إنكار النسخ في السنة النبوية (*)
مضمون الشبهة:
تعرضت قضية النسخ في السنة النبوية لشد وجذب، ما بين طعون من أعداء الإسلام تارة، واعتراضات من بعض المسلمين تارة أخرى. فأنكر الطاعنون وجود النسخ مطلقا، ووصفوه بالبداء[1] الذي ينبغي أن ينزه عنه الخالق - عز وجل - واتخذ بعضهم من اختلاف المسلمين في بعض قضايا النسخ الجزئية تكأة لرده، ووصفوا النسخ بعدم انضباط قضاياه، وأن الطرق المعرفة بالنسخ مختلطة ومضطربة. وأما من اعترض من أهل الإسلام على بعض وجوه النسخ[2] فقد استدل بأن السنة مبينة للقرآن مفسرة له، فلا ينبغي أن تكون حاكمة عليه، أو رافعة لبعض أحكامه. مما يتأتى من جراء هذه الدعاوى والاعتراضات - في مجموعها - الطعن في وقوع النسخ في السنة، فضلا عن إثارة الشكوك حول كثير من قضاياه.
وجوه إبطال الشبهة:
1) النسخ هو ارتفاع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ عنه، وهذا المعنى لا يعني البداء أو التردد في الأحكام، فالبداء مستلزم الظهور بعد الخفاء، والعلم بعد الجهل، وذلك مستحيل في حق الله تعالى، كما يشهد العقل والنقل؛ لأنه ينافي إحاطة الله تعالى بكل شيء ما كان وما سيكون، أما النسخ فإنه لا يعدو أن يكون بيانا لمدة الحكم الأول، على نحو ما سبق في علم الله، وإن كان رفعا لهذا الحكم بالنسبة لنا.
2) النسخ ثابت في الشرائع السابقة على شريعة الإسلام بكلا نوعيه؛ (أي في شريعة لاحقة لشريعة سابقة، وبين أحكام الشريعة الواحدة)، دلت على ذلك وقائع التاريخ، ونصوص القرآن والتوراة والإنجيل، وفيها جميعا أحكام نسخت بعضها بعضا.
3) اتفقت كلمة المسلمين - بفضل الله - على أن النسخ في الشريعة جائز عقلا وواقع شرعا، ولم يخالف في ثبوته إلا ما نسب لبعض المتأخرين، وهو - على ندرته - خلاف منهم في اللفظ دون المعنى. فالنسخ لا يترتب على وقوعه محال من ناحية العقل، بالإضافة إلى أن هناك نصوصا، من القرآن، ووقائع من السنة دلت على وقوعه في الشرع.
4) النسخ في الشريعة الإسلامية جائز دورانه بين الكتاب والسنة، فقد يرد القرآن بالنسخ، وقد ترد به السنة، والإجماع منعقد على جواز نسخ القرآن بالقرآن ونسخ السنة بالسنة، والجمهور من الأئمة على نسخ السنة للقرآن وبالقرآن، وكذلك ما صح من الآحاد يجوز نسخ القرآن والمتواتر من السنة به على الراجح.
5) وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية دليل على حكمة الله تبارك وتعالى في تحقيق مصالح المكلفين، فابتلاء العباد بالنسخ تارة، والتدرج في التشريع تارة أخرى، إنما هو عين الرحمة، وإظهار التفضل على العباد برفع الحرج عنهم، والأخذ بأيديهم لما يصلح به أمر دنياهم وآخرتهم.
6) النسخ في السنة لا يثبت بالاحتمال أو بالهوى، وإنما يخضع لضوابط وشروط لابد أن تتحقق عند أهل الاختصاص قبل القول به، بعد تلمس الطرق المعرفة لكون الناسخ ناسخا، كما هو مقرر في كتب الأصول.
7) اختلاف المسلمين في بعض قضايا النسخ الجزئية لا يعد قدحا في وقوع النسخ، ومصداقية وجوده في السنة عامة، فمرد هذا الاختلاف إلى أن بعض الصحابة كانت تغيب عنه الأحاديث الناسخة بعد تفرقهم في الأمصار فيعلم المنسوخ، ولا يصله الناسخ، ومثل ذلك يقال في حق من اختلف بعدهم من عدم اكتمال شروط النسخ في الحديث الذي بين يديه، فيفتي بخلاف ما هو موجود، وكل هذا لا يقدح فيهم ولا في النسخ، مع التنبيه على أن النسخ في الشريعة قليل، ولم يقع إلا في بعض الفروع الجزئية للأحكام العملية، أما العقيدة وأصول الأحكام والكليات والمقاصد فلا نسخ فيها.
التفصيل:
أولا. النسخ لا يعني البداء أو التردد في الأحكام:
يذكر اللغويون لمادة "النسخ" عدة معان تدور بين النقل والإزالة والإبطال. وأمام هذه المعاني نراهم يختلفون في أيها هو المعنى الحقيقي، وأن ما عداه يدخل في باب المجاز[3].
يقول صاحب "العين": "والنسخ: إزالتك أمرا كان يعمل به، ثم تنسخه بحادث غيره؛ كالآية في أمر، ثم يخفف، فتنسخها بأخرى فالأولى منسوخة "[4].
وقال ابن منظور: "والنسخ: تبديل الشيء من الشيء وهو غيره.. والنسخ نقل الشيء من مكان إلى مكان وهو هو.. والعرب تقول: نسخت الشمس الظل وانتسخته: أزالته، والمعنى: أذهبت الظل، وحلت محله"[5].
وزاد أبو بكر الحازمي الأمر وضوحا حيث قال: "اعلم أن النسخ له اشتقاق عند أرباب اللسان، وحد عند أصحاب المعاني، وشرائط عند العالمين بالأحكام.
أما أصله؛ فالنسخ في اللغة عبارة عن إبطال شيء وإقامة آخر مقامه.
ثم إن النسخ في اللغة موضوع بإزاء معنيين؛ أحدهما: الزوال على جهة الانعدام. والثاني: على جهة الانتقال.
أما النسخ بمعنى الإزالة فهو أيضا على نوعين: نسخ إلى بدل؛ نحو قولهم: نسخ الشيب الشباب، ونسخت الشمس الظل؛ أي: أذهبته وحلت محله، ونسخ إلى غير بدل، إنما هو رفع الحكم وإبطاله من غير أن يقيم له بدلا، يقال: نسخت الريح الديار، أي: أبطلتها وأزالتها، وأما النسخ بمعنى النقل، فهو من قولك: نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه، وليس المراد به إعدام ما فيه، ومنه قوله تعالى: )إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (29)( (الجاثية) "[6].
"وإذا كان اسم النسخ مجازا في النقل لزم أن يكون حقيقة في الإزالة؛ لأنه غير مستعمل فيما سواهما، وإذا بطل كونه حقيقة في أحدهما تعين أن يكون حقيقة في الآخر، وقد قرر ذلك بعضهم من وجه آخر، فقال: إطلاق اسم النسخ بمعنى الإزالة والإعدام واقع كما سبق، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ويلزم ألا يكون حقيقة في النقل؛ دفعا للاشتراك عن اللفظ[7].
لقد وضعت مادة النسخ لتدل على معنى الإزالة، فالإزالة إذن هي المعنى الحقيقي لها[8].
ومن هنا نستطيع أن نرجح أن معنى النسخ هو الرفع والإزالة، وأن النسخ حقيقة في الإزالة مجاز في النقل [9].
وندع المعنى اللغوي للنسخ بعد أن تبينا حقيقته ومجازه لنرى كيف فسرت حقيقته الشرعية في العصور المختلفة، وكيف قامت هذه الحقيقة على حقيقته اللغوية حينا، وعلى مجازه حينا آخر.
مفهوم النسخ في الاصطلاح:
وقبل أن نقف على حد النسخ عند الأصوليين لابد أن نراعي أن مصطلح النسخ قد مر بتطور في مفهومه بين المتقدمين من السلف الأوائل، وبين مفهومه المستقر لدى المتأخرين من علماء الأصول.
"فالذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، إنما المراد ما جيء به آخرا، فالأول غير معمول به، والثاني معمول به"[10].
وأما مفهومه المستقر عند الأصوليين، فنجد في تعريفاتهم تنوعا - ولا نقول اختلافا - لأن كل واحد منهم راعى في مسألة النسخ أشياء نحت به منحى معينا في حده لمصطلح النسخ.
فقال جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والصيرفي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والآمدي، وابن الأنباري وغيرهم: هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا، مع تراخيه عنه[11].
وفي النصف الثاني من القرن العاشر يعرف الفتوحي النسخ فيقول:
والنسخ شرعا: "رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ "، ثم قال: ذكر معنى ذلك ابن الحاجب وغيره، وهو قول الأكثر [12].
وهذان التعريفان من أبسط التعاريف وأوضحها، فلا غموض فيهما ولا تعقيد، وهما يعودان بالنسخ إلى مدلوله الأول، فيربطان بينه وبين مدلوله اللغوي برباط وثيق، ويستمدان من القرآن الكريم والسنة المطهرة ولغة الصحابة والتابعين حقيقتهما الشرعية.
وهما بمعنى متقارب إن لم يكن واحدا، بعيدا عن بعض الاعتراضات التي سجلها الشوكاني[13] بعد ذكر التعريف الأول؛ لأن هذا كله إنما هو نزاع لفظي لا معنوي، "فبعض المدارس الأصولية التي عرفت النسخ كانت كلامية المنشأ، فاصطبغت تعريفاتها بصبغة هي إلى مذاهب علماء الكلام والفلسفة أقرب منها إلى مذاهب الأصوليين"[14].
وفي النهاية فإن تعريفات الأصوليين للنسخ نجدها - وإن كانت متعددة في التعابير ومتنوعة أو متقاربة في المعاني - كلها تدور حول معنى واحد، وهو أن النسخ إلغاء حكم شرعي سابق بدليل شرعي لاحق.
ومن خلال هذه التعاريف نقرر أيضا أن النسخ لا يدل على البداء، والبداء: عبارة عن ظهور الشيء بعد خفائه، ومنه يقال: بدا لنا سور المدينة بعد خفائه، وبدا لنا الأمر الفلاني؛ أي: ظهر بعد خفائه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: )وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (47)( (الزمر).
وحيث كان النسخ يتضمن الأمر بما نهي عنه، أو النهي عما أمر به على حده، وظن أن الفعل لا يخرج عن كونه مستلزما لمصلحة أو مفسدة، فإن كان مستلزما لمصلحة فالأمر به - بعد النهي عنه على الحد الذي نهي عنه - إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المصلحة، وإن كان مستلزما لمفسدة، فالنهي عنه - بعد الأمر به على الحد الذي أمر به - إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المفسدة، وذلك عين البداء، فخفي الفرق بين البداء والنسخ.
وكشف الغطاء عن ذلك يتحقق بالفرق بين النسخ والبداء، فنقول: إذا عرف معنى البداء، وأنه مستلزم للعلم بعد الجهل، والظهور بعد الخفاء، وأن ذلك مستحيل في حق الله تعالى[15]، كما يشهد بذلك العقل والنقل، فيتضح ما خفي من التداخل بينهما.
أما العقل: فهو يقرر - نتيجة للنظر الصحيح في هذا العالم - أن الله - عز وجل - متصف أزلا وأبدا بالعلم الواسع المحيط بكل شيء: ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وأنه قديم لا يمكن أن يكون حادثا، ولا محلا للحوادث؛ إذ الجاهل عاجز عن أن يخلق هذا العالم بهذا النظام المعجز، مثله في عجزه الحادث. وقد ثبت أن الله جلت قدرته هو الخالق المبدع للكون كله بمن فيه، فيستحيل إذن عليه الجهل أو الحدوث، وكلاهما يستلزم البداء، فالعقل إذن يحكم باستحالته على الله.
وأما النقل: فهو يلتقي مع العقل في الحكم باستحالة الجهل والحدوث علي الله - عز وجل - ذلك حيث تصفه النصوص الثابتة يقينا بالعلم الواسع المحيط، وبالقدم الذي لا يسبقه شيء، وبأنه هو الخالق، لاخالق سواه، وحسبنا في الدلالة على هذا قوله تعالى: )وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)( (الأنعام).
من أجل هذا تنزه الله - عز وجل - عن الوصف بالبداء؛ لأن البداء ينافي إحاطة الله تعالى بكل شيء: ما كان وما سيكون، ولم يتنزه عن النسخ؛ لأن النسخ لا يعدو أن يكون بيانا لمدة الحكم الأول، على نحو ما سبق في علم الله تعالى، وإن كان رفعا لهذا الحكم بالنسبة لنا[16].
"ففي حالة النسخ يعلم الله تعالى من الأزل أن ما أمر به من الأفعال محقق للمصلحة في وقت من الأوقات، ونسخه محقق للمصلحة في وقت آخر، كما يعلم سبحانه أن ما نهى عنه لمفسدة في وقت معين يكون بقاؤه مفسدة في وقت آخر، ونسخه مصلحة، فلا يلزم من ذلك أن يكون قد ظهر له ما كان خفيا عنه، ولا أن يكون قد أمر بما فيه مفسدة، ولا نهى عما فيه مصلحة" [17].
ونخلص من ذلك إلى أنه لا علاقة بين النسخ والبداء؛ لأن الأول فيه تغيير لعلم الله تعالى، والثاني يفترض وقوع هذا التغيير، وفرق كبير بين ما يقوم عليه البداء من تغيير في العلم، وما يقوم عليه النسخ من تغير في المعلوم مع ثبات العلم نفسه على ما كان منذ الأزل.
"وأما المراد بآية: )يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39)( (الرعد) فهو محو المنسوخ وإثبات الناسخ، ومحو السيئـات بالحسنـات، كمـا قـال تعالـى: )إن الحسنات يذهبـن السيئـات( (هود: ١١٤).
