ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح لنفسه من شرب الخمر والتوضؤ بها ما حرمه على أمته(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالف ما شرعه لأمته؛ إذ لم يلتزم بتحريم الخمر؛ ويستدلون على ذلك بما يزعمونه من أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب النبيذ في سقيفة بني ساعدة، حينما كان يخطب امرأة منهم، ويدعون أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ به عند فقد الماء. ويتساءلون: أليس في ذلك تناقض جلي بين ما يفعله وما يشرعه؟! هادفين من وراء ذلك إلى وصمه - صلى الله عليه وسلم - بمخالفة ما دعا الناس إليه، وما شرعه لهم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ بالنبيذ، وإنما شرع عند فقد الماء التيمم، وعلى تقدير ثبوته فإن النبيذ المقصود ليس مسكرا، فلا يعد خمرا، ولا يقع عليه حكمها.
2) إن تواتر نصوص القرآن والأحاديث على تحريم الخمر وتغليظ العقوبة على كل من يقاربها في الدنيا والآخرة - يشكل سياقا ينفي توهم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - شربها، وهو حامل الشريعة، المقتدى بفعله بين صحابته.
3) تلك فرية دأب أهل الكتاب على إلصاقها بأنبيائهم في كتبهم المحرفة، وحاولوا أن يلصقوها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كذبا وزورا.
التفصيل:
أولا. لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ بالنبيذ، وعلى تقدير ثبوت ذلك فإن النبيذ المقصود ليس مسكرا، فلا يعد خمرا ولا يأخذ حكمها:
لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدعى عليه من أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب خمرا أو توضأ بها، وما ورد هو أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ بنبيذ تمر حين عدم الماء، وحتى هذا لم يثبت؛ فقد ضعفه الألباني في كل رواياته وطرقه التي أخرجها أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصاحب "مشكاة المصابيح" عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - وفيها أن ذلك كان أثناء وجود ابن مسعود مع النبي ليلة لقائه بوفد الجن.
وقد رد أهل الحديث هذا الخبر ولم يقبلوه لضعف رواته، ولأنه قد روي من طرق أوثق من هذه الطرق، أن ابن مسعود لم يكن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة لقائه بالجن أصلا.
واحتج الجمهور لرد هذا الحديث بقوله سبحانه وتعالى: )فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم( (النساء: ٤٣). قالوا: فلم يجعل هاهنا وسطا بين الماء والصعيد، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» [1].
فهذا بيان صريح على أنه لا بديل آخر للماء سوى الصعيد الطاهر، وهذا ما شرعه الله - عز وجل - وعمل به نبيهـ صلى الله عليه وسلم - ووجه إليه أمته.
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتيمم عند فقد الماء، عملا بقوله سبحانه وتعالى: )وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه( (المائدة: ٦).
وهذا يدل على أن التيمم فريضة إذا لم يوجد الماء، والسنة المطهرة جاءت مؤكدة لذلك في أحاديث كثيرة؛ منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا».[2] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته؛ فإن ذلك خير» [3].
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتيمم عند فقد الماء، ويأمر بالتيمم، وقد جاءت كثير من الأخبار تنص على ذلك، نسوق منها: حديث عمران بن حصين، قال: «كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم"؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء؟ قال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك» [4]، وهذا يدل على مشروعية التيمم للصلاة عند فقد الماء من غير فرق بين الجنب وغيره.
وحديث جابر، قال: «خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك، فقال: قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر، أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» [5].
وهذا يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر[6].
ثم إن النبيذ الذي ورد في تلك الأخبار - على فرض صحتها - ليس هو الخمر المسكرة، ولا له حكمها. وقد جهل الطاعنون أو تجاهلوا الفرق الواضح بين النبيذ الذي ذكر في الآثار، وبين الخمر التي تسكر وتزيل العقل.
فالخمر هي كل ما أزال العقل أو غير منه؛ فعن ابن عمر قال: قام عمر على المنبر فقال:«أما بعد، أيها الناس، فإنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل» [7]، وقد خطب عمر بهذا وهو بمحضر من كبار الصحابة، فلم ينكر عليه أحد، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» [8]، وفي رواية: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» [9].
فالخمر بجميع أنواعها حرام، قليلها وكثيرها سواء، ويحد شاربها وإن لم يسكر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أسكر منه الفرق[10] فملء الكف منه حرام» [11]، وكل ما أسكر فهو خمر سواء أكان من العنب، أو التمر، أو الزبيب، أو البصل، أو الشعير، أو الذرة، والعبرة ليست بالأسماء، وإنما العبرة بالإسكار، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء الذين يتحايلون على الشرع ويسمون الخمر بغير اسمها، فقال: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» [12].
والخمر مضرة بالصحة، مذهبة للأموال، مفسدة لما بين الناس من أواصر المحبة والأخوة، مغواة للشيطان، صارفة عن ذكر الله، وعن الصلاة، سالبة للعقل الذي هو أشرف ما وهب الله الإنسان، معرضة شاربها للعربدة والتعدي على الدماء والأعراض، فهي أم الخبائث، فلا تعجب إذا كان الإسلام حرمها فيما حرم على المسلمين، ليكون المجتمع الإسلامي على خير ما يكون دينا وخلقا، وأمنا وسلاما[13].
أما النبيذ فهو كل ما ينتبذ في الماء أو اللبن أو غيرهما.
والنبيذ أنواع مختلفة، منها:
· النقير: أصل النخلة ينقر وسطه، ثم ينتبذ فيه.
· البتع: نبيذ العسل والتمر.
· المزر: نبيذ الشعير.
وغيرها من الأنواع.
وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد جوازها؛ ومن ذلك ما جاء «عن أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال: وما هي؟ قال: البتع والمزر. فقال: كل مسكر حرام» [14].
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله وحده، هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع: ما انتبذ في الدباء،[15] والنقير،[16] والحنتم،[17] والمزفت» [18] [19].
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع - نبيذ العسل - فقال: كل شراب أسكر فهو حرام» [20].
وأوضح من ذلك كله فيما نحن بسبيله قوله - صلى الله عليه وسلم -: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا» [21]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا، أو تمرا فردا، أوبسرا فردا» [22] [23].
فبدا - بعد ذلك كله - فرق ما بين الخمر والنبيذ من جهة حقيقتهما في نفس الأمر، ثم من جهة الحكم الشرعي الذي رتبته الشريعة على شاربهما، والتسوية بينهما في ذلك إن لم تكن جهلا فهي لغط وتشغيب.
ثانيا. تحريم الخمر وتغليظ عقوبة من شربها أو قاربها، ينفي توهم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شربها أو توضأ منها؛ لأنه الأسوة والقدوة:
لما كان للخمر تأثير هدام على العالم حرمها الله تحريما باتا؛ فشرب الخمور أحد الأمراض الاجتماعية الوبيلة في عصرنا الحاضر على الإنسانية، وقد حارب الإسلام الخمر نظرا لتأثيرها السيئ في النفوس حتى حرمها تحريما تاما، قال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (91)( (المائدة).
وقد نزل هذا التحريم القاطع بعد أن أدرك المسلمون أنها شيء غير حسن، وبعد أن أدركوا أن ضررها أكبر من نفعها، وبعد أن مرنوا على الاستغناء عنها بعد أن ألفوها، وصارت خلب أكبادهم، ونبع نفوسهم؛ ولذلك نزل قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة:٩٠). وقد كان التحريم مشددا، كما أن الله - عز وجل - ذكر حكمته، بأنها توقع العداوة والبغضاء، وأنها تصد عن ذكر الله؛ لأنها تضعف صوت الضمير، وتجعله في غفوة، فلا يدرك الخير، وهي تصد عن الصلاة، وحسبها هذه الأمور شرا[24].
ولما حرمت نادى منادي رسول الله: "ألا إن الخمر قد حرمت"، فقام الناس إلى ما عندهم منها فأهرقوه حتى سالت بها طرق المدينة، وبذلك نجح الإسلام أيما نجاح في تحريمها على تأصلها فيهم، وقد حاولت بعض الدول - الولايات المتحدة - في العصر الحديث تحريمها بسطوة القانون ففشلت، وأين قانون الإنسان من شريعة الرحمن؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وروي أنه لما نزلت آية التحريم البات قال ناس: يا رسول الله، فكيف بمن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فراشهم وكانوا يشربونها؟ فأنزل الله قوله سبحانه وتعالى: )ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين (93)( (المائدة).
فالآية إعذار لمن كان يشربها قبل التحريم ومات على ذلك، وليس فيها إباحة شربها؛ لأن شربها لا يجامع التقوى بأي حال من الأحوال[25].
وقد جاءت الأحاديث النبوية مؤكدة لشدة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الخمر:
1. عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» [26].
2. عن ديلم الحميري قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: «يا رسول الله، إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا. فقال: "هل يسكر"؟ قلت: نعم. قال: "فاجتنبوه". فقلت: إن الناس غير تاركيه، قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم» [27].
3. عن أنس قال: «لعن رسول الله في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له» [28].
4. عن ابن عمر ونفر من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه»، وفي رواية «فاضربوا عنقه» [29].
5. «دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له بالطائف، يقال له: "الوهط"، وهو مخاصر فتى من قريش، يزن[30] ذلك الفتى بشرب الخمر، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من شرب من الخمر شربة لم يقبل الله توبة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له توبة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة» [31].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، ومن ينهى عن المنكر ويأتيه، فعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق[32] أقتاب[33] بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» [34] [35].
هذا تحذيره وكلامه - صلى الله عليه وسلم - فهل يعقل أن يخالف ما يقول، وهو العابد الصادق، المنزه عن الكذب، المشهود له بالصدق الدائم والخوف من الله؟!
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجاهد، ليحرم الخمر، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - اجتهد في حد شاربها؛ وذلك لأن القرآن الكريم لم يحدد حدا له، فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض عليه شارب الخمر، يضرب القليل والكثير، ولكنه لم يزد عن أربعين، وجاء أبو بكر وضرب في الخمر أربعين، وروي أن أبا بكر سأل أصحاب الرسول: كم بلغ ضربه لشرب الخمر؟ فقدروه بأربعين، وروي عن أبي سعيد الخدري وعن على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر أربعين[36].
وبدا بذلك كله شدته - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الخمر والنهي عنها بقوله وفعله، في حق من شربها ومن تلبس بها على وجه من الوجوه، وسواء أكانت للسكر أم للمداواة، وليس أدل على ذلك من ضربه لشاربها. ولا يتصور فيمن هذه حاله أن يقدم عليها وأن يستبيحها لنفسه ويحرمها على غيره!
ثالثا. محاولة أهل الكتاب إلصاق تهمة شرب الخمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كعادتهم مع أنبيائهم في كتبهم المحرفة:
إن من أعجب العجب أن الذين يرمون محمدا - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا يدين أكثرهم بكتب مقدسة، فيها من التصريح بشرب الخمور ونسبة ذلك إلى الأنبياء الكرام، ما لا يقاس إلى ما يتلمسونه من روايات عند المسلمين، وهذه طائفة من نصوص العهد الجديد الملفقة المحرفة، نثبتها هنا في سياق مناقشة اتهام النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرب الخمر:
· "وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك. ودعي أيضا يسوع وتلاميذه في العرس. ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر. قال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة؟! لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام: مهما قال لكم فافعلوه. وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع: املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم: استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ، فقدموا. فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا ولم يكن يعلم من أين هي، لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا، دعا رئيس المتكأ العريس. وقال له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا فحينئذ الدون، أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن. هذه بداءة الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه". (يوحنا 2: 1ـ 11).
· "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة". (لوقا 7: 34).
ونلاحظ أن ابن الإنسان المقصود به يسوع معبود النصارى، والنص يخبرنا بأنه شريب للخمر.
فنجد أن يسوع هو الذي وصف في كتبهم بشرب الخمر وصنعها، ولكن المنصرين يحاولون إلصاق شرب الخمر بالنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وحاشاه أن يفعل هذا[37].
وهكذا يتبين أن اتهامات هؤلاء لمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن هي إلا محاولات منهم لاختلاق سياق إسلامي يشبه منظومة افترائهم على أنبياء الله وانتقاصهم لهم، وأنبياء الله جميعا منزهون معصومون عن ارتكاب هذه الفواحش والمنكرات، بما نزههم الله وبما عصمهم أجمعين.
الخلاصة:
· الكلام عن توضؤ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنبيذ لم يثبت فيه أثر صحيح، وإنما المعروف من سنته - صلى الله عليه وسلم - التيمم عند فقد الماء، وعلى تقدير صحته فإن أحدا لا يسوي بين الخمر والنبيذ، وذلك أنهما مختلفان في الحقيقة وفيما رتبته عليهما الشريعة من أحكام.
· شدد الإسلام تشديدا ظاهرا في أمر الخمر ولعن فيها عشرة، أحدهم شاربها، وسائرهم من أعان على شربها بوجه من الوجوه، ورتب عليها العقاب في الدنيا والآخرة، وبعيد البعد كله - بل هو ممتنع - أن ينهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها هذا النهي، ويعاقب مرتكبيها، ثم يستحلها على الملأ من أصحابه.
· لقد دأب أهل الكتاب في كتبهم المحرفة على انتقاص أنبيائهم، ونسبة المفاسد الأخلاقية إليهم، وانطلاقا من هذه الخلفية الأخلاقية الرديئة انطلق هؤلاء يهاجمون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطعنون في تشريعاته، محاولين بهذا اختلاق نسق إسلامي مواز لتلك الصفات الإجرامية التي نسبوها لأنبيائهم زورا وكذبا.
(*)