ادعاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شك في دينه وما أنزل إليه من ربه(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شك في دينه وما هو عليه مما نزل إليه من وحي، ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل: )قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24)( (سبأ)، وقوله عز وجل: )فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94)( (يونس)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» [1]. ويرمون من وراء ذلك إلى نفي عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوى شكه في دينه؛ لأنه إن شك فيما أنزل إليه وأمر بتبليغه؛ فغيره أحق بالشك فيه منه حسبما يزعمون.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن الواقع والمنطق يقضيان باستحالة أن يأمر قائد من القادة - من غير أصحاب الدعوات السماوية - أتباعه بشيء، ثم يشك هو في صحته؛ فلا يعقل أن يدعو نبي من الأنبياء الناس إلى التوحيد والإيمان بالله، ثم يشك فيه، وإذا تقرر هذا في حق الأنبياء عامة؛ فهو في حق خاتم الأنبياء والمرسلين صاحب الرسالة المهيمنة المتممة ثابت من باب أولى.
2) إن آية أو شطر آية في القرآن الكريم كله ما دلت على شكه - صلى الله عليه وسلم - في دينه - لا نصا ولا إيماء - وإن ما استشهد به هؤلاء علي ذلك محض تعسف وتحميل لنصوص القرآن ما لا تحتمل.
3) إن سؤال الخليل إبراهيم - عليه السلام - الذي سأله ليس فيه شيء من الشك، وما ينبغي أن يكون؛ فسؤاله فقط عن هيئة الإحياء، لا عن إثبات قدرة الله - عز وجل - على الإحياء، واعتقادها من بدهيات الفطرة وأساسيات النبوة.
4) إن ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور هو تمام تنزيه الخليل إبراهيم - عليه السلام - في مقام تواضعه - صلى الله عليه وسلم - معه من جهة، ونفي الشك عنه - عليه السلام - من جهة أخرى، وليس معنى نفي الشك عن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - إثباته في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم!!
التفصيل:
أولا. استحالة أن يخالف الأنبياء - بما فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئا مما جاءوا به من عند الله - عز وجل - أو أن يشكوا فيه:
أجمعت الأمة سلفا وخلفا على ضرورة عصمة الأنبياء من الكفر والشك والريب؛ وذلك لأن العصمة صفة أساسية لهم، فلا يعقل أن يدعو النبي الناس للتوحيد والإيمان، ويكفر بما جاء به، وإذا كان هذا خلقا ممقوتا في دنيا القادة والمصلحين، أو الناس عامة فأولى بالبعد عنه الأنبياء والمرسلون، وهؤلاء الرسل الذين اختارهم الله لهداية الخلق هم الصفوة النبيلة الخيرة من عباده، كما قال عز وجل: )الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس( (الحج: 75).
وبعد أن ذكر جماعة من الأنبياء، قال سبحانه وتعالى: )وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47)( (ص)، وكان الرسل - عليهم الصلاة والسلام - مصطفين وأخيارا؛ لأنهم حملة أكرم رسالة، ولا يليق بأكرم الرسالات إلا أكرم البشر؛ ولأنهم في مقام القادة الهداة، ولا يتصدر القوم إلا أكملهم وأرفعهم في هذه المهمة بالذات[2].
"إن كمال العقل وعصمته من الكفر والشرك والشك، ومن تسلط الشيطان عليه، صفة أساسية في رسل الله عز وجل، وشرط ضروري من شروط صحة رسالة جميع الرسل، وهي جزء من الكمال البشري الذي كملهم الله - عز وجل - به، وهو عامل مهم، وسبب قوي من أسباب تبليغ الرسالة إلى أقوامهم، وإذا كان الكمال العقلي صفة أساسية في رسل الله عز وجل، فإمامهم - في ذلك - سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " [3].
ومن الأدلة العقلية على عصمة الأنبياء ما يأتي:
· لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم؛ لأن الدلائل دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن زجرهم - عليهم الصلاة والسلام - غير جائز، لقوله عز وجل: )إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة( (الأحزاب: 57)، فكان صدور الذنب عنهم ممتنعا.
· كل من أقدم على الذنب كان ظالما لنفسه، لقوله عز وجل: )فمنهم ظالم لنفسه( (فاطر: ٣٢)، والعهد في قوله عز وجل: )لا ينال عهدي الظالمين (124)( (البقرة) إما أن يكون عهد النبوة، أو عهد الإمامة، وهذا العهد لا يصل للظالم؛ لذلك لا يكون النبي ظالما.
· الراجح بين العلماء - رحمهم الله تعالى - أن الأنبياء أفضل من الملائكة، ومعلوم أن الملائكة ما أقدموا على شيء من الذنوب، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياء لامتنع أن يكونوا زائدين في الفضل على الملائكة.
· إن الله - عز وجل - في قوله حكاية عن إبليس: )قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82)( (ص)، استثنى المخلصين من إغوائه وإضلاله، ثم إنه - سبحانه وتعالى - شهد للرسل بأنهم من المخلصين حيث قال: )إنا أخلصناهم بخالصة( (ص: 46). وقال في حق يوسف: )إنه من عبادنا المخلصين (24)( (يوسف)، وذلك يوجب القطع بعدم صدور المعصية منهم[4].
ثانيا. ليس في القرآن ما يدل على شك النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أنزل إليه من ربه، وهو الذي تحمل عبء الدعوة إليه سنين عددا:
إن ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوحيد الذي بعث به، ويقينه بنصر الله له كانا على رأس الدوافع التي جعلها الله سببا في تثبيته، والتمكين لدينه، والشواهد في هذا كثيرة، أما ما استشهد به بعضهم على خلاف ذلك فمن قبيل الفهم المغلوط لمدلول القرآن وتحميل الآيات والألفاظ ما لا تحتمل، وتفسير النص على غير وجهه.
وما ظننا يوما أن تدعونا الحاجة إلى نفي اتهامه - صلى الله عليه وسلم - بالشك في دينه وما كان عليه من الإيمان، لولا أن بعضهم توهم هذا المعنى في آيتي: سبأ ويونس، ونحن إذا ذهبنا إلى تفسير قوله عز وجل: )وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24)( (سبأ). فإننا نجد أن الآية توضح مدى ضلال الكفار، بعد أن أثبتوا وأقروا أن الرزاق هو الله عز وجل، قيل: قال ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمشركين: والله ما نحن وأنتم على أمر واحد، وإن أحد الفريقين مهتد، وهم لا يشكون أنهم على هدى، وأولئك على ضلال، وإنما على جهة الاستهزاء فالمعنى: نحن على هدى وأنتم الضالون[5].
فالكلام في الآية سيق على لسان الصحابة - رضي الله عنهم - للكفار، وقد دار الحوار بينهما، فأراد الله - عز وجل - أن يؤكد لهم - أي: الكفار - أنهم في ضلال مبين.
وهذا اللون من الكلام يسمى الكلام المنصف، وهو أن لا يترك المجادل لخصمه موجب تغيظ واحتداد في الجدال، ويسمى في علم المناظرة إرخاء العنان للمناظر، ومع ذلك فقرينة إلزامهم الحجة قرينة واضحة[6].
وأما قوله عز وجل: )فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك( (يونس: 94)، فمعنى الآية - كما روي عن ابن عباس وغيره -: احذر كل الحذر - ثبت الله قلبك - أن يخطر ببالك شيء من شك النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أوحى الله إليه، وأنه من البشر، فمثل هذا الخاطر المذموم لا يجوز على النبي جملة لثبوت عصمته، بل قال ابن عباس: "لم يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل أحدا ممن قرأ الكتاب من قبله، فالمراد على سبيل الافتراض البعيد الحصول، وهذا قول عامة المفسرين" [7].
وقد قالوا: إن في السورة نفسها ما دل على هذا التأويل، قال عز وجل: )قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين (104)( (يونس).
فهذا تقرير لحقيقة حاله - صلى الله عليه وسلم - وشهادة له بأنه ما شك فيما أنزل عليه، ولا سأل أهل الكتاب، وكان من عباد الله المؤمنين؛ ومن هنا يتضح أن هذا التخيير ليس فيه أدنى شك منه صلى الله عليه وسلم، إنما هو من قبيل الاستهزاء بالكفار، وتوضيح مدى ضلالتهم وكفرهم، بعد أن أثبتوا أن الرزاق هو الله عز وجل.
ثالثا. إن السؤال الذي سأله سيدنا إبراهيم - عليه السلام - كان عن هيئة الإحياء، لا عن إثبات قدرة الله على الإحياء:
إن قول إبراهيم - عليه السلام - حين طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى وذلك في قوله تعالى: )وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى( (البقرة: ٢٦٠)، وقول الله له: )أولم تؤمن(، وقوله عليه السلام: )بلى ولكن ليطمئن قلبي( (البقرة: 260)، ليس من قبيل الشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك في إخبار الله - عز وجل - له بإحياء الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب، أي: بمشاهدة فعل الرب؛ إذ ليس الخبر كالمعاينة، على ما ورد في الأثر، وليستأصل دابر المنازعة بسكون النفس، أو منازعة أهل المخاصمة، فتحقق له بهذا: العلم الأول - وهو علم اليقين - ثم العلم الثاني الذي أراده - وهو عين اليقين - بكيفيته ومشاهدته - أي: ملاحظة هيئته وطريقته - ولا مانع من ذلك عقلا وتعلما في مقام استزادة العلم، وطلب زيادة العلم مشروع، كما قال - عز وجل - لنبيه، وهو أعلم بالحق: )وقل رب زدني علما (114)( (طه).
وإبراهيم الخليل - عليه السلام - إنما أراد اختبار منزلته عند ربه، والعلم بإجابة دعوة الله له، إذ سأل ربه ذلك، ويكون معنى قوله عز وجل: )أولم تؤمن( بناء على هذا التفسير: تصدق بمنزلتك مني وخلتك - أي: كونك خليلا عندي، واصطفائك بالرسالة وغيرها.
ثم إن إبراهيم - عليه السلام - لما احتج على المشركين بأن ربه يحيي ويميت، حكى الله - عز وجل - نص كلامه قائلا: )إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت( (البقرة: 258)، فطلب - أي: إبراهيم - أن يرى كيفية إحياء الموتى، لتتقوى حجته، ويصح احتجاجه على المشركين عيانا، فتحقق له ما يريد، وهو إلزام غيره في الحال[8].
ويؤكد على أنه ليس في سؤال سيدنا إبراهيم - عليه السلام - ما يدل على أنه شك، أن السؤال وقع بـ "كيف" الدالة على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول: كيف علم فلان؟ فكيف في الآية سؤال عن هيئة الإحياء، لا عن الإحياء نفسه، فإنه ثابت مقرر لدى سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وهو ما شهد به رب العزة لسيدنا إبراهيم ردا على سؤاله، بقوله عز وجل: )أولم تؤمن( والاستفهام هنا تقرير للنفي، وهو الشك، كأنه قال له: ألست مؤمنا بالبعث؟ فكان جوابه - عليه السلام - بـ "بلى" لإثبات النفي وهو الشك، والمعنى: أنا مؤمن بالبعث كما علمت ما في قلبي، لكنني أريد أن يطمئن قلبي برؤية الكيفية فقط لأعتبر بذلك.
فما شك إبراهيم - عليه السلام - ولم تكن لديه أية شبهة في قدرة الله - عز وجل - على إحياء الموتى، إذ لم يقل لله عز وجل: أتستطيع أن تحيي الموتى؟ وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أننا لا نشك في وجود الفيل، والتمساح، والكسوف، وزيادة النهر، ثم يرغب من لم ير ذلك منا أن يرى كل ذلك، ولا يشك في أنه حق، لكن ليرى العجب الذي يتمثله في نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره قط.
فواضح في السؤال والجواب أنه - عليه السلام - لم يسأل لشك أو شبهة أو تردد، وهذا ظاهر من سؤاله، إذ لم يقل لله تعالى: هل تقدر أن تحيي الموتى أو لا تقدر؟ فالسؤال كان حول كيفية الإحياء، وليس حول إمكانيته أو عدم إمكانيته.
وكيف يشك من وصفه ربه في كتابه بقوله عز وجل: )ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (51)( (الأنبياء)، وقوله عز وجل: )وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (75)( (الأنعام)، والرشد والإيقان، أسمى مراتب العلم، الذي لا يصح معه شك أو حتى شبهة[9].
رابعا. التفسير الصحيح لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - المستشهد به:
ليس من شك في أن قوله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»[10] حجة لنا؛ إذ فيه نفي للشك عن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وعن نفسه صلى الله عليه وسلم، وهذا من أحسن الأقوال وأصحها وأرجحها في هذا الصدد، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الشك مستحيل في حق إبراهيم عليه السلام، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم؛ لأن ما يجوز في حق واحد من الأنبياء يجوز في حقهم جميعا، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك.
وقد يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم:«نحن أحق بالشك من إبراهيم» أن هذا الذي تظنونه شكا، أنا أولى به، ولكنه ليس بشك، وإنما هو لطلب مزيد من اليقين.
وهذا الكلام مما جرت به العادة في المخاطبة، لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا، كأن يقول الرجل: ما تريد أن تقوله في حق فلان، قله لي، ومقصود هذا القائل لا يبعد عن مقصوده صلى الله عليه وسلم، ومعناه: لا تقل ذلك؛ لأنه ليس كذلك، فثق به كما تثق بي.
وإنما خص إبراهيم - عليه السلام - لكون قوله تعالى )وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى( (البقرة: ٢٦٠) قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منه احتمال الشك، وإنما رجح إبراهيم - عليه السلام - على نفسه - صلى الله عليه وسلم - تواضعا وأدبا، أو قبل علمه - صلى الله عليه وسلم - أنه خير وسيد ولد آدم عليه السلام[11].
إن المقصود - كما علمنا - من الحديث إذن هو نفي الشك عن الأنبياء جميعا؛ لأنهم معصومون من كل الظنون والخطايا، وكذا من الشك في عقيدتهم.
إضافة إلى ذلك أنه لا يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - اعترافه بأحقيته في الشك من إبراهيم، "بل ذلك نفي لأن يكون إبراهيم قد شك، أي: هو زجر، إذ قد ورد أنه لما نزل قوله عز وجل: )وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى( (البقرة: 260)، سمع قوم ذلك، فقالوا: شك إبراهيم، ولم يشك نبينا، فكانت هذه المقولة من نبينا إبعادا للخواطر الضعيفة أن تظن هذا بإبراهيم، أي نحن موقنون بالبعث وإحياء الله الموتى، أي: ولم نشك في قدرته - عز وجل - على ذلك، فلو شك إبراهيم؛ لكنا نحن أولى بالشك منه، وهذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - إما على طريق الأدب مع إبراهيم، أو أن - صلى الله عليه وسلم - يريد أمته الذين يجوز عليهم الشك؛ لفقد عصمتهم، أو على طريق التواضع والإشفاق، أو الخوف من تزكية النفس، إن أريد بقصة إبراهيم اختبار حاله، أي امتحان كماله؛ ليعلم منزلة قربه من ربه، أو إن أريد من القصة التوصل إلى زيادة يقينه، أي ليزداد حصول علم يقينه؛ بمعرفة عين يقينه" [12].
فعلم من هذا كله أن إبراهيم - عليه السلام - ما شك، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كأبيه إبراهيم - عليه السلام - في اليقين، ولو وقع فيه الخليل لجاز للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاشاهما من ذلك -، فلما لم يثبت في حق الخليل؛ انتفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق الأولى والأحرى!
الخلاصة:
· ليس في قوله عز وجل: )وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24)( (سبأ)، ما يوحي بالشك، أو يدل على وقوع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه؛ ذاك أن الآية توضح مدى كفر الكفار وضلالهم، وتثبت إيمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، بدليل أن الكفار في بداية الآية شهدوا بأن الرزاق هو الله عز وجل، ثم لم يقروا له بحقه في إفراده بالعبودية؛ فهو يعيب عليهم هذا الضلال.
· يقول ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: )فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك( (يونس: 94) :"ما شك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل أحدا من أهل الكتاب"؛ وذلك لأن الله زكاه في جميع خصاله وأفعاله.
· إن سؤال سيدنا إبراهيم كان عن هيئة الإحياء، لا عن قدرة الله في إحياء الموتى؛ لأن هذا ثابت في قلب سيدنا إبراهيم؛ وهو الذي وصفه الله بقوله عز وجل: )إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120)( (النحل).
· ليس في الحديث المستدل به ما يدل على ما ذهب إليه هؤلاء، وغاية ما هنالك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» وارد في سياق تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لإبراهيم - عليه السلام - بنفي الشك عنه، وليس معنى نفيه عن إبراهيم - عليه السلام - إثباته في حق محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإنما هذا مما جرت به العادة في المخاطبة، لمن أراد أن يدافع عن آخر شيئا.
(*) رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، د. عماد السيد الشربيني، دار الصحيفة، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م.