وعليه فإن أمر الله مطلق، فما علم الله استمرار حكمه لن يلحقه نسخ، وما علم انتهاء حكمه عند أمد معين، فقد علم انتهاءه مسبقا بالنسخ الآتي في الوقت الذي يقع فيه، لا أن علم انتهائه عند ذلك الوقت أو الأمد؛ حتى لا ينقلب علمه جهلا" [18].
ومعنى هذا أن الله - عز وجل - حين ينسخ شريعة أو حكما في شريعة إنما يكشف لنا بهذا النسخ عن شيء من علمه السابق، ومن هنا يعد النسخ نوعا من أنواع البيان، ولا يعني بأية حال وصف الله - عز وجل - بالبداء.
ثانيا. النسخ ثابت في الشرائع السماوية كلها:
إن الشرائع السماوية تعد لبنات متراصة في بنيان الدين والأخلاق وسياسة المجتمع، وكانت مهمة اللبنة الأخيرة منها أنها أكملت البنيان، وملأت ما بقي من فراغ، وأنها في الوقت نفسه كانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء. وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صور الرسالات السماوية في جملتها أحسن تصوير، فقال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين»[19].
إنها إذن سياسة حكيمة رسمتها يد العناية الإلهية؛ لتربية البشرية تربية تدريجية، لا طفرة فيها ولا ثغرة، ولا توقف فيها ولا رجعة، ولا تناقض ولا تعارض، بل تضافر وتعانق، وثبات، واستقرار، ثم نمو واكتمال وازدهار.
والله - عز وجل - حين يشرع لقوم من خلقه شرعا فإنه يعلم يقينا ما سيبقى من هذا الشرع وما سينسخ، ويعلم الحكم الذي سيحل محل المنسوخ حين يرفع، كما يعلم الوقت الذي سيتم فيه النسخ، فعلمه - عز وجل - محيط بكل شيء"[20].
والنسخ ليس مقصورا على الشريعة الإسلامية وحدها، وإنما وقع - أيضا - في الشرائع السابقة على شريعة الإسلام بكلا نوعيه؛ أي في شريعة لاحقة لشريعة سابقة، وفي الشريعة الواحدة نفسها[21]، على أنه ينبغي أن يكون معلوما أن الحكمة الإلهية التي اقتضت رسوخ الدين وثباته في بعض الأحكام هي التي اقتضت نسخ شريعة سابقة بشريعة لاحقة؛ رعاية لحكم الضرورة، أو مسايرة لسنة الترقي، ومضيا مع نضج العقل الإنساني[22].
أما عن وقوع النسخ في الشرائع السابقة نفسها، فهو ثابت رغم إنكار اليهود له، والأدلة على ذلك كثيرة تحفل بها التوراة.
وأولى الوقائع: التي تثبت النسخ هي واقعة زواج آدم - عليه السلام - من حواء، وحل استمتاعه بها نتيجة لهذا الزواج، مع أنها جزء منه، فقد حرمت الشرائع التالية لشريعة آدم - ومنها اليهودية - أن يستمتع الإنسان بجزئه. ومن ذلك: «وعرف آدم حواء امرأته، فحبلت وولدت قايين. وقالت: اقتنيت رجلا من عند الرب». (التكوين 4: 1).
والواقعة الثانية: من وقائع النسخ في الشرائع السابقة كانت هي أيضا من شريعة آدم، وهي زواج أبنائه من بناته وحل استمتاعهم بهن، مع إجماع الشرائع بعد ذلك على تحريم زواج الأخ من أخته: شقيقة أو لأب، أو لأم. توأمه لأخيه الآخر أو لا. ومن ذلك: «وعرف قايين امرأته، فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك».(التكوين 4: 17).
والواقعة الثالثة: هي قصة الذبيح - وإن اختلفوا معنا في تعيينه - فقد أمر الله - عز وجل - إبراهيم - عليه السلام - بأن يذبح ابنه إسحاق في زعمهم، واستجاب نبي الله لأمره، فأعد ابنه للذبح، وكاد الذبح يتم فعلا، لولا أن الله - عز وجل - نسخ الأمر به، وفدي الغلام المستسلم لأمر الله بذبح عظيم. ونص ذلك: «وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم! فقال: هأنذا. فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك. فبكر إبراهيم صباحا وشد على حماره، وأخذ اثنين من غلمانه معه، وإسحاق ابنه، وشقق حطبا لمحرقة، وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له الله. وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد، فقال إبراهيم لغلاميه: اجلسا أنتما ههنا مع الحمار، وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما. فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النار والسكين. فذهبا كلاهما معا. وكلم إسحاق إبراهيم أباه وقال: يا أبي. فقال: هأنذا يا ابني. فقال: هوذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟ فقال إبراهيم: الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني. فذهبا كلاهما معا. فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله، بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب. ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم إبراهيم! فقال: هأنذا. فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا؛ لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني. فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه. فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع «يهوه يرأه». حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يرى». (التكوين 22: 1 - 13).
والواقعة الرابعة: هي تحريمهم العمل الدنيوي - ومنه الاصطياد - في يوم السبت، مع اعترافهم بأن هذا التحريم لم يرد إلا في شريعتهم، أما قبلهم فقد كان هذا اليوم كغيره من أيام الأسبوع: يجوز فيه العمل الدنيوي، ولا يحرم فيه إلا ما يحرم في سائر الأيام من أعمال. ومن ذلك ما جاء على لسان موسى عليه السلام: «فقال لهم: هذا ما قال الرب: غدا عطلة، سبت مقدس للرب. اخبزوا ما تخبزون واطبخوا ما تطبخون. وكل ما فضل ضعوه عندكم ليحفظ إلى الغد. فوضعوه إلى الغد كما أمر موسى، فلم ينتن ولا صار فيه دود. فقال موسى: كلوه اليوم؛ لأن للرب اليوم سبتا. اليوم لا تجدونه في الحقل. ستة أيام تلتقطونه، وأما اليوم السابع ففيه سبت، لا يوجد فيه، وحدث في اليوم السابع أن بعض الشعب خرجوا ليلتقطوا فلم يجدوا. فقال الرب لموسى: إلى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي؟ انظروا! إن الرب أعطاكم السبت. لذلك هو يعطيكم في اليوم السادس خبز يومين. اجلسوا كل واحد في مكانه. لا يخرج أحد من مكانه في اليوم السابع. فاستراح الشعب في اليوم السابع». (الخروج 16: 23 - 30).
وإذا كان اليهود قد اعترفوا بهذه الوقائع الأربع، ولم ينكروا ما فيها من نسخ لبعض الأحكام التي كانت مقررة في الشرائع السابقة، ثم جاءت التوارة بما يخالفها - فهم يعترفون كذلك بالأحكام التي نسخت من شريعتهم، وكان الناسخ لها أحكاما أخرى جاءت بها هذه الشريعة نفسها[23].
ومن هذه الأحكام أمر الله - عز وجل - لهم بأن يعملوا السيف فيمن عبد العجل منهم، ثم أمره تعالى برفع السيف عنهم وعدم قتلهم. فكلا الحكمين في هذه الواقعة الواحدة ورد في التوراة، وانتساخ أولهما بثانيهما واقع لا ينكره اليهود ولا يمارون فيه.
ونص ذلك: «وقال موسى لهارون: ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة؟ فقال هارون: لا يحم غضب سيدي. أنت تعرف الشعب أنه في شر. فقالوا لي: اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر، لا نعلم ماذا أصابه. فقلت لهم: من له ذهب فلينزعه ويعطني. فطرحته في النار فخرج هذا العجل. ولما رأى موسى الشعب أنه معرى؛ لأن هارون كان قد عراه للهزء بين مقاوميه، وقف موسى في باب المحلة، وقال: من للرب فإلي. فاجتمع إليه جميع بني لاوي. فقال لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب إلى باب في المحلة، واقتلوا كل واحد أخاه، وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل. وقال موسى: املأوا أيديكم اليوم للرب، حتى كل واحد بابنه وبأخيه، فيعطيكم اليوم بركة. وكان في الغد أن موسى قال للشعب: أنتم قد أخطأتم خطية عظيمة، فأصعد الآن إلى الرب لعلي أكفر خطيتكم. فرجع موسى إلى الرب، وقال: آه، قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب. والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت. فقال الرب لموسى: من أخطأ إلي أمحوه من كتابي. والآن اذهب اهد الشعب إلى حيث كلمتك. هوذا ملاكي يسير أمامك. ولكن في يوم افتقادي أفتقد فيهم خطيتهم. فضرب الرب الشعب، لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هارون». (الخروج 32: 21 - 35).
وهناك أحكام وردت في شريعة موسى، ثم جاءت شريعة عيسى - عليهما السلام - بأحكام ناسخة لها، كما نسخت بعض أحكام التوراة أحكاما جاءت بها الشرائع السابقة لها، وكما نسخت بعض الأحكام فيها بعضها الآخر.
من بين هذه الأحكام أن اليهود كانوا يوجبون الختان، قيل: يوم الولادة، وقيل: في اليوم الثامن: «وختن إبراهيم إسحاق ابنه وهو ابن ثمانية أيام كما أمره الله». (التكوين 21: 4)، «وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته». (اللاويين 12: 3)، وقد نسخ هذا الحكم - وهو الوجوب - في شريعة عيسى عليه السلام، فعاد الختان إلى الإباحة كما كان قبل أن تجيء شريعتهم: «قال الرب ليشوع: اصنع لنفسك سكاكين من صوان، وعد فاختن بني إسرائيل ثانية. فصنع يشوع سكاكين من صوان وختن بني إسرائيل في تل القلف. وهذا هو سبب ختن يشوع إياهم: أن جميع الشعب الخارجين من مصر، الذكور، جميع رجال الحرب، ماتوا في البرية على الطريق بخروجهم من مصر. لأن جميع الشعب الذين خرجوا كانوا مختونين، وأما جميع الشعب الذين ولدوا في القفر على الطريق بخروجهم من مصر فلم يختنوا. لأن بني إسرائيل ساروا أربعين سنة في القفر حتى فني جميع الشعب، رجال الحرب الخارجين من مصر، الذين لم يسمعوا لقول الرب، الذين حلف الرب لهم أنه لا يريهم الأرض التي حلف الرب لآبائهم أن يعطينا إياها، الأرض التي تفيض لبنا وعسلا. وأما بنوهم فأقامهم مكانهم. فإياهم ختن يشوع؛ لأنهم كانوا قلفا، إذ لم يختنوهم في الطريق. وكان بعدما انتهى جميع الشعب من الاختتان، أنهم أقاموا في أماكنهم في المحلة حتى برئوا». (يشوع 5: 2 - 8).
ومن هذه الأحكام أيضا أن الطلاق كان مباحا في شريعتهم: «إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه؛ لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر، فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست؛ لأن ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبا». (التثنية 24: 1 - 3)، ثم جاءت الشريعة العيسوية فحرمته - على حد زعمهم - إلا إذا ثبت الزنا على الزوجة: «وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني». (متى 5: 31، 32).
ومن بين هذه الأحكام - أيضا - أن أكل لحم الخنزير كان محرما في شريعتهم: «الذين يقدسون ويطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط، آكلين لحم الخنزير والرجس والجرذ، يفنون معا، يقول الرب». (إشعياء 66: 17)، حتى جاءت الشريعة العيسوية فأباحته - على زعمهم - وروت أناجيلها قصة إباحته وكيف حدثت: «حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم، فيرسلوهما إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا: يهوذا الملقب برسابا، وسيلا، رجلين متقدمين في الإخوة... فقد أرسلنا يهوذا وسيلا، وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها؛ لأنه قد رأى الروح القدس ونحن، أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة: أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون. كونوا معافين». (أعمال الرسل 15: 22 - 29).
وقد ينكر اليهود ما جاءت به شريعة عيسى - عليه السلام - ناسخا لبعض ما جاءت به شريعتهم، فيرون أن لحم الخنزير ما زال يحرم أكله، وأن الطلاق ما فتئ مباحا دون اضطرار إلى إثبات الزنا على الزوجة، وأن الختان ما انفك واجبا لم يرتفع وجوبه بشيء، ولكن ماذا عسى أن يقولوا في الأحكام المنسوخة إذا كان ناسخها من شريعتهم؟ وبماذا يفسرون تحريمهم العمل الدنيوي في يوم السبت بعد إباحته، والأمر برفع السيف عن عبدة العجل منهم بعد الأمر بقتلهم، وتحريم أكل أنواع من الحيوان عليهم بعد أن كانت كل دابة مأكلا لنوح وذريته وللأمم من بعدهم، كنبات العشب[24]؟
أما ما يخص شريعة النصارى نفسها " فالذي يترجح لدينا أن بعض الأحكام في النصرانية هي - في حقيقتها - إبطال لأحكام الشريعة اليهودية في موضوعات كثيرة، مع أن الأناجيل - أو كتاب العهد الجديد - هي باعتراف النصارى! كمال للتوراة - أو العهد القديم -، وليست ناسخة لها. ولكننا مع هذا نرى نصارى هذا العصر ينكرون جواز النسخ عقلا، كما ينكرون وقوعه؛ ليصلوا من هذا الإنكار إلى غاية حرصوا على تحقيقها، وهي بقاء دينهم إلى جانب الإسلام، بحجة أن شريعة لم تنسخ بشريعة، وأن حكما في شريعة لا ينسخ بحكم في شريعة بعدها" [25].
فكيف يستقيم ذلك ونصارى العصر يخالفون ما ورد في التوراة عن الطلاق؛ فيحكمون بتحريمه إلا إذا ثبت الزنا أو اختلف الدين، وأنهم لا يرون وجوب الختان بالرغم من ثبوت حكمه في التوراة، ويستبيحون أكل لحم الخنزير مع أن التوراة صريحة في تحريمه.
وأنهم يقرون بطريق القسطنطينية على ما ادعاه بقوله: "إن سيدنا المسيح قد أبطل سائر ما في التوارة، وجاء بتوراة جديدة هي الإنجيل، والإبطال هو النسخ كما هو مقرر"[26].
أما عن موقف الإسلام من الشرائع السابقة ونظرته إليها - فالإسلام يفرق بين مرحلتين في نظرته للشرائع السابقة:
المرحلة الأولى: نظرته للشرائع السابقة وهي على صورتها الحقيقية لم تتغير، ولم تتبدل؛ فالإسلام يؤكد أن كل رسول يرسل، وكل كتاب ينزل قد جاء مصدقا ومؤكدا لما قبله، هذا التصادق الكلي بين الشرائع السماوية إنما يعني وحدة هذه الشرائع في عقائدها وأصولها التي لا تقبل التغيير والتبديل.
أما التشريعات العملية فإنها على نوعين:
1. نوع لا يتبدل ولا يتغير بتغير الأصقاع والأوضاع؛ كالوصايا العشر التي جاءت في سورة الأنعام في قوله تعالى: )قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كـان ذا قربـى وبعهـد الله أوفـوا ذلكـم وصاكـم به لعلكـم تذكـرون (152) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153)( (الأنعام).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما: "أجمعت عليه شرائع الخلق ولم تنسخ في ملة"[27].
2. نوع آخر مؤقت معين، ينتهي بانتهاء وقته، وتجيء الشريعة اللاحقة بتغييره كلية، أو تعديله، وهو المعروف بالنسخ الجزئي أو الكلي.
المرحلة الثانية: وهي العلاقة بين الشريعة المحمدية وبين الشرائع السابقة، بعد أن طال عليها الأمد، ونالها من التحريف ما نالها، فإن الإسلام ينظر إليها نظرة الحارس الأمين، النافي لما جاء فيها زائدا عما شرعه الله تعالى، متحديا - في بعض الأحيان - وجود ما هو دخيل في أصل كتبهم[28].
فعلاقة الإسلام بهذه الشرائع السماوية في صورتها الأخيرة بعد التحريف والتبديل علاقة تصديق لما بقي من أجزائها الأصلية، وتصحيح لما طرأ عليها من البدع والإضافات الغريبة عنها"[29].
ولذلك قرر علماء الإسلام مبادئ وأصولا تخص "شرع من قبلنا"، أهمها:
أولا: أن أحكام شرع من قبلنا لا تؤخذ من غير المصادر الإسلامية، فلا عبرة بالنقل من غير هذه المصادر لما نالها من التحريف والتبديل.
ثانيا: ما ثبت بالنص الإسلامي أنه مقرر في الإسلام، كما كان مقررا في الشرائع السابقة، فهو ثابت بالنص الإسلامي، لا بالحكاية عن السابقين؛ ومن ذلك قولـه تعالـى: )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيـام كمـا كتـب على الذيـن من قبلكـم لعلكـم تتقــون (183)( (البقرة)[30].
ومن هنا قلنا نحن المسلمين بجواز النسخ ووقوعه، فقد قرر القرآن أنه كتاب الله ودعوته إلى الناس جميعا، وأن على كل إنسان أن يؤمن به، ويتبع ما جاء فيه، وهذا هو النسخ بمعناه العام، أي: نسخ شريعة لشريعة سابقة، وسجل تاريخ الشريعة الإسلامية أحكاما نسخت أحكاما سابقة عليها في نفس الشريعة، فأضاف إلى النسخ ذلك النوع الآخر من النسخ، ونعني به نسخ حكم لحكم في الشريعة الواحدة.
ومضى المسلمون منذ عهد النبوة على هذا، فلم يشك أي منهم في أن الإسلام هو دين بني الإنسان، منذ دعا إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يرث الله الأرض ومن عليها، كما لم يشك مسلم في أن بعض الأحكام الجزئية العملية التي شرعها الإسلام قد نسختها أحكام أخرى في موضوعها، وكان كل من الحكمين المنسوخ ثم الناسخ هو الحق في زمانه، وبشرعه نيطت مصلحة أو مصالح تحققت بالعمل به ما دام قائما [31].
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول: إن الشرائع الإلهية السابقة نسخت أحكامها الفرعية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان بالشريعة الإسلامية؛ لأن القرآن الكريم هو الدستور الإلهي الأخير، جاء معدلا للدساتير السابقة، فألغى منها ما كان قابلا للإلغاء، وأقر منها ما كان غير قابل له؛ كالأحكام الاعتقادية، وآيات الأحكام التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، وأصبحت تلك الأحكام الباقية جزءا من شريعة الإسلام [32].
ثالثا. النسخ جائز عقلا، واقع سمعا بلا خلاف في ذلك بين المسلمين[33]:
إن النسخ جائز عقلا، واقع سمعا، كما قال جمهور العلماء؛ ولأجل أن نثبت وقوع النسخ لا بد أن نقيم أدلة على جوازه العقلي، وأدلة أخرى على وقوعه السمعي.
أدلة جواز النسخ عقلا:
الدليل الأول: أن النسخ لا يترتب على فرض وقوعه محال؛ وذلك لأن أحكام الله - عز وجل - إما أن تشرع لصالح العباد، أو لا تشرع لمصالح العباد، فإن قلنا بالأول فلا شك أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص، كما تختلف باختلاف الأزمان[34]، وإذا عرف جواز اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى المكلف بالفعل في زمان؛ لعلمه بمصلحته فيه، وينهاه عنه في زمن آخر؛ لعلمه بمصلحته فيه، كما يفعل الطبيب بالمريض حيث يأمره باستعمال دواء خاص في بعض الأزمنة، وينهاه عنه في زمن آخر؛ بسبب اختلاف مصلحته. ولهذا خص الشارع كل زمان بعبادة غير عبادة الزمن الآخر؛ كأوقات الصلوات والحج والصيام، ولولا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لما كان كذلك، ومع جواز اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لا يكون النسخ ممتنعا[35]، وما دامت المصالح تتغير والأحكام يراعى في تشريعها مصالح الناس؛ فإن النسخ ممكن غير محال ويكون جائزا عقلا [36].
"وإن قلنا بالثاني، وهو أن الأحكام لا يراعى في تشريعها مصالح العباد، فظاهر أيضا أن النسخ لا يترتب عليه محال؛ لأنه لم يخرج عن كونه فعلا من أفعال الله تعالى، والله يفعل ما يشاء" [37].
فإن قيل: إن هذا الدليل مدفوع " بأن الحكم الناسخ إن كان لمصلحة علمها الله بعد أن لم يكن علمها، فقد تحقق البداء - وهو الظهور بعد الخفاء - وذلك باطل على الله؛ لما يلزمه من نسبة الجهل إلى الله تعالى. وإن كان قد شرع لا لمصلحة، فيكون عبثا، والعبث من الشارع محال، وما يترتب عليه محال، فإن النسخ محال.
ويجاب عن ذلك: بأن هناك قسما ثالثا، هو أنه تعالى شرع الحكم الثاني لمصلحة علمها أزلا، ولم تخف عليه أصلا، ولكن وقتها يجيء عند انتهاء الحكم الأول لانتهاء المصلحة المقصودة منه، وهذا لا يترتب عليه بداء ولا عبث [38].
فإن اعترض بأنه: لو جاز نسخ الأحكام الشرعية؛ لتغير وجه المصلحة، لجاز نسخ ما وجب من الاعتقادات في أمور التوحيد، وصفات الله تعالى وما يجوز عليه، وهو محال باطل، فبطل ما أدى إليه.
فيجاب عن ذلك: بأن اعتقاد التوحيد وكل ما دل عليه العقل إن ثبت بالعقل فمستحيل نسخ ما ثبت وجوبه عقلا؛ لأن الشارع لا يأتي بما يخالف العقل، وإن ثبت بالشرع، فالعقل لا يمنع عدم وجوب الاعتقاد بوحدانية الله، ووحدانيته ابتداء عن الأصل، فضلا عن نسخه بعد وجوبه[39].
الدليل الثاني: "أن المخالف لا يخلو إما أن يكون ممن يوافق على أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء من غير نظر إلى حكمة وغرض، وإما أن يكون ممن يعتبر الحكمة والغرض في أفعاله تعالى"[40].
فأهل السنة يقولون: إنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو - سبحانه - الفاعل المختار والكبير المتعال، وله - بناء على اختياره ومشيئته، وكبريائه وعظمته - أن يأمر عباده بما شاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده. ولكن ليس معنى هذا أنه عابث أو مستبد أو ظالم، بل إن أحكامه وأفعاله - عز وجل - كلها لا تخلو من حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن البغي والظلم، والمعتزلة يقولون: إنه تعالى يجب أن يتبع في أحكامه مصالح عباده، فما كان فيه مصلحة لهم أمرهم به، وما كان فيه مضرة عليهم نهاهم عنه، وما دار بين المصلحة تارة والمفسدة أخرى أمرهم به تارة ونهاهم عنه أخرى.
وإذا تقرر هذا، فإننا نستدل من مذهب أهل السنة على أن النسخ تصرف في التشريع من الفاعل المختار الكبير المتعال الذي لا يجب عليه رعاية مصالح عباده في تشريعه. وإن كان تشريعه لا يخلو من حكمة، وكل ما كان كذلك لا محظور فيه عقلا.
وكيف يكون محظورا عقلا، ونحن نشاهد أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال، فالمعلم يتعهد تلاميذه البادئين بأسهل المعلومات، ثم يتدرج بهم من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب؛ حتى يصل بهم إلى أدق النظريات، مقتفيا في ذلك آثار خطى أهل العلم إلى السمو الفكري، والكمال العقلي؟!
كذلك الأمم تتقلب كما يتقلب الأفراد في أطوار شتى، فمن الحكمة في سياستها وهدايتها أن يصاغ لها من التشريعات ما يناسب حالها في الطور الذي تكون فيه، حتى إذا انتقلت منه لآخر، صاغ لها تشريعا آخر يتفق وهذا الطور الجديد؛ وإلا لاختل ما بين الحكمة والأحكام من الارتباط والإحكام، ولم يجر تدبير الخلق على ما تشهده من الإبداع ودقة النظام[41].
الدليل الثالث: أن النسخ لو لم يكن جائزا عقلا وواقعا سمعا، لما ثبتت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي يطول شرحها، إذن فالشرائع السابقة ليست باقية بل هي منسوخة بهذه الشريعة الختامية، وإذن فالنسخ جائز وواقع، أما ملازمة هذا الدليل فنبرهن عليها بأن النسخ لو لم يكن جائزا وواقعا لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة [42].
وقد قدمنا أن للإسلام موقفا من الشرائع السابقة، هذا الموقف ضبطه علماء الشريعة فيما يعرف بشرع من قبلنا، وهل هو شرع لنا أو لا؟ وقد فصلنا فيه القول بأن الإسلام ناسخ لهذه الشرائع في أحكامها الفرعية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، وما أقره الإسلام من أحكام هذه الشرائع فهو شرع لنا بنصوص شرعنا لا بنصوص هذه الشرائع؛ لما حل عليها من تحريف وتبديل.
فدل على أن الشريعة المحمدية قاضية على الشرائع السابقة عليها جملة وتفصيلا؛ لثبوتها وعمومها لكافة الخلق.
ومن خلال ما سبق نخلص إلى أن النسخ جائز وقوعه عقلا، وفيما يلي عرض للأدلة النقلية (السمعية) التي برهنت على صحة وقوع النسخ شرعا.
أدلة وقوع النسخ شرعا:
هناك العديد من الآيات القرآنية التي تدل على وقوع النسخ في القرآن الكريم، وما يجري على القرآن يجري علي السنة من باب أولى، ثم إننا في معرض إثبات النسخ شرعا - على عمومه - نذكر أولا الأدلة من القرآن التي تثبت وقوعه، فنقول:
الدليل الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: )ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106)( (البقرة).
وقبل أن نذكر خلاصة كلام المحققين في تفسير هذه الآية يجب أن نورد سبب نزولها؛ فإن ذلك يعين على فهم المقصود منها.
قال الإمام القرطبي: "وهذه آية عظمى في الأحكام، وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة، وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما هذا القرآن إلا من جهته؛ ولهذا يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله: )وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101)( (النحل)، وأنزل: )ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ( (البقرة)" [43].
ومن خلال سبب النزول هذا يمكن القول: إن هذه الآية برهان صريح على وقوع النسخ في القرآن بمعنى الإزالة والتبديل؛ وذلك بأن ينزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - آية على خلاف آية نزلت قبلها تغير حكمها إلى حكم جديد هو أرفق بالناس، أو أعظم لهم ثوابا، وأفضل عاقبة مما كان لهم قبل ذلك[44].
وفي هذا المعنى يقول ابن جرير الطبري: "يعني - جل ثناؤه - بقوله: )ما ننسخ من آية(، ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا. ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ"[45].
وجمهور المفسرين على أن المراد من الآية هنا هي الآية القرآنية، وذهب بعضهم إلى أنها الآية الكونية، أو المعجزة التي يؤيد الله بها أنبياءه, لكن هذا المعنى لا يتفق وسياق الآية الكريمة، كما أنه مخالف لما ورد في سبب نزول الآية.
وممن قال بالرأي الأول - أن المقصود بالآية هي الآية القرآنية - الإمام الحسن الماوردي والزمخشري، والإمام الرازي، وأبو عبد الله القرطبي، وأبو حيان الغرناطي والحافظ الدمشقي، وأبو الحسن برهان الدين، والنيسابوري، وشهاب الدين الألوسي، وغيرهم ممن لا يكادون يحصون عددا من كبار علماء التفسير[46].
وقوله تعالى: )نأت بخير منها أو مثلها( (البقرة: ١٠٦) دليل على إمكان نسخ الآية بوحي سواها، دون أن يكون ذلك الوحي قرآنا يتلى.
والتفاضل بين الآيات ليس من جهة ألفاظها، فجميع ذلك كلام الله، وإنما من جهة ما فيها من الشرائع والأحكام بالنسبة للمكلف، فالأحكام هي التي تتفاضل فيكون بعضها خيرا من بعض، فإذا عادت الخيرية إلى الأحكام دون اعتبار صيغتها ولفظها، فقد صح النسخ بكل ما ثبت أن الله تعالى أوحاه لنبيه صلى الله عليه وسلم.
فحاصل المعنى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بوحي خير منها أو مثلها، "وحيث صح نسخ الوحي بوحي خير منه للعباد، صح نسخه بوحي مثله في درجته"[47].
"وقد أجملت - أي الآية - جهة الخيرية والمثلية؛ لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن فتجده مرادا؛ إذ الخيرية تكون من حيث الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس، أوما يدفع عنهم مضرة، أو ما فيه جلب عواقب حميدة، أو ما فيه ثواب جزيل، أوما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة، وإن كان حملهم على الشدة قد يكون أكثر مصلحة"[48].
وهذا يدل على أن النسخ كما يكون في القرآن، فإنه يكون في السنة لكونهما وحي الله وتنزيله، القرآن بلفظه ومعناه، والسنة بمعناها[49].
ومن خلال ما سبق نقول: إن هذه الآية دلت بلا خفاء على ثبوت النسخ في القرآن، وسكتت عن إمكانه في غيره من الوحي، لكن يستدل منها على وقوع النسخ في السنة التي أوحاها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من باب أولى.
الدليل الثاني: قوله تعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (102)( (النحل).
وقد قدمنا في سبب نزول هذه الآية ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانت إذا نزلت آية فيها شدة، ثم نزلت آية ألين منها يقول كفار قريش: والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمر بأمر وغدا ينهى عنه، والله ما يقول هذه الأشياء إلا من قبل نفسه، فأنزل الله: )وإذا بدلنا آية مكان آية(" [50].
"قال الجمهور: نسخنا آية بآية أشد منها عليهم، والنسخ والتبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه "[51].
"قال مجاهد: )وإذا بدلنا آية مكان آية( قال: نسخناها، بدلناها، رفعناها، وأثبتنا غيرها"[52].
وهذه الكلمة أحسن ما قاله المفسرون في حاصل معنى هذه الآية؛ فالمراد من التبديل في قوله تعالى: )بدلنا( مطلق التغاير بين الأغراض والمقامات، أو التغاير في المعاني واختلافها باختلاف المقاصد والمقامات، مع وضوح الجمع بين محاملها... والتبديل في قوله تعالى: )بدلنا( هو التعويض ببدل، والتعويض لا يقتضي إبطال المعوض، بل يقتضي أن يجعل شيء عوضا عن شيء[53].
فكأن مراده - عز وجل - من هذه الآية: وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم آخرى - والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من أحكامه - قال المشركون بالله المكذبون رسوله: إنما أنت يا محمد مفتر: أي مكذب تخرص بتقول الباطل على الله، يقول الله تعالى: بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر - جهال بأن الذي تأتيهم به من عند الله - ناسخه ومنسوخه - لا يعلمون حقيقة صحته.
وبنحو الذي قلنا في قوله تعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية( قال أهل التأويل[54].
ومن خلال ما سبق وجدنا إجماعا من المفسرين على التزام نهج السلف في تفسير هذه الآية، فإن كلمة "آية" فيها قد ذكرت مرتين؛ قد أريد بها الآية القرآنية التي تشرع حكما، والتبديل مراد به النسخ، وكل من المنسوخ والناسخ قد شرعه الله في شريعة الإسلام، ليحقق مصلحة نيطت به، فكان هو الحق في زمنه... وما كان من تبديل آية بآية فإنما وقع من الله - عز وجل - لا من محمد كما زعموا، وأن التبديل إنما وقع لحكمة يعلمها الله منذ الأزل، ولم يقع عبثا بقوم محمد ولا سخرية بأصحابه كما زعم المشركون[55].
وإن كانت هذه الآية دلت بلا خفاء على ثبوت النسخ في القرآن، فيستدل بها على وقوع النسخ في السنة التي أوحاها الله لنبيه من باب أولى.
الدليل الثالث: أن سلف الأمة أجمعوا على أن النسخ وقع في الشريعة الإسلامية كما وقع بها[56].
وقد تضافرت الروايات الثابتة من جهة النقل على أن النسخ قد وقع لبعض القرآن، والأحكام المنزلة، كما سيأتي التمثيل له.
وتواتر عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر النسخ والقول به، ثم الأمة من بعدهم سلفا وخلفا. قال ابن الجوزي: "انعقد إجماع العلماء على هذا إلا أنه قد شذ من لا يلتفت إليه"[57].
ولم يعرف إنكاره عن منتسب للعلم حتى القرن الرابع، أي: حين اشتد فشو البدع، وأول منع وقوعه بتأويل فاسد.
قال أبو جعفر النحاس: "من المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله - عز وجل - ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان، واتبع غير سبيل المؤمنين"[58].
ورأى بعض العلماء أنه لم يخالف في ثبوت النسخ أحد من أهل الإسلام، وأن ما نسب إلى بعض المتأخرين فهو - على ندرته - خلاف منهم في اللفظ، لا في المعنى[59].
فإن قيل: قد خالف في وقوع النسخ أبو مسلم الأصفهاني[60] وأنكر وقوعه مستدلا بقوله تعالى: )لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)( (فصلت)، فلو وقع النسخ في القرآن لأتاه الباطل؛ لأن النسخ المتضمن إلغاء الحكم المنسوخ باطل، وفي ذلك تكذيب لخبر الله تعالى، والكذب في خبره محال [61].
وندفع مذهب أبي مسلم وشبهته بأمور منها:
أولها: أنه لو كان معنى الباطل في الآية هو متروك العمل به مع بقاء قرآنيته؛ لكان دليله قاصرا عن مدعاه؛ لأن الآية لا تفيد حينئذ إلا امتناع نوع خاص من النسخ، وهو نسخ الحكم دون التلاوة؛ فإنه وحده هو الذي يترتب عليه وجود متروك العمل في القرآن، أما نسخ التلاوة مع الحكم أو مع بقائه، فلا تدل الآية على امتناعه بهذا التأويل.
ثانيها: أن معنى الباطل في الآية ما خالف الحق، والنسخ إبطال لا باطل؛ لأنه حق وصدق، وكل ما في الأمر أن يصبح الحكم في النص المنسوخ غير معمول به، فلا دلالة في الآية على مراد أبي مسلم.
ثالثها: أن الضمير في قوله تعالى: )لا يأتيه الباطل( عائد على مجموع القرآن؛ أي أن القرآن كله لا ينسخ، وهذا لا يختلف عليه أحد باتفاق العلماء. كما أن الآية تدل على أن الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله، ولا يأتيه من بعده ما يبطله، وهذا لا ينافي أن يكون في القرآن نفسه ما يزيل حكما ويقرر آخر.
رابعها: من تأمل تفسير الآية وجدها أقرب إلى إثبات النسخ ووقوعه منها إلى نفيه وامتناعه؛ لأن النسخ - كما قررنا - تصرف إلهي حكيم تقتضيه الحكمة وترتبط به المصلحة[62].
رابعا. النسخ في الشريعة الإسلامية جائز دورانه بين الكتاب والسنة:
النسخ في الشريعة الإسلامية قد يرد به القرآن، وقد ترد به السنة النبوية، والمنسوخ كذلك؛ قد يرد به القرآن، وقد ترد به السنة النبوية، فالأقسام الأربعة في دوران النسخ بين الكتاب والسنة هي:
· نسخ القرآن بالقرآن.
· نسخ القرآن بالسنة.
· نسخ السنة بالقرآن.
· نسخ السنة بالسنة.
وفيما يلي نعرض لهذه الأقسام بشيء من التفصيل:
1. نسخ القرآن بالقرآن:
" فقد أجمع القائلون بالنسخ من المسلمين على جوازه ووقوعه؛ أما جوازه فلأن آيات القرآن متساوية في العلم بها، وفي وجوب العمل بمقتضاها، وأما وقوعه[63] فلما هو موجود من تناسخ الآيات كنسخ وجوب ثبوت الواحد للعشرة؛ بقوله تعالى: )الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا( (الأنفال: ٦٦)" [64].
وليس هذا مقام تفصيل هذا القسم، وإنما يراجع في مظانه.
2. نسخ القرآن بالسنة النبوية:
والجمهور يرون جواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، حكى ذلك أبو الطيب الطبري، وابن برهان، وابن الحاجب، قال ابن فورك: وإليه ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعري.
قال ابن السمعاني: وهو مذهب أبي حنيفة وعامة المتكلمين.
وقال الدبوسي: هو قول علمائنا؛ يعني: الحنفية.
قال الباجي: وقال به عامة شيوخنا، وحكاه ابن الفرج عن مالك.
وقال سليم الرازي: وهو قول أهل العراق والأشعري وجمهور المتكلمين، وإليه ذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه[65].
وحجتهم أن نسخ القرآن بالسنة ليس مستحيلا لذاته ولا لغيره، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن السنة وحي من الله كما أن القرآن كذلك؛ لقوله تعالى: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)، ولا فارق بينهما، إلا أن ألفاظ القرآن من ترتيب الله - عز وجل - وإنشائه، والقرآن له خصائص، وللسنة خصائصها، وهذه الفوارق لا أثر لها فيما نحن بسبيله ما دام الله - عز وجل - هو الذي ينسخ وحيه بوحيه، وحيث لا أثر لها، فنسخ أحد هذين الوحيين بالآخر لا مانع يمنعه عقلا، كما أنه لا مانع يمنعه شرعا؛ فتعين جوازه عقلا وشرعا[66].
وقال الشافعي: لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة، ولو كانت متواترة أو مستفيضة، ولا ينسخ الكتاب إلا كتاب مثله... ومع ذلك فالأولى ما عليه الجمهور؛ لأن السنة من الله - عز وجل - كما أن القرآن شرع منه سبحانه، وليس في العقل ولا في الشرع ما يمنع ذلك[67].
فإن قيل: إن وظيفة الرسول منحصرة في بيان القرآن؛ لقوله تعالى: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤)، والسنة إن نسخت القرآن لم تكن حينئذ بيانا له، بل تكون رافعة إياه.
قلنا: إن هذا الاستدلال منقوض[68]:
1. بأن الآية لا تدل على انحصار وظيفة السنة في البيان؛ لأنها خالية من جميع طرق الحصر، وكل ما تدل عليه الآية أن السنة مبينة للقرآن، وذلك لا ينفي أن تكون السنة ناسخة.
2. وبأن وظيفة السنة لو انحصرت في بيان القرآن ما صح أن تستقل بالتشريع من نحو إيجاب وتحريم، مع أن إجماع الأمة قائم على أنها قد تستقل بذلك، كحظره - صلى الله عليه وسلم - أن يورث بقوله: «لا نورث، ما تركناه صدقة» [69].
3. أنه على فرض دلالة الآية على الحصر فالمراد بالبيان فيها التبليغ لا الشرح، ولقد بلغ الرسول كل ما أنزله الله إلى الناس، وهذا لا ينافي أنه نسخ ما شاء الله نسخه بالسنة.
4. المراد بما أنزل إلى الناس: هو جنسه الصادق ببعضه، وهذا لا ينافي كون السنة ناسخة لبعض آخر، فيكون الرسول مبينا لما ثبت من الأحكام، وناسخا لما ارتفع منها.
5. أن النسخ نوع من البيان؛ لأنه بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريق شرعي متراخ عنه، وما دام النسخ بيانا، وقد جعلت السنة بيانا، فلا مانع من كون السنة ناسخة للكتاب.
فإن قيل: إن القرآن نفسه هو الذي أثبت أن السنة النبوية حجة، فلو نسخت السنة القرآن لعادت على نفسها بالإبطال؛ لأن النسخ رفع، وإذا ارتفع الأصل ارتفع الفرع.
قيل: إن هذا الاستدلال منقوض:
1. بأن كلامنا ليس في جواز نسخ السنة لنصوص القرآن الدالة على حجيتها، حتى ترجع على نفسها بالإبطال، بل هو في جواز نسخ ما عدا ذلك، مما يصح أن يتعلق به النسخ.
2. أن ما استدلوا به حجة عليهم؛ لأن وجوب طاعة الرسول واتباعه يقضي بوجوب قبول ما جاء به على أنه ناسخ[70].
ولقائل أن يقول: إن من السنة ما كان خبر آحاد، وخبر الواحد مهما صح فإنه لا يفيد القطع، والقرآن قطعي المتن، فكيف ينسخ بالسنة التي لا تفيد القطع؟ ومتى استطاع الظن أن يرفع اليقين؟
فيجاب عن ذلك بأن: نسخ القرآن أو المتواتر من السنة بالآحاد وقع الخلاف فيه في الجواز والوقوع. أما الجواز عقلا فقال به الأكثرون، وحكاه سليم الرازي عن الأشعرية والمعتزلة، ونقل ابن برهان في الأوسط الاتفاق عليه، فقال: لا يستحيل عقلا نسخ الكتاب بخبر الواحد بلا خلاف، وإنما الخلاف في جوازه شرعا[71].
وقد جاءت السنة الصحيحة المشهورة بقبول خبر الواحد العدل في إثبات النسخ؛ وذلك في حديث عبد الله بن عمر بأصح إسناد إليه قال: «بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة»[72] [73].
وهذا دليل على أن خبر الواحد ينسخ المتواتر[74].
والتحقيق الذي لا شك فيه هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها، والدليل الوقوع.
أما قولهم: إن المتواتر أقوى من الآحاد، والأقوى لا يرفع بما هو دونه، فإنهم قد غلطوا فيه غلطا عظيما مع كثرتهم وعلمهم.
وإيضاح ذلك: أنه لا تعارض ألبتة بين خبرين مختلفي التاريخ؛ لإمكان صدق كل منهما في وقته. وقد أجمع جميع النظار على أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد كل منهما، أما إن اختلفا، فيجوز صدق كل قضية منهما في وقتها. فلو قلت: النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضا: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده، لكانت كل منهما صادقة في وقتها [75].
وذكر ابن عقيل عن أحمد رواية بجواز النسخ بأخبار الآحاد احتجاجا بقصة أهل قباء، وبه قال أهل الظاهر.
قال مجد الدين ابن تيمية: "ويحتمله عندي قول الشافعي، فإنه احتج على خبر الواحد بقصة قباء. قلت: ومن حجة النسخ بخبر الواحد حديث أنس في الخمر إذا أراقها وكسر الدنان"[76].
"قال أبو محمد: وبهذا نقول، وهو الصحيح"[77]. قال الآمدي: "واحتج النافون لذلك بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: " لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري: أصدقت أم كذبت"[78].
ويمكن أن يجاب عن هذا بما يلي:
1. قال أبو داود في المسائل: سمعت أحمد بن حنبل - وذكر له قول عمر: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة" - يقول: لا يصح هذا عن عمر، وقال الدارقطني: هذا الكلام لا يثبت عن عمر، يعني قوله: "سنة نبينا"[79].
2. لا يصح الجزم بأن موقف سيدنا عمر هو رد خبر الواحد استنادا إلى الشاهد المذكور عنه، وهو قوله: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت"، وذلك لما يلي:
صرح كثير من العلماء بأنه لا مخالفة بين خبر فاطمة بنت قيس وظاهر نص القرآن في مسألة نفقة المبتوتة، نقل هذا أبو داود عن الإمام أحمد[80]؛ وعليه فلا يصح أن يقال جزما: إن خبر فاطمة بنت قيس يعارض القرآن، وإنما يقال: إن الخبر عارض اجتهاد من رده فحسب؛ إذ إن فهم سيدنا عمر لحكم المبتوتة من ظاهر الآيات لم يوافقه عليه كل العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم؛ لأنهم لم يجدوا تعارضا بين الآيات وبين خبر فاطمة.
ولهذا فإن القول بأن سيدنا عمر رفض خبر الواحد الصحيح الذي يعارض القرآن بدليل رفضه لخبر فاطمة غير دقيق؛ لأن الخبر لم يصل إلى درجة الصحة في رأي سيدنا عمر، ولو صح عنده لكان له رأي آخر في هذه المسألة[81].
ومما يرشدك إلى جواز النسخ بما صح من الآحاد لما هو أقوى متنا أو دلالة منها: أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني، وإن كان دليله قطعيا، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني، لا ذلك القطعي فتأمل ذلك[82].
ومما سبق نستطيع القول: إن نسخ السنة - متواترها وآحادها - واقع شرعا وجائز عقلا، والقول بنسخ الآحاد للمتواتر سواء كان هذا المتواتر قرآنا أو سنة هو المختار والمترجح عندنا من اختلاف العلماء؛ لقوة دليل من قال بجواز نسخ الآحاد للمتواتر.
نسخ السنة بالقرآن:
أجمع جمهور أهل العلم على صحة نسخ حكم ثبت بالسنة بآية من كتاب الله[83] وبه قال بعض من منع من نسخ القرآن بالسنة، وللشافعي في ذلك قولان حكاهما القاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وإمام الحرمين، وصححوا جميعا الجواز، قال ابن برهان: وهو قول المعظم، وقال سليم: هو قول عامة المتكلمين والفقهاء، وقال السمعاني: إنه الأولى بالحق، وجزم به الصيرفي، ولا وجه للمنع قط، ولم يأت في ذلك ما يتشبث به المانع لا من عقل ولا من شرع، بل ورد في الشرع نسخ السنة بالقرآن في غير موضع[84].
فصوت المانعين هنا خافت، وحجتهم داحضة، أما المثبتون فيؤيدهم دليل الجواز، كما يسعفهم برهان الوقوع؛ ولهذا نجد في صف الإثبات جماهير الفقهاء المتكلمين، ولا نرى في صف النفي سوى الشافعي في أحد قوليه، ومعه نفر قليل من أصحابه، ومع ذلك فنقل هذا عن الشافعي فيه شيء من الاضطراب أو إرادة خلاف الظاهر[85].
واحتج المثبتون لذلك بالجواز العقلي والوقوع الشرعي، وذلك على النحو التالي:
أما الجواز العقلي، فيقوم على أن الكتاب والسنة كليهما وحي من الله تعالى؛ لقوله سبحانه: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)، ونسخ حكم أحد الوحيين بالآخر غير ممتنع عقلا، ولهذا فإنا لو فرضنا خطاب الشارع بجعل القرآن ناسخا للسنة لما لزم عنه لذاته محال عقلا.
أما الوقوع الشرعي، فيدل عليه أمور:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل مكة عام الحديبية على أن من جاءه مسلما رده، حتى إنه رد أبا جندل وجماعة من الرجال، فجاءت امرأة، فأنزل الله تعالى: )فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار( (الممتحنة: ١٠) وهذا قرآن نسخ ما صالح عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة، وهو من السنة.
الثاني: أن التوجه إلى بيت المقدس لم يعرف إلا من السنة، وقد نسخ بقوله تعالى: )فول وجهك شطر المسجد الحرام( (البقرة: ١٤٤)، ولا يمكن أن يقال: إن التوجه إلى بيت المقدس كان معلوما بالقرآن، وهو قوله: )فثم وجه الله( (البقرة: ١١٥)؛ لأن قوله تغيير بين القدس وغيره من الجهات، والمنسوخ إنما هو وجوب التوجه عينا، وذلك غير معلوم من القرآن.
الثالث: أن المباشرة في الليل كانت محرمة على الصائم بالسنة، وقد نسخ ذلك بقوله تعالى: )فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل( (البقرة: ١٨٧)[86].
فإن قيل: إن الله تعالى قال: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤).
ففي هذه الآية جعل السنة مبينة للكتاب، فيكون الكتاب مبينا بها ومتوقفا عليها، ولو نسخ الله مما قال حكما لسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما نسخه سنة، فلو جعل الكتاب ناسخا للسنة، لكان مبينا لها والسنة مبينة به؛ لأن النسخ بيان، وذلك يقتضي كون السنة متوقفة على الكتاب، فأصبح كل منهما متوقفا على الآخر، وهذا دور، والدور باطل، فامتنع جعل الكتاب ناسخا للسنة[87].
قيل: أجاب الجمهور عن هذا الاستدلال من وجوه[88]:
الأول: أن هذا الدليل معارض بمثله، وهو قوله تعالى: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩).
والسنة شيء من الأشياء، فكان القرآن مبينا لها، وبذلك تكون الآية الأولى دالة على أن السنة مبينة للكتاب، وهذه الآية تدل على أن الكتاب مبين للسنة، وهذا تعارض فوجب الرجوع إلى مرجح، وهو ما قام من الأدلة على النسخ.
الثاني: أن الاستدلال بهذه الآية يتوقف على اعتبار أن النسخ بيان، ولكن النسخ رفع لحكم سابق، فلا يصح الاستدلال بها هنا.
الثالث: المراد بالبيان في الآية هو التبليغ، وذلك يعم تبليغ الناس من القرآن وغيره، وليس فيها ما يدل على امتناع كون القرآن ناسخا للسنة.
الرابع: أن هذا الاعتراض إنما يصح لو كانت السنة من عند الرسول من تلقاء نفسه، وليس كذلك، إنما هي من الوحي.
الخامس: لو امتنع نسخ السنة بالقرآن لدلالته على أن ما شرعه أولا غير مرض - لامتنع نسخ القرآن بالقرآن، والسنة بالسنة، وهو خلاف إجماع القائلين بالنسخ.
السادس: لا يلزم من اختلاف جنس السنة والقرآن بعد اشتراكهما في الوحي بما اختص بكل واحد منهما امتناع نسخ أحدهما بالآخر.
وبذلك يتضح أن الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور من جواز نسخ السنة بالقرآن، ووافقهم في ذلك الإمام الشافعي في أحد قوليه، ولا شك أن قوله مع الجماعة أقوى منه منفردا، حتى إن أصحابه قد خالفوه في قضايا النسخ، أو في أكثرها على الأقل"[89].
نسخ السنة بالسنة:
نسخ السنة بالسنة على أربعة أنواع: نسخ سنة متواترة بمتواترة، ونسخ سنة أحادية بأحادية، ونسخ سنة أحادية بسنة متواترة، ونسخ سنة متواترة بسنة أحادية[90].
واتفق الأصوليون على جواز نسخ السنة بالسنة: المتواتر بالمتواتر، والآحاد بالمتواتر، والآحاد بالآحاد؛ بدليل ما ذكر من نسخ زيارة القبور، ونسخ ادخار لحوم الأضاحي. أما نسخ المتواتر من السنة بالآحاد فهو جائز قطعا، لكنه لم يقع عند جماعة، وأثبتته الظاهرية[91].
ونسخ الآحاد للمتواتر عموما - قرآنا كان أم سنة - اختلف في وقوعه شرعا، واتفق على جواز وقوعه عقلا، وقد حررنا هذا الخلاف تحت عنوان نسخ القرآن بالسنة النبوية، فأطلنا النفس في هذه المسألة هناك بما يغني عن إعادتها هنا، وكان الراجح لدينا هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد عقلا وشرعا؛ وذلك لقوة أدلة من قال بجواز نسخ صحيح الآحاد للمتواتر، ويكفي في ذلك من الأدلة أن وجوب التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة المتواترة؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يدل عليه، وكان أهل قباء يصلون إلى بيت المقدس بالخبر المتواتر عندهم. فأتاهم رجل ينادي بالنيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخبرا أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة[92]، وقبلوا خبر الواحد لنسخ المتواتر.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرسل الآحاد لتبليغ الأحكام الناسخ منها والمنسوخ[93].
وقد أثبتنا نسخ أحكام من الكتاب - وهو متواتر - بالآحاد عقلا ونقلا، فمن باب أولى جاز نسخ السنة المتواترة بالآحاد.
ومما يدل على جواز نسخ السنة بالسنة عموما: قول التابعي الثقة أبي العلاء يزيد بن عبد الله ابن الشخير فيما صح عنه:«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينسخ حديثه بعضه بعضا، كما ينسخ القرآن بعضه بعضا»[94].
لذلك لم يختلف العلماء - المعتبرة أقوالهم - في جواز نسخ السنة بالسنة.
خامسا. وقوع النسخ في الشريعة - قرآنا وسنة - دليل واضح على حكمة الله تبارك وتعالى في التشريع:
إن كان المعهود من طبائع الخلق أن معرفة الحكمة تريح النفس وتزيل اللبس، وتعصم من الوسوسة والدس؛ فإن وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية، ومن قبله في عامة الشرائع السابقة - كما أسلفنا - لم يكن ضربة لازب، أو عبثا من الشارع - معاذ الله - وإنما كان وقوعه عن حكم جليلة.
فالثابت في الشرع أنه جاء لرعاية المصالح العامة للناس، وأن للشرع حكمة بالغة في إيجاد الخلق، وهو اختبارهم لمعرفة مدى امتثالهم مطالب الشرع[95].
ولأجل تفصيل القول في الحكمة نذكر أن النسخ وقع بالشريعة الإسلامية ووقع فيها؛ أي أن الله نسخ بالإسلام كل دين سبقه، ونسخ بعض أحكام هذا الدين ببعض.
أما حكمته - عز وجل - في أنه نسخ به الأديان كلها، فترجع إلى أن تشريعه أكمل تشريع يفي بحاجات الإنسانية في مرحلتها التي انتهت إليها بعد أن بلغت أشدها واستوت على سوقها.
وبيان ذلك: أن النوع الإنساني يتقلب كما يتقلب الطفل في أطوار مختلفة، ولكل طور من هذه الأطوار حال تناسبه، غير الحال التي تناسب طورا غيره، مما اقتضى وجود شرائع مختلفة تبعا لهذا التفاوت. حتى إذا بلغ العالم نضجه جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان، ومتمما للشرائع، وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية، فوفق بين الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله تعالى وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب، وحيوان ونبات وجماد؛ مما جعله بحق دينا عاما خالدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أما حكمة الله في نسخ بعض أحكام الإسلام ببعض؛ فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها[96].
وإذا عرف جواز اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى المكلف بالفعل في زمان؛ لعلمه بمصلحته فيه، وينهاه عنه في زمن آخر؛ لعلمه بمصلحته فيه. ولهذا خص الشارع كل زمان بعبادة غير عبادة الزمن الآخر؛ كأوقات الصلوات والحج والصيام، ولولا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لما كان كذلك[97].
ومعنى هذا أن الله - عز وجل - حين ينسخ شريعة، أو حكما في شريعة إنما يكشف لنا بهذا النسخ عن شيء من علمه السابق، ومن هنا يعتبر النسخ من أنواع البيان، ولا يعني بأي حال من الأحوال، وصف الله - عز وجل - بالبداء[98].
والخلاصة أن للنسخ فائدتين:
إحداهما: رعاية الأصلح للمكلفين؛ تفضلا من الله تعالى لا وجوبا عليه، أي أن أهم حكمة للنسخ، هي تحقيق مصالح الناس التي هي المقصود الأصلي من تشريع الأحكام، تلك المصالح التي تختلف باختلاف الأحوال والأزمان.
ثانيهما: امتحان المكلفين بامتثالهم الأوامر والنواهي، وتكرار الاختبار خصوصا في أمرهم بما كانوا منهيين عنه، ونهيهم عما كانوا مأمورين به، فإن الانقياد في حالة التغيير أدل على الإيمان والطاعة[99].
ولما كانت الحكمة من النسخ هي مراعاة مصلحة المكلف بالدرجة الأولى، فإن النسخ جار مع مقاصد الشرع في إطار تحقيق هذه الغاية:
1. فتارة ينزل الوحي على المكلفين بالحكم الشاق؛ لأجل اختبارهم وامتحان صدق إيمانهم.
2. وتارة يكون من أجل التدرج في التشريع؛ لحداثة الناس بالجاهلية، ولا يخفى ما فيه من تأليف قلوبهم على الإسلام، وتهيئتهم لما أريدوا له من نصرة دين الله؛ إذ كانوا الجيل الذي اصطفاه الله لنصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فأخذوا بالأثقل؛ تحقيقا لهذه الغاية[100].
والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى؛ مثل تحريم الخمر: فقد انتقلت من استقباح السكر: )تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا( (النحل: ٦٧)، ثم بيان غلبة مضاره على منافع تجارته، )قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس( (البقرة: ٢١٩)، ثم تحريمه نهارا من أجل الصلاة: )لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى( (النساء: ٤٣)، ثم تحريمه القاطع بآية: )إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة).
وكذلك حرم الربا على مراحل تدرجت [101]، وغير ذلك كثير.
3. كما أن في النسخ إظهار نعمة الله - عز وجل - بما يرفع به من الحرج والضيق بنوع سابق من أنواع التكليف[102].
ومثال ذلك في عدة المتوفى عنها زوجها؛ حيث فرض الله عليها أن تعتد عاما كاملا أول الأمر، وهذه المدة على وفاق ما كانت تعتده إحداهن في الجاهلية، فخفف الله عن النساء؛ بأن جعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا.
فأما اعتدادها عاما فكما في قوله عز وجل: )والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج( (البقرة: ٢٤٠)، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله عز وجل: )والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا( (البقرة: ٢٣٤).
وإظهار الفضل في هذا النسخ يتبين بما حدث به حميد بن نافع - أحد التابعين - عن زينب بنت أم سلمة، قالت: سمعت أم سلمة تقول: «جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا - مرتين أو ثلاثا - كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله: إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول"[103]. قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا[104]، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة: حمار أو شاة، أو طائر، فتفتض به[105]، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره»[106].
وبقي الناسخ والمنسوخ يتلى في كتاب الله؛ تذكيرا بفضل الله بما جاء به هذا الدين من التيسير.
4. كما يقع في النسخ تطييب نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفوس أصحابه بتمييز هذه الأمة على الأمم وإظهار فضلها. ومثاله قصة نسخ استقبال القبلة؛ حيث كانت حين فرضت الصلاة إلى بيت المقدس، ثم حولت إلى الكعبة.
وسوى ذلك حكم ومقاصد للنسخ تندرج سعتها في عموم قول الله عز وجل: )قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (102)( (النحل)؛ حيث جاءت هذه الآية ردا على المشركين في جحدهم النسخ بقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: )إنما أنت مفتر( (النحل: ١٠١)[107]. قال الإمام الشافعي: "إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض أثبتها، وأخرى نسخها؛ رحمة لخلقه، بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمة، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم - جنته، والنجاة من عذابه، فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه"[108].
ومن هذا يتبين فساد مذهب المغالطين على ربهم، الجاهلين به ممن ضل في أمر النسخ[109]، وظن أن وقوع النسخ في الشريعة إنما هو نوع من البداء أو العبث، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
سادسا. النسخ في السنة لا يثبت بالاحتمال أو بالهوى، وإنما يخضع لضوابط ومعايير لابد أن تتحقق عند أهل الاختصاص قبل القول به أو المصير إليه:
لقد شكك بعض الناس في ثبوت النسخ بدعوى أن النسخ في السنة غير منضبط، ولا يخضع لضوابط معينة، مما جعل أعداء الإسلام من ملاحدة ومستشرقين يتخذون مثل هذه الدعاوى تكأة لتوجيه الطعن إلى هذا الدين الحنيف، والنيل من قدسية كتابه وشرف سنته.
ونسي هؤلاء - أو تناسوا - أن النسخ في السنة لا يثبت بالاحتمال، أو بالهوى، أو أن القول بالنسخ يصدر عن أي أحد من عامة الخلق، "وإنما وقائع النسخ لا تعرف إلا بالتلقي عن صاحب الشرع نفسه، فيكون النسخ بخطاب منه، كما كان التشريع بخطاب منه"[110].
وفي هذا المعنى يقول ابن حزم: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين؛ لأن الله - عز وجل - يقول: )وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله( (النساء: ٦٤)، وقال تعالى: )اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم( (الأعراف: ٣)، فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه ففرض اتباعه، فمن قال في شيء من ذلك: إنه منسوخ، فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر، وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف، إلا أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل، ومن استجاز خلاف ما قلنا، فقوله يئول إلى إبطال الشريعة كلها؛ لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما، وبين دعوى غيره النسخ في آية ما أو حديث ما، وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى وحديث آخر، فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة، وهذا خروج عن الإسلام، وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون، ولا يجوز أن تسقط طاعة أمر أمرنا به الله ورسوله إلا بيقين نسخ لاشك فيه"[111].
وعليه امتنع النسخ بالاحتمال، والأصل وجوب العمل بجميع الأحكام الثابتة بنصوص الكتاب والسنة، واعتقاد أنها محكمة حتى نتيقن النسخ[112].
قال أبو جعفر النحاس: لا يقال: منسوخ لما ثبت في التنزيل، وصح فيه التأويل إلا بتوقيف أو دليل قاطع[113].
وقال ابن الجوزي: وإطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة[114].
وقال الموفق ابن قدامة: لا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسول الله إلا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال[115].
وعليه فقد وضع العلماء شروطا وضوابط للقول بالنسخ في السنة، والتي معها يصح القول بالنسخ؛ ولذا وجب اعتبار جميعها في كل من النصين: الناسخ والمنسوخ معا.
وهاك أهم هذه الشروط:
1. أن يكون المنسوخ حكما شرعيا؛ لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات [116]؛ فالنسخ إنما يجري في النص الشرعي فحسب، فلا نسخ فيما لم يأت فيه نص بعد، فنزول الحكم لأول مرة لا يعتبر ناسخا لبراءة الأصل؛ إذ لا حكم فيها أصلا [117].
فإيجاب صوم رمضان رفع البراءة الأصلية، وهي عدم الصوم، فهو لم يرفع حكما شرعيا، بل رفع مباحا أصليا، ومثل ذلك لا يعد نسخا[118]. وهذا ما عليه الجمهور[119].
2. أن يكون بخطاب شرعي: فارتفاع الحكم بموت المكلف ليس نسخا؛ إذ ليس المزيل خطابا رافعا لحكم خطاب سابق[120].
3. ألا يكون الحكم السابق مقيدا بزمان مخصوص، نحو قوله: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاتين: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس»[121]. فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقت، فلا يكون نهيه عن هذه النوافل في الوقت المخصص ناسخا لما قبل ذلك من الجواز؛ لأن التأقيت يمنع النسخ[122].
4. أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ[123]؛ حتى تتضح فيه حقيقة رفع الحكم، فإن كان متصلا أو مقترنا به؛ كالشرط والصفة والاستثناء، لا يسمى نسخا؛ إنما هو تخصيص وبيان للحكم الأول[124].
5. أن يكون النصان ثابتين نقلا: وهذا الشرط عندما تكون السنة طرفا في النسخ، فالواجب أن يسلم الحديث الناسخ أو المنسوخ من القوادح، وذلك باستيفائه جميع شروط الصحة[125].
قال أبو بكر ابن خزيمة: "لا يجوز ترك ما قد صح من أمره - صلى الله عليه وسلم - وفعله في وقت من الأوقات إلا بخبر صحيح عنه ينسخ أمره ذلك وفعله "[126].
ولا يطلب فيه التواتر؛ لأن النسخ إنما يتصل بالأحكام العملية، والعمل بالظن الراجح صحيح معتبر.
وقد جاءت السنة الصحيحة بقبول خبر الواحد العدل في إثبات النسخ، وذلك في حديث عبد الله بن عمر بأصح إسناد إليه، قال: «بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة» [127].
6. أن يكون النصان عمليين: أي يتصلان بأحكام كسب الجوارح؛ كالصلاة والصوم؛ مثل نسخ فرض استقبال بيت المقدس في الصلاة باستقبال الكعبة.
أما أعمال القلوب؛ كالتوحيد، والإيمان، والإخلاص، والخوف والرجاء، وشبه ذلك، فلا يقع فيها نسخ[128].
7. أن يكون النصان جزئيين: فيمتنع النسخ في القواعد ومقاصد التشريع؛ لأنها كليات، ولم يقع في جميع ما يذكر فيه النسخ من نصوص الكتاب والسنة نسخ لقاعدة كلية، إنما جميع أمثلة النسخ واردة في جزئيات الأحكام؛ رعاية للمقاصد الكلية[129].
وفي هذا المعنى يقول أبو إسحاق الشاطبي: القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ، وإنما وقع النسخ في أمور جزئية، بدليل الاستقراء، فإن كل ما يعود بالحفظ على الأمور الخمسة ثابت. وإن فرض نسخ بعض جزئياتها، فذلك لا يكون إلا بوجه آخر من الحفظ، وإن فرض النسخ في بعضها إلى غير بدل فأصل الحفظ باق؛ إذ لا يلزم من رفع بعض أنواع الجنس رفع الجنس[130].
ومن خلال هذا يتبين أن قول العالم بأن هذا الحكم منسوخ بحكم آخر لابد أن يكون عن ضوابط متزنة لا يدخل فيها هوى، أو اضطراب، بل لابد أن يكون طبقا لقواعد ثابتة عند أهل الشريعة، ولم يقتصر الأمر على الشروط السابقة، وإنما وضعوا طرقا لمعرفة الناسخ والمنسوخ، ذكرها الإمام الشوكاني فقال: الطريق التي يعرف بها كون الناسخ ناسخا، وذلك أمور:
الأول: أن يقتضي ذلك اللفظ، بأن يكون فيه ما يدل على تقدم أحدهما وتأخر الآخر، ومن ذلك التصريح في اللفظ بما يدل على النسخ؛ كقوله تعالى: )الآن خفف الله عنكم( (الأنفال: ٦٦) فإنه يقتضي نسخه لثبات الواحد أمام العشرة.
الثاني: يعرف الناسخ من المنسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - كأن يقول: هذا ناسخ لهذا، أو ما في معنى ذلك؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا»[131].
الثالث: أن يعرف ذلك من فعله - صلى الله عليه وسلم - كرجمه لماعز ولم يجلده، فإنه يفيد نسخ قوله: «خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا؛ الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ونفي سنة»[132].
الرابع: إجماع الصحابة على أن هذا ناسخ وهذا منسوخ؛ كنسخ وجوب صوم عاشوراء بصوم رمضان، ونسخ الحقوق المتعلقة بالمال بالزكاة، ذكر معنى ذلك ابن السمعاني، وقد ذهب الجمهور إلى أن إجماع الصحابة من أدلة بيان الناسخ والمنسوخ.
الخامس: نقل الصحابي لتقدم أحد الحكمين، وتأخر الآخر، إذ لا مدخل للاجتهاد فيه.
السادس: كون أحد الحكمين شرعيا، والآخر موافقا للعادة؛ فيكون الشرعي ناسخا. وأما حداثة الصحابي وتأخر إسلامه فليس ذلك من دلائل النسخ[133].
ومما سبق نخلص إلى أن القول بالنسخ لا يأتي إلا بعد استيفاء شروط وانتفاء موانع هي أبعد من دخول الهوى في الحكم على النصوص، مما يجعل الأمر أكثر وضوحا بأن النسخ في الشريعة خاضع لضوابط ومعايير صارمة، وأنه لا يثبت بالاحتمال ولا بالهوى، وإنما بتوقيف، أو بدليل قاطع على النسخ من الأدلة والطرق التي فصلنا القول فيها.
سابعا. اختلاف المسلمين في بعض قضايا النسخ لا يعد طعنا في وقوعه ومصداقية وجوده:
قدمنا فيما سبق أن القول بالنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولا بمجرد الهوى، "فلا يقال: منسوخ لما ثبت في التنزيل، وصح فيه التأويل إلا بتوقيف، أو دليل قاطع"[134].
لذلك سلطنا الضوء على الطرق التي يعرف بها كون الناسخ ناسخا، وذكرنا أن هذه الطرق تدور بين تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين فعله المخالف لقوله السابق، أو إجماع الصحابة على أن هذا الحكم منسوخ، أو نقل الصحابي بما يدل على أن أحد الحكمين سبق الآخر في تشريعه، وأن الحكم الثاني متراخ.
فتبين من خلال هذه الطرق أنه "بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - خرجت الأحكام عن احتمال النسخ؛ لانقطاع الوحي الذي توقف النسخ عليه بوفاته"[135].
ومعلوم أن هذا الوحي الذي جاء إلينا إنما حمله عدول هذه الأمة ابتداء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين باشروا التشريع وعاينوا التنزيل. ولما وقع الاختلاف في بعض مسائل النسخ كان منشؤه اختلاف بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وإذا كان مدار الاختلاف في بعض قضايا النسخ يرجع إلى اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن نراعي أسباب هذا الاختلاف؛ حتى يتبين أنه غير قادح.
فالذي لابد أن يترسخ في الذهن أن اختلاف الصحابة لا يعني التضاد والتعارض، كما لا يعني التباين والتنافر؛ لأن الذي يجمعهم ويدعوهم للاتفاق وحدة العقيدة المبنية على أصول تشريعية منزلة من عند الله الواحد، وعلى لسان نبي واحد، وبكتاب محكم محفوظ.
وكلهم من رسول الله ملتمس
غرفا من البحر أو رشفا من الديم
ثم إن الصحابة تفرقوا في البلاد، وصار كل واحد مقتدى ناحية من النواحي، فكثرت الوقائع ودارت المسائل؛ فاستفتوا فيها، فأجاب كل واحد حسب ما حفظه أو استنبطه، وإن لم يجد فيما حفظه أو استنبطه ما يصلح للجواب اجتهد برأيه، وعرف العلة التي أدار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها الحكم في منصوصاته. فعند ذلك وقع الاختلاف بينهم[136].
فقد يكون هذا الصحابي الذي ترك جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاربا في الأمصار والأصقاع البعيدة؛ ليعلم الناس أمور دينهم - قد سمع حديثا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث بعد ذلك قد نسخ تخفيفا على الأمة، أو لأي حكمة إلهية أخرى، ثم إن هذا الصحابي لم يعلم الناسخ، وظل على فتواه بالحديث الأول. وهذا موطن من أهم مواطن الاختلاف، وخاصة في الناسخ والمنسوخ.
فليس صعبا ولا مستحيلا ألا يصل الحديث إلى الصحابي في المسألة ويفتي هو بخلافه واجتهاده بما عنده من الأصول.
مثال ذلك ما أخرجه الإمام مسلم من أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - بلغها أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، فقالت: «يا عجبا لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات»[137].
فهذا وارد أن يكون الصحابي بعيدا عن مصدر التشريع النبوي فيخفى عليه الحديث الذي سمعه غيره فيحصل الاختلاف.
وهذا كله لا يقدح في أقدارهم، ولا يغض من منزلتهم، فما أحد إلا وقد خفيت عليه سنة أو فاته فهم صحيح، فميراث النبوة ميراث ضخم واسع لا يحصى، وجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مشاعا؛ لينهل منه العلماء، فما فات هذا من سنة وجده آخر، وما غفل عن فهمه ذاك انقدح في ذهن هذا معناه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وبناء عليه فإن اختلاف الصحابة ومن بعدهم من التابعين لا يعد قدحا أو عيبا، وإنما هي سنة الله في الأرض، مع الأخذ في الاعتبار أن اختلافهم لم يكن يوما ما في أصول الدين، ولا في القطعيات، سواء أكانت فعلا أم تركا.
ولم يكن الخلاف في أي حالة من الحالات مطلب أحد، ولا مقصد أي فرد منهم؛ ولذلك وصفوا بأنهم كانوا وقافين عند النصوص التشريعية، مستجيبين للحق، ومستحضرين نية الوفاء.
إن الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموما، ولا يكون أداة للطعن، فاختلاف بعض المسلمين في بعض قضايا النسخ قد يكون لغياب الدليل، أو الحكم الناسخ، أو قد يترجح عند أحدهم عدم النسخ؛ لعدم ثبوت تاريخ النصوص، أو لأنه لم يطلع على أدلة المتقدمين في المسألة. كل ذلك يعد مسوغا لأن يختلف الناس في قضية ما من قضايا النسخ، فواجبنا ألا نأخذ هذا الاختلاف حجة لإثارة الشقاق والشبهات حول مسائل السنة، وإنما ينبغي مراعاة النزاهة العلمية والتحري الدقيق؛ لأن الذين اختلفوا في قضايا النسخ جردوا أنفسهم من كل عوامل الهوى. ولم يكن هدفهم إلا قصد الحق، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن النسخ في الشريعة الإسلامية بمفهومه عند الأصوليين - وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه - قليل في الشريعة الإسلامية، بل نادر، وإن كان بعضهم قد تزيد فيه وأكثر من أمثلته؛ فذلك يرجع إلى الفهم الخاطئ لمعنى النسخ ومفهومه عند المتقدمين؛ لأن النسخ عندهم يطلق ويراد به مفهوم أعم منه عند الأصوليين؛ ولذا فإن العلماء في موقفهم من الناسخ والمنسوخ يختلفون بين مقصر ومقتصد وغال، فالمقصرون هم الذين حاولوا التخلص من النسخ إطلاقا، سالكين به مسلك التأويل بالتخصيص ونحوه؛ كأبي مسلم ومن وافقه، وقد بينا الرأي في هؤلاء سابقا.
والمقتصدون هم الذين يقولون بالنسخ في حدوده المعقولة، فلم ينفوه إطلاقا كما نفاه أبو مسلم وأضرابه، ولم يتوسعوا فيه جزافا كالغالين، بل يقفون به موقف الضرورة التي يقتضيها وجود التعارض الحقيقي بين الأدلة، مع معرفة المتقدم منها والمتأخر.
والغالون هم الذين تزيدوا، فأدخلوا في النسخ ما ليس منه بناء على شبه ساقطة؛ فإنهم ألفوا كتبا في النسخ أكثروا فيها من ذكر الناسخ والمنسوخ؛ اشتباها منهم وغلطا، ومنشأ تزيدهم هذا أنهم انخدعوا بكل ما نقل عن السلف أنه منسوخ، وفاتهم أن السلف لم يكونوا يقصدون بالنسخ هذا المعنى الاصطلاحي، بل كانوا يقصدون به ما هو أعم منه مما يشمل بيان المجمل، وتقييد المطلق ونحوذلك[138].
إذن منشأ الاشتباه عند المكثرين أمور أهمها:
1. اعتبار التخصيص نسخا.
2. اعتبار البيان نسخا.
3. اعتبار ما شرع لسبب ثم زال السبب من المنسوخ؛ كالحث على الصبر وتحمل أذى الكفار في مبدأ الدعوة حين الضعف والقلة، قالوا: إنه منسوخ بآيات القتال، والحقيقة أن الأول - وهو وجوب الصبر والتحمل - كان ويكون لحالة الضعف والقلة، وإذا وجدت الكثرة والقوة وجب الدفاع عن العقيدة بالقتال، وهو الحكم الثاني.
4. اعتبار ما أبطله الإسلام من أمر الجاهلية أو من شرائع الأمم السابقة نسخا؛ كتحديد عدد الزوجات بأربع، ومشروعية القصاص والدية، وقد كان عند بني إسرائيل القصاص فقط؛ كما أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس، قال: «كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن الدية فيهم، فقال الله لهذه الأمة: )كتب عليكم القصاص في القتلى( (البقرة:178)... إلى قوله: )فمن عفي له من أخيه شيء(، فالعفو أن تقبل الدية في العمد: )فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان( يتبع المعروف ويؤدي الإحسان )ذلك تخفيف من ربكم ورحمة( مما كتب على من كان قبلكم )فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم( قتل بعد قبول الدية»[139]. ومثل هذا ليس نسخا، وإنما هو رفع للبراءة الأصلية [140].
أي أن ما يأتي من شرائع الله تعالى مذكورا في كتابه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عمن قبلنا من الأمم، فهو شرع لنا غير منسوخ، إنما المنسوخ منه ما قام في شرعنا دليل على خلافه، على قول أكثر الفقهاء؛ كالإمام مالك وجمهور أصحابه، وبعض الحنفية والشافعية، وهو الأصح عن الإمام أحمد بن حنبل[141].
والدليل عليه قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكر الأنبياء قبله )أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده( (الأنعام: 90).
وبهذا استدل ابن عباس لسجود النبي - صلى الله عليه وسلم - في سورة: (ص)؛ فعن العوام بن حوشب، قال: «سألت مجاهدا عن السجدة التي في (ص)، فقال: نعم، سألت عنها ابن عباس، فقال: أتقرأ هذه الآية )ومن ذريته داوود وسليمان( (الأنعام: 84)، وفي آخرها )فبهداهم اقتده( (الأنعام: 90)؟ قال: أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بداود»[142].
واعلم أن الذي يكون شرعا لنا من ذلك، فليس هو ما ورد في كتب أهل العلم التي بين أيديهم وأخبارهم التي يروونها، وإنما الذي جاءنا عنهم في القرآن وصحيح السنة[143]؛ وذلك لما طرأ على ما عندهم من التبديل[144].
قال الإمام الشاطبي: اعلم أن القواعد الكلية هي الموضوعة أولا، والتي نزل بها القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، ثم تبعها أشياء بالمدينة كملت بها تلك القواعد التي وضع أصلها بمكة، وكان أولها الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، ثم تبعه ما هو من الأصول العامة، كالصلاة وإنفاق المال وغير ذلك، ونهى عن كل ما هو كفر أو تابع للكفر، كالافتراءات التي افتروها من الذبح لغير الله، وللشركاء الذين ادعوهم افتراء على الله، وسائر ما حرموه على أنفسهم، أو أوجبوه من غيرأصل، مما يخدم أصل عبادة غير الله، وأمر مع ذلك بمكارم الأخلاق كلها؛ كالعدل، والإحسان، والوفاء بالعهد، وأخذ العفو، والإعراض عن الجاهل، والدفع بالتي هي أحسن، والخوف من الله وحده، والصبر، والشكر ونحوها، ونهى عن مساوئ الأخلاق من الفحشاء، والمنكر، والبغي، والقول بغير علم، والتطفيف في المكيال والميزان، والفساد في الأرض، والزنا، والقتل، والوأد، وغير ذلك مما كان سائرا في دين الجاهلية، وإنما كانت الجزئيات المشروعات بمكة قليلة، والأصول الكلية كانت في النزول والتشريع أكثر.
ثم لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، واتسعت خطة الإسلام كملت هنالك الأصول الكلية على تدريج؛ كإصلاح ذات البين، والوفاء بالعقود، وتحريم المسكرات، وتحديد الحدود التي تحفظ الأمور الضرورية وما يكملها، ويحسنها، ورفع الحرج بالتخفيفات والرخص، وما أشبه ذلك كله تكميل للأصول الكلية.
فالنسخ إنما وقع معظمه بالمدينة لما اقتضته الحكمة الإلهية في تمهيد الأحكام، وتأمل كيف تجد معظم النسخ إنما هو لما كان فيه تأنيس واستئلاف للمسلمين في بداية عهدهم بالإسلام؛ مثل كون الصلاة كانت صلاتين، ثم صارت خمسا، وكون إنفاق المال مطلقا بحسب الخيرة في الجملة، ثم صار محدودا مقدرا، وأن القبلة كانت بالمدينة بيت المقدس، ثم صارت الكعبة، وكحل نكاح المتعة، ثم تحريمه، وأن الطلاق كان إلى غير نهاية على قول طائفة، ثم صار ثلاثا، والظهار كان طلاقا، ثم صار غير طلاق، إلى غير ذلك مما كان أصل الحكم فيه باقيا على حاله قبل الإسلام، ثم أزيل، أو كان أصل مشروعيته قريبا خفيفا، ثم أحكم...
ولما تقرر أن المنزل بمكة من أحكام الشريعة هو ما كان من الأحكام الكلية والقواعد الأصولية في الدين على غالب الأمر - اقتضى ذلك أن النسخ فيها قليل؛ لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعا وإن أمكن عقلا، ويدل على ذلك الاستقراء التام، وأن الشريعة مبنية على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وجميع ذلك لم ينسخ منه شيء، بل إنما أتى بالمدينة ما يقويها ويحكمها ويحصنها، وإذا كان كذلك لم يثبت نسخ لكلي ألبتة، ومن استقرأ كتب الناسخ والمنسوخ تحقق هذا المعنى، فإنما يكون النسخ في الجزئيات منها، والجزئيات المكية قليلة...
وإلى هذا فإن الاستقراء يبين أن الجزئيات الفرعية التي وقع فيها الناسخ والمنسوخ بالنسبة إلى ما بقي محكما قليلة...
ووجه آخر وهو أن الأحكام إذا ثبتت على المكلف، فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق؛ لأن ثبوتها على المكلف أولا محقق؛ فرفعها بعد العلم بثبوتها، لا يكون إلا بمعلوم محقق... وغالب ما ادعي فيه النسخ إذا تؤمل وجدته متنازعا فيه، ومحتملا، وقريبا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني بيانا لمجمل، أو تخصيصا لعموم، أو تقييدا لمطلق، وما أشبه ذلك من وجوه الجمع مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني، وقد أسقط ابن العربي من الناسخ والمنسوخ كثيرا بهذه الطريقة.
ووجه رابع يدل على قلة النسخ وندرته، وذلك أن تحريم ما هو مباح بحكم الأصل ليس بنسخ عند الأصوليين كالخمر والربا، فإن تحريمهما بعد ما كانا على حكم الأصل لا يعد نسخا لحكم الإباحة الأصلية؛ ولذلك قالوا في حد النسخ: إنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر، ومثله رفع براءة الذمة بدليل، وقد كانوا في الصلاة يكلم بعضهم بعضا إلى أن نزل )وقوموا لله قانتين( (البقرة: 238)، وروي أنهم كانوا يلتفتون في الصلاة إلى أن نزل: )الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)( (المؤمنون). قالوا: وهذا إنما نسخ أمرا كانوا عليه، وأكثر القرآن على ذلك، معنى هذا: أنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم الأصل من الإباحة فهو مما لا يعد نسخا، وهكذا كل ما أبطله الشرع من أحكام الجاهلية، فإذا اجتمعت هذه الأمور، ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسنة لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر.
على أن ههنا معنى يجب التنبه له؛ ليفهم اصطلاح القوم في النسخ، وهي أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين؛ فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخرا، فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به[145].
الخلاصة:
· النسخ هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ عنه، فمعناه: هو الرفع والإزالة إلى بدل أو إلى غير بدل بمعنى واحد، وهو بهذا التعريف يخرج عن معنى البداء الذي يعني ظهور الشيء بعد خفائه؛ لأن البداء مستحيل على الله عز وجل.
· إن منشأ الخلط بين النسخ والبداء أن النسخ يتضمن الأمر بما نهي عنه، أو النهي عما أمر به، فالأمر بعد النهي لظهور مصلحة كانت خفية، والنهي بعد الأمر لظهور ما كان قد خفي من المفسدة، فمن ظن ذلك قال: إن النسخ هو عين البداء.
· إن إزالة اللبس بين المعنيين - النسخ والبداء - تكون بتيقن انتفاء العلم بعد الجهل واستحالته على الله؛ فالله متصف بالعلم الأزلي المحيط بكل شيء، ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؟ من أجل ذلك فالله - عز وجل - تنزه عن البداء؛ لأنه ينافي إحاطته بكل شيء، ولم ينزه عن النسخ؛ لأن النسخ لا يعدو أن يكون بيانا لمدة الحكم الأول على نحو ماسبق في علم الله، وإن كان رفعا لهذا الحكم بالنسبة لنا.
· إن الله - عز وجل - حين يشرع لقوم من خلقه شرعا فإنه يعلم أزلا ما سيبقى من هذا الشرع وما سينسخ؛ فلذلك لم يقتصر النسخ على شريعة الإسلام، وإنما وقع أيضا في الشرائع السابقة على شريعة الإسلام.
· نقل لنا شرعنا الحنيف أن كثيرا من الأحكام في الشرائع السابقة نسخت بأحكام أخرى؛ كتحريم الاصطياد يوم السبت عند اليهود، وقد كان حلالا عند من سبقهم، ثم نسخ في شريعة عيسى - عليه السلام - وكذلك أمر الله بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد العجل، ثم رفع هذا الحكم تخفيفا ورحمة بهم، وهذه الأحكام وغيرها من الأحكام الكثيرة، وقد ذكرها لنا القرآن.
· الشرائع السماوية السابقة على الإسلام نسخت أحكامها الفرعية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان بشريعة الإسلام؛ لأن القرآن هو الدستور الإلهي الأخير، جاء معدلا للدساتير السابقة، فألغى منها ما كان قابلا للإلغاء، وأقر منها ما كان غير قابل له؛ كالأحكام الاعتقادية، وآيات الأحكام التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، وأصبحت تلك الأحكام الباقية جزءا من شريعة الإسلام.
· النسخ لا يترتب على فرض وقوعه محال؛ لأن أحكام الله إنما تشرع لمصالح العباد، بالإضافة إلى أن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء، فلا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فدل ذلك على جواز النسخ من ناحية العقل.
· هناك نصوص قرآنية دلت على وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية؛ مثل قوله تعالى: )ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها( (البقرة: ١٠٦)، ومثل قوله تعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101)( (النحل)، وكذلك وجدت وقائع من السنة دلت على وقوع النسخ شرعا. وهذا ما اتفق عليه أهل الإسلام قاطبة؛ خلافا لما ذكر عن أبي مسلم الأصفهاني - أحد المتأخرين - في أحد النقلين عنه.
· النسخ في الشريعة الإسلامية جائز دورانه بين الكتاب والسنة، فالجمهور على جواز نسخ القرآن بالسنة، ونسخ السنة بالقرآن.
· أما نسخ القرآن وما تواتر من السنة بالآحاد فقد وقع الاختلاف في الجواز والوقوع، أما الجواز عقلا فقال به الكثيرون، فلا يستحيل عقلا نسخ الكتاب بخبر الواحد بلا خلاف، وإنما الخلاف في جوازه شرعا، وقد جاءت السنة الصحيحة بقبول خبر الواحد العدل في إثبات النسخ؛ كما في حديث تحويل القبلة، لما أخبر المصلون بخبر تحويل القبلة، فنسخ عندهم تواتر الصلاة إلى الشام، بخبر آحاد الناس أن القبلة حولت إلى الكعبة.
· تشريع الأحكام إنما هو لرعاية مصلحة المكلفين، ووقوع النسخ دليل على حكمة الله في تحقيق مصالح العباد برفع الحرج عنهم، والأخذ بأيديهم لما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
· إن ثبوت النسخ خاضع لشروط وضوابط صارمة لابد أن تتحقق لدى العالم المتخصص حتى يقول: هذا منسوخ وهذا ناسخ، من خلال الطرق المعرفة بالناسخ والمنسوخ.
· غياب بعض القرائن التي تدل على النسخ عند بعض العلماء أوجب وقوع الاختلاف في بعض القضايا الجزئية في النسخ، بالإضافة إلى وجود بعض اختلافات الصحابة؛ لغياب الحديث الناسخ عن بعضهم، وكل هذا لا يقدح في هؤلاء الأئمة، ولا في ثبوت النسخ ومصداقيته.
· الأمة متعبدة بجميع نصوص الكتاب والسنة الثابتة، إلا ما ثبت نسخه، ولا يجوز التوقف عن العمل بنص خوفا أن يكون منسوخا؛ لأن الأصل فرض العمل بجميع ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم )اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم( (الأعراف: 3)، وهذا يقين لا يحل تركه إلا بيقين مثله، ومن عمل بالمنسوخ وترك الناسخ وهو لا يعلم، فلا حرج عليه إذ )لا يكلف الله نفسا إلا وسعها( (البقرة: 286)، وإنما يلزمه التحول إلى العمل بالناسخ ساعة علمه، كما وقع لأهل قباء حين نسخت القبلة.
(*) لا نسخ في السنة، عبد المتعال الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م.
[1]. البداء: الظهور بعد الخفاء، أو العلم بعد الجهل.
[2]. نسخ القرآن للسنة، ونسخ السنة ـ متواترها وآحادها ـ للقرآن.
[3]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 61).
[4]. معجم العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مادة "نسخ".
[5]. لسان العرب، ابن منظور، مادة "نسخ".
[6]. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، أبو بكر الحازمي، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص22.
[7]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 626).
[8]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 68).
[9]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص73 بتصرف.
[10]. الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1418هـ/ 1997م، (3/ 666). إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بيروت، (1/ 35).
[11]. إرشاد الفحول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص184.
[12]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 102).
[13]. انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص184.
[14]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 116).
[15]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 631: 633) بتصرف.
[16]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 25).
[17]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 941).
[18]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 942).
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المناقب، باب: خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، (6/ 645)، رقم (3534).
[20]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص5، 6.
[21]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص43.
[22]. انظر: النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 24) بتصرف.
[23]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 42) بتصرف.
[24]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 43).
[25]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 50).
[26]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 53).
[27]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (7/ 132).
[28]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص66 بتصرف.
[29]. الدين، محمد عبد الله دراز، ص184، نقلا عن: نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص67.
[30]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص67.
[31]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 56).
[32]. التبيان لرفع غموض النسخ في القرآن، مصطفى إبراهيم الزلمي، دار الأوائل للطباعة والنشر، الأردن، ط1، 2006م، ص10.
[33]. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص185.
[34]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص24.
[35]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 637).
[36]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 948).
[37]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص25.
[38]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 948) بتصرف.
[39]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 949) بتصرف.
[40]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 636).
[41]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 149، 150) بتصرف.
[42]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 151).
[43]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 61).
[44]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص205.
[45]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (2/ 741).
[46]. دراسات حول القرآن والسنة، شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص489.
[47]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص205.
[48]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (1/ 659).
[49]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص206.
[50]. مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، عند تفسير هذه الآية.
[51]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (10/ 176).
[52]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (17/ 297).
[53]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (14/ 281، 282) بتصرف.
[54]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (17/ 297) بتصرف.
[55]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 242: 244) بتصرف.
[56]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 154).
[57]. نواسخ القرآن، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ، (1/ 17).
[58]. الناسخ والمنسوخ، النحاس، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1408هـ، ص40.
[59]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص210، 211 بتصرف.
[60]. أحد علماء التفسير في القرن الرابع الهجري المتوفى سنة 322هـ. وقد اختلفت النقول عنه في ذلك.
[61]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 952).
[62]. انظر على سبيل المثال: أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 953). مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 164). النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 294).
[63]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 187).
[64]. انظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 662).
[65]. انظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 668). نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص98. دراسات حول القرآن والسنة، شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 497.
[66]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 187).
[67]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 972).
[68]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 671). نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص101. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 187).
[69]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفرائض، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة"، (12/ 6)، رقم (6726). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة"، (7/ 2746)، رقم (4498).
[70]. انظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 671). دراسات حول القرآن والسنة، شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص504، 505. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 189).
[71]. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص190.
[72]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة، (1/ 603)، رقم (403). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة، (3/ 1091)، رقم (1158).
[73]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص226.
[74]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 197).
[75]. مذكرة أصول الفقه، محمد الأمين الشنقيطي، ص86، نقلا عن: خبر الواحد وحجيته، أحمد عبد الوهاب الشنقيطي، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط2، 1422هـ، ص129.
[76]. المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، د. ت، ص186.
[77]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، دارالكتب العلمية، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (1/ 518).
[78]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 663).
[79]. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي، مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410هـ، (6/ 280).
[80]. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي، مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410هـ، (6/ 280).
[81]. النسخ بالسنة النبوية، عبد الكريم عبد الرزاق الخطيب، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، رقم (1285)، 1421هـ/ 2000م، ص132.
[82]. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص190.
[83]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص237.
[84]. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص192.
[85]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، ص193.
[86]. انظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 666).
[87]. انظر: الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص108: 112.
[88]. دراسات حول القرآن والسنة، شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص510: 511. وانظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 667).
[89]. دراسات حول القرآن والسنة، شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص514.
[90]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 195).
[91]. انظر: الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 664). أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م،
(2/ 967).
[92] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان، (1/ 598)، رقم (399).
[93]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 968).
[94]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، (2/ 901)، رقم (761).
[95]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 936).
[96]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 154).
[97]. الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1421هـ/ 2000م، (3/ 637).
[98]. نظرية النسخ في الشرائع السماوية، شعبان محمد إسماعيل، دار السلام، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص19، 20.
[99]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 938).
[100]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص213.
[101]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 939).
[102]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص215.
[103]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطلاق، باب: تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، (9/ 394)، رقم (5336). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، (6/ 2332)، رقم (1488).
[104]. الحفش: البيت الصغير الضيق الذليل.
[105]. فسره الإمام مالك في شرحه للحديث؛ حيث سئل: ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها.
[106]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطلاق، باب: مراجعة الحائض، (9/ 394)، رقم (5337). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، (6/ 2332)، رقم (1489).
[107]. انظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص215: 215.
[108]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص106.
[109]. انظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص217.
[110]. النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، (1/ 186).
[111]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، دارالكتب العلمية، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 497).
[112]. الناسخ والمنسوخ، النحاس، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1408هـ، (1/ 355).
[113]. نواسخ القرآن، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ، ص52.
[114]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص219.
[115]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: عبد الله التركي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 1992م، (1/ 221).
[116]. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، أبو بكر الحازمي، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص24.
[117]. انظر: المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، تحقيق: د. محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417هـ/ 1997م، (1/ 231).
[118]. النسخ بالسنة النبوية، عبد الكريم عبد الرزاق الخطيب، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ص18.
[119]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 955).
[120]. المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، تحقيق: د. محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417هـ/ 1997م، (1/ 231).
[121]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: لا يتحرى الصلاة قبل طلوع الشمس، (2/ 731)، رقم (588). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافر وقصرها، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، (4/ 1417)، رقم (1889).
[122]. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، أبو بكر الحازمي، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص24.
[123]. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، أبو بكر الحازمي، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص24.
[124]. أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1417هـ/ 1996م، (2/ 957).
[125]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص255.
[126]. صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390هـ/ 1970م، (3/ 55).
[127]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة، (1/ 603)، رقم (403). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة، (3/ 1091)، رقم (1158).
[128]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص227.
[129]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص227.
[130]. الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1418هـ/ 1997م، (3/ 671).
[131]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: استئذان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه ـ عز وجل ـ في زيارة قبر أمه، (4/ 1570)، رقم (2224).
[132]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنا، (6/ 2629)، رقم (2224).
[133]. انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط1، 1356هـ/ 1937م، ص197. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، أبو بكر الحازمي، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص25.
[134]. الناسخ والمنسوخ، النحاس، مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 1408هـ، ص355.
[135]. كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، علاء الدين البخاري، تحقيق: عبد الله محمود عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ/ 1997م، (3/ 370).
[136]. انظر: الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، ولي الله الدهلوي، دار النفائس، بيروت، ط2، 1404هـ، ص22.
[137]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحيض، باب: حكم ضفائر المغتسلة، (2/ 878)، رقم (731).
[138]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1417هـ/ 1996م، (2/ 201).
[139]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيـف من ربكـم ورحمـة فمـن اعتـدى بعـد ذلك فلـه عـذاب أليـم (178) (، (8/ 25)، رقم (4498).
[140]. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/ 2004م، ص234، 235.
[141]. المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، د. ت، ص174.
[142]. صحيـح البخـاري (بشـرح فتـح البـاري)، كتـاب: التفسيـر، بـاب: سـورة ص، (8/ 405)، رقم (4807).
[143]. إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد الباجي، ص330، 331.
[144]. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1423هـ/ 2006م، ص250، 251.
[145]. الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1418هـ/ 1997م، (3/ 663: 666) بتصرف.
husband cheat
online online affair
read here
website why women cheat on men
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband