: إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء بخلاف من صلاها، وكذلك يحفظ منه من ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء، ومن تناوله قوله تعالى: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر: ٤٢) ومن قرأ آية الكرسي - كما عرض حديث أبي هريرة من التحصن بها - فقد ثبت أنه يحفظ منه حتى يصبح، وكمن كان متوضئا ناويا الصلاة، وكذلك إذا نام المرء عن صلاته بال الشيطان في أذنه، فهذا لم يدفع كيد الشيطان عنه بالذكر والصلاة.
ولا مانع من كون العقد على الحقيقة، وكذلك بول الشيطان، قال القرطبي وغيره: لا مانع من ذلك إذ لا إحالة فيه؛ لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من أن يبول[51].
وقد تقدم - قريبا - أن هذا العالم غيبي وجب التصديق بكل ما جاء عنه في الشرع والنقل، فنحن لا نعرف عنه إلا ما عرفنا الله ورسوله، وليس كل ما لا يقع تحت الحس ينكر.
ومما أنكره المغرضون الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله. وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»[52].
وفي رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»[53].
وقد طعن المغرضون في هذا الحديث، وقالوا: إن العطاس والتثاؤب عمليات فسيولوجية، فما علاقة الشيطان بالتثاؤب؟.
وللرد على ذلك نقول: لسنا في حاجة إلى إسهاب للتحقق من صحة الحديثين؛ فقد رواهما البخاري ومسلم، وهما من هما في التثبت من صحة الأحاديث.
وأما ما يتعلق بمعنى الحديث فإن الخطابي قال: "معنى المحبة والكراهة فيهما منصرف إلى سببهما، وذلك أن العطاس يكون من خفة البدن، وانفتاح المسام، وعدم الغاية في الشبع، وهو بخلاف التثاؤب، فإنه يكون من علة امتلاء البدن وثقله، مما يكون ناشئا عن كثرة الأكل والتخليط فيه، والأول يستدعي النشاط للعبادة، والثاني عكسه"[54].
ولذا يحب الشيطان من الإنسان التثاؤب، "وذلك لأن التثاؤب علامة الكسل، والشيطان يعجبه ويفرحه من الإنسان كسله وفتوره؛ إذ بذلك يقل علمه وبذله الذي يرفعه عند ربه"[55].
"قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة؛ أي: أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا؛ لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب. وقال ابن العربي: قد بينا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته. قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك"[56].
وقال النووي: "أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات؛ إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل وإكثار الأكل"[57].
وحب الشيطان للتثاؤب، كحبه لصفة العجلة، كما في الحديث "التأني من الله، والعجلة من الشيطان"[58]. ذاك أن العجلة توقع الإنسان في كثير من الأخطاء، ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
وعود على بدء نقول: إن الله - تبارك وتعالى - لم يعط الشيطان القدرة المطلقة التي لا تندفع على إضلال الإنسان وإغوائه: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا (65)( (الإسراء(، إنما تسلطه على البعيدين عن الله وعن ذكر الله، الذين يرضون بفكره، ويتابعونه عن رضا وطواعية )إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100)( (النحل) ولذا يقف الشيطان يوم القيامة يقول لأتباعه، كما أخبر الله عنه: )وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم( (إبراهيم:٢٢).
وليس لأحد من الخلق على الله حجة أو اعتراض؛ ذلك أن الله نبه الإنسان إلى مكائد الشيطان وحذره منه، وأوقفه على غاياته ووسائله، ودله على طرق التحصن منه.
وما أعطاه الله للشيطان من قدرة التسلط مدفوعة بالتحصن بذكر الله، ومن ثم فلا مطعن في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان جنح الليل - أو أمسيتم - فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم»[59].
وقد أثار المغرضون حول هذا الحديث أسئلة فحواها:كيف لا تخترق الشياطين الأبواب المغلقة وغيرها، وهي أجسام لطيفة رقيقة أعطاها الله القدرة على اجتياز كل ساتر؟ وكيف تحجب عن إغواء بني آدم وقد سلطت عليهم؟ ثم إذا كان لهم النجاة منه فكيف يتفق ذلك مع عصيانهم لله، واقترافهم الآثام والأبواب مغلقة؟ فما الذي دفعهم إلى العصيان والشيطان بعيد عنهم؟ وإن لم يكن ذلك فكيف دخل إليهم وأغواهم؟
ويرد على هذه الأسئلة بما قررناه بإسهاب فيما تقدم - من أن تسلط الشيطان بإضلال الإنسان وإغوائه متعلق ومرتبط بغفلة الإنسان عن ذكر الله ارتباط النتيجة بالمقدمات، فمن غفل عن ذكر الله وطاعته خرج من زمرة عباد الله المخلصين الممتنعين عن إغواء الشيطان وإضلاله؛ ولذا "أمرـ صلى الله عليه وسلم - بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله - عز وجل - هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء، ولا حل سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب؛ وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء»[60] أي:لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: «اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا»[61] كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك أشباه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. وفي هذا الحديث:الحث على ذكر الله - تعالى - في هذه المواضع، ويلحق بها ما في معناها، قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله - تعالى - على كل أمر ذي بال"[62].
وعلى هذا فإن الشيطان لا يستطيع أن يفتح بابا مغلقا ذكر عنده اسم الله - تعالى - ولا حل سقاء ذكر اسم الله عليه؛ ولذا أمر بكف الصبي مخافة أن يصيبه الشيطان؛ لكونهم غير محترزين بالذكر غالبا.
قال ابن الجوزي: "إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به؛ فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت، والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية، وكذلك كل سواد"[63].
إذن أعطى الله - عز وجل - للشيطان القدرة على اختراق كل مانع واجتياز كل ساتر، ما لم يذكر اسم الله، فإذا ذكر اسم الله فلا سبيل له ولا سلطان له، فالله عز وجل "وإن كان قد أعطاهم القدرة على اختراق الحواجز، والقدرة على مس بني آدم والتأثير فيهم، إلا أنه في الوقت نفسه قد أعطى بني آدم من قوة السلطان ما يحول بينهم وبين تأثيرات الجن وأرشدهم إلى ذلك؛ إذ المرء يكفيه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويكفيه أن يقرأ آية الكرسي، ويكفيه أن يقرأ خواتيم سورة البقرة، ويكفيه أن يقرأ سورة الإخلاص وسورتي المعوذتين عند نومه، ويكفيه أن يغلق عليه بابه مسميا الله عز وجل، إلى غير ذلك مما ورد في السنة النبوية"[64].
وأما سؤالهم عن أن الناس يعصون ربهم والأبواب مغلقة، فقد بينا من قبل أن الشيطان ليس العدو الوحيد للإنسان؛ إذ إن له نفسا أمارة بالسوء تدفعه إلى ارتكاب المعصية، واقتراف الموبقات إن لم يجاهدها بالمخالفة، وليس بينه وبين نفسه حجاب أو ستر، فهي بداخله لا تفارقه، هذا فضلا عن الدنيا والهوى.
وإن كان لنا من كلمة أخيرة في هذا الصدد، فإننا نؤكد استمرارية هذه المعركة الحقيقية بين الحق والباطل، المعركة بين الهدى والضلال، بين الشيطان وأوليائه وبين المؤمنين أولياء الرحمن.
معركة تمتد جذورها ويعود تاريخها إلى لحظة خلق آدم وأمر الله - تعالى - الملائكة بالسجود له، وعناد إبليس ومكابرته ورفضه لأمر الله؛ وهي معركة ممتدة إلى قيام الساعة: )قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15)( (الأعراف) وحصل بذلك الشيطان اللعين على وعد مقضي بالبقاء الطويل، وهنا أعلن في تبجح خبيث: )لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)( (الأعراف).
إنها عداوة حقيقية، هدفها الحيلولة بين بني آدم وبين الإيمان والطاعة، ومحاولة إغوائه وإضلاله محاولات دائبة مستمرة، فيها الحل لاستخدام جميع الأسلحة، وهنا كرس الشيطان جميع ما يملك، وخطط لتلك المعركة مع بني البشر، فراح يضع قواعده ويرسل بعوثه وسراياه في كل اتجاه، ويعقد المجالس يستحث فيها جنوده على مزيد من الإغواء والإضلال والتزيين للإنسان وإيقاعه في المهلكات والفواحش، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول:ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنو منه، ويقول:نعم أنت»[65]. وفي رواية ابن حبان من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أصبح إبليس بث جنوده في الأرض، فيقول: من أضل مسلما ألبسته التاج، فيقول له القائل: لم أزل بفلان حتى طلق امرأته، فيقول: يوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج»[66].
فهلا استيقظ الإنسان لهذا العدو الكامن المتربص المترصد!!
سادسا. الأحاديث التي نهت عن قتل الحيات أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الأحاديث التي نهت عن قتل الحيات التي في البيوت إلا بعد ثلاثة أيام أحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن، وهذا ما رواه مسلم في صحيحه - ونحن نعلم أن كل ما في صحيح مسلم صحيح مثل صحيح البخاري باتفاق الأمة - فقد روى من حديث أبي السائب مولى هشام بن زهرة؛ «أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين[67] في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي: أن اجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس. قال فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا، الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: استغفروا لصاحبكم، ثم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان»[68].
وروي عن أبي سعيد الخدري أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا، فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا، فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان»[69].
ورواه الإمام مالك عن صيفي مولى بن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة قال: دخلت على أبي سعيد الخدري... فذكره[70].
ورواه ابن حبان قال: أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن صيفي مولى ابن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري... فذكره[71].
ورواه أبو داود في سننه عن أبي السائب أيضا[72].
فالحديث بهذه الروايات المتعددة صحيح لا يشك أحد في ذلك، فقد ورد في صحيح مسلم - الذي هو أصح كتب السنة بعد صحيح البخاري - ورواه الإمام مالك في موطئه، ورواه ابن حبان في صحيحه، وأبو داود في سننه، وصححه من العلماء - حديثا - الشيخ الألباني، وشعيب الأرنؤوط، وهما من هما في الحديث ونقده، وهذا يوجب على كل مسلم أن يصدق بصحة الحديث أولا، ثم ينظر في حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا النهي.
قال العلماء: إن النهي عن قتل الحيات إنما قصد به النهي عن حيات المدينة دون غيرها، والسبب في ذلك أن طائفة من الجن كانت قد أسلمت بالمدينة، وكانت تتمثل في صورة الحيات، فنهي عن قتلها حتى تستأذن ثلاثا، فإن لم تنصرف عن البيت فهي شيطان، فتقتل.
"قال المازري: لا تقتل حيات مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإنذارها كما جاء في هذه الأحاديث، فإذا أنذرها ولم تنصرف قتلها، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور، فيندب قتلها من غير إنذار؛ لعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بقتلها، ففي هذه الأحاديث: «اقتلوا الحيات»[73]، وفي الحديث الآخر: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم، منها: الحية»[74] ولم يذكر إنذارا، وفي حديث: الحية الخارجة بمنى:[75] أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلها، ولم يذكر إنذارا، ولا نقل أنهم أنذروها.
قالوا: فأخذ بهذه الأحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقا، وخصت المدينة بالإنذار؛ للحديث الوارد فيها، وسببه صرح به في الحديث: أنه أسلم طائفة من الجن بها"[76].
كما روى ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة: «أن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - رأت يوما في مغتسلها حية فقتلتها، فأتيت في منامها، فقيل لها: إنك قتلت مسلما، فقالت: لو كان مسلما ما دخل على أمهات المؤمنين، فقيل: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك، فأصبحت ففرقت في المساكين اثني عشر ألفا»[77].
"وقال ابن نافع: لا ينذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة، على ظاهر الحديث"[78] قال تعالى حكاية عنهم: )وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون( (الجن: ١٤)، وقال تعالى: )وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا (11)( (الجن)، وأخرج ابن حبان من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الجن على ثلاثة أصناف: صنف كلاب وحيات، وصنف يطيرون في الهواء، وصنف يحلون ويظعنون[79]»[80].
"وفي مرقاة الصعود: قيل إنه - أي: النهي عن قتل الحيات - عام في جميع البيوت، وعن مالك تخصيصه ببيوت المدينة وهو المختار، وقيل تختص ببيوت المدن دون غيرها، وعلى كل حال فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار، وروى الترمذي أنها الحية التي تكون دقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها"[81].
وفي رواية عند مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا:«إن لهذه البيوت عوامر...»وذكر الحديث"، وقد أعطاهم الله - عز وجل - قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، منها التشكل في صورة إنسان، كما في صحيح البخاري عندما جاء الشيطان لأبي هريرة في صورة رجل فقير أخذ يحثو من طعام الصدقة، ومنها التشكل في صورة حيوان كالكلب الأسود، كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكلب الأسود شيطان»[82]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الكلب الأسود؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة[83].
وبهذا يتضح المراد من نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل عوامر البيوت آنذاك، وهو إسلام الجن في هذه الآونة؛ حتى لا يتشكل الجن المسلم في صورة حية، فيقتله إنسي مسلم.
"واختلف العلماء في الإنذار: هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات، والأول عليه الجمهور، وكيفية ذلك أن يقول: أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان - عليهما السلام - أن لا تبدون ولا تؤذونا"[84].
والتحريج عليهم أن يقول له: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا ولا تؤذينا، أو يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، ومنهم من قال: هذا لا يكون إذا علمنا بالأمارات والقرائن أن الجن موجود، فهذا يحرج عليه إلا الأبتر، وهو مقطوع الذنب، وإلا ذو الطفيتين، وهي أفعى يكون على ظهرها خطان أسودان، فهذان الصنفان يسقطان الحمل، ويذهبان البصر؛ لشدة السم الذي فيهما، فيقتلان على أي حال[85].
ونخلص من هذا كله أن الحيات المنهي عن قتلها هي الحيات التي هي في بيوت المدينة؛ لأنها جن مسلم تمثل في صورة حية؛ لذلك تستأذن ثلاثة أيام، فإن ظلت في البيت بعد الثلاث تقتل، فإنها شيطان وليست جنيا مسلما، وبهذا فلا إشكال في الحديث؛ لظهور علة النهي واضحة.
الخلاصة:
· من أصول الإيمان في الشريعة الإسلامية الإيمان بالغيب، وهذا الإيمان ينبني على تصديق ويقين جازم بكل ما جاء به القرآن والسنة الصحيحة عن كل ما هو غيب.
· إن الوحي هو السبيل الوحيد لتعرف الإنسان على كل ما غاب عن حواسه؛ لأن العقل لا يمتلك من أدوات التعرف على الغيب إلا التصور والتخيل، وهو لا يفيد في مجال الاعتقاد شيئا، هذا بخلاف عالم الشهادة الذي يمتلك العقل أدوات التعرف عليه من خلال الحواس التي هي جواسيس العقل في عالم الشهادة، وروافد المعرفة العقلية به.
· لما كان عالم الجن والشياطين من هذا الغيب، وجب الإيمان به والتصديق بكل ما جاء عنه في النقل الصحيح، ووجب إثبات وجودهم والإيمان بذلك، وقد أجمعت جماهير طوائف المسلمين، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على إثباتهم، إلا ما شذ منهم، كما حكى ذلك ابن تيمية.
· إن منكر الجن والشياطين مكذب بالرسل والأنبياء، وبما جاءوا به؛ إذ ثبت وجودهم بصريح النصوص، وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدين بوجودهم.
· لمـا كان طريق معرفتنا بهذا العالم الغيبي الوحي فقط، فنحن لا نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إلا ما عرفنا الله ورسوله عنهم، وقد ثبت بالوحي من قرآن وسنة صحيحة أنهم يأكلون ويشربون ويتناكحون - كان الزعم بروحانية عالم الجن كالملائكة زعم باطل بالأدلة.
· لقد وردت أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - عن عالم الجن والشياطين وقوانينهم وخلقتهم، في صحيحي البخاري ومسلم، وهي من الأخبار التي نقلها رجال تحيل العادة تواطأهم على الكذب؛ فالطعن في هذه الأحاديث وما جاء فيها محض افتراء، وإيغال في السفه والضلال.
· إن المقصود من أن الإبل خلقت من الشياطين، أنها خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين، وليس من نسلها، وإلا لقال النبيـ صلى الله عليه وسلم -: فإنها خلقت من نسلها أو من أصلابها. فالمقصود أن طبيعتها الشيطنة كما قال تعالى: )خلق الإنسان من عجل( (الأنبياء: ٣٧)؛ أي: طبيعته هكذا، ولذا نرى أن من صفات الإبل النفور والهياج، وأكل لحومها - كما أثبت الطب الحديث - يهيج الأعصاب؛ لذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء من أكل لحومها.
· لقد أعطى الله - عز وجل - الجن القدرة على التشكل والتصور في الصور المختلفة، فيتشكلون في صور الحيوانات والحيات وصور بني آدم، وهذا على مقتضى القدرة الإلهية وعموم الإرادة الحاكمة؛ ولذا فهم لا يتمثلون في صور النبي - صلى الله عليه وسلم -.
· إنما ينكر تشكل الجن والشياطين في الصور من لم يحط علما بعجائب المقدورات، وعجائب المقدورات أظهر وأبين من أن يمثل لها، ومن ثم فلا مانع من أن يكون للشيطان قرنان تطلع الشمس بينهما، وهو مع ذلك يصل إلى القلوب، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا تعارض ولا تناقض، ولا غرو أن يظهر لأبي هريرة - رضي الله عنه - في صورة إنسان يريد السرقة من صدقة الفطر.
· إن الشيطان والإنسان في صراع حقيقي، فالشيطان عدو لدود لبني آدم، منذ أن طرد إبليس - أول الشياطين - من الجنة لامتناعه عن السجود لآدم كما أمره الله، وهو صراع ممتد في الزمان إلى قيام الساعة: )قال فإنك من المنظرين (80) إلى يوم الوقت المعلوم (81)( (ص)، وممتد في أبعاد الوسائل ليشمل كل ما يستطيعه الشيطان من وسائل الإضلال لبني آدم وإغوائهم: )ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم( (الأعراف: ١٧).
· يبدأ الشيطان إغواءه للإنسان بمجرد ولادته، فكل مولود له نصيب من مس الشيطان عند ولادته، فيستهل صارخا إلا مريم وابنها عيسى عليه السلام، كما ورد في الحديث الصحيح، وهذا الاستثناء استجابة لدعاء امرأة عمران بأن يعيذ الله مريم وذريتها من الشيطان الرجيم. ولا إشكال في معنى الحديث، ولا مخالفة فيه لما ثبت عن عصمة الأنبياء جميعا؛ لأن ظاهر الحديث أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته، ولكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس شيئا.
· لقد أخبرت السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بعض وسائل الشيطان في إغوائه الإنسان عن الطاعة، مثل عقده على قافية النائم حتى لا يقوم للصلاة، وبوله في أذن النائم إذا لم يصل، ولا مانع من كون هذا كله على الحقيقة، وقد ثبت أن الجن يأكلون ويشربون، فلا مانع من أن يبولوا، وهذا التسلط إنما هو على من لم يكن من عباد الله المخلصين.
· ليس نسبة التثاؤب إلى الشيطان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «التثاؤب إنما هو من الشيطان» نسبة الفعل إلى فاعله الحقيقي، إنما هي نسبة الباعث عليه، فهو يدعو إلى الشهوات التي ينتج عنها الكسل، وثقل البدن واسترخاؤه، فالتثاؤب علامة الكسل؛ لذا يعجب الشيطان ويفرحه فتور الإنسان، إذ بذلك يقل عمله وبذله الذي يرفعه عند ربه. كما يحب منه العجلة "العجلة من الشيطان نفسه" لأنها توقع الإنسان في الأخطاء، ولا ينكر أحد أن التثاؤب عملية فسيولوجية.
· حينما أجاب الله - عز وجل - إبليس إلى مطلبه من الإنظار إلى يوم القيامة، وأعطاه فرصة الإغواء لبني آدم بما منحه من قدرات وامتيازات؛ لم يترك الله الإنسان هملا، بل حذره منه، وأوقفه على عدوه الحقيقي، وأرشده إلى طرق التحصن منه، وأطلع بني آدم على كيفية التخلص من إغواء الشيطان)إن عبادي ليس لك عليهم سلطان( (الحجر:٤٢)، ومنحه فرصة الاختيار تحقيقا للابتلاء والاختبار، والشيطان ممتنع عمن تحصن بذكر الله، والاستعاذة منه بالله إلى غير ذلك مما ورد في السنة، وعلى هذا، فإن الله أعطى القدرة للشيطان على اختراق كل مانع، واجتياز كل ساتر ما لم يذكر اسم الله عليه، أما ما ذكر اسم الله عليه فليس للشيطان سبيل إليه، فلا يستطيع فتح باب مغلق، ولا حل سقاء، ولا كشف إناء إذا ذكر اسم الله، أما من لم يتحصن بالذكر فللشيطان سبيل إليه؛ ولذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكف الصبيان عند الليل، عند انتشار الشياطين، فالليل أمكن لحركتهم من النهار - لأن الصبيان مفقود منهم الذكر الذي يحرز من الشيطان.
· أما قول القائل: كيف يعصي الناس، ويرتكبون الفواحش والأبواب مغلقة، وقد اندفع الشيطان عنهم؟ نقول: الشيطان عدو من أعداء الإنسان، وليس كل أعدائه، فهناك النفس التي بين جنباته، والدنيا، والهوى، وهي لا ترتدع إلا بمخالفتها وإدانتها، بخلاف كيد الشيطان الضعيف الذي يندفع بالاستعاذة والذكر.
· لقد صحت الأحاديث في النهي عن قتل حيات المدينة إلا بإنذارها، فإن لم تنصرف بعد ثلاثة أيام تقتل، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار؛ والسبب في ذلك أنه أسلم طائفة من الجن في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فغالبا ما تكون هذه الحيات جنا مسلما، فإن لم تترك البيت في خلال ثلاثة أيام تقتل، فإنها شيطان.
(*) تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م. ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2009م. دفاع عن السنة، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1409هـ/ 1989م. الإسلام وصياح الديك، جواد عفانة، دار جواد، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م. رياض الجنة في الرد على المدرسة العقلية ومنكري السنة، د. سيد حسين العفاني، دار العفاني، مصر، 1426هـ/ 2006م. تحرير العقل من النقل، سامر إسلامبولي، مطبعة الأوائل، دمشق،2001م.
[1]. قضية الألوهية بين الدين والفلسفة، د. محمد السيد الجليند، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 2008م، ص52 بتصرف.
[2]. علاقة الإنسان بالملك والشيطان، د. حبيب الله حسن أحمد، ص52.
[3]. آكام المرجان في أحكام الجان، بدر الدين أبو عبد الله الشبلي، (1/ 4).
[4]. الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 111).
[5]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: د. أنور الباز ود. عامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (9/ 10).
[6]. آكام المرجان في أحكام الجان، الشبلي، (1/ 3).
[7]. عالم الجن والشياطين، د. عمر سليمان عبد الله الأشقر، دار السلام، القاهرة، 1426هـ/ 2005م، ص16.
[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة ) قل أوحي إلي (، (8/ 537)، رقم (4921).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: في أحاديث متفرقة، (9/ 4084)، رقم (7360).
[10] . نصيبين: بلدة مشهورة بالجزيرة العربية.
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: ذكر الجن، (7/ 208)، رقم (3860).
[12]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به،(1/74)، رقم (18). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (18).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما،(7/ 3115)، رقم (5167).
[14]. عالم الجن والشياطين، د. عمر سليمان الأشقر، دار السلام، القاهرة، 1426هـ/ 2005م، ص30.
[15]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصلاة، باب: النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، (2/ 113،112)، رقم (489). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (464).
[16]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: المساجد والجماعات، باب: الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم، (1/ 253)، رقم (768). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (768).
[17]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص192.
[18]. شرح العمدة في الفقة، ابن تيمية، تحقيق: د. سعود صالح العطيشان، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1413هـ، (1/ 231).
[19]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الله بن مغفل المزني، رقم (20576). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[20]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص192.
[21]. انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، ابن عثيمين، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1422هـ، (1/ 308).
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، (6/ 386)، رقم (3273). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس،(3/ 1190)، رقم(1362).
[23]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص181.
[24]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص182.
[25]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (6/ 392).
[26]. إنسان العين: هو تلك النقطة التي ترى بداخل الحدقة، وبها يقع الإبصار والنظر.
[27]. فقد جاء عن جابر بن عبد الله أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله ـ تعالى ـ من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام »،وهذا حديث صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: السنة، باب: في الجهمية، (13/ 26)، رقم (4712). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4727).
[28]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص187.
[29]. وبما يدل على أن التمثل مقيد بقدرة الله الفاعلة ـ ما صح أن الشيطان لا يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم . انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: د. أنور الباز ود. عامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (19/ 45، 46).
[30]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة،1427هـ/ 2006م، ص184،183.
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفتنة من قبل المشرق"، (13/ 49)، رقم (7093).
[32]. الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 112).
[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز،(4/ 569،568)، رقم (2311).
[34]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م،(4/ 571).
[35]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (6/ 396).
[36]. ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2009م، ص227.
[37]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفه إبليس وجنوده، (6/ 387)، رقم (3277). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان، (4/ 1721)، رقم (2456).
[38]. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، لبنان، ص488.
[39] . الثلم: الشق والصدع.
[40] . الربض: ما حول القصر أو المدينة من مساكن ومحلات.
[41]. تلبيس إبليس، ابن الجوزي، تحقيق: صلاح عويضة، دار المنار، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م، ص35.
[42]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها،(9/ 3940)، رقم (6997).
[43]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3941).
[44]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفه إبليس وجنوده، (6/ 389)، رقم (3286). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام،(8/ 3490)، رقم (6019).
[45]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (، (8/ 60)، رقم (4548).
[46]. انظر: دفاع عن السنة، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1409هـ/ 1989م، ص86، 87.
[47]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (8/ 60).
[48]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 68).
[49]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التهجد، باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل، (3/ 30)، رقم (1142).
[50]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: صلاة التهجد، باب: إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، (3/ 34)، رقم (1144).
[51]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م،(3/ 30: 35).
[52]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب، (10/ 622)، رقم (6223).
[53]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، (9/ 4081،4082)، رقم (7355).
[54]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م،(10/ 622).
[55]. عالم الجن والشياطين، د. عمر الأشقر، دار السلام، القاهرة، 1426هـ/ 2005م، ص174.
[56]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 627).
[57]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 4083).
[58]. حسن: أخرجه أبو يعلى في مسنده، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، من حديث سعد بن سنان عن أنس بن مالك، (7/ 247)، رقم (4256). وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1795).
[59]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، (6/ 387)، رقم (3280). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: الأمر بتغطيه الإناء، (7/ 3110)، رقم (5148).
[60] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، (7/ 3115)، رقم (5164).
[61] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الدعوات، باب: ما يقول إذا أتى أهله، (11/ 195)، رقم (6388). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع، (5/ 2230)، رقم (3470).
[62]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (7/ 3113).
[63]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (6/ 393).
[64]. ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2009م، ص357.
[65]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا، (9/ 3932)، رقم (6973).
[66]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: التاريخ، باب: بدء الخلق، (14/ 68). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1280).
[67] . العراجين: جمع عرجون، وهو ما يحمل التمر، وهو من النخل كعنقود العنب.
[68] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها، (8/ 3368)، رقم (5731).
[69] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها، (8/ 3368)، رقم (5733).
[70] . أخرجه مالك في موطئه، كتاب: الاستئذان، باب: ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك، (2/ 976)، رقم (1761).
[71] . صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الحظر والإباحة، باب: قتل الحيوان، (12/ 453)، رقم (5637). وقال الأرنؤوط في تعلقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[72] . صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأدب، باب: في قتل الحيات، (14/ 112)، رقم (5246). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (5259).
[73] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرهما، (8/ 3368)، رقم (5317).
[74] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره، (5/ 1877، 1878)، رقم (2816).
[75] . صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: مناسك الحج، باب: قتل الحية في الحرم، (2/ 469)، رقم (2896). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2883).
[76] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/ 3369).
[77] . أخرجه الحارث في مسنده، كتاب: الصيد والذبائح وما أمر بقتله، باب: في جنان البيوت، (2/ 167)، رقم (413).
[78] . شر ح صحيح البخاري، ابن بطال، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، د. ت، (4/ 494).
[79]. يظعن: يغادر من مكان إلى مكان.
[80]. عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، (14/ 111).
[81] . صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: التاريخ، باب: بدء الخلق، (14/ 26)، رقم (6156). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.
[82]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي، (3/ 1076)، رقم (117).
[83] . تشكيل الجان بصورة الإنس، فتاوى الشبكة الإسلامية، (9/ 1676).
[84] . عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، (14/ 110).
[85] . كيف يحرج على الجن الذي يظهر على شكل أفعى في البيوت؟، مشهور حسن سليمان، مقال بموقع شبكة المنهاج الإسلامية، بتاريخ 21/ 5/ 2007م.
open
online black women white men