الطعن في عدالة الصحابي بدعوى عدم حجية قوله(*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في عدالة الصحابة مدعين أن أقوالهم ليست بحجة. ويستدلون على ذلك بأن طائفة كبيرة من العلماء ينفون الحجية عن قول الصحابي. ويتساءلون: إذا كان قول الصحابي ومذهبه لم ينل منزلة الحجية فكيف يتصفون بالعدالة إذن؟! رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الصحابة الذين حملوا السنة إلينا، ومن ثم الطعن في السنة النبوية.
وجه إبطال الشبهة:
· الخلاف بين العلماء في حجية قول الصحابي إذا انفرد، ولم يكن مستنده النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان مستنده الاجتهاد - خلاف سائغ، وإن كان الراجح حجية قول الصحابي، لكن كلا الفريقين مجمع على عدالة الصحابة، فنفي حجية قول الصحابي لا يعني الطعن في عدالته، والعدول من الأمة بعد الصحابة لم يقل أحد بحجية قولهم.
التفصيل:
في البداية نود الإشارة إلى أن عدالة الصحابة لا تتوقف على حجية أقوالهم أو عدمها، إذ إن عدالتهم - رضي الله عنهم - ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع الأمة سلفا وخلفا، سواء منهم من قال بحجية قول الصحابي، أو من قال بعدم حجية قوله، بدليل أن العدول من الأمة بعد الصحابة لم يقل أحد بحجية أقوالهم، حتى الأئمة الأربعة الذين اجتمعت الأمة على تعديلهم وتوثيقهم في الإيمان والدين والعلم والورع؛ ليست أقوالهم ومذاهبهم بحجة على الإطلاق بالاتفاق والإجماع، وإلا لما ساغ لأحد مخالفة مذهب أحدهم أو قوله، وهذا ما لم يقل به أحد من الأمة.
ثم إن بيان القول في حجية قول الصحابي يتضح من خلال ثلاثة أوجه، نسوقها من خلال ما يأتي:
أولا. أدلة النافين لحجية قول الصحابي والإجابة عنها:
لقد استدل من يرى عدم حجية قول الصحابي بأدلة مختلفة، هي:
1. من الكتاب:
· قوله سبحانه وتعالى: )فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول( (النساء: ٥٩)، فالعمل بقول الصحابي ليس ردا إلى الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكون مخالفا لأمر الله تعالى.
ويجاب عنه: أن الرد إلى الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب عند الإمكان؛ بأن يوجد نص من الكتاب أو السنة، ونحن لا نقول بتقديم قول الصحابي عليهما.
فنقول: قصارى ما تدل عليه الآية الكريمة اتباع النص عند وجوده، فإن لم نجده اتبعنا الأدلة الأخرى، ومنها قول الصحابي، ثم إنه يلزم على استدلالكم إبطال الحجج الأخرى كالقياس، ولا تقولون بذلك.
· قوله سبحانه وتعالى: )فاعتبروا يا أولي الأبصار( (الحشر: 2)، فأمر بالاعتبار وهو الاجتهاد، وتقليد الصحابي مخالف لهذا النص.
ويجاب عنه بأن الآية إنما دلت على بعض مصادر التشريع، ولا تدل على نفي ما سواها، وإلا لزم رد خبر الآحاد واللجوء إلى الاجتهاد، ولا قائل بذلك.
ثم إن الآية دلت على مشروعية الاجتهاد، ولم تدل على ترتيبه، هل يقدم على قول الصحابي، أم يؤخر عنه، ثم هو معارض بالأدلة الأخرى على حجية قول الصحابي.
2. من أقوال الصحابة:
واستدل النافون لحجية قول الصحابي أيضا بأن الصحابة - رضي الله عنهم - نقل عنهم ما يخالف لزوم الاحتجاج بأقوالهم، وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
· كتاب عمر لشريح، حيث أمره أن يقضي بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم برأيه، ولم يقل له: اقض بقولي.
الجواب عن ذلك: أن المنقول من كتاب عمر لشريح رضي الله عنهما عكس ذلك، وهذا نصه: «... فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك، والسلام عليكم»([1]).
فقد أمره بعد الكتاب والسنة أن يقضي بما قضى به الصالحون، ولا يشترط أن يقول له: اقض بقولي؛ لأن قوله قول أحد الصالحين الذين نص عليهم، والصحابة أولى الناس بلقب الصالحين الذين تتبع أقوالهم.
ثم قال له عمر - رضي الله عنه - بعد ذلك: «فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك»؛ أي: التأخر عن الاجتهاد.
· ومن أدلة النافين لحجية قول الصحابة إقرار الصحابة للتابعين على مخالفتهم، كمخالفة شريح لعلي - رضي الله عنه - في شهادة الابن لأبيه؛ إذ رد شريح شهادة الحسن لعلي رضي الله عنهم. وكذا مخالفة مسروق لابن عباس رضي الله عنهما فيمن نذر ذبح ولده؛ حيث قال ابن عباس: عليه بدنة، وقال مسروق: شاة.
الجواب عن ذلك: أن شريحا لعله اتبع قول صحابي آخر غير علي، ومعلوم أنه إذا اختلف الصحابة فليس قول أحدهم حجة، بل يرجح رأي أحدهم بدليل.
أما ما روي عن مسروق، فقد قال الدكتور عبد الملك السعدي عنه: "فيه نظر؛ لأن ما ورد عن مسروق أنه لا وفاء على من نذر فعل معصية ولا كفارة" ونسب ذلك إلى المغني([2]). وعليه، فلا دليل لهؤلاء النافين يثبت ما ذهبوا إليه.
3. من المعقول:
· ومن الأدلة العقلية التي أوردها النافون لحجية قول الصحابي أن الصحابة - رضي الله عنهم - اختلفوا، فلا يمكن اعتبار قول أحدهم حجة على الآخر وإلا لزم التناقض، ثم إن إقرارهم للخلاف بينهم يدل على جواز مخالفتهم.
الجواب عن ذلك: أن هذا خارج محل النزاع، فلا خلاف أن قول الصحابي ليس حجة على صحابي آخر.
وقيل: إن اجتهاد الصحابي يجوز فيه الخطأ، فلا يلزم مجتهدا آخر كغير الصحابي.
ويجاب عن ذلك: إنه لا يلزم من عدم إلزام مجتهد بقول مجتهد مثله عدم إلزامه بقول الأعلى منه.
والخلاصة أنا نقسم المتعبدين ثلاث طبقات:
o الصحابة.
o المجتهدين من غيرهم.
o العوام.
فيجب على العوام تقليد من فوقهم من مجتهدي الصحابة وغيرهم، وهذا محل اتفاق، فيقاس عليه تقليد المجتهد من غير الصحابة للصحابة رضي الله عنهم.
وقيل: إن الصحابة اختلفوا، فلو كان قولهم حجة لكانت حجج الله متناقضة.
الجواب عن ذلك: أنه ليس حجة بذاته؛ لأنه مظنة حكم الله من فهم في الكتاب أو سنة سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فعند الاختلاف يجب الترجيح والأخذ بالأرجح، فإن لم يمكن فالتخيير أو الوقف.
وهو في ذلك كأخبار الآحاد المتعارضة، فيجب اتباع الأرجح منها؛ لأنه مظنة حكم الله، ويحمل المخالف على خطأ الرواة.
وقيل: ما يجوز عليه الخطأ لا يقدم على القياس، كقول التابعين.
وجوابه: النقض بخبر الآحاد، فهو يجوز عليه الخطأ، ويقدم على القياس.
وقيل: إن القادر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد.
وجوابه: أنه يكون تقليدا لو لم يكن حجة، وستأتي الأدلة لبيان أنه حجة.
وقيل: من لم تثبت عصمته فلا حجة في قوله.
والجواب عن ذلك: أنه لا يشترط العصمة، بدليل الاحتجاج بخبر الواحد، والراوي ليس معصوما من الخطأ أو الكذب.
فإن قيل: الحجة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في قول الراوي؛ قلنا: إنا لم نسمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما اعتمدنا على نقل راو غير معصوم، وبنينا الأحكام على ذلك([3]).
هذه هي الأدلة التي اعتمد عليها النافون لحجية قول الصحابي، وبعد أن سقناها وبينا أوجه القصور فيها، نجد أن قول الصحابي حجة يجب العمل به، وذلك هو الراجح للأدلة التي توجب ذلك، وسوف نبينها فيما يأتي:
ثانيا. الأدلة على حجية قول الصحابي:
إن الأدلة على حجية قول الصحابي كثيرة ومتنوعة، منها ما هو في كتاب الله العزيز، ومنها ما هو في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها ما هو أقوال للصحابة الكرام تبين مكانة رأيهم وسلامة نظرهم، وهذا بعض منها:
1. من الكتاب:
· قوله سبحانه وتعالى: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)( (التوبة).
فوجه الدلالة أن الله - عز وجل - أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبعهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان، ولو كان اتباعهم تقليدا محضا كتقليد بعض المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان، إلا أن يكون عاميا([4]).
· قوله سبحانه وتعالى: )اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون (21)( (يس)، فهذا قصه الله - سبحانه وتعالى - عن صاحب (يس) على سبيل الرضا بهذه المقالة والثناء على قائلها والإقرار له عليها، وكل واحد من الصحابة لم يسألنا أجرا وهم مهتدون.
والأدلة على أنهم مهتدون كثيرة منها:
o قوله - سبحانه وتعالى - مخاطبا إياهم: )وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103)( (آل عمران)، و(لعل) من الله - عز وجل - تفيد التحقيق.
o وقوله سبحانه وتعالى: )ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (16) والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم (17)( (محمد).
o وقوله سبحانه وتعالى: )والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4)( (محمد).
o قوله سبحانه وتعالى: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( (آل عمران: ١١٠)، فقد شهد الله لهم بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر؛ إذ الصواب معروف بلا شك، والخطأ منكر من بعض الوجوه، ولولا ذلك لما صح التمسك بهذه الآية على كون الإجماع حجة، وإذا كان هذا باطلا علم أن خطأ من يعلم منهم في العلم إذا لم يخالفه غيره ممتنع، وذلك يقتضي أن قوله حجة([5]).
o قوله سبحانه وتعالى: )واتبع سبيل من أناب إلي( (لقمان: 15)، وكل من الصحابة منيب إلى الله، فيجب اتباع سبيله، وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله، والدليل على أنهم منيبون إلى الله تعالى أن الله تعالى قد هداهم، وقد قال: )ويهدي إليه من أناب (27)( (الرعد).
o قوله سبحانه وتعالى: )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108)( (يوسف)، فأخبر تعالى أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه؛ لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن الذين استمعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ القرآن: )يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31)( (الأحقاف)، ولأن من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالـما به، والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله؛ لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى، وطالما أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد اتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيجب اتباعهم طالما أنهم يدعون إلى الله عز وجل([6]).
2. من السنة:
· «ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من وجوه متعددة، أنه قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم...»([7])، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خير القرون قرنه مطلقا، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيرا من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقا، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم، وسائرهم لم يفتوا بالصواب، وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطئوا هم، لزم أن يكون ذلك القرن خيرا منهم من ذلك الوجه؛ لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن، ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة؛ لأن من يقول: قول الصحابي ليس بحجة، يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قولا ولم يخالفه صحابي آخر، وفات هذا الصواب الصحابة، ومعلوم أن هذا يأتي في مسائل كثيرة تفوق العد والإحصاء، فكيف يكونون خيرا ممن بعدهم، وقد امتاز القرن الذي بعدهم بالصواب فيما يفوق العد والإحصاء مما أخطئوا فيه؟! ومعلوم أن فضيلة العلم ومعرفة الصواب أكمل الفضائل وأشرفها"([8]).
· "ما روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي موسى الأشعري، قال: «صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم ههنا؟ فقلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: أحسنتم وأصبتم. ورفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»([9]).
ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه، وكنسبة النجوم إلى السماء، ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم.
وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزا من الشر وأسبابه، فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به، ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزا لهم وهذا محال"([10]).
· ما روى البخاري في صحيحه من حديث الأعمش قال: سمعت أبا صالح يحدث عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»([11]).
"وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولأقرانه من مسلمة الحديبية والفتح، فإذا كان مد أحد أصحابه أو نصيفه أفضل عند الله من مثل أحد ذهبا من مثل خالد وأضرابه من أصحابه، فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصواب في الفتاوى ويظفر به من بعدهم؟! هذا من أبين المحال"([12]).
· ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة قال: «فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا»([13])؛ أي: الناس. "فجعل الرشد معلقا بطاعتهما، فلو أفتوا بالخطأ في حكم وأصابه من بعدهم لكان الرشد في خلافهما"([14]).
3. من الآثار السلفية:
لقد نقلت عن أئمة السلف من الصحابة وتابعيهم نقول قولية وعملية كثيرة، دالة على تعظيم الصحابة، وتعظيم أقوالهم وأفعالهم وسيرهم، وتحض في الوقت نفسه على اقتفاء جميع ما أثر عنهم، مثل:
· ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لطلحة بن عبيد الله حينما رآه لابسا ثوبا مصبوغا وهو محرم: «إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس»([15]).
· قول علي رضي الله عنه: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر»([16]). "ومن المحال أن يكون من بعده من المتأخرين أسعد بالصواب منه في أحكام الله تعالى"([17]).
· قول ابن مسعود: "من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"([18]). "ومن المحال أن يحرم الله أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا الصواب في أحكامه، ويوفق له من جاء بعدهم"([19]).
· قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «يا معشر القراء، استقيموا؛ فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا»([20]). "ومن المحال أن يكون الصواب في غير طريق من سبق إلى كل خير على الإطلاق"([21]).
· قول شريح: "إنما أقتفي الأثر، فما وجدت في الأثر حدثتكم به"([22]).
· قول إبراهيم النخعي: "لو أن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يمسحوا إلا على ظفر ما غسلته؛ التماس الفضل في اتباعهم"([23]).
· قول الأوزاعي: "عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي، وأنت منه على طريق مستقيم"([24]).
· قول الشعبي: "ما حدثوك عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ به، وما قالوا برأيهم فبل عليه"([25]).
وقد حكى العلائي إجماع التابعين على الاحتجاج بقول الصحابي، ومن أمعن النظر في كتب الآثار وجد التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابي فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع.
فكيف يكون أحد من الأمة بعدهم أولى بالصواب منهم في شيء من الأشياء؟ هذا عين المـحال([26]).
قال الشاطبي في الموافقات: "إن السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة، ويتكثرون بموافقتهم، وأكثر ما تجد هذا المعنى في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قووها بذكر من ذهب إليها من الصحابة، وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم، وقوة مآخذهم دون غيرهم، وكبر شأنهم في الشريعة، وأنهم مما تجب متابعتهم وتقليدهم، فضلا عن النظر معهم فيما نظروا فيه"([27]).
4. المعقول:
ويوضح لنا الإمام ابن القيم أدلة حجية قول الصحابي من الناحية العقلية في النقاط الآتية:
· إن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا اختلاف بين الصحابة - رضي الله عنهم - وإنما قال بعضهم فيها قولا وأفتى بفتيا، ولم يعلم أن قوله وفتياه اشتهر في الباقين، ولا أنهم خالفوه، وحينئذ فنقول: من تأمل المسائل الفقهية والحوادث الفرعية علم قطعا أن منها ما قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يوثق فيها بظاهر مراد، أو قياس صحيح ينشرح له الصدر، ويثلج له الفؤاد، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجه يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظن رجحان بين، لا سيما إذا اختلف الفقهاء، فإن عقولهم من أكمل العقول وأوفرها، فإذا ترددوا وتوقفوا، ولم يتقدموا ولم يتأخروا، لم يكن ذلك في المسألة طريقة واضحة ولا حجة لائحة، فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم كنسبتهم إليهم في الفضل والدين، كان الظن والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم والحق في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم هو الرأي السديد الذي لا رأي سواه.
وإذا كان المطلوب في الحادثة إنما هو ظن راجح، ولو استند إلى استصحاب أو قياس علة أو دلالة أو شبه، أو عموم مخصوص أو محفوظ مطلق أو وارد على سبب، فلا شك أن الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي الذي لم يخالف أرجح من كثير من الظنون المستندة إلى هذه الأمور أو أكثرها، وحصول الظن الغالب في القلب ضروري كحصول الأمور الوجدانية، ولا يخفى على العالم أمثلة ذلك.
· إن الصحابي إذا قال قولا، أو حكم بحكم أو أفتى بفتيا فله مدارك ينفرد بها عنا، ومدارك نشاركه فيها، فأما ما يختص به، فيجوز أن يكون سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاها، أو من صحابي آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن ما انفردوا به من العلم عنه أكثر من أن يحاط به فلم يرو كل منهم كل ما سمع، وأين ما سمعه الصديق ــ رضي الله عنه - والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة إلى ما رووه؟ فلم يرو عنه صديق الأمة مائة حديث، وهو لم يغب عن النبي في شيء من مشاهده، بل صحبه من حين بعث - بل قبل البعث - إلى أن توفي، وكان أعلم الأمة به - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله وهديه وسيرته، وكذلك جل الصحابة روايتهم قليلة جدا بالنسبة إلى ما سمعوه من نبيهم وشاهدوه، ولو رووا كل ما سمعوه وشاهدوه لزاد على رواية أبي هريرة أضعافا مضاعفة؛ فإنه إنما صحبه نحو أربع سنين، وقد روى عنه كثيرا من الأحاديث.
فقول القائل: "لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره" قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم، فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعظمونها ويقللونها؛ خوف الزيادة والنقص، ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارا ولا يصرحون بالسماع، ولا يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم لا تخرج عن ستة أوجه، هي:
· أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
· أن يكون سمعها ممن سمعها منه.
· أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهما خفي علينا.
· أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.
· أن يكون لكمال علمه باللغة، ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد عنا، أو لقرائن عالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته، وسماع كلامه، والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي، ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فهم ما لا نفهمه نحن.
وعلى أحد هذه الاحتمالات الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.
· أن يكون فهم ما لم يرده الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه، وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة.
ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين، هذا ما لم يشك فيه عاقل، وذلك يفيد ظنا غالبا قويا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين، ويكفي العارف هذا الوجه"([28]).
ثالثا. مذهب العلماء وأئمة السلف في حجية قول الصحابي:
إذا تتبعنا أقوال السلف وعلماء الأمة الأوائل ومذاهبهم نجدهم يتفقون على قبول قول الصحابي، وإليك بيان ذلك:
· قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله، والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه، آخذ قول من شئت وأدع قول من شئت، ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا([29]). وقال أيضا: ما بلغني عن صحابي أنه أفتى به، فأقلده ولا أستجيز خلافه.
وعن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن أصحابه لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم([30]).
وجمهور الحنفية على قول إمامهم في ذلك.
· وأما الإمام مالك رحمه الله فتصرفه في موطئه دليل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة.
قال العلامة الفقيه حسن بن محمد المشاط المالكي: وهذا هو المشهور عن مالك([31]).
· وأما الإمام الشافعي، فمنصوص قوله قديما وحديثا هو أن قول الصحابي حجة؛ فقد قال رحمه الله في كتابه "الأم" - وهو من الكتب الجديدة: "ما كان الكتاب والسنة موجودين، فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو واحد منهم، ثم كان قول الأئمة: أبي بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة؛ لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس، ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه أو يدعها، وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام.
وقد وجدنا الأئمة يبتدئون، فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه، ويقولون، فيخبرون بخلاف قولهم، فيقبلون من المخبر، ولا يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم، فإذا لم يوجد عن الأئمة، فأصحاب رسول الله من الدين في موضع الإمامة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم"([32]).
قال ابن القيم: هذا كله كلامه في الجديد([33]).
قال البيهقي: وفي الرسالة القديمة للشافعي بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم قال: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك فيه علم أو استنبط، وآراؤهم لنا أجمل وأولى بنا من رأينا، ومن أدركنا ممن نرضى، أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وكذا نقول ولم نخرج من أقوالهم كلهم([34]).
قال ابن القيم: ونحن نشهد بالله أنه لم يرجع عنه؛ بل كلامه في الجديد مطابق لهذا موافق له([35]).
· وأما الإمام أحمد، فهو من القائلين بحجية قول الصحابي؛ وذلك أنه رحمه الله قد جعل الاعتماد على قول الصحابي هو الأصل الثاني من أصول مذهبه، بل إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله: قلت لأبي عبد الله: حديث مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - برجال ثبت أحب إليك، أم حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟
قال أبو عبد الله: عن الصحابة أحب إلي([36]).
مما سبق يتبين أن السلف وعلماء الأمة الأوائل على القول بحجية قول الصحابي، ولم يشذ عنهم أحد، ولا خلاف بين العلماء في أن مذهب الصحابي ليس حجة على صحابي آخر، إماما كان أو حاكما أو مفتيا، وكذا ليس بحجة إذا ثبت رجوعه عن ذلك القول، أو خالفه غيره من الصحابة، فليس قول أحدهم حجة بغير مرجع.
ومن ثم، فإن إجماع الصحابة حجة يجب العمل به ويقدم على القياس.
أما إذا اشتهر قول صحابي أو جمع من الصحابة، ولم ترد مخالفة غيرهم من الصحابة فهو من الإجماع السكوتي، واختلف في كونه إجماعا، أو أنه حجة ملزمة للمجتهد.
فموطن النزاع فيما إذا ورد عن صحابي قول في حادثة شرعية لم تحتمل الاشتهار بين الصحابة - مما لا تعم به البلوى - ولم يرد عن غيره من الصحابة خلاف هذا القول، فهل يعد هذا القول حجة على المجتهد من غير الصحابة أو لا"؟([37])
إن الصحابي إذا قال قولا فلا يخلو من:
· أن يشتهر قوله ويوافقه سائر الصحابة على ذلك.
· أو يخالفوه.
· أو لا يشتهر، أو لا يعلم اشتهر أو لم يشتهر.
فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابة فهو إجماع، وإن اشتهر فخالفوه فالحجة مع من سعد بالدليل، والحجة حينئذ في الدليل لا في كونه قول صحابي، وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أو لا فهذا هو موطن النزاع، والذي عليه العلماء السابقون والأئمة المتبعون: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - رحمهم الله - وجمهور أصحابهم - أنه حجة.
ومما سبق يتبين أن قول الصحابي - على الراجح - حجة واجبة، وثابتة بالقرآن والسنة وأقوال السلف، كما أن العقل لا يخالف ذلك ولا يعارضه، وهذا يعني أنه لا وجه لنفي عدالتهم رضي الله عنهم.
الخلاصة:
· عدالة الصحابة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة سلفا وخلفا، سواء منهم من قال بحجية قول الصحابي، أو من قال بعدم حجية قوله؛ لأن العدالة لا يشترط فيها أن يكون قول العدل حجة بدليل أن العدول من الأمة بعد الصحابة لم يقل أحد بحجية أقوالهم أو مذاهبهم، حتى الأئمة الأربعة الذين اجتمعت الأمة على توثيقهم وتعديلهم في الإيمان والدين والعلم والورع - ليست أقوالهم ومذاهبهم بحجة على الإطلاق بالاتفاق والإجماع، وإلا لما ساغ لأحد مخالفة مذهب أحدهم أو قوله، وهذا ما لم يقل به أحد من الأمة.
· الخلاف حول حجية قول الصحابي خلاف سائغ بين العلماء، ولكن الراجح أن قول الصحابي حجة يجب العمل به إذا لم يعرف له مخالف؛ وذلك للأدلة التي ذكرها القائلون بحجية قول الصحابي والإجابات التي أجابوا بها عن أدلة الفريق الآخر وهي كالآتي:
o إن الأمر برد الأمور المتنازع فيها إلى الله والرسول في قوله تعالى: )فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول( (النساء: ٥٩) إنما يكون عند وجود النص في القرآن أو السنة، أما عند عدم وجوده فإن الواجب أن نتبع الأدلة الأخرى، ومنها قول الصحابي، والآية بذلك لا تنهى عن الرجوع إلى قول الصحابي.
o الاعتبار في قوله تعالى: )فاعتبروا يا أولي الأبصار (2)( (الحشر) هو الاجتهاد، وهو أحد مصادر التشريع، والآية حثت عليه، ولكنها لم تنه عن قول الصحابي.
o إن الخليفة عمر - رضي الله عنه - لم ينه شريحا عن العمل بقول الصحابة، بل أمره باتباع ما قضى به الصالحون، وهم الصحابة.
o إقرار الإمام علي - رضي الله عنه - لشريح على مخالفته ليس دليلا على نفي علي لحجية قول الصحابي؛ لأنه ربما اتبع قول صحابي آخر غير علي.
o إذا اختلف الصحابة، فإن قول الصحابي ليس حجة على صحابي آخر.
o قولهم: اجتهاد الصحابي يمكن فيه الخطأ فلا يلزم مجتهدا آخر، قول خاطئ؛ لأن الصحابة في الاجتهاد أعلى من غيرهم، فهم أولى بالاجتهاد من غيرهم.
o قولهم: إن الصحابة اختلفوا، ولو كان قولهم حجة لكانت حجج الله متناقضة - قول مردود؛ لأن قولهم هذا هو مظنة حكم الله من فهم للكتاب أو السنة.
o قولهم: ما يجوز عليه الخطأ لا يقدم على القياس، قول منقوض بخبر الآحاد، فهو يجوز عليه الخطأ ويقدم على القياس.
o قولهم: من لم تثبت عصمته فلا حجة في قوله منقوض أيضا بخبر الآحاد؛ لأن راويه ليس معصوما.
· إن الأدلة على حجية قول الصحابي كثيرة ومتنوعة سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أقوال الصحابة أنفسهم، وكذا إقرار العقل، نذكر منها:
o قوله سبحانه وتعالى: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه( (التوبة: 100)، فوجه الدلالة أن الله أثنى على من اتبعهم.
o قوله سبحانه وتعالى: )واتبع سبيل من أناب إلي( (لقمان: 15)، والصحابة كلهم منيبون إلى الله فوجب اتباعهم.
o ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «... فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا».
o قول عمر بن الخطاب: «إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس».
o قول ابن مسعود: "من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
o إن الصحابي إذا قال قولا، أو حكم بحكم، أو أفتى بفتيا فله مدارك ينفرد بها عنا، ومدارك نشاركه فيها، فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من صحابي آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون أن يرويه، وهذا هو الفرق الذي بيننا وبينهم.
· إن علماء الأمة يتفقون على قبول قول الصحابي، فأبو حنيفة يجعله بعد كتاب الله وسنة نبيه، والأخذ به هو المشهور عند مالك، وهو حجة عند الشافعي في القديم والجديد، وأحمد بن حنبل يقدمه على الحديث المرسل.
· إذا اشتهر قول صحابي ولم ترد مخالفة غيره من الصحابة، فهو من الإجماع السكوتي، أما إذا ورد عن صحابي قول في حادثة شرعية ولم تشتهر بين الصحابة أو لم يعلم هل اشتهر أم لا، فهذا فيه خلاف بين العلماء، ولكن الجمهور على أنه حجة أيضا، أما إذا اشتهر فخالفه الصحابة، فالحجة مع من سعد بالدليل منهم.
(*) حجية قول الصحابي عند السلف، ترحيب بن ربيعان الدوسري، دار المنهاج، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م.
[1]. صحيح الإسناد: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: القضاء، باب: الحكم بما اتفق عليه أهل العلم، (3/ 468)، رقم (5944). وصحح إسناده الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (5399).
[2]. ميزان الأصول في نتائج العقول، أبو بكر محمد بن أحمد علاء الدين السمرقندي، تحقيق: د. عبد الملك عبد الرحمن السعدي، وزارة الأوقاف والشئون الدينية، عمان، ط1، 1407هـ/ 1987م، (2/ 699، 700).
[3]. منهج الصحابة في الترجيح، محمود عبد العزيز محمد، دار المعرفة، بيروت، ط10، 1425هـ/ 2004م، ص20.
[4]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 123، 124).
[5]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 130: 132) بتصرف.
[6]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 130، 131) بتصرف.
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 5)، رقم (3651). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، (9/ 3658)، رقم (6351).
[8]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 136).
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي): كتاب: فضائل الصحابة، باب: بيان أن بقاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة، (9/ 3657)، رقم (6348).
[10]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 136، 137).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لو كنت متخذا خليلا... »، (7/ 25)، رقم (3673).
[12]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 138).
[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (3/ 1260، 1261)، رقم (1534).
[14]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 140، 141).
[15]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب: الحج، باب: لبس الثياب المصبغة في الإحرام، (3/ 470)، رقم (1164).
[16]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب، (2/ 147)، رقم (834). وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[17]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 142).
[18]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، 1428هـ/ 2007م، (2/ 947)، رقم (1810).
[19]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 139).
[20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (13/ 263)، رقم (7282).
[21]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 139).
[22]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، 1428هـ/ 2007م، (1/ 781).
[23]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (8/ 392).
[24]. سير أعلام النبلاء، الذهبي،، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (7/ 120).
[25]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، 1428هـ/ 2007م، (1/ 776).
[26]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 153).
[27]. الموافقات، الشاطبي، تحقيق: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (4/ 77).
[28]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 146: 148).
[29]. المسودة في أصول الفقه، ابن تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المدني، القاهرة، د. ت، ص23.
[30]. ذم الكلام وأهله، عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد العزيز الشبل، مكتبة دار العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (2/ 207).
[31]. الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة، حسين بن محمد المشاط، تحقيق: عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990م.
[32]. الأم، الشافعي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (7/ 280).
[33]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 122).
[34]. المدخل إلى السنن الكبرى، الإمام البيهقي، تحقيق: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، 1404هـ، (1/ 23).
[35]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (4/ 122).
[36]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م، (1/ 29).
[37]. منهج الصحابة في الترجيح، محمود عبد العزيز محمد، دار المعرفة، بيروت، ط10، 1425هـ/ 2004م، ص18، 19 بتصرف.
click here
online women cheat husband
go
online how long for viagra to work
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat
read here
website why women cheat on men