دعوى تعارض حديث "الشر ليس إليك" مع القرآن الكريم(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين وجود تعارض بين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: «لبيك وسعديك والخير بيديك. والشر ليس إليك» وقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: )ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون (34)( (هود).
مستدلين على زعمهم هذا بأنه كيف يثبت القرآن لله - عز وجل - إغواء، وهو شر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينفي وقوع الشر من الله - عز وجل - على الإطلاق؟!
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية، لادعائهم مخالفتها للقرآن الكريم.
وجه إبطال الشبهة:
· لا تعارض بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك» وقوله عز وجل: )إن كان الله يريد أن يغويكم( (هود:٣٤)؛ لأن نفي الشر عن الله في هذا الدعاء الذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس معناه نفي خلق الله للشر، بل معناه نفي الشر المحض عن فعل الله؛ فكل شر يقدره الله ليس شرا من جهة المقدر - الله عز وجل - وإنما يكون شرا من جهة المقدر عليه - أي المخلوق - وليس على إطلاقه، بل هو شر من وجه، وخير من وجه آخر.
التفصيل:
إن أحاديث البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - لا تخالف كتاب الله - عز وجل - إطلاقا؛ فهي شارحة له، أو مفصلة لمجمله، أو مبينة لمبهمه...إلخ، ومن ظن أن بعض الأحاديث النبوية الصحيحة تعارض ما جاء في كتاب الله فهو ظن مستحيل الوقوع بين الكتاب والسنة.
وقد رد بعض الناس أحاديث صحيحة بدعوى أنها تعارض القرآن الكريم، وترتب على ذلك أمران:
الأول: الدعوة إلى الاكتفاء بما في القرآن، وترك السنة.
الثاني: الطعن في بعض الأحاديث بدعوى أن ذلك نصرة للإسلام ورفع لشأن القرآن.
ومن هذه الأحاديث - التي وجهوا حولها الطعون - الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك.. تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك...»[1].
ويقولون: كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والشر ليس إليك" فينفي نسبة الشر إلى الله - عز وجل - مع أن القرآن الكريم قد قال: )إن كان الله يريد أن يغويكم( (هود: ٣٤) فأثبت الغواية، وهي بالنسبة إلى الله شر؟ وهذا التعارض كفيل برد هذا الحديث.
نقول: إن الحديث الذي عارضتم به القرآن الكريم - حديث صحيح السند، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه - كما ذكرنا آنفا - وغيره من أئمة الحديث.
فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض... لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك»[2].
وذكر الحاكم في المستدرك بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان: قال:«سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله عز وجل: )عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79)( (الإسراء) يجمع الناس في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، سكوتا لا تتكلم نفس إلا بإذنه، قال: فينادي محمد فيقول: لبيك وسعديك، الخير في يديك، والشر ليس إليك...»[3].
يتبين لنا مما سبق أن الحديث صحيح سندا، غاية في الصحة، وروايته في أصح وأغلب كتب الحديث بأسانيد صحيحة وقوية فضلا عن روايته بطريق آخر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
· أقوال أهل العلم حول قوله صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك».
وقبل أن نعرض أقوال أهل العلم حول هذا الحديث نود أن نلفت النظر إلى أن الحديث جاء موافقا لما جاء في كتاب الله - عز وجل - على لسان الجن، وليس الجن بأفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لتتخير الكلام الحسن الذي تتكلم به عن رب العالمين: )وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا (10)( (الجن) فلما تكلمت عن الشر بنت فعل الإرادة للمفعول، ولما تكلمت عن الرشد جعلت فعل الإرادة منسوبا لله تعالى بالبناء للفاعل وهو "ربهم".
وهاك أقوال أهل العلم:
قال الإمام النووي - رحمه الله -: وأما قوله: «والشر ليس إليك». فمما يجب تأويله؛ لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله وخلقه، سواء خيرها وشرها، وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال:
أحدهما: معناه لا يتقرب به إليك، قاله الخليل بن أحمد، والنضر بن شميل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن خزيمة، والأزهري، وغيرهم.
والثاني: حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني، وقاله غيره أيضا، معناه: لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال: يا خالق القردة والخنازير، ويارب الشر، ونحو ذلك، وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء، وحينئذ يدخل الشر في العموم.
والثالث: معناه: والشر لا يصعد إليك، وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح.
والرابع: معناه: والشر ليس شرا بالنسبة إليك، فإنك خلقته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين.
والخامس: حكاه الخطابي أنه كقولك: فلان إلى بني فلان، إذا كان عداده فيهم، أو صفوه إليهم[4].
وقال الإمام الطحاوي: «والشر ليس إليك» أي: فإنك لا تخلق شرا محضا، بل ما تخلقه ففيه حكمة، وهو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فإما شر كلي، أو شر مطلق، فالرب - سبحانه وتعالى - منزه عنه. وهذا هو الشر الذي ليس إليه[5].
وقد أجاب الشيخ حافظ بن أحمد حكمي عن سؤال مفاده: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم«والخير كله في يديك والشر ليس إليك» مع أن الله سبحانه خالق كل شئ؟، فقال: "معنى ذلك أن أفعال اللهـ عز وجل - كلها خير محض، من حيث اتصافه بها، وصدورها عنه، ليس فيها شر بوجه؛ فإنه تعالى حكم عدل، وجميع أفعاله حكمة وعدل، يضع الأشياء مواضعها اللائقة بها، كما هي معلومة عنده - سبحانه وتعالى - وما كان في نفس المقدور من شر فمن جهة إضافته إلى العبد؛ لما يلحقه من المهالك؛ وذلك بما كسبت يداه جزاء وفاقا، كما قال تعالى: )وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30)( (الشورى)، وقال تعالى: )وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين (76)( (الزخرف)، وقال تعالى: )إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44)( (يونس)[6].
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله: إن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبدا؛ الشر المحض الذي ليس فيه خير لا حالا ولا مآلا، هذا لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبدا، هذا من وجه؛ لأنه حتى الشر الذي قدره الله شرا لابد أن يكون له عاقبة حميدة، ويكون شرا على قوم، وخيرا على آخرين، أرأيت لو أنزل الله المطر مطرا كثيرا فأغرق زرع إنسان، لكنه نفع الأرض وانتفعت به أمة.. لكان هذا خيرا بالنسبة لمن انتفع به، شرا بالنسبة لمن تضرر به، فهو خير من وجه، وشر من وجه.
وكذلك الشر الذي يقدره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة؛ لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله؛ نال بذلك أجرا أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر؛ ولهذا ذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها أو يدها فانجرحت فصبرت وشكرت الله على هذا وقالت: "إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها".
ثم نقول: إن الشر حقيقة ليس في فعل الله نفسه، بل في مفعولاته، المفعولات هي التي فيها خير وشر، أما الفعل نفسه فهو خير؛ ولهذا قال الله عز وجل: )قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2)( (الفلق) أي: من شر الذي خلقه الله، يدلك لهذا أنه لو كان عندك مريض، وقيل له: إن شفاءه أن تكويه النار، فكويته بالنار، فالنار مؤلمة بلا شك، لكن فعلك هذا ليس بشر، بل هو خير للمريض؛ لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة بهذا الكي، كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير؛ لأنه يترتب عليها خير كثير.
وخلاصة الكلام: أن كل شيء واقع فإنه بقدر الله، سواء كان خيرا أم شرا، أما الخير فأمره واضح أنه من الله، وأما الشر فإننا نقول: إن الشر ليس في فعل الله، بل في مفعولاته، ونقول أيضا: هذه المفعولات التي فيها الشر قد تكون خيرا من وجه آخر، إما للشخص المصاب بها نفسه، وإما لغيره فمثلا إذا نزل مطر وأتلف زرع إنسان، لكنه نفع الأمة، فهنا صار شرا على شخص، لكنه خير كثير بالنسبة للآخرين، أو نقول: هو شر لك من وجه، وخير لك من وجه آخر، لأن هذا الشر إن أصابك لك فيه أجر كثير، وربما يكون سببا لاستقامتك ومعرفتك قدر نعمة الله عليك، فتكون العاقبة حميدة[7].
وخلاصة القول: أن الخير والشر كليهما مخلوقان مقدران لله تعالى، لا يكون شيء منهما إلا بإذنه، فهو خالقهما جميعا، وهذا قول أهل السنة، غير أن الشر لا يضاف إليه انفرادا؛ لما فيه من توهم النقص والعيب[8].
· الإيمان بخلق الله لأفعال العباد خيرها وشرها من مراتب الإيمان بالقدر:
إن من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بخلق الله لأفعال العباد وقدرتهم ومشيئتهم خيرها وشرها.
وهذا هو معنى "نؤمن بالقدر خيره وشره" فنسبة الشر إلى القدر نسبة إيجاد الله له وخلقه إياه، أي: خلقه لفعل العبد للشر، وخلقه لقدرة العبد على الشر، وخلقه لمشيئة العبد للشر، فالله خلق فعل العبد للشر، وخلق قدرة العبد على الشر، وخلق مشيئة العبد للشر، وهذا الإيجاد والخلق من الله - سبحانه وتعالى - ليس شرا؛ لأن أفعال الله ليس فيها شر، ولا في تقديره شر؛ لأن فعل الله صفة من صفاته، والله - سبحانه وتعالى - الخير كله في يديه، والشر ليس إليه، فليس في أفعاله شر، ولا في صفاته شر، وخلقه للشر ليس بشر، ففعله القائم به - سبحانه وتعالى - أنه "خلق" الشر، ولكنه لم "يفعل" الشر.
فمثلا: فعل السرقة، من الذي سرق؟
العبد هو الذي سرق، لا يمكن أن يوصف الرب - عز وجل - بهذا الفعل، لكن الله "خلق" الفعل، مكن العبد من السرقة، فخلق له قدرة وإرادة وجسما وآلة وفعلا، هو تلك السرقة، فالله - عز وجل - خلق الفعل، ولم يفعل "السرقة"، ففعل الله أن "خلق" وفعل العبد أن "سرق"[9].
ومن خلال ما ذكرنا من أقوال لأهل العلم نرى أن هذا الكلام كله في شرح هذا الحديث يخرج من فم واحد لا يتعدد ولا يختلف على حقيقته.
أما ما يتعلق بقول الله - عز وجل - على لسان نوح عليه السلام: )ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون (34)( (هود).
فالناظر في مثل هذه الآية الكريمة لا يلمح شيئا يناقض ما قلناه سابقا في مسألة خلق الشر في الكون أو إرادته؛ لأننا أثبتنا أن الله خالق الخير والشر جميعا. وتقديره للشر لا يخلو من حكمة ظاهرة أو خفية، فهو ليس شرا محضا، ولا يضاف إلى الله منفردا.
قال الزمخشري عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: "إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمي ذلك إغواء، كما أنه إذا عرف أنه يتوب ويرعوي فلطف به، سمي ذلك إرشادا وهداية"[10].
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري: إن نصحي لا ينفعكم بمعنى: أنكم لا تقبلونه مهما أردت ذلك، وبالغت فيه، إن كان الله - عز وجل - يريد أن يغويكم لما فرط منكم، وما أنتم عليه من عناد وكفر ومجاحدة ومكابرة، إذ مثل هؤلاء لا يستحقون هداية الله تعالى، بل الأولى بهم الضلالة حتى يهلكوا ضالين فيشقوا في الدار الآخرة[11].
وهذه الآية الكريمة إنما هي من النوع الثاني من نوعي الإرادة، وهي الإرادة الكونية التي يعنى بها المشيئة النافذة الشاملة التامة التي تشمل جميع الموجودات، وهي التي يقال فيها ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كما في قوله تعالى: )فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء( (الأنعام:١٢٥).
وهذه الإرادة لا يخرج عنها أحد من الكائنات، فكل الحوادث الكونية داخلة في مراد الله ومشيئته هذه.
إن هؤلاء القوم لما فيهم من العناد والكفر والتكذيب مع وجود الداعي لهم إلى الخير، وافقوا إرادة الله بهم الإغواء، ولم يحمله تقديره لهم على أن يتمسكوا به.
ومما سبق من بيان لمعنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعائه، وقوله تعالى: )إن كان الله يريد أن يغويكم( (هود:٣٤) يتبين لنا أن الإغواء الصادر ليس شرا في ذاته، بل إن الله - عز وجل - قد بعث لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليبلغهم، وطالما قد سبق في علم الله أن هؤلاء القوم سيختارون جانب الضلالة ويرفضون الدعوة وهدايتها، فلا جرم أن علم الله السابق بأنهم سوف يغوون سيقع عليهم، ولا يخلو إغواؤهم من خير سيحصل بسبب هذا الإغواء؛ فرسولهم سينال منهم أذى وسيصبر عليه، فيكون سببا في رفع درجاته، وهم سيتعرضون لمن آمن وصدق برسالته واتبع هديه بالأذى والانتقاص )وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي( (هود: 27) وسيأمرهم نبيهم بالصبر على آذاهم، لترفع درجاتهم في الآخرة، إلى آخره من الخير الكامن من خلف إغوائهم الواقع منهم تحقيقا لعلم الله السابق بأنهم غاوون.
وهذا هو عين ما قاله علماء الإسلام حول نفي الشر عن فعل الله في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الشر ليس إليك» وقد جاء القرآن الكريم مؤكدا على هذه الحقيقة في آيات كثيرة ذكرنا بعضها سابقا، ومنها قوله تعالى على لسان أيوب عليه السلام: )أني مسني الشيطان بنصب وعذاب (41)( (ص)، فنسب التعب والعذاب الذي أصابه إلى الشيطان؛ لأنه مصدر الشر في الوجود المباشر، مع أن المقدر لذلك كله هو الله، وقد قال أيضا: )أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83)( (الأنبياء) إلى غير ذلك مما في الكتاب مؤيدا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك». فلا تعارض إذا بين الآية الكريمة والحديث الشريف.
الخلاصة:
· إن الحديث الذي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه به وقال فيه: «والشر ليس إليك» - حديث صحيح، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وغيرهما.
· ذكر الإمام النووي في تأويل قوله: «والشر ليس إليك» خمسة أقوال منها: أنه لا يتقرب به إلى الله، أو لا يضاف إليه على انفراده، أو أنه لا يصعد إليه بل يصعد إليه الكلم الطيب، أو الشر ليس شرا بالنسبة إليك، بل فيه حكمة. وكلها معان محتملة وصحيحة لمعنى الشر في الحديث.
· اتفقت كلمة علماء أهل السنة على أن الخير والشر مخلوقان لله، والخير مخلوق لذاته، والشر مخلوق لغيره، فالشر الكلي أو المطلق قد تنزه عنه الله - سبحانه وتعالى - لكن إيجاده لابد فيه من حكمة خفية أو ظاهرة، وقد يكون فيه شر لبعض الناس، لكن محض الشر ليس مقصودا من خلق الله للشر مطلقا.
· لقد وافق القرآن الكريم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في آيات كثيرة منها: قول إبراهيم الخليل عليه السلام: )وإذا مرضت فهو يشفين (80)( (الشعراء)، وقال تعالى: )من شر ما خلق (2)( (الفلق)، وقال على لسان الجن: )وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا (10)( (الجن)، فالمرض والشر في الآيات الثلاث لم ينسبا إلى الله، بل هما من خلق الله وتقديره.
· إن قول الله تعالى: )إن كان الله يريد أن يغويكم( (هود:٣٤) لا يخالف قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث «والشر ليس إليك»؛ لأن الغواية وإن كانت بتقدير الله، فإنها واقعة منهم، وليس في أسبقية علم الله بوقوع الغواية منهم حملا لهم على الغواية، أو إرادة الشر بهم لذاته، بل إنه أرسل إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يهتدوا بهديه، واختاروا الغواية على الهداية، ولم يتجرد الشر الذي وقع لهم من حصول خير بسببه؛ كالجزاء على صبر نوح - عليه السلام - والمؤمنين معه على آذاهم.
(*) العواصم والقواصم، ابن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، دمشق، ط1، 1429 هـ/ 2008م.
[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (3/ 1354)، رقم (1781).
[2]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصلاة، باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، (2/ 328)، رقم (756). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (760).
[3]. صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة بني إسرائيل، (2/ 395)، رقم (3384). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في التلخيص.
[4]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (3/ 1361، 1362).
[5] . شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1391 هـ، ص362.
[6]. 200 سؤال في العقيدة الإسلامية، حافظ بن أحمد حكمي، مكتبة الإيمان، الإسكندرية، ص48.
[7]. شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين، (1/ 68) بتصرف.
[8]. اعتقاد أهل السنة شرح أهل الحديث، محمد بن عبد الرحمن الخميس، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف، السعودية، ط1، 1419 هـ، ص48.
[9]. المنة شرح اعتقاد أهل السنة، ياسر برهامي، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، ط1، 2006م، (1/ 358، 359).
[10]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، بيروت، (2/ 267).
[11]. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري، (2/ 168).
wives that cheat
link read here
click here
online women cheat husband