مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

ادعاء أخذه - صلى الله عليه وسلم - أصول دينه عن بعض رهبان النصارى (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم أصول دينه من بعض رهبان النصارى، ويستدلون على ذلك بأنه اقتبس سورة الفاتحة من الإنجيل، حيث التقى - صلى الله عليه وسلم - بالراهب بحيرا أثناء رحلته مع عمه أبي طالب إلى الشام، وكذلك التقى بالراهب نسطورا أثناء رحلته في تجارته لخديجة إلى الشام. هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في مصدر الوحي المحمدي، وإلى القول ببشريته.

وجها إبطال الشبهة:

1)    مخالفة القرآن الكريم للنصرانية ومعارضته إياها في كثير من المواطن وتعريضه بالنصارى في سورة الفاتحة، كل ذلك ينفي وجود أدنى اقتباس للقرآن من النصرانية، كما أن ثمة كثيرا من التشريعات الإسلامية لا وجود لها أصلا في الديانة المسيحية.

2)    من الثابت تاريخيا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذهب إلى الشام إلا مرتين فقط على مدار عشر سنوات، وأن لقاءه ببحيرا، ونسطورا كان لقاء عابرا، لا يتفق وطبيعة التلقي والتعلم لأي شيء، فضلا عن أن يكون المتعلم هو القرآن الكريم، ثم إذا كان هذان الراهبان قد علما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلماذا لم يذكر ذلك قومه أو الراهبان المذكوران؟!، بل لماذا لم يخصا نفسيهما بهذا الشرف من باب أولى؟!

التفصيل:

أولا. معارضة القرآن للنصرانية ومخالفتها في كثير من المواطن ينفي اقتباس محمد - صلى الله عليه وسلم - منها:

إن الإسلام قد عارض وخالف في كثير من المواطن النصرانية، وذلك في أمور من الجوهر والصميم، فإذا كان هذا الخلاف الجوهري بين الإسلام والنصرانية واقعا منذ أول لحظة بعث فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يكون الإسلام أو بعضه مأخوذا منها؟ وأي شيء يكون قد أخذه إذن؟ هل أخذ منها عقيدة التوحيد، وتنزيه الله عن كل نقص؟ أم أخذ منها الإيمان بعصمة الأنبياء؟ أم تراه أخذ منها الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وإيتاء الزكاة، وأحكام الجهاد، والزواج، والطلاق والميراث على ما هو مفصل في الشريعة الإسلامية؟ إن كل الذي تساءلنا عنه وغيره كثير، لا وجود له عندهم، بل عندهم ما يناقضه تماما، فكيف يكون الإسلام إذن صورة عن النصرانية، وبينه وبينها خلاف واسع وبون شاسع[1].

ومن الأمثلة التي توضح هذا التعارض بين القرآن والكتب السابقة، أن العبادات في الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم من صلاة، وصيام، وزكاة وحج، وتفاصيل هذه الشعائر، وطريقة أدائها - من الأمور التي لا نظير لها في الديانات السابقة، وإذا كان القرآن الكريم قد اقتبس من الأناجيل التي بين أيديهم، فلماذا لم يأخذ بنظرية التثليث، وبعقيدة الصلب، والخطيئة، وألوهية المسيح[2]؟!

وإذا كان القرآن أو بعضه من عند هؤلاء النصارى، فلماذا جاءت فيه آيات لا توافق النصرانية، مثل:

1.    )وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157)( (النساء).

2.    )يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (171)( (النساء).

3.    )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72)( (المائدة).

4.    )وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116)( (المائدة).

5.    )وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6)( (الصف).

فأين التوحيد المطلق لله في العقيدة الإسلامية من التثليث في عقيدة بحيرا ونسطورا؟!

وأما كون الفاتحة مقتبسة من الإنجيل فباطل؛ وذلك أن في افتتاح السورة بـ "بسم الله"، وإفراد الله - عز وجل - بالحمد من أول كلمة رفضا واضحا لعقيدة التثليث النصرانية، كما أنها أفردت العبادة لله - عز وجل - في قوله سبحانه وتعالى: )إياك نعبد وإياك نستعين (5)( (الفاتحة)، يقول الشيخ سيد قطب: "والبدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أول ما نزل من القرآن باتفاق، وهو قوله سبحانه وتعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق (1)( (العلق)، وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله )هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (3)( (الحديد: 3) فهو - سبحانه وتعالى - الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه، فباسمه إذن يكون كل ابتداء، وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه.

والتوجه إلى الله بالحمد يمثل شعور المؤمن الذي يستجيشه مجرد ذكر الله، أما شطر الآية الأخير: )رب العالمين (2)( (الفاتحة) فهو يمثل قاعدة التصور الإسلامي، فالربوبية المطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية.. والرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح والتربية.

والتصرف للإصلاح والتربية شمل العالمين - أي جميع الخلائق - والله - سبحانه وتعالى - لم يخلق الكون، ثم يتركه هملا، وإنما هو يتصرف فيه بالإصلاح، ويرعاه ويربيه، وكل العوالم والخلائق تحفظ وتتعهد برعاية الله رب العالمين، والصلة بين الخالق والخلائق دائمة ممتدة قائمة في كل وقت وفي كل حالة.

والربوبية المطلقة هي مفرق الطريق بين وضوح التوحيد الكامل الشامل والغبش الذي ينشأ من عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة، وكثيرا ما كان الناس يجمعون بين الاعتراف بالله بوصفه الموجد الواجد للكون، والاعتقاد بتعدد الأرباب الذين يتحكمون في الحياة، ولقد يبدو هذا غريبا مضحكا، ولكنه كان وما يزال، ولقد حكى لنا القرآن الكريم عن جماعة من المشركين كانوا يقولون عن أربابهم المتفرقة: )ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى( (الزمر: ٣)، كما قال عن جماعة من أهل الكتاب: )اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله( (التوبة: ٣١).

وكانت عقائد الجاهليات السائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام، تعج بالأرباب المختلفة بوصفها أربابا صغارا تقوم إلى جانب كبير الآلهة كما يزعمون!

لقد جاء الإسلام، وفي العالم ركام من العقائد والتصورات، والأساطير، والفلسفات، والأوهام، والأفكار يختلط فيها الحق بالباطل، والصحيح بالزائف، والدين بالخرافة، والفلسفة بالأسطورة، والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يتخبط في ظلمات وظنون ولا يستقر منها على يقين..

وإفراد العبادة لله - سبحانه وتعالى - في قوله سبحانه وتعالى: )إياك نعبد وإياك نستعين (5)( إعلان برفض عقيدة التثليث التي يدين بها أهل الإنجيل.

)إياك نعبد وإياك نستعين (5)( هذه هي الكلية الاعتقادية التي تنشأ عن الكليات السابقة في السورة، فلا عبادة إلا لله، ولا استعانة إلا بالله.

وهنا كذلك مفرق طريق، مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية، وبين العبودية المطلقة للعبيد!

وهذه الكلية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل، التحرر من عبودية الأوهام، والتحرر من عبودية النظم، والتحرر من عبودية الأوضاع، وإذا كان الله وحده هو الذي يعبد، والله وحده هو الذي يستعان به، فقد تخلص الضمير البشري، من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات.

وهنا يعرض موقف المسلم من القوى الإنسانية، والقوى الطبيعية، فأما القوى الإنسانية - بالقياس إلى المسلم - فهي نوعان: قوة مهتدية، تؤمن بالله، وتتبع منهج الله، وهذه يجب أن يؤازرها، ويتعاون معها على الخير والحق والصلاح، وقوة ضالة لا تتصل بالله، ولا تتبع منهجه، وهذه يجب أن يحاربها ويكافحها ويغير عليها" [3].

فعقيدة المسلمين هي توحيد الله - عز وجل - وإفراده بالعبادة دون أحد، وأما عن عقيدة النصارى فقد قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، والله - عز وجل - يرد عليهم فيقول: )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم( (المائدة: 72)؛ فقد أكد - سبحانه وتعالى - كفر قائلي هذا القول من النصارى؛ إذ غالوا في إطراء نبيهم المسيح ابن مريم - عليه السلام - غلوا ضادوا به غلو اليهود في الكفر به، وقولهم عليه وعلى أمه الصديقة بهتانا عظيما، ثم صار هو العقيدة الشائعة فيهم، ومن عدل منهم إلى التوحيد يعد مارقا عن دينهم، ذلك بأنهم يقولون: إن الإله مركب من ثلاثة أصول يسمونها: "أقانيم" وهي، الآب والابن والروح القدس[4]، وهذه الأقانيم الثلاثة هي الذات والنطق والحياة، فالله موجود بذاته، ناطق بكلمته، حي بروحه، وكل خاصية من هذه الخواص أو العناصر التي يتكون منها الإله تعطيه وصفا معينا أو مظهرا خاصا، فإذا تجلى الله بصفته سمى "الآب"، وإذا نطق فهو "الابن"، وإذا ظهر كحياة فهو "الروح القدس"، وفي النهاية يكون الآب والابن والروح القدس إلها واحدا وهو الله[5].

ثم يقرر الله - سبحانه وتعالى - كفر من قال منهم: إن الله ثالث ثلاثة، فيقول: )لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد( (المائدة: ٧٣).

فأين ذلك مما قررته سورة الفاتحة من إفراد العبودية لله رب العالمين؟!

ولو سلمنا جدلا أن الفاتحة مقتبسة من الإنجيل، فكيف نفهم ذم الفاتحة للنصارى ووصفها لهم بالضالين؟!!

لو صح أخذ الفاتحة من الإنجيل، أكان يصح أن تسمي أصحاب الإنجيل بالضالين؟ وقد ورد في الحديث المرفوع «تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى»[6].

وجاء في "معالم التنزيل" للبغوي بعد تفسير لفظتي "المغضوب عليهم والضالين" تفسيرا لغويا، أنه قيل: المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى؛ لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب، فقال: )من لعنه الله وغضب عليه( (المائدة: ٦٠) وحكم على النصارى بالضلال، فقال: )ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل( (المائدة: ٧٧).

وبعد فهل من الممكن نقلا وعقلا، أن يكون النص الإنجيلي مصدرا لما ورد في القرآن الكريم؟!!

إن المقارنة بين هذه النصوص تسفر عن انفراد النصوص القرآنية بدقائق لا وجود لها في النص الإنجيلي. أما ما توهموه من تشابه بين الفاتحة وبين ما جاء في الإنجيل من قوله: "فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد.. آمين". (متى 6: 9 - 13), وأن هذا الاستفتاح يشبه: "بسم الله الرحمن الرحيم". ثم إن الصلاة في المسيحية تتكون من آيتين تختصان به تعالى، وأربع آيات للعبد بالإضافة إلى البسملة، وكذلك الفاتحة عند المسلمين، ويستشهدون على ذلك بما جاء في الحديث القدسي عن الفاتحة من قوله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي» [7]. فوهم باطل؛ إذ لو كانت الفاتحة مأخوذة من الإنجيل بالفعل، فهل كان معاصرو محمد - صلى الله عليه وسلم - ومعارضوه من كل الاتجاهات يسكتون عن ذلك؟ لقد كانوا يتصيدون له - صلى الله عليه وسلم - التهم، ويقفون له بالمرصاد، فكيف يغيب عنهم أمر كاقتباس الفاتحة من كتب النصارى، لا سيما وأن الفاتحة هي أم الكتاب، وهي ركن أساسي من أركان الصلاة، التي هي عماد الدين؟!

إن كل ما استطاع المعارضون أن يدعوه لم يخرج عن إطار التعميمات التي لا تستند إلى أي أساس علمي، وقد أشار القرآن الكريم نفسه إلى هذه الدعاوى الباطلة؛ فزعموا كما حكى عنهم القرآن في قوله تعالى: وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون( (الفرقان: 4)، )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)( (الفرقان)، وقالوا: إن محمدا )يعلمه بشر( (النحل:103).

ومن الثابت تاريخيا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يقرأ ولا يكتب؛ ولذلك عين عددا من أصحابه لكتابة ما ينزل عليه من وحي قرآني، ولو كان يستطيع القراءة والكتابة لما كان في حاجة إلى الاستعانة بأحد لكتابة آيات القرآن الكريم.

فكيف يستطيع أمي أن يطلع على كتب الديانات الأخرى؟ وكيف ومتى حدث ذلك، إن هذه مجرد دعاوى لا يقوم عليها دليل، ولا سند لها من الواقع[8].

والقرآن الكريم كله كتاب متسق في نظمه وأسلوبه وتعاليمه، فلو كانت الفاتحة مأخوذة من كتب سابقة لكانت مختلفة في أسلوبها وفي نظمها، وتعاليمها عن بقية سور القرآن الكريم، ولما لم يكن ذلك كان نظم الفاتحة وأسلوبها وتعاليمها يتفق ونظم القرآن وأسلوبه، والآن نطالب المشككين بما طالبهم به القرآن الكريم: )قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111)( (البقرة).

ثانيا. من الثابت تاريخيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذهب إلى الشام إلا مرتين فقط على مدار أكثر من عشر سنوات، فأنى له أن يتعلم كل هذا في زيارتين عابرتين؟!

إن الزعم بتلقي النبي من بحيرا في صباه في رحلته إلى الشام مع عمه، أو عن نسطورا أثناء رحلته التجارية للسيدة خديجة وهو في شبابه - زعم باطل لا يستند إلى دليل من عقل أو منطق وذلك للأسباب الآتية:

·       إن التقاء الراهب بحيرا بالغلام محمد، أو التقاء الراهب نسطورا بالشاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كان لقاء عابرا؛ إذ إن طريق التجارة من مكة إلى الشام، كان يتخذ من أديرة الرهبان مواقع استظلال وراحة.

ولم يكن هذا اللقاء خاصا بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو على انفراد معه؛ بل كان لقاء عاما يجمع قوافل التجارة كلها، فسرعة اللقاء لا تمكن من تعليم ولا تعلم.

·       إن نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أتت بعد اللقاء الأول بثلاثين سنة تقريبا، وبعد اللقاء الثاني بخمسة عشر عاما، فلم هذا الصمت الطويل من النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كانت هناك إيحاءات من هذين الراهبين؟

ومن المعروف أن فترة الشباب هي أجمع فترات العمر للقوة والثورة وإرادة التغيير.

·       إن النصرانية في المنطقة العربية لم يكن لها حكومة، أو هيئة تجمعها على وحدة التعاليم، فهؤلاء الرهبان المنتشرون في صحاري المنطقة، هم من الذين فرقتهم الصراعات المذهبية حول طبيعة المسيح، ومزقتهم الاضطهادات السياسية.

فأي عقيدة تلقاها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الرهبان؟ أهي عقيدة الصلب والفداء؟ أو عقيدة التثليث؟!

إنه من البدهي أن القرآن العظيم قد التقى مع الكتب السابقة في قصصها العام باعتبار المشكاة الواحدة التي خرجت منها، ولكن تفاصيل القصة في القرآن قد فضحت تحريفات أهل الكتاب وافتراءاتهم على الله ورسله.

يقول أحد الباحثين المنصفين من غير المسلمين[9]: "محمد بغير ذلك اللقاء - لقائه ببحيرا - في عرض الفلاة، كان حريا أن يغدو محمدا بقضه وقضيضه، وفضله وعقله وهداه.

أما بحيرا بغير هذا اللقاء فكان حريا أن يذهب في التاريخ نسيا منسيا، فأدخله ذلك اللقاء دولة التاريخ، وأحدث له ذكرا باقيا، وقد راح ألوف من نظرائه المنقطعين للنسك في الصحراء واختلط تراب عظامهم بالرمال التي يذروها الهواء".

فالباحث يريد أن يقول إن بحيرا لم يكن سقراط عصره، ولا فيلسوف زمانه، ولم يعرف له ذكر في التاريخ قبل هذا اللقاء ولا بعده، فمن هو بحيرا حتى ينسب إليه القرآن؟!!

وعلى كل فما أشبه الليلة بالبارحة.. وصدق الله حيث يقول سبحانه وتعالى: )وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا (4) وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما (6)( (الفرقان).

لا ينكر أحد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذهب إلى الشام في حياته كلها إلا مرتين فقط، وذلك على مدار أكثر من عشرة أعوام، فأين إذن هذه الرحلات التي يتكلمون عنها، والتي يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - التقى فيها بأحبار اليهود ورهبان النصارى وأخذ عنهم، ومتى كانت؟ وأين تم هذا اللقاء، وكم مدة قضاها ليتلقى تلك الدروس حتى يهضمها ويستوعبها؟ ومن هم الذين أخذ عنهم؟ وماذا أخذ؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير والكثير يعجز المستشرقون عن إجابتها؛ لأنها لا إجابة لها ألبتة.

فإن ما زعموه من أنه من الممكن أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقف هذا الذي جاء به من بحيرا ونسطورا الراهبين - زعم باطل؛ وذلك لأن المعروف الثابت تاريخيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلق بحيرا هذا إلا مرة واحدة، وهي المرة الأولى التي سافر فيها إلى الشام، وكان معه عمه أبو طالب، وكان عمره - صلى الله عليه وسلم - آنذاك تسعة أعوام، ولا يعقل أن يكون سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ عنه، وهو في هذه السن شيئا.

وأنى لبحيرا معرفة ما حواه الوحي الإلهي قرآنا وسنة، من علوم وأخبار ماضية ومستقبلية؟ هذا لو فرضنا أنه يمكن أن يكون قد أخذ عنه شيئا.

إن الباحث المنصف لو استنطق التاريخ، ما زاد على أن يقول له: إن الراهب بحيرا لما رآه تظله سحابة من الشمس، ورأى فيه بعض أمارات النبوة، ذكر لعمه أنه سيكون له شأن، وحذره أن تناله اليهود بأذى.

وكذلك الحال عندما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالراهب نسطورا، وهو في طريقه إلى الشام، يعمل في تجارة خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - وكانت هذه هي المرة الثانية والأخيرة في رحلاته خارج مكة، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك شابا في الخامسة والعشرين من عمره، وفي صحبته غلام خديجة ميسرة، والذي تحدث به الراهب نسطورا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مع ميسرة، ولما تحقق الراهب من صفات النبوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما زاد على أن جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل رأسه وقدميه، وقال: آمنت بك، وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة، ثم قال لميسرة بعد أن خلا به: يا ميسرة! هذا نبي هذه الأمة، والذي نفسي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم.

ولم تذكر الأخبار أنه كان حتى هناك مجرد حديث بين الغلام الصغير محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين بحيرا، وبين الشاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين نسطورا، وإنما الذي ذكرته الأخبار أن كل الحديث الذي تحدث به الراهب بحيرا عنه، كان مع عمه أبي طالب، والذي تحدث به الراهب نسطورا عنه، كان مع غلام خديجة ميسرة! فماذا - يا ترى - سمع الشهود من عمه أبي طالب وميسرة من علوم هذا الأستاذ المزعوم؟ هلا نبأنا التاريخ بنبأ ما جرى خلال هذا الحديث المزعوم الذي جمع في تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن والسنة؟!

إن تلك الروايات التاريخية التي تتحدث عن اللقاء العابر بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بحيرا ونسطورا، تجعل من المستحيل أن يقف كل من بحيرا ونسطورا موقف المعلم المرشد لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن كلا منهما بشر عمه أو ميسرة بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن راهب بهذه البشارة التي يزفها، ثم ينصب نفسه أستاذا لصاحبها الذي سيأخذ عن الله، ويتلقى عن جبريل، وإلا كان هذا الراهب متناقضا مع نفسه!!

إن هذه التهمة لو كان لها نصيب من الصحة، لفرح بها قومه، وقاموا لها ولم يقعدوا؛ لأنهم كانوا أعرف الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا أحرص الناس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة[10].

يقول د. شوقي أبو خليل: "إن اسم الكاهن الذي زعموا أنه كان يملي، أو يعطي قصص القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يختلف دائما باختلاف مرجع هذه الشبهة ومصدرها، أو الإشاعة المفتراة، فإن كان المرجع مسيحيا فالراهب هو سرجيوس أو بحيرا وفي مرات أخرى هو ورقة بن نوفل أو نسطورا.

وإذا كان المرجع يهوديا فصاحب القرآن حاخام إسرائيلي مجهول الاسم، ولا ندري لماذا ينتهي في أصله ونسبه إلى بني إسرائيل؟

وإننا لندعو من أثاروا هذه الشبهة إلى أن يتفكروا في هذه النقاط الست الآتية التي تهدم شبهتهم من أساسها:

1.  إن اختلاف الروايات يدل على أن الشبهة والتهمة لم يتفق عليها، ولم تكن محكمة، فمرة بحيرا، وتارة نسطورا، وتارة ورقة، ومرة حاخام مجهول الاسم.. أليس هذا كافيا لرد التهمة؟

2.  إن عمر محمد - صلى الله عليه وسلم - كان تسع سنوات فقط، عندما ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام، فهل يعقل أن يعي ويستوعب هذا الطفل الأمي ما يمليه له بحيرا؟

ولما عاد ثانية مع ميسرة خادم خديجة في تجارة لها كان عمره خمسا وعشرين سنة، ولم يتكلم ميسرة إلا بما رأى من عناية الله بمحمد، ولم يجتمع محمد في هذه الرحلة مع أي كاهن أو راهب، فلماذا نتغافل عن معجزات الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو في تجارته لخديجة؟ ولماذا نظن أنه أخذ دينا في هذه الرحلة؟

ويحضرنا تساؤل: هل كان من الممكن أن يخرج إلى بلاد الشام خلسة لو لم تكلفه خديجة بتجارتها ليأخذ من بحيرا القرآن؟

ثم ما الصلة السابقة بين محمد وبحيرا؟ ولماذا انتقى بحيرا محمدا بالذات وأعطاه هذا التشريع، ولم يعطه لابنه أو قريبه ولم يدعه لنفسه؟

لماذا يعطي المجد والخلود، والشهرة، والقوة، والنصر، وخير البشرية، وإنقاذها إلى هذا العربي اليتيم، ولم يدعه لنفسه؟ أليس هو - أقصد الراهب بحيرا - أولى بذلك من يتيم أبي طالب؟!

3.  إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق في رحلته الأولى إلا وقتا قصيرا مع بحيرا بوجود أناس كثر، فعامل الزمن يجب التنبه له، فهل يكفي لهذا الأمي الصغير يوم أو يومان أو ثلاثة كي يعي القرآن كله جملة وتفصيلا؟!

ولو أنه أخذ شيئا من بحيرا لقالت قريش لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما ادعى النبوة: إن بحيرا أعطاك هذا، ولكان ذلك ورقة رابحة بيد قريش؛ لأنه لن يستطيع إنكار ما أخذ بوجود قومه، وهذا ما لم تقله قريش في حربها الإعلامية ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضد القرآن، وهي التي أشاعت ما أشاعت، وعملت ما عملت للوقوف في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن!!

4.  رفضنا عقلا وبرهنا بموضوعية على أن القرآن لن يكون من عند بشر مطلقا، فبحيرا بشر، وورقة بن نوفل بشر، وحاخام اليهود بشر... كلهم بشر فلن يكون من عندهم، ولو بقي محمد عندهم آلاف السنين، لما أتوا بمثله ولما أعطوه بالتالي هذا التشريع المعجز.

5.  لم يعاصر بحيرا أو نسطورا... التسلسل الزمني للحوادث الواردة في القرآن الكريم، فأين بحيرا أو ورقة أو.. من سؤال يسأله رسول الله فنرى الإجابة قد وجدت في حينها، وجاء القرآن يشرحها ويحدد موقفه منها؟ وهذا يدحض دحضا قاطعا كون القرآن من عند هؤلاء، فلو كان جزء منه من عندهم، لكانت الحوادث التي جرت بعدهم وتكلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لها أسلوب يغاير أسلوبهم، أي لكان في القرآن أسلوبان متغايران وهذا ما لا نراه في القرآن قطعا.

ومهما كان بحيرا أو غيره كبير عقل، وصاحب نظر ثاقب، وعبقريا فذا، فلن يعرف أو يعرف غيره حوادث جرت بعد وفاته بعشرات السنين!

6.  وفي القرآن الكريم آيات لا توافق عقيدة المسيحية، فكيف يكتبها بحيرا أو نسطورا؟ وآيات توضح نفسية اليهود الخبيثة، فكيف يكتبها حاخام" [11]؟!

الخلاصة:

·   الناظر فيما ورد في القرآن الكريم من عقائد وتشريعات يجد مخالفة صريحة ومعارضة واضحة لما عند النصارى، ويجد أنه سفه عقائدهم، وفضح أسرارهم، وبين انحرافهم، فلو كان رهبانهم معلمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقف منهم هذا الموقف العدائي، بل لمدحهم وأثنى عليهم حتى لا يفتضح أمره، ثم لماذا لم يدع أحد منهم تعليمه إذ بكتهم وشنع بهم؟!

·       الفاتحة بما فيها من عقائد التوحيد التي تنافي عقيدة التثليث تنفي عن نفسها أن تكون مقتبسة من الإنجيل.

·   النظم القرآني نظم واحد، ولا يشابهه نظم، ولن يشابهه نظم، ومن ثم كانت الفاتحة من عند الله، وليست اقتباسا من إنجيل النصارى المحرف، ولا ينبغي ذلك.

·   المطالع لتاريخ رحلات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام، يجد أنه لم يسافر إليها إلا مرتين فقط، فهل تكفي هاتان الزيارتان لتعليم محمد - صلى الله عليه وسلم - كل ما جاء به، مع علمنا بما هو ثابت تاريخيا من طبيعة اللقاء العابر السريع، والتي لا تسمح بالتلقي أو التعلم؟

·   لماذا اختار بحيرا أو نسطورا محمدا - صلى الله عليه وسلم - دون من عداه لتلقي هذا التعليم؟ ولماذا لم يشنع بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من رأوه من قومه الذين كانوا معه في رحلة الشام؟!

·   لماذا يعطي هذان الراهبان محمدا - صلى الله عليه وسلم - هذا الشرف والمجد، ولم يستأثرا به؟! ولم لم يعلما القرآن أحد أبنائهم أو أقاربهم، ثم أنى لهم بهذا الإعجاز أصلا؟! وعليه فالنتيجة النهائية أن القرآن الكريم وحي من عند الله - عز وجل - ولا دخل للبشر فيه.



(*) الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، د. سمير عبد الحميد إبرهيم، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، مصر، ط1، 2004م.

[1]. مفتريات المستشرقين وعملائهم على الإسلام، د. إسماعيل علي محمد، دار النيل، مصر، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص45 بتصرف يسير.

[2]. الرد على كتاب جورج بوش "حياة محمد"، السيد حامد السيد علي، مطابع الولاء الحديثة، مصر، 2006م، ص91.

[3]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج1، ص21: 25 بتصرف.

[4]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الفكر، بيروت، ط2، د. ت، ج6، ص482.

[5]. المسيحية بين التوحيد والتثليث وموقف الإسلام منها، د. عبد المنعم فؤاد، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص277، 278.

[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، بقية حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه (19400)، وأبو يعلى في مسنده، حديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (7179)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3263).

[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (904).

[8]. حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط6، 1427هـ/ 2006م، العدد 133، ص8، 9.

[9]. هو د. نظمي لوقا في كتابه "وامحمداه"، وهو أحد النصارى المصريين.

[10]. رد شبهات حول عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ضوء الكتاب والسنة، د. عماد الشربيني، دار الصحيفة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص319: 321.

[11]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص33: 35 بتصرف.

wives that cheat redirect read here
wives that cheat redirect read here
click here unfaithful spouse women cheat husband
open my husband cheated black women white men
signs of a cheater reasons people cheat website
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
husband cheat my husband almost cheated on me online affair
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  38347
إجمالي عدد الزوار
  38036464

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع