إنكار مناقب أبي هريرة وصحبته النبي صلى الله عليه وسلم (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المشككين صحبة أبي هريرة - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - زاعمين أنه لم يذكر في طبقات الصحابة، وليست له فضيلة ولا منقبة يدنو بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن من السابقين الأولين، ولا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، ولا من المفتين، ولا من القراء الذين حفظوا القرآن.
ويستدلون على هذا بأنه لم يأت في فضله حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكل ما عرف عنه أنه كان عريف أهل الصفة لا أكثر ولا أقل، وأن الحاكم قد قسم الصحابة من حيث فضلهم اثنتي عشرة طبقة، مثل لكل طبقة منها ببعض الصحابة، ولم يذكر أبا هريرة فيمن مثل بهم.
ويرمون من وراء ذلك إلى النيل من راوية الإسلام الأول أبي هريرة - رضي الله عنه - والتقليل من شأنه، توصلا إلى الطعن في السنة النبوية المطهرة.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن الادعاء أن أبا هريرة ليست له منقبة ادعاء باطل؛ فقد ثبت إسلامه مع السابقين الأولين، وصحت هجرته من اليمن إلى المدينة أثناء فتح خيبر، وحضر جميع غزوات النبي بعد خيبر، وقد تلقى علما كثيرا عنه - صلى الله عليه وسلم - بشهادة كبار الصحابة؛ حتى إنهم كانوا يحيلون السائلين إليه ليفتيهم.
2) إن الزعم أن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم يذكر في طبقات الصحابة محض افتراء، بل هو ضرب من الخرافة؛ فجميع كتب تراجم الصحابة قد ذكرت الصحابي الجليل أبا هريرة - رضي الله عنه - في طبقات الصحابة.
التفصيل:
أولا. ثبوت فضائل أبي هريرة ومناقبه بالأحاديث الصحيحة والآثار:
لقد كانت لأبي هريرة - رضي الله عنه - مناقب وفضائل ذكرتها الأحاديث الصحيحة، وشهد بها الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - ومن جاء بعدهم.
· إسلام أبي هريرة وهجرته:
ويأتي في مقدمة هذه المناقب "أن أبا هريرة - رضي الله عنه - من السابقين إلى الإسلام، أسلم قديما وهو بأرض قومه على يد الطفيل بن عمرو الدوسي، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية، ثم قدم مهاجرا من اليمن إلى المدينة في ليالي فتح خيبر"[1] سنة سبع، وها هو يروي هجرته بنفسه فيقول: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، وقدمت المدينة مهاجرا، فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة - وكان قد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى بسورة "مريم" وفي الآخرة: "ويل للمطففين"، فقلت في نفسي: ويل لأبي فلان - لرجل كان بأرض الأزد - وكان له مكيالان، مكيال يكيل به لنفسه ومكيال يبخس به الناس"[2].
وقد يسأل سائل فيقول: إذا كان أبو هريرة قد أسلم قديما قبل الهجرة، فلماذا - إذن - لم يهاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة في بداية الهجرة؟
ذكرت كتب السير أن قوم أبي هريرة - وهم قبيلة دوس - قد تأخر إسلامهم حتى فتح خيبر بعد ما ظل الطفيل بن عمرو الدوسي وأبو هريرة يدعوانهم للإسلام، ولذلك كان سبب تأخر أبي هريرة في الهجرة هو دعوة قومه إلى الإسلام، وعليه فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - من المهاجرين، ومن السابقين الأولين في الإسلام، وهل بعد هذه المنقبة منقبة؟!
· أبو هريرة والجهاد في سبيل الله:
كانت خيبر أول مشاهد أبي هريرة - رضي الله عنه - مع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قد وصلها بعد انتهاء القتال، ثم شهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - جميع غزواته بعد خيبر، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينتدبه أحيانا في بعض بعوثه، ومن هذا ما رواه الإمام أحمد بسنده عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال: «بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: إن وجدتم فلانا وفلانا - لرجلين من قريش - فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل، فإن وجدتموهما فاقتلوهما»[3].
وقد يرسله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ويودعه؛ ومن هذا ما رواه موسى بن وردان قال: «قال أبو هريرة لرجل: أودعك كما ودعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو كما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم: استودعك الله الذي لا يضيع ودائعه»[4].
ولم يترك أبو هريرة الجهاد في سبيل الله بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قط، وكيف يتركه؟ وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل»[5]، كما سمع قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم»[6].ولنا أن نلمس حب أبي هريرة للجهاد في سبيل الله - عز وجل - والاستشهاد تحت لواء الإسلام، فيما يرويه الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: «وعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الهند، فإن استشهدت كنت من خير الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحررة»[7].
وعليه، فإن أبا هريرة كان من المجاهدين بأنفسهم، ولكن لم يكن من المجاهدين بأموالهم؛ لأنه كان فقيرا معدما، صبر على الفقر الشديد، حتى إنه كان يلصق بطنه بالحصى من الجوع، يطوي نهاره وليله من غير أن يجد ما يقيم صلبه، ولكنه مع ذلك كان عفيف النفس لا يسأل الناس إلحافا[8].
· أبو هريرة وحفظه العلم:
لقد تقرر عند كافة أهل العلم أن أبا هريرة أحفظ الصحابة رضي الله عنهم، وأن السبب في ذلك كثرة ملازمته النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اهتمامه وقوة حفظه [9]، ويضاف إلى ذلك ما أكرمه الله - تعالى - به من المعجزة النبوية التي رواها جل المحدثين، واللفظ للبخاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: «قلت: يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال: ابسط رداءك، فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئا بعده»[10].
ذكر الحافظ ابن حجر أن في هذا الحديث " فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه، ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم "[11].
ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي هريرة لما سأله: ماذا رد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: «والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من حرصك على العلم»[12].
ويقول عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما: "يا أبا هريرة، كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه"[13].
· أبو هريرة والفتوى:
لم يكن أبو هريرة راوية للحديث فقط، بل كان من رءوس العلم في زمانه، في القرآن والسنة والاجتهاد، فصحبته وملازمته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاحت له أن يتفقه في الدين ويشاهد السنة العملية عظيمها ودقيقها، ويحفظ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيرا من الأحاديث، فتكونت عنده حصيلة كثيرة من الحديث الشريف، وقد اطلع على حلول أكثر المسائل الشرعية التي كانت تعرض للمسلمين في عهده صلى الله عليه وسلم، كل ذلك هيأ أبا هريرة لأن يفتي المسلمين في دينهم نيفا وعشرين سنة، والصحابة - آنذاك - كثيرون.
وقد عرف الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم منزلته ومكانته، فكانوا يحتجون بعلمه واجتهاده، وقد جاء كثير من الروايات المشهورة عنه في ذلك.
مما سبق يتبين لنا أن أبا هريرة كان أحد أعلام الصحابة - رضي الله عنهم - في الفتوى والاجتهاد، وأنه لا يقل - في ذلك - عن عبد الله بن عمر وعثمان بن عفان وغيرهما من كبار الصحابة، وأنه كثيرا ما كانت تتلاقى فتاواه بفتاوى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب[14].
· أبو هريرة والقرآن الكريم:
مما لاشك فيه أن أبا هريرة سمع القرآن الكريم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما سمع منه الحديث، وكان يتلوه في أكثر أوقاته، وبخاصة في صلواته التي كان يحيي بها ثلث ليله.
وبالإضافة إلى هذا، فقد ذكرنا - آنفا - أن أبا هريرة كان أحد أعلام الصحابة - رضي الله عنهم - في الفتوى والاجتهاد، فكيف يكون بهذه المنزلة الرفيعة من العلم، ولا يكون حافظا لكتاب الله؟!
وقد ذكر الذهبي "أن أبا هريرة كان رأسا في القرآن والسنة، فقد عرض القرآن الكريم على الصحابي الجليل أبي بن كعب سيد القراء، وأخذ عنه الأعرج وأبو جعفر وطائفة"[15].
وليس هذا فحسب، بل إن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان شيخ شيوخ نافع صاحب القراءة المشهورة.
قال ابن حزم - رحمه الله: "ولأهل المدينة القراءة المعروفة بنافع بن أبي نعيم، مات سنة تسع وستين ومائة، قرأ على يزيد بن القعقاع، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ومسلم بن جندب الهذلي، ويزيد بن رومان وشيبة بن نصاح، هؤلاء عن أبي هريرة، وابن عباس وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة المخزومي. هؤلاء كلهم عن أبي بن كعب"[16].
قال سليمان بن مسلم بن جماز: "سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة في )إذا الشمس كورت (1)( (التكوير) يحزنها شبه الرثاء"[17].
ونخلص مما سبق إلى أن لأبي هريرة - رضي الله عنه - مناقب وفضائل كثيرة؛ إذ هو من السابقين الأولين في الإسلام، أسلم قبل الهجرة، ثم هاجر من اليمن إلى المدينة في فتح خيبر، وقد حضر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع غزواته بعد خيبر، وكان يعد من رءوس العلم في زمانه؛ في القرآن والسنة والاجتهاد، وقد شهدت بهذه المناقب أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة.
وحسب أبي هريرة فضلا أنه صحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولازمه "ما يزيد على ثلاث سنين، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين، ويحبب إليهما المؤمنين، وأنه عريف أهل الصفة، وهم أضياف الإسلام وأحباب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الزعم أنه - رضي الله عنه - لم يرد في فضله حديث فمردود؛ فقد ذكره الإمام مسلم في الصحابة الذين لهم فضائل، وعقد له الإمام مسلم بابا"[18]، وذكر له الإمام الحاكم في مستدركه جملة من مناقبه استغرقت بضع صفحات، والإمام البخاري وإن لم يذكر له ترجمة خاصة؛ فقد ضمن فضائله أبواب كتبه[19][20].
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول: إن مكانة أبي هريرة، وسعة علمه، وكثرة حديثه، وفضله وورعه، وضبطه وإتقانه لا يخفى إلا على ذي هوى، وما سقناه من مناقبه هو على سبيل التمثيل لا الحصر، وهل هناك أحد من أهل العلم والمعرفة يجهل أبا هريرة ومنزلته؟!
ثانيا. ذكر كتب تراجم الصحابة وطبقاتهم لأبي هريرة:
جدير بنا قبل أن نتكلم عن ذكر كتب تراجم الصحابة لأبي هريرة - رضي الله عنه - أن نجيب على هذا التساؤل: من هو الصحابي؟ لنرى هل ينطبق هذا اللقب على أبي هريرة رضي الله عنه أم لا؟
اختلف أهل العلم في تحديد مفهوم الصحابي على أقوال عدة، وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشهرها ما عليه جماهير أهل الحديث من أن الصحابي هو كل مسلم رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لحظة وعقل منه شيئا، سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا.
وهذا ما حكاه القاضي عياض السبتي - رحمه الله تعالى - عن الإمام أحمد بن حنبل، ورواه عنه عبدوس بن مالك العطار: قال: سمعت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - رحمه الله، يقول: "كل من صحبه سنة أو شهرا أو ساعة، أو رآه فهو من أصحابه"[21].
وقال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: "من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"[22].
وهذا قول الإمام محمد بن عمر الواقدي وكثير من الأصوليين، وقال غيرهم: لا يعد الرجل صحابيا حتى يقيم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين، أو يغزو معه غزوة أو غزوتين، وهذا قول سيد التابعين سعيد بن المسيب - رحمه الله - وهو أضيق الأقوال.
وهكذا ترى أبا هريرة - رضي الله عنه - يدخل في جميع هذه الأقوال، وينطبق عليه لقب الصحابي؛ فقد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولازمه أكثر من أربع سنوات من فتح خيبر سنة (7هـ) إلى أن انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى سنة (11هـ).
أما عن ذكر كتب تراجم الصحابة لأبي هريرة - رضي الله عنه - فإننا نجزم - غير مبالغين - أن جميع كتب تراجم الصحابة قد ذكرت أبا هريرة في طبقات الصحابة رضي الله عنهم؛ فقد ترجم له ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين والأنصار ممن شهد الخندق وما بعدها، وذكر له جملة صالحة من مناقبه وفضائله[23]، والبخاري في التاريخ الكبير[24]، وابن قانع في معجم الصحابة[25]، وابن عبد البر في الاستيعاب[26].
وترجم له ابن الأثير في أسد الغابة، وقال: "أبو هريرة الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم حديثا عنه"[27].
وترجم له - كذلك - الحافظ المزي في كتابه "تهذيب الكمال" تحت عنوان: "أبو هريرة الدوسي اليماني، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحافظ الصحابة"[28].
وقد ذكر له الذهبي ترجمة وافية في كتابه "السير" تحت عنوان: "الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات"، وقال عنه في موضع آخر: "أبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأدائه بحروفه"، وقال أيضا: "هو رأس في القرآن، وفي السنة، وفي الفقه"، وقال: "أين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه؟[29].
وقد ترجم له الذهبي - كذلك - في كتابيه: "تاريخ الإسلام"[30]، و"العبر"[31].
ومن الذين ترجموا له كذلك الحافظ ابن حجر في كتابيه: "الإصابة"[32]، و"وتهذيب التهذيب"، تحت عنوان: "أبو هريرة الدوسي، الصحابي الجليل، حافظ الصحابة"[33].
ونخلص مما سبق إلى أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قد ذكر في جميع كتب تراجم الصحابة، أما عن زعم هؤلاء أن الحاكم لم يذكر أبا هريرة حينما قسم الصحابة اثنتي عشرة طبقة، ومثل لكل طبقة ببعض الصحابة؛ فذلك لأن الحاكم قد قصد من تقسيمه هذا التقسيم الكلي، ولم يقصد سرد كل أسماء الطبقات ولا استيعاب الصحابة جميعا؛ لأن ذلك أمر يطول، وعليه فقد ذكره الحاكم ضمنا ولم يذكره صراحة، وليس في هذا إنكار منه لصحبته رضي الله عنه، وكيف هذا، وقد روى الحاكم شهادة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - لملازمة أبي هريرة - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - في المستدرك؛ فعن أشعث بن أبي الشعناء قال: "سمعت أبي يحدث، قال: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فقلت: تحدث عن أبي هريرة وأنت صاحب منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لأن أحدث عن أبي هريرة أحب إلي من أن أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم "[34].
أي: لأن أحدث عن أبي هريرة؛ لأنه قد سمع ما لم نسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالم أسمعه منه مباشرة.
ترى لو كان الحاكم يشك في صحبة أبي هريرة، فهل كان يروي مثل هذا الحديث في مستدركه؟! لاشك أن في هذا الحديث شهادة جلية من أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - مع جلالة قدره، ونزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده بصحبة أبي هريرة - رضي الله عنه - وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن إذا أردنا أن نستقصي كل الأدلة على ذلك من أقوال الصحابة والتابعين وعلماء الأمة لطال بنا الحديث، ولكن يكفينا ما أشرنا إليه في السطور السابقة.
الخلاصة:
· لقد اختلف أهل العلم في تحديد مفهوم الصحابي على أقوال عدة، ولكن رغم اختلافهم هذا فكل أقوالهم تنطبق على أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع سنوات، وكان - في أغلب أوقاته - ملازما له، لذلك كان أكثر الصحابة رواية للحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
· كان أبو هريرة - رضي الله عنه - من السابقين الأولين في الإسلام، أسلم قبل الهجرة، ثم قدم مهاجرا من اليمن إلى المدينة في ليالي فتح خيبر.
· لقد حضر أبو هريرة - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع غزواته بعد خيبر، ثم واصل جهاده بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفاه الله - عز وجل -، ولم يتخلف لحظة عن تلبية منادي الجهاد.
· كان أبو هريرة - رضي الله عنه - أحفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن أبو هريرة - رضي الله عنه - راوية للحديث فقط، بل كان من رءوس العلم في زمانه، في القرآن والسنة والاجتهاد.
لقد شهدت الأحاديث الصحيحة بمناقب أبي هريرة - رضي الله عنه - وفضائله كما شهد له صحابته الكرام، ومن جاء بعدهم، فهل بعد شهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهادة أصحابه شهادة أو تعديل؟!
· لقد ذكرت جميع كتب تراجم الصحابة أبا هريرة - رضي الله عنه - في طبقات الصحابة، وترجمته في أمهات كتب التراجم كطبقات ابن سعد، ومعجم الصحابة لابن قانع، والإصابة، وسير أعلام النبلاء، وتهذيب الكمال وغيرها.
إن الحاكم حينما قسم الصحابة اثنتي عشرة طبقة، إنما قصد التقسيم الكلي، ولم يقصد سرد أسماء كل طبقة ولا استيعابهم؛ لأنه أمر يطول؛ ولذلك لم يأت ذكر أبي هريرة لهذا السبب فقط وليس لغيره كما زعموا.
(*) دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين، د. محمد محمد أبو شهبة، مطبعة الأزهر الشريف، القاهرة، 1991م. الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، دمشق، ط2، 1405هـ/ 1985م.
[1]. انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: محمد بيومي، دار الحرم للتراث، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1995م، (2/ 23).
[2]. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 589).
[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (15/ 206)، رقم (8054). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (18/ 30)، رقم (9219). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[5]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (12/ 140)، رقم (7157). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (13/ 218)، رقم (7474). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (12/ 97)، رقم (7128). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[8]. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/578).
[9]. الرد على الطاعن في أبي هريرة، الحسن بن علي الكتاني، ص30.
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري )، كتاب: العلم، باب: حفظ العلم،(1/259)، رقم (119). صحيح مسلم (بشرح النووي)،كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة، (8/ 3629)، رقم (6280).
[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (1/ 260).
[12]. حسن: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: التاريخ، باب: الحوض والشفاعة، (14/ 348)، رقم (6466). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده حسن.
[13]. المحدث الفاصل، الرامهرمزي، تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، ط3، 1404هـ، ص557.
[14]. أبو هريرة راوية الإسلام، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1402هـ/ 1982م، ص128: 131 بتصرف.
[15]. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/27، 28).
[16]. جوامع السيرة، ابن حزم، تحقيق: حسين عباس، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1900م، ص269.
[17]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 629،628).
[18]. انظر: شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/3629: 3631).
[19]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (1/ 258: 260).
[20]. دفاع عن السنة، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مطبعة الأزهر الشريف، القاهرة، 1991م، ص267، 268بتصرف.
[21]. تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، الحافظ العلائي، ص33، نقلا عن: الرد على الطاعن في أبي هريرة، الحسن بن علي الكتاني، ص13.
[22]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (7/5).
[23]. انظر: الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (5/ 230).
[24]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1407هـ/ 1986م، (6/ 132).
[25]. معجم الصحابة، ابن قانع، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط1، 1418هـ، (2/194).
[26]. الاستيعاب، ابن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (3/ 1004).
[27]. أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، دار الفكر، بيروت، د. ت، (5/ 318: 321).
[28]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992، (34/ 366).
[29]. انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 578، 579).
[30]. تاريخ الإسلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (4/347).
[31]. العبر، الذهبي، (1/63).
[32]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1383هـ/ 1970م، (4/316).
[33]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ، (12/288).
[34]. أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب: ذكر أبي هريرة الدوسي، (3/ 586)، رقم (6175).
read
go want my wife to cheat
click here
online women cheat husband
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic
husband cheat
online online affair
read here
website why women cheat on men