مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

 الزعم أن السنة النبوية تتضمن أخبارا تنفي حجيتها(*)

 مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغرضين أن السنة النبوية قد نقلت أخبارا تدل على عدم حجيتها، مستدلين على ذلك بعدد من الأحاديث، وهي:

·         «إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني».

·       «إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه، فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به، فإني لا أقول ما تنكرونه، وأقول ما تعرفونه».

·       «إني والله لا يمسك الناس علي بشيء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه».

·       روي أن بعض الصحابة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يجب الوضوء من القيء؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان فريضة لوجدته في القرآن».

ويتساءلون: ألا تنفي هذه الأخبار النبوية حجية السنة؟!

وجها إبطال الشبهة:

1) إن الأحاديث التي استدل بها هؤلاء الطاعنون، وأقاموا عليها شبهتهم، إن هي إلا أحاديث شديدة الضعف واهية الإسناد، منكرة المتن، لا تقوم حجة لهم, بل تدل على تناقضهم؛ لأنهم يبرهنون على نفي السنة بشيء من جنسها، إضافة إلى أن هذه الأحاديث على ضعفها الشديد تخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة التي تفرض العمل بالسنة وتوجبها وتحرم وتحذر من مخالفتها.

2) إن القرآن الكريم قد أثبت أن هذه الأحاديث لا تصح؛ ذلك لأنه أمر باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر أن السنة وحي كالقرآن، ومصدرهما واحد، ولا يجوز أن يتعارض الوحيان فهم بذلك يخالفون القرآن الكريم نفسه.

التفصيل:

أولا. عدم صحة الأحاديث التي استدل بها الطاعنون على دعواهم:

إن المتأمل في الأحاديث التي ساقها هؤلاء الطاعنون دليلا على صحة دعواهم يجد أن جميعها أحاديث شديدة الضعف, واهية الإسناد, منكرة المتن, وحتى يتبين ذلك علميا نعرض لأقوال وآراء أهل العلم الذين تتبعوا هذه الأحاديث بالبحث والتمحيص ونفندها حديثا حديثا كما يأتي:

1.  الحديث الأول الذي نصه «إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني»[1] حديث لا وزن له عند نقاد الحديث وصيارفته, فقد روي من طرق كلها ضعيفة عن علي, وأبي هريرة, وابن عمر, وثوبان رضي الله عنهم.

 وقد ذكر العلماء عن هذا الحديث كلاما يستلزم أن يكون من أشد الموضوعات فهو حديث منكر مردود, ونختار من أقوالهم ما يأتي:

·   قال الشافعي: "ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء"[2].

·        وقال الإمام أحمد: "هذه الرواية منقطعة كما قال الشافعي"[3].

·   وقد علق الأستاذ أحمد شاكر في تحقيقه لكتاب الرسالة على هذا الحديث فقال: "هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن, بل وردت فيه ألفاظ كثيرة, كلها موضوعة أو بالغة الغاية في الضعف, حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد"[4].

هذا وقد ضعف الإمام الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة، وهذا نص كلامه: " حديث "سيفشو عني أحاديث، فما أتاكم من حديثي فاقرءوا كتاب الله، واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلته، و ما لم يوافق كتاب الله فلم أقله": ضعيف. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 194/ 2): حدثنا علي بن سعيد الرازي: أخبرنا الزبير بن محمد بن الزبير الرهاوي: أخبرنا قتادة بن الفضيل عن أبي حاضرعن الوضين عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر مرفوعا به.

قلت (أي الألباني): وهذا سند ضعيف وفيه علل:

الأولى: الوضين بن عطاء فإنه سيء الحفظ.

الثانية: قتادة بن الفضيل، قال الحافظ في "التقريب": "مقبول"، يعني عند المتابعة.

الثالثة: أبو حاضر هذا أورده الذهبي في "الميزان" ثم الحافظ في "اللسان" في "باب الكنى" ولم يسمياه، وقالا: "عن الوضين بن عطاء: "مجهول".

قلت: فليس هو المسمى عثمان بن حاضر المترجم في "التهذيب"، فإنه تابعي يروي عن العبادلة و غيرهم، ولا هو المسمى عبد الملك بن عبد ربه بن زيتون الذي أورده ابن حبان في "الثقات" (2/ 173)، وقال: "يروي عن رجل عن ابن عباس، عداده في أهل الشام، روى عنه أهلها، كنيته أبو حاضر".

و كذا في "الجرح و التعديل" (2/ 2/ 359) إلا أنه قال: روى عنه عيسى بن يونس. و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا.

و أما قول الهيثمي في "المجمع" (1/ 170): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه و هو منكر الحديث.

ففيه نظر، فقد علمت أن أبا حاضر هذا من أتباع التابعين، و أما المترجم فهو من أتباع أتباعهم، ثم هو قد أخذ قوله: "منكر الحديث" من "الميزان" و"اللسان"، وهما ذكراه في ترجمة "عبد الملك بن عبد ربه الطائي"، فهل الطائي هذا هو أبو حاضر عبد الملك؟ ذلك ما لا أظنه، والله أعلم.

الرابعة: الزبير بن محمد الرهاوي، فإني لم أجد له ترجمة"[5].

·   وقد كتب الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم في هذا المعنى فصلا نفيسا جدا في كتاب "الإحكام" روى فيه بعض ألفاظ هذا الحديث المكذوب, وأبان عن عللها فشفى, وأثبت أن رواتها منهم من رمي بالزندقة, أو كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه, أو مجهول, أو ضعيف, ومنها ما هو مرسل, ومنها ما جمع بينهما.

ثم قال: أول ما نعرض على القرآن الحديث الذي ذكرتموه, فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه, قال الله تعالى: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: 7)، وقال عز وجل: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء: ٨٠)، وقال عز وجل: )لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105)( (النساء: ١٠٥).

وقال أيضا: والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن حديث باطل لا يصح وهو ينعكس على نفسه بالبطلان, فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن.

·   وقال الإمام ابن عبد البر: "وقد أمر الله - عز وجل - بطاعته - صلى الله عليه وسلم ـواتباعه أمرا مطلقا مجملا لم يقيد بشيء, كما أمرنا باتباع كتاب الله, ولم يقل ما وافق كتاب الله كما قال بعض أهل الزيغ، ونقل عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث... إلى أن قال: وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم ـعند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه"[6].

·    وقال ابن عبد البر مزكيا كلام ابن مهدي: "وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم, فقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء, ونعتمد على ذلك, قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله - عز وجل - وجدناه مخالفا لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا نقبل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـإلا ما وافق كتاب الله, بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به, والأمر بطاعته ويحذر من المخالفة عن أمره جملة على كل حال"[7].

وبعد، فهذه هي أقوال العلماء وأهل الحديث في بيان حال هذا الحديث الذي يستدل به منكرو السنة في نفي حجيتها, وقد تبين من هذه الأقوال مدى ضعف سنده ومتنه، وعليه فلا يصح الاستشهاد به أو الاحتجاج به على أي حال.

2.    وأما الحديث الذي يقول: «إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به, قلته أم لم أقله»[8].

فنقول عنه: إن مجمل رواياته ضعيفة, وهذه أقوال الأئمة فيه:

قال البيهقي: "قال ابن خزيمة: "في صحة هذا الحديث مقال؛ لأنا لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدا يعرف خبر ابن أبي ذئب من غير يحيى بن آدم، ولا رأيت أحدا من علماء الحديث، يثبت هذا عن أبي هريرة". وقال البيهقي أيضا: "وهو مختلف على يحيى بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كبيرا، يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة، ومنهم من لا يذكره ويرسل الحديث"[9].

ولقد أعل البخاري هذا الحديث بالإرسال حيث ذكر أن ابن طهمان رواه عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي - صلى الله عليه وسلم ـمرسلا، وذكر أن يحيى بن آدم رواه وزاد أبا هريرة في السند، واعتبره وهما من يحيى بن آدم[10].

وإن قلت: إن ابن حجر قال في يحيى بن آدم: "ثقة حافظ فاضل"[11]، وقد روى عنه الجماعة، فيمكن أن نعتبر زيادته هذه زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عند جماعة المحدثين.

فجوابه: أن زيادة الثقة لا تقبل بإطلاق، بل هي مقيدة بعدم مخالفة من هو أوثق منه، أو الأكثر منه عددا، والبخاري رحمه الله لما حكم عليه بالوهم - كما سلف - كان يستحضر هذه القاعدة، ذلك أن يحيى هنا خالف إبراهيم بن طهمان وهو ثقة محتج به عند الجماعة[12] كيحيى تماما، وكأن البخاري رجح روايته لمتابعة الثقات له على إرساله، ويحيى لم يتابع، وهذا ما نص عليه أبو حاتم لما سئل عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث منكر، الثقات لا يعرفونه"[13]، أي أن الثقات لا يعرفونه موصولا، أو لم يرووه موصلا وإنما روي مرسلا.

وقد ضعف الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة وهذا نص تحقيقه له: إن حديث «إذا حدثتم عني بحديث تعرفونه و لا تنكرونه، قلته أو لم أقله فصدقوا به، فإني أقول ما يعرف و لا ينكر، و إذا حدثتم بحديث تنكرونه ولا تعرفونه، فكذبوا به، فإني لا أقول ما ينكر، و لا يعرف» - حديث ضعيف.

أخرجه المخلص في "الفوائد المنتقاة" (9/ 218/ 1)، و الدارقطني في "سننه" (ص513)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 391)، والهروي في "ذم الكلام" (4/ 78/ 2)، وكذا أحمد كما في "المنتخب" (10/ 199/ 2) لابن قدامة، وليس هو في "المسند" كلهم عن يحيى بن آدم: حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري (زاد الدارقطني والخطيب: عن أبيه) عن أبي هريرة مرفوعا به.

وقال الهروي: لا أعرف علة هذا الحديث، فإن رواته كلهم ثقات، والإسناد متصل.

قلت (أي الألباني): قد عرف علته و كشف عنها الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ثم أبو حاتم الرازي، فقال الأول في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 434): وقال ابن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه»، وقال يحيى: عن أبي هريرة وهو وهم ليس فيه أبو هريرة، يعني أن الصواب في الحديث الإرسال، فهو علة الحديث.

فإن قيل: كيف هذا ويحيى بن آدم ثقة حافظ محتج به في "الصحيحين"، وقد وصله بذكر أبي هريرة فهي زيادة من ثقة فيجب قبولها؟ فأقول: نعم هو ثقة كما ذكرنا، و لكن هذا مقيد بما إذا لم يخالف من هو أوثق منه وأحفظ، أو الأكثر منه عددا، وفي صنيع البخاري السابق ما يشعرنا بذلك، وقد أفصح عنه بعض المحدثين فقال ابن شاهين في "الثقات": قال يحيى بن أبي شيبة: ثقة صدوق ثبت حجة ما لم يخالف من هو فوقه مثل وكيع، وقد خالف هنا ابن طهمان و اسمه إبراهيم كما سبق، وهو ثقة محتج به في "الصحيحين"، ولا أقول إنه فوق يحيى، ولكن معه جماعة من الثقات تابعوه على إرساله، وذلك ما أعل به الحديث الإمام أبو حاتم، فقال ابنه في "العلل" (2/ 310/ 3445): سمعت أبي وحدثنا عن بسام بن خالد عن شعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته، وإذا بلغكم عني حديث لا يحسن بي أن أقوله فليس مني ولم أقله».

قال أبي: هذا حديث منكر، الثقات لا يرفعونه. يعني لا يجاوزون به المقبري، ولا يذكرون في إسناده أبا هريرة، وإنما تأولت كلامه بهذا لأمرين:

الأول: ليوافق كلام البخاري المتقدم فإنه صريح في ذلك.

والآخر: أن تفسير كلامه على ظاهره مما لا يعقل قصده من مثله، لأنه والحالة هذه لا طائل من إعلاله بالوقف، فإن صيغته تنبئ عن أن الحديث مرفوع معنى، صدر ممن كلامه تشريع، ولأن المعنى حينئذ أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال هذا الكلام وصح ذلك عنه! فهل يعقل أن يقول هذا مسلم فضلا عن هذا الإمام؟!

فإن قيل: فقد تابع يحيى بن آدم على وصله شعيب بن إسحاق هذا وهو ثقة محتج به في "الصحيحين" أيضا، فلم لا يرجح الوصل على الإرسال؟

قلت (أي الألباني): ذلك لأن الطريق إلى شعيب غير صحيح، فإن بسام بن خالد الراوي عنه غير معروف، فقد أورده الذهبي في "الميزان" ثم العسقلاني في "اللسان"، ولم يزيدا في ترجمته على أن ساقا له هذا الحديث من طريق ابن أبي حاتم وكلام أبيه فيه!

وأما قول الشيخ المحقق العلامة المعلمي اليماني فيما علقه على "الفوائد المجموعة" للشوكاني (ص 280) في بسام هذا: صوابه: هشام، فكان يمكن أن يكون كذلك لولا أن الذهبي و العسقلاني نقلاه كما وقع في المطبوعة من "العلل" إلا أن يقال: إن نسخة الشيخين المذكورين فيها خطأ، و هو بعيد جدا"[14].

هذا وقد أخرج العلامة أبو محمد ابن حزم طرف هذا الحديث، وأبان علة كل طريق وكلها لا تخرج عن وجود كذاب ساقط كأشعث بن بزار، أو ضعيف كالعرزمي، أو كذاب مشهور كعبد الله بن سعيد، وأبان أن في متن هذا الحديث جواز نسبة الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حكي عنه أنه قال: لم أقله فأنا قلته. فكيف يقول ما لم يقله" [15]؟

فحاشاه - صلى الله عليه وسلم ـأن يجيز الكذب عليه وهو الذي - صرح بتأثيم من تعمد الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم ـكما في الصحيح: «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار»[16].

وعليه يتضح بالدليل الجلي والبرهان القوي أن هذا الحديث باطل متنا، هالك سندا، لا يستدل به على شيء.

3.  أما قولهم في الحديث الثالث: «إني والله لا يمسك الناس علي بشيء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه»[17].

قال الشافعي: هذا منقطع[18]. وقال ابن حزم: وهذا مرسل؛ أي: منقطع"[19].

فظهر أن علة هذا الحديث الانقطاع، والانقطاع بتر يصيب الإسناد يؤدي إلى الضعف الذي يحول دون الاحتجاج بالحديث والعمل به, وذلك لعدم اتصال السند والجهل بحال الراوي.

حتى ولو سلمنا لهم بصحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على عدم حجية السنة, ولا على أنه - صلى الله عليه وسلم ـلا يأتي إلا بما في الكتاب من تحليل أو تحريم, فإنه ليس المراد من الكتاب القرآن, بل المراد به ما أوحي إليه, وما أوحي إليه نوعان؛ أحدهما: وحي يتلى, والآخر: وحي لا يتلى.

وقد ورد في السنة استعمال الكتاب في عموم ما أنزل عليه, فقد روي في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـقال لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره, المائة شاة والخادم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها»[20].

فأنت ترى أنه جعل حكم الرجم والتغريب في كتاب الله, فدل ذلك على أنه أراد به ما أنزل مطلقا[21]. وعليه, فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث في نفي حجية السنة.

4.   وأما الحديث الرابع: وهو الخبر الخاص بسؤال الصحابي عن الوضوء من القيء، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: «لو كان فريضة لوجدته في القرآن»[22].

فقد حكى الدارقطني سبب ورود هذا الحديث بسنده عن ثوبان أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـصائما في غير رمضان, فأصابه غم أذاه, فتقيأ, فقاء, فدعاني بوضوء فتوضأ, ثم أفطر, فقلت: يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟ قال: لو كان فريضة لوجدته في القرآن...»[23].

وقد ضعف أبو الحسن الدارقطني هذا الحديث تضعيفا شديدا، ووصم أحد رواته بأنه منكر الحديث، ألا وهو عتبة بن السكن[24]، وقال عنه في موضع آخر: متروك الحديث"[25] وهو كما قال؛ ذلك أن الذهبي ذكره في الميزان حاكيا كلام الدارقطني - كأنه يقره؛ إذ لو كان لا يتفق معه على هذا الحكم لاستدرك على الدارقطني، لا سيما وأنه قد وضع هذا الكتاب لإنصاف من تكلم فيهم بحال لا يوجب الرد[26].

هذا من ناحية الإسناد, أما عن محل الطعن في المتن فهو قولهم: "لو كان واجبا لوجدته في كتاب الله"؛ لأن هناك أحكاما كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن كعدد ركعات الصلوات, ومقادير الزكاة وغيرها, ومع ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم ـبالعمل بها, ووجوبها على المسلمين.

ونخلص مما سبق إلى القول بأن هذه الأحاديث التي استدل بها هؤلاء المنكرون لحجية السنة؛ بسبب ما اعتراها من ضعف ونكارة - لا تقوم دليلا قويا لنفي حجية السنة.

ويبقى في النهاية سؤال: إذا كان هدف هؤلاء المغرضين هو نفي حجية السنة, فلماذا احتجوا على صحة أقوالهم بأحاديث هي من السنة النبوية التي يبغون سقوط حجيتها,ألا يعد ذلك تناقضا؛ إذ كيف تستقيم البرهنة على نفي شيء بشيء من جنسه؟ ثم أليس في أخذهم بهذه الأحاديث اعتراف ضمني بوجود شيء اسمه السنة؟ ومن ثم صلاحيتها للاحتجاج!

ثانيا. القرآن يدافع عن السنة ويثبت حجيتها:

إن الأحاديث التي يزعم الطاعنون أنها تنفي حجية السنة بدعوى أنها تخالف القرآن - أحاديث يردها القرآن نفسه؛ لأن القرآن وحي، والسنة وحي بدليل قوله تعالى: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى( (النجم)، وليس من المقبول أن يتعارض وحيان مصدرهما واحد.

قال الشاطبي: "إن الحديث وحي من الله لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله... نعم يجوز أن تأتي السنة بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة..."[27]. فالظاهر من كلامه أنه يجوز للسنة أن تأتي بشيء جديد لم يذكره القرآن، لكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تأتي السنة مخالفة للقرآن؛ لأنهما من مشكاة واحدة، ولقد أثبت القرآن حجية السنة في أكثر من موضع وهذا طرف منها.

قال عز وجل: )قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)( (آل عمران)، وقال عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول( (النساء: ٥٩) ففي الآية الأولى جاء الأمر بطاعة الله مقرونا بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفيد مطلق الجمع بينهما.

وفي الآية الثانية: عطف بالواو مع إعادة العامل وهو الفعل )وأطيعوا( حيث يفيد ذلك تأكيد عموم الطاعة في كل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وقد أمر الله تعالى بطاعة رسوله على الانفراد في قوله تعالى: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء)، وقال سبحانه:: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).

وأوجب الله تعالى طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ بين سبحانه أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو المبين للقرآن )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم( (النحل: ٤٤).

والرسول - صلى الله عليه وسلم - حين يبين للناس ما نزل إليهم لا يصدر بيانه من تلقاء نفسه، وإنما يتبع ما يوحى إليه: )إن أتبع إلا ما يوحى إلي( (الأنعام: ٥٠), ولهذا جعل الله تعالى طاعة رسوله طاعة له، وأوجب على المسلمين اتباع بيانه فيما يأمر وينهى، قال تعالى: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء: ٨٠).

وأن ما حرم رسول الله كما حرم الله تعالى، جاء في الحديث الصحيح، عن المقدام بن معديكرب أنه قال: «حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر أشياء، ثم قال: يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله»[28].

والمتأمل في هذا الحديث يجد أنه يؤكد أهمية السنة وحجيتها؛ لأن لفظ كتاب الله لفظ مشترك، فهو كما يطلق على القرآن يطلق على ما كتب الله تعالى عنده مما هو حكمه وفرضه على العباد، كان مسطورا أو لا، كمـا قـال تعالـى: )كتـاب الله عليكـم( (النساء: ٢٤) أي حكمه وفرضه، وكل ما جاء في القرآن من قوله: )كتب عليكم( (البقرة: ١٧٨) فمعناه فرض وحكم، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن[29].

دليل ذلك ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الذي سبق أن تحدثنا عنه: «أن رجلا قال: يا رسول الله أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي في أن أتكلم... ثم أتى بالحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة والخادم رد، وعلى ابنك هذا جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها...»[30].

فالرجم والتغريب لم ينص عليهما القرآن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث لأقضين بينكما بكتاب الله، فهذا دليل على أن السنة لها الحجية التامة المكملة للقرآن؛ لأن القرآن إنما يأتي بقواعد عامة شمولية، تصلح لأن تمتد بامتداد القرآن في الزمان والمكان، ثم تأتي السنة بعد ذلك، ومعها الاجتهاد ليقوما بإنزال الجزئيات فيكمل كل منهما الآخر.

وهكذا يتضح لنا أن القرآن لا يتعارض مع السنة لوحدة مصدرهما، بل الآيات الصريحة الموجبة لاتباع السنة أكثر من أن تحصى، وهذا يبين بطلان دعوى منكري السنة؛ إذ إن القرآن الذي يدعون الإيمان به هو الذي يؤكد حجيتها.

الخلاصة:

·   إن الأحاديث التي يستدل بها هؤلاء المغرضون على نفي حجية السنة,إن هي إلا أحاديث شديدة الضعف, منكرة المتن, واهية الإسناد,ولا يصح الاحتجاج بها بأي حال من الأحوال, ويمكننا أن نلخص أقوال العلماء فيها على النحو الآتي:

o  حديث «إن الحديث سيفشو عني» حديث لا وزن له عند نقاد الحديث؛ لأنه روي من طرق كلها ضعيفة, بل قال بعض العلماء إنه من وضع الزنادقة.

o      حديث «إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه» لا يصح، فجل رواياته ضعيفة ولا يجوز الاحتجاج بها.

o  حديث «إني والله لا يمسك الناس علي بشيء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه» حديث منقطع ولا يصح الاحتجاج به, وذلك لعدم اتصال سنده, وعلى فرض صحته فالمقصود بالكتاب: كل ما أوحى به الله من كتاب وسنة.

o  إن قوله عن الوضوء من القيء: «لو كان فريضة لوجدته في القرآن»، فهو حديث ضعيف من حيث الإسناد, ومنكر من حيث المتن؛ لأن السنة أتت بأحكام لم ترد في القرآن الكريم, وعليه فقد بطلت أدلة الشبهة فبطلت الشبهة.

·   لقد أظهرت هذه الشبهة تناقض منكري السنة؛ لأنهم اعتمدوا في نفي حجية السنة على أخبار يدعون أنها من السنة, ولقد غفلوا عن أن استدلالهم هذا يعد إقرارا ضمنيا منهم بحجيتها.

·   إن كل الأحاديث التي استدل بها هؤلاء الطاعنون لنفي حجية السنة بدعوى أنها تخالف القرآن - هي أحاديث يردها القرآن نفسه؛ لأن القرآن قد أثبت حجية السنة في أكثر من موضع, كما أن السنة وحي إلهي كالقرآن, ولا يمكن بحال من الأحوال أن تخالفه لأنهما من مشكاة واحدة.

 


(*) السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء, حمدي عبد العظيم الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م.

[1]. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، باب: الحجة في تثبيت خبر الواحد، (1/ 9). أخرجه ابن المقرئ في معجمه، باب: ترجمة علي رضي الله عنه، (3/ 239).

[2]. الرسالة, الشافعي, تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت, ص225.

[3]. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، باب: الحجية في تثبت خبر الواحد، (1/ 9).

[4]. الرسالة، الإمام الشافعي, تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، هامش ص224.

[5]. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (3/ 209، 210).

[6]. جامع بيان العلم وفضله, ابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، (2/ 1190، 1191) بتصرف.

[7]. جامع بيان العلم وفضله, ابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، القاهرة، 1428هـ/ 2007م، (2/ 1191).

[8]. أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب: بيان مشكل ما روي عن رسول الله من قوله: "إذا حدثتم عني..."، (15/ 347)، رقم (6068). وأخرجه الدار قطني في سننه، كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري، (4/ 208)، رقم (18).

[9]. مفتاح الجنة، السيوطي, الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط3، 1399هـ، ص24.

[10]. انظر: التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (3/ 474).

[11]. تقريب التهذيب، ابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال الباكستاني، دار العاصمة، السعودية، ط1، 1416هـ، ص1047.

[12]. ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (1/ 38).

[13]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5، 1415هـ/ 1994م، (2/ 111: 115).

[14]. السلسلة الضعيفة، الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط2، 1420هـ/ 2000م، (3/ 205: 207).

[15]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، (1/ 213).

[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ( 1/ 241)، رقم (106).

[17]. أخرجه الشافعي في مسنده، كتاب: استقبال القبلة في الصلاة، (1/ 129)، رقم (116)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب: الصلاة، باب: صلاة المريض، (3/ 360)، رقم (1155).

[18]. مفتاح الجنة، السيوطي، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط3، 1399هـ، ص27.

[19]. الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، (1/ 212).

[20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود, باب: الاعتراف بالزنا, (12/ 140)، رقم (6827، 6828). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود, باب: من اعترف على نفسه بالزنا, (6/ 2638)، رقم (4355).

[21]. الرد على من ينكر حجية السنة, د. عبد الغني محمد عبد الخالق, مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1409هـ/ 1989م، ص496، 497.

[22]. الرد على من ينكر حجية السنة, د. عبد الغني محمد عبد الخالق, مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1409هـ/ 1989م، ص496، 497.

[23]. أخرجـه الدارقطنـي في سننه, كتـاب: الطهـارة, بـاب: العمـل في مـن أحـدث في الصـلاة، (1/ 159)، رقم (41).

[24]. سنن الدارقطني، أبو الحسن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم، دار المعرفة، بيروت، 1386هـ/ 1966م، (1/ 159).

[25]. سنن الدارقطني، أبو الحسن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم، دار المعرفة، بيروت، 1386هـ/ 1966م، (2/ 184).

[26]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (3/ 28).

[27]. الموافقات، الشاطبي، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (4/ 880) بتصرف.

[28]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، مسند المقدام بن معديكرب، رقم (17233). وصححه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.

[29]. الميزان بين السنة والبدعة, د. محمد عبد الله دراز، تحقيق: أحمد مصطفى فضيلة، دار القلم، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م, ص164.

[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: الاعتراف بالزنا، (12/ 140)، رقم (6827، 6828). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، (6/ 2638).

redirect redirect unfaithful wives
redirect how do i know if my wife cheated unfaithful wives
open my husband cheated black women white men
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
reasons wives cheat on their husbands what is infidelity why do men have affairs
go online how long for viagra to work
go online how long for viagra to work
website wifes cheat redirect
read all wife cheat click here
My girlfriend cheated on me find an affair signs of unfaithful husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  570
إجمالي عدد الزوار
  38107672

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